تفصیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله: الحدود

اشارة

سرشناسه : فاضل موحدی لنگرانی، محمد، - 1310

عنوان و نام پديدآور : تفصیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله: الحدود/ تالیف محمد الفاضل اللنکرانی؛ تحقیق مرکز فقه الائمه الاطهار

مشخصات نشر : قم: مرکز فقه الائمه الاطهار علیهم السلام، 1422ق. = 1380.

مشخصات ظاهری : ص 760

شابک : 964-92309-7-115000ریال

يادداشت : عربی

یادداشت : کتابنامه: ص. [731] - 744؛ همچنین به صورت زیرنویس

عنوان دیگر : تحریر الوسیله. شرح

عنوان دیگر : حدود

موضوع : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279. تحریر الوسیله -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه

موضوع : حدود (فقه)

شناسه افزوده : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279. تحریر الوسیله. شرح

شناسه افزوده : مرکز فقهی ائمه اطهار(ع)

رده بندی کنگره : BP183/9/خ8ت30237214 1380

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : م 80-19271

شكر و تقدير

بين أيدي فضلاء الحوزة و علمائها، كتاب الحدود من الموسوعة الفقهيّة «تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة». و قد طبع أوّل مرّة في سنة 1406 ه.

و بعد تأسيس مركز فقه الأئمّة الأطهار (عليهم السّلام) عزمنا على تجديد طبعه بحلّة جديدة، تتضمّن تخريجاً للآيات و مصادر الروايات و مدارك ما حواه من أقوال العلماء و آراء الفقهاء كان الكتاب بحاجة إليها. و قد تمّ هذا المشروع بجهود جماعة من الفضلاء في المركز:

الإشراف المباشر: حجّة الإسلام و المسلمين الشيخ حسين الواثقي.

التحقيق و التصحيح: حجج الإسلام و المسلمين الشيخ عباد اللّٰه السرشار الطهراني الميانجي، و الشيخ محمَّد علي المقدادي، و الشيخ مرتضى الواعظي و الأخ الفاضل محمد مهدي المقدادي، و الأستاذ محسن الأسدي.

و نحن إذ نقدّم لهم شكرنا و تقديرنا، نسأل اللّٰه تعالى أن يوفّقنا لإخراج تمام أجزاء الموسوعة، إنّه

سميع مجيب.

قم المقدّسة مركز فقه الأئمّة الأطهار (عليهم السّلام)

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 5

كتاب الحدود و فيه فصول

[الفصل الأوّل في حدّ الزنا]

اشارة

[الفصل] الأوّل في حدّ الزنا و النظر فيه في الموجب، و ما يثبت به، و الحدّ، و اللواحق (1).

______________________________

(1) قد ترك ذكر التعزيرات في عنوان الكتاب، كما في القواعد «1» و التحرير «2» و اللمعة «3». و لكن العنوان المذكور في الشرائع هو: «كتاب الحدود و التعزيرات» «4» و الجميع مشترك في التعرّض لموجبات التعزير و مسائله بعد مسائل الحدود.

و عليه فيمكن الاستشكال على الطائفة الأُولى بأنّه بعد تخصيص عنوان الكتاب بالحدود لا مجال للتعرّض لمسائل التعزير، مع أنّ الحد مقابل للتعزير.

و لكنّه يدفعه أنّ الحدّ تارة يذكر في مقابل التعزير، و أُخرى في مقابل عناوين سائر الكتب؛ كالبيع و الإجارة و الإرث و نحوها، ففي الصورة الأُولى لا بدّ بمقتضى

______________________________

(1) قواعد الأحكام: 2/ 249.

(2) تحرير الأحكام: 2/ 219.

(3) اللمعة الدمشقية: 164.

(4) شرائع الإسلام: 4/ 932، و كذا في المختصر النافع: 292.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 6

..........

______________________________

المقابلة من ثبوت المغايرة، و في الصورة الثانية يشمل التعزير أيضاً، و هذا كما في عنواني الفقير و المسكين، إذا اجتمعا افترقا، و إذا افترقا اجتمعا، و من المعلوم أنّ جعل العنوان كتاب الحدود، إنّما هو في مقابل عناوين سائر الكتب، لا في مقابل التعزير.

و توجد الصورتان في الروايات، ففي بعضها جعل الحدّ مقابلًا للتعزير كما سيأتي نقله، و في بعضها اقتصر على ذكر الحدّ؛ مع كون المراد هو الأعمّ، ففي رواية حنّان بن سدير، قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام): حدٌّ يقام في الأرض أزكى فيها من مطر أربعين

ليلة و أيامها «1».

و في رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): إقامة حدّ خير من مطر أربعين صباحاً «2». و من الظاهر أنّ المراد بالحدّ في مثل الروايتين هو الأعمّ من التعزير.

هذا مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ التعرّض لمسائل التعزير وقع من باب المناسبة، من دون أن تكون من المسائل الأصليّة للكتاب.

ثمّ إنّ الحدود جمع حدّ و هو لغة كما في المسالك و غيرها بمعنى المنع «3»، كما أنّ التعزير بمعنى التأديب، و لكنّه ربّما يقال بأنّ شأن اللغوي بيان موارد الاستعمال، و استعمل الحدّ في الحاجز بين شيئين، و منتهى الشي ء، و الدفع و المنع، و تأديب المذنب بما يمنعه و غيره عن الذنب، و تمييز الشي ء عن الشي ء، و غير ما ذكر.

و لكنّ الظاهر عدم كونها معان مختلفة، لاشتراك الجميع في جهة المنع كما

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 308، أبواب مقدّمات الحدود ب 1 ح 2.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 308، أبواب مقدّمات الحدود ب 1 ح 4.

(3) مسالك الأفهام: 14/ 325، المهذّب البارع: 5/ 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 7

..........

______________________________

لا يخفى، كما أنّ منه الحديد، لامتناعه و صلابته. و يقال للبوَّاب: حدّاد، لمنعه الناس. كما أنّ منه الحدّ الشرعي، لكونه كما في المسالك و غيرها ذريعة إلى منع الناس عن فعل معصية خشية من وقوعه، أو لعدم جواز التعدّي عنه، و ممنوعيّة الزيادة و النقيصة كما ربما يحتمل، و يؤيّده إطلاق الحدّ في مثل الوجه في باب الوضوء، و في مثل الكرّ، فتدبّر.

ثمّ إنّه فسّر الحدّ شرعاً بأنّه عقوبة خاصّة تتعلّق بإيلام البدن بواسطة تلبّس المكلّف

بمعصية خاصّة عيّن الشارع كميَّتها في جميع أفراده، و التعزير كذلك بأنّه عقوبة أو إهانة لا تقدير لها بأصل الشرع «1»، أو مع إضافة قيد الغلبة.

و قد ذكر المحقق في الشرائع في مقام بيان الضابطة للحدّ و التعزير: أنّ كلّ ماله عقوبة مقدّرة يسمّى حدّا، و ما ليس كذلك يسمّى تعزيراً «2».

و المسامحة فيه واضحة، لأنّ المراد من «ما» الموصول هو مثل شرب الخمر و الزنا و الأمور الموجبة للتعزير، مع أنّ الحدّ و التعزير عبارة عن العقوبة المترتّبة عليه، كما لا يخفى.

و أورد على هذه الضابطة، الشهيد الثاني (قدّس سرّه) في المسالك بقوله: تقدير الحدّ شرعاً واقع في جميع أفراده، كما أشرنا إليه سابقاً. و أمّا التعزير فالأصل فيه عدم التقدير، و الأغلب من أفراده كذلك، و لكن قد وردت الروايات بتقدير بعض أفراده، و ذلك في خمسة مواضع: الأوّل: تعزير المجامع زوجته في نهار رمضان، مقدّر بخمسة و عشرين سوطاً. الثاني: من تزوّج أمة على حرّة و دخل بها قبل الإذن، ضرب

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 14/ 325.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 932، و كذا في المهذّب البارع: 5/ 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 8

..........

______________________________

اثنا عشر سوطاً و نصفاً، ثمن حدّ الزاني. الثالث: المجتمعان تحت إزار واحد مجرّدين، مقدّر بثلاثين إلى تسعة و تسعين على قول. الرابع: من افتضّ بكراً بإصبعه، قال الشيخ: يجلد من ثلاثين إلى سبعة و سبعين «1»، و قال المفيد: من ثلاثين إلى ثمانين «2»، و قال ابن إدريس: من ثلاثين إلى تسعة و تسعين «3». الخامس: الرجل و المرأة يوجدان في لحاف واحد و إزار مجردين، يعزّران من عشرة إلى تسعة و تسعين، قاله المفيد

«4». و أطلق الشيخ التعزير «5»، و قال في الخلاف: روى أصحابنا فيه الحد «6». و لقائلٍ أن يقول: ليس من هذه مقدّر سوى الأوّلين، و الباقي يرجع فيما بين الطرفين إلى رأي الحاكم، كما يرجع إليه في تقدير غيره، و إن تحدّد في طرفيه بما ذكر «7».

أقول: لا بدّ لصاحب المسالك لإثبات الانتقاض في المواضع الخمسة على ما هو مقتضى الروايات من إثبات دلالتها على أمرين: أحدهما ثبوت التقدير الشرعي، و الآخر إطلاق التعزير عليه في مقابل الحدّ، لأنّ التعزير قد يطلق و يراد به الأعم من التعزير، كما عرفت مثله في إطلاق الحدّ، و عليه فلا بدّ لنا من ملاحظة الروايات الواردة في هذه المواضع ليظهر حال الانتقاض.

فنقول: أمّا الموضع الأوّل: فالرواية الواردة فيه هي رواية المفضّل بن عمر، عن

______________________________

(1) النهاية: 699.

(2) المقنعة: 785.

(3) السرائر: 3/ 466.

(4) المقنعة: 774.

(5) النهاية: 689 و 690 و 707.

(6) الخلاف: 5/ 373 مسألة 9.

(7) مسالك الأفهام: 14/ 326 327.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 9

..........

______________________________

أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجلٍ أتى امرأته و هي صائمة و هو صائم، قال: إن استكرهها فعليه كفّارتان، و إن كانت طاوعته فعليه كفّارة و عليها كفّارة، و إن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطاً نصف الحدّ، و إن كانت طاوعته ضرب خمسة و عشرين سوطاً، و ضربت خمسة و عشرين سوطاً «1».

و من الواضح أنّ هذه الرواية و إن كانت تدلّ على التقدير الشرعي، و لكنّها خالية عن إطلاق التعزير عليه، و ليس قوله (عليه السّلام): «نصف الحدّ» مشعراً بكونه تعزيراً، لأنّ المراد من الحدّ فيه هو الحدّ الخاص لا مطلق الحدّ، كما لا يخفى.

و

أمّا الموضع الثاني: فالرواية الواردة فيه هي مرسلة منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجلٍ تزوّج ذمِّية على مسلمة و لم يستأمرها، قال: يفرّق بينهما، قال: قلت: فعليه أدب؟ قال: نعم اثنا عشر سوطاً و نصف، ثمن حدّ الزاني و هو صاغر، قلت: فإن رضيت المرأة الحرّة المسلمة بفعله بعد ما كان فعل؟ قال: لا يضرب و لا يفرّق بينهما، يبقيان على النكاح الأوّل «2». و رواه الشيخ، إلّا أنّه ذكر موضع الذمِّية الأمة، و الرواية و إن كانت تدلّ على كون المقدّر المذكور أدباً، إلّا أنّه لا دلالة لها على كونه تعزيراً في مقابل الحدّ.

و أمّا الموضع الثالث: فبعد كون المراد منه هو المجتمعان من جنسٍ واحد بقرينة الموضع الخامس نقول: قد وردت فيه روايتان:

إحداهما: رواية ابن سنان يعني عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجلين يوجدان في لحافٍ واحد، قال: «يجلدان غير سوط واحد» «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 585، أبواب بقية الحدود ب 12 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 415، أبواب حدّ الزنا ب 49 ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 367، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 18.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 10

..........

______________________________

ثانيتهما: رواية سليمان بن هلال قال: سأل بعض أصحابنا أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) فقال: جعلت فداك الرجل ينام مع الرجل في لحافٍ واحد، فقال ذوا محرم؟ فقال: لا. قال: من ضرورة؟ قال: لا، قال: «يضربان ثلاثين سوطاً ثلاثين سوطاً» إلى أن قال: قلت: فامرأة نامت مع امرأة في لحافٍ؟ فقال: ذواتا محرم؟ قلت: لا، قال: من ضرورة؟ قلت: لا، قال: «تضربان ثلاثين سوطاً ثلاثين سوطاً» «2»

الحديث، و من الواضح عدم دلالة شي ء منهما على كون المقدّر المذكور فيهما تعزيراً لو لم نقل بإشعار الاولى بكونه حدّا، كما لا يخفى.

و أمّا الموضع الرابع: فالرواية الواردة فيه هي رواية ابن سنان يعني عبد اللّٰه و غيره، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في امرأة افتضّت جارية بيدها، قال: «عليها المهر و تضرب الحدّ» «3».

و مرسلة الصدوق قال: و في خبر آخر تضرب ثمانين «4».

و رواية ابن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) قضى بذلك و قال: «تجلد ثمانين» «5».

و رواية عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في امرأة افتضّت جارية بيدها، قال: قال: «عليها مهرها و تجلد ثمانين» «6».

و أنت خبير بعدم دلالة شي ء منها على كون المقدّر المذكور تعزيراً، بل الرواية

______________________________

(2) وسائل الشيعة: 18/ 367، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 21.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 409، أبواب حدّ الزنا ب 39 ح 1.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 409، أبواب حدّ الزنا ب 39 ح 2.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 409، أبواب حدّ الزنا ب 39 ح 3.

(6) وسائل الشيعة: 18/ 410، أبواب حدّ الزنا ب 39 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 11

..........

______________________________

الاولى تدلّ على ثبوت الحدّ.

و أمّا الموضع الخامس: فالرواية الواردة فيه هي رواية زيد الشحّام، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل و المرأة يوجدان في اللّحاف، قال: يجلدان مائة مائة غير سوط «1». و هذه الرواية أيضاً لا دلالة لها على كون المقدّر تعزيراً في مقابل الحدّ، نعم هنا روايات أُخر سيأتي البحث عنها في ما يأتي.

و قد انقدح أنّ هذه الروايات لا

تنهض لإثبات الانتقاض على الضابطة المذكورة في الشرائع، نعم يمكن لصاحب المسالك الاستشهاد بخبر حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: كم التعزير؟ فقال: دون الحدّ، قال: قلت: دون ثمانين؟ قال: لا و لكن دون أربعين، فإنّها حدّ المملوك، قلت: و كم ذاك؟ قال: على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل و قوّة بدنه «2».

و لكنّه يرد على الاستشهاد به مضافاً إلى عدم انطباقه على جميع المواضع الخمسة لوجود أكثر من أربعين فيها أنّه معارض بروايتين آخرتين:

إحداهما: مرسلة الصدوق قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): لا يحلّ لوالٍ يؤمن باللّٰه و اليوم الآخر أن يجلد أكثر من عشرة أسواط إلّا في حدٍ، و أذن في أدب المملوك من ثلاثة إلى خمسة «3». و قد أشرنا مراراً إلى اعتبار هذا النحو من الإرسال، و دلالتها على عدم ثبوت التعزير بأكثر من عشرة أسواط واضحة. و عليه فتدلّ الرواية على نفي جميع تلك المواضع؛ لاشتراكها في كونها أكثر من عشرة، كما لا يخفى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 364، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 3.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 584، أبواب بقية الحدود ب 10 ح 3.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 584، أبواب بقية الحدود ب 10 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 12

..........

______________________________

ثانيتهما: موثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن التعزير كم هو؟ قال: بضعة عشر سوطاً ما بين العشرة إلى العشرين» «1». و هي تدلّ على نفي أكثر تلك المواضع.

و لعلّ معارضة هذه الروايات في كمّية التعزير و مقداره و سقوطها عن الحجيّة فيه تقتضي الرجوع إلى الكلّية المذكورة في

ذيل رواية حمّاد الراجعة إلى عدم كون التعزير له مقدّر شرعي و أنّه بحسب ما يراه الحاكم، فيرجع إلى الضابطة المذكورة في الشرائع، و سيأتي البحث في ذلك في المباحث الآتية إن شاء اللّٰه تعالى فانتظر.

ثمّ إنّه جعل الحدّ عنواناً لأحكام كثيرة في النصوص، مثل درء الحدّ بالشبهة، و أنّه لا شفاعة في الحدّ، و كذا لا يمين و لا كفالة فيه «2»، و أنّه للإمام العفو عن الحدّ الثابت بالإقرار دون البيّنة، و غير ذلك من الأحكام، و لم يعلم أنّ الحدّ الموضوع لها هل هو الحدّ في مقابل التعزير أو الأعمّ منه؟ و استظهر من الأصحاب الأوّل، و لا يخلو عن قوّة، خصوصاً بعد ملاحظة المقابلة الصريحة بين الحدّ و التعزير في مثل رواية حمّاد المتقدّمة، و بعد كون تلك الأحكام المترتّبة على عنوان الحدّ مخالفة للأصول و العمومات، فتدبّر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 583، أبواب بقية الحدود ب 10 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 336، أبواب مقدّمات الحدود ب 24 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 13

[القول في الموجب]

اشارة

القول في الموجب

[مسألة 1: يتحقّق الزنا الموجب للحدّ بإدخال الإنسان ذكره الأصلي في فرج امرأة محرّمة عليه]

مسألة 1: يتحقّق الزنا الموجب للحدّ بإدخال الإنسان ذكره الأصلي في فرج امرأة محرّمة عليه أصالة من غير عقد نكاح دائماً أو منقطعاً، و لا ملك من الفاعل للقابلة، و لا تحليل، و لا شبهة، مع شرائط يأتي بيانها (1).

______________________________

(1) الزنا يقصَّر، فيكتب بالياء، كما في الآية الشريفة وَ لٰا تَقْرَبُوا الزِّنىٰ «1» و يمدّ فيكتب بالألف، و لا مجال للبحث و المناقشة في تحريمه بعد كونه مجمعاً على تحريمه في كلّ ملّة، و هو ضروريّ الفقه لو لم يكن ضروري الدّين، و تشريع النكاح في كلّ ملّة إنّما هو للفرار عن الزنا، و إلّا لا مجال لتشريعه كما لا يخفى.

ثمّ إنّ الماتن دام ظلّه العالي تصدّى في هذه المسألة لتعريف الزنا الموجب للحدّ، و من الظاهر أنّ مطلق الزنا لا يوجب الحدّ مع كونه زنا حقيقة، فإنّ الإكراه على الزنا مثلًا لا يوجب ارتفاع عنوان الزنا و حقيقته، بل لا يكون موجباً للحدّ كما لا

______________________________

(1) الإسراء 17: 32.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 14

..........

______________________________

يكون محرّماً لحديث الرفع، و لا بدّ حينئذٍ من ملاحظة القيود المأخوذة في الزنا الموجب فنقول:

قد عبّر في المتن بالإدخال، و في مثل الشرائع بالإيلاج «1»، و الظاهر أنّ الثاني أخصّ، لأنّه يصدق: دخل زيد في الدار، و لا يصدق: ولج فيها، و الوجه فيه أنّه يعتبر في الثاني نوع من الإحاطة، بخلاف الأوّل، و لكنّه لا فرق بينهما في المقام.

و قد أُضيف الإدخال إلى الإنسان، مع أنّ الظاهر أنّ المراد خصوص المكلّف، كما قد صرّح به في المسائل الآتية، و التعميم هنا مع كونه في مقام التحديد إنّما هو للاعتماد على قوله:

محرمة، ضرورة عدم ثبوت التحريم الفعلي في غير المكلّف، مع أنّه أشير إليه بما في ذيل المسألة من قوله: مع شرائط يأتي بيانها كما لا يخفى.

ثمّ إنّ إدخال الإنسان ذكره يخرج ما لو أدخل غيره من الإصبع و نحوه، كما أنّه يخرج إيلاج ذكر الخنثى المشكل؛ لعدم كونه طبيعة ثالثة، فلا يعلم كون ذكره ذكراً، و التقييد بالأصلي يكون توضيحاً لهذه الجهة، و لا يكون احترازياً، و لذا اقتصر في مثل الشرائع على ذكر الذكر «2»، مع كون المراد إخراجه، و إدخال الإنسان ذكره أعمّ من أن يكون بالمباشرة، فيشمل صورة تمكين الإنسان من الإيلاج، و إدخال المرأة ذكر الغير فيها، فما في الجواهر من عدم صدق التعريف المزبور عليه «3» محلّ نظر بل منع، و الشاهد هو تفاهم العرف، فتدبّر.

ثمّ إنّ المراد من إدخال الإنسان ذكره هو خصوص الحشفة، أو مقدارها، كما سيصرّح به في بعض المسائل الآتية، و قد وقع التصريح بالحشفة في بعض المتون «4»

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 932.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 932.

(3) جواهر الكلام: 41/ 259.

(4) كالشرائع: 4/ 932 و المهذّب البارع: 5/ 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 15

..........

______________________________

في مقام التحديد.

كما أنّ المراد هو الأعمّ ممّا إذا أدخله مجرّداً و من دون حجاب، أو أدخله مع حجاب رقيق مانع عن وقوع النطفة في الرحم، خوفاً من حصول الحمل بسببه، أو مانع عن تعدّي بعض الأمراض المسرية المتحقّقة في الفرج، كما هو المتداول في هذه الأزمنة بين الفسقة و الفجرة، و الدليل عليه هو صدق عنوان الإدخال عند العرف، و عدم اختصاصه بخصوص الأوّل كما لا يخفى.

و أمّا قوله: في فرج امرأة فإضافة الفرج إلى المرأة الظاهرة

في كون وصف الأنوثة ثابتاً و متحقّقاً لها تخرج الخنثى المشكل، و لأجله لا حاجة إلى تقييد الفرج بالأصلي كما في الذكر.

و الظاهر أنّ المراد بالفرج أعمّ من القبل و الدبر، كما صرّح به في المسألة الثالثة الآتية، و قد ذكر في محكيّ الوسيلة: في الوطء في دبر المرأة قولان: أحدهما: أن يكون زنا، و هو الأثبت. و الثاني: أن يكون لواطاً «1». و لعلّ نظره في القول الثاني إلى المقنعة و النهاية، حيث قال في محكيّ الأوّل: «الزنا الموجب للحدّ وطء من حرّم اللّٰه تعالى وطأه من النساء بغير عقد مشروع إذا كان الوطء في الفرج خاصّة، دون ما سواه» «2» و محكيّ الثاني: «الزنا الموجب للحدّ، و هو وطء من حرّمه اللّٰه من غير عقد و لا شبهة عقد، و يكون في الفرج خاصّة» «3». و لكنّ الظاهر أنّ المراد بالخاصّة في الكتابين إخراج مثل ما بين الرجلين و الأذن و الفم و أشباهها، لا إخراج الدبر.

و كيف كان فالدليل على التعميم الذي عليه المشهور شهرة عظيمة صدق

______________________________

(1) الوسيلة: 409.

(2) المقنعة: 774.

(3) النهاية: 688.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 16

..........

______________________________

العناوين الموجودة في الروايات الواردة في الحدّ، كالإدخال، و الإتيان، و الزنا، و الفجور، و المواقعة، و المجامعة، و نحوها على الوطء في الدبر، خصوصاً مع اعتبار غيبوبة الحشفة فيه.

و لكنّه ربّما يقال: بأنّه لا يبعد الانصراف إلى القبل، و الشاهد أنّه مع رمي البكر بالزنا تلاحظ البكر، فمع بقاء البكارة تشهدان ببرائتها. هذا مضافاً إلى الإشكال في تعيين الموضوع بخبر الواحد، و مع الإشكال يلزم الاحتياط من جهة ما دلّ على درء الحدود بالشبهات، لعدم الدليل على الاختصاص

بالشبهة الموضوعية.

و يمكن الإيراد عليه، بأنّ المفروض في مسألة رمي البكر بالزنا هو كونها مرميّة بالزنا من حيث القبل، و إلّا لا يكون للبكر خصوصيّة؛ لعدم الفرق في الزنا من حيث الدبر بين البكر و غيرها، فتدبّر.

و أمّا الإشكال في تعيين الموضوع بخبر الواحد، فالظاهر عدم ارتباطه بالمقام؛ لأنّ البحث ليس في تعيين الموضوع، بل في شمول العناوين الموضوعة للحكم في الروايات الواردة في الحدّ للوطء في الدبر و عدمه، و أمّا الرجوع إلى مثل: «ادرءوا الحدود بالشبهات» «1» الذي هو حديث نبويّ مشهور، فإنّما هو فيما إذا كان أحد الاحتمالين عدم ثبوت الحد، لا في مثل المقام الذي يكون الاحتمال الآخر هو اللواط، كما في عبارة الوسيلة، و ظاهره ترتّب أحكام اللواط عليه مطلقاً، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ قوله: «محرّمة عليه» ظاهر في ثبوت التحريم الفعليّ على المولج، و به يحترز عن موارد عدم ثبوت التحريم، كالصغير، و المجنون، و المكره، و موارد كونها محلّلة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 336، أبواب مقدّمات الحدود ب 24 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 17

..........

______________________________

بسبب العقد و الملكية و نحوهما.

و أمّا التقييد بالأصالة، فهو في مقابل الحرمة العرضيّة الثابتة في موارد الحيض، و الصوم، و الاعتكاف التي سيصرّح بها في المسألة الثانية الآتية، و الدليل على خروجها مضافاً إلى وضوح عدم كونها من موارد الزنا عرفاً، فإنّه لا يصدق على من دخل بزوجته في حال الحيض إنّه زنى بها، فلا مجال لثبوت الحدّ أنّ ظاهر الروايات الواردة فيها ثبوت الكفارة في مواردها، و ظاهره عدم ترتّب الحدّ مضافاً إلى الكفّارة.

نعم، في خصوص من جامع زوجته في نهار رمضان مع كونهما صائمين، قد

وردت رواية مفضّل بن عمر المتقدّمة «2» الدّالة على ثبوت الكفّارة، و خمسين أو خمسة و عشرين سوطاً معاً، لكنّها في خصوص ذاك المورد.

ثمّ إنّ قوله: «من غير عقد نكاح ..» يكون توضيحاً لمورد ثبوت الحرمة، و لا يكون قيداً احترازيّاً، ضرورة أنّ مقابلاتها موارد ثبوت الحلّية بالأصالة، لثبوت النكاح الدائم أو المنقطع، و ملك للعين أو المنفعة من الفاعل للقابلة، دون العكس؛ لعدم اقتضائه جواز الوطء، بل النظر كما ذكروا في محله تحليل موجب لإباحة الوطء، و شبهة عقد، أو ملك، أو تحليل، موضوعاً أو حكماً، فكلّها يرجع إلى ثبوت الحلّية، و لا يفيد أمراً زائداً، و عليه يمكن الاستشكال على المتن بعدم معهوديّة القيد التوضيحي في مقام بيان الضابطة و إعطاء القاعدة.

نعم، لو لم يؤت قيد الأصالة يمكن إخراج موارد ثبوت التحريم العرضي بقوله: «من غير عقد نكاح ..» كما لا يخفى.

______________________________

(2) في ص 8 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 18

[مسألة 2: لا يتحقّق الزنا بدخول الخنثى ذكره الغير الأصلي]

مسألة 2: لا يتحقّق الزنا بدخول الخنثى ذكره الغير الأصلي، و لا بالدخول المحرّم غير الأصلي، كالدخول حال الحيض، و الصوم، و الاعتكاف، و لا مع الشبهة موضوعاً أو حكماً (1).

[مسألة 3: يتحقّق الدخول بغيبوبة الحشفة قبلًا أو دبراً]

مسألة 3: يتحقّق الدخول بغيبوبة الحشفة قبلًا أو دبراً، و في عادم الحشفة يكفي صدق الدخول عرفاً و لو لم يكن بمقدار الحشفة، و الأحوط في إجراء الحدّ حصوله بمقدارها، بل يدرأ بما دونها (2).

______________________________

ثمّ إنّهم ذكروا في ضابط عنوان الشبهة أنّه ما أوجب ظنّ الإباحة. و أورد عليهم بأنّه لا دليل على حجيّة الظن، و سيأتي التعرّض لدفع الإيراد فانتظر هذا.

و آخر ما يرد على هذا التعريف، أنّ الزنا الموجب للحدّ أعمّ من زنا الرجل و من زنا المرأة، مع أنّ التعريف المذكور في المتن لا يشمل زنا المرأة، إلّا أن تستفاد الخصوصيّات المأخودة فيه من تعريف زنا الرجل، كما ليس ببعيد.

(1) قد تقدّم البحث في هذه المسألة في ذيل المسألة الأُولى بمناسبة القيود المأخوذة في الزنا الموجب للحدّ فراجع.

(2) أمّا تحقّق الدخول في واجد الحشفة بغيبوبتها فقط، فلا خلاف فيه ظاهراً، و تدلّ على ذلك روايات متعدّدة:

منها: صحيحة أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): إذا التقى الختانان فقد وجب الجلد «1» و من الظاهر أنّه لا فرق بين الجلد و الرجم من هذه الجهة.

و منها: صحيحة عبيد اللّٰه بن عليّ الحلبي، قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرّجل

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 367، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 17.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 19

..........

______________________________

يصيب المرأة فلا ينزل أ عليه غسل؟ قال: كان عليّ (عليه السّلام) يقول: إذا مسّ الختان الختان فقد

وجب الغسل، قال: و كان عليّ (عليه السّلام) يقول: كيف لا يوجب الغسل و الحدّ يجب فيه؟ و قال: يجب عليه المهر و الغسل «1».

و منها: صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: جمع عمر بن الخطّاب أصحاب النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) إلى أن قال: و قال المهاجرون: إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل، فقال عمر لعليّ (عليه السّلام): ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال عليّ (عليه السّلام): أ توجبون عليه الحدّ و الرجم، و لا توجبون عليه صاعاً من الماء؟ الحديث «2».

و منها: غير ذلك من الروايات الظاهرة في أنّ الدخول الموجب للحدّ و غيره هو مجرّد غيبوبة الحشفة المتحقّقة بمسّ الختانين و التقائهما. نعم ظاهر الروايات ورودها في الوطء في القبل، مع أنّك عرفت عدم اختصاص الزنا به، و عليه فلا بدّ من تعميم الحكم في الدبر من استفادة الضابطة من هذه الروايات الشاملة له، مضافاً إلى عدم الفصل بينهما من هذه الجهة.

و أمّا تعميم أصل الحكم في الزنا الموجب للحدّ للقبل و الدبر، فقد عرفت البحث فيه في ذيل المسألة الأُولى.

و أمّا الدخول كذلك في عادم الحشفة ففيه احتمالات ثلاثة:

أحدها: اعتبار دخوله أجمع، و في محكي كشف اللثام أنّه أحد الوجهين «3»، و الوجه فيه ظهور مثل كلمة الإدخال الواردة في روايات الحدّ في إدخال الجميع، غاية الأمر قيام الدليل، و هي الروايات المتقدّمة في الاكتفاء بغيبوبة الحشفة في واجدها،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 1/ 469، كتاب الطهارة أبواب الجنابة ب 6 ح 4.

(2) وسائل الشيعة: 1/ 470، كتاب الطهارة أبواب الجنابة ب 6 ح 5.

(3) كشف اللثام: 2/ 393.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 20

[مسألة 4: يشترط في ثبوت الحدّ على كلّ من الزّاني و الزّانية البلوغ]

مسألة 4: يشترط في ثبوت الحدّ على كلّ من الزّاني و الزّانية البلوغ، فلا حدّ على الصغير و الصغيرة، و العقل، فلا حدّ على المجنونة بلا شبهة، و لا على المجنون على الأصحّ، و العلم بالتحريم حال وقوع الفعل منه اجتهاداً أو تقليداً، فلا حدّ على الجاهل بالتحريم، و لو نسي الحكم يدرأ عنه الحدّ، و كذا لو غفل عنه حال العمل. و الاختيار، فلا حدّ على المكره و المكرهة، و لا شبهة

______________________________

و أمّا العادم فلم يرد فيه دليل على خلاف ما هو المعنى العرفي للإدخال و نحوه.

ثانيها: الاكتفاء بصدق الدخول عرفاً و لو لم يكن بمقدار الحشفة، نظراً إلى أنّ المتفاهم العرفي هو دخول المسمّى، كما في نظائره، مثل إدخال الإصبع في الاذن المتحقّق بمسمّى الإدخال. و اعتبار مقدار الحشفة بالنظر إلى واجدها بمقتضى الدليل الوارد فيه لا يقتضي اعتبار مقدارها في عادمها، كما لا يخفى.

و ظاهر المتن الميل إلى هذا الوجه و إن احتاط في خصوص إجراء الحدّ بعدم ترتيبه في مورد الأقلّ من مقدار الحشفة، و ظاهره التفكيك بين الحدّ و بين مثل المهر و الغسل، نظراً إلى ما ورد في الحدّ من درئه بالشبهة.

ثالثها: ما صرّح به غير واحد «1» من اعتبار غيبوبة مقدار الحشفة من مقطوعها، نظراً إلى ظهور أنّ التحديد الواقع في الروايات المتقدّمة بغيبوبة الحشفة و إن كان مورده صورة وجودها، إلّا أنّه لا إشعار فيها، فضلًا عن الدلالة بأنّه يكون هذا التحديد تعبديّاً مخالفاً لما هو المرتكز عند العرف في تحقّق الزنا، بل الظاهر أنّه بيان لما هو المتحقّق في العرف، و أنّه يكون مقدار الحشفة، فلا فرق حينئذٍ بين الواجد و العادم أصلًا، و هذا الوجه

هو الظاهر.

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 14/ 329، المهذّب البارع: 5/ 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 21

في تحقّق الإكراه في طرف الرجل كما يتحقّق في طرف المرأة (1).

______________________________

(1) اشترط في ثبوت الحدّ على كلّ من الزّاني و الزّانية أموراً أربعة، و هي الشرائط التي أشير إليها في ذيل المسألة الأُولى بقوله: مع شرائط يأتي بيانها، و الظاهر أنّ هذه الشرائط لا تكون زائدة على ما أفاده في تعريف الزنا الموجب للحدّ؛ لعدم ثبوت التحريم الفعلي مع فقدان شي ء منها، و كيف كان.

فالأول: البلوغ، و يدلّ على اعتباره مضافاً إلى رفع القلم عن الصبيّ «1» روايات متعدّدة:

منها: صحيحة يزيد الكناسي، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم و زوّجت و أقيمت عليها الحدود التامّة لها و عليها، قال: قلت: الغلام إذا زوَّجه أبوه و دخل بأهله و هو غير مدرك أ تقام عليه الحدود على تلك الحال؟ قال: أمّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا، و لكن يجلد في الحدود كلّها على مبلغ سنّه، و لا تبطل حدود اللّٰه في خلقه، و لا تبطل حقوق المسلمين بينهم «2». و رواه الشيخ (قدّس سرّه) إلّا أنّه زاد بعد مبلغ سنّه: فيؤخذ بذلك ما بينه و بين خمس عشرة سنة.

و منها: صحيحة حمّاد بن عيسى، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السّلام) قال: لا حدّ على مجنون حتّى يفيق، و لا على صبيّ حتّى يدرك، و لا على النّائم حتّى يستيقظ «3».

و الثاني: العقل، و البحث فيه تارة في المجنونة إذا زنت، و أُخرى في المجنون

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 1/ 32، أبواب مقدّمة العبادات

ب 4 ح 11.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 314، أبواب مقدّمات الحدود ب 6 ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 316، أبواب مقدّمات الحدود ب 8 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 22

..........

______________________________

إذا زنى.

أمّا الأوّل: لا خلاف بين الأصحاب قديماً و حديثاً في سقوط الحدّ عنها، و يدلّ عليه مضافاً إلى رفع القلم عنها، و اشتراط التكليف بالعقل، و إلى صحيحة حمّاد المتقدّمة، لظهور كون المراد من المجنون فيها أعمّ من المجنونة، كما أنّ المراد من الصبيّ فيها أيضاً أعمّ من الصبيّة ما رواه المفيد (قدّس سرّه) في محكيّ الإرشاد قال: روت العامّة و الخاصّة أنّ مجنونة فجر بها رجل و قامت البيّنة عليها، فأمر عمر بجلدها الحدّ، فمرّ بها عليّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) فقال: ما بال مجنونة آل فلان تقتل؟ فقيل له: إنّ رجلًا فجر بها فهرب و قامت البيّنة عليها، فأمر عمر بجلدها، فقال لهم: ردّوها إليه و قولوا له: أما علمت أنّ هذه مجنونة آل فلان، و أنّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) قال: رفع القلم عن المجنون حتّى يفيق، و أنّها مغلوبة على عقلها و نفسها، فردّوها إليه فدرأ عنها الحدّ «1».

و صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام) في امرأة مجنونة زنت، قال: إنّها لا تملك أمرها، ليس عليها شي ء «2».

و أمّا الثاني: فالمشهور بين الأصحاب هو سقوط الحدّ عنه، و لكنّه نسب الخلاف إلى الشيخين «3» و الصدوق «4» و القاضي «5» و ابن سعيد «6». و دليل المشهور مضافاً إلى رفع القلم عنه كما في المجنونة صحيحة حمّاد و رواية الإرشاد

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 316، أبواب مقدّمات الحدود ب 8 ح

2.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 388، أبواب حدّ الزنا ب 21 ح 1.

(3) النهاية: 696، المقنعة: 779.

(4) المقنع: 436.

(5) المهذّب: 2/ 521.

(6) الجامع للشرائع: 552.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 23

..........

______________________________

المتقدّمتان، و صحيحة أو حسنة فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: لا حدّ لمن لا حدّ عليه، يعني لو أنّ مجنوناً قذف رجلًا لم أر عليه شيئاً، و لو قذفه رجل فقال: يا زان! لم يكن عليه حدّ «1» فإنّ ذكر المجنون بعنوان المصداق للضابطة المذكورة أوّلًا الناظرة إلى نفي ثبوت طبيعة الحدّ النفعي لمن كانت طبيعة الحدّ الضرري منتفية بالإضافة إليه يدلّ على انتفاء الحدّ الضرري مطلقاً، و منه حدّ الزنا الذي هو محلّ البحث في المقام في المجنون، كما لا يخفى.

و دليل المخالفين هو ما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن إبراهيم بن الفضل، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الحدّ و إن كان محصناً رجم، قلت: و ما الفرق بين المجنون و المجنونة و المعتوه و المعتوهة؟ فقال: المرأة إنّما تؤتى، و الرّجل يأتي، و إنّما يزني إذا عقل كيف يأتي اللذة، و إنّ المرأة إنّما تستكره و يفعل بها، و هي لا تعقل ما يفعل بها «2».

و الكلام في هذه الرواية تارة من جهة السند، و أُخرى من حيث الدلالة:

أمّا من جهة السند فقد ضعفت الرواية من جهة وجود إبراهيم بن الفضل فيه، نظراً إلى أنّه لم يرد فيه توثيق و لا مدح.

و لكنّه ربما يقال: بأنّ تضعيف الرواية مشكل من جهة أنّ إبراهيم المذكور

هو الهاشمي، كما يظهر من جامع الرواة، و هو إماميّ، و قيل: هو حسن. و استشعر المحقّق الوحيد البهبهاني (قدّس سرّه) في التعليقة وثاقته من جهة رواية جعفر بن بشير عنه «3»،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 332، أبواب مقدّمات الحدود ب 19 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 388، أبواب حدّ الزنا ب 21 ح 2.

(3) تعليقة البهبهاني على منهج المقال: 26.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 24

..........

______________________________

مضافاً إلى عمل الشيخين و الصدوق و القاضي و ابن سعيد (قدّس سرّهم).

أقول: ظاهر جامع الرواة و إن كان ما ذكر، حيث أورد هذه الرواية في ضمن الروايات الواقع في سندها إبراهيم بن الفضل الهاشمي «1»، إلّا أنّه كما في «قاموس الرجال» «2»: لا دليل على كون المراد بإبراهيم المذكور فيها هو الهاشمي، لأنّها كلّها بلفظ إبراهيم بن الفضل، و لعلّ المراد به هو إبراهيم بن الفضل المدني أبو إسحاق الذي عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق (عليه السّلام) متّصلًا بإبراهيم بن الفضل الهاشمي «3»، و على تقدير كون المراد به ذلك لا دليل على وثاقته أو كونه حسناً، و عمل المذكورين معارض بإعراض المشهور عن الرواية و تضعيفهم لها، كما لا يخفى.

و بعد ذلك كلّه لا مجال للاتّكال على الرواية، خصوصاً بعد دلالتها على حكم مخالف للروايات الكثيرة المتقدّمة الدّالة على عدم ثبوت الحدّ على المجنون.

و أمّا من جهة الدلالة، ففيها إشكال أيضاً؛ لأنّ تعليل الفرق بين المجنون و المجنونة بما ذكر في الرواية لا يستقيم، لأنّه إن كان المراد به ثبوت تمييز و شعور للمجنون بقدر أقلّ مناط التكليف كما حمل الرواية على ذلك في الوسائل بعد نقلها ففيه: أنّه خارج عن الفرض،

لأنّ محلّ البحث هو المجنون الكامل الذي لا يكون فيه مناط التكليف بوجه، و إن كان المراد به وجوده في المجنون الكامل، فيرد عليه أنّ الجنون الراجع إلى مسألة العقل إنّما يكون مرتبطاً بمزيّة متحقّقة في الإنسان، مميّزة له عن الحيوان، و أمّا الشهوة و إتيان اللّذة فترتبط بجهة الحيوانية

______________________________

(1) جامع الرواة: 1/ 29.

(2) قاموس الرجال: 1/ 258.

(3) رجال الشيخ: 144 رقم 25، 26.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 25

..........

______________________________

الموجودة في الإنسان، و لذا يتحقّق ذلك من الحيوانات مع كونها بعيدة عن العقل، فالإنصاف عدم استقامة التعليل.

هذا، مع أنّ المستفاد من صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة الواردة في المجنونة أنّ العلّة لعدم ثبوت شي ء عليها هو أنّها لا تملك أمرها، و من الواضح جريان هذا التعليل في المجنون أيضاً، فالأظهر بملاحظة ما ذكرنا عدم الفرق بين المجنونة و المجنون من هذه الجهة.

و الثالث: العلم بالتحريم حال وقوع الفعل منه، و الظاهر أنّ المراد بالعلم أعمّ من العلم الوجداني، فيشمل الأمارة المعتبرة على الحرمة، كما يدلّ عليه قوله بعده: اجتهاداً أو تقليداً، كما أنّه يشمل ما لو كان مقتضى الأصل كاستصحاب حرمة المرأة المشكوكة الحرمة، و عليه فالمراد من العلم بالحرمة هي وجود الحجّة على التحريم حال صدور العمل، كما أنّ الظاهر عدم اختصاص العلم بخصوص العلم التفصيلي، و الشمول للعلم الإجمالي، كما إذا كانت المرأة المحرّمة مردّدة بين اثنتين أو أزيد، فإذا وطأها كذلك و انكشف كونها هي المرأة المحرّمة يثبت عليه الحدّ؛ لأنّ المفروض تنجّز الحرمة بسبب العلم الإجمالي.

ثمّ إنّه يظهر من تفريع عدم ثبوت الحدّ في مورد النسيان و كذا الغفلة أنّ المراد من العلم ليس خصوص ما

يقابل الجهل، بل ما يقابله و النسيان و الغفلة، فالمراد منه هو العلم مع التوجّه و الالتفات.

و الدليل على اعتبار هذا الأمر مضافاً إلى الأدلّة العامّة الواردة في مورد الجهل و النسيان الظاهرة في عدم ثبوت الحدّ، كحديث الرفع الدّال على رفع ما لا يعلم، و النسيان، و غيرهما من الأمور المرفوعة فيه الروايات الخاصّة الواردة في المقام:

كصحيحة حمران قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن امرأة تزوجت في عدّتها بجهالة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 26

..........

______________________________

منها بذلك؟ قال: فقال: لا أرى عليها شيئاً، و يفرّق بينها و بين الذي تزوّج بها، و لا تحلّ له أبداً، قلت: فإن كانت عرفت أنّ ذلك محرّم عليها ثمّ تقدّمت على ذلك؟ قال: إن كانت تزوّجته في عدّة لزوجها الذي طلّقها عليها (فيها خ ل) الرّجعة فإنّي أرى أنّ عليها الرجم، فإن كانت تزوّجته في عدّة ليس لزوجها الذي طلّقها عليها فيها الرّجعة فإنّي أرى أنّ عليها حدّ الزاني، و يفرَّق بينها و بين الذي تزوّجها و لا تحلّ له أبداً «1».

ثمّ إنّ الظاهر خروج الجاهل المقصّر الملتفت عن الحكم بسقوط الحدّ عن الجاهل؛ لعدم كون هذا الجهل عذراً بوجه، و يدلّ عليه في المقام صحيحة يزيد الكناسي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن امرأة تزوّجت في عدّتها؟ فقال: إن كانت تزوّجت في عدّة طلاق لزوجها عليها الرّجعة فإنّ عليها الرّجم، و إن كانت تزوّجت في عدّة ليس لزوجها عليها الرجعة فإنّ عليها حدّ الزّاني غير المحصن، و إن كانت تزوّجت في عدّة بعد موت زوجها من قبل انقضاء الأربعة أشهر و العشرة أيّام فلا رجم عليها و عليها ضرب

مائة جلدة. قلت: أ رأيت إن كان ذلك منها بجهالة؟ قال: فقال: ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلّا و هي تعلم أنّ عليها عدّة في طلاق أو موت، و لقد كنّ نساء الجاهلية يعرفن ذلك. قلت: فإن كانت تعلم أنّ عليها عدّة و لا تدري كم هي؟ فقال: إذا علمت أنّ عليها العدّة لزمتها الحجّة فتسأل حتّى تعلم «2».

و الرابع: الاختيار، و فرّع عليه عدم ثبوت الحدّ على المكره و المكرهة، و الكلام

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 14/ 348، كتاب النكاح أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 17 ح 17.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 396، أبواب حدّ الزنا ب 27 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 27

..........

______________________________

فيه يقع في مقامات ثلاثة:

الأوّل: الدّليل على عدم ثبوت الحدّ مع انتفاء هذا الشرط، و نقول: يدلّ عليه مضافاً إلى حديث رفع ما استكرهوا عليه؛ لعدم اختصاصه بخصوص رفع الحرمة و شموله لرفع الحدّ و سقوطه صحيحة أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: إنّ عليّاً (عليه السّلام) أتي بامرأة مع رجل فجر بها، فقالت: استكرهني و اللّٰه يا أمير المؤمنين فدرأ عنها الحدّ، و لو سئل هؤلاء عن ذلك لقالوا: لا تصدّق، و قد و اللّٰه فعله أمير المؤمنين (عليه السّلام) «1».

و صحيحة محمّد، عن أحدهما (عليهما السّلام) في امرأة زنت و هي مجنونة قال: إنّها لا تملك أمرها و ليس عليها رجم و لا نفي، و قال في امرأة أقرّت على نفسها أنّه استكرهها رجل على نفسها، قال: هي مثل السائبة لا تملك نفسها فلو شاء قتلها، ليس عليها جلد و لا نفي و لا رجم «2».

و غيرهما من الروايات الدالّة على

سقوط الحدّ في مورد الإكراه، فلا إشكال في هذا المقام.

الثاني: في المراد من الإكراه الموجب لسقوط الحدّ، و الظاهر أنّ المراد به هو الإكراه الرافع للحرمة الفعليّة و النافي للتكليف، و من المعلوم أنّ هذا الإكراه غير الإكراه المتحقّق في المعاملات الموجب لخروجها عن الصحّة و اتّصافها بالبطلان، ضرورة أنّ الملاك في البطلان هناك منافاته لما هو المعتبر في صحّتها، و هو طيب النفس و الرضى الباطني، و من الواضح أنّ أقلّ مراتب الإكراه لا يكاد يجتمع مع طيب النفس، لأنّ مجرّد التوعيد و التهديد على الترك ملازم لعدم الرضى المعتبر في صحّة المعاملة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 382، أبواب حدّ الزنا ب 18 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 382، أبواب حدّ الزنا ب 18 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 28

..........

______________________________

و هذا بخلاف الإكراه الرافع للحرمة الفعلية؛ لأنّ مجرّد تحقّق الإكراه و مسمّاه لا يوجب ارتفاع الحرمة، خصوصاً إذا كانت الحرمة شديدة و المبغوضيّة أكيدة، أ ترى أنّ التوعيد بالضرب فقط أو الشتم مثلًا يوجب حلّية الزنا، خصوصاً إذا كانت المزنيّ بها ذات بعل مثلًا، فاللازم ملاحظة مراتب الحرمة شدّة و ضعفاً، و ملاحظة ما وعد به، و ملاحظة شخص المكره و الخصوصيّات المتحقّقة فيه، فإنّ الفرد العادي إذا وعد بالشتم لا يجري عليه حكم ما إذا كان المكره له خصوصيّة اجتماعية مرتبطة بالجهات المعنويّة و الأمور الاعتقاديّة، كما لا يخفى.

الثالث: لا شبهة في تحقّق الإكراه في طرف المرأة و لا خلاف في ذلك، و الأخبار الدالّة على سقوط الحدّ في مورد الإكراه كلّها واردة في مورد استكراه المرأة، كما في الصحيحتين المتقدّمتين، و أمّا في طرف الرجل فقد تردّد

فيه في الشرائع «1»، و إن جعل الأشبه الإمكان، و المحكيّ عن الغنية الجزم بالعدم «2» نظراً إلى أنّ الإكراه يمنع من انتشار العضو و انبعاث القوى، لتوقّفهما على الميل النفساني المنافي لانصراف النفس عن الفعل المتوقّف عليه صدق الإكراه.

و لكن الظاهر تحقّق الإكراه في طرف الرجل أيضاً، لأنّه مضافاً إلى ما في الجواهر من إمكان فرضه و تحقّقه بدون الانتشار، بأن يدخل الحشفة في الفرج و هو غير منتشر، و كذا يمكن فعله من غير تخويف حين انتشار الآلة، بأن يدخل الآلة المنتشرة قهراً على صاحبها في الفرج «3» لا مانع من الانتشار الناشئ عن ميل النفس و انبعاث القوى اللذين هما من لوازم الحيوانيّة و وجود الغريزة الجنسية

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 933.

(2) غنية النزوع: 424.

(3) جواهر الكلام: 41/ 266.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 29

[مسألة 5: لو تزوّج امرأة محرَّمة عليه]

مسألة 5: لو تزوّج امرأة محرَّمة عليه كالأمّ، و المرضعة، و ذات البعل، و زوجة الأب و الابن، فوطئ مع الجهل بالتحريم فلا حدّ عليه، و كذا لا حدّ مع الشبهة، بأن اعتقد فاعله الجواز و لم يكن كذلك، أو جهل بالواقع جهالة مغتفرة، كما لو أخبرت المرأة بكونها خليّة و كانت ذات بعل، أو قامت البيّنة على موت الزوج أو طلاقه، أو شكّ في حصول الرضاع المحرّم و كان حاصلًا، و يشكل حصول الشبهة مع الظنّ غير المعتبر فضلًا عن مجرّد الاحتمال، فلو جهل الحكم و لكن كان ملتفتاً و احتمل الحرمة و لم يسأل، فالظاهر عدم كونه شبهة. نعم، لو كان جاهلًا قاصراً أو مقصِّراً غير ملتفت إلى الحكم و السؤال،

______________________________

و القوّة الشهويّة، غاية الأمر أنّ الإكراه الراجع إلى عدم تحقّق

الفعل مع قطع النظر عنه إنّما هو لوجود الزجر الشرعي و التحريم الإلهي، كما أنّ تحقّق امتثال النهي عن الزنا مثلًا بالترك إنّما هو لأجل كون الزجر مانعاً عن تحريك القوّة الشهويّة، لإيجاد مقتضاها في الخارج لا لأجل عدم الميل، بل تحقّق الامتثال في صورة الميل لعلّه أقوى من غيرها، كما لا يخفى.

و إلى هذا يرجع التعليل للإمكان في الشرائع بما يعرض من ميل الطبع المزجور بالشرع، و قد فسّره في المسالك بأنّ الانتشار يحدث عن الشهوة، و هو أمر طبيعي لا ينافيها تحريم الشرع «1». و لو لا ما ذكر لكان تحقّق الإكراه بالإضافة إلى كثير من المحرّمات الشرعية منتفياً؛ لوجود الميل النفساني إليه، و موافقته للطبع الحيواني، غاية الأمر أنّ المانع عن تحقّقه هو الزجر الشرعي، فالإنصاف إمكان تحقّق الإكراه في طرف الرجل أيضاً، كما في المتن.

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 14/ 331.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 30

فالظاهر كونه شبهة دارئة (1).

______________________________

(1) الوجه في التعرّض للفرع الأوّل من فروع هذه المسألة هو وجود الفتوى بالخلاف من أبي حنيفة في صورة العلم بالتحريم «1». قال الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) في الخلاف في مسائل كتاب الحدود: إذا عقد النكاح على ذات محرم له كأمّه، و بنته، و أخته، و خالته، و عمّته، من نسب أو رضاع، أو امرأة ابنه، أو أبيه، أو تزوّج بخامسة، أو امرأة لها زوج و وطئها، أو وطء امرأة بعد أن بانت باللعان أو بالطلاق الثلاث مع العلم بالتحريم، فعليه القتل في وطء ذات محرم، و الحدّ في وطء الأجنبية، و به قال الشافعي إلّا أنّه لا يفصّل «2». و قال أبو حنيفة: لا حدّ في شي ء من

هذا، حتّى قال: لو استأجر امرأة ليزني بها فزنى بها لا حدّ عليه، فإن استأجرها للخدمة فوطئها فعليه الحدّ «3»، «4». و نظره إلى أنّ العقد بانفراده شبهة في سقوط الحدّ، مع كونه عالماً بالتحريم، قال في الجواهر بعد الإشارة إلى مذهبه: و كم له مثل ذلك ممّا هو مخالف لضرورة الدّين في الأموال و الفروج و الدماء، و المحكيّ من كلامه لا يقبل الحمل على إرادة ما لا يعلم حرمته يقيناً، و إن كان هو حراماً بمقتضى الاجتهاد «5».

و كيف كان، فالكلام تارة في مستند سقوط الحدّ بالشبهة، و أُخرى في حقيقتها و بيان المراد منها، فنقول:

______________________________

(1) المغني لابن قدامة: 10/ 152، الفقه على المذاهب الأربعة: 4/ 124.

(2) المجموع: 21/ 319، المغني لابن قدامة: 10/ 152 153.

(3) المبسوط للسرخسي: 9/ 58 و 85، المجموع: 21/ 318.

(4) الخلاف: 5/ 386 مسألة 29.

(5) جواهر الكلام: 41/ 264.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 31

..........

______________________________

أمّا من الجهة الأولى، فربّما يقال: إنّ الزنا قد فسر بالفجور، و من الظاهر أنّه يعتبر في تحقّق مفهومه و صدقه إحراز عدم الاستحقاق، كالغصب في الأموال، فلا يثبت على الواطئ بالشبهة حدّ مع عدم صدق الزنا.

و هذا القول و إن كان تامّاً في الجملة، إلّا أنّ منع صدق الزنا في جميع موارد الشبهة حتّى ما إذا كان هناك جهل عن تقصير محلّ تأمّل، و العمدة في هذه الجهة الروايات الكثيرة الدالّة على أنّ الشبهة دارئة للحدّ:

منها: مرسلة الصدوق قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): ادرأوا الحدود بالشبهات، و لا شفاعة و لا كفالة و لا يمين في حدّ» «1».

و قد مرّت الإشارة مراراً إلى اعتبار هذا

النحو من الإرسال، خصوصاً إذا كان مرسلها مثل الصدوق، و الرواية شاملة لجميع الحدود، كما أنّها تشمل الشبهة الموضوعيّة و الحكميّة معاً، كما لا يخفى.

و منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: لو أنّ رجلًا دخل في الإسلام و أقرّ به، ثم شرب الخمر و زنى و أكل الربا، و لم يتبيّن له شي ء من الحلال و الحرام لم أقم عليه الحدّ إذا كان جاهلًا، إلّا أن تقوم عليه البيّنة أنّه قرأ السورة التي فيها الزنا و الخمر و أكل الربا، و إذا جهل ذلك أعلمته و أخبرته، فإن ركبه بعد ذلك جلدته و أقمت عليه الحدّ «2». و هذه الرواية واردة في الشبهة الحكمية، و المراد من الحدّ فيها أعمّ من التعزير؛ لعدم ثبوت الحدّ الخاصّ في مورد أكل الربا، و قريب منها صحيحتا محمّد بن مسلم، و أبي عبيدة الحذّاء، إلّا أنّ فيهما: إلّا أن تقوم عليه بيّنة أنّه

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 336، أبواب مقدّمات الحدود ب 14 ح 4.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 323، أبواب مقدّمات الحدود ب 14 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 32

..........

______________________________

قد كان أقرّ بتحريمها «1».

و منها: رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن امرأة تزوّجها رجل فوجد لها زوجاً، قال: عليه الجلد و عليها الرجم، لأنّه تقدّم بعلم و تقدّمت هي بعلم و كفّارته إن لم يقدم إلى الإمام أن يتصدّق بخمسة أصيع دقيقاً «2». و لو لا الجواب لكان الظاهر من السؤال الجهل بوجود الزوج، و كيف كان فهي تدلّ بالظهور على سقوط الحدّ مع عدم العلم، و موردها الشبهة الموضوعية.

و منها: صحيحة

عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث إنّ رجلًا أعجمياً دخل المسجد يلبّي و عليه قميصه، فقال لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّي كنت رجلًا أعمل بيدي و اجتمعت لي نفقة، فحيث أحجّ لم أسأل أحداً عن شي ء، و أفتوني هؤلاء أن أشقّ قميصي و أنزعه من قبل رجلي و إنّ حجي فاسد و إنّ عليَّ بدنة؟ فقال له: متى لبست قميصك أ بعد ما لبّيت أم قبل؟ قال: قبل أن ألبّي، قال: فأخرجه من رأسك فإنّه ليس عليك بدنة، و ليس عليك الحجّ من قابل، أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شي ء عليه، طف بالبيت سبعاً و صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السّلام) واسع بين الصفا و المروة و قصّر من شعرك، فإذا كان يوم التروية فاغتسل و أهلَّ بالحج و اصنع كما يصنع الناس «3».

و المراد من قول السائل: «لم أسأل أحداً عن شي ءٍ» هل هو عدم السؤال لأجل عدم الالتفات و عدم التوجّه و تخيّل العلم بطريق الحج و كيفيّته؟ أو عدم السؤال مع الالتفات و التوجّه إلى الجهل؟ و يمكن أن يكون الوجه فيه على هذا الاحتمال عدم

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 324، أبواب مقدّمات الحدود ب 14 ح 2 و 3.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 397، أبواب حدّ الزنا ب 27 ح 5.

(3) وسائل الشيعة: 9/ 125، كتاب الحجّ أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 33

..........

______________________________

التمكّن من ملاقاة الإمام (عليه السّلام) و أصحابه العالمين بأنظاره، و إن كان متمكّناً من المراجعة إلى مراجع الناس و علمائهم، و هذه الرواية شاملة لكلتا الشبهتين كما لا يخفى.

و

أمّا من الجهة الثانية، الراجعة إلى مفهوم الشبهة و معناها فنقول: قال صاحب الرياض: و ضابطها يعني الشبهة ما أوجبت ظنّ الإباحة بلا خلاف أجده «1»، و هل مراده بالظنّ العلم كما ربّما فسّر كلامه به، و التعبير منه به لأجل مخالفته للواقع كما هو المفروض، أو أنّ مراده به أعمّ من العلم و الظنّ في مقابل الاحتمال؟ وجهان، و الظاهر هو الثاني.

و عن بعض في تعريف الوطء بالشبهة: أنّه الوطء الذي ليس بمستحقّ مع عدم العلم بالتحريم، و مقتضاه كفاية مجرّد احتمال الإباحة في تحقّق معنى الشبهة و إن كان مساوياً أو مرجوحاً، فضلًا عمّا إذا كان راجحاً.

و عرّفه العلّامة الطباطبائي (قدّس سرّه) في محكيّ مصابيحه: أنّه الوطء الذي ليس بمستحق في نفس الأمر مع اعتقاد فاعله الاستحقاق، أو صدوره عنه بجهالة مغتفرة في الشرع، أو مع ارتفاع التكليف بسبب غير محرّم، و المراد بالجهالة المغتفرة أن لا يعلم الاستحقاق، و يكون النكاح مع ذلك جائزاً، كما لو اشتبه عليه ما يحلّ من النساء بما يحرم منهنّ مع عدم الحصر، أو عوّل على إخبار المرأة بعدم الزوج أو انقضاء العدّة، أو على شهادة العدلين بطلاق الزوج أو موته، إلى غير ذلك من الصور التي لا يقدح فيها احتمال عدم الاستحقاق شرعاً و إن كان قريباً أو مظنوناً، و بارتفاع التكليف إلى آخره، الجنون و النوم و نحوهما، دون ما كان بسبب محرّم

______________________________

(1) رياض المسائل: 10/ 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 34

..........

______________________________

كشرب الخمر المسكر، فإنّه بحكم الزاني في تعلّق الحدّ و غيره «1».

و مقتضى هذا التعريف عدم كفاية مجرّد احتمال الإباحة، بل و عدم كفاية الظنّ إذا لم يقم

دليل شرعيّ على اعتباره حتّى يكون جهالة مغتفرة، فهنا احتمالات ثلاثة في مفهوم الشبهة و معناها، و ظاهر المتن اختيار الاحتمال الثالث.

أقول: ما أفاده العلّامة الطباطبائي (قدّس سرّه) في ضابط الشبهة يرجع إلى أنّ موردها ما إذا لم يكن التكليف التحريمي فعليّاً، إمّا لوجود اعتقاد الخلاف، و إمّا لوجود الحجّة الشرعية على الخلاف، و إمّا لوجود مثل النوم ممّا لا يكون التكليف معه بفعليّ أصلًا، و عليه فالشبهة الدارئة للحدّ ما كانت منافية لفعليّة التكليف و رافعة لها، فالملازمة متحقّقة بين مقام ثبوت التكليف و مورد ثبوت الحدّ، فكلّ مورد يكون التكليف فعليّاً فالحدّ يترتّب عليه، و كلّ مورد ترتفع فعليّة التكليف فالحدّ ساقط.

مع أنّ الظاهر أنّ قول النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) في مرسلة الصدوق المتقدّمة: ادرأوا الحدود بالشبهات. يفيد أمراً زائداً على ذلك، و مرجعه إلى أنّ مقام إجراء الحدود و إثبات المجازات أضيق دائرة من مقام ثبوت التكليف، و لعلّ الحكمة فيه حفظ أعراض الناس و حيثياتهم، و عدم التعرّض لها إلّا في موارد العلم بالحرمة و قيام الحجّة عليها.

و يؤيّد ما ذكرنا اعتبار العلم بالحرمة في جملة شروط ثبوت الحدّ في مورد الزنا كما تقدّم البحث فيه، فإنّ اعتبار العلم بالحرمة و وجود الحجّة عليها أعمّ من القطع أو الأمارة المعتبرة أو الأصل الشرعي مرجعه إلى عدم ثبوت الحدّ مع عدم الحجّة على التحريم، و إن لم يكن هناك دليل على الحلّية أصلًا، و إلّا فلو كان الرافع للحدّ وجود طريق معتبر على الحلّية لما كان وجه لاعتبار العلم بالحرمة في ثبوت

______________________________

(1) حكى عن نكاح المصابيح في جواهر الكلام: 41/ 263.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص:

35

..........

______________________________

الحدّ، كما لا يخفى.

و يؤيّده أيضاً التعليل المتقدّم في رواية أبي بصير، المذكورة في الجهة الأُولى، و هو قوله (عليه السّلام): «لأنّه تقدّم بعلم و تقدّمت هي بعلم» فإنّ ظاهره أنّ العلّة لثبوت الحدّ من الجلد و الرجم هو وجود الحجّة على الحرمة و ثبوت العلم بها، فينتفي مع انتفاء العلّة و هي العلم، و مقتضاه سقوط الحدّ و إن لم تكن حجّة على الحلّية.

كما أنّه يؤيّده أيضاً استثناء بعض صور الجهل عن تقصير كما في المتن، فإنّ مرجعه إلى أنّ دائرة سقوط الحدّ أضيق من دائرة ثبوت التكليف و تحقّق الإثم و العصيان، كما هو مقتضى كون الجهل عن تقصير.

و آخر ما يؤيّد ما ذكرنا ظهور رواية درء الحدّ في مورد الشبهة في كون موضوع الزنا ثابتاً مع الشبهة، و مع ذلك يدرأ الحدّ بها، و ما جعل ضابطاً مرجعه إلى عدم تحقّق حقيقة الزنا الذي فسّر بالفجور، و مثله في موارد الشبهة، و ذلك لوضوح عدم تحقّق الفجور و الفاحشة و مثلهما مع اعتقاد الخلاف أو وجود الحجّة الشرعية على الحلّية، أو وجود مثل النوم.

و أمّا ما في ذيل صحيحة يزيد الكناسي المتقدّمة «1» من الحكم بثبوت الحدّ في مورد العلم بأصل العدّة و الشكّ في مقدارها، معلّلًا بقوله (عليه السّلام): «إذا علمت أنّ عليها العدّة لزمتها الحجّة فتسأل حتّى تعلم» فلا دلالة له على خلاف ما ذكرنا، نظراً إلى ظهورها في ثبوت الحدّ مع الجهل، و ذلك لأنّ الحكم بذلك إنّما هو لوجود الحجّة على التحريم، و هو استصحاب بقاء العدّة مع الشكّ في مقدارها، فتدبّر.

فالإنصاف بملاحظة ما ذكرنا رجحان ما أفاده صاحب الرياض، من كون الملاك في الشبهة هو الظنّ

بالإباحة لو لم نقل بشمولها لصورة الاحتمال أيضاً.

______________________________

(1) في ص 26.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 36

[مسألة 6: لو عقد على محرّمة عليه كالمحارم و نحوها مع علمه بالحرمة لم يسقط الحدّ]

مسألة 6: لو عقد على محرّمة عليه كالمحارم و نحوها مع علمه بالحرمة لم يسقط الحدّ، و كذا لو استأجرها للوطء مع علمه بعدم الصحّة فالحدّ ثابت، خلافاً للمحكيّ عن بعض أهل الخلاف، و كذا لا يشترط في الحدّ كون المسألة إجماعيّة، فلو كانت اختلافيّة لكن أدّى اجتهاده أو تقليده إلى الحرمة ثبت الحدّ، و لو خالف اجتهاد الوالي لاجتهاد المرتكب و قال الوالي بعدم الحرمة، فهل له إجراء الحدّ أم لا؟ الأشبه الثاني، كما أنّه لو كان بالعكس لا حدّ عليه (1).

______________________________

(1) أمّا الفرع الأوّل: فقد وقع التعرّض له في المسألة المتقدّمة، و كان ينبغي إيراده عقيب الفرع الأوّل في تلك المسألة.

و أمّا عدم اشتراط الحدّ بكون المسألة إجماعيّة، فمنشأ توهّم الخلاف ما يوهمه ظاهر المحكيّ عن الفاضل في كتاب النكاح من تخصيص الزنا بالمعلوم حرمته إجماعاً، كنكاح المحارم و نحوهنّ دون ما كان محلّ خلاف «1». فإنّ ظاهره عدم تحقّق الزنا في المسائل الاختلافية، مع أنّه لا يكون مراداً للفاضل قطعاً، فإنّه كما في الجواهر يجب حمله على إرادة عدم الحكم بالزناء على من نكح في المسائل الخلافيّة، لاحتمال تقليده من يرى الجواز، لا أنّ المراد عدمه ممّن هو مجتهد في الحرمة أو مقلّد له «2».

و قد مرّ «3» أنّ المراد بالعلم بالحرمة المعتبر في ثبوت الحدّ هو وجود الحجّة عليها، سواء كان علماً أو ظنّاً معتبراً، أو كان مقتضى أصل شرعيّ.

و لو خالف اجتهاد الوالي لاجتهاد المرتكب أو تقليده و قال الوالي بعدم الحرمة فقد جعل الأشبه عدم إجراء الحدّ عليه،

و ذلك لأنّ إجراء الحدّ عمل الوالي و فعله،

______________________________

(1) تحرير الأحكام: 2/ 219.

(2) جواهر الكلام: 41/ 264.

(3) في ص 25.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 37

[مسألة 7: يسقط الحدّ في كلّ موضع يتوهّم الحلّ]

مسألة 7: يسقط الحدّ في كلّ موضع يتوهّم الحلّ، كمن وجد على فراشه امرأة فتوهّم أنّها زوجته فوطأها، فلو تشبّهت امرأة نفسها بالزوجة فوطأها فعليها الحدّ دون واطئها، و في رواية يقام عليها الحدّ جهراً و عليه سرّاً، و هي ضعيفة غير معوّل عليها (1).

______________________________

و لا بدّ له من إحراز مشروعيّته، و مع الاعتقاد بعدم كون العمل الواقع زنا محرّماً كيف يكون إجراء الحدّ مشروعاً؟ و إن كان يمكن أن يقال بأنّ إجراء الحدّ إنّما هو لسدّ باب الفساد و منع تكرّر العمل المحرّم، و مع اعتقاد الفاعل بفساد عمله و كونه محرّماً لا مانع من التوسّل إلى إجراء الحدّ دفعاً لتكرّر الفساد، و لكنّ الأظهر هو الأوّل.

و أمّا لو كان بالعكس، بأن قال الوالي بالحرمة، و اعتقد المرتكب اجتهاداً أو تقليداً الحلّية، فلا شبهة في عدم ثبوت الحدّ، و ذلك لكون المورد من أظهر مصاديق الشبهة الدارئة للحدّ، لأنّه باعتقاد الوالي من الجهالة المغتفرة في الشرع، لاقتضاء الاجتهاد أو التقليد له، فهو كما لو قامت البيّنة على الحلّية في الشبهات الموضوعيّة مع اعتقاد الوالي كذبها، كما لا يخفى.

(1) المراد من التوهّم المذكور في المتن هو الاعتقاد، و الوجه في التعبير عنه به هو كونه مخالفاً للواقع، كما هو المفروض في المسألة، و السبب للتعرّض لسقوط الحدّ في كلّ موضع يتوهّم الحلّ مع أنّه الفرد الظاهر من الشبهة و قد وقع التعرّض له في المسألة الخامسة هو التعرّض للفرع الذي وردت فيه الرواية على خلاف

القاعدة، و إلّا لا يكون وجه للتكرار.

و الرواية هي ما رواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن بعض

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 38

..........

______________________________

أصحابه، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، عن إبراهيم بن يحيى الدوري، عن هشام بن بشير، عن أبي بشير، عن أبي روح: أنّ امرأة تشبّهت بأمةٍ لرجل و ذلك ليلًا فواقعها و هو يرى أنّها جاريته، فرفع إلى عمر، فأرسل إلى عليّ (عليه السّلام) فقال: اضرب الرجل حدّا في السرّ و اضرب المرأة حدّا في العلانية «1».

و الرواية مع إرسالها و ضعفها بإبراهيم بن يحيى الدوري و من بعده من الرواة غير معمول بها عدا القاضي «2». و في الجواهر عن نكت النهاية: «سمعت من بعض فقهائنا أنّه أراد إيهام الحاضرين الأمر بإقامة الحدّ على الرجل سرّاً، و لم يقم الحدّ عليه استصلاحاً و حسماً للمادّة، لئلا يتّخذ الجاهل الشبهة عذراً، و هذا ممكن» «3».

بقي الكلام في نكاح الكفّار و أنّ الوجه في عدم ترتّب آثار الزنا عليه مع كونه باطلًا بمقتضى القواعد و الضوابط في شريعة الإسلام، هل هو كونه من مصاديق الشبهة، نظراً إلى اعتقادهم تحقّق الحلّية بذلك، أو أنّ منشأه كونه ممضى في الشرع و محكوماً بالصحّة في الإسلام، نظير الحكم بصحّة المعاملة إذا باع الذمّي الخمر من الذمّي مع عدم صحّته في الإسلام إذا وقع بين المسلمين؟

و على التقدير الأوّل هل يكون هناك فرق بين الكافر الذي لم يحتمل حقّية الإسلام أصلًا، و بين الكافر الذي احتملها و لم يفحص بعده، بل بقي على كفره و نكح في هذه الحالة، نظراً إلى قوله (عليه السّلام) في صحيحة يزيد الكناسي المتقدّمة: «لزمتها

الحجّة» أو لا يكون فرق بينهما كما هو ظاهر الفتاوى؟

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 409، أبواب حدّ الزنا ب 38 ح 1.

(2) المهذّب: 2/ 524.

(3) نكت النهاية: 3/ 295 296، جواهر الكلام: 41/ 265.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 39

[مسألة 8: يسقط الحدّ بدعوى كلّ ما يصلح أن يكون شبهة بالنظر إلى المدّعى لها]

مسألة 8: يسقط الحدّ بدعوى كلّ ما يصلح أن يكون شبهة بالنظر إلى المدّعى لها، فلو ادّعى الشبهة أحدهما أو هما مع عدم إمكانها إلّا بالنسبة إلى أحدهما سقط عنه دون صاحبه، و يسقط بدعوى الزوجيّة ما لم يعلم كذبه،

______________________________

و الظاهر هو الوجه الثاني و أنّ المنشأ هو كونه ممضى في الشريعة، نظراً إلى قول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) على ما في بعض الروايات: «إنّ لكلّ قوم نكاحاً» «1» و قول أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في بعضها: «كلّ قومٍ يعرفون النكاح من السفاح فنكاحهم جائز» «2» فإنّ الظاهر أنّه ليس المراد بقول الرسول هو الإخبار عن وجود النكاح و ثبوته عند كلّ قوم، بل المراد هو الحكم بالجواز في هذا الشرع، كما هو ظاهر الحكم بالجواز في الرواية الأُخرى، و مرجع ذلك إلى ترتّب أحكام الصحّة عليه في الإسلام، فلا يجوز التزويج بذات البعل من الكفّار، و كذا يترتّب عليه سائر أحكام النكاح التي من جملتها عدم ترتّب الحدّ عليه.

و أمّا نكاح المخالفين، ففي الموارد التي تكون القواعد مقتضية للبطلان، كما إذا تزوّج المطلّقة ثلاثاً في مجلس واحد، فالظاهر أنّ عدم ترتّب الحدّ عليه ليس لأجل الشبهة الدارئة للحدّ، بل لأجل قاعدة الإلزام التي تدلّ عليها الروايات الكثيرة التي منها رواية عليّ بن أبي حمزة، أنّه سأل أبا الحسن (عليه السّلام) عن المطلّقة على غير السنّة أ يتزوّجها

الرجل؟ فقال (عليه السّلام): ألزموهم من ذلك ما ألزموا أنفسهم و تزوّجوهنّ، فلا بأس بذلك «3». و ظاهره الحكم بالصحّة و ترتّب أحكامها عليه التي منها جواز التزوّج بالمطلّقة على غير السنّة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 14/ 588، نكاح العبيد و الإماء ب 83 ح 2.

(2) وسائل الشيعة: 14/ 588، نكاح العبيد و الإماء ب 83 ح 3.

(3) وسائل الشيعة: 15/ 321، أبواب مقدّمات الطلاق و شرائطه ب 30 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 40

و لا يكلّف اليمين و لا البيّنة (1).

______________________________

(1) أقول: لا شبهة في أنّ دعوى الإكراه مسموعة، و يسقط الحدّ بها لصحيحة أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: إنّ علياً (عليه السّلام) أتى بامرأة مع رجل فجر بها، فقالت: استكرهني و اللّٰه يا أمير المؤمنين، فدرأ عنها الحدّ، و لو سئل هؤلاء عن ذلك لقالوا: لا تصدّق، و قد و اللّٰه فعله أمير المؤمنين (عليه السّلام) «1».

و أمّا سقوط الحدّ بدعوى كلّ ما يصلح أن يكون شبهة بالنظر إلى المدّعى لها، فتارة يستدلّ لها بقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله): ادرءوا الحدود بالشبهات. و أُخرى بإلغاء الخصوصيّة من الرواية الواردة في مورد الإكراه، نظراً إلى أنّه لا خصوصيّة للإكراه من هذه الجهة، الراجعة إلى قبول الدعوى و سقوط الحدّ.

أقول: و في كليهما نظر.

أمّا الأوّل: فلأنّ التمسّك بالنبويّ فرع إحراز ثبوت الشبهة في المورد، و المفروض عدم ثبوتها، بل مجرّد وجود الدعوى و عدم العلم بصدقها، فكيف يجوز مع هذا الوصف التمسّك به كما هو ظاهر؟

و أمّا الثاني: فإلغاء الخصوصيّة من الرواية المذكورة مشكل؛ لأنّه على تقدير كون الحكم في مورد الرواية على خلاف القاعدة كما هو

مقتضى إلغاء الخصوصيّة لا وجه للإلغاء؛ لأنّ الحكم على خلاف القاعدة يقتصر فيه على مورده، و لا مجال فيه لإلغاء الخصوصيّة أصلًا.

و التحقيق أنّ الوجه في سقوط الحدّ بمجرّد دعوى الشبهة ما لم يعلم كذبها بأن كانت محتملة في حقّه عدم إحراز موضوع الزنا الموجب للحدّ، فإنّه لا بدّ في إجراء

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 382، أبواب حدّ الزنا ب 18 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 41

[مسألة 9: يتحقّق الإحصان الذي يجب معه الرجم باستجماع أمور]

اشارة

مسألة 9: يتحقّق الإحصان الذي يجب معه الرجم باستجماع أمور:

[الأوّل: الوطء بأهله في القبل]

الأوّل: الوطء بأهله في القبل، و في الدبر لا يوجبه على الأحوط، فلو عقد و خلا بها خلوة تامّة، أو جامعها فيما بين الفخذين، أو بما دون الحشفة، أو ما دون قدرها في المقطوعة مع الشكّ في حصول الدخول لم يكن محصناً، و لا المرأة محصنة، و الظاهر عدم اشتراط الإنزال، فلو التقى الختانان تحقّق، و لا يشترط سلامة الخصيتين (1).

______________________________

الحدّ من إحراز الموضوع بشرائطه و قيوده، و من جملة الخصوصيّات المأخودة في الموضوع أن لا يكون هناك شبهة، فإذا احتمل وجودها من جهة دعوى المدّعى و عدم العلم بكذبها لم يحرز موضوع الزنا الموجب للحدّ، فلا وجه لإجرائه و ترتّبه، و هذا هو الوجه في عدم التكليف بالبيّنة و اليمين في المقام، و عليه فكلّ دعوى ترجع إلى عدم تحقّق موضوع الزنا الموجب للحدّ تسقط الحدّ ما لم يعلم كذبها، كدعوى الزوجيّة، أو شراء الأمة من المالك أو غيرهما، كما لا يخفى.

و إن شئت فقل: إنّ الرواية الواردة في مورد الإكراه حيث إنّها على وفق القاعدة فلا وجه لاحتمال الاختصاص بالإكراه، بل يجري في جميع الموارد.

(1) قال في المسالك في معنى الإحصان: الإحصان و التحصين في اللغة المنع، قال تعالى لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ «1»، و قال تعالى فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ «2». و ورد في الشرع بمعنى الإسلام، و بمعنى البلوغ و العقل، و كلّ منهما قد قيل في تفسير قوله

______________________________

(1) سورة الأنبياء 21: 80.

(2) سورة الحشر 59: 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 42

..........

______________________________

تعالى فَإِذٰا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفٰاحِشَةٍ «1». و بمعنى الحرّية، و منه قوله تعالى فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ

مٰا عَلَى الْمُحْصَنٰاتِ مِنَ الْعَذٰابِ «2» يعني الحرائر، و بمعنى التزويج، و منه قوله تعالى وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ النِّسٰاءِ إِلّٰا مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ «3» يعني المنكوحات، و بمعنى العفّة عن الزنا، و منه قوله تعالى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ «4». و بمعنى الإصابة في النكاح، و منه قوله تعالى مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسٰافِحِينَ «5». و يقال: أحصنت المرأة عفت و أحصنها زوجها فهي محصنة و أحصن الرجل تزوّج «6».

و يظهر منه أنّ الإحصان قد يجي ء لازماً، و قد يجي ء متعدّياً، و قد صرّح الراغب في المفردات بذلك، حيث قال: يقال: امرأة محصِن (بالكسر) و محصَن (بالفتح) فالمحصِن يقال إذا تصوّر حصنها من نفسها، و المحصَن يقال إذا تصوّر حصنها من غيرها «7».

و كيف كان فيدلّ على اعتبار أصل الوطء بالأهل في تحقّق الإحصان روايات كثيرة في الرجل و المرأة:

منها: صحيحة رفاعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يزني قبل أن يدخل بأهله أ يرجم؟ قال: لا «8».

______________________________

(1) سورة النساء 4: 25.

(2) سورة النساء 4: 25

(3) سورة النساء 4: 24.

(4) سورة النور 24: 4.

(5) سورة المائدة 5: 5.

(6) مسالك الأفهام: 14/ 332 333.

(7) المفردات في غريب القرآن: 121 (حصن).

(8) وسائل الشيعة: 18/ 358، أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 43

..........

______________________________

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الرجل يزني و لم يدخل بأهله أ يحصن؟ قال: لا، و لا بالأمة «1».

و منها: صحيحة أُخرى لمحمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن قول اللّٰه عزّ و جل فَإِذٰا أُحْصِنَّ قال: إحصانهنّ أن يدخل بهنّ، قلت: إن لم

يدخل بهنّ أما عليهنّ حدّ؟ قال: بلى «2».

و منها: رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قوله تعالى فَإِذٰا أُحْصِنَّ قال: إحصانهنّ إذا دخل بهنّ، قال: قلت: أ رأيت إن لم يدخل بهنّ و أحدثن ما عليهنّ من حدّ؟ قال: بلى «3».

و منها: غير ذلك من الروايات الدالّة على اعتبار الدخول، و عليه فلا يتحقّق الإحصان في الفروع المذكورة التي منها صورة الشك في حصول الدخول، فإنّ الظاهر سقوط كلمة «أو» من المتن، و كون صورة الشك صورة مستقلّة، كما أنّ مقتضى إطلاق الروايات عدم اشتراط الإنزال مع الدخول، و عدم اشتراط سلامة الخصيتين، و أنّ تمام الملاك في ذلك من هذه الجهة هي نفس الدخول بعنوانه.

و أمّا اعتبار كون الوطء في القبل، ففي محكي الرياض: أنّه صرّح به جماعة من غير خلاف بينهم أجده إلّا من إطلاق نحو عبارة المتن «4». و مثله الإطلاق في كثير

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 359، أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 9.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 358، أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 4.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 360، أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 11.

(4) رياض المسائل: 10/ 15.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 44

..........

______________________________

من كتب القدماء كما قيل، كالمقنعة «1» و الانتصار «2» و الخلاف «3» و التبيان «4» و مجمع البيان «5». لكن في الجواهر بعد الحكم بإمكان الحمل على الغالب قال: قلت: هو و إن كان مقتضى الأصل و الاحتياط، إلّا أنّ الإنصاف عدم خلوِّه من الإشكال، إن لم يكن إجماعاً فيما إذا وطئ بالغاً دبراً، و كان متمكّناً من الفرج أيضاً، نعم لو لم يتمكّن إلّا من الدبر

أمكن الإشكال فيه بعدم انسياقه من النصوص، أمّا الأوّل فيحتمل قويّاً الاجتزاء به، كما في كلّ مقام اعتبر الدخول فيه «6».

أقول: مضافاً إلى عدم كون ذلك مقتضى الأصل؛ لعدم جريانه مع العلم الإجمالي بثبوت الجلد أو الرجم و عدم خلوّ الحدّ عنهما، إلّا أن يكون المراد أصالة عدم تحقّق الإحصان و سيأتي ما فيه، أمّا ما ذكره في الفرض الأوّل، فيؤيّده رواية حريز قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المحصن قال: فقال: الذي يزني و عنده ما يغنيه «7». فإنّه مع فرض التمكّن من الوطء في الفرج يتحقّق عنوان «ما يغنيه» قطعاً، و اعتبار الوطء مع الأهل قد روعي من ناحية الوطء في الدبر بعد عدم إشعار دليله على اعتبار خصوص الوطء في القبل، فضلًا عن الدّلالة.

و أمّا ما أفاده من الإشكال في الفرض الثاني، ففيما إذا كان زناؤه بالوطء في الدبر على ما عرفت من عدم الفرق بين القبل و الدبر في الزنا يحتمل قويّاً أيضاً

______________________________

(1) المقنعة: 775 776.

(2) الإنتصار: 521.

(3) الخلاف: 5/ 371 مسألة 5.

(4) التبيان: 3/ 162 167.

(5) مجمع البيان: 3/ 55، 59.

(6) جواهر الكلام: 41/ 272 273.

(7) وسائل الشيعة: 18/ 352، أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 45

[الثاني: أن يكون الواطئ بأهله بالغاً على الأحوط]

الثاني: أن يكون الواطئ بأهله بالغاً على الأحوط، فلا إحصان مع إيلاج الطفل و إن كان مراهقاً، كما لا تحصن المرأة بذلك، فلو وطأها و هو غير بالغ ثمّ زنى بالغاً لم يكن محصناً على الأحوط و لو كانت الزوجيّة باقية مستمرّة (1).

______________________________

الاجتزاء؛ لصدق عنوان ما يغنيه في هذه الصورة أيضاً، لأنّه يكون عنده ما يغنيه عن هذا العمل غير

المشروع، كما لا يخفى. و فيما إذا كان زناؤه بالوطء في القبل يشكل صدق ذلك العنوان بعد عدم التمكّن من الوطء بأهله في القبل، و إن كان دعوى أنّ خصوص الوطء في القبل منساق من النصوص أيضاً مشكلة، فلا يبقى إلّا كون ذلك موافقاً للاحتياط كما أفيد في المتن.

ثمّ إنّ الظاهر أنّه ليس المراد من أصل اعتبار هذا الأمر و هو الوطء بالأهل خصوص الوطء المحلّل، بل أعمّ منه و من الوطء بها في حال الحيض، أو الإحرام، أو الصوم، أو نحوها، كما أنّ المراد بالوطء هو تغيّب الحشفة، كما في سائر المقامات، لعدم الدليل على وجود خصوصيّة للمقام.

(1) قال في الجواهر بعد دعوى ثبوت الإجماع بقسميه على اعتبار البلوغ حين الزنا في تحقّق الإحصان-: بل الظاهر كونه كذلك أيضاً، بمعنى اعتباره في وطء زوجته، فلو أولج غير بالغ و لو مراهقاً في زوجته حتّى غيَّب الحشفة، ثمّ زنى بالغاً لم يكن الوطء الأوّل معتبراً في تحقّق الإحصان، لأنّه يشترط في إحصانه الوطء بعد البلوغ، و إن كانت الزوجية مستمرّة للأصل و الاستصحاب، و قصور فعله عن أن يناط به حكم شرعيّ، و نقص اللذة، و عدم انسياق نحوه من الدخول و شبهه، و عن المبسوط أن تراعى الشروط حين الزنا، و لا اعتبار بما قبل ذلك «1» «2».

______________________________

(1) المبسوط: 8/ 3، و فيه عكس ما هنا.

(2) جواهر الكلام: 41/ 269.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 46

..........

______________________________

أقول: أمّا الإجماع المحصّل، فالظاهر عدم تحقّقه بلحاظ عدم التعرّض لاعتبار البلوغ حال الوطء حتّى في مثل الشرائع، و قوله فيها: و لا يثبت الإحصان الذي يجب معه الرجم حتّى يكون الواطئ بالغاً حرّا و

يطأ في فرج مملوك «1». لا دلالة فيه على اعتبار البلوغ حال الوطء بالأهل، لأنّه مضافاً إلى أنّه قد عبّر في النافع بدلًا عن الواطئ بالزاني «2» يكون اعتبار أصل الوطء مذكوراً بعد اعتبار البلوغ و الحريّة.

نعم، يرد عليه حينئذٍ أنّه قد صرّح سابقاً باعتبار البلوغ في أصل تحقّق الزنا مطلقاً، فلا مجال لذكره ثانياً، و اعتباره في الإحصان كما لا يخفي، و كيف كان فالظاهر عدم تحقّق الإجماع المحصّل، و عدم حجّيّة المنقول كما قرّر في الأُصول.

و أمّا الأصل، فقد أجيب عنه في ذيل اعتبار الأمر الأوّل، و الاستصحاب جريانه موقوف على عدم تماميّة الإطلاق الذي يأتي البحث فيه، و كون فعله قاصراً عن أن يناط به حكم شرعيّ ممنوع بعد ترتّب آثار كثيرة عليه، كالضمان المسبّب عن الإتلاف، و كون عمده خطأً لا يلازم خروج فعله عما ذكر، لثبوت الدّية على العاقلة، و نقص اللّذة و إن كان متحقّقاً، إلّا أنّ الملاك في ذلك غير معلوم، و سيجي ء أنّ الوطء مرّة مع الزوجة الدائمة يوجب تحقّق الإحصان، و مع الزوجة المنقطعة لا يوجبه و إن وقع ألف مرّة.

و عدم انسياق نحوه من الدخول و شبهه غير ظاهر، نعم اللازم ملاحظة الأدلّة حتّى يعلم ثبوت الإطلاق و عدمه، فنقول: أمّا مثل قوله (عليه السّلام) في بعض الروايات

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 933.

(2) المختصر النافع: 292.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 47

[الثالث: أن يكون عاقلًا حين الدخول بزوجته على الأحوط فيه]

الثالث: أن يكون عاقلًا حين الدخول بزوجته على الأحوط فيه، فلو تزوّج في حال صحّته و لم يدخل بها حتّى جنّ ثم وطأها حال الجنون لم يتحقّق الإحصان على الأحوط (1).

______________________________

المتقدّمة في اعتبار الأمر الأول: «إحصانهنّ أن يدخل بهنّ»،

و كذا قوله (عليه السّلام) فيه: «لا» في مقام الجواب عن السؤال عن الرجل يزني قبل أن يدخل بأهله أ يرجم؟ فالظاهر عدم ثبوت الإطلاق فيه، لأنّه في مقام بيان أصل اعتبار الدخول في مقابل العدم، مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ ذكر الرجل مع كونه ظاهراً في البالغ يوجب عدم اعتبار الوطء في حال الصغر في ترتّب حدّ الرجم، فتأمّل.

و ليس هنا شي ء آخر يمكن أن تتوهّم دلالته على الإطلاق، بل ربّما يقال بظهور بعض الروايات في اعتبار البلوغ، كموثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن الرجل إذا هو زنى و عنده السريّة و الأمة يطؤها تحصنه الأمة و تكون عنده؟ فقال: «نعم، إنّما ذلك لأنّ عنده ما يغنيه من الزنا» «1»، نظراً إلى ظهورها عرفاً في وجود من يطأها مراراً، أو يكون قابلًا لذلك، و غير البالغ لا يكون كذلك، و إن كان في هذا الاستظهار نظر، خصوصاً مع ملاحظة التعليل في الجواب.

و قد انقدح أنّ مقتضى الاستصحاب عدم تحقّق الإحصان بالوطء في غير حال البلوغ؛ لعدم استفادة شي ء من الطرفين من الدليل، لكنّه سيأتي ما فيه.

(1) قد أشرنا إلى أنّه مع عدم تمامية الإطلاق يصير اعتبار مثل العقل في حال وطء الأهل مشكوكاً، فتصل النوبة بحسب بادئ النظر إلى الاستصحاب، نظراً

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 352، أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 48

[الرابع: أن يكون الوطء في فرج مملوك له بالعقد الدائم الصحيح]

الرابع: أن يكون الوطء في فرج مملوك له بالعقد الدائم الصحيح، أو ملك اليمين، فلا يتحقّق الإحصان بوطء الزنا و لا الشبهة، و كذا لا يتحقّق بالمتعة، فلو كان عنده متعة يروح و يغدو عليها

لم يكن محصناً (1).

______________________________

إلى أنّ عدم تحقّق الإحصان قبل دخول المجنون متيقّن، و تحقّقه به مشكوك، فتستصحب الحالة السابقة، و يحكم بعدم تحقّق الإحصان معه، و لكنّ الظاهر كما قرّر في محلّه عدم جريان مثل هذا الاستصحاب؛ لأنّ الشبهة إنّما هي في المفهوم و معنى الإحصان، و ليس الشك في أمر خارجيّ حتّى تستصحب الحالة السابقة المتحقّقة في الزمان، فهو كاستصحاب النهار، إذا كان مفهومه مردّداً بين انتهائه باستتار القرص، و بين انتهائه بزوال الحمرة المشرقية، و لا مجال لجريانه كما حقّقناه في الأصول، و ليس ذلك مثل استصحاب بقاء النهار بعد تبيّن مفهومه إذا شكّ في بقائه و زواله لأجل الشك في الخارج المسبّب عن الغيم و نحوه، و بالجملة لا مجال لاستصحاب عدم تحقّق الإحصان بعد كون مفهومه مشتبهاً.

ثمّ إنّه بعد عدم جريان الاستصحاب يمكن استفادة الحكم من طريق آخر، و هو التمسك بإطلاق قوله تعالى الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ «1» بعد كون دليل الإحصان الذي هو بمنزلة المقيّد مجملًا مفهوماً و مردّداً بين الأقل و الأكثر، كما في المخصّص المردّد بينهما كما لا يخفى.

(1) أمّا عدم تحقّق الإحصان بوطء الزنا أو الشبهة، فمضافاً إلى ما عن كشف اللثام من دعوى الاتّفاق عليه «2» عدم تحقّق عنوان الوطء بالأهل المذكور في بعض

______________________________

(1) سورة النور 24: 2.

(2) كشف اللثام: 2/ 400.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 49

..........

______________________________

الروايات المتقدمة.

و أمّا تحقّقه بالعقد الدائم الصحيح، فلأنّه الفرد الكامل من الأهل المذكور في تلك الروايات، إنّما الكلام في ملك اليمين و في المتعة، فنقول:

أمّا ملك اليمين فالمشهور تحقّق الإحصان به، و ربّما ادّعي الإجماع عليه، خلافاً للمحكي

عن القديمين «1» و الصدوق «2» و الديلمي «3» من عدم تحقّق الإحصان به، و يدلّ لما هو المشهور روايات:

منها: موثقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن الرجل إذا هو زنى و عنده السريّة و الأمة يطؤها، تحصّنه الأمة و تكون عنده؟ فقال: نعم، إنّما ذلك لأنّ عنده ما يغنيه عن الزنا. قلت: فإن كانت عنده أمة زعم أنّه لا يطؤها؟ فقال: لا يصدّق. قلت: فإن كانت عنده امرأة متعة أ تحصنه؟ فقال: لا إنّما هو على الشي ء الدائم عنده «4». و المراد من الضابطة المذكورة ما يعمّ الأمة بقرينة الصدر، و عليه فالمراد ما يكون فيه قابلية الدوام، سواء كان منشأه الزوجيّة أو الملكية.

و منها: موثّقته الأُخرى قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السّلام): الرجل تكون له الجارية أ تحصنه؟ قال: فقال: نعم إنّما هو على وجه الاستغناء، قال: قلت: و المرأة المتعة؟ قال: فقال: لا، إنّما ذلك على الشي ء الدائم، قال: قلت: فإن زعم أنّه لم يكن يطؤها، قال: فقال: لا يصدّق، و إنّما أوجب ذلك عليه لأنّه يملكها «5». و الظاهر اتّحاد

______________________________

(1) حكى عنهما في مختلف الشيعة: 9/ 153 مسألة 11.

(2) المقنع: 439، من لا يحضره الفقيه: 4/ 35.

(3) المراسم: 254.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 352، أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 2.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 353، أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 50

..........

______________________________

الروايتين و عدم تعدّدهما، و إن جعلهما في مثل الوسائل كذلك.

و منها: صحيحة على بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن الحرّ تحته المملوكة هل عليه الرجم إذا زنى؟ قال: نعم

«1».

و منها: صحيحة حريز قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المحصن؟ قال: فقال: الذي يزني و عنده ما يغنيه «2».

و منها: صحيحة إسماعيل بن جابر، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت: ما المحصن رحمك اللّٰه؟ قال: من كان له فرج يغدو عليه و يروح فهو محصن «3».

فإنّ مقتضى العموم أو الإطلاق فيهما تحقّق الإحصان بالأمة، لانطباق العنوانين عليها، و خروج المتعة بالدليل لا يقدح في الأمة شيئاً.

و منها: غير ذلك من الروايات الدالّة على ذلك.

و في مقابلها روايات، مثل:

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في الذي يأتي وليدة امرأته بغير إذنها، عليه مثل ما على الزاني يجلد مائة جلدة، قال: و لا يرجم إن زنى بيهوديّة أو نصرانيّة أو أمة، فإن فجر بامرأة حرّة و له امرأة حرّة فإنّ عليه الرجم، و قال: و كما لا تحصنه الأمة و اليهوديّة و النصرانيّة إن زنى بحرّة كذلك، لا يكون عليه حدّ المحصن إن زنى بيهودية أو نصرانية أو أمة و تحته حرّة «4».

و صحيحته الأُخرى قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الرجل يزني و لم يدخل بأهله

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 354، أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 11.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 352، أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 4.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 351، أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 1.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 354، أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 51

..........

______________________________

أ يحصن؟ قال: لا، و لا بالأمة «1».

و صحيحته الثالثة قال: سألته عن الحرّ أ تحصنه المملوكة؟ قال: لا يحصن الحُرّ المملوكة و لا يحصن المملوك الحرّة، و

النصرانيّ يحصن اليهوديّة و اليهودي يحصن النصرانيّة «2».

و لا يخفى أنّ معارضتها مع الطائفة الأُولى إنّما هي مع ما يدلّ منها بالخصوص على تحقّق الإحصان بالأمة، لوضوح أنّ ما يدلّ منها على ذلك بنحو العموم أو الإطلاق يكون قابلًا للتخصيص أو التقييد بهذه الروايات، و لأجله ذكر في مقام العلاج أنّ مقتضى التعارض التساقط و الرجوع إلى العموم الذي هو مقتضى هذا الصنف من هذه الطائفة، كصحيحتي حريز و إسماعيل بن جابر المتقدّمتين.

و قد احتمل صاحب الجواهر (قدّس سرّه) حمل هذه الروايات على التقية، لأجل موافقتها لأبي حنيفة و أصحابه «3» «4».

و ذكر صاحب الوسائل بعد نقل الصحيحة الاولى من صحاح محمّد بن مسلم أنّ الشيخ (قدّس سرّه) حملها على ما إذا كنّ عنده بعقد المتعة «5».

هذا، و لكنّ الظاهر بناءً على ما هو المختار، من أنّ مقتضى الأدلّة العلاجية أنّ أوّل المرجّحات هي الشهرة في الفتوى، أنّ الترجيح مع الطائفة الأُولى، لموافقتها للشهرة المحقّقة القائمة على تحقّق الإحصان بالأمة، فالأقوى حينئذٍ

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 359، أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 9.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 357، أبواب حدّ الزنا ب 5 ح 1.

(3) الخلاف: 5/ 371 مسألة 5، المبسوط للسرخسي: 9/ 41، المغني لابن قدامة: 10/ 128.

(4) جواهر الكلام: 41/ 271 272.

(5) التهذيب: 10/ 13، الإستبصار: 4/ 205.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 52

..........

______________________________

ما في المتن، و لكنّ الظاهر اختصاصها بالأمة المملوكة، و عدم شمولها للأمة المحلّلة، لاقتضاء الحصر في موثّقة إسحاق بن عمّار بقوله (عليه السّلام): «إنّما هو على الشي ء الدائم عنده» الانحصار بما فيه قابليّة الدوام، و التحليل لا يكون فيه هذه القابليّة بوجه.

هذا، مضافاً إلى أنّ

مقتضى الصحيحة الأُولى اعتبار الإسلام و الحريّة في المزنيّ بها أيضاً، مع أنّ الظاهر عدم اعتبارهما بوجه، و يدلّ على عدم اعتبار الإسلام رواية إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه (عليهم السّلام) أنّ محمّد بن أبي بكر كتب إلى عليّ (عليه السّلام) في الرجل زنى بالمرأة اليهوديّة و النصرانيّة، فكتب (عليه السّلام) إليه: إن كان محصناً فارجمه، و إن كان بكراً فاجلده مائة جلدة ثم انفه، و أمّا اليهوديّة فابعث بها إلى أهل ملّتها فليقضوا فيها ما أحبّوا «4». و غيرها من الروايات الدالّة على ذلك، هذا كلّه في الأمة.

و أمّا عدم تحقّق الإحصان بالمتعة فمضافاً إلى احتمال الاتّفاق عليه كما في الجواهر، و إن ذكر فيها بعده: «و إن كان قوله في الإنتصار: على الأصحّ «5» مشعراً بوجوده، إلّا أنّي لم أتحقّقه كما اعترف به غيرنا أيضاً» «6». و مضافاً إلى دلالة موثّقتي إسحاق بن عمّار المتقدّمتين عليه يدلّ عليه خبر عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أخبرني عن الغائب عن أهله يزني هل يرجم إذا كان له زوجة و هو غائب عنها؟ قال: لا يرجم الغائب عن أهله، و لا المملك الذي لم يبن بأهله، و لا صاحب المتعة، قلت: ففي أيّ حدّ سفره لا يكون محصناً؟ قال: إذا قصّر و أفطر

______________________________

(4) وسائل الشيعة: 18/ 361، أبواب حدّ الزنا ب 8 ح 5.

(5) الإنتصار: 521.

(6) جواهر الكلام: 41/ 270.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 53

[الخامس: أن يكون متمكّناً من وطء الفرج يغدو عليه و يروح إذا شاء]

الخامس: أن يكون متمكّناً من وطء الفرج يغدو عليه و يروح إذا شاء، فلو كان بعيداً و غائباً لا يتمكّن من وطئها فهو غير محصن،

و كذا لو كان حاضراً لكن غير قادر لمانع من حبسه، أو حبس زوجته، أو كونها مريضة لا يمكن له وطؤها، أو منعه ظالم عن الاجتماع بها، ليس محصناً (1).

______________________________

فليس بمحصن «1». و مرسل حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل يتزوّج المتعة أ تحصنه؟ قال: لا، إنّما ذاك على الشي ء الدائم عنده «2».

(1) الدليل على اعتبار هذا الأمر الروايات الكثيرة الدالّة عليه، لكنّ العناوين المأخوذة فيها مختلفة بحسب الظاهر، فبعضها جعل الضابط عنوان «يغدو عليه و يروح» كصحيحة إسماعيل بن جابر المتقدّمة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت: ما المحصن رحمك اللّٰه؟ قال: من كان له فرج يغدو عليه و يروح فهو محصن. و الظاهر أنّ المراد منه هو مجموع الليل و النهار، لا خصوص أوّل النهار و أوائل الليل، اللذين هما معنى الغدوّ و الرواح، و الشاهد هو العرف في استعمالاته، و عليه فلا اختلاف بين من اعتبر الغدوّ و الرواح كالشيخ و المحقّق «3» و بين من عبّر بالتمكّن من الوطء متى شاء كغيرهما «4». كما أنّ الظاهر أنّه ليس المراد منهما فعليّة تحقّق الوطء في الزمانين، بل التمكّن منه فيهما كما وقع التعبير به في مثل المتن.

و بعضها جعل الضابط عنوان «عنده ما يغنيه» أو مثله، كموثّقة إسحاق بن عمّار

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 356، أبواب حدّ الزنا ب 4 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 352، أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 3.

(3) النهاية: 693، المبسوط: 8/ 3، شرائع الإسلام: 4/ 933، و وافقهما في المسالك: 14/ 336.

(4) كالمفيد في المقنعة: 776 و ابن البرّاج في المهذّب: 2/ 519.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود،

ص: 54

..........

______________________________

المتقدّمة، المشتملة على تعليل تحقّق الإحصان بالأمة بقوله (عليه السّلام): «لأنّ عنده ما يغنيه عن الزنا»، و رواية أبي بصير قال: قال لا يكون محصناً حتّى (إلّا أن خ ل) تكون عنده امرأة يغلق عليها بابه «1». و الظاهر أنّ المراد من كلمة «عنده» في الروايتين، هو كون الفرج المملوك له باختياره، بحيث يكون متمكّناً من وطئه متى شاء، فلا ينافي الضابط الأوّل بوجه.

و بعضها جعل الضابط كونه معها، كصحيحة محمّد بن مسلم أو حسنته قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: المغيب و المغيبة ليس عليهما رجم إلّا أن يكون الرجل مع المرأة و المرأة مع الرجل «2». و ظاهرها عدم كون الغيبة بعنوانها دخيلة في نفي الرجم، بل عدم كونها معه، و الظاهر أنّ المراد من المعيّة ليس عدم تحقّق الانفكاك بينهما، بل التمكّن من وطئها و كونها باختياره، كما لا يخفى.

و بعضها ظاهر في أنّ الضابط هو الإقامة معها في المصر الذي هو فيه، كالرواية الواردة في امرأة أتت أمير المؤمنين (عليه السّلام) و طلبت منه التطهير من الزنا المشتملة على سؤاله بقوله (عليه السّلام): «.. و ذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت أم غير ذلك؟ قالت: بل ذات بعل. فقال لها: أ فحاضراً كان بعلك إذ فعلت ما فعلت أم غائباً كان عنك؟ قالت: بل حاضراً ..» «3». و الرواية الأُخرى الواردة في رجل أتى أمير المؤمنين (عليه السّلام) و طلب منه التطهير من الزنا، المشتملة على سؤاله بقوله (عليه السّلام): «أ لك زوجة؟ قال: بلى، قال: فمقيمة معك في البلد؟ قال: نعم» «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 353، أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 6.

(2) وسائل الشيعة:

18/ 355، أبواب حدّ الزنا ب 3 ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 377، أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 1.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 379، أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 55

..........

______________________________

و بعضها وارد في بعض موارد الغيبة، مثل رواية أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في الرجل الذي له امرأة بالبصرة ففجر بالكوفة أن يدرأ عنه الرجم و يضرب حدّ الزاني، قال: و قضى في رجل محبوس في السجن و له امرأة حرّة في بيته في المصر و هو لا يصل إليها فزنى في السجن قال: عليه الحدّ (يجلد الجلد خ ل) و يدرأ عنه الرّجم «1». و رواية الحارث قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل له امرأة بالعراق فأصاب فجوراً و هو في الحجاز، فقال: يضرب حدّ الزّاني مائة جلدة و لا يرجم. قلت: فإن كان معها في بلدة واحدة و هو محبوس في سجن لا يقدر أن يخرج إليها و لا تدخل هي عليه أ رأيت إن زنى في السجن؟ قال: هو بمنزلة الغائب عنه أهله يجلد مائة جلدة «2».

و لا يخفى أنّ الحكم بدرء الحدّ المترتّب على الإحصان في مورد السجن المذكور في الروايتين شاهد على عدم كون الملاك هي الغيبة بعنوانها، بل اعتبارها إنّما هو لأجل الملازمة الغالبية بينها و بين عدم التمكّن و الوصول إلى الزوجة، و عليه فمرجع جميع الروايات إلى أنّ الملاك التامّ في ذلك هو التمكّن من الزوجة و وطئها متى شاء.

نعم، هنا روايتان ظاهرتان في أنّ الملاك هو الغيبة بمعنى السفر الشرعي، و الحضور الموجب لإتمام

الصلاة و عدم جواز الإفطار:

إحداهما: مرفوعة محمّد بن الحسين قال: الحدّ في السفر الذي إن زنى لم يرجم إن كان محصناً؟ قال: إذا قصّر فأفطر (و أفطر ظ) «3». و هي مع كونها مرفوعة مضمرة أيضاً، فلا مجال للاتّكال عليها.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 355، أبواب حدّ الزنا ب 3 ح 2.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 356، أبواب حدّ الزنا ب 3 ح 4.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 356، أبواب حدّ الزنا ب 4 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 56

..........

______________________________

ثانيتهما: رواية عمر بن يزيد المتقدّمة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أخبرني عن الغائب عن أهله يزني هل يرجم إذا كان له زوجة و هو غائب عنها؟ قال: لا يرجم الغائب عن أهله، و لا المملك الذي لم يبن بأهله و لا صاحب المتعة، قلت: ففي أيّ حدّ سفره لا يكون محصناً؟ قال: إذا قصّر و أفطر فليس بمحصن «1».

و قد ناقش الشهيد الثاني في محكي المسالك في سند هذه الرواية «2» باعتبار اشتماله على عبد الرحمن بن حمّاد الكوفي، نظراً إلى أنّه لم يرد فيه توثيق، و لكن المناقشة مندفعة بأنّه لم يرد فيه توثيق خاصّ، و أمّا التوثيق العام فقد ورد فيه، لوقوعه في بعض أسناد كتاب كامل الزيارات، الذي ذكر مؤلّفه في ديباجته أنّه لم يرو في كتابه إلّا ما رواه الثقات من الأصحاب، و هذا المقدار يكفي في الاعتماد على الرواية، كما قرّر في محلّه.

و ظاهر هاتين الروايتين أنّ تمام الملاك في الإحصان و عدمه من ناحية هذا الشرط، هو السفر و الحضر بالمعنى الشرعيّ في باب الصلاة و الصوم، فتتعارضان مع جميع الروايات المتقدّمة التي عرفت

أنّ مرجع جميعها إلى التمكّن من الفرج متى شاء، و مقتضاهما إناطة الحكم بالأمر التعبّدي الصرف، و لازمه تحقّق الإحصان مع مثل الحبس المذكور في المتن، لتحقّق الحضور الشرعي معه، و هذا بخلاف اناطة الحكم بالتمكّن التي هي أمر يساعده العرف و العقلاء.

و كيف كان، فالترجيح مع الطائفة الأُولى الموافقة للشهرة الفتوائيّة المحقّقة، و قد أشرنا إلى أنّها أوّل المرجّحات في الأخبار المتعارضة، فلا إشكال في الحكم، و عليه

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 356، أبواب حدّ الزنا ب 4 ح 1.

(2) مسالك الأفهام: 14/ 337.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 57

..........

______________________________

فالملاك كلّه هو التمكّن المذكور، و هو يختلف باختلاف الأشخاص، فربّ شخص يكون متمكّناً و لو كان بعيداً عن بلده بمراحل، خصوصاً في مثل هذا الزمان الذي وجدت فيه الوسائل الحديثة، كالطائرة و نحوها، و ربّ شخص لا يكون متمكّناً و إن كان بعيداً عنه في الجملة، بل و لو كان في بلده كما لا يخفى، و منه يظهر الاختلاف باختلاف الأزمنة.

و الظاهر أنّه ليس المراد من التمكّن متى شاء هو التمكّن في جميع الآنات، بحيث إذا أراد تحقّق منه الوطء بلا فصل، بل معناه هو التمكّن العرفي الذي لا يقدح في تحقّقه تخلّل مثل الساعة و الساعتين، و إلّا يلزم عدم تحقّق الإحصان إلّا نادراً.

ثمّ إنّ المحكيّ عن السيّد كما في الجواهر أنّ الأصحاب فرّقوا بين الغيبة و الحيض بأنّ الحيض لا يمتدّ، و ربّما امتدّت الغيبة، و بأنّه يتمتّع من الحائض بما دون موضع الحيض بخلاف الغيبة «1».

أقول: إن قلنا بجواز وطء الحائض في الدبر، فمقتضى عموم قوله (عليه السّلام): «من كان له فرج يغدو عليه و يروح فهو

محصن» الشمول له؛ لعدم اختصاص الفرج بالقبل و إن لم نقل بجواز وطئها كذلك، فمقتضى قوله (عليه السّلام): «لأنّ عنده ما يغنيه عن الزنا» تحقّق الإحصان معه؛ لأنّ إمكان التمتّع من الحائض بغير الوطء يوجب تحقّق الغناء من الزنا. و بالجملة فالظاهر عدم منع الحيض و نحوه من حصول الإحصان، خصوصاً مع عدم تعرّض كثير من الأصحاب له، و الحكم بالفرق بينه و بين الغيبة ممّن تعرّض، كما عرفت في كلام السيّد.

______________________________

(1) الإنتصار: 521، جواهر الكلام: 41/ 373 374.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 58

[السّادس الحرية]

السّادس أن يكون حرّا (1).

______________________________

(1) ظاهره أنّ المعتبر في الإحصان هي الحرّية حال الزنا فقط، و مرجعه إلى أنّ العبد و الأمة إذا تحقّق من واحدٍ منهما الزنا لا يترتّب عليه الرجم الذي هو حدّ المحصن، و لكنّ الظاهر أنّ هنا أمرين يعتبر في كليهما الحرّية: أحدهما: الوطء الزنائي. و ثانيهما: الوطء مع الأهل المتحقّق قبلًا، و لا بدّ من إقامة الدليل عليهما.

أمّا الأمر الأوّل: و هو اعتبار الحرّية حال الزنا، فيدلّ عليه الروايات:

منها: صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في العبيد إذا زنى أحدهم أن يجلد خمسين جلدة و إن كان مسلماً أو كافراً أو نصرانياً، و لا يرجم و لا ينفى «1».

و منها: صحيحة الحسن بن السرّي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إذا زنى العبد و الأمة و هما محصنان فليس عليهما الرجم، إنّما عليهما الضرب خمسين نصف الحد «2».

و منها: رواية بريد العجلي، عن أبي عبد اللّٰه (أبي جعفر خ ل) (عليه السّلام) في الأمة تزني، قال: تجلد نصف الحدّ كان لها

زوج أو لم يكن لها زوج «3».

و غير ذلك من الروايات.

و أمّا الأمر الثاني: و هو اعتبار الحرية حال الوطء مع الأهل، فيدلّ عليه صحيحة أبي بصير يعني المرادي أو حسنته، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: في العبد يتزوّج الحرّة ثمّ يعتق فيصيب فاحشة، قال: فقال: لا رجم عليه حتّى يواقع الحرّة بعد ما يعتق. قلت: فللحرّة خيار عليه إذا أعتق؟ قال: لا، قد رضيت به و هو مملوك

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 402، أبواب حدّ الزنا ب 31 ح 5.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 402، أبواب حدّ الزنا ب 31 ح 3.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 401، أبواب حدّ الزنا ب 31 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 59

..........

______________________________

فهو على نكاحه الأوّل «4».

و صحيحة الحلبي قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): لا يحصن الحرّ المملوكة و لا المملوك الحرّة «5».

و صحيحته الأُخرى قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل الحرّ أ يحصن المملوكة؟ فقال: لا يحصن الحرّ المملوكة و لا يحصن المملوكة الحرّ، و اليهودي يحصن النصرانيّة و النصرانى يحصن اليهوديّة «6».

و في الجواهر بعد أن جعل الصحيحة الأُولى للحلبي صحيحة أبي بصير، و الثانية للحلبي، مع أنّ المراجعة إلى الوسائل تقضي بخلافه، و إن كان فيه إشكال أيضاً من جهة الحكم بتعدّد الرواية، مع أنّ الظاهر أنّه لا يكون هناك إلّا رواية واحدة، غاية الأمر أنّ نقلها في الأُولى كان نقلًا لبعض الجواب من دون التعرّض للسؤال حكى عن كشف اللثام قوله: «و لعلّ المملوك منصوب و الحرّة مرفوعة» «1»، «2». مع أنّ ملاحظة السؤال تقتضي خلاف ذلك، فإنّه إنّما وقع عن تحقّق الإحصان للمملوكة

بسبب الحرّ، فيكون الحرّ فاعلًا و الثاني مفعولًا للإحصان.

و عليه فالمراد من الجواب عدم تحقّق الإحصان للمملوكة بسبب وطء الحرّ، و مجامعته معها بالنحو المشروع، سواء كان الحرّ زوجاً لها أو مالكاً إيّاها، و كذا لا يتحقّق الإحصان للحرّ بسبب المملوكة و وطئها، فأين الدّلالة على اعتبار كون

______________________________

(4) وسائل الشيعة: 18/ 358، أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 5.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 353، أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 7.

(6) وسائل الشيعة: 18/ 353، أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 8.

(1) كشف اللثام: 2/ 400.

(2) جواهر الكلام: 41/ 270.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 60

[مسألة 10: يعتبر في إحصان المرأة ما يعتبر في إحصان الرجل]

مسألة 10: يعتبر في إحصان المرأة ما يعتبر في إحصان الرجل، فلا ترجم لو لم يكن معها زوجها يغدو عليها و يروح، و لا ترجم غير المدخول بها، و لا غير البالغة، و لا المجنونة، و لا المتعة (1).

______________________________

الرجل الواطئ حرّا في حال الوطء مع الأهل، نعم سيأتي جواز الاستدلال بهذه الصحيحة على اعتبار حريّة المرأة في حال الوطء معها في تحقّق الإحصان بالإضافة إليها، فانتظر.

(1) قال في الجواهر: «بلا خلاف أجده، بل عن الغنية الإجماع عليه «1» لاشتراك معنى الإحصان فيهما نصّاً و فتوى» «2».

و يدلّ على اعتبار الحرّية حال الزنا في المرأة أكثر الروايات المتقدّمة الواردة في الرجل، فإنّه قد وقع في بعضها التصريح بالعبد و الأمة، و في بعضها التصريح بالأمة فقط.

و على اعتبار الحريّة في حال الوطء فيها صحيحة الحلبي المتقدّمة، فإنّ قوله (عليه السّلام): «لا يحصن الحرّ المملوكة» بعد السؤال عن الرجل الحرّ، و أنّه أ يحصن المملوكة؟ يدلّ على ذلك، فإنّ عدم تحقّق الإحصان للمملوكة يشمل ما إذا خرجت

عن المملوكيّة بعد تحقّق الوطء و صارت حرّة حين الزنا، و إلّا يلزم تحقّق الإحصان لها بسببه كما لا يخفى.

و يدلّ على اعتبار الدخول بالإضافة إلى المرأة الروايات المتقدّمة، الدالّة على أنّ إحصانهنّ أن يدخل بهنّ، فيترتّب عليه ما ذكر في الرجل من اعتبار كون الوطء في

______________________________

(1) غنية النزوع: 424.

(2) جواهر الكلام: 41/ 276 277.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 61

..........

______________________________

القبل، و كونه في حال بلوغها و عقلها.

و يدلّ على اعتبار التمكّن منه غدوّاً و رواحاً مضافاً إلى صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة الواردة في المغيب و المغيبة، الدالّة على اعتبار كون الرجل مع المرأة و المرأة مع الرجل صحيحة أبي عبيدة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن امرأة تزوّجت رجلًا و لها زوج؟ قال: فقال: إن كان زوجها الأوّل مقيماً معها في المصر التي هي فيه تصل إليه و يصل إليها، فإنّ عليها ما على الزاني المحصن (الزانية المحصنة خ ل) الرجم، و إن كان زوجها الأوّل غائباً عنها أو كان مقيماً معها في المصر لا يصل إليها و لا تصل إليه، فإنّ عليها ما على الزانية غير المحصنة و لا لعان بينهما. «1». فإنّ قوله (عليه السّلام): «تصل إليه» ظاهر في اعتبار تمكّنها منه، كاعتبار تمكّنه منها، لكن في الجواهر: المراد من تمكّنها من الزوج إرادته الفعل على الوجه المزبور، لا إرادتها متى شاءت، ضرورة عدم كون ذلك حقّا لها «2».

و أورد عليه بأنّ الرجل لو كان لجوجاً بالنسبة إليها و غير محبّ لها، بل يكون متنفّراً عنها و لا يأتيها إلّا بمقدار أقلّ الواجب، و كان له أزواج أُخر يستغني بهنّ، يمكن أن لا

يصدق الإحصان فيها، فإنّ الرواية المذكورة لا تشمل مثل الفرض.

و الظاهر عدم إمكان الالتزام بعدم تحقّق الإحصان في الفرض المزبور، و إلّا يلزم عدم تحقّقه فيما لو لم يرد الزوج عادة إلّا الوطء مرّة في كلّ عشرة أيام مثلًا، و هل يمكن الالتزام بعدم تحقّقه في مثل هذه الفروض، مع كون الغرض من تشريع حدّ الرجم الذي يكون عقوبة شديدة يعسر تحمّله حفظ أساس الزوجيّة و عدم انهدامه

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 395، أبواب حدّ الزنا ب 27 ح 1.

(2) جواهر الكلام: 41/ 277.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 62

[مسألة 11: الطلاق الرجعي لا يوجب الخروج عن الإحصان]

مسألة 11: الطلاق الرجعي لا يوجب الخروج عن الإحصان، فلو زنى أو زنت في الطلاق الرجعي كان عليهما الرجم، و لو تزوّجت عالمة كان عليها الرجم، و كذا الزوج الثاني إن علم بالتحريم و العدّة، و لو جهل بالحكم أو بالموضوع فلا حدّ، و لو علم أحدهما فعليه الرجم دون الجاهل، و لو ادّعى

______________________________

بطيّ سبيل الانحراف و التوجّه إلى الفاحشة؟ فالإنصاف أنّ المراد منه ما أفاده في الجواهر كما عرفت.

و ليس المراد من قول الماتن دام ظلّه الوارف «يغدو عليها و يروح» هو تحقّق الوطء كذلك، بل التمكّن منه بقرينة تصريحه به في الرجل.

و ربّما يستدلّ على عدم رجم المتعة إذا زنت مضافاً إلى التسالم بين الأصحاب بموثّقة إسحاق بن عمّار المتقدّمة، المشتملة على قوله: قلت: و المرأة المتعة؟ قال: فقال: «لا، إنّما ذلك على الشي ء الدائم» «1» نظراً إلى أنّ المشار إليه في قوله: «إنّما ذلك» هو الإحصان، فيدلّ حينئذٍ على أنّه إنّما يكون في الشي ء الدائم، بلا فرق بين إحصان الرجل و المرأة، و مورد الرواية و إن كان

هو إحصان الرجل، إلّا أنّه من تطبيق الكبرى على الصغرى.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1422 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود؛ ص: 62

و يمكن أن يقال بإطلاق مورد السؤال، فإنّ قول السائل: «و المرأة المتعة» ليس ظاهراً في خصوص السؤال عن إحصان الرجل إذا كانت عنده متعة، بل أعم منه و من إحصانها، مع وصف كونها كذلك، و عليه فالجواب يشمل كلا الفرضين، و يدلّ على انحصار الإحصان بالشي ء الدائم من ناحية الزوج، و كذا من ناحية الزوجة، فتدبّر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 353، أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 63

أحدهما الجهل بالحكم قبل منه إن أمكن الجهل في حقّه، و لو ادّعى الجهل بالموضوع قبل كذلك (1).

______________________________

(1) أقول: أمّا عدم كون الطلاق الرجعي موجباً للخروج عن الإحصان، فيدلّ عليه مضافاً إلى كون المطلّقة الرجعية بحكم الزوجة صحيحة يزيد الكناسي أو حسنته قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن امرأة تزوّجت في عدّتها، فقال: إن كانت تزوّجت في عدّة طلاق لزوجها عليها الرجعة فإنّ عليها الرجم، و إن كانت تزوّجت في عدّة ليس لزوجها عليها الرجعة فإنّ عليها حدّ الزاني غير المحصن، و إن كانت تزوّجت في عدّة بعد موت زوجها من قبل انقضاء الأربعة أشهر و العشرة أيّام فلا رجم عليها، و عليها ضرب مائة جلدة .. «1». و الظاهر أنّه ليس المراد من التزويج في العدّة المترتّب عليه الحدّ رجماً كان أو جلداً مجرّد التزويج و إن لم يتحقّق

بعده الدخول، بل الدخول المترتّب على التزويج كما لا يخفى، كما أنّه ليس المراد من ثبوت حدّ الرجم في مورد الطلاق الرجعي ثبوته بعنوان آخر غير الإحصان، بل الظاهر هو المعنى الذي عبّر عنه في المتن بأنّ الطلاق الرجعي لا يوجب الخروج عن الإحصان، و بعد ملاحظة أنّ المطلّقة الرجعية لا يكون لها حقّا بالإضافة إلى الزوج من جهة الوطء أصلًا يظهر أنّ المراد من شرط التمكّن و الوصول المعتبر في المرأة ليس إلّا مجرّد كونها باختياره، بحيث يكون إذا أراد الوطء يتحقّق، كما أفاده صاحب الجواهر على ما عرفت.

ثمّ إنّ هنا روايتين ظاهرتين في ثبوت الرجم في مورد الطلاق مطلقاً، و لا بدّ من حملهما على الطلاق الرجعي بقرينة رواية الكناسي.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 396، أبواب حدّ الزنا ب 27 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 64

..........

______________________________

إحداهما: موثّقة عمار بن موسى الساباطي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل كانت له امرأة فطلّقها أو ماتت فزنى، قال: عليه الرجم، و عن امرأة كان لها زوج فطلّقها أو مات ثمّ زنت عليها الرجم؟ قال: نعم «1». قال في الوسائل بعد نقل الرواية: حمل الشيخ حكم الرجل على كون الطلاق رجعيا، و على وجود زوجة أُخرى، و حمل حكم المرأة على كون الطلاق رجعيّاً، و حمل حكم الوفاة على الوهم من الراوي، يعني الشكّ و التردّد في النظر «2».

و منشأ حمل حكم الوفاة على الوهم ظهور عدم ثبوت الرجم في موردها، و يدلّ عليه ذيل رواية الكناسي المتقدّمة.

و ثانيتهما: رواية عليّ بن جعفر، المروية في قرب الإسناد، عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل طلّق أو بانت امرأته ثمّ

زنى ما عليه؟ قال: الرجم. و سألته عن امرأة طلقت فزنت بعد ما طلِّقت هل عليها الرجم؟ قال: نعم «3».

و الظاهر أنّ المراد من قول السائل: «بانت»، هو الطلاق، و التعبير به تفنن في التعبير، و ليس المراد هو البينونة بالموت، إذ موت المرأة خال عن العدّة، و موت الرجل مناف لظاهر السؤال؛ لفرض الزنا بعده، و لا البينونة بمثل الارتداد؛ لكونه خلاف الظاهر.

و أمّا قبول ادّعاء الجهل بالحكم، أو بالموضوع مع إمكان الجهل في حقّ المدّعى، فمنشؤه هو درء الحدود بالشبهات، و قد ورد في هذا المقام بعض النصوص، مثل ذيل رواية الكناسي المتقدّمة، المشتملة على قوله: قلت: أ رأيت إن

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 398، أبواب حدّ الزنا ب 27 ح 8.

(2) التهذيب: 10/ 22، الإستبصار: 4/ 207.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 357، أبواب حدّ الزنا ب 6 ح 1 و 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 65

..........

______________________________

كان ذلك منها بجهالة؟ قال: فقال: ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلّا و هي تعلم أنّ عليها عدّة في طلاق أو موت، و لقد كنّ نساء الجاهلية يعرفن ذلك. قلت: فإن كانت تعلم أنّ عليها عدّة و لا تدري كم هي؟ فقال: إذا علمت أنّ عليها العدّة لزمتها الحجّة فتسأل حتّى تعلم. فإنّ ظاهر السؤال الأوّل و إن كان هو الوقوع منها بالجهالة الواقعية، إلّا أنّ قرينة الجواب تقتضي حمل السؤال على صورة ادّعائها الجهالة، و مرجع الجواب إلى عدم قبول هذا الادّعاء منها؛ لعدم إمكان الجهل في حقّها بعد وضوح الأمر على جميع نساء المسلمين، بل و نساء الجاهلية.

و أمّا الجواب عن السؤال الأخير، فهل مفاده تحقّق الحجّة بالإضافة إليها

من جهة العلم بثبوت أصل العدّة، و جريان الاستصحاب مع الشكّ في مقدارها؟ أو أنّ المراد وجوب السؤال مع الاحتمال و انفتاح طريق العلم و لو لم يكن هناك استصحاب؟ و مرجع الأوّل إلى عدم ثبوت الحدّ مع عدم تحقّق الحجّة، و هو الذي أشرنا إليه سابقاً في بيان معنى الشبهة من سعة دائرتها بالإضافة إلى التكليف و ضيق دائرة الحدّ «1». كما أنّ مرجع الثاني إلى ثبوت الحدّ مع الاحتمال و إمكان السؤال، و لا يبعد ترجيح الوجه الأوّل كما تقدّم.

و مثل ذيل صحيحة أبي عبيدة المتقدّمة، المشتمل على قوله: قلت: فإن كانت جاهلة بما صنعت؟ قال: فقال: أ ليس هي في دار الهجرة؟ قلت: بلى. قال: ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلّا و هي تعلم أنّ المرأة المسلمة لا يحلّ لها أن تتزوّج زوجين. قال: و لو أنّ المرأة إذا فجرت قالت: لم أدر أو جهلت أنّ الذي فعلت حرام و لم يقم عليها الحدّ إذاً لتعطّلت الحدود. و هو أيضاً مثل الرواية السابقة.

______________________________

(1) في ص 33 35.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 66

[مسألة 12: يخرج المرء و كذا المرأة عن الإحصان بالطلاق البائن كالخلع و المباراة]

مسألة 12: يخرج المرء و كذا المرأة عن الإحصان بالطلاق البائن كالخلع و المباراة، و لو راجع المخالع ليس عليه الرجم إلّا بعد الدخول (1).

______________________________

(1) أمّا خروج الزوجين عن الإحصان بالطلاق البائن فيدلّ عليه مضافاً إلى خروج المطلّقة البائنة عن الزوجيّة، و عدم ترتّب أحكامها عليه قوله (عليه السّلام) في صحيحة يزيد الكناسي المتقدّمة في المسألة السابقة: «و إن كانت تزوّجت في عدّة ليس لزوجها عليها الرجعة فإنّ عليها حدّ الزاني غير المحصن»، لكن جريانه في الطلاق البائن الذي ليس فيه عدّة كطلاق

الصغيرة، أو اليائسة، أو غير المدخول بها، أو كان فيه عدّة، و لكنّه ليس للزوج فيها حقّ الرجوع أصلًا واضح، و أمّا في طلاق الخلع الذي يكون للزوج حقّ الرجوع، غاية الأمر بعد رجوع المرأة فيما بذلت من المهر أو غيره، فيمكن الاستشكال فيه بعدم شمول الرواية، لأنّ ظاهرها عدم تحقّق حقّ الرجوع للزوج مطلقاً، و هو منتفٍ في طلاق الخلع؛ لثبوت الحقّ في بعض الحالات.

و يدفعه أنّ الظاهر أنّ المراد من الرواية عدم تحقّق حقّ الرجوع للزوج بالذات، و هو متحقّق في طلاق الخلع، خصوصاً بعد عدّه من أقسام الطلاق البائن، كما صنعه الفقهاء رضوان اللّٰه عليهم أجمعين «1» و من هنا يظهر أنّه كما لا ينفع حقّ الرجوع للزوج في طلاق الخلع بعد رجوع الزوجة بالبذل، كذلك لا ينفع تحقّق الرجوع خارجاً، بل اللازم الدخول بعده؛ ليتحقّق الوطء بالأهل بعد كونها زوجة جديدة، و هذا بخلاف الطلاق الرجعي، فإنّه لا يلزم في بقاء الإحصان معه الرجوع، بل يكفي فيه مجرّد حقّه كما لا يخفى.

______________________________

(1) كالحلبي في الكافي في الفقه: 306 و المحقّق في الشرائع: 3/ 588 و الشهيد في اللمعة: 124.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 67

[مسألة 13: لا يشترط في الإحصان الإسلام في أحدٍ منهما]

مسألة 13: لا يشترط في الإحصان الإسلام في أحدٍ منهما، فيحصن النصراني النصرانية و بالعكس، و النصرانيّ اليهوديّة و بالعكس، فلو وطأ غير مسلم زوجته الدائمة ثمّ زنى يرجم، و لا يشترط صحّة عقدهم إلّا عندهم، فلو صحّ عندهم و بطل عندنا كفى في الحكم بالرجم (1).

______________________________

(1) أقول: إنّ هنا أمرين:

أحدهما: عدم اشتراط إسلام أحد الزوجين في تحقّق الإحصان بالإضافة إليه، و إلى طرفه، و يدلّ عليه مضافاً إلى عموم قوله (عليه

السّلام) في صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدّمة. «من كان له فرج يغدو عليه و يروح فهو محصن» «1»، و عموم قوله (عليه السّلام) في صحيحة حريز المتقدّمة أيضاً بعد السؤال عن المحصن: «الذي يزني و عنده ما يغنيه» «2» صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الحرّ أ تحصنه المملوكة؟ قال: لا يحصن الحرّ المملوكة و لا يحصن المملوك الحرّة، و النصراني يحصن اليهوديّة، و اليهوديّة «3» يحصن النّصرانيّة «4».

و لكنّها تعارضها صحيحته الأُخرى، المشتملة على قوله (عليه السّلام): «و كما لا تحصنه الأمة و اليهوديّة و النصرانيّة إن زنى بحرّة كذلك لا يكون عليه حدّ المحصن إن زنى بيهودية أو نصرانية أو أمة و تحته حرّة» «5» و حيث إنّ الظاهر أنّ موردها الرجل المسلم، و اليهوديّة و النصرانيّة لا يمكن أن تكونا تحته إلّا بنحو الانقطاع، فالمراد منه عدم كون المتعة موجبة لتحقّق الإحصان، فلا تنافي الصحيحة الأُولى بوجه.

______________________________

(1) تقدّمت في ص 54.

(2) تقدّمت في ص 54.

(3) كذا في النسخة الأصلية، و الوسائل ط إسلاميّة، و لكن في الفقيه: «و اليهوديّ يحصن النصرانيّة».

(4) وسائل الشيعة: 18/ 357، أبواب حدّ الزنا ب 5 ح 1.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 354، أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 68

[مسألة 14: لو ارتدّ المحصن عن فطرةٍ خرج عن الإحصان]

مسألة 14: لو ارتدّ المحصن عن فطرةٍ خرج عن الإحصان، لبينونة زوجته منه. و لو ارتدّ عن ملّةٍ فإن زنى بعد عدّة زوجته ليس محصناً، و إلّا فهو محصن (1).

______________________________

و كيف كان، فلا إشكال في تحقّق الإحصان في النصراني و النصرانيّة، و اليهودي و اليهوديّة، و المختلط منهما، و يكفي في ذلك مجرّد

صحّة العقد في مذهبهم، و لا يشترط الصحّة عندنا، لأنّه لكلّ قوم نكاح.

ثانيهما: عدم اشتراط الإسلام في المزنيّ بها، فنقول: ظاهر الصحيحة الثانية لمحمّد بن مسلم الاشتراط، و لكن رواية إسماعيل بن أبي زياد صريحة في خلافها، حيث روى عن جعفر بن محمّد، عن آبائه (عليهم السّلام) أنّ محمّد بن أبي بكر كتب إلى عليّ (عليه السّلام) في الرجل زنى بالمرأة اليهوديّة و النصرانيّة، فكتب (عليه السّلام) إليه: إن كان محصناً فارجمه، و إن كان بكراً فاجلده مائة جلدة ثمّ انفه، و أمّا اليهوديّة فابعث بها إلى أهل ملّتها فليقضوا فيها ما أحبّوا «1».

و هذه الرواية موافقة لفتوى الأصحاب، و لأجلها تترجّح على رواية محمّد بن مسلم.

(1) الارتداد الفطري بالإضافة إلى الرجل يوجب خروجه عن الإحصان؛ لأنّه تبين منه زوجته و ينفسخ نكاحها بغير طلاق، و تعتدّ عدّة الوفاة، و تقسّم أمواله التي كانت له حين ارتداده بين ورثته بعد أداء ديونه، كالميّت، و لا ينتظر موته، و لا تجدي توبته و رجوعه إلى الإسلام في رجوع زوجته و ماله إليه، و عليه فلا مجال للإشكال في خروجه عن الإحصان بعد بينونة زوجته منه بالكلّية.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 361، أبواب حدّ الزنا ب 8 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 69

..........

______________________________

و أمّا المرأة المرتدّة عن فطرةٍ، فتبين من زوجها المسلم في الحال من دون عدّة إن كانت غير مدخول بها، و مع الدخول إن تابت قبل تمام العدّة التي هي عدة الطلاق بقيت الزوجيّة، و إلّا انكشف عن الانفساخ و البينونة من أوّل زمن الارتداد، و عليه فيقع الكلام في أنّ مراد المتن الخروج عن الإحصان في مطلق المرتدّ الفطري

و إن كانت مرأةً، و أنّ ذكر الرجل كان بعنوان المثال؛ لتحقّق البينونة مطلقاً، و إن كانت الزوجيّة قابلة للبقاء بسبب توبتها قبل تمام العدّة فيما إذا كان هناك عدّة، أو أنّ المرأة لم يقع التعرّض لها أصلًا، و من الممكن عدم كون ارتدادها موجباً للخروج عن الإحصان مع ثبوت العدّة؛ لإمكان التوبة و بقاء الزوجية، كما في ارتداد الرجل عن ملّةٍ، و إن كان يمكن الحكم بالفرق بين ما إذا كان زمام الزوجية و رفع المانع عنها بيد الرجل، و بين ما إذا كان بيد المرأة، نظراً إلى أنّه في الصورة الأُولى يتحقّق له التمكّن من وطئها متى ما شاء، بخلاف الصورة الثانية التي يكون الاختيار بيد المرأة فإنّه ليس للزوج ذلك التمكّن، و يشهد له الخروج عن الإحصان في طلاق الخلع مع كون حقّ الرجوع بالبذل للزوجة كما عرفت، و يحتمل على بعد التفصيل بالحكم بعدم خروج المرأة عن الإحصان؛ لأنّ الاختيار بيدها، و خروج الرجل عنه؛ لعدم كونه بيده بوجه.

و أمّا الارتداد الملّي، فحكمه انفساخ النكاح بين المرتدّ و زوجته المسلمة، و كذا بين المرتدّة و زوجها المسلم بمجرّد الارتداد بدون اعتداد مع عدم الدخول، و معه يتوقّف الفسخ على انقضاء العدّة، فإن رجع أو رجعت قبل انقضائها كانت زوجته، و إلّا انكشف أنّها بانت عنه عند الارتداد، و يظهر الوجه في خروجه عن الإحصان بسببه و عدمه، و الفرق بين الرجوع في العدّة و بعدها، و كذا بين الرجل و المرأة ممّا ذكرنا في المرتدّ الفطري.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 70

[مسألة 15: يثبت الحدّ رجماً أو جلداً على الأعمى]

مسألة 15: يثبت الحدّ رجماً أو جلداً على الأعمى، و لو ادّعى الشبهة مع احتمالها

في حقّه فالأقوى القبول، و قيل: لا تقبل منه، أو لا تقبل إلّا أن يكون عدلًا، أو لا تقبل إلّا مع شهادة الحال بما ادّعاه، و الكلّ ضعيف (1).

______________________________

ثمّ إنّك عرفت أنّ قوله: «و بانت منه امرأته» في رواية عليّ بن جعفر المتقدّمة لا ظهور له في حصول البينونة بالارتداد، بل الظاهر كونه تفنّناً في التعبير كما مرّ، فلا ارتباط لها بهذا المقام.

(1) أمّا ثبوت الحدّ رجماً أو جلداً على الأعمى، فلثبوت العموم أو الإطلاق في أدلّة الحدّ، من دون أن يكون هناك ما يقتضي التخصيص أو التقييد بالإضافة إلى الأعمى، مضافاً إلى ما في الجواهر من كون الإجماع بقسميه عليه «1».

و أمّا لو ادّعى الشبهة ففي المتن وفاقاً للمشهور قبول الادّعاء، مع إمكان جريان الشبهة في حقّه «2». و عن الشيخين «3» و ابن البرّاج «4» و سلّار «5» عدم القبول مطلقاً، و عن ابن إدريس القبول مع شهادة الحال بصدقه «6». و ليس مراده هي الشهادة العلميّة، و إلّا لا يكون بينه و بين القول بعدم القبول مطلقاً اختلاف أصلًا، ضرورة أنّ القبول في صورة العلم بالصدق مورد لقبول الطرفين. و عن الفاضل المقداد

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 279.

(2) المختصر النافع: 293، إرشاد الأذهان: 2/ 170، المقتصر من شرح المختصر: 399، غاية المرام: 4/ 313.

(3) المقنعة: 783 784، النهاية: 698 699.

(4) المهذّب: 2/ 524.

(5) المراسم: 256.

(6) السرائر: 3/ 447 448.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 71

[مسألة 16: في التقبيل و المضاجعة و المعانقة و غير ذلك من الاستمتاعات دون الفرج تعزير و لا حدّ لها]

مسألة 16: في التقبيل و المضاجعة و المعانقة و غير ذلك من الاستمتاعات دون الفرج تعزير و لا حدّ لها، كما لا تحديد في التعزير، بل هو منوط بنظر الحاكم على الأشبه (1).

______________________________

القبول

فيما إذا كان الأعمى عادلًا «1».

و الأقوى ما في المتن، لما مرّ في المسألة الثامنة من سقوط الحدّ بدعوى كلّ ما يصلح أن يكون شبهة بالنظر إلى المدّعى لها، و قد عرفت أنّ الوجه في ذلك ليس شمول دليل درء الحدود بالشبهات، لعدم إحراز عنوان الشبهة؛ لأنّ المفروض مجرّد دعواها، و لٰا إلغاء الخصوصيّة من دليل الإكراه؛ لعدم الوجه له، بل الوجه هو عدم إحراز عنوان الزنا مع احتمال تحقّق الشبهة؛ لأنّ عدم الشبهة مأخوذ في تعريف الزنا، و مع احتمالها لا يحرز عنوان الزنا.

و ممّا ذكرنا يظهر بطلان سائر الأقوال، و أنّ ما ذكر لها من الاستدلال ليس له مجال.

(1) أقول: بعد كون المفروض في هذه المسألة هو تحقّق أحد هذه الأمور و ما يشابهها من الاستمتاع بما دون الفرج من طرف الرجل بالمرأة الأجنبية، إنّه حكي عن الخلاف نسبة ثبوت مائة جلدة فيه إلى رواية أصحابنا، ثمّ قال: و روى أنّ عليهما أقلّ من الحدّ «2». و قال المحقّق في الشرائع: «و في التقبيل و المضاجعة في إزار واحد و المعانقة روايتان: إحداهما مائة جلدة، و الأُخرى دون الحدّ و هي أشهر» «3»

______________________________

(1) التنقيح الرائع: 4/ 332.

(2) الخلاف: 5/ 373 مسألة 9.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 935.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 72

..........

______________________________

و في الجواهر: بل قيل إنّه المشهور «1». بل في كشف اللثام الإجماع «2» كما يظهر منهم عليه، بل عن الغنية «3» دعواه صريحاً «4».

و عن الغنية و المقنعة «5» و الإسكافي «6» أنّهما يعزّران من عشرة إلى تسعة و تسعين جلدة. و عن بعض لم يعرف كونه منّا إبدال العشرة بالثلاثين «7».

و الروايات الواردة في هذه المسألة

على طائفتين:

الأُولى: ما تدلّ على التقدير بالمائة، مثل:

رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: حدّ الجلد أن يوجدا في لحافٍ واحد، و الرجلان يجلدان إذا وجدا في لحافٍ واحد الحدّ، و المرأتان تجلدان إذا أُخذتا في لحافٍ واحد الحدّ «8». و إضافة الحدّ إلى الجلد ليست بيانيّة كما هو ظاهر، بل المراد من الحدّ آخر ما يتحقّق به الجلد.

و رواية عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال سمعته يقول: حدّ الجلد في الزنا أن يوجدا في لحافٍ واحد، و الرجلان يوجدان في لحافٍ واحد، و المرأتان توجدان في لحافٍ واحد «9».

و رواية عبد الرحمن الحذّاء قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: إذا وجد الرجل

______________________________

(1) التنقيح الرائع: 4/ 332.

(2) كشف اللثام: 2/ 405.

(3) غنية النزوع: 435.

(4) جواهر الكلام: 41/ 290.

(5) غنية النزوع: 435، المقنعة: 774.

(6) حكى عنه في رياض المسائل: 10/ 22.

(7) جواهر الكلام: 41/ 290، الإستبصار: 4/ 215.

(8) وسائل الشيعة: 18/ 363، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 1 و 4.

(9) وسائل الشيعة: 18/ 363، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 1 و 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 73

..........

______________________________

و المرأة في لحافٍ واحد جلدا مائة جلدة «1».

و في رواية الشيخ (قدّس سرّه) جلدا مائة مائة.

و رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سئل عن امرأة وجدت مع رجل في ثوب؟ قال: يجلدان مائة جلدة «2». و في رواية الشيخ (قدّس سرّه) زيادة: و لا يجب الرجم حتّى تقوم البيّنة الأربعة بأن قد رُئي يجامعها.

و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام):

إذا وجد الرجل و المرأة في لحافٍ واحد قامت عليهما بذلك بيّنة و لم يطلع منهما على سوى ذلك، جلد كلّ واحد منهما مائة جلدة «3».

و رواية أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل و المرأة يوجدان في لحافٍ واحد جلدا مائة مائة. و في رواية الصدوق: «اجلدهما مائة جلدة مائة جلدة». و في رواية الشيخ زيادة: «و لا يكون الرجم حتّى يقوم الشهود الأربعة أنّهم رأوه يجامعها» «4».

الطائفة الثانية: ما تدلّ على استثناء سوط واحد من المائة، مثل:

رواية زيد الشحّام، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل و المرأة يوجدان في اللّحاف، قال: يجلدان مائة مائة غير سوط «5».

و رواية حريز، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّ علياً (عليه السّلام) وجد رجلًا و امرأة في لحافٍ

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 364، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 5.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 365، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 7 و 8.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 365، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 9.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 365 366، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 10، 11 و 12.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 364، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 74

..........

______________________________

واحد فضرب كلّ واحدٍ منهما مائة سوط إلّا سوطاً «1».

و رواية أبان بن عثمان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّ علياً (عليه السّلام) وجد امرأة مع رجل في لحافٍ واحد، فجلد كلّ واحدٍ منهما مائة سوط غير سوط «2».

و قد ذكروا في مقام العلاج بين الطائفتين وجوهاً:

الأوّل: ما أفاده في الجواهر بقوله: «و لعلّ التأمّل في الجمع بين النصوص

يقتضي تعيين كونه مائة إلّا سوطاً» و زاد في الذيل: «إلّا أنّي لم أجد بذلك قائلًا» «3».

و لعلّ الوجه في هذا الجمع كون الطائفة الثانية واردة بصورة الاستثناء من المائة، و أنّ الحكم هي المائة إلّا السوط، و عليه فتصير الطائفة الثانية بمنزلة الاستثناء الذي هو من طرق التخصيص، فالمقام نظير ما إذا ورد أكرم العلماء تارة، و أكرم العلماء إلّا زيداً مرّة أُخرى، حيث إنّ الثاني يكون مخصّصاً للأوّل.

الثاني: حمل روايات المائة على التقيّة، كما احتمله في الجواهر «4» نظراً إلى صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: كنت عند أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فدخل عليه عباد البصري و معه أناس من أصحابه، فقال له: حدّثني عن الرجلين إذا أخذا في لحافٍ واحد، فقال له: كان عليّ (عليه السّلام) إذا أخذ الرجلين في لحافٍ واحد ضربهما الحدّ. فقال له عباد: إنّك قلت لي: غير سوط، فأعاد عليه ذكر الحديث حتّى أعاد ذلك مراراً، فقال: غير سوط، فكتب القوم الحضور عند ذلك الحديث «5».

لأنّ الظاهر من الرواية أنّ الإمام (عليه السّلام) كان ممتنعاً عن بيان الحكم الواقعي، و أنّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 367، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 20.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 367، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 19.

(3) جواهر الكلام: 41/ 290 291.

(4) جواهر الكلام: 41/ 290 291.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 363، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 75

..........

______________________________

الجلد أقلّ من حدّ الزنا بسوط، و لعلّه لأجل من كان مع «عباد» من أصحابه، و بعد ما أصرّ «عباد» و كرّر السؤال التجأ إلى بيان الحكم الواقعي.

و يرد عليه مضافاً إلى كون

الرواية واردة في الرجلين، و الكلام إنّما هو في الرجل و المرأة، و إلى أنّ الظاهر كون فتاوى فقهاء العامّة التعزير مطلقاً، كما يظهر من نقل الشيخ في الخلاف التعزير عنهم فيما نحن فيه «1» أنّ الظاهر كون الحكم الواقعي في الصحيحة هو الحكم المذكور أوّلًا، و يؤيّده إسناده إلى فعل عليّ (عليه السّلام)، و أنّ عمله المستمرّ كان هو ضرب الحدّ، و بعد ما أصرّ «عباد» و كرّر السؤال التجأ إلى بيان ما هو موافق لمذهبه، و يؤيّده أيضاً أنّ ما سمعه منه قبلًا كان هو الأقلّ، كما لا يخفى.

الثالث: ما أفاده الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) في الاستبصار «2» من حمل ما كان من الطائفة الأُولى دالّاً بظاهره على ثبوت الحدّ على التعزير، نظراً إلى أنّه قد يطلق على التعزير لفظ الحدّ على ضرب من التجوّز، و حمل ما كان منها دالّاً على ثبوت المائة من غير ظهور في كون موردها مجرّد الاجتماع تحت لحاف واحد على صورة وقوع الفعل منهما، و علم الإمام بتحقّق الزنا، فإنّه يترتّب الحدّ، و حمل ما كان منها دالّاً على ثبوتها مع الظهور في عدم تحقّق الفعل و الزنا، كرواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه المتقدّمة على من أدّبه الإمام و عزّره دفعة أو دفعتين، فعاد إلى مثل ذلك، فإنّه يجوز للإمام (عليه السّلام) إقامة الحدّ حينئذٍ، و استشهد للأخير برواية أبي خديجة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: لا ينبغي للمرأتين تنامان في لحافٍ واحدٍ

______________________________

(1) الخلاف: 5/ 374 مسألة 9، المجموع للنووي: 21/ 316.

(2) الإستبصار: 4/ 215.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 76

..........

______________________________

إلّا و بينهما حاجز، فإن فعلتا نهيتا عن

ذلك، فإن وجدهما بعد النهي في لحاف واحد جلدتا كلّ واحدة منهما حدّا حدّا، فإن وجدتا الثالثة في لحافٍ واحد حدّتا، فإن وجدتا الرابعة قتلتا «1».

و يرد عليه مضافاً إلى أنّه لا شاهد لهذا الجمع، و إلى أنّ إطلاق الحدّ على التعزير مجاز كما اعترف به أنّ حمل الروايات الكثيرة الظاهرة في ترتّب الحدّ على مجرّد وقوع الاجتماع تحت لحافٍ واحد على صورة التكرّر بعيد جدّاً، كما أنّ حمل ما دلّ على المائة على صورة العلم أيضاً كذلك.

الرابع: ما حكي عن الصدوق (قدّس سرّه) من حمل الطائفة الأُولى على صورة ثبوت الزنا بالإقرار أو البيّنة، و حمل الطائفة الثانية على صورة علم الإمام (عليه السّلام) به «2». و فيه ما لا يخفى.

الخامس: الحمل على التخيير «3». و لكنّه يتوقّف على عدم إمكان الجمع العرفي بين الطائفتين من حيث الدلالة أوّلًا، و على فقدان المرجّحات ثانياً، و سيأتي الكلام فيه.

السادس: ما حكي عن المجلسي (قدّس سرّه) في حاشية التهذيب من أنّ الأظهر في الجمع بين الأخبار مع قطع النظر عن الشهرة أن يؤخذ بالأخبار الدالّة على تمام الحدّ، بأن يقال: لا يشترط في ثبوت الجلد المعاينة كالميل في المكحلة، و تحمل الأخبار الدالّة على ذلك على اشتراطه في الرجم، كما هو الظاهر من أكثرها، و أمّا أخبار

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 368، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 25.

(2) من لا يحضره الفقيه: 4/ 24.

(3) ملاذ الأخيار: 16/ 83.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 77

..........

______________________________

النقيصة فمحمولة على التقيّة «1».

و مرجعه إلى كون الاجتماع في لحاف واحد أمارة عرفية على الزنا، اعتبرها الشارع في مقام ترتّب الجلد فقط.

و يؤيّد هذا الجمع رواية عبد

اللّٰه بن سنان المتقدّمة الدالّة على أنّ حدّ الجلد في الزنا أن يوجدا في لحافٍ واحد، فإنّ ثبوت حدّ الزنا بعنوانه مع وجدانهما في لحافٍ واحد لا يستقيم إلّا مع كونه أمارة على تحقّق الزنا، و إلّا فكيف يجتمع الزنا الذي يعتبر في حقيقته الدخول في الفرج مع مجرّد الاجتماع تحت لحافٍ واحد.

و يؤيّده أيضاً الزيادة الواقعة في نقل الشيخ في رواية أبي بصير و أبي الصباح الكناني المتقدّمتين، الدالّة على عدم ترتّب حكم الرجم إلّا مع قيام البيّنة الأربعة أنّهم رأوه يجامعها، فإنّ ذكر مسألة الرجم و الحكم باعتبار الرؤية فيها عقيب الحكم بثبوت المائة مع الاجتماع تحت لحافٍ واحد لا يكاد يكون له وجه إلّا كون الحكم الأوّل وارداً في مورد الزنا، و أنّه لا يعتبر فيه الرؤية، بل يكفي فيه الاجتماع المذكور الذي هي أمارة عرفية على تحقّق العمل.

و يرد عليه مضافاً إلى ابتنائه على عدم اعتبار الرؤية و المعاينة في ترتّب الحكم بالجلد، مع أنّه محلّ البحث، و يأتي الكلام فيه إن شاء اللّٰه، و إلى إشعار قوله: «و لم يطّلع منهما على سوى ذلك» في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه المتقدّمة بأنّه لا يكون هناك أمارة على تحقّق الفعل، بل هو مشكوك أنّ حمل الاجتماع المذكور على ما ذكر لا يستقيم، مع عطف اجتماع الرجلين و المرأتين على ذلك في بعض الروايات المتقدّمة، كما في رواية الحلبي المتقدّمة، فإنّ حمل الاجتماع في

______________________________

(1) ملاذ الأخيار: 16/ 82 83.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 78

..........

______________________________

الأخيرين على صورة تحقّق اللواط و المساحقة الذي هو لازم الحمل المذكور كيف يجتمع مع ترتّب مائة جلدة فقط؟ فإنّ اللواط

الذي حدّه القتل كيف يتبدّل حدّه بمائة سوط مع ثبوت الأمارة على تحقّقه، كما أنّه بمثل هذا يتحقّق الإشكال في المقام أيضاً، فإنّ الزنا المقرون بالإحصان الذي يكون حدّه الرجم كيف يتبدّل حدّه بمائة سوط مع ثبوت الأمارة المعتبرة على تحقّقه و ثبوته، و كيف كان فهذا الجمع أيضاً بعيد.

السابع: وجود التعارض بين الطائفتين، و الحكم بترجيح الطائفة الثانية؛ لموافقتها للشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجّحات في الخبرين المتعارضين.

و هذا الوجه هو الأظهر، و لكن مقتضاه تعيّن المائة إلّا سوطاً، مع أنّه لم يقل به أحد من الأصحاب، بل يكون اتّفاقهم على خلافه.

فاللّازم أن يقال: إنّ الحكم باستثناء سوط واحد في هذه الطائفة ليس لأجل الحكم بتعيّن هذا المقدار؛ لأنّه من البعيد اختلافه مع الحدّ في سوط واحد فقط، بل لأجل نفي ثبوت الحدّ في المقام، و يؤيّده التعبير بنفي الحدّ في بعض الروايات الواردة في المرأتين و الرجلين، مثل رواية معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): المرأتان تنامان في ثوبٍ واحد؟ فقال: تضربان. فقلت: حدّا؟ قال: لا، قلت: الرجلان ينامان في ثوب واحد؟ قال: يضربان. قال: قلت: الحدّ؟ قال: لا «1». و عليه فالمراد من هذه الطائفة إثبات التعزير الذي هو بحسب ما يراه الحاكم من المصلحة، فيظهر حينئذٍ وجه ما في المتن من الحكم بثبوت التعزير في هذا المقام.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 367، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 16.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 79

..........

______________________________

بقي الكلام في أمرين:

الأوّل: أنّ الظاهر اختصاص مورد الروايات بما إذا كان الرجل و المرأة المجتمعان تحت لحافٍ واحد مجرّدين، لأنّه مضافاً إلى أنّ ذلك مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع،

فإنّ الحكم بثبوت المائة في الطائفة الاولى لا يناسب مع مجرّد الاجتماع كذلك و لو لم يكونا مجرّدين؛ لأنّه حدّ الزنا الثابت قد وقع التصريح به في بعض الروايات الواردة في المرأتين أو الرجلين، مثل رواية أبي خديجة المتقدّمة في الوجه الثالث من وجوه العلاج، و صحيحة أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: كان عليّ (عليه السّلام) إذا وجد رجلين في لحافٍ واحد مجرّدين جلدهما حدّ الزاني مائة جلدة كلّ واحد منهما، و كذلك المرأتان إذا وجدتا في لحافٍ واحد مجرّدتين جلدهما كلّ واحدة منهما مائة جلدة «1».

و الظاهر كون المفروض في الرجل و المرأة أيضاً ذلك، خصوصاً بعد عطف المرأتين و الرجلين عليه في بعض الروايات المتقدّمة، كرواية الحلبي. و الوجه في الإطلاق ما قيل من أنّ الغالب في تلك الأعصار هو التجرّد حال النوم.

نعم، لا ينبغي الإشكال في أنّ اجتماع الرجل و المرأة الأجنبية تحت لحافٍ واحد يكون محرّماً و لو لم يكونا مجرّدين، و لكنّ البحث إنّما هو في مورد الروايات الواردة في المقام و مجرى الأقوال المختلفة المنقولة فيه، و قد عرفت أنّ الظاهر كون المفروض فيها صورة التجرّد.

الثاني: مورد جميع الروايات المتقدّمة هو الاجتماع تحت لحافٍ واحد، و عليه

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 366، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 15.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 80

..........

______________________________

يقع الكلام في أنّ لهذا العنوان خصوصية، أو أنّ ترتّب الحكم عليه لأجل أنّه من مصاديق الاستمتاع بما دون الفرج، فيجري الحكم في التقبيل و المعانقة و نحوهما؟ ظاهر عبارة المحقّق في الشرائع المتقدّمة في صدر المسألة عدم الاختصاص، حيث ذكر أنّه في التقبيل و المضاجعة و المعانقة

روايتان، و لكنّ التحقيق أنّه لو كان في هذا المقام روايات المائة فقط لما أمكن إلغاء الخصوصيّة من موردها، خصوصاً بعد وضوح كون الاجتماع المذكور مقدّمة قريبة من الفعل، و مشتملة على التلذّذ الخاص الذي لا يتحقّق بمثل التقبيل و المعانقة، و خصوصاً بعد ما مرّ من المجلسي (قدّس سرّه) من الحمل على كونه أمارة عرفيّة على تحقّق الفعل، فإنّ ما هو أمارة عليه هو الاجتماع المذكور فقط.

و أمّا لو اعتمدنا على روايات الأقلّ، و حملناها على كون المراد ليس هو التعيين، بل مجرّد التعزير، فلا مانع من إلغاء الخصوصيّة و الحكم بثبوت التعزير في مطلق الاستمتاع بما دون الفرج. و إن شئت قلت: الحكم بالتعزير في المقام يستفاد من هذه الروايات، و في غيره من أدلّة التعزير الجارية فيه، فتدبّر.

نعم، ورد في التقبيل رواية في سندها يحيى بن المبارك و هو مجهول، و هي رواية إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): مجذم (محرم خ ل) قبّل غلاماً بشهوة، قال: يضرب مائة سوط «1». و هي مضافاً إلى ورودها في الرجلين، ظاهرها السؤال عن حكم المحرم بالضم، لا المحرم بالفتح كما قيل، و نظر السائل إلى حكم إحرام هذا الرجل، و أجاب الإمام (عليه السّلام) بترتّب الحدّ عليه فقط، فلا ارتباط لهذه الرواية بالمقام أصلًا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 422، أبواب حدّ اللواط ب 4 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 81

[القول في ما يَثبت به]

اشارة

القول في ما يَثبت به

[مسألة 1: يثبت الزنا بالإقرار]

مسألة 1: يثبت الزنا بالإقرار، و يشترط فيه بلوغ المقرّ و عقله و اختياره و قصده، فلا عبرة بإقرار الصبيّ و إن كان مراهقاً، و لا بإقرار المجنون حال جنونه، و لا بإقرار المكره، و لا بإقرار السكران و الساهي و الغافل و النائم و الهازل و نحوهم (1).

______________________________

(1) أمّا ثبوت الزنا بالإقرار فيدلّ عليه مضافاً إلى عموم ما دلّ على الثبوت به كقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله): إقرار العقلاء على أنفسهم جائز «1» الروايات الكثيرة الواردة في المسألة الثانية التي يدلّ أكثرها على اعتبار كون الإقرار أربع مرّات، و واحدة منها على كفاية الإقرار مرّة واحدة، فإنّ مقتضى الجميع صلاحيّة الإقرار في الجملة لإثبات الزنا، كما لا يخفى و أمّا اعتبار بلوغ المقرّ، فيدلّ عليه ما دلّ على اعتبار البلوغ في الزنا، و مرجع

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 16/ 111، كتاب الإقرار ب 3 ح 2، مستدرك الوسائل: 16/ 31 كتاب الإقرار ب 2 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 82

..........

______________________________

ذلك إلى أنّ إقراره و لو كان موجباً لثبوته لا يترتّب عليه أثر لاعتبار البلوغ في الزنا، فلا حاجة إلى إقامة دليل خاصّ عليه هنا، نعم ذكر في الجواهر: أنّ الصبيّ المراهق إذا أقرّ يؤدّب لكذبه، أو حدوث الفعل منه «1» و أمّا اعتبار عقله، فلكون دليل جواز الإقرار مقصوراً على الإقرار المضاف إلى العقلاء، و لا بدّ من جعل الفرض ما إذا أقرّ بالزنا حال العقل، و أريد إجراء الحدّ عليه بعد زوال الجنون، و إلّا فالدليل على الاعتبار ما دلّ على اعتبار العقل في الزنا ممّا عرفت و أمّا اعتبار اختياره، فيدلّ

عليه مضافاً إلى حديث رفع ما استكرهوا عليه «2» رواية أبي البختري، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال: من أقرّ عند تجريد أو تخويف أو حبس أو تهديد فلا حدّ عليه «3» و أمّا اعتبار القصد، فالدليل عليه وضوح كون حجيّة الظواهر مقصورة بما كان الكلام مقروناً مع الالتفات و التوجّه و قصد المعنى، و بدونه لا مجال للاتّكال عليه، فلا عبرة بإقرار المذكورين في المتن، نعم ربما يقع الكلام في مورد دعوى هذه الأمور، و لكنّه أمر آخر غير المقام ثمّ إنّه اشترط في الشرائع أمراً خامساً و هي الحريّة «4» لكنّ المراد ليس إطلاق الشرطيّة على معنى كون إقرار العبد غير جائز مطلقاً، بل بمعنى لزوم تصديق المولى و التبعيّة به بعد العتق مع عدم التصديق، كما في سائر أقاريره، و لعلّ ذلك هو الوجه

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 279

(2) وسائل الشيعة: 11/ 295، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس ب 56.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 497، أبواب حدّ السرقة ب 7 ح 2.

(4) شرائع الإسلام: 4/ 934.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 83

[مسألة 2: لا بدّ و أن يكون الإقرار صريحاً أو ظاهراً لا يقبل معه الاحتمال العقلائي]

مسألة 2: لا بدّ و أن يكون الإقرار صريحاً أو ظاهراً لا يقبل معه الاحتمال العقلائي، و لا بدّ من تكراره أربعاً، و هل يعتبر أن يكون الأربع في أربعة مجالس، أو يكفي الأربع و لو كان في مجلس واحد؟ فيه خلاف أقربه الثبوت، و الأحوط اعتبار أربعة مجالس، و لو أقرّ دون الأربعة لا يثبت الحدّ. و الظاهر أنّ للحاكم تعزيره، و يستوي في كلّ ما ذكر الرجل و المرأة، و إشارة الأخرس المفهمة للمقصود تقوم مقام النطق، و لو

احتاجت إلى الترجمان يكفي فيه شاهدان عادلان (1).

______________________________

في ترك المتن، و عدم التعرّض لاشتراط هذا الشرط

(1) أمّا لزوم التكرار أربعاً، فهو المشهور عندنا، بل في الجواهر: «بلا خلاف معتدّ به أجده عندنا» «1» و نسب إلى ظاهر ابن أبي عقيل كفاية الواحد «2» كما عليه أكثر العامّة كالشافعي «3» و مالك «4» و حمّاد بن أبي سليمان «5» خلافاً لأبي حنيفة «6» و ابن أبي ليلى «7»، و إن كان بينهما اختلاف من جهة لزوم كونه في أربعة مجالس، كما عليه الأوّل، أو عدم اللزوم كما عليه الثاني و يدلّ على اعتبار كونه أربعاً النصوص المتطابقة من الطرفين، فمن طريق العامّة

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 280.

(2) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/ 179 مسألة 37.

(3) الام: 6/ 133.

(4) المدوّنة الكبرى: 6/ 209، أسهل المدارك: 2/ 263.

(5) المغني لابن قدامة: 10/ 165، الشرح الكبير: 10/ 190.

(6) حاشية ردّ المحتار على الدرّ المختار: 4/ 9، بدائع الصنائع: 5/ 513.

(7) بداية المجتهد: 2/ 434، المبسوط للسرخسي: 9/ 91.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 84

..........

______________________________

ما في الجواهر من قوله: روي أنّ ماعز بن مالك جاء إلى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) فقال: يا رسول اللّٰه إنّي زنيت، فأعرض عنه، ثمّ جاء من شقّه الأيمن فقال: يا رسول اللّٰه إنّي قد زنيت، فأعرض عنه، ثمّ جاءه فقال: إنّي قد زنيت، ثمّ جاءه فقال: إنّي قد زنيت. قال ذلك أربع مرّات، فقال: أ بك جنون؟ قال: لا يا رسول اللّٰه، قال: فهل أحصنت؟ قال: نعم. فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) اذهبوا به فارجموه «1» و روى أنّه قال: لعلّك قبّلت أو غمزت

أو نظرت، قال: لا يا رسول اللّٰه، قال: أ نِكتَها لا تكنّي؟ قال: نعم كما يغيب المرود في المكحلة، و الرشا في البئر، قال: فهل تدري ما الزنا؟ قال: نعم أتيت منها حراماً كما يأتي الرجل من امرأته حلالًا، قال: ما تريد بهذا القول؟ قال: أريد أن تطهّرني. فأمر به فرجم «2» إلى أن قال: و في بعض ألفاظ الحديث: «شهدت على نفسك أربع شهادات، اذهبوا به فارجموه» «3» و في رواية اخرى إنّه لمّا اعترف ثلاثاً قال له: إن اعترفت الرابعة رجمتك، فاعترف الرابعة «4» «5» و بهذه التعبيرات يدفع احتمال كون الأربع إنّما هو للاختبار، و أنّ به جنوناً أم لا؟ مضافاً إلى عدم مدخلية هذا العدد في الاستكشاف المزبور بوجه و من طريق الخاصّة روايات متعدّدة:

منها: رواية ميثم قال: أتت امرأة مجحّ كما في الوسائل، و الصحيح بالمهملتين،

______________________________

(1) سنن البيهقي: 8/ 226.

(2) سنن البيهقي: 8/ 226، سنن أبي داود: 4/ 377 ح 4428.

(3) سنن أبي داود: 4/ 376 ح 4426.

(4) كنز العمال: 5/ 410 ح 13450.

(5) جواهر الكلام: 41/ 280- 281.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 85

..........

______________________________

و هو كما في الوافي المرأة التي دنا وضعها «1» و لكن حكي عن أقرب الموارد أنّه قال: اجحت المرأة: حملت فأقربت و عظم بطنها فهي مجحّ «2» أمير المؤمنين (عليه السّلام) فقالت: يا أمير المؤمنين إنّي زنيت فطهّرني طهّرك اللّٰه، فإنّ عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة الذي لا ينقطع، فقال لها: ممّا أُطهّرك؟ فقالت: إنّي زنيت، فقال لها: و ذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت أم غير ذلك؟ قالت: بل ذات بعل، فقال لها: أ فحاضراً كان بعلك إذ

فعلت ما فعلت أم غائباً كان عنك؟ قالت: بل حاضراً. فقال لها: انطلقي فضعي ما في بطنك ثمّ ائتني أُطهّرك. فلمّا ولّت عنه المرأة فصارت حيث لا تسمع كلامه قال: اللهمّ إنّها شهادة، فلم تلبث أن أتته، فقالت: قد وضعت فطهّرني. قال: فتجاهل عليها فقال: أُطهّرك يا أمة اللّٰه ممّا ذا؟ قالت: إنّي زنيت فطهّرني، قال: و ذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت؟ قالت: نعم، قال: فكان زوجك حاضراً أم غائباً؟ قالت: بل حاضراً. قال: فانطلقي فأرضعيه حولين كاملين كما أمرك اللّٰه، قال: فانصرفت المرأة، فلمّا صارت منه حيث لا تسمع كلامه قال: اللّهم إنّهما شهادتان قال: فلمّا مضى الحولان أتت المرأة فقالت: قد أرضعته حولين فطهّرني يا أمير المؤمنين، فتجاهل عليها و قال: أُطهّرك ممّا ذا؟ فقالت: إنّي زنيت فطهّرني، فقال: و ذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت؟ فقالت: نعم. قال: و بعلك غائب عنك إذ فعلت ما فعلت؟ فقالت: بل حاضر، قال: فانطلقي فاكفليه حتّى يعقل أن يأكل و يشرب، و لا يتردّى من سطح، و لا يتهوّر في بئر، قال: فانصرفت و هي تبكي، فلمّا ولّت

______________________________

(1) الوافي: 15/ 270.

(2) ذيل أقرب الموارد: 85.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 86

..........

______________________________

و صارت حيث لا تسمع كلامه، قال: اللّهم هذه ثلاث شهادات. قال: فاستقبلها عمرو بن حريث المخزومي فقال لها: ما يبكيك يا أمة اللّٰه؟ و قد رأيتك تختلفين إلى عليّ تسألينه أن يطهّرك، فقالت: إنّي أتيت أمير المؤمنين (عليه السّلام) فسألته أن يطهّرني، فقال: اكفلي ولدك حتّى يعقل أن يأكل و يشرب، و لا يتردّى من سطح، و لا يتهوّر في بئر، و قد خفت أن يأتي

عليّ الموت و لم يطهّرني، فقال لها عمرو بن حريث: ارجعي إليه فأنا أُكفّله، فرجعت فأخبرت أمير المؤمنين (عليه السّلام) بقول عمرو بن حريث، فقال لها أمير المؤمنين (عليه السّلام) و هو متجاهل عليها: و لِمَ يكفل عمرو ولدك؟ فقالت: يا أمير المؤمنين إنّي زنيت فطهّرني، فقال: و ذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت؟ قالت: نعم، قال: أ فغائباً كان بعلك إذ فعلت ما فعلت؟ قالت: بل حاضراً، قال: فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم إنّه قد ثبت عليها أربع شهادات إلى أن قال: فنظر إليه عمرو بن حريث و كأنّما الرمّان يُفقأ في وجهه، فلمّا رأى ذلك عمرو قال: يا أمير المؤمنين إنّي إنّما أردت أن أُكفّله إذ ظننت أنّك تحبّ ذلك، فأمّا إذ كرهته فإنّي لست أفعل، فقال أمير المؤمنين (عليه السّلام): أ بعد أربع شهادات باللّٰه لتكفلنّه و أنت صاغر؟ «1» و منها: مرفوعة أحمد بن محمّد بن خالد، الواردة في رجل أتى أمير المؤمنين (عليه السّلام) بالكوفة، المشتملة على أنّه بعد رجوعه إليه في المرتبة الرابعة و إقراره فيها أيضاً قال: أمير المؤمنين لقنبر: احتفظ به. ثمّ رجمه «2» و منها: رواية أبي مريم، عن أبي جعفر (عليه السّلام)، المشتملة على قصّة امرأة حامل أتت

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 377، أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 379، أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 87

..........

______________________________

أمير المؤمنين و أقرّت بالفجور أربعاً، الدالّة على أنّه أمر بحبسها حتّى وضعت ثمّ رجمها «1» و منها: رواية جميل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: لا يقطع السارق حتّى يقرّ بالسرقة

مرّتين، و لا يرجم الزاني حتّى يقرّ أربع مرّات «2» و منها: رواية جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (عليهما السّلام) في رجل أقرّ على نفسه بالزنا أربع مرّات و هو محصن، رجم إلى أن يموت أو يكذّب نفسه قبل أن يرجم، فيقول: لم أفعل، فإن قال ذلك ترك و لم يرجم، و قال: لا يقطع السارق حتّى يقرّ بالسرقة مرّتين، فإن رجع ضمن السرقة و لم يقطع إذا لم يكن شهود، و قال: لا يرجم الزاني حتّى يقرّ أربع مرّات بالزنا إذا لم يكن شهود، فإن رجع ترك و لم يرجم «3» و ظنّي أنّ الروايتين الأخيرتين رواية واحدة غير متعدّدة و في مقابل هذا الروايات صحيحة الفضيل قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ من حدود اللّٰه مرّة واحدة، حرّا كان أو عبداً، أو حرّة كانت أو أمة، فعلى الإمام أن يقيم الحدّ عليه للذي أقرّ به على نفسه كائناً من كان إلّا الزاني المحصن، فإنّه لا يرجمه حتّى يشهد عليه أربعة شهداء، فإذا شهدوا ضربه الحدّ مائة جلدة ثم يرجمه، الحديث «4» و لكن حيث أنّها مشتملة على أمور لا يلتزم به أحد، كعدم الفرق بين الحرّ و العبد، مع اعتبار تصديق المولى في الثاني، و على الفرق بين المحصن و غيره، مع أنّه لا يلتزم

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 380، أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 5.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 380، أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 3.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 320، أبواب مقدّمات الحدود ب 12 ح 5.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 343، أبواب مقدّمات الحدود ب 32 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح

تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 88

..........

______________________________

به ابن أبي عقيل «1» أيضاً، و عدم ثبوت الرجم بالإقرار أصلًا، و انحصار طريق ثبوته بالشهود، لا بدّ من حملها على غير الزنا من الحدود التي لا يشترط فيها التعدّد أو طرحها؛ لمخالفتها لسائر الروايات الموافقة للشهرة الفتوائية المحقّقة، كما لا يخفى ثمّ إنّ هنا إشكالًا، و هو أنّ جميع الروايات المتقدّمة الدالّة على لزوم تعدّد الإقرار واردة في مورد الرجم، و ليس هنا رواية واردة في مورد الجلد و لو بالإطلاق، و حينئذٍ ربّما يحتمل أن يكون للرجم خصوصيّة من هذه الجهة، من أجل كونه عقوبة خاصّة لا يبلغها سائر العقوبات من جهة الشدّة، فمن أين يستفاد لزوم التعدّد في مورد الجلد؟

و لكنّه يدفع هذا الاحتمال مضافاً إلى إشعار التعبير عن الإقرار بالشهادة، كما في الرواية الأُولى الواردة في المرأة التي جائت إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام)، المشتملة على تعبيره عن الإقرار بالشهادة بأنّ نفوذ الإقرار إنّما هو من باب كونه مصداقاً للشهادة، غاية الأمر أنّه شهادة على النفس، و شهادة الغير شهادة على الغير، فكما أنّه لا مجال للإشكال في لزوم كون الشهود أربعة في مطلق الزنا، يكون الإقرار أيضاً كذلك؛ لأنّه مصداق للشهادة فالظاهر أنّه لا فرق بين الرجم و الجلد من هذه الجهة، و لا قائل به من فقهاء الشيعة، بل فقهاء أهل التسنّن، فانظر إلى عبارة الشيخ (قدّس سرّه) في كتاب الخلاف، قال: «لا يجب الحدّ بالزنا إلّا بإقرار أربع مرّات في أربعة مجالس، فأمّا دفعة واحدة فلا

______________________________

(1) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/ 179.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 89

..........

______________________________

يثبت به على حال، و به قال أبو

حنيفة «1» و قال الشافعي: إذا أقرّ دفعة واحدة لزمه الحدّ بكراً كان أو ثيّباً «2» و به قال في الصحابة أبو بكر و عمر «3» و في الفقهاء حمّاد ابن أبي سليمان، و مالك «4» و قال ابن أبي ليلى: لا يثبت إلّا بأن يعترف أربع مرّات، سواء كان في أربعة مجالس أو مجلس واحد «5» دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم» «6» فإنّ الظاهر أنّ مفروض المسألة مطلق الزنا، بل صرّح الشافعي بعدم الفرق بين البكر و الثيّب، و من المعلوم أنّ زنا البكر لا يترتّب عليه الرجم، و هذا أي عدم الفرق ملحوظ في سائر الأقوال أيضاً هذا، مضافاً إلى أنّ مقتضى صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) الإطلاق، حيث وردت في رجل قال لامرأةٍ: يا زانية أنا زنيت بك قال: عليه حدّ واحد لقذفه إيّاها، و أمّا قوله: أنا زنيت بك فلا حدّ فيه، إلّا أن يشهد على نفسه أربع شهادات بالزنا عند الإمام «7» فإنّ إطلاقها يشمل الجلد أيضاً، فلا مجال بملاحظة ما ذكرنا للإشكال المزبور، هذا كلّه بالنسبة إلى لزوم تعدّد الإقرار و أمّا تعدّد المجالس فقد اعتبره الشيخ في الخلاف في عبارته المتقدّمة آنفاً، و في المبسوط، قال فيه: «لا يثبت حدّ الزنا إلّا بالإقرار أربع مرّات من الزاني في أربعة مجالس متفرّقة، و به قال جماعة، و قال قوم يثبت بإقراره دفعة واحدة كسائر

______________________________

(1) المبسوط للسرخسي: 9/ 91، بدائع الصنائع: 5/ 513.

(2) الام: 6/ 133 135، مختصر المزني: 261.

(3) نيل الأوطار: 7/ 97.

(4) أسهل المدارك: 2/ 263، المدوّنة الكبرى: 6/ 209، المغني لابن قدامة: 10/ 165.

(5) بداية المجتهد: 2/ 434، المبسوط للسرخسي: 9/ 91،

المغني لابن قدامة: 10/ 165.

(6) الخلاف: 5/ 377 378 مسألة 16.

(7) وسائل الشيعة: 18/ 446، أبواب حدّ القذف ب 13 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 90

..........

______________________________

الإقرارات، و اعتبر قوم أربع مرّات، سواء كان في مجلس واحد أو مجالس متفرّقة» «1» و كذا اعتبره ابن حمزة في الوسيلة، قال فيها: «و أمّا ثبوته بإقرار الفاعل فيصحّ بأربعة شروط بإقرار الفاعل أربع مرّات في مجالس متفرّقات» «2» و لكنّ المشهور بين المتقدّمين، و ما ذهب إليه كافّة المتأخّرين، على ما هو المنسوب إليهم في محكي الرياض «3» إطلاق اشتراط الأربع، و عدم اعتبار تعدّد المجالس، و ربّما يستدلّ لاعتبار التعدّد بالإجماع المدّعى في كلام الشيخ (قدّس سرّه) في الخلاف في العبارة المتقدّمة، و دعوى كون معقده أصل لزوم الإقرار أربعاً مدفوعة بوضوح كون المفروض في كلامه أمرين، و الإجماع راجع إليهما، و الشاهد على ذلك التعرّض لبيان المخالف في كليهما، و المخالف في الأمر الثاني هو ابن أبي ليلى، فلا مجال للدعوى المذكورة، و بتعدّد المجالس في قصّة ماعز المتقدّمة، و قصّة الامرأة المجح التي أتت أمير المؤمنين (عليه السّلام)، و بعض القصص الأخر و لكن الدليل الأوّل ممنوع بأنّه لا مجال لدعوى الإجماع بعد مخالفة المشهور، و انحصار الموافق بالناقل و بعض آخر، بل مقتضى إطلاق كلامه في كتاب النهاية عدم الاعتبار، قال فيها: «و يثبت حكم الزنا بشيئين: أحدهما بإقرار الفاعل بذلك على نفسه، مع كمال عقله من غير إكراهٍ و لا إجبارٍ أربع مرّات دفعة بعد أُخرى» «4» و أمّا الدليل الثاني، فيمنع التعدّد في قصّة ماعز، لظهورها في العدم، و تعدّد المجالس في قصّة المرأة لا دلالة

له على اعتباره، خصوصاً مع قول عليّ (عليه السّلام): «اللهم

______________________________

(1) المبسوط: 8/ 4.

(2) الوسيلة: 410.

(3) رياض المسائل: 10/ 23.

(4) النهاية: 689.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 91

..........

______________________________

إنّه قد ثبت عليها أربع شهادات»، من دون إشعار بالتعدّد، مع ظهور بعض الروايات المتقدّمة في عدم التعدّد، و هي رواية أبي مريم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: أتت امرأة أمير المؤمنين (عليه السّلام) فقالت: إنّي قد فجرت، فأعرض بوجهه عنها، فتحوّلت حتّى استقبلت وجهه، فقالت: إنّي قد فجرت، فأعرض عنها، ثمّ استقبلته فقالت: إنّي قد فجرت، فأعرض عنها، ثمّ استقبلته فقالت: إنّي فجرت، فأمر بها فحبست و كانت حاملًا، فتربّص بها حتّى وضعت، ثمّ أمر بها بعد ذلك فحفر لها حفيرة، الحديث. فهذا الدليل أيضاً ممنوع و على ما ذكر فلا بدّ من الرجوع إلى إطلاق النصوص، و الحكم بعدم اعتبار التعدّد، و إن كان مقتضى الاحتياط ذلك كما في المتن بقي الكلام في أمرين: الأوّل: فيما لو أقرّ بما دون الأربع، فالمحكيّ عن مقنعة المفيد «1» و نهاية الشيخ «2» (قدّس سرّهما) و صاحب القواعد «3» و ابن إدريس «4» وجوب التعزير، و اختاره المحقّق في الشرائع «5» و هو ظاهر المتن و استدلّ لذلك تارةً بعموم ما دلّ على الأخذ بالإقرار، نظراً إلى أنّه يقتصر في الخروج عنه بمقتضى الروايات على الحدّ الذي يتوقّف على تعدّده أربعاً، و أمّا

______________________________

(1) المقنعة: 775.

(2) النهاية: 689.

(3) قواعد الأحكام: 2/ 250.

(4) السرائر: 3/ 429.

(5) شرائع الإسلام: 3/ 934.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 92

..........

______________________________

التعزير فلا يكون في مقابل هذا العموم شي ء يقتضي الخروج عنه فيه أيضاً، فلا بدّ من

الأخذ به و الحكم بثبوته بمجرّد الإقرار و إن كان واحداً. و أُخرى بأنّ هذا الإقرار تشييع للفاحشة، فيكون محرّماً من جهة نفسه لا من جهة المقر به، و التعزير إنّما هو لأجل ذلك و يدفع الأوّل أنّه كما يتوقّف الحدّ على ثبوت مورده و لا يجوز إجراؤه بدون الثبوت، كذلك يتوقّف التعزير على ثبوت العصيان و تحقّق الفسق، و لا يكون في البين إلّا الإقرار، فهو إن كان مثبتاً للزنا فاللّازم ترتّب الحدّ عليه، و إن لم يكن فلا وجه لثبوت التعزير فيه، و ليس في الواقع على تقدير الثبوت فيه إلّا معصية واحدة و عمل فأرد، فالتفكيك بين الحدّ و التعزير من حيث عدم الثبوت بالإضافة إلى الأوّل و الثبوت بالنسبة إلى الثاني ممّا لا مجال له أصلًا و يدفع الثاني مضافاً إلى أنّ الإقرار لا يكون تشييعاً للفاحشة، بل ربّما يقع لغرض التطهير، كما قد صرّح به في بعض الروايات المتقدّمة أنّ ظاهر القائلين بثبوت التعزير هو التعزير بالإضافة إلى المقر به، لا بالإضافة إلى نفس الإقرار و يؤيّد عدم ثبوت التعزير بعض الروايات المتقدّمة، باعتبار عدم تعزير النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) ماعزاً، و عليٌّ (عليه السّلام) المرأة المجحّ مع تحقّق الفصل الطويل و التراخي الكثير بين الأقارير و دعوى علمهما بتحقّق الإقرار أربعاً بالنسبة إليهما مدفوعة مضافاً إلى منع ذلك نظراً إلى ظهور الروايات في المعاملة معهما معاملة الظواهر و الموازين الطبيعية العامة بمنع كون العلم مانعاً عن التعزير على فرض تحقّق موضوعه و من هنا يظهر أنّ لازم ذلك ترتّب تعزيرات ثلاثة فيما لو كان الإقرار أربعاً، لأنّه بمجرّد الإقرار الأوّل يتحقّق موضوع التعزير، و لا يجوز للحاكم

تأخيره، خصوصاً

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 93

..........

______________________________

بعد عدم علمه ببلوغ الإقرار أربعاً، كما هو الغالب في الموارد، و كذا بالإقرار الثاني و الثالث. و عليه فاللازم كون حدّ الزنا في جميع الموارد مسبوقاً بتعزيرات ثلاثة، و هو ممّا لا يمكن الالتزام به بوجه كما أنّ هنا إشكالًا آخر، و هو أنّ الموضوع للتعزير هو الإقرار دون الأربع، و هذا العنوان لا يمكن إحرازه بوجه، لأنّه يمكن للمقرّ أن يعقِّب إقراره بإقرار، و هكذا إلى أن يتحقّق الأربع، و المفروض أنّ التراخي الطويل لا يقدح في الإقرار أربعاً كما عرفت، ففي أيّ مورد يحرز للحاكم أنّ الإقرار لا يبلغ الأربع حتّى يعزّره؟ و هذا يكشف عن عدم ثبوت التعزير، فالترديد في المسألة كما عن الأردبيلي «1» و الإصفهاني «2» بل ظهور العدم هو مقتضى التحقيق و ممّا ذكرنا ظهر الجواب عمّا ربّما يقال: من أنّ المقرّ إمّا صادق فيستحقّ العقوبة على عمله الشنيع، و إمّا كاذب فيستحقّها على كذبه، فتدبّر الأمر الثاني: في إقرار الأخرس، و قد ذكر في المتن أنّ إشارة الأخرس المفهمة للمقصود تقوم مقام النطق، و عمدة الدليل عليه كما ذكره الشيخ في الخلاف «3» أنّ إشارة الأخرس تسمّى إقراراً؛ لعدم اختصاص عنوان الإقرار بما إذا تحقّق بالقول، و لذا لو أقرّ بمال لغيره لزمه ذلك بلا خلاف، كما لا خلاف في أنّه يصحّ طلاقه، و بعد ثبوت الإقرار يشمله دليل نفوذ الإقرار، و الأخبار الواردة في ترتّب الحدّ مع الإقرار بالزنا و نحوه؛ لأنّ موضوعها نفس تحقّق الإقرار بعنوانه و بالجملة: لا مجال للإشكال في أنّ إقرار كلّ مقرّ بحسبه، و أنّ الإشارة المفهمة

______________________________

(1) مجمع

الفائدة و البرهان: 13/ 23 24.

(2) كشف اللثام: 2/ 394.

(3) الخلاف: 5/ 381 مسألة 21.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 94

[مسألة 3: لو قال: «زنيت بفلانة العفيفة» لم يثبت الزنا الموجب للحدّ في طرفه]

مسألة 3: لو قال: «زنيت بفلانة العفيفة» لم يثبت الزنا الموجب للحدّ في طرفه إلّا إذا كرّرها أربعاً، و هل يثبت القذف بذلك للمرأة؟ فيه تردّد، و الأشبه العدم. نعم، لو قال: «زنيت بها و هي أيضاً زانية بزنائي» فعليه حدّ القذف (1).

______________________________

للمقصود في المقام من الأخرس إقرار له بالزنا، فيترتّب عليها آثار الإقرار بأجمعها، و قد وردت روايات في شأنه في الموارد المختلفة، كالصلاة و الطلاق و غيرها كلّها ظاهرة في هذا المعنى ثمّ إنّه لو احتاجت إشارة الأخرس إلى الترجمان يكفي فيه شاهدان عادلان، و لا يحتاج إلى أربعة شهود؛ لأنّه شهادة على مقصود المقرّ و مرامه لا على صدور الفعل منه، فيكفي اثنان، كما لو شهدا بتحقّق الإقرار أربعاً من غير الأخرس، فإنّه يثبت بذلك الإقرار بلا إشكال، و لا يكفي في المقام أقلّ من عدلين؛ لعدم كون الترجمة رواية حتّى يكتفى فيها بالواحد، بل هي شهادة على المراد، و هي تفتقر إلى التعدّد كما هو ظاهر

(1) أمّا عدم ثبوت الزنا في الصورتين المفروضتين في المسألة بالإضافة إلى القائل بمجرّد قوله فالوجه فيه واضح؛ لافتقاره إلى التكرار أربعاً كما عرفت. و أمّا ثبوت حدّ القذف في الصورة الأولى كما هو أحد طرفي الترديد، فالوجه فيه أنّ ظاهر هذا القول القذف عرفاً و الهتك لحرمتها، و يؤيّده روايتان:

إحداهما: رواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): لا تسألوا الفاجرة من فجر بك، فكما هان عليها الفجور

يهوّن عليها أن ترمي البري ء المسلم «1»

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 411، أبواب حدّ الزنا ب 41 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 95

..........

______________________________

ثانيتهما: بهذا الإسناد، عن عليّ (عليه السّلام) قال: إذا سألت الفاجرة: من فجر بك؟ فقالت: فلان، جلدتها حدّين: حدّا للفجور، و حدّاً لفريتها على الرجل المسلم «1» و الوجه في عدم ثبوت حدّ القذف في الصورة المفروضة، أنّ اسناد الزنا إلى نفسه بقوله: زنيت لا يلازم الإسناد إليها بوجه؛ لعدم تحقّق الملازمة، و إمكان الاشتباه، أو الاستكراه في طرف المرأة، و ربّما كان كما في الجواهر «2» في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل قال لامرأته: يا زانية أنا زنيت بك؟ قال: عليه حدّ واحد لقذفه إيّاها، و أمّا قوله: أنا زنيت بك فلا حدّ فيه، إلّا أن يشهد على نفسه أربع شهادات بالزنا عند الإمام «3» نوع إيماء إلى عدم القذف بالقول المزبور، نظراً إلى قوله (عليه السّلام): «و أمّا قوله: أنا زنيت بك فلا حدّ فيه» ففيه إيماء إلى أنّه لا حدّ في هذا القول بمجرّده، إلّا أن يقال: إنّ عدم ترتّب الحدّ عليه لكونه مسبوقاً بالقذف بقوله: يا زانية، فلا دلالة له على عدم ترتّبه مع عدم المسبوقية بمثل القول المزبور، كما لا يخفى و أمّا الروايتان المتقدّمتان في وجه الثبوت فهما غير مرتبطتان بهذه الصورة؛ لأنّ السؤال عن الفاجرة بقوله: «من فجر بك» و كذا جوابها ظاهر في إسناد الفجور إلى الرجل، و ترتّب حدّ القذف على المرأة إنّما هو لتعيين الرجل و إسناده إلى شخص معيّن.

و أمّا ما في المسالك على ما حكي من أنّ الوجه ثبوت

القذف بالمرأة مع

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 411، أبواب حدّ الزنا ب 41 ح 2.

(2) جواهر الكلام: 41/ 406.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 446، أبواب حدّ القذف ب 13 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 96

[مسألة 4: من أقرّ على نفسه بما يوجب الحدّ و لم يعيّن لا يكلّف بالبيان]

مسألة 4: من أقرّ على نفسه بما يوجب الحدّ و لم يعيّن لا يكلّف بالبيان، بل يجلد حتّى يكون هو الذي ينهى عن نفسه، به وردت رواية صحيحة، و لا بأس بالعمل بها، و قيّده قوم بأن لا يزيد على المائة، و بعض بأن لا ينقص عن ثمانين (1).

______________________________

الإطلاق؛ لأنّه ظاهر فيه، و الأصل عدم الشبهة و الإكراه «1»، فيرد عليه منع الظهور لأنّ الظهور المزبور إنّما هو ظهور في بادئ النظر، و المعيار في تشخيص المراد، و إن كان هو المتفاهم عند العرف، إلّا أنّ المراد هو ما يفهمه العرف بالنظر الدقيق عنده، لا ما يخطر ببالهم بدواً، و من الواضح أنّ العرف لا يرى الملازمة، و لا يحكم باستلزام زناه لزناها، و أمّا أصالة عدم الشبهة و الإكراه، فلا يثبت موضوع القذف حتّى يترتّب عليه آثاره و قد انقدح أنّ الأشبه كما في المتن عدم ثبوت حدّ القذف، نعم لا بأس بالحكم بثبوت التعزير عليه بسبب إيذائه المرأة و هتكه لعرضها عرفاً بمجرّد جعلها في معرض الاحتمال و ذكرها عند الناس، هذا في الصورة الأُولى و أمّا الصورة الثانية: فلا خفاء في ثبوت حدّ القذف فيها، للتصريح بكونها زانية، و التقييد بقوله (قدّس سرّه): «بزنائي» ليس لأجل مدخلية ذلك في ترتّب حدّ القذف، بل لأجل المناسبة مع ما هو المفروض في المسألة، و إلّا فمن الواضح أنّ مجرّد نسبة الزنا إليها و لو

لم يكن مرتبطاً به موجب لترتّب حدّ القذف

(1) و قد عنون المسألة في الشرائع بقوله: «و لو أقرّ بحدٍّ و لم يبيّنه ..» «2» و هو

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 14/ 345.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 934.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 97

..........

______________________________

الأظهر؛ لأنّ الكلام ليس فيمن أقرّ على نفسه بشي ء يوجب الحدّ كالزنا و نحوه، غاية الأمر عدم تعيينه بعد وضوح عدم إيجاب بعض الأمور للحدّ إلّا مع الإقرار أربعاً أو مرّتين، بل البحث إنّما هو فيمن أقرّ بثبوت حدّ عليه بحيث لو عيّنه لترتّب عليه ذلك الحدّ المعيّن، كمن أقرّ بثبوت حدّ الزنا بدون الإحصان عليه، فإنّ الظاهر أنّه يثبت بهذا الإقرار بمجرّده، و لا يتوقّف على التعدّد، فالكلام إنّما هو فيمن أقرّ بحدّ على سبيل الإجمال و لم يعيّن ذلك الحدّ بوجهٍ، فنقول:

يقع الكلام أوّلًا في أنّ هذا الإقرار الإجمالي يترتّب عليه أثر، و يؤخذ المقرّ بسببه، أو لا يترتّب عليه أثر، و وجوده كالعدم؟ ربّما يقال بالثاني، نظراً إلى أنّه مقتضى الأصل، و إلى أنّ الحدود تدرأ بالشبهات، و إلى مثل قصّة ماعز المتقدّمة «1» المشتملة على ترديد جزم المقرّ و إيجاد الاحتمال له من جهة عدم تحقّق الدخول، بل تحقّق التقبيل، أو التغميز، أو النظر، فكيف بالساكت، و إلى رواية أنس بن مالك قال: كنت عند النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) فجاءه رجل فقال: يا رسول اللّٰه إنّي أصبت حدّا فأقمه عليّ، قال: و لم يسأله عنه، قال: و حَضَرتِ الصلاة فصلّى مع النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) فلمّا قضى النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) الصلاة قام إليه الرجل فقال: يا رسول اللّٰه إنّي

أصبت حدّا فأقم فيَّ كتاب اللّٰه، قال: أ ليس قد صلّيت معنا؟ قال: نعم، قال: فإنّ اللّٰه قد غفر لك ذنبك أو قال: حدّك «2» و إلى قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله): «من أتى من هذه القاذورات شيئاً فستر ستره اللّٰه، و إنّ من بدا صفحته أقمنا عليه الحد» «3»

______________________________

(1) في ص 84.

(2) صحيح البخاري: 8/ 30 ح 6823.

(3) سنن البيهقي: 8/ 330.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 98

..........

______________________________

و إلى قول أمير المؤمنين (عليه السّلام) في ذيل الرواية المتقدّمة المشتملة على قصّة رجل أتاه بالكوفة و أقرّ بالزنا أربعاً: «ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه على رؤوس الملأ، أ فلا تاب في بيته، فواللّٰه لتوبته فيما بينه و بين اللّٰه أفضل من إقامتي عليه الحدّ» «1» و لكنّ الظاهر أنّه لا مجال للأصل مع عموم دليل الإقرار و نفوذه، و ليس هنا شبهة في أصل ثبوت الحد مع تعلّق الإقرار به حتّى يدرأ الحدّ بها، و قصّة ماعز تدلّ على أنّه (صلّى اللّٰه عليه و آله) ردّده حتّى لا يتحقّق الإقرار أربعاً الذي هو يوجب الحدّ، فلا يرتبط بالمقام الذي أقرّ بحدٍّ ثابت عليه شرعاً، و رواية أنس فاقدة للاعتبار؛ لأنّها ليست من طرقنا، و قول الرسول فيمن أتى بشي ء من القاذورات، لا دلالة فيه على كون المقام من مصاديق الستر، فلم لا يكون من مصاديق من بدا صفحته، خصوصاً مع ملاحظة كون الإقرار على سبيل الإجمال يجعل المقرّ في معرض الاحتمال الذي هو منتفٍ في الإقرار بنحو التفصيل، فإنّ من أقرّ بثبوت حدّ الزنا بدون الإحصان عليه أبدى أم من أقرّ بنحو الإجمال الذي

يجري فيه احتمال الزنا مع الإحصان و اللواط و أشباههما و الرواية الأخيرة أيضاً لا شهادة فيها على حكم المقام الذي تحقّق فيه الإقرار، و عليه فمقتضى القاعدة ترتّب الأثر على هذا الإقرار، و يؤيّده ما دلّ من الروايات الكثيرة على عدم جواز تعطيل شي ء من الحدود الإلهية، فلا فرق بين المقام و بين ما لو أقرّ على سبيل الإجمال بحقّ لآدمي، و الحكم على وفق القاعدة في المقامين أنّه يكلّف المقرّ بالبيان لإجراء الحدّ و لإحقاق الحقّ.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 327، أبواب مقدّمات الحدود ب 16 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 99

..........

______________________________

نعم، وردت في المقام رواية رواها الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر، عن أمير المؤمنين (عليهما السّلام) في رجل أقرّ على نفسه بحدّ و لم يسمّ أيّ حدّ هو، قال: أمر أن يجلد حتّى يكون هو الذي ينهى عن نفسه في الحدّ. و رواه الشيخ بإسناده عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نجران «1» و ربّما نوقش في السند تارة كما عن المسالك باشتراك محمّد بن قيس بين الثقة و غيره «2» و أُخرى كما عن مجمع البرهان بأنّ في سنده سهلًا «3» و لكنّ المناقشة مدفوعة مضافاً إلى عدم وقوعهما في كلا الطريقين، بل وقوع الثاني في الطريق الأوّل فقط كما عرفت أنّ محمّد بن قيس الذي يروي عنه عاصم بن حميد هو محمّد ابن قيس الثقة، و قد اشتهر أنّ الأمر في سهل سهلٌ، مضافاً إلى الفتوى على

طبق الرواية من مثل الشيخ في النهاية «4» و القاضي «5» و جمع من المتأخّرين «6» استناداً إلى كون الرواية صحيحة، فلا مجال للمناقشة فيها من حيث السند و أورد في المسالك على الرواية مضافاً إلى ما عرفت من المناقشة في سندها باستلزامها أنّه لو أنهى عن نفسه فيما دون الحدود المعلومة قبل منه، و ليس هذا حكم الحدّ و لا التعزير، و أيضاً فإنّ من الحدود ما يتوقّف على الإقرار أربع مرات،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 318، أبواب مقدّمات الحدود ب 11 ح 1.

(2) مسالك الأفهام: 14/ 346.

(3) مجمع الفائدة و البرهان: 13/ 32.

(4) النهاية: 702 703.

(5) المهذّب: 2/ 529.

(6) قواعد الأحكام: 2/ 250، التنقيح الرائع: 4/ 334، رياض المسائل: 10/ 23 24.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 100

..........

______________________________

و منها ما يتوقّف على الإقرار مرّتين، و منها ما يثبت بمرّة، فلا يتم إطلاق القول بجواز بلوغ المائة مع الإقرار دون الأربع، و بلوغ الثمانين بدون الإقرار مرّتين، و أيضاً فهي معارضة برواية أنس التي تشاركها في الضعف. و أيضاً فإنّ الحدّ كما قد علم يطلق على الرجم و على القتل بالسيف، و الإحراق بالنار، و رمي الجدار عليه، و نحو ذلك، ثمّ الجلد يختلف كمّية و كيفيّة، فحمل مطلقه على الجلد غير مناسب للواقع، و لا يتمّ معه إطلاق أنّ الإقرار أربع مرّات يجوز جلد المائة «1» و الجواب عنه أنّه بعد ما مرّ من كون محلّ البحث في المقام هو ما لو أقرّ بحدّ ثابتٍ، غاية الأمر كون الإقرار على سبيل الإجمال، في مقابل ما لو أقرّ بحدّ على سبيل التفصيل، الذي يكفي فيه الإقرار مرّة واحدة، و إن كان

أصل ثبوته متوقّفاً على تعدّد الإقرار مرّتين أو أربعاً، و بعد كون الرواية صحيحة من حيث السند لا محيص عن الأخذ بالرواية و الحكم على طبقها؛ لأنّ مفادها حكم تعبّدي وارد في مورد خاصّ، و إن كانت القاعدة تقتضي خلافه؛ لعدم اشتراط اعتبار الرواية الصحيحة و الأخذ بها بعدم كونها مخالفة للقاعدة، فإن قطع النظر عن المناقشة في سندها و سُلِّم صحّتها كما هو الحقّ لا يبقى مجال للمناقشة في دلالتها فيما هو مورد البحث، و الحكم بثبوت الجلد حتّى ينهى عن نفسه و إن شئت قلت: إنّ مفاد الرواية ثبوت حدٍّ خاصّ في خصوص موردها، و إن كان مغايراً لسائر الحدود، و لا دليل على مساواة الإقرار بنحو الإجمال لغيره من الموارد في الحكم.

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 14/ 346 347.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 101

..........

______________________________

و ممّا ذكرنا يظهر ما في محكي كشف اللثام، تبعاً للّمعة «1» و الروضة «2» من أنّ إطلاق الخبرين و كلمة الأصحاب منزّل على الحدّ الذي يقتضيه ما وقع من الإقرار، فلا يحدّ مائة ما لم يقرّ أربعاً، و لا ثمانين ما لم يقرّ مرّتين، و لا تتعيّن المائة إذا أقرّ أربعاً، و لا الثمانون إذا أقرّ مرّتين «3» و الوجه في بطلان ذلك ما عرفت من عدم الالتفات إلى موضوع المسألة و ما هو المفروض في الرواية، مع أنّه لأيّة جهة يتصرّف في إطلاق الرواية، و ما الدليل على التقييد بعد الاختلاف في الموضوع؟ فإنّ احتياج ثبوت الزنا إلى الإقرار أربعاً لا يستلزم كون الإقرار بالحدّ الثابت شرعاً محتاجاً إلى التعدّد، و أيّ ارتباط بين المسألتين؟

فالإنصاف أنّ كلّ ذلك يرجع إلى الخلط في المقام من

جهة، و عدم التسليم لحكم الإمام المدلول عليه بالرواية الصحيحة من جهة أخرى، و إلى عدم الالتفات إلى كون الحكم حكماً تعبديّاً جاء بطريق صحيح معمول به، و إن كان على خلاف القاعدة المقتضية للتكليف بالبيان، و حمله على التعيين و لو بالحبس و نحوه، كما أنّ أصل احتياج ثبوت الزنا مثلًا إلى الإقرار أربعاً على خلاف القاعدة، المقتضية لنفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم، المتحقّق بالإقرار مرّة واحدة كما لا يخفى ثمّ إنّ هنا رواية مرسلة محكيّة عن مقنع الصدوق قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل أقرّ على نفسه بحدّ و لم يبيّن أيّ حدّ هو أن يجلد حتّى يبلغ ثمانين، فجلد، ثمّ قال: لو أكملت جلدك مائة ما ابتغيت عليه بيّنة غير نفسك «4»

______________________________

(1) اللمعة الدمشقية: 166.

(2) الروضة البهيّة: 9/ 126.

(3) كشف اللثام: 2/ 395.

(4) مستدرك الوسائل: 18/ 15، أبواب مقدّمات الحدود ب 9 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 102

..........

______________________________

و أفتى بمضمونه ابن إدريس «1»، حيث اعتبر في المقام عدم التجاوز عن المائة و عدم النقصان عن ثمانين، و استدلّ له أيضاً بأنّ أقلّ الحدّ ثمانون و أكثره مائة و أورد عليه بأنّ التمسّك بالرواية لا يوافق ما ذهب إليه في مسألة حجيّة خبر الواحد من عدم الحجيّة و لو كان الراوي ثقة عدلًا، فضلًا عمّا إذا كانت الرواية مرسلة كما في المقام، و بأنّ أقلّ الحدّ ليس هو الثمانين، بل خمساً و سبعين كما في القيادة و قد ذكر المحقّق في الشرائع بعد نقل قول ابن إدريس: «و ربّما كان صواباً في طرف الكثرة، و لكن ليس بصواب في طرف النقصان، لجواز أن يريد بالحدّ

التعزير» «2» و أورد عليه صاحب المسالك بأنّ الحدّ حقيقة شرعية في المقدّرات المذكورة، و إطلاقه على التعزير مجاز لا يصار إليه عند الإطلاق بدون القرينة، ثمّ على تقدير حمله على التعزير فأمره منوط بنظر الحاكم غالباً، و نظر الحاكم يتوقّف على معرفة المعصية ليرتّب عليها ما يناسبها، لا بمجرّد التشهّي، و من التعزير ما هو مقدّر، فجاز أن يكون أحدها، فيشكّل تجاوزها أو نقصها بدون العلم بالحال «3» و الحقّ أنّه إن قلنا: بأنّ إرسال هذه الرواية يمنع عن اعتبارها، كما يظهر من صاحب الجواهر «4»، فاللازم الأخذ بمقتضى الصحيحة المتقدّمة، فيضرب ما لم ينه

______________________________

(1) السرائر: 3/ 455 456.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 935.

(3) مسالك الأفهام: 14/ 346.

(4) جواهر الكلام 41/ 287.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 103

..........

______________________________

و إن زاد على المائة؛ لاحتمال وقوعه منه في مكان شريف أو زمان كذلك، و يترك مع نهيه، و إن نقص عن أقلّ الحدّ؛ لاحتمال إرادة التعزير منه و لو على أن يكون نهيه قرينة على ذلك مع فرض المجازيّة و إن لم نقل بذلك، نظراً إلى أنّ الإرسال على قسمين: قسم يكون قول الإمام (عليه السّلام)، أو فعله، أو تقريره منسوباً إلى الرواية بقوله: روي كذا و كذا. و قسم يسند الراوي أحد هذه الأمور إلى الإمام مستقيماً، فهذا القسم من الإرسال الذي هو لا يتحقّق إلّا مع توثيق الرواة الواقعة في سند الرواية بأجمعها يكون مشمولًا لأدلّة حجيّة خبر الواحد، و يكون حجّة كما في المقام، حيث نسب الصدوق القضاء المذكور في الرواية إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام)، فاللّازم ملاحظة هذه الرواية في المسألة أيضاً مع الصحيحة المتقدّمة فنقول: يمكن أن

يقال بكون المرسلة مقيّدة للصحيحة، بمعنى اشتراط عدم كون الضرب المذكور في الصحيحة ناقصاً عن ثمانين، و لا زائداً على المائة، و لكنّ الظّاهر أنّ هذا لا يكون جمعاً عقلائياً متداولًا بين المطلق و المقيّد، فالّلازم إمّا ترجيح الصحيحة لموافقتها للمشهور في الجملة، و إمّا الحكم بالتخيير، بمعنى أنّ الحكم في الإقرار على سبيل الإجمال، إمّا الإيكال إلى المقرّ، فيضرب حتّى ينهى، و إمّا الإيكال إلى الحاكم، فالّلازم رعاية الزيادة و النقصان المذكورين في المرسلة، و إمّا الحكم بالتخيير، بمعنى اختيار المجتهد في الأخذ بأيّهما و الحكم على طبقه، فتدبّر و في الختام يرد على مثل المحقّق أنّ كلامهم لا يرجع لا إلى العمل بالصحيحة، و لا إلى العمل بالمرسلة، و لا إلى ملاحظة القاعدة المقتضية لعدم الاعتناء بالإقرار الإجمالي، أو لإلزامه بالبيان و لو بالحبس مدّة، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 104

[مسألة 5: لو أقرّ بما يوجب الرجم ثمّ أنكر سقط الرجم]

مسألة 5: لو أقرّ بما يوجب الرجم ثمّ أنكر سقط الرجم، و لو أقرّ بما لا يوجبه لم يسقط بالإنكار، و الأحوط إلحاق القتل بالرجم، فلو أقرّ بما يوجب القتل ثمّ أنكر لم يحكم بالقتل (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع ثلاثة:

الأوّل: لو أقرّ بما يوجب الرجم بمعنى تحقّق الإقرار منه أربعاً؛ لعدم كون الأقلّ موجباً للرجم كما مرّ ثمّ أنكر، فالمشهور سقوط الرجم، بل حُكي نفي وجدان الخلاف فيه عن الفخر «1» بل ادّعى الإجماع عليه كما في الجواهر «2» و يدلّ عليه قبل ذلك الروايات المستفيضة:

منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل أقرّ على نفسه بحدٍّ ثمّ جحد بعدُ، فقال: إذا أقرّ على نفسه عند الإمام أنّه سرق ثمّ جحد،

قطعت يده و إن رغم أنفه، و إن أقرّ على نفسه أنّه شرب خمراً أو بفرية فاجلدوه ثمانين جلدة. قلت: فإن أقرّ على نفسه بحدّ يجب فيه الرجم أ كنت راجمه؟ فقال: لا، و لكن كنت ضاربه الحدّ «3» و الجواب شاهد على أنّ المراد من الإقرار في السؤال هو الإقرار بما يوجب الحدّ لا بالحدّ نفسه، و لو سلّم ظهور السؤال في ذلك، و عليه فالمراد من الإقرار هو الإقرار المعتبر في ثبوت الحدّ و منها: رواية أُخرى للحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إذا أقرّ الرجل على نفسه بحدّ أو فرية ثمّ جحد جلد، قلت: أ رأيت إن أقرّ على نفسه بحدّ يبلغ فيه الرجم

______________________________

(1) إيضاح الفوائد: 4/ 473.

(2) جواهر الكلام: 41/ 291.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 318، أبواب مقدّمات الحدود ب 12 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 105

..........

______________________________

أ كنت ترجمه؟ قال: لا، و لكن كنت ضاربه «1» و الظاهر أنّها متّحدة مع الرواية الأُولى، و عدم كونهما متعدّدتين، و إن جعلهما في الوسائل كذلك كما هو دأبه في كثير من الموارد و منها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: من أقرّ على نفسه بحدٍّ أقمته عليه إلّا الرجم، فإنّه إذا أقرّ على نفسه ثمّ جحد لم يرجم «2» و غير ذلك من الروايات الدالّة على سقوط الرجم بالإنكار بعد الإقرار، و مع هذه الروايات لا يبقى مجال لاحتمال عدم السقوط على ما هو مقتضى القاعدة، نظراً إلى ظهور مثل الرواية المشتملة على قصّة ماعز «3» في أنّ بالإقرار أربعاً تتمّ الشهادات الأربع، و يترتّب الرجم، فلا يجدي الإنكار بعده،

ضرورة أنّه اجتهاد في مقابل النصّ الصريح كما هو ظاهر و يبقى في هذا الفرع أمران:

الأوّل: أنّه هل يحتاج سقوط الرجم إلى اليمين، أو أنّه يسقط بمجرّد الإنكار و لو لم يتحقّق الحلف؟ ظاهر الروايات المتقدّمة ترتّب السقوط على مجرّد الإنكار و لو لم يكن هناك يمين. و لكن حكي عن جامع البزنطي أنّه يحلف و يسقط عنه الرجم، و أنّه رواه عن الصادقين (عليهما السّلام) بعدّة أسانيد «4» و لكن في الجواهر: لم نقف على شي ء منها، فالمتَّجه عدم اعتباره «5» الأمر الثاني: أنّه بعد سقوط الرجم هل يترك المقرّ، أو يضرب حدّا، أو تعزيراً؟

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 319، أبواب مقدّمات الحدود ب 12 ح 2 و 3.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 319، أبواب مقدّمات الحدود ب 12 ح 2 و 3.

(3) تقدّمت في ص 84.

(4) رياض المسائل: 10/ 26، كشف اللثام: 2/ 395.

(5) جواهر الكلام: 41/ 292.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 106

..........

______________________________

ظاهر الصحيحة الأُولى ثبوت الجلد بعنوان الحد، و لا يعارضه قوله (عليه السّلام) «ترك و لم يرجم» في مرسلة جميل الآتية، كما لا يخفى، و لكن يمكن أن يكون المراد منه التعزير، و التحقيق يقتضي ملاحظة أنّه في موارد ثبوت الرجم هل يكون الجلد أيضاً ثابتاً أو لا؟ و سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّٰه تعالى «1» الفرع الثاني: لو أقرّ بما لا يوجب الرجم من سائر الحدود غير القتل ثم أنكر، فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة محقّقة بل احتمل ثبوت الإجماع عليه عدم سقوطه بالإنكار، كما هو مقتضى القاعدة، و لكنّ المحكيّ عن الخلاف و الغنية «2» السقوط. قال في الخلاف: «إذا أقرّ بحد ثمّ رجع عنه

سقط الحدّ، و هو قول أبي حنيفة «3» و الشافعي «4» و إحدى الروايتين عن مالك، و عنه رواية اخرى أنّه لا يسقط «5» و به قال الحسن البصري و سعيد بن جبير و داود «6» دليلنا: إجماع الفرقة، و أيضاً فإنّ ماعزاً أقرّ عند النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) بالزنا فأعرض عنه مرّتين أو ثلاثاً، ثمّ قال: لعلّك لمست، لعلّك قبّلت، فعرض له بالرجوع حين أعرض عند إقراره، و صرّح له بذلك في قوله: «لعلّك لمست، لعلّك قبّلت» و لو لا أنّ ذلك يقبل منه لم يكن له فائدة» «7» أقول: أمّا تمسّكه بالإجماع، فيرد عليه وضوح الخلاف، و أنّ الشهرة المحقّقة

______________________________

(1) في 167- 170.

(2) غنية النزوع: 424.

(3) المغني لابن قدامة: 10/ 173، المبسوط للسرخسي: 9/ 94.

(4) الام: 6/ 155، مختصر المزني: 261.

(5) بداية المجتهد: 2/ 434، أسهل المدارك: 2/ 263.

(6) المغني لابن قدامة: 10/ 173، الشرح الكبير: 10/ 194- 195.

(7) الخلاف: 5/ 378- 379 مسألة 17.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 107

..........

______________________________

قائمة على عدم السقوط، و أمّا تمسّكه بقصّة ماعز، فيرد عليه وضوح أنّ إعراض النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) عنه و الترديد له بالقول المزبور يرجع إلى أنّ مراده (صلّى اللّٰه عليه و آله) عدم تحقّق الإقرار منه أربعاً حتّى يجب الرجم، و الكلام في المقام إنّما هو في الإنكار بعد تحقّق الإقرار المعتبر في ثبوت الحدّ، و هو الأربع في الزنا، فهذا الاستدلال لا يرتبط بالمقام، مضافاً إلى أنّها واردة في مسألة الرجم، و لا شهادة فيها على السقوط في سائر الحدود، إلّا أن يحمل كلام الشيخ على خصوص حدّ الرجم و كيف كان،

فيدلّ على عدم السقوط في المقام أكثر الروايات المتقدّمة في الفرع الأوّل. نعم في مقابلها مرسلة جميل، عن أحدهما (عليهما السّلام) في رجل أقرّ على نفسه بالزنا أربع مرّات و هو محصن، رجم إلى أن يموت أو يكذّب نفسه قبل أن يرجم فيقول: لم أفعل، فإن قال ذلك ترك و لم يرجم، و قال: لا يقطع السارق حتّى يقرّ بالسرقة مرّتين، فإن رجع ضمن السرقة و لم يقطع إذا لم يكن شهود، و قال: لا يرجم الزاني حتّى يقرّ أربع مرّات بالزنا إذا لم يكن شهود، فإن رجع ترك و لم يرجم «1» فإنّ ظاهره أنّ الرجوع في السرقة بعد الإقرار مرّتين يوجب سقوط حدّ القطع، و حمل قوله (عليه السّلام): «فإن رجع ضمن السرقة» على كون المراد هو الرجوع قبل تحقّق إقرارين، خلاف الظاهر، و يؤيّده قوله (عليه السّلام) في ذيل الرواية: «فإن رجع ترك و لم يرجم»، فاللازم بعد كون الرواية معارضة لخصوص صحيحة الحلبي المتقدّمة المصرِّحة بعدم السقوط في مورد السرقة هو ترجيح الصحيحة؛ لموافقتها للشهرة المحقّقة كما عرفت، مضافاً إلى أنّ في سند الرواية عليّ بن حديد، و قد حكي عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 320، أبواب مقدّمات الحدود ب 12 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 108

..........

______________________________

الشيخ تضعيفه «1» الفرع الثالث: ما إذا أقرّ بما يوجب القتل ثمّ أنكر، فهل يسقط عنه القتل أم لا؟

فيه وجهان: و اختار الأوّل صاحب الجواهر «2» تبعاً للمحكي عن ابن حمزة «3» و صاحب الرياض «4» و جعله في المتن مقتضى الاحتياط و الوجه في السقوط مضافاً إلى الاحتياط في الدماء و بناء الحدّ على التخفيف، و إلغاء الخصوصية

من الروايات الواردة في الرجم الدالّة على السقوط بالرجوع مرسلة ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابه، عن أحدهما (عليهما السّلام) أنّه قال: إذا أقرّ الرجل على نفسه بالقتل قتل إذا لم يكن عليه شهود، فإن رجع و قال: لم أفعل، ترك و لم يقتل «5» و احتمال كون المراد من إقرار الرجل على نفسه هو إقراره بصدور القتل منه بحيث كانت الرواية مرتبطة بباب القصاص و الديّات، مدفوع بأنّ الحكم بتعيّن القتل و لزومه مطلقاً مع عدم الرجوع لا ينطبق إلّا على ما إذا كان المقرّ به ما يوجب حدّ القتل، ضرورة أنّه على تقدير الاحتمال المذكور لا يتعيّن القتل مطلقاً، بل إن كان القتل عمداً يتحقّق موضوع القصاص، فيقتل على تقدير إرادة ورثة المقتول ذلك و عدم أخذ الدّية، و إن كان القتل خطأ يتعيّن الرجوع إلى الدّية، فالحكم بتعيّن القتل بمجرّد الإقرار لا ينطبق إلّا على المقام، فلا مجال للاحتمال المذكور.

______________________________

(1) الفهرست: 153 رقم 382.

(2) جواهر الكلام: 41/ 292.

(3) الوسيلة: 410.

(4) رياض المسائل: 10/ 27.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 320، أبواب مقدّمات الحدود ب 12 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 109

[مسألة 6: لو أقرّ بما يوجب الحد ثمّ تاب كان للإمام (عليه السّلام) عفوه أو إقامة الحدّ عليه]

مسألة 6: لو أقرّ بما يوجب الحد ثمّ تاب كان للإمام (عليه السّلام) عفوه أو إقامة الحدّ عليه رجماً كان أو غيره، و لا يبعد ثبوت التخيير لغير إمام الأصل من نوّابه (1).

______________________________

(1) في الجواهر: بلا خلاف أجده في الأوّل يعني الرجم بل في محكيّ السرائر «1» الإجماع عليه، بل لعلّه كذلك في الثاني أيضاً، و إن خالف هو فيه «2» و يدلّ على أصل الحكم النصوص الواردة في المقام:

منها: رواية ضريس الكناسي،

عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: لا يعفى عن الحدود التي للّٰه دون الإمام، فأمّا ما كان من حقّ الناس في حدٍّ فلا بأس بأن يعفى عنه دون الإمام «3» فإنّ مقتضى الفقرة الاولى أنّ الإمام له أن يعفي عن الحدود التي للّٰه، و القدر المتيقّن صورة ما إذا كان ثابتاً بالإقرار، و ليس له إطلاق يشمل صورة الشهادة أيضاً؛ لعدم كونها في مقام البيان في جانب الإثبات، حتّى يتمسّك بإطلاقه، و لكن الإشكال في سند الحديث من جهة ضريس، نظراً إلى عدم ورود مدح و لا قدح فيه، و يمكن دفعه من جهة وقوع ابن محبوب في السند، نظراً إلى كونه من أصحاب الإجماع و منها: مرسلة أبي عبد اللّٰه البرقي، عن بعض أصحابه، عن بعض الصادقين (عليهم السّلام) قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) فأقرّ بالسرقة، فقال له: أ تقرأ شيئاً من القرآن؟ قال: نعم سورة البقرة، قال: قد وهبت يدك لسورة البقرة، قال: فقال الأشعث: أ تعطّل حدّا من حدود اللّٰه؟ فقال: و ما يدريك ما هذا؛ إذا قامت البيّنة فليس للإمام

______________________________

(1) السرائر: 3/ 444.

(2) جواهر الكلام: 41/ 293.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 330، أبواب مقدّمات الحدود ب 18 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 110

..........

______________________________

أن يعفو، و إذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام إن شاء عفا، و إن شاء قطع «1» و كون المورد هي السرقة لا يوجب اختصاص الضابطة المذكورة في الذيل بها، و إن ورد فيها قوله (عليه السّلام): «و إن شاء قطع» فإنّ الظاهر أنّ المراد ليس خصوص القطع، بل إجراء الحدّ، قطعاً كان أو غيره، كما أنّه على

تقدير خروج المورد و هي السرقة عن الضابطة المذكورة كما سيأتي لا يقدح ذلك في التمسّك بالضابطة و العمل بها، فتدبّر و منها: ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن يحيى، عن طلحة بن زيد، عن جعفر (عليه السّلام) قال: حدّثني بعض أهلي أنّ شاباً أتى أمير المؤمنين (عليه السّلام) فأقرّ عنده بالسرقة، قال: فقال له عليّ (عليه السّلام): إنّي أراك شابّاً لا بأس بهبتك، فهل تقرأ شيئاً من القرآن؟ قال: نعم سورة البقرة، فقال: قد وهبت يدك لسورة البقرة، قال: و إنّما منعه أن يقطعه لأنّه لم يقم عليه بيّنة «2» و الظاهر اتّحادها مع الرواية السابقة، خصوصاً مع نقل الشيخ (قدّس سرّه) لها بهذا السند، كما في الوسائل، و إن جعلت فيها و في بعض الكتب الفقهية رواية أُخرى لطلحة بن زيد. قال في الفهرست: له أي لطلحة كتاب و هو عاميّ المذهب إلّا أنّ كتابه معتمد «3».

و منها: رواية الحسن بن عليّ بن شعبة في «تحف العقول» عن أبي الحسن الثالث (عليه السّلام) في حديث قال: و أمّا الرجل الذي اعترف باللواط فإنّه لم يقم عليه البيّنة، و إنّما تطوّع بالإقرار من نفسه، و إذا كان للإمام الذي من اللّٰه أن يعاقب

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 331، أبواب مقدّمات الحدود ب 18 ح 3.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 488، أبواب حدّ السرقة ب 3 ح 5.

(3) الفهرست: 149 رقم 372.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 111

..........

______________________________

عن اللّٰه كان له أن يمنّ عن اللّٰه، أما سمعت قول اللّٰه هٰذٰا عَطٰاؤُنٰا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ «1» إذا عرفت ما ذكرنا من روايات المسألة، فالكلام يقع في

أمور:

الأوّل: أنّه بملاحظة الروايات المذكورة لا مجال للخدشة في أصل الحكم، و هو كون الإمام مخيّراً بين العفو و بين إجراء الحدّ في الصورة المفروضة في المسألة، لأنّه مضافاً إلى اعتبار بعض الروايات، بل كثير منها لما ذكرنا يكون استناد المشهور إليها و الفتوى على طبقها، مع كونها مخالفة للأدلّة الواردة في الحدود، و لذا اعترض أشعث على أمير المؤمنين (عليه السّلام) بأنّ ذلك يلزم تعطيل حدّ من حدود اللّٰه تعالى يكون جابراً لضعفها على تقديره، فأصل الحكم ممّا لا إشكال فيه الثاني: إنّ ظاهر المشهور بل المتّفق عليه بين الأصحاب، عدم كفاية الإقرار بمجرّده، و لزوم التوبة بعده في ثبوت التخيير المذكور، مع أنّه لا يكون في شي ء منها ظهور في اعتبارها و مدخليّتها، و ربّما يقال: إنّ الوجه في اعتبار التوبة أنّ الغالب في كلّ مقرّ إرادة تطهيره من ذنبه، و الندم على فعله، كما صرّح به في جملة من نصوص الإقرار المتقدّمة، مضافاً إلى إشعار قوله (عليه السّلام) في الرواية الأخيرة، و إنّما تطوّع بالإقرار من نفسه و لكن يدفعه مضافاً إلى منع كون الإقرار ملازماً غالباً للتوبة التي حقيقتها الندم على الفعل، و العزم على عدم العود إليه، فإنّ إرادة تخفيف العذاب الأُخروي لا تلازم التوبة بالمعنى المذكور أنّ ظاهرهم اعتبار التوبة بعد الإقرار، و لا يكفي

______________________________

(1) تحف العقول: 481، وسائل الشيعة: 18/ 331، أبواب مقدّمات الحدود ب 18 ح 4 و الآية في سورة ص 38: 39.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 112

..........

______________________________

كون الغالب في الإقرار ما ذكر، الذي لازمه عدم الحاجة إلى التوبة بعده، و الإشعار في الرواية الأخيرة لا حجيّة فيه بوجه. نعم

مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي اعتبار التوبة، فإنّ العفو لا يناسب مع عدم تحقّقها، و يؤيّدها الاتّفاق على اعتبارها، خصوصاً في الحكم المخالف للقاعدة كما عرفت، فتدبّر الثالث: ظاهر النصوص و الفتاوى أنّ المراد بالإمام المذكور فيهما هو الإمام المعصوم (عليه السّلام)، و لكن لا يبعد دعوى العموم و الشمول لغيره من نوّابه و خلفائه العام، لأنّه مضافاً إلى ما يستفاد من النصوص من أنّ الحكم المذكور إنّما هو من شؤون إجراء الحدود و من أحكامه يكون مقتضى الرواية الأخيرة هي الملازمة بين ثبوت الإجراء و بين العفو و المنّة، و أنّ من كان بإذن اللّٰه جائزاً له إقامة الحدّ و التعذيب عن اللّٰه، يكون جائزاً له منه المنّة و التفضّل بالعفو و الإغماض، فالظاهر كما في المتن هو التعميم و عدم الاختصاص بإمام الأصل، خصوصاً مع التعبير في إحدى روايتي طلحة بما يرجع إلى أنّ المانع من تحقّق القطع هو عدم قيام البيّنة، فإنّ ظاهره كونه مانعاً في جميع الأعصار، و لا اختصاص له بزمان حضور الإمام (عليه السّلام) الرابع: قال في كشف اللثام: «المراد بالحدّ أي في هذه المسألة حدّ حقوق اللّٰه، فأمّا ما كان من حقوق الناس فلا يسقط إلّا بإسقاط صاحب الحقّ، و سيأتي في حدّ القذف أنّه لا يسقط إلّا بالبيّنة، أو إقرار المقذوف، أو عفوه، أو اللعان، و في حدّ السرقة أنّه لا يسقط بالتوبة بعد الإقرار» «1» و لعلّ وجه التخصيص رواية ضريس الكناسي المتقدّمة الظاهرة في التفصيل، مع أنّ الظاهر أنّ التفصيل الواقع فيها إنّما هو في الحدود بالإضافة إلى عفو غير الإمام، و أمّا بالإضافة إلى الإمام، الذي هو مورد

______________________________

(1) كشف اللثام: 2/ 395.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 113

[مسألة 7: لو حملت المرأة التي لا بعل لها لم تحد]

مسألة 7: لو حملت المرأة التي لا بعل لها لم تحد إلّا مع الإقرار بالزنا أربعاً، أو تقوم البيّنة على ذلك، و ليس على أحد سؤالها و لا التفتيش عن الواقعة (1).

______________________________

البحث في المقام فلم يقع في الرواية تفصيل أصلًا نعم، لو قام الدليل على عدم جريان العفو في بعض الموارد كالسرقة التي يأتي البحث فيها من هذه الجهة، يكون ذلك تخصيصاً للعمومات الواردة في المقام، فالحقّ عدم اختلاف النصوص مع الفتاوى و جريان الحكم في جميع الحدود، من دون فرق بين حدّ حقوق اللّٰه و حدّ حقوق الناس أصلًا، كما لا يخفى

(1) المخالف في هذه المسألة على ما يظهر من الخلاف «1» هو مالك «2» حيث أوجب عليها الحدّ، و الوجه في عدم ثبوته عدم انحصار سبب الحمل بالزنا، فإنّه يمكن أن يكون مسبّباً عن وطء الشبهة، أو عن الإكراه، كما أنّه يمكن أن يتحقّق بدون الوطء، كما إذا جذب الرحم المنيّ الموجود في خارجه، كما يتّفق في الحمام و غيره. و بهذا الاحتمال الأخير يجاب عمّا يمكن أن يستدلّ به لقول المخالف، من أنّ ظاهر الفعل صدوره عن اختيار، من دون شبهة و إكراه، فإنّه على تقدير تسليم هذا الظهور فإنّما هو فيما إذا أُحرز تحقّق الفعل، مع أنّه هنا يجري احتمال عدم تحقّق الفعل أصلًا، فلا مجال لهذا الاستدلال و أمّا عدم وجوب السؤال عنها و التفتيش عن حالها، فلأنّه لا دليل على ثبوت هذه الوظيفة، خلافاً لما حكي عن المبسوط «3» من اللزوم، بل يمكن أن يقال بعدم الجواز، فتدبّر.

______________________________

(1) الخلاف: 5/ 374 مسألة 0 (1).

(2) المدوّنة الكبرى: 6/ 209، أسهل

المدارك: 2/ 264.

(3) المبسوط: 8/ 7- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 114

[مسألة 8: لو أقرّ أربعاً أنّه زنى بامرأة حدَّ دونها]

مسألة 8: لو أقرّ أربعاً أنّه زنى بامرأة حدَّ دونها و إن صرّح بأنّه طاوعته على الزنا، و كذا لو أقرّت أربعاً بأنّه زنى بي و أنا طاوعته حدّت دونه، و لو ادّعى أربعاً أنّه وطئ امرأة و لم يعترف بالزنا لا يثبت عليه حدّ و إن ثبت أنّ المرأة لم تكن زوجته، و لو ادّعى في الفرض أنّها زوجته و أنكرت هي الوطء و الزوجية لم يثبت عليه حدّ و لا مهر، و لو ادّعت أنّه أكرهها على الزنا أو تشبَّه عليها فلا حدّ على أحد منهما (1)

[مسألة 9: يثبت الزنا بالبيّنة]

مسألة 9: يثبت الزنا بالبيّنة، و يعتبر أن لا تكون أقلّ من أربعة رجال أو ثلاثة رجال و امرأتين، و لا تقبل شهادة النساء منفردات، و لا شهادة رجل و ستّ نساء فيه، و لا شهادة رجلين و أربع نساء في الرجم، و يثبت بها الحدّ دون الرجم على الأقوى، و لو شهد ما دون الأربعة و ما في حكمها لم يثبت الحدّ رجماً

______________________________

(1) الوجه في ثبوت الحدّ في الفرضين الأوّلين تحقّق الإقرار بشرائطه بالإضافة إلى المقرّ التي من جملتها كون المقرّ به هو الزنا، كما أنّ الوجه في عدم ثبوته بالإضافة إلى الطرف الآخر عدم نفوذ الإقرار بالنسبة إلى غير المقرّ كما أنّ الوجه في عدم الثبوت في الفرض الثالث عدم تعلّق الإقرار بالزنا، بل بالوطء، و ثبوت كون المرأة غير زوجته لا يجدي في تحقّق الزنا أصلًا، و الوجه في عدم ثبوت الحدّ و المهر في الفرض الرابع عدم تحقّق الإقرار بالزنا حتّى يترتّب عليه الحدّ، و عدم ثبوت الزوجيّة و الوطء حتّى يترتّب عليهما المهر، و أمّا الفرض الأخير فالوجه في عدم ثبوت

الحدّ عليها دعواها الإكراه، أو الاشتباه، و قد مرّ أنّها دارئة للحدّ، و في عدم ثبوت الحدّ عليه عدم ثبوت الزنا بالنسبة إليه، و إقرارها لا يجدي بالإضافة إليه أصلًا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 115

و لا جلداً، بل حدّوا للفرية (1).

______________________________

(1) أمّا ثبوت الزنا بالبيّنة فيدلّ عليه مضافاً إلى عموم أدلّة حجيّة البيّنة في الموضوعات الخارجيّة الكتاب و السنّة المستفيضة، كما سيأتي البحث عنهما و أمّا ثبوته بشهادة أربعة رجال، فمضافاً إلى اتّفاق علماء الفريقين عليه، يدلّ عليه من الكتاب قوله تعالى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً وَ لٰا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهٰادَةً أَبَداً وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ «1».

و كذا قوله تعالى لَوْ لٰا جٰاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدٰاءِ فَأُولٰئِكَ عِنْدَ اللّٰهِ هُمُ الْكٰاذِبُونَ «2». و الآيتان و إن كانتا في مورد الرمي و القذف، إلّا أنّ ظهورهما في ثبوت المقذوف به بأربعة شهداء ممّا لا خفاء فيه و أمّا قوله تعالى وَ اللّٰاتِي يَأْتِينَ الْفٰاحِشَةَ مِنْ نِسٰائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتّٰى يَتَوَفّٰاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ الهُٰ لَهُنَّ سَبِيلًا «3» فغير ظاهر في كون المراد بالفاحشة هو الزنا، أو أعم منه حتّى يدلّ على ثبوته بشهادة أربعة من الرجال، و يكون منسوخاً بآية الجلد المشهورة، و إن قيل ذلك؛ لاحتمال كون المراد من الفاحشة هي المساحقة، و يؤيّده التعرّض لخصوص النساء، مع أنّ الزنا قد يكون من طرف المرأة، و قد يكون من طرف الرجل، و قد يكون من ناحيتهما، فلو كان المراد هو الزنا لكان ينبغي التعرّض لكلّ من الرجل و المرأة كما في

آية الجلد، كما أنّ الظاهر أنّ قوله تعالى بعد ذلك وَ الَّذٰانِ يَأْتِيٰانِهٰا مِنْكُمْ فَآذُوهُمٰا فَإِنْ تٰابٰا وَ أَصْلَحٰا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمٰا إِنَّ اللّٰهَ

______________________________

(1) سورة النور 24: 4.

(2) سورة النور 24: 13.

(3) سورة النساء 4: 15.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 116

..........

______________________________

كٰانَ تَوّٰاباً رَحِيماً «1» وارد في مورد اللواط، لظهور التثنية في كونها تثنية المذكّر، و الفاحشة المأتية بينهما لا يكون غير اللواط و أمّا السنّة، فيدلّ عليه منها الروايات الآتية، فلا إشكال في هذه الجهة و أمّا ثبوت الزنا بشهادة النساء في الجملة، فالمشهور شهرة عظيمة هو الثبوت، و المحكيّ عن المفيد «2» و العماني «3» و الديلمي «4» هو العدم، نظراً إلى ظاهر الكتاب، و إلى صحيحة جميل بن درّاج و محمّد بن حمران، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلنا: أ تجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال: في القتل وحده، إنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يقول: لا يبطل دم امرئ مسلم «5» و رواية غياث بن إبراهيم، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السّلام) قال: لا تجوز شهادة النساء في الحدود، و لا في القود «6» و مثلها رواية موسى بن إسماعيل ابن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ (عليهم السّلام) «7» و رواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السّلام) أنّه كان يقول: شهادة النساء لا تجوز في طلاق، و لا نكاح، و لا في حدود، إلّا في الديون و ما لا يستطيع الرجال النظر إليه «8».

______________________________

(1) سورة النساء 4: 16.

(2) المقنعة: 775.

(3) حكى عنه في مختلف الشيعة: 8/ 485.

(4) المراسم: 254 255.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 258، كتاب الشهادات ب 24

ح 1.

(6) وسائل الشيعة: 18/ 264، كتاب الشهادات ب 24 ح 29 و 30.

(7) وسائل الشيعة: 18/ 264، كتاب الشهادات ب 24 ح 29 و 30.

(8) وسائل الشيعة: 18/ 267، كتاب الشهادات ب 24 ح 42.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 117

..........

______________________________

و لكن في مقابل ذلك روايات مستفيضة تدلّ على جواز شهادة ثلاثة رجال و امرأتين و ثبوت الزنا بها رجماً و جلداً، كصحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال، و لا يجوز في الرجم شهادة رجلين و أربع نسوة، و يجوز في ذلك ثلاثة رجال و امرأتان؛ و قال: تجوز شهادة النساء وحدهنّ بلا رجال في كلّ ما لا يجوز للرجال النظر إليه، و تجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس «1» و صحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن شهادة النساء تجوز في النكاح؟ قال: نعم، و لا تجوز في الطلاق، قال: و قال عليّ (عليه السّلام): تجوز شهادة النساء في الرجم إذا كان ثلاثة رجال و امرأتان، و إذا كان أربع نسوة و رجلان فلا يجوز الرجم، قلت: تجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم؟ قال: لا «2» و إذا كانت شهادة ثلاثة رجال و امرأتين جائزة في الرجم ففي الجلد بطريق أولى، و لا أقلّ من إلغاء الخصوصية و رواية عبد الرحمن قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المرأة يحضرها الموت و ليس عندها إلّا امرأة تجوز شهادتها؟ قال: تجوز شهادة النساء في العذرة و المنفوس، و قال: تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال «3» و مقتضاها الجواز في الرجم

و الجلد و رواية أبي بصير قال: سألته عن شهادة النساء، فقال: تجوز شهادة النساء وحدهنّ على ما لا يستطيع الرجال النظر (ينظرون خ ل) إليه، و تجوز شهادة النساء في النكاح إذا كان معهنّ رجل، و لا تجوز في الطلاق، و لا في الدم، غير أنّها تجوز شهادتها في

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 260، كتاب الشهادات ب 24 ح 10.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 260، كتاب الشهادات ب 24 ح 11.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 262، كتاب الشهادات ب 24 ح 21.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 118

..........

______________________________

حدّ الزنا إذا كان ثلاثة رجال و امرأتان، و لا تجوز شهادة رجلين و أربع نسوة «1» و غير ذلك من الروايات المتعدّدة الدالّة على ذلك نعم، هنا رواية واحدة تدلّ على خلاف ما ذكر، و هي صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إذا شهد ثلاثة رجال و امرأتان لم يجز في الرجم، و لا تجوز شهادة النساء في القتل «2» و لكن حملها الشيخ على التقيّة «3» و هو الظاهر و كيف كان، فهذه الرواية بالإضافة إلى ظاهر الكتاب إمّا غير منافية له لعدم دلالته على الحصر، و إمّا حاكمة عليه، نظراً إلى ظهورها في كون المرأتين بمنزلة الرجل الواحد و أمّا بالإضافة إلى الروايات المتقدّمة، فإمّا مقيّدة لإطلاقها، نظراً إلى دلالتها على عدم جواز شهادة النساء، و دلالة هذه على الجواز مع الرجال، و إمّا مخصّصة لعمومها، نظراً إلى دلالتها على عدم جوازها في الحدود، و هذه تدلّ على جوازها في حدّ الزنا إذا شهد ثلاثة رجال و امرأتان، فلا منافاة بينهما أصلًا، فانقدح أنّ جواز الشهادة المذكورة

في الزنا رجماً و جلداً ممّا لا مجال للإشكال فيه أصلًا و أمّا الرجلان و أربع نساء، فالمنسوب إلى المشهور أنّه يثبت بشهادتهم الجلد دون الرجم كما في المتن، و المحكيّ عن الصدوقين «4» و القاضي «5» و الحلبي «6» و العلّامة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 258، كتاب الشهادات ب 24 ح 4.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 264، كتاب الشهادات ب 24 ح 28.

(3) الإستبصار: 3/ 24.

(4) المقنع: 402 و حكى في مختلف الشيعة: 8/ 489 عن عليّ بن بابويه.

(5) المهذّب: 2/ 526 558.

(6) الكافي في الفقه: 436 438.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 119

..........

______________________________

في بعض كتبه «1» عدم الثبوت مطلقاً، و عن الشيخ في الخلاف «2» ثبوت الرجم به، و ظاهره ثبوت الجلد أيضاً و يدلّ على عدم ثبوت الرجم بها بعض الروايات المتقدّمة، كصحيحتي عبد اللّٰه ابن سنان، و زرارة المتقدّمتين، و من المعلوم أنّه لا ملازمة بين عدم الرجم و بين عدم الجلد، و لا مجال لإلغاء الخصوصية، و على ثبوت الجلد بها موثّقة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، أنّه سئل عن رجل محصن فجر بامرأة فشهد عليه ثلاثة رجال و امرأتان وجب عليه الرجم، و إن شهد عليه رجلان و أربع نسوة فلا تجوز شهادتهم و لا يرجم، و لكن يضرب حدّ الزاني «3» و من المعلوم أنّه لا خصوصية للإحصان و في مقابلها رواية محمّد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) قلت له: تجوز شهادة النساء في نكاح، أو طلاق، أو رجم؟ قال: تجوز شهادة النساء فيما لا تستطيع الرجال أن ينظروا إليه و ليس معهنّ رجل، و تجوز شهادتهنّ في النكاح

إذا كان معهنّ رجل، و تجوز شهادتهنّ في حدّ الزنا إذا كان ثلاثة رجال و امرأتان، و لا تجوز شهادة رجلين و أربع نسوة في الزنا و الرجم، و لا تجوز شهادتهنّ في الطلاق، و لا في الدم «4» و لكنّها كما في الجواهر غير واضحة الدلالة، لاحتمال إرادة تفسير الزنا بقوله (عليه السّلام): «و الرجم» «5» و يؤيّده أنّه لا مناسبة بين الرجم و الزنا من جهة

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 8/ 489 490.

(2) الخلاف: 6/ 251 مسألة 2.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 401، أبواب حدّ الزنا ب 30 ح 1.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 259، كتاب الشهادات ب 24 ح 7.

(5) جواهر الكلام: 41/ 297 298.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 120

..........

______________________________

العطف، فإنّ الزنا قد يكون سبباً للرجم، هذا مع موافقة الموثّقة للشهرة المحكيّة بل المحصّلة فتدبّر، فالظّاهر حينئذٍ ما هو المشهور بقي الكلام في هذه المسألة فيما لو شهد على الزنا ما دون الأربعة، و من في حكمها، و الظاهر كما في المتن أنّه لا يثبت الزنا، و يحدّ كلّ منهم حدّ القذف للفرية، للآيتين المتقدّمتين في أوّل المسألة، و هما قوله تعالى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً «1».

و قوله تعالى لَوْ لٰا جٰاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدٰاءِ فَأُولٰئِكَ عِنْدَ اللّٰهِ هُمُ الْكٰاذِبُونَ «2»، و موردهما و إن كان رمي غير الشهود، إلّا أنّ المستفاد منهما أنّ اللازم في باب الزنا أمّا إثباته بحيث يترتّب عليه الحدّ على الزاني، و إمّا كذب الرامي شاهداً كان أو غيره، و يترتّب عليه حدّ القذف للفرية و لرواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن

عليّ (عليهم السّلام) في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا، فقال عليّ (عليه السّلام) أين الرابع؟ قالوا: الآن يجي ء، فقال علي (عليه السّلام): حدّوهم، فليس في الحدود نظر ساعة «3» و إذا كان تأخير الرابع موجباً لثبوت الحدّ على الباقين، ففيما إذا لم يكن هناك رابع بطريق أولى و رواية عباد البصري قال سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا و قالوا: الآن نأتي بالرابع؟ قال: يجلدون حدّ القاذف ثمانين جلدة كلّ رجل منهم «4».

______________________________

(1) سورة النور 24: 4.

(2) سورة النور 24: 13.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 372، أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 8.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 373، أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 121

[مسألة 10: لا بدّ في شهادة الشهود على الزنا من التصريح أو نحوه على مشاهدة الولوج في الفرج]

مسألة 10: لا بدّ في شهادة الشهود على الزنا من التصريح أو نحوه على مشاهدة الولوج في الفرج كالميل في المكحلة، أو الإخراج منه من غير عقد و لا ملك و لا شبهة و لا إكراه، و هل يكفي أن يقولوا: لا نعلم بينهما سبباً للتحليل؟ قيل: نعم، و الأشبه لا، و في كفاية الشهادة مع اليقين و إن لم يبصر به وجه لا يخلو من شبهة في المقام (1).

______________________________

و صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): لا يجلد رجل و لا امرأة حتّى يشهد عليهما أربعة شهود على الإيلاج و الإخراج، و قال: لا أكون أوّل الشهود الأربعة أخشى الروعة أن ينكل بعضهم فأجلد «1»

(1) قد وقع الاختلاف في باب الشهادات أنّ مستند الشاهد في مقام تحمّل الشهادة و أدائها هل يلزم أن يكون خصوص المشاهدة بالمعنى الأعمّ

من الإبصار و السماع، أو يكفي مطلق العلم و لو كان من غير طريق المشاهدة، بل من طريق التواتر أو الخبر الواحد المحفوف بالقرينة، أو يكفي مثل البيّنة و الاستصحاب؟ وجوه، بل أقوال و لكنّ الظاهر أنّ المقام و هو باب الزنا له خصوصية في باب الشهادة، نظراً إلى الروايات الكثيرة الظاهرة في ذلك:

منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: حدّ الرجم أن يشهد أربع أنّهم رأوه يُدخل و يُخرج «2» و منها: رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: حدّ الرجم في الزنا أن يشهد

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 373، أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 11.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 371، أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 122

..........

______________________________

أربعة أنّهم رأوه يُدخل و يُخرج «1» و منها: صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة آنفاً، و ظهورها في اعتبار المشاهدة و الرؤية إنّما هو باعتبار ذكر الإيلاج و الإخراج، و هو لا يناسب إلّا مع المشاهدة، كما لا يخفى و لكن هنا شي ء، و هو أنّ الروايات الدالّة على اعتبار الرؤية واردة في الرجم، و صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة و إن كانت مشتملة على ذكر الجلد، إلّا أنّها قد نقلها الكليني مع ذكر الرجم، و قد جعلها في الوسائل رواية أُخرى، مع أنّ الظاهر كونهما رواية واحدة، و عليه فهي مردّدة بين الرجم و الجلد، فلا دلالة لها على اعتبار المشاهدة في الجلد، و قد مرّ أنّ المجلسي (قدّس سرّه) بعد أن ذكر النصوص الدالّة على تمام الحدّ لاجتماع الرجلين، أو الرجل و المرأة في لحافٍ واحد و على الأنقص

منه، قال: و الأظهر في الجمع بين الأخبار مع قطع النظر عن الشهرة أن يؤخذ بالأخبار الدالّة على تمام الحدّ، بأن يقال: لا يشترط في ثبوت الجلد المعاينة كالميل في المكحلة، و تحمل الأخبار الدالّة على ذلك على اشتراطه في الرجم، كما هو الظاهر من أكثرها، و أمّا أخبار النقيصة فمحمولة على التقيّة «2» و قد مرّ أيضاً أنّ هذا الجمع مستبعد و إن كان يؤيّده بعض الروايات «3»:

كصحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: إذا قال الشاهد: إنّه قد جلس منها مجلس الرجل من امرأته أقيم عليه الحدّ «4» و رواية عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: حدّ الجلد في

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 372، أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 5.

(2) تقدّم في ص 76 77.

(3) تقدّم في ص 76 77.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 373، أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 123

..........

______________________________

الزنا أن يوجدا في لحافٍ واحد، و الرجلان يوجدان في لحافٍ واحد، و المرأتان توجدان في لحافٍ واحد «1» و لكن هنا رواية يستفاد منها التعميم، و هي صحيحة حريز، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: القاذف يجلد ثمانين جلدة و لا تقبل له شهادة أبداً إلّا بعد التوبة، أو يكذب نفسه، فإن شهد له ثلاثة و أبى واحد يجلد الثلاثة، و لا تقبل شهادتهم حتّى يقول أربعة: رأينا مثل الميل في المكحلة «2» فإنّ ظاهرها اعتبار الرؤية في مطلق الزنا، و لا مجال لاحتمال عدم كون الرواية في مقام البيان من هذه الجهة بعد التعرّض لبيان الخصوصيات ثمّ إنّ رواية زرارة المتقدّمة

آنفاً يجري فيها احتمالان، بعد ظهورها في كون الضمير راجعاً إلى المشهود عليه، و في كون المراد بالحدّ هو حدّ الزنا:

أحدهما: أن يكون قول الشاهد كناية عن تحقّق الزنا، بحيث كان جلوسه منها مجلس الرجل من زوجته كناية عن الإيلاج و الإخراج، و عليه لا تكون الرواية مؤيّدة لجمع المجلسي (قدّس سرّه)، بل ظاهرة في عدم اعتبار التصريح و نحوه بالزنا، و في كفاية التعبير الكنائي في مقام الشهادة بالزنا ثانيهما: أن يكون مرجع قول الشاهد إلى أنّ المقدار الذي تعلّقت به المشاهدة هو هذا المقدار، و هو جلوسه منها مجلس الرجل من زوجته من دون كون الإدخال مرئيّاً و لا متعلّقاً للشهادة، و عليه فتكون الرواية مؤيّدة للجمع المزبور و مع هذين الاحتمالين لا تكون الرواية ظاهرة في واحد منهما.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 364، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 4.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 433، أبواب حدّ القذف ب 2 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 124

..........

______________________________

و كيف كان، فالظاهر بمقتضى عموم رواية حريز المتقدّمة خصوصاً مع اعتضاده بالفتاوى المتّفقة على ذلك عدا الشيخ (قدّس سرّه)، حيث حكي عنه احتمال عدم الاعتبار في الجلد، و عدم ظهور رواية زرارة في ذلك «1» أنّه لا محيص عن الحكم بالتعميم، خصوصاً مع ملاحظة الاستبعادات التي ذكرناها بالإضافة إلى الجمع المزبور نعم؛ هنا شي ء، و هو أنّه يحتمل أن يكون المراد من الرؤية في الروايات الدالّة على اعتبارها هو مطلق العلم من أيّ طريق حصل، و التعبير عنه بها إنّما هو لأجل كون الرؤية أحد طرق العلم و لكنّ الظاهر أنّ هذا الاحتمال بعيد، خصوصاً مع ملاحظة بناء الحدّ على التخفيف، و

رعاية الخصوصيّات التي اعتبرها الشارع في الشهادة على الزنا كمّاً و كيفاً بقي الكلام في أنّه لو قال الشاهد بعد الشهادة على المشاهدة: إنّه لا أعلم سبباً للتحليل بين الرجل و المرأة، و أنّه هل تكفي هذه الشهادة كما صرّح بها المحقّق في الشرائع «2» و العلّامة في القواعد «3» أو لا تكفي؟ فنقول:

إن كان ادّعاء عدم العلم بذلك من الشاهد مجتمعاً مع احتمال الزوجية بينهما، فالظاهر عدم الكفاية؛ لأنّه مع احتمالها و اعتبار عدمها في تحقّق الزنا و بناء الحدّ على التخفيف كيف يمكن الحكم بالكفاية و ترتّب آثار الزنا على الشهادة؟

و إن كان ادّعاؤه ذلك مقروناً بالعلم بعدم الزوجية، فربّما يقال كما في الجواهر: إنّ وجه الاكتفاء تحقّق صدق الزنا الذي هو مقتضٍ لترتّب الحدّ، و لم يعلم مسقطة من

______________________________

(1) الإستبصار: 4/ 218.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 935.

(3) قواعد الأحكام: 2/ 251.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 125

[مسألة 11: تكفي الشهادة على نحو الإطلاق]

مسألة 11: تكفي الشهادة على نحو الإطلاق بأن يشهد الشهود أنّه زنى و أولج كالميل في المكحلة، من غير ذكر زمان أو مكان أو غيرهما، لكن لو ذكروا الخصوصيّات و اختلف شهادتهم فيها، كأن شهد أحدهم بأنّه زنى يوم الجمعة و الآخر بأنّه يوم السبت، أو شهد بعضهم أنّه زنى في مكان كذا و الآخر في مكان غيره، أو بفلانة و الآخر بغيرها، لم تسمع شهادتهم و لا يحد، و يحدّ الشهود للقذف. و لو ذكر بعضهم خصوصيّة و أطلق بعضهم فهل يكفي ذلك، أو لا بدّ مع ذكر أحدهم الخصوصيّة أن يذكرها الباقون؟ فيه إشكال و الأحوط لزومه (1).

______________________________

الشبهة و الإكراه مع عدم دعواهما «1» و لكن يدفعه المنع صغرى

و كبرى، أمّا الصغرى فلأنّ عدم الإكراه و الشبهة مأخوذ في ماهيّة الزنا و في أصل المقتضي، كما عرفت في تعريف الزنا في أوّل كتاب الحدود، و لا فرق بينه و بين عدم الزوجيّة من هذه الجهة أصلًا و أمّا الكبرى، فلعدم كفاية المقتضي مع الشكّ في وجود المانع و عدمه، لمنع اعتبار قاعدة المقتضي و المانع كما قد قرّر في محلّة. فالإنصاف عدم كفاية هذا القول و لزوم كون الشهادة مبنية على العلم بعدم وجود السبب المحلّل

(1) أمّا كفاية الشهادة على نحو الإطلاق من دون التعرّض للخصوصيّات، فيدلّ عليها مضافاً إلى أنّه لم يظهر من الأصحاب المخالفة في ذلك، و إن كان ربّما يشعر به كلام المحقّق في الشرائع، حيث قال: و لا بدّ من تواردهم على الفعل الواحد،

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 301.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 126

..........

______________________________

و الزمان الواحد، و المكان الواحد «1» و إن كان تفريع صورة الاختلاف في الخصوصيّات على ذلك ينفي هذا الإشعار، و مضافاً إلى كثير من الروايات المتقدّمة في المسألة السابقة، الظاهرة في ثبوت الزنا بمجرّد الشهادة على الرؤية، و إن لم تشتمل على ذكر الخصوصيّات أنّه حيث لا تكون الخصوصيّات معدودة و محصورة عرفاً؛ لعدم اختصاصها بمثل الزمان و المكان، فلا وجه للزوم التعرّض لها، و لا رجحان لبعضها على الآخر أصلًا و أمّا عدم قبول شهادتهم مع التعرّض للخصوصيّات و اختلافهم فيها، كما في الأمثلة المذكورة في المتن، فلأنّ الاختلاف موجب لعدم اتّفاقهم على أمرٍ واحد، و في الحقيقة الزنا يوم الجمعة في المثال الذي هو مصداق من الماهية لم يشهد عليه أربعة، لأنّ شهادة البعض إنّما هي على الزنا

يوم السبت، و لا مجال لدعوى توارد الشهادات على أصل الزنا، فهو كما لو شهد شاهد ببيع زيد ماله من عمرو، و الآخر ببيعه من بكر، و من الواضح عدم القبول و أمّا لو ذكر بعضهم خصوصيّة و أطلق البعض، أو تعرّض لعدم الاطّلاع على تلك الخصوصيّة، فهل يكفي، أو لا بدّ مع تعرض واحد لها من أن يتعرّض لها الباقون؟ فالمسألة مشكلة وجه الإشكال ما أفاده الشهيد الثاني «2» و بعض من تبعه من خلوّ النصوص و كلام المتقدّمين عن الاشتراط المزبور، بل في محكي المسالك أنّ عدمه هو المعتمد «3» و لكن ورد في المقام موثّقة عمّار الساباطي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 935.

(2) الروضة البهية: 9/ 52.

(3) مسالك الأفهام: 14/ 354.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 127

..........

______________________________

يشهد عليه ثلاثة رجال أنّه قد زنى بفلانة، و يشهد الرابع أنّه لا يدري بمن زنى، قال: لا يحدّ و لا يرجم «1» و ذكر في الرياض: أنّ الموثّقة ظاهرة في الاشتراط في بعض الأفراد، و يتمّ في غيره بعدم القائل بالفرق من الأصحاب «2» و ذكر صاحب الجواهر بعد نقل ما في الرياض: «لا إجماع مركّب تسكن إليه النفس على عدم الاجتزاء بالشهادة على معاينة الإدخال و الإخراج على وجه الزنا من غير تعرّض للزمان و المكان، و لا على ما إذا تعرّض بعض و أطلق الآخر على وجه لم يعلم عدم شهادته بها، فالمتّجه الاقتصار في الموثّق على مورده» «3» أقول: أمّا صورة الإطلاق في كلام صاحب الجواهر، فهي خارجة عن مفروض المقام؛ لأنّ الكلام في خصوص ما إذا تعرّض البعض للخصوصيّة.

و أمّا الاقتصار في الموثّقة على خصوص موردها، فيدفعه إلغاء الخصوصيّة بنظر العرف، فإنّه إذا شهد ثلاثة بوقوع الزنا في يوم الجمعة، و شهد الرابع بأنّه لا يعلم بوقوعها في ذلك اليوم، بل بأصل الوقوع، فهل لا يستفاد حكمه من الموثّقة عرفاً، و هل يخطر ببالهم في معنى الرواية الاختصاص بالمورد؟ الظاهر هو العدم. فالإنصاف أنّ تعميم حكم الموثّقة و ادّعاء عدم الفرق بين الخصوصيّات لا يحتاج إلى وجود الإجماع المركّب حتّى يناقش فيه، بل يتمّ من طريق إلغاء الخصوصيّة عند العرف و أمّا ما أفاده الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) بعد نقل الموثّقة، من الحمل على ما لو لم يشهد الرابع بالزنا، بل أظهر الشكّ فيه «4» فيمكن الإيراد عليه بأنّه لا وجه لهذا الحمل

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 372، أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 6.

(2) رياض المسائل: 10/ 34.

(3) جواهر الكلام: 41/ 302.

(4) الإستبصار: 4/ 218.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 128

[مسألة 12: لو حضر بعض الشهود و شهد بالزنا في غيبة بعض آخر حدّ من شهد للفرية]

مسألة 12: لو حضر بعض الشهود و شهد بالزنا في غيبة بعض آخر حدّ من شهد للفرية، و لم ينتظر مجي ء البقيّة لإتمام البيّنة، فلو شهد ثلاثة منهم على الزنا و قالوا: «لنا رابع سيجي ء» حدُّوا. نعم، لا يجب أن يكونوا حاضرين دفعة، فلو شهد واحد و جاء الآخر بلا فصل فشهد و هكذا ثبت الزنا و لا حدّ على الشهود، و لا يعتبر تواطؤهم على الشهادة، فلو شهد الأربعة بلا علم منهم بشهادة السائرين تمّ النصاب و ثبت الزنا، و لو شهد بعضهم بعد حضورهم جميعاً للشهادة و نكل بعض يحدّ من شهد للفرية (1).

______________________________

بعد انحصار الرواية في المقام بالموثّقة، و عدم وجود دليل في مقابلها

يقتضي حمل الرواية على ما ذكر، و من الواضح كون الحمل المزبور خلاف الظاهر جدّاً نعم، يمكن أن يقال: بأنّ مقتضى إلغاء الخصوصيّة تعميم الحكم بالإضافة إلى جميع الخصوصيّات فيما لو تعرّض البعض لنفي العلم بالخصوصيّة المذكورة في شهادة الآخر، كما في مورد الرواية، و أمّا لو أطلق البعض بحيث لم يتعرض للخصوصيّة أصلًا كما هو أحد فرضي المسألة فلا مجال لإلغاء الخصوصيّة بالإضافة إليه أيضاً، فإذا شهد الثلاثة بأنّه زنى بفلانة و شهد الرابع بأنّه زنى و لم يتعرّض للخصوصيّة أصلًا، فيمكن أن يقال بعدم جريان الحكم المذكور في الموثّقة فيه كما لا يخفى. و قد انقدح من جميع ما ذكرنا وجه الاحتياط اللزومي في المتن بعد الاستشكال في المسألة

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: لو حضر بعض الشهود و شهد بالزنا في غيبة بعض آخر، ففي المتن: حدّ من شهد للفرية، و قال في الجواهر: «بلا خلاف محقّق أجده فيه إلّا ما يحكى عن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 129

..........

______________________________

جامع ابن سعيد «1» و هو شاذّ» «2» و لكن ذكر الشيخ (قدّس سرّه) في الخلاف: «إذا تكامل شهود الزنا فقد ثبت الحكم بشهادتهم، سواء شهدوا في مجلس واحد أو في مجالس، و شهادتهم متفرّقين أحوط، و به قال الشافعي «3» و قال أبو حنيفة: إن كانوا شهدوا في مجلس واحد ثبت الحدّ بشهادتهم، و إن كانوا شهدوا في مجالس فهم قذفة يحدّون» «4»، «5» فإنّ المترائى منه أنّ الفصل بين الشهادات و تفريقها على المجالس غير قادح، بل يكون مقتضى الاحتياط، و لكنّ العلّامة في محكيّ المختلف نزّله على تفرّقهم بعد اجتماعهم لإقامة الشهادة دفعة «6» نظراً إلى

أنّ الحكم المذكور هو المذهب عندنا، و عليه فالمخالف هو ابن سعيد فقط. هذا بالنظر إلى الفتاوى و أمّا بالنظر إلى الروايات فالواردة منها في المقام روايتان:

إحداهما: رواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السّلام) في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا، فقال عليّ (عليه السّلام): أين الرابع؟ قالوا: الآن يجي ء، فقال عليّ (عليه السّلام): حدّوهم، فليس في الحدود نظر ساعة «7» ثانيتهما: رواية عباد البصري قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا و قالوا: الآن نأتي بالرابع، قال: يجلدون حدّ القاذف ثمانين جلدة كلّ

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 548.

(2) جواهر الكلام: 41/ 304.

(3) الأُمّ: 5/ 297، مختصر المزني: 261، المغني لابن قدامة: 10/ 178 179.

(4) بدائع الصنائع: 5/ 510، المغني لابن قدامة: 10/ 178- 179.

(5) الخلاف: 5/ 388 مسألة 31.

(6) مختلف الشيعة: 9/ 185 مسألة 42.

(7) وسائل الشيعة: 18/ 372، أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 130

..........

______________________________

رجل منهم «1» و ضعف هذين الخبرين منجبر باستناد المشهور إليهما و الفتوى على طبقهما، مع أنّ بناء الأصحاب على العمل بروايات السكوني و المناقشة في دلالتهما باعتبار ظهورهما في إجراء حدّ القذف بمجرّد الشهادة، مع أنّه حقّ للمقذوف، و يتوقّف جريانه على مطالبته مدفوعة، بمنع ظهورهما في ذلك، غاية الأمر عدم التعرّض، و هو لا يدلّ على عدم التحقّق، فالإنصاف أنّه لا إشكال في هذا الفرع بوجه الثاني: أنّه هل يجب أن يكون الشهود حاضرين دفعة أو لا يجب؟ المحكيّ عن العلّامة في القواعد و ولده في الإيضاح هو الأوّل «2»، و أنّه يجب حضورهم قبل الشهادة للإقامة، فلو تفرّقوا في الحضور

حدّوا و إن اجتمعوا في الإقامة. و لكن يرد عليه أنّه لا دليل على اعتبار ذلك، و الحكم بثبوت حدّ القذف في الروايتين المذكورتين في الفرع الأوّل إنّما هو لأجل تحقّق التراخي و الفصل بين الشهادات، لا لعدم حضور الشهود دفعة، و عليه فلو لم يتحقّق الحضور كذلك بأن حضروا متفرّقين ثمّ أقاموا الشهادة دفعة يكفي، بل لا يعتبر إقامة الشهادة دفعة، فلو شهد واحد و جاء الآخر بلا فصل فشهد و هكذا يثبت الزنا، و لا حدّ على الشهود بوجه، بل كما في المتن لا يعتبر تواطؤهم و علم كلّ واحد منهم بشهادة الآخر، فلو فرض شهادة الجميع في مجلس واحد مع عدم العلم منهم بما عند الآخر يكفي ذلك في ثبوت الزنا، لتحقّق شهادة الأربعة مع عدم التراخي و الفصل بينها.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 373، أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 9.

(2) قواعد الأحكام: 2/ 251، إيضاح الفوائد: 4/ 475 476.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 131

..........

______________________________

الثالث: لو حضروا للشهادة فشهد بعض و نكل الآخر، حدّ الشاهد للقذف، و عن الخلاف الإجماع عليه «1» و يدلّ عليه مضافاً إلى فحوى الخبرين المتقدّمين في الفرع الأوّل صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قال: لا أكون أوّل الشهود الأربعة في الزنا أخشى أن ينكل بعضهم فأُجلد «2» و المراد بالأوّل ما يقابل الآخر، فيشمل الثاني و الثالث أيضاً و صحيحة حريز، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: القاذف يجلد ثمانين جلدة و لا تقبل له شهادة أبداً إلّا بعد التوبة أو يكذّب نفسه، فإن شهد له ثلاثة و أبى واحد يجلد الثلاثة، و لا تقبل شهادتهم

حتّى يقول أربعة: رأينا مثل الميل في المكحلة «3» و مع صراحة النصّ في هذا الفرع لا مجال لما في المختلف من الاستدلال على عدم وجوب حدّ الشاهد مع نكول البعض، بأنّه يؤدّي ذلك إلى امتناع الشهود عن إقامتها، لأنّ تجويز أن يترك أحدهم الشهادة يقتضي تجويز إيقاع الحدّ عليه، فيمتنع من أدائها، و لأنّ أصحابنا نصّوا على أنّه لو شهد أربعة فردّت شهادة واحد منهم بأمر خفيّ لا يقف عليه إلّا الآحاد، يقام على المردود الشهادة الحدّ دون الثلاثة؛ لأنّهم غير مفرّطين في إقامتها، فإنّ أحداً لا يقف على بواطن الناس، فكان عذراً في إقامتها، فلهذا لا حدّ، و ما ذكرناه من الأمور الباطنة «4» و كذا لا مجال لما ربّما يقال: من أنّ الغرض من الشهادة الإحسان، و عدم تحقّق المنكر بإجراء الحدّ على المرتكب، و قد قال اللّٰه تعالى:

______________________________

(1) الخلاف: 5/ 389 مسألة 32.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 446، أبواب حدّ القذف ب 12 ح 2، و في الكافي ج 7/ 210 ح 2: قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام).

(3) وسائل الشيعة: 18/ 433، أبواب حدّ القذف ب 2 ح 5.

(4) مختلف الشيعة: 9/ 143 144.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 132

[مسألة 13: لو شهد أربعة بالزنا و كانوا غير مرضيين كلّهم أو بعضهم كالفسّاق حدّوا للقذف]

مسألة 13: لو شهد أربعة بالزنا و كانوا غير مرضيين كلّهم أو بعضهم كالفسّاق حدّوا للقذف. و قيل: إن كان ردّ الشهادة لأمرٍ ظاهر كالعمى و الفسق الظاهر حدّوا، و إن كان الردّ لأمر خفيّ كالفسق الخفي لا يحدّ إلّا المردود، و لو كان الشهود مستورين و لم يثبت عدالتهم و لا فسقهم فلا حدّ عليهم، للشبهة (1).

______________________________

مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ «1» فإنّ ذلك كلّه اجتهاد

في مقابل النصّ، مع أنّ بناء الحدود على التخفيف، و اهتمام الشارع بحفظ الأعراض و عدم هتكها يوجب التضييق المذكور. فالإنصاف ثبوت حدّ القذف مع نكول البعض بالإضافة إلى من شهد

(1) في هذه المسألة فرعان:

الأوّل: ما لو كان الشهود كلّاً أو بعضاً غير مرضيّين، كما إذا كانوا فسّاقاً، و قد اختار في المتن ثبوت حدّ القذف عليهم مطلقاً، و التفصيل المذكور فيه محكيّ عن الخلاف «2» و المبسوط «3» و السرائر «4» و الجامع «5» و التحرير «6» و هو الذي أشار إليه العلّامة في المختلف في عبارته المتقدّمة آنفاً. و وجهه أنّه مع استناد الردّ إلى أمر خفيّ لا مجال لثبوت حدّ القذف على الشاهد غير المطّلع على ذلك الأمر، و قد قال اللّٰه تعالى وَ لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ «7»

______________________________

(1) سورة التوبة 9: 91.

(2) الخلاف: 5/ 391 مسألة 33.

(3) المبسوط: 8/ 9، و لكن قال: «لا حدّ لمردود الشهادة أيضاً».

(4) السرائر: 3/ 435.

(5) الجامع للشرائع: 547 548.

(6) تحرير الأحكام: 2/ 221، و لكن لم يذكر التفصيل.

(7) سورة الأنعام 6: 164.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 133

..........

______________________________

هذا، و الظّاهر هو مختار المتن؛ لأنّ المستفاد من الروايات التي تقدّم بعضها ثبوت الملازمة بين عدم إثبات شهادة الزنا، و بين ثبوت حدّ القذف على الشهود، فلا يرى العرف فرقاً بين ما إذا كان ردّ الشهادة مستنداً إلى عدم وجود الشاهد الرابع، كما في بعض الروايات المتقدّمة، و بين ما إذا كان لأجل فسق بعض الشهود و إن كان مخفيّاً، أو لأجل الخلل في كيفيّة إقامة الشهادة كما في الأعمى، و عدم ثبوت التفريط لا يجدي في عدم ثبوت حدّ الزنا،

خصوصاً مع ما عرفت من ثبوته في صورة النكول الذي هو أمر مخفيّ عادة، و لعلّ الناكل أيضاً لم يكن عالماً بنكوله حين إقامة الشهادة، و مع أنّه يمكن في المقام استفسار الحال من الحاكم قبل أداء الشهادة، و أنّه على تقدير شهادتهم هل تكون مقبولة أم لا، كما لا يخفى الثاني: ما لو كان الشهود مستورين و لم يثبت عدالتهم و لا فسقهم بعد الفحص و التحقيق، و قد اختار في المتن عدم ثبوت حدّ القذف عليهم، نظراً إلى أنّ الحدود تدرأ بالشُّبهات، فلا يثبت بشهادتهم الزنا، و لا يترتّب عليها ثبوت حدّ القذف، و لا يخفى أنّ هذا المعنى لا ينافي الملازمة التي ذكرناها، فإنّ موردها ما إذا كان هناك نقص في الشهادة، و في المقام لم يحرز النقص بوجه نعم، وردت في المقام رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في أربعة شهدوا على رجل بالزنا فلم يعدَّلوا، قال: يضربون الحدّ «1» و الرواية مخدوشة من حيث السند، لاشتمالها على عليّ بن أبي حمزة البطائني الواقفي، مع أنّه يمكن أن يكون المراد من قوله (عليه السّلام): «فلم يعدَّلوا» هو الحكم بفسق الشهود.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 446، أبواب حدّ القذف ب 12 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 134

[مسألة 14: تقبل شهادة الأربعة على الاثنين فما زاد]

مسألة 14: تقبل شهادة الأربعة على الاثنين فما زاد، فلو قالوا: إنّ فلاناً و فلاناً زنيا قبل منهم و جرى عليهما الحدّ (1)

[مسألة 15: إذا كملت الشهادة ثبت الحدّ]

مسألة 15: إذا كملت الشهادة ثبت الحدّ، و لا يسقط بتصديق المشهود عليه مرّة أو مرّات دون الأربع، خلافاً لبعض أهل الخلاف، و كذا لا يسقط بتكذيبه 2.

______________________________

(1) وجه القبول تحقّق الشهادة مع الشرائط المعتبرة بالإضافة إلى الاثنين فما زاد، مضافاً إلى أنّ كثيراً من الشهادات إنّما هو على الاثنين من جهة وقوعه على زنا الرجل و المرأة معاً، و يترتّب عليه الحدّ عليهما، و يشهد له أيضاً رواية عبد اللّٰه بن جذاعة قال: سألته عن أربعة نفر شهدوا على رجلين و امرأتين بالزنا، قال: يرجمون «1».

(2) أمّا عدم سقوط الحدّ الثابت بالشهادة بتكذيب المشهود عليه، فالوجه فيه واضح، و لا خلاف فيه حتّى من العامّة. و أمّا عدم سقوطه بتصديق المشهود عليه فقد خالف فيه أبو حنيفة، حيث قال: إنّه لا يقام عليه الحدّ، لأنّه يسقط حكم الشهادة مع الاعتراف، و بالاعتراف دفعة لا يقام عليه الحدّ «2» و مراده من الدفعة ما دون الأربع؛ لأنّه بالأربع يثبت الحدّ بسبب الإقرار، و لكن يرد عليه أنّه لا دليل على سقوط حكم الشهادة بالإقرار، خصوصاً مع ملاحظة أنّه طريق إلى الفرار عن الحدّ، فإذا أراد الزاني الفرار عنه يعترف به بعد قيام البيّنة فيدرأ عنه الحدّ، بل الظاهر أنّه مع الإقرار أربعاً أيضاً لا يسقط الشهادة،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 372، أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 7.

(2) الخلاف: 5/ 380 مسألة 19، المغني لابن قدامة: 10/ 186، الشرح الكبير: 10/ 204.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 135

[مسألة 16: يسقط الحدّ لو تاب قبل قيام البيّنة رجماً كان أو جلداً]

مسألة 16: يسقط الحدّ لو تاب قبل قيام البيّنة رجماً كان أو جلداً، و لا يسقط لو تاب بعده، و ليس للإمام (عليه السّلام)

أن يعفو بعد قيام البيّنة، و له العفو بعد الإقرار كما مرّ، و لو تاب قبل الإقرار سقط الحدّ (1).

______________________________

بل يترتّب آثار الشهادة، كعدم سقوط الحدّ بعدها و عدم كون الاختيار بيد الحاكم، بخلاف ما إذا قلنا بالسقوط

(1) أمّا سقوط الحدّ لو تاب قبل قيام البيّنة، ففي المحكيّ عن كشف اللثام الاتّفاق عليه «1» و يدلّ عليه مضافاً إلى الشبهة و إلى الأصل مرسلة جميل بن درّاج، عن رجل، عن أحدهما (عليهما السّلام) في رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى فلم يعلم ذلك منه و لم يؤخذ حتّى تاب و صلح، فقال: إذا صلح و عرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحدّ «2» و المراد بقوله (عليه السّلام): «فلم يعلم ذلك منه» إمّا خصوص عدم قيام البيّنة، كما يؤيّده قوله (عليه السّلام): «و لم يؤخذ» نظراً إلى أنّ المقرّ لا يحتاج إلى الأخذ، و إمّا الأعمّ منه و من عدم الإقرار، و على أيّ تقدير يدلّ على المقام ثمّ إنّه لو ادّعى التوبة قبل قيام البيّنة بعد ما أخذ و قامت البيّنة عليه، فالظّاهر القبول من غير يمين؛ لأنّها لا تعرف إلّا من قبله، إلّا أن يقال: بأنّ تعليق الحكم بعدم إقامة الحدّ عليه على صورة ظهور أمر جميل منه كما في الرواية يشعر بل يدلّ على عدم كفاية التوبة الباطنيّة ما لم تظهر في الأعمال و الأفعال و أمّا عدم سقوطه لو تاب بعد قيام البيّنة فيدلّ عليه مضافاً إلى أنّه المتّفق عليه استصحاب ثبوته بمجرّد قيام البيّنة بمقتضى النصّ و الفتوى، و لا مجال معه لأصالة

______________________________

(1) كشف اللثام: 2/ 398.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 327، أبواب مقدّمات الحدود ب 16

ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 136

..........

______________________________

البراءَة، لأنّ السقوط بعد الثبوت يحتاج إلى دليل، كما أنّه لا مجال لدعوى أولويّة سقوط عقاب الدنيا من عقاب الآخرة، فإذا كان الثاني ساقطاً بالتوبة فالأوّل بطريق أولى، ضرورة أنّ ذلك لا يقاوم الدليل نعم، وقع الخلاف بعد الاتّفاق على عدم السقوط في أنّه هل للإمام العفو بعد قيام البيّنة كما كان له ذلك بعد الإقرار، أم لا؟ فالمشهور على الثاني «1» و المحكيّ عن المفيد «2» و الحلبيين «3» الأوّل، حيث خيّروا الإمام بين الإقامة و عدمها و يدلّ على المشهور مضافاً إلى كثير من الروايات المتقدّمة في مسألة التوبة بعد الإقرار، كمرسلة البرقي المشتملة على قوله (عليه السّلام): إذا قامت البيّنة فليس للإمام أن يعفو، و إذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام، إن شاء عفى و إن شاء قطع «4» نظراً إلى ظهورها في ثبوت الفرق بين الإقرار و البيّنة مطلقاً، من دون أن يكون لموردها و هي السرقة مدخليّة في ذلك أصلًا. و قوله (عليه السّلام) في رواية تحف العقول المتقدّمة أيضاً في مقام التعليل: «فإنّه لم يقم عليه البيّنة، و إنّما تطوّع بالإقرار من نفسه» «5» و مضافاً إلى الروايات الواردة في الهارب من الحفيرة «6» و أنّه إذا ثبت عليه الحدّ بالإقرار لا يردّ إليها، و إذا ثبت بالبيّنة يردّ صاغراً مرسلة أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل أقيمت عليه البينة بأنّه زنى ثمّ هرب قبل أن يضرب،

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 14/ 359.

(2) المقنعة: 777.

(3) الكافي في الفقه: 407، غنية النزوع: 424.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 331، أبواب مقدّمات الحدود ب 18 ح 3.

(5) تقدّمت

في ص 110.

(6) وسائل الشيعة: 18/ 376، أبواب حدّ الزنا ب 15.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 137

..........

______________________________

قال: إن تاب فما عليه شي ء، و إن وقع في يد الإمام أقام عليه الحدّ، و إن علم مكانه بعث إليه «1» و قد تمسّك بها الطرفان أمّا المشهور فقد قالوا: بأنّ المراد بقوله (عليه السّلام): «إن تاب ..» في الشرطية الاولى هو التوبة فيما بينه و بين اللّٰه، و أنّه ليس عليه شي ء من هذه الجهة، بمعنى أنّ توبته مقبولة باطناً، و أمّا بالنظر إلى الظاهر، فإذا وقع في يد الإمام أقام عليه الحدّ تعييناً، من دون أن يكون له العفو و الاختيار، فهو كالمرتدّ الفطري الذي تقبل توبته باطناً، و لا تقبل ظاهراً بل يقتل و أمّا الآخرون، فقد قالوا: إنّ المقابلة بين التوبة و بين الوقوع في يد الإمام تقتضي أن يكون المراد هو الوقوع من دون توبة، فإذا تاب بعد قيام البيّنة فليس عليه شي ء، و إذا لم يتب فلا محيص عن إقامة الحدّ عليه و الإنصاف عدم ظهور الرواية في واحد منهما، و احتمالها لكلا الأمرين، فلا مجال للاستدلال بها، مضافاً إلى ضعفها بالإرسال نعم، يرد على القول الثاني أنّ مقتضى التمسّك بالرواية سقوط الحدّ رأساً لا كون الاختيار بيد الإمام الذي هو المدّعى كما أنّ الاستدلال لثبوت العفو برواية ضريس الكناسي المتقدّمة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: لا يعفى عن الحدود التي للّٰه دون الإمام، فأمّا ما كان من حقّ الناس في حدّ فلا بأس بأن يعفى عنه دون الإمام «2» مردود بما عرفت من ظهور الرواية في التفصيل في عفو غير الإمام، و أنّه في خصوص

الحدّ الذي مرتبط

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 328، أبواب مقدّمات الحدود ب 16 ح 4.

(2) تقدّمت في ص 109.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 138

..........

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1422 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود؛ ص: 138

______________________________

بالناس، دون الحدود التي للّٰه، و أمّا في الإمام فلا يكون فيها تعرّض بوجه و قد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الأقوى ما عليه المشهور من عدم ثبوت التخيير للإمام بوجه بعد ثبوت الزنا بقيام البيّنة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 139

[القول في الحدّ]

اشارة

القول في الحدّ و فيه مقامان:

[الأوّل في أقسامه]

اشارة

الأوّل في أقسامه للحدّ أقسام:

[الأوّل: القتل]
اشارة

الأوّل: القتل، فيجب على من زنى بذات محرم للنسب كالأمّ و البنت و الأخت و شبهها، و لا يلحق ذات محرم للرضاع بالنسب على الأحوط لو لم يكن الأقوى، و هل تلحق الأمّ و البنت و نحوهما من الزنا بالشرعي منها؟ فيه تردّد، و الأحوط عدم الإلحاق، و الأحوط عدم إلحاق المحارم السببيّة كبنت الزوجة و أمّها بالنسبيّة. نعم، الأقوى إلحاق امرأة الأب بها، فيقتل بالزنا بها، و يقتل الذمّي إذا زنى بمسلمة مطاوعة أو مكرهة سواء كان على شرائط الذمّة أم لا، و الظاهر جريان الحكم في مطلق الكفّار، فلو أسلم هل يسقط عنه الحدّ أم لا؟ فيه إشكال و إن لا يبعد عدم السقوط، و كذا يقتل من زنى بامرأة مكرهاً لها (1).

______________________________

(1) ذكر في المتن ثبوت حدّ القتل في ثلاثة موارد:

الأوّل: الزنا بذات محرم للنسب كالأمّ، و البنت، و الأخت، و العمّة، و الخالة، و بنت الأخ، و بنت الأخت، قال في الجواهر بعد حكم المصنّف بثبوت القتل على من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 140

..........

______________________________

زنى بذات محرم: بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به غير واحد، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكيّ منهما مستفيض، كالنصوص الدالّة على ذلك في الجملة «1» و قال في ذيل كلامه: عباراتهم طافحة بذكر القتل الحاصل بضرب السيف و غيره، و بالضربة الواحدة و غيرها «2» مع أنّ عباراتهم بين ما ظاهره أنّ حدّ الزنا بالمحارم الضربة بالسيف كالمقنع «3»، و بين ما ظاهره أنّ الحدّ ضرب العنق، كالمقنعة «4» و الانتصار «5» و بين ما ظاهره أنّ الحدّ هو القتل ككثير من الكتب «6» و

أمّا الروايات الواردة في المسألة، فالتعبير فيها مختلف:

فجملة منها ظاهرة في ضرب العنق أو الرقبة:

كرواية جميل بن درّاج، التي رواها عنه الحكم بن مسكين قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أين يضرب الذي يأتي ذات محرم بالسيف؟ أين هذه الضربة؟ قال: تضرب عنقه أو قال: تضرب رقبته «7» و رواية اخرى لجميل بن درّاج، التي رواها عنه الحكم بن مسكين أيضاً، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يأتي ذات محرم، أين يضرب بالسيف؟ قال: رقبته «8».

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 309.

(2) جواهر الكلام: 41/ 311.

(3) المقنع: 435.

(4) المقنعة: 778.

(5) الإنتصار: 524.

(6) كالنهاية: 692 و غنية النزوع: 421 و شرائع الإسلام: 4/ 936 و إرشاد الأذهان: 2/ 172.

(7) وسائل الشيعة: 18/ 385، أبواب حدّ الزنا ب 19 ح 3.

(8) وسائل الشيعة: 18/ 385، أبواب حدّ الزنا ب 19 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 141

..........

______________________________

و رواية ثالثة له أيضاً، رواها عنه الحكم كذلك، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أين يضرب هذه الضربة؟ يعني من أتى ذات محرم قال: تضرب عنقه، أو قال: رقبته «1» و رواية رابعة له أيضاً، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: تضرب عنقه، أو قال: رقبته «2» و من الواضح كون هذه الروايات رواية واحدة راويها جميل بن دراج، و إن جعلها في الوسائل أربع روايات، و نقلها في باب واحد بصورة التعدّد و جملة منها ظاهرة في الضرب بالسيف، من دون تفريع صورة الحياة بعده عليه:

كصحيحة أبي أيّوب قال: سمعت بكير بن أعين يروي عن أحدهما (عليهما السّلام)، قال: من زنى بذات محرم حتّى يواقعها ضرب ضربة بالسيف أخذت منه ما

أخذت، و إن كانت تابعته ضربت ضربة بالسيف أخذت منها ما أخذت، قيل له: فمن يضربهما و ليس لهما خصم؟ قال: ذاك على الإمام إذا رفعا إليه «3» و رواية ابن بكير، عن رجل قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يأتي ذات محرم؟ قال: يضرب بالسيف. قال ابن بكير: حدّثني حريز عن بكير بذلك «4» و رواية عبد اللّٰه بن بكير، عن أبيه قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): من أتى ذات محرم ضرب ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 386، أبواب حدّ الزنا ب 19 ح 7.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 387، أبواب حدّ الزنا ب 19 ح 11.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 385، أبواب حدّ الزنا ب 19 ح 1.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 386، أبواب حدّ الزنا ب 19 ح 5.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 386، أبواب حدّ الزنا ب 19 ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 142

..........

______________________________

و الظاهر أيضاً اتّحاد هذه الروايات الثلاثة، و أنّ رواية ابن بكير، عن أحدهما (عليهما السّلام) في الصحيحة الأُولى كانت مع الواسطة، و أنّ التعبير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) بأحدهما، كان مستنداً إلى اشتباه الراوي عن ابن بكير و جملة منها ظاهرة في الضرب بالسيف، مع تفريع صورة بقاء الحياة عليه كمرسلة محمّد بن عبد اللّٰه بن مهران، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل وقع على أخته؟ قال: يضرب ضربة بالسيف، قلت: فإنّه يخلص؟ قال: يحبس أبداً حتّى يموت «1» و رواية عامر بن السمط، عن عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) في الرجل يقع على أخته، قال: يضرب ضربة

بالسيف بلغت منه ما بلغت، فإن عاش خلِّد في السجن حتّى يموت «2» و رواية دالّة على اشتراك المقام مع الزنا العادي في مقدار الحدّ، و هي رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إذا زنى الرجل بذات محرم حدّ حدّ الزاني، إلّا أنّه أعظم ذنباً «3» و قد حمل الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) هذه الرواية على التخيير، فقال: لأنّه إذا كان الغرض بالضربة قتله، و فيما يجب على الزاني الرجم و هو يأتي على النفس، فالإمام مخيّر بين أن يضربه ضربة بالسيف أو يرجمه «4» و لكنّ الظّاهر أنّه لا مجال لهذا الحمل؛ لعدم اختصاص مورد الرواية بصورة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 385، أبواب حدّ الزنا ب 19 ح 4.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 387، أبواب حدّ الزنا ب 19 ح 10.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 386، أبواب حدّ الزنا ب 19 ح 8.

(4) التهذيب: 10/ 23 24، الإستبصار: 4/ 208 209.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 143

..........

______________________________

الإحصان الذي يكون حكمه الرجم، بل يعمّ صورة عدم الإحصان التي يكون حكمها الجلد، مع أنّه لا شاهد على هذا الحمل أصلًا و الحقّ أنّ الرواية معرض عنها؛ لعدم تحقّق الفتوى على طبقها، و كون ملاحظة كلمات الأصحاب و فتاويهم موجبة للقطع بكون الزنا بذات المحرم حدّه أشدّ من الزنا العادي، و لا يقتصر في الفرق على مجرّد كونه أعظم ذنباً، كما تدلّ عليه الرواية و أمّا رواية محمّد بن عبد اللّٰه بن مهران، فهي مضافاً إلى كونها مرسلة من جهتين تكون ضعيفة بمحمّد أيضاً؛ لأنّه غال كذّاب، كما أنّ رواية عامر بن السمط مخدوشة من جهة عدم توثيقه؛ لأنّ غاية ما

قيل في حقّه: إنّه يروي عن عليّ بن الحسين (عليهما السّلام)، و أنّ صفوان بن مهران يروي عنه من دون إشعار بوثاقته أصلًا فلم يبق إلّا الطائفتان الأوّلتان، و لا تعارض بينهما أصلًا؛ لأنّ ما تدلّ على اعتبار وقوع الضرب بالعنق أو الرقبة ناظرة إلى ما تدلّ على أنّ الحدّ هو الضرب بالسيف، فيصير مفاد المجموع لزوم إيقاع الضربة بالسيف على العنق، و بعد ذلك يقع الكلام في المراد من هذا المعنى، و فيه وجوه بل أقوال ثلاثة:

أحدها: ما يظهر من الجواهر من كون المراد من ذلك مجرّد القتل، سواء كان بضرب السيف أو غيره، و بالضربة الواحدة أو غيرها، نظراً إلى أنّ المنساق من ضرب العنق هو القتل «1» و يؤيّده ما رواه في المستدرك، عن دعائم الإسلام، عن أمير المؤمنين (عليه السّلام)، أنّه

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 311.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 144

..........

______________________________

قال: من أتى ذات محرم يقتل «1» و ما رواه فيه عن العوالي، عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله)، أنّه قال: من أتى ذات محرم فاقتلوه «2» و ما رواه ابن ماجة في سننه عن ابن عباس، عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) قال: من وقع على ذات محرم فاقتلوه «3» و لكن يبعّده ثبوت الفرق بين التعبير بضرب العنق، الذي يكون المتفاهم منه عند العرف هو القتل، و بين التعبير بكون محلّ الضربة المعتبرة هو السيف، كما في رواية جميل، حيث وقع تعيين العنق جواباً عن سؤال محلّ الضربة و مكانها، و قد عرفت أنّه لا تعدّد في رواياته، بل كلّها رواية واحدة ثانيها: ما يظهر من بعض «4» من كون المراد القتل

بالضرب بالسيف في رقبته، نظراً إلى أنّ ترتّب القتل على ضرب السيف بالعنق أمر عاديّ لا يتخلّف عنه عادة، و ليس المراد من قوله (عليه السّلام): «أخذت منه ما أخذت» في صحيحة أبي أيّوب هو وجوب ضربة واحدة بالسيف بلغت ما بلغت، سواء ترتّب عليه القتل أم لم يترتّب، بل المراد أنّه لا يعتبر مقدار خاصّ في بلوغ السيف، و أمّا ترتّب القتل عليه فهو أمر عادي، و لا موجب لرفع اليد عن الظهور في كون القتل بسبب الضربة بالسيف و يؤيّده رواية سليمان بن هلال، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في الرجل يفعل بالرجل، قال: فقال: إن كان دون الثقب فالجلد، و إن كان ثقب أُقيم قائماً ثمّ ضرب بالسيف

______________________________

(1) دعائم الإسلام: 2/ 456 ح 1605، مستدرك الوسائل: 18/ 58، أبواب حدّ الزنا ب 17 ح 1.

(2) عوالي اللآلي: 1/ 190 ح 275، مستدرك الوسائل: 18/ 59، أبواب حدّ الزنا ب 17 ح 7.

(3) سنن ابن ماجة: 2/ 856 ح 2564.

(4) مباني تكملة المنهاج: 1/ 189 مسألة 51 (1).

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 145

..........

______________________________

ضربة أخذ السيف منه ما أخذ، فقلت له: هو القتل؟ قال: هو ذاك «1» ثالثها: ما يظهر من بعض آخر، من أنّ مقتضى ظواهر الأخبار لزوم إيقاع ضربة واحدة بالسيف على الرقبة، و إن لم ينجرّ إلى القتل؛ لأنّ قوله (عليه السّلام): «أخذت ما أخذت أو بلغت ما بلغت» يدلّ على عدم تحتّم القتل؛ لعدم كون إيقاع الضربة بالسيف على العنق ملازماً لتحقّق القتل، بل ربّما يتخلّف عنه، فمفاد الأخبار غير عنوان القتل، و قد صرّح به صاحب الرياض، حيث قال: ظاهر أكثر النصوص

المزبورة الاكتفاء بالضربة الواحدة مطلقاً، أو في الرقبة، و هي لا تستلزم القتل «2» و يؤيّده أنّ مرسلة ابن مهران، و رواية عامر المتقدّمتين، و إن كانتا فاقدتين للاعتبار كما عرفت، إلّا أنّ فرض بقاء الحياة بعد وقوع الضربة المعتبرة فيهما شاهد على عدم كون المتفاهم من الضربة هو القتل، و إلّا فكيف يجمع بينه و بين فرض بقاء الحياة، كما لا يخفى و لكن يبعّده أنّ الأصحاب قد فهموا من هذه الروايات القتل؛ لأنّ جلّهم بين من عبّر بالقتل، و بين من عبّر بضرب العنق الذي عرفت أنّه ظاهر فيه، مضافاً إلى ما عرفت من تفسيره بالقتل في الرواية الواردة في اللواط، و إلى استبعاد أن يكون الحدّ بحيث كان موجباً للقتل تارة، و غير موجب له أُخرى، فإنّ الجناية الصادرة من الزاني بذات محرم إن كانت موجبة لنفي الموضوع و إعدام الجاني فلا وجه للاقتصار بما دونه، و إن لم تكن موجبة لذلك فلا مجال للقتل، فجعل الحدّ أمراً كذلك بعيد جدّاً. فالقول الثالث لا سبيل إليه، بل لا بدّ من الالتزام بالقتل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 416، أبواب حدّ اللواط ب 1 ح 2.

(2) رياض المسائل: 10/ 40.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 146

..........

______________________________

و أمّا القولان الأوّلان، فالأقرب منهما هو القول الثاني؛ لأنّه لو كان المراد مجرّد تحقّق القتل بأيّ نحوٍ حصل و بأيّة كيفية تحقّقت، لما كانت حاجة إلى التعبير الواقع في الروايات، بل كان الأولى هو التعبير بالقتل، كما قد وقع في بعضها، و مع عدمه كما في أكثرها يظهر تعيّن كون القتل من طريق ضرب السيف في الرقبة، و من الممكن أن يكون له خصوصيّة، و

لا يجوز إلغاؤها بعد عدم الدليل عليه و احتمال ثبوتها نعم، بعد ما اخترنا من كون المراد هو القتل تلغى خصوصيّة الضربة، فإذا لم يتحقّق القتل بها لا بدّ من التكرار حتّى يتحقّق، فالظاهر بمقتضى ما ذكرنا هو القول الثاني ثمّ إنّ القدر المتيقّن من النصوص و الفتاوى هو المحرم النسبي، و أمّا غيرها كالمحرم الرضاعي أو السببي، فإلحاقه بالمحرم النسبي محلّ كلام و إشكال. قال في محكيّ كشف اللثام: لمّا كان التهجّم على الدماء مشكلًا قصّر الحكم على ذات محرم نسباً لا سبباً أو رضاعاً، إلّا ما سيأتي من امرأة الأب، وفاقاً للمحقّق «1» و بني إدريس و زهرة و حمزة «2» بناءً على أنّها المتبادر إلى الفهم، و لا نصّ و لا إجماع على غيرها، و في المبسوط «3» و الخلاف «4» و الجامع «5» إلحاق الرضاع بالنسب دون

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 936.

(2) السرائر: 3/ 437، غنية النزوع: 421، الوسيلة: 410.

(3) المبسوط: 8/ 8.

(4) الخلاف: 5/ 386 مسألة 29.

(5) الجامع للشرائع: 549.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 147

..........

______________________________

السبب إلّا امرأة الأب «1» و في الرياض ما ملخّصه: إنّ النصوص و إن كانت خالية من تخصيص النسبي، إلّا أنّ سند أكثرها ضعيفة، و الحسن منها قاصر عن الصحّة، و الصحيح منها رواية واحدة لا يجسر بمثلها على التهجّم على النفوس المحترمة، سيّما مع عدم الصراحة في الدلالة لو لم نقل بكونها ضعيفة؛ لأنّ المتبادر منها النسبيّات خاصّة «2» و قد وافقه صاحب الجواهر في دعوى كون المنساق و المتبادر من ذات المحرم هو النسبي، قال: و إن قال في الصحاح و غيره: «يقال: هو ذو محرم منها إذا لم

يحلّ له نكاحها» «3» لكن مراده من حيث النسب لا مطلق حرمة النكاح، و اشتمال الآية على الحرمة بالسبب و النسب لا ظهور فيه في تحقّق صدق ذات المحرم حقيقة على السببيّة، فضلًا عن الرضاعيّة التي نصّ على تحريمها في الكتاب «4» أيضاً، و الإطلاق في بعض الأحيان لبعض القرائن أعمّ من الحقيقة و من الانسياق إلى أن قال: و أمّا ما دلّ على أنّ الرضاع لحمة كلحمة النسب «5» و نحوه، ممّا يقتضي ثبوت حكم النسب له إلّا ما خرج، فيضعّفه عدم عمل معظم الأصحاب به في أكثر المقامات، كالمواريث و الولايات و غيرها ممّا يفهم منه إرادة خصوص النكاح في ذلك «6».

______________________________

(1) كشف اللثام: 2/ 398.

(2) رياض المسائل: 10/ 39.

(3) الصحاح: 2/ 1405.

(4) سورة النساء: 4/ 23.

(5) روضة المتّقين: 8/ 236.

(6) جواهر الكلام: 41/ 312 313.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 148

..........

______________________________

أقول: الوجه في عدم الإلحاق أمّا تبادر خصوص النسبي من عنوان ذات المحرم الواقع في كثير من الروايات، كما يظهر من الكلمات التي نقلناها خصوصاً صاحب الجواهر، حيث صرّح بأنّ إطلاقه على غير النسبي يحتاج إلى القرينة، و ظاهرها هي قرينة المجاز. و إمّا انصراف إطلاق عنوانه إلى خصوص النسبي أمّا الوجه الأوّل: فيردّه وضوح خلافه، ضرورة أنّ المراد من ذات المحرم هو من يحرم نكاحها، كما عرفت في عبارة الصحاح و غيرها، و حملها على خصوص النسب بلا وجه، مضافاً إلى أنّ عرف المتشرّعة لا يفرّق في تطبيق هذا العنوان بين أنواع المحارم أصلًا، كما يظهر بمراجعتهم، فإذا قال أحدهم: إنّ فلانة محرم لي، لا يتبادر إلى أذهانهم خصوص تحقّق النسبة، بل يسألون عن وجه المحرميّة و

أنّه هو النسب أو غيره و أمّا الوجه الثاني: فيتوقّف صحّته على أن يكون قيد النسبي بحيث كان كالمذكور في الكلام، و إلّا يصير الانصراف بدويّاً لا اعتبار به أصلًا، و من الظاهر عدم كونه كذلك، ضرورة أنّ إضافة هذا القيد إلى عنوان ذات المحرم لا تكون بمثابة إضافة أمر زائد هو بمنزلة قيد توضيحي للكلام، بل يكون القيد قيداً احترازياً لا يتحقّق الاحتراز بدونه، فكيف يدّعى الانصراف و أمّا الفتاوى، فهي كالنصوص خالية عن التعرّض لغير عنوان ذات المحرم، و اشتمال بعضها على المثال بالمحارم النسبية لا يقتضي التخصيص، خصوصاً مع احتمال أن يكون المراد بالأمّ و البنت و الأخت المذكورات فيها أعمّ من الرضاعي و أمّا ما ذكره صاحب الرياض من أنّه لا يجسر برواية واحدة صحيحة على التهجّم على النفوس المحترمة، فيرد عليه أنّ مقتضى ذلك عدم الحكم بالقتل في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 149

..........

______________________________

المحرم النسبي أيضاً، و مع عدم الالتزام به و ثبوت الإطلاق و حجّيّته كما قرّر في الأصول لا يبقى فرق بينه و بين غيره من المحارم أصلًا و أمّا ما ذكره صاحب الجواهر من اختصاص ما ورد في الرضاع بباب النكاح، فالجواب عنه، أنّ الحرمة في باب النكاح موضوع للمقام، و الحكم بثبوت القتل فيما إذا زنى بها، فهو كما لو نذر التصدّق لو صارت فلانة محرّمة عليه نكاحها، فإنّه إذا تحقّق الرضاع المحرِّم يتحقّق الموضوع، فيجب عليه الوفاء بالنذر، فلا منافاة بين المقام و بين ما ورد في الرضاع و كيف كان لا مجال لدعوى التبادر أو الانصراف، بل مقتضى الإطلاق الشمول، خصوصاً مع ملاحظة الجمع بين المحارم النسبيّة و الرضاعيّة

و السببيّة في الآية الكريمة في سورة النساء «1» و لا يظهر من الأصحاب خلافه، و التعرّض لحكم زوجة الأب بالخصوص إنّما هو لورود الرواية فيه، فلا إشعار فيه على الاستثناء، و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط؛ لعدم وجود التصريح به من الأصحاب عدا الشيخ «2» و ابن سعيد «3» في المحرم الرضاعي، و يظهر من الشهيد الثاني (قدّس سرّه) في الروضة الميل إليه، حيث جعله وجهاً و قال: مأخذه إلحاقه به في كثير من الأحكام للخبر «4» نعم، لا يبعد دعوى انصراف عنوان «ذات المحرم» الواقع في النصوص و الفتاوى عمّن تكون حرمة نكاحها لأجل تأديب من حرمت عليه، كما في المطلّقة

______________________________

(1) سورة النساء 4: 23.

(2) الخلاف: 5/ 386 مسألة 29، المبسوط: 8/ 8.

(3) الجامع للشرائع: 549.

(4) الروضة البهيّة: 9/ 63.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 150

..........

______________________________

تسعاً التي يحرم نكاحها أبداً، و كما فيمن يحرم نكاحها بسبب اللواط و نحو ذلك من الموارد و أمّا المحرم من النسب غير الشرعي كالمحرم من الزنا، فقد قال في الجواهر: فلا يثبت له فيها الحدّ المزبور للأصل و غيره «1» و يمكن المناقشة فيه أيضاً، نظراً إلى أنّ عنوان ذات المحرم يشمله بإطلاقه، فإنّ البنت المتولّدة من الزنا محرم بالإضافة إلى الزاني، و الأم محرم بالنسبة إلى الابن المتولّد من الزنا، ضرورة أنّ الأمّهات الواقعة في آية التحريم يكون المراد منها هو المعنى العرفي منها، كسائر العناوين الواقعة في أدلّة الأحكام، و بالجملة بعد فرض ثبوت حرمة النكاح في مورد النسب غير الشرعي، و عدم جواز التزويج فيه لا وجه لدعوى عدم شمول النصوص، و لا مجال للرجوع إلى الأصل

أصلًا بقي الكلام في حكم من زنى بامرأة أبيه، فالمحكيّ عن الشيخ «2» و الحلبي «3» و بني زهرة «4» و إدريس «5» و حمزة «6» و البرّاج «7» و سعيد «8» هو ثبوت القتل فيه، بل في الجواهر: نسبه بعض إلى كثير، و آخر إلى الشهرة، بل عن الغنية «9»

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 313.

(2) النهاية: 693.

(3) الكافي في الفقه: 405.

(4) غنية النزوع: 421.

(5) السرائر: 3/ 438.

(6) الوسيلة: 410.

(7) المهذّب: 2/ 519.

(8) الجامع للشرائع: 550.

(9) غنية النزوع: 421.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 151

..........

______________________________

الإجماع عليه «1» و مستنده النصوص المتقدّمة الواردة فيمن زنى بذات محرم إن قلنا بشمول العنوان للمحارم السببيّة أيضاً، كما نفينا البعد عنه آنفاً، و عليه فكما يستفاد منها ثبوت أصل القتل فيه كذلك يستفاد كيفيّة القتل، و هي الكيفيّة المعتبرة في الزنا بذات المحارم النسبيّة، و إن لم نقل بشمول العنوان لها أيضاً، فالمستند هي رواية إسماعيل بن أبي زياد السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن أمير المؤمنين (عليهم السّلام) أنّه رفع إليه رجل وقع على امرأة أبيه فرجمه، و كان غير محصن «2» و قد ورد من طرق العامّة رواية عن البراء بن عازب بطرق مختلفة و ألفاظ متعدّدة، و في إحداها قال: لقيت عمّي و معه راية، فقلت: أين تريد؟ قال: بعثني رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) إلى رجل نكح امرأة أبيه، فأمرني أن أضرب عنقه و آخذ ماله «3» و كيف كان فيرد على المستدلّين برواية السكوني عدم انطباق فتواهم على الرواية؛ لأنّ فتواهم إنّما هي بالقتل المتحقّق من أيّة وسيلة، و الرواية ظاهرة في اعتبار خصوص الرجم، و لا مجال لدعوى

التبعيض في الحجيّة، خصوصاً بعد عدم وجود ما يدلّ على نفي الرجم، و من هنا يمكن أن يقال: بأنّ الرواية معرض عنها؛ لعدم الفتوى على طبقها، فتبقى النصوص المتقدّمة دليلًا في المسألة فتدبّر. هذا تمام الكلام في المورد الأوّل المورد الثاني: زنا الذمّي بالمسلمة، من دون فرق بين أن تكون مطاوعة، أو مكرهة، و كذا بين أن يكون الذمّي بشرائط الذمّة أو لا، فإنّ حدّه القتل بلا خلاف

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 316.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 386، أبواب حدّ الزنا ب 19 ح 9.

(3) مسند أحمد: 6/ 419 ح 18581، جامع المسانيد و السنن: 2/ 71.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 152

..........

______________________________

أجده، بل الإجماع بقسميه عليه كما في الجواهر «1» و الدليل موثّقة حنّان بن سدير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن يهوديّ فجر بمسلمة، قال: يقتل «2» فلا إشكال في أصل الحكم إنّما الكلام في سقوط الحدّ عنه بالإسلام، فنقول: إن كان إسلامه للفرار عن القتل و بقصد التخلّص عن الحدّ، فالظاهر عدم كونه مسقطاً، و يدلّ عليه إطلاق الموثّقة و عدم الاستفصال فيها، و يؤيّده رواية جعفر بن رزق اللّٰه قال: قدِّم إلى المتوكّل رجل نصرانيّ فجر بامرأة مسلمة و أراد أن يقيم عليه الحدّ فأسلم، فقال يحيى بن أكثم: قد هدم إيمانه شركه و فعله، و قال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود، و قال بعضهم: يفعل به كذا و كذا، فأمر المتوكّل بالكتاب إلى أبي الحسن الثالث (عليه السّلام) و سؤاله عن ذلك، فلمّا قدم الكتاب كتب أبو الحسن (عليه السّلام): يضرب حتّى يموت، فأنكر يحيى بن أكثم و أنكر فقهاء العسكر ذلك، و قالوا: يا

أمير المؤمنين سله عن هذا، فإنّه شي ء لم ينطق به كتاب و لم تجي ء به السنّة، فكتب: إنّ فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا و قالوا: لم تجي ء به سنّة و لم ينطق به كتاب، فبيِّن لنا بما أوجبت عليه الضرب حتّى يموت؟ فكتب (عليه السّلام): بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَلَمّٰا رَأَوْا بَأْسَنٰا قٰالُوا آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنٰا بِمٰا كُنّٰا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمٰانُهُمْ لَمّٰا رَأَوْا بَأْسَنٰا سُنَّتَ اللّٰهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبٰادِهِ وَ خَسِرَ هُنٰالِكَ الْكٰافِرُونَ «3» قال: فأمر به المتوكّل فضرب حتّى مات «4» و ظاهرها كما يشهد به الاستدلال بالآية الكريمة أنّ

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 313.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 407، أبواب حدّ الزنا ب 36 ح 1.

(3) سورة غافر 40: 84، 85.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 407، أبواب حدّ الزنا ب 36 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 153

..........

______________________________

إسلامه كان للفرار عن القتل بعد ما رأى أنّه يراد أن يقام عليه الحدّ، كما لا يخفى و أمّا إذا كان إسلامه لا للفرار عن القتل، بل كان حقيقة، فقد احتمل في محكيّ كشف اللثام سقوط الحدّ عنه؛ لأنّ الإسلام يجبُّ ما قبله «1» و للاحتياط في الدماء، و زاد فيه قوله: و حينئذٍ يسقط عنه الحدّ رأساً و لا ينتقل إلى الجلد للأصل «2» لكن في محكي الرياض: «هو ضعيف في الغاية، لكونه اجتهاداً في مقابلة الرواية المعتبرة بفتوى هؤلاء الجماعة، المؤيّدة باستصحاب الحالة السابقة، و أضعف منه قوله فيما بعد: و حينئذٍ يسقط عنه الحدّ إلى آخره، لفحوى ما دلّ على عدم سقوط الحدّ مطلقاً عن المسلم بتوبته إذا ثبت عليه بالبيّنة، و غاية

الإسلام أن يكون توبة» «3» و في الجواهر بعد نقل ما في الرياض: «و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا من الخبر المزبور المشهور بين العامّة و الخاصّة، بل لا حاصل لقوله: «و أضعف منه» إلى آخره، ضرورة أنّه المتّجه مع فرض سقوط الحدّ عنه للأصل و غيره، و القياس على التوبة ليس من مذهبنا، مع ظهور الفرق بينهما، على أنّه لا يقتضي ثبوت الجلد كما هو واضح» «4» أقول: العمدة في هذه المسألة هو حديث الجبّ، لأنّه على تقدير ثبوته يكون مفاده السقوط، و يكون حاكماً على الموثّقة المزبورة، و غير منافٍ لرواية جعفر بن

______________________________

(1) تفسير القمّي: 2/ 27، مسند أحمد: 6/ 232 ح 17792 و ص 243 ح 17829، السيرة الحلبية: 3/ 37، مجمع البحرين: 1/ 264، مادّة «جبب».

(2) كشف اللثام: 2/ 398.

(3) رياض المسائل: 10/ 41 42.

(4) جواهر الكلام: 41/ 315.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 154

..........

______________________________

رزق اللّٰه؛ لعدم دلالتها على عدم السقوط في هذا الفرض، بل غايتها الإشعار الذي لا حجيّة فيه، مضافاً إلى عدم ثبوت وثاقة جعفر أصلًا، و لكنّه ربّما يقال: إنّ حديث الجبّ لم يثبت من طرقنا، و إنّما الثابت سقوطه بالإسلام هو ما دلّت عليه الرواية المعتبرة، أو ما قامت عليه السيرة القطعيّة، و من المعلوم أنّ محلّ الكلام ليس كذلك، بل المشهور بين الفقهاء عدم السقوط على ما هو مقتضى إطلاق كلماتهم و يدفعه مضافاً إلى أنّه مرويّ في بعض كتب علمائنا الأخيار، ففي تفسير نور الثقلين نقلًا عن تفسير عليّ بن إبراهيم في ذيل قوله تعالى في سورة الإسراء وَ قٰالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى تَفْجُرَ لَنٰا

مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً «1» ذكر نزولها في شأن عبد اللّٰه بن أبي أميّة أخي أمّ سلمة زوجة الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله)، و أنّه بعد امتناع الرسول عن قبول إسلامه معلّلًا بأنّه كذّب الرسول تكذيباً لم يكذّبه أحد من الناس؛ لأنّه الذي قال لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى تَفْجُرَ .. قالت أمّ سلمة لرسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): بأبي أنت و أمي يا رسول اللّٰه أ لم تقل إنّ الإسلام يجبُّ ما قبله؟ قال: نعم، فقبل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) إسلامه «2» أنّ الظّاهر اعتماد الفريقين على هذا الحديث، و الاستدلال به في الموارد المختلفة، و لا حاجة في ما يراد سقوطه بالإسلام إلى دلالة رواية أو قيام سيرة؟

و أمّا دعوى كون المشهور بين الفقهاء عدم السقوط، فيدفعها عدم تعرّض كثير منهم لفرض الإسلام في المسألة. نعم، لا ينبغي إنكار أنّ المشهور بين المتعرّضين هو العدم، على ما هو مقتضى إطلاق كلماتهم، و على ما ذكرنا فلا تبعد دعوى

______________________________

(1) سورة الإسراء 17: 90.

(2) تفسير القمّي: 2/ 26 27، تفسير نور الثقلين: 3/ 226.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 155

..........

______________________________

السقوط في هذا الفرض من الإسلام ثمّ إنّ الروايتين و إن كانتا واردتين في مورد الذمّي، إلّا أنّ الظاهر جريان الحكم في مطلق الكفّار، و التقييد به في جملة من الفتاوى إنّما هو لأجل أنّ الذمّي لا يجوز قتله في نفسه مع قطع النظر عن الزنا بالمسلمة، بخلاف الكافر الحربي الذي يجوز قتله مع قطع النظر عنه أيضاً، فليس التقييد به لأجل كون الحكم مقصوراً عليه، خصوصاً مع ملاحظة أنّ الكفر ملّة واحدة، و أولويّة غير الذمّي

منه في الحكم المزبور المورد الثالث: الزنا بامرأة مكرهاً لها، و في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكيّ منهما مستفيض كالنصوص المعتبرة «1» و قد وردت في هذا المورد طائفتان من الأخبار:

الأُولى: ما تدلّ على القتل بعنوانه، كصحيحة بريد العجلي قال: سئل أبو جعفر (عليه السّلام) عن رجل اغتصب امرأة فرجها؟ قال: يقتل محصناً كان أو غير محصن «2» و صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): الرجل يغصب المرأة نفسها، قال: يقتل «3» و صحيحته الأُخرى، عن أحدهما (عليهما السّلام) في رجل غصب امرأة نفسها، قال: يقتل «4».

و رواها الصدوق مثلها، إلّا أنّه قال: يقتل محصناً كان أو غير محصن «5».

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 315.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 381، أبواب حدّ الزنا ب 17 ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 381، أبواب حدّ الزنا ب 17 ح 2.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 382، أبواب حدّ الزنا ب 17 ح 4.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 382، أبواب حدّ الزنا ب 17 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 156

..........

______________________________

و لكنّ الظاهر كما أشرنا مراراً عدم كونها روايات متعدّدة، بل رواية واحدة، و يؤيّدها أنّ الراوي عن زرارة في جميعها هو جميل الثانية: ما تدلّ على الضرب بالسيف، كرواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل غصب امرأة فرجها، قال: يضرب ضربة بالسيف بالغة منه ما بلغت «1» و رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إذا كابر الرجل المرأة على نفسها ضرب ضربة بالسيف مات منها أو عاش «2» و الظاهر أنّ رواية زرارة مضافاً إلى احتمال عدم كونها رواية أُخرى، بل هي متّحدة

مع الرواية الأُولى بشهادة التأييد الذي ذكرنا لا تنافي الطائفة الأُولى؛ لظهورها في القتل كما مرّ، و أمّا رواية أبي بصير، فهي مطروحة بالإعراض عنها و عدم العمل بها و لو من واحد، و كون الشهرة في مقابلها، فلا مناقشة في أصل الحكم.

و أمّا الموضوع، فالمذكور في المتن تبعاً للشرائع «3» و بعض الكتب الأخر هو عنوان الإكراه، و قد ذكر المحقّق في المختصر النافع «4» عنوان الزنا قهراً، و لكنّ العنوان المذكور في الروايات التي اعتمدنا عليها في هذا الحكم هو عنوان الغصب أو الاغتصاب، و من الظاهر مغايرة عنوان الإكراه الاصطلاحي لعنوان الغصب؛ لأنّ المراد بالأوّل هو العمل الصادر عن اختيار المكرَه بالفتح. غاية الأمر أنّ الباعث له على إيجاد العمل المكره عليه، هو خوف وقوع الضرر الذي توعّد به عليه، و أمّا الغصب فهو عبارة عن استيلاء الغاصب و قهره، بحيث لا يكون للمغصوب اختيار

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 382، أبواب حدّ الزنا ب 17 ح 3.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 382، أبواب حدّ الزنا ب 17 ح 6.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 936.

(4) المختصر النافع: 294.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 157

[مسألة 1: لا يعتبر في المواضع المتقدّمة الإحصان]

مسألة 1: لا يعتبر في المواضع المتقدّمة الإحصان، بل يقتل محصناً كان أو غير محصن، و يتساوى الشيخ و الشاب، و المسلم و الكافر، و الحرّ و العبد، و هل يجلد الزاني المحكوم بقتله في الموارد المتقدّمة ثمّ يقتل فيجمع فيها بين الجلد و القتل؟ الأوجه عدم الجمع، و إن كان في النفس تردّد في بعض الصور (1).

______________________________

في مقابل الغاصب أصلًا، و يكون وقوع العمل في مثل المقام صادراً لا عن اختيار المزنيّ بها، فبين العنوانين تغاير

و لكن لا محيص عن تخصيص الحكم بما في الروايات، و ما في محكيّ كتب القدماء من عنوان الغصب، و حمل الإكراه في عبارة المتن و مثلها على الإكراه بالمعنى اللغوي المساوق للقهر و سلب الاختيار، و عليه فلا يشمل الحكم المذكور في الروايات لمورد الإكراه الاصطلاحي، و إن كان موجباً لرفع الحرمة بالإضافة إلى المكرَه بالفتح، كما أنّه لا يشمل صورة الاضطرار أصلًا، كما إذا اضطرّت المرأة لحفظ النفس من الجوع أو العطش إلى أن تبذل نفسها و ترتضى بالزنا، فإنّه لا يكون حدّ الزاني في هذه الصورة القتل، و اللّٰه أعلم

(1) أمّا عدم اعتبار الإحصان في الحكم بالقتل في الموارد الثلاثة المتقدّمة فمضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه أصلًا عدا ما سيأتي من السرائر، حيث حكم بالرجم في مورد الإحصان يدلّ عليه إطلاق الروايات الواردة فيها، و ترك الاستفصال في بعضها، و التصريح في بعض آخر بعدم ثبوت الفرق، مثل صحيحة بريد العجلي المتقدّمة الواردة في الزنا مكرهاً لها، و صحيحة زرارة الواردة فيها أيضاً على بعض طرق نقلها، و ما ورد فيمن زنى بامرأة أبيه ممّا تقدّم «1»، و كذا

______________________________

(1) في ص 151.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 158

..........

______________________________

لا فرق بين الشيخ و الشاب، و بين المسلم و الكافر، و كذا بين الحرّ و العبد، نعم المورد الثاني يختصّ موضوعه بالكافر كما مرّ، و لا دليل على عدم مساواة العبد للحرّ في جميع الموارد، فمقتضى الإطلاقات في هذه الموارد عدم الفرق و أمّا الجمع بين الجلد و القتل، فالظّاهر أنّه إشارة إلى قول ابن إدريس في هذا المقام، و لكنّه قال بذلك في مورد عدم الإحصان،

و أمّا في مورد الإحصان فحكم بالجمع بين الجلد و الرجم، و لم يعلم وجه عدم التعرّض لهذه الجهة في المتن و كيف كان، فقد قال في السرائر: «و الذي يجب تحصيله في هذا القسم و هو الذي يجب عليه القتل على كلّ حال أن يقال: إن كان محصناً فيجب عليه الجلد أوّلًا ثمّ الرجم، فيحصل امتثال الأمر في الحدّين معاً، و لا يسقط واحد منهما، و يحصل أيضاً المبتغى الذي هو القتل؛ لأجل عموم أقوال أصحابنا و أخبارهم؛ لأنّ الرجم يأتي على القتل و يحصل الأمر بالرجم. و إن كان غير محصن فيجب عليه الجلد لأنّه زان، ثمّ القتل بغير الرجم» «1» و قد أيّده في محكيّ كشف اللثام بقوله: «يؤيّده قول الصادق (عليه السّلام) في ما مرّ من خبر أبي بصير: إذا زنى الرجل بذات محرم حدّ حدّ الزّاني إلّا أنّه أعظم ذنباً» «2» و لعلّه لأنّه ساواه مع الزاني أوّلًا ثمّ زاده عظماً، و من المعلوم أنّ الرجم لا يجب على كلّ زانٍ، فلو رجمناه خاصّة كما مرّ عن الشيخ «3» لم يكن قد سويّناه ببعض الزناة، بخلاف ما إذا جلّدناه أوّلًا إذا لم يكن محصناً ثمّ قتلناه بالسيف، فإنّ الجلد وجب عليه بقوله (عليه السّلام): «حُدَّ حدَّ الزّاني»، و القتل بقوله (عليه السّلام): «أعظم ذنباً»، و أيضاً فإنّه قد

______________________________

(1) السرائر: 3/ 438.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 386، أبواب حدّ الزنا ب 19 ح 8، كشف اللثام: 2/ 398.

(3) في ص 142.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 159

..........

______________________________

يكون محصناً و هو شيخ، و أعظم ما يتوجّه إليه على قول الشيخ الرجم، فيكون أحسن حالًا منه إذا زنى بالأجنبية

المطاوعة؛ لأنّه يجمع عليه بينهما إجماعاً، فلا تتحقّق الأعظمية «1» أقول: أمّا ما ذكره ابن إدريس في ثبوت الجلد في تلك الموارد، من أنّه يحصل به امتثال الأمر في الحدّين معاً، فيرد عليه ظهور الروايات الواردة في الموارد المتقدّمة في انحصار الحدّ بالقتل، أو الضرب بالسيف، لعدم ذكر شي ء آخر زائد عليه، و لو كان الجلد واجباً يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، و هو غير جائز قطعاً، كما أنّ ظاهر الفتاوى أيضاً ذلك، خصوصاً مع التصريح بالجمع في بعض أقسام حدّ الزنا، كالجمع بين الجلد و الرجم في الشيخ أو الشيخة إذا كانا محصنين، فالاقتصار على القتل في مقابله ظاهر في عدم ثبوت غيره، و بالجملة لا ينبغي الإشكال في ظهور النصوص و الفتاوى في الانحصار، و معه لا مجال لدعوى انضمام الجلد أيضاً و أمّا دعواه ثبوت الرجم في صورة الإحصان، فغاية ما يمكن الاستدلال لها ثبوت التعارض بين أدلّة الرجم، و بين دليل مثل الزنا بذات المحرم الحاكم بالقتل، لأنّ النسبة هي العموم من وجه، و التعارض في خصوص مادّة الاجتماع، و هو الزنا مع الإحصان بذات المحرم و يدفعها مضافاً إلى أنّ التعارض بالنحو المذكور لا يثبت دعواه؛ لابتنائها على ترجيح أدلّة الرجم في مورد التعارض، و لم يقم دليل عليه، بل الدّليل على خلافه، و هي الموافقة لفتاوى الأصحاب و الشهرة المحقّقة بينهم، فالترجيح لأدلّة المقام أنّ الظاهر عدم ثبوت المعارضة بين الدليلين؛ لأنّ أدلّة المقام حاكمة

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 317.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 160

..........

______________________________

على دليل الرجم، كحكومتها على دليل الجلد أيضاً، و مرجعه إلى أنّ الدليلين ناظران إلى جعل الحكم في مورد

طبيعة الزنا، و أدلّة المقام متعرّضة لحكم الزنا الخاصّ مع النظارة إلى الدليلين و التوجّه إليهما، فتكون كسائر الأدلّة الحاكمة، و من المعلوم أنّه لا تلاحظ النسبة بين دليل الحاكم و دليل المحكوم، بل يقدّم الأوّل، و عليه فلا محيص عن الأخذ بأدلّة المقام و الحكم بثبوت القتل و لو كان الزنا مقروناً مع الإحصان و أمّا ما جعله كاشف اللثام مؤيّداً له، فيرد عليه أنّ رواية أبي بصير مفادها مجرّد ثبوت حدّ الزنا الطبيعي في مورد الزنا بذات المحرم، و ليس قوله (عليه السّلام): «إلّا أنّه أعظم ذنباً» دالّاً على ثبوت عقوبة زائدة على الحدّ المذكور، بل معناه مجرّد كون الذنب أعظم، و يترتّب عليه العذاب الأخروي، و قد ذكرنا أنّ الرواية معرض عنها و يجب أن تطرح، كما عرفت أنّه لا وجه لحمل الشيخ لها على خصوص المحصن، و الجمع بينها و بين غيرها بالحكم بالتخيير بين القتل و بين الرجم نعم، يبقى النقض المذكور في كشف اللثام، و هو أنّه يلزم أن يكون زنا الشيخ المحصن بذات المحرم أخفّ مجازاة من زناه بغيرها، حيث يجمع فيه بين الجلد و الرجم و يدفعه مضافاً إلى أنّ هذه الأحكام أمور تعبّدية صرفة، و لم يقم دليل كلّي على كون المجازاة الدنيوية تابعة في الشدّة و الضعف لمراتب الذنب من هذه الجهة أنّه يمكن أن تكون الأشدّية مقتضية لإيكال بعض مراتب عقوبته إلى الآخرة، و عدم الاكتفاء بالمجازاة الدنيوية، كما في مثل تكرار الصيد في الحج و غيره من الموارد، و لعلّ مورد النقض هو المراد من بعض الصور الذي قال في المتن أنّ في النفس فيه تردّداً.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود،

ص: 161

[الثاني: الرجم فقط]
اشارة

الثاني: الرجم فقط، فيجب على المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة، و على المحصنة إذا زنت ببالغ عاقل إن كانا شابّين، و في قول معروف يجمع في الشاب و الشابّة بين الجلد و الرجم، و الأقرب الرجم فقط (1).

______________________________

(1) اعلم أنّه لا دلالة للقرآن على ثبوت الرجم أصلًا، و روى ابن عباس، عن عمر أنّه قال: إنّ اللّٰه عزّ و جل بعث محمّداً (صلّى اللّٰه عليه و آله) بالحقّ و أنزل معه الكتاب، فكان ممّا أنزل إليه آية الرجم، فرجم رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) و رجمنا بعده. «1» و آية الرجم التي ادّعي أنّها من القرآن رويت بوجوه، منها: الشيخ و الشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة «2» و قد التزموا لأجله بنسخ التلاوة بعد حكمهم بعدم التحريف، و إسناده إلى علماء الإمامية، مع أنّه لا يعلم مرادهم من نسخ التلاوة و أنّه هل كان نسخها بأمر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) أو بأيدي من تصدّى للزعامة و الخلافة بعده فإن كان الأوّل، فما الدليل على النسخ بعد ثبوت كون المنسوخ من القرآن بنحو التواتر على اعتقادهم، و لذا يقولون: بأنّه كان يقرأه من لم يبلغه النسخ، و صرّح بذلك الآلوسي في تفسيره الكبير «3» فإن كان المثبت له هو خبر الواحد، فقد قرّر في علم الأصول أنّه لا يجوز نسخ الكتاب بخبر الواحد و الظّاهر الاتّفاق عليه و إن كان تخصيصه به محلّ خلاف، و إن كان هو السنّة المتواترة، فمع عدم ثبوت التواتر كما هو واضح نقول: إنّه حكي عن الشافعي و أكثر أصحابه و أكثر أهل الظّاهر القطع بعدم جواز نسخ الكتاب بالسنّة المتواترة،

و حكي عن أحمد أيضاً في إحدى

______________________________

(1) مسند أحمد: 1/ 122 قطعة من ح 391، جامع المسانيد و السنن: 18/ 99 100.

(2) الموطّأ: 2/ 548 ح 1560، سنن البيهقي: 8/ 213، الشرح الكبير: 10/ 156.

(3) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم: 1/ 25.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 162

..........

______________________________

الروايتين، بل أنكر جماعة من القائلين بالجواز وقوعه و تحقّقه «1» و إن كان الثاني، فهو عين القول بالتحريف، و كأنّهم زعموا أنّ النزاع في باب التحريف نزاع لفظي، و إلّا فأيّ فرق بينه و بين نسخ التلاوة بهذا المعنى ثمّ إنّه يسأل من القائل بنسخ التلاوة في آية الرجم أنّه ما وجه دخول الفاء في قوله: «فارجموهما» فيها؟ مع أنّه لا يكون هناك ما يصحّح دخولها من شرط أو نحوه، لا ظاهراً و لا على وجه يصحّ تقديره، و إنّما دخلت الفاء على الخبر في قوله تعالى الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا .. «2» لأنّ كلمة «اجلدوا» بمنزلة الجزاء لصفة الزنا في المبتدأ، و الزنا بمنزلة الشرط، و ليس في المقام الرجم جزاء للشيخوخة ثمّ إنّ قضاء اللذة أعمّ من الجماع، و الجماع أعم من الزنا؛ لإمكان كونه محلّلًا، و الزنا أعمّ من سبب الرجم الذي هو الزنا مع الإحصان، فكيف يصحّ إطلاق القول بوجوب رجمهما مع قضاء اللذة و الشهوة، مع أنّ مقتضى وقوعه تعليلًا جريان الحكم في غير الشيخ و الشيخة أيضاً، و قد فصّلنا الكلام فيما يتعلّق بتحريف القرآن في كتابنا الموسوم ب «مدخل التفسير» فليراجع ثمّ إنّه يظهر من بعض رواياتنا أيضاً ثبوت الرجم في القرآن، مثل:

ما رواه عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

قال: الرجم في القرآن قول اللّٰه عزّ و جل إذا زنى الشيخ و الشيخة فارجموهما البتّة فإنّهما قضيا الشهوة «3» و رواية سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في القرآن رجم؟ قال: نعم،

______________________________

(1) الإحكام في أصول الأحكام: 3/ 165.

(2) سورة النور 24: 2.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 347، أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 163

..........

______________________________

قلت: كيف؟ قال: الشيخ و الشيخة فارجموهما البتة فإنّهما قضيا الشهوة «1» و لكن بعد قيام الأدلّة القاطعة و البراهين الساطعة على عدم وقوع التحريف في الكتاب، و أنّ ما بأيدينا مطابق لما أنزل إلى الرسول بعنوان القرآنية، لا يبقى مجال لمثل هذه الروايات، بل لا بدّ من حملها على التقيّة، أو على أنّ المراد بالقرآن هو القرآن المشتمل على الخصوصيّات الأُخرى أيضاً، من الشرح و التفسير و التأويل، و شأن النزول و أمثالها، كقرآن أمير المؤمنين (عليه السّلام)، مع أنّه يرد على تعبير الروايتين الإشكالات المتقدّمة كلّاً أو جلّاً كما لا يخفى، و قد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم ثبوت الرجم في القرآن، بل الدليل عليه هي السنّة المستفيضة بل المتواترة، كما سيأتي إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أنّه وقع الاختلاف فيما إذا تحقّق الزنا المقرون بالإحصان من الشابّ أو الشابّة، فالمحكي عن المفيد «2» و المرتضى «3» و الشيخ «4» في أكثر كتبه، و ابن إدريس «5» و عامّة المتأخّرين هو لزوم الجمع بين الجلد و الرجم، بل في الجواهر: ادّعى عليه الشهرة غير واحد، بل عن الانتصار: أنّه من متفرّدات الإماميّة «6» و المحكيّ عن الشيخ في بعض كتبه «7» و بني زهرة «8»

و حمزة «9» و سعيد «10» هو

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 350، أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 18.

(2) المقنعة: 775.

(3) الإنتصار: 516.

(4) المبسوط: 8/ 2، التبيان: 7/ 359، ذيل الآية الشريفة الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي.

(5) السرائر: 3/ 438 439.

(6) جواهر الكلام: 41/ 320.

(7) النهاية: 693، الخلاف: 5/ 366 مسألة 2.

(8) غنية النزوع: 422.

(9) الوسيلة: 411.

(10) الجامع للشرائع: 550.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 164

..........

______________________________

الاقتصار على الرجم، و هو الذي قرّبه في المتن و منشأ الاختلاف وجود الروايات المختلفة في المسألة، فإنّ الظاهر أنّها ثلاث طوائف:

الطائفة الأُولى: ما تدلّ على ثبوت الرجم فقط، كصحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: الرجم حدّ اللّٰه الأكبر، و الجلد حدّ اللّٰه الأصغر، فإذا زنى الرجل المحصن رجم و لم يجلد «1» و من الظاهر أنّه لا خصوصيّة للرجل، بل الحكم جارٍ في المرأة المحصنة و رواية أبي العباس، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: رجم رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) و لم يجلد، و ذكروا أنّ عليّاً (عليه السّلام) رجم بالكوفة و جلد، فأنكر ذلك أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) و قال: ما نعرف هذا، أي لم يحدّ رجلًا حدّين: جلد و رجم في ذنبٍ واحد «2» قال في الوسائل بعد نقل الرواية: ذكر الشيخ «3» أنّ تفسير يونس للخبر غلط، ثمّ حمله على إنكار الحكم الأوّل، مع أنّ الظاهر خلاف ذلك و رواية الأصبغ بن نباتة، المشتملة على أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) رجم واحداً من خمسة نفر أُخذوا في الزنا، معلّلًا بأنّه رجل محصن كان حدّه الرجم «4» و الرواية المشتملة على قصّة ماعز المتقدّمة في بحث

ثبوت الزنا بالإقرار «5» الظاهرة في أنّ الحدّ الجاري فيه هو الرجم فقط.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 346، أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 347، أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 5.

(3) التهذيب: 10/ 6 7، الإستبصار: 4/ 203.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 350، أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 16.

(5) تقدّمت في ص 84.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 165

..........

______________________________

الطائفة الثانية: ما تدلّ على ثبوت الجلد و الرجم معاً، كصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في المحصن و المحصنة جلد مائة، ثمّ الرجم «1» و صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في المحصن و المحصنة جلد مائة، ثمّ الرجم «2» و صحيحة الفضيل قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ إلى أن قال: إلّا الزاني المحصن، فإنّه لا يرجمه إلّا أن يشهد عليه أربعة شهداء، فإذا شهدوا ضربه الحدّ مائة جلدة، ثمّ يرجمه «3» و رواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قضى عليّ (عليه السّلام) في امرأة زنت فحبلت فقتلت ولدها سرّاً، فأمر بها فجلدها مائة جلدة ثمّ رجمت، و كان أوّل من رجمها «4» و يحتمل على بعد أن يكون الجمع لأجل قتل الولد، و إن كان يؤيّده بعض الروايات و المرسل عن عليّ (عليه السّلام) أنّه جلد شراحة [سراجة خ. ل] الهمدانيّة يوم الخميس و رجمها يوم الجمعة. و قال: جلدتها بكتاب اللّٰه و رجمتها بسنّة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) «5» الطائفة الثالثة: ما تدلّ على التفصيل بين الشيخ و الشيخة، و الشابّ و الشابّة كرواية عبد اللّٰه بن

طلحة و عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إذا زنى الشيخ

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 348، أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 8.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 349، أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 14.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 349، أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 15.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 349، أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 13.

(5) مستدرك الوسائل: 18/ 42، أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 12، سنن البيهقي: 8/ 220.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 166

..........

______________________________

و العجوز جلدا، ثمّ رجما عقوبة لهما، و إذا زنى النَّصف من الرجال رجم و لم يجلد إذا كان قد أُحصن، و إذا زنى الشابّ الحدث السن جلد، و نفي سنة من مصره «1» و رواية عبد الرحمن، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: كان عليّ (عليه السّلام) يضرب الشيخ و الشيخة مائة و يرجمهما، و يرجم المحصن و المحصنة، و يجلد البكر و البكرة و ينفيهما سنة «2» فإنّ قرينة المقابلة تقتضي أن يكون المراد بالجملة الثانية هو الشابّ و الشابّة، كما أنّ المراد من الجملة الأُولى هي صورة الإحصان قطعاً و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: في الشيخ و الشيخة جلد مائة و الرجم، و البكر و البكرة جلد مائة و نفي سنة «3» فإنّ تخصيص الشيخ و الشيخة بثبوت الجمع بين الجلد و الرجم ظاهر في الاختصاص، و عدم الجريان في الشابّ و الشابّة، و إن لم نقل بثبوت المفهوم أصلًا كما قد حقّق في محلّه ثمّ إنّ مقتضى القواعد جعل الطائفة الثالثة شاهدة للجمع بين الأوليين، بحمل الاولى على الشابّ و

الشابّة، و الثانية على الشيخ و الشيخة، و دعوى كون الطائفة الثالثة ضعيفة من حيث السند مدفوعة بأنّ رواية الحلبي صحيحة، و رواية عبد الرحمن أيضاً كذلك ظاهراً، و لذا استندوا إليها في الجمع في الشيخ و الشيخة، فلا مجال لطرحها أصلًا و على تقدير ثبوت الضعف و لزوم الطرح نقول: يستفاد منها و من الفتاوى طريق الجمع بين الأوليين، و إن لم تكن هذه الطائفة بنفسها حجّة، و يكون الجمع

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 349، أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 11، و النّصف: الرجل بين الحدث و المسنّ، الصحاح، نصف.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 349، أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 12.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 348، أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 167

[مسألة 2: لو زنى البالغ العاقل المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة]

مسألة 2: لو زنى البالغ العاقل المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة فهل عليه الرجم أم الحدّ دون الرجم؟ وجهان، لا يبعد ثبوت الرجم عليه، و لو زنى المجنون بالعاقلة البالغة مع كونها مطاوعة فعليها الحدّ كاملة من رجم أو جلد، و ليس على المجنون حدّ على الأقوى (1).

______________________________

بهذا النحو جمعاً مقبولًا عند العرف، و مخرجاً لهما عن فرض التعارض، فلا مجال لإعمال قواعد هذا الباب، و الرجوع إلى المرجّحات التي منها المخالفة للعامّة، الموجودة في الطائفة الثانية، و حمل الأُخرى على التقيّة، فإنّ الرجوع إليها فرع ثبوت التّعارض، و هو متوقّف على عدم إمكان الجمع من حيث الدلالة، فقد ظهر أنّ مقتضى القواعد على أيّ نحو كانت الطائفة الثالثة هو التفصيل، كما اختاره في المتن

(1) أمّا الفرع الأوّل: و هو زنا المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة، فقد حكي عن نهاية

الشيخ «1» و جامع ابن سعيد «2» ثبوت الجلد فقط، و اختاره المحقّق في الشرائع «3» و في محكي الروضة «4» دعوى الشهرة على عدم الرجم في المجنونة، و إن قال في الجواهر: و إن كنّا لم نتحقّقها «5» و المحكيّ عن الحلبي «6» و ابني زهرة «7»

______________________________

(1) النهاية: 696.

(2) الجامع للشرائع: 552.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 937.

(4) الروضة البهية: 9/ 102- 103.

(5) جواهر الكلام: 41/ 320.

(6) الكافي في الفقه: 405.

(7) غُنية النزوع: 424.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 168

..........

______________________________

و إدريس «1» هو وجوب الرجم و ما لا بدّ من ملاحظته في المقام أُمور:

الأوّل: إطلاقات أدلّة الرجم في مورد الإحصان، فإنّ مقتضاها ثبوت الرجم في المقام؛ لكونها واردة في مقام البيان، و لم يقع فيها التقييد بوجه الثاني: موثّقة أبي مريم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) في آخر ما لقيته عن غلام لم يبلغ الحلم وقع على امرأة أو فجر بامرأة، أيّ شي ء يصنع بهما؟ قال: يضرب الغلام دون الحدّ، و يقام على المرأة الحدّ، قلت: جارية لم تبلغ وجدت مع رجل يفجر بها؟ قال: تضرب الجارية دون الحدّ، و يقام على الرجل الحدّ «2» و هل المراد بإقامة الحدّ على المرأة في الفرض الأوّل، و على الرجل في الفرض الثاني هو مطلق الحدّ القابل للانطباق على الرجم في مورد الإحصان، و على الجلد في غيره، كما يظهر من الجواهر «3»؟ أو أنّ المراد بالإقامة في الفرضين هو إقامة حدّ الجلد فقط؟ و الشاهد له ظهور الحدّ في قوله (عليه السّلام): «دون الحدّ» في خصوص الجلد؛ لعدم تصوّر عنوان الدون بالإضافة إلى الرجم، فمقتضى وحدة السياق كون المراد بالحدّ في

الفرضين هو الجلد أيضاً، و عليه فتدلّ الموثّقة على عدم ثبوت الرجم في الفرضين المذكورين فيها الثالث: صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في غلام صغير لم يدرك، ابن عشر سنين، زنى بامرأة، قال: يجلد الغلام دون الحدّ، و تجلد المرأة الحدّ كاملًا، قيل: فإن كانت محصنة؟ قال: لا ترجم؛ لأنّ الذي نكحها ليس بمدرك، و لو كان

______________________________

(1) السرائر: 3/ 443 444.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 362. أبواب حدّ الزنا ب 9 ح 2.

(3) جواهر الكلام: 41/ 321.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 169

..........

______________________________

مدركاً رجمت «1» و لا إشكال في دلالتها بالصّراحة على عدم ثبوت الرجم في المحصنة إذا زنى بها غلام صغير، و أمّا عدم ثبوته في المحصن إذا زنا بصغيرة فربّما يقال: بدلالة عموم التعليل الوارد فيها عليه، فإنّ المستفاد منه عرفاً اعتبار البلوغ في الطرف الآخر للزنا المقرون بالإحصان، و لكنّ الظّاهر اختصاص التعليل بمورد الرواية؛ لوجود الفرق بينه و بين عكسه؛ لأنّ الصبيّ غير المدرك لا يتحقّق منه النكاح الموجب لحصول اللذة للزانية كاملة، بخلاف الزنا بالصبية، و لكن مع دلالة الموثّقة على الفرضين بناءً على ما استفدنا منها لا يكون البحث في عموم التعليل بمهمّ، كما هو ظاهر الرابع: المرسلة المحكيّة عن السرائر قال: قد روي أنّه إذا زنا الرجل بصبيّة لم تبلغ و لا مثلها قد بلغ، لم يكن عليه أكثر من الجلد، و ليس عليه رجم، و كذا المرأة إذا زنت بصبي لم يبلغ. و قال أيضاً: روي أنّ الرجل إذا زنى بمجنونة لم يكن عليه رجم إذا كان محصناً، و كان عليه جلد مائة، و ليس على المجنونة شي ء بحال

«2» و قد ادّعي أنّها مجبورة بالشهرة الظاهرة و المحكية «3» و لكنّ الظاهر كما في الجواهر «4» عدم تحقّق الشهرة، و لذا لم يفت ابن إدريس نفسه على طبق المرسلة على ما حكي الخامس: الوجوه الاعتبارية التي لا مجال لشي ء منها، كالأصل، و نقص الحرمة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 362. أبواب حدّ الزنا ب 9 ح 1.

(2) السرائر: 3/ 444.

(3) رياض المسائل: 10/ 47.

(4) جواهر الكلام: 41/ 322.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 170

[الثالث: الجلد خاصّة]

الثالث: الجلد خاصّة، و هو ثابت على الزاني غير المحصن إذا لم يملك أي لم يزوّج، و على المرأة العاقلة البالغة إذا زنى بها طفل، كانت محصنة أو لا،

______________________________

فيهما بالنسبة إلى الكاملة، و لذا لم يحدّ قاذفهما، و نقص اللذة في الصغيرة، و فحوى نفي الرجم عن المحصنة إذا زنى بها صبيّ، و عدم القول بالفصل بين المحصنة إذا زنى بها صبيّ و بين المقام، بمعنى أنّ كلّ من قال بعدم الرجم فيها قال به أيضاً هنا، و كلّ من قال بثبوته عليها قال بثبوته هنا، و من الواضح بطلان هذه الوجوه و عدم صلاحيّتها للمقاومة في مقابل الإطلاقات، كما لا يخفى و قد انقدح من ملاحظة ما ذكرنا أنّه لا بدّ في هذا الفرع من التفصيل بين زنا المحصن بالصغيرة و بين زناه بالمجنونة، بالقول بثبوت الرجم في الثاني دون الأوّل؛ لعدم نهوض شي ء في الثاني في مقابل الإطلاقات المذكورة في الأمر الأوّل، و قد عرفت أنّ المرسلة غير منجبرة و أمّا الفرع الثاني: فلا إشكال في ثبوت الرجم فيه؛ لعدم وجود دليل على العدم و لو كان مرسلًا، بل و لا خلاف إلّا ما

يحكى عن يحيى بن سعيد «1» من المساواة بين الصبيّ و المجنون في عدم الرجم. قال في الجواهر: و هو مع شذوذه غير واضح الوجه كما اعترف به بعضهم «2» و قد مرّ منا ثبوت الرجم في عكس هذا الفرض أيضاً ثمّ إنّك عرفت سابقاً عدم ثبوت الحدّ على المجنون «3»، فلا وجه لإعادة البحث فيه أصلًا.

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 552.

(2) جواهر الكلام: 41/ 322.

(3) في ص 22 25.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 171

و على المرأة غير المحصنة إذا زنت (1).

______________________________

(1) حكم في المتن بثبوت الجلد خاصّة في موارد ثلاثة:

الأوّل: الرجل الزاني غير المحصن بشرط عدم كونه مملّكاً بمعنى عدم تحقّق التزويج منه أصلًا، و قد صرّح الماتن في القسم الخامس من أقسام حدّ الزنا بأنّه عبارة عن الجلد و التغريب و الجزّ، و بأنّ مورده البكر، و هو الذي تزوّج و لم يدخل بها، و جعل تفسير البكر بذلك هو الأقرب، فيستفاد من المجموع أنّ غير المحصن على قسمين: أحدهما: غير البكر، و هو الذي لم يتحقّق منه التزويج رأساً، و حدَّه الجلد خاصّة، و الثاني: البكر أو المملَّك، و هو الذي تزوّج و لم يدخل بها، و حدّه الجمع بين الأُمور الثلاثة المذكورة، و عليه ففي غير المحصن حدّان و يظهر هذا المعنى من محكيّ الشيخ في صريح النهاية «1» و ابني زهرة «2» و سعيد «3» و الكيدري «4» بل هو ظاهر الصدوق «5» و المفيد «6» و سلّار «7» و ابن حمزة «8» و عن العلّامة في التحرير «9» دعوى الشهرة عليه، و اختاره فيه و في المختلف «10» و ولده في

______________________________

(1) النهاية: 694.

(2) غُنية النزوع:

424.

(3) الجامع للشرائع: 550.

(4) إصباح الشيعة: 514.

(5) المقنع: 428، 431.

(6) المقنعة: 775، 780.

(7) المراسم: 255.

(8) الوسيلة: 411.

(9) تحرير الأحكام: 2/ 222.

(10) مختلف الشيعة: 9/ 149 151 مسألة 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 172

..........

______________________________

الإيضاح «1» و أبو العبّاس في المقتصر «2» بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه و لكنّه يظهر من جماعة أنّ غير المحصن قسم واحد، و حدّه الجمع بين الأمور الثلاثة المذكورة، و قد حكي هذا عن العمّاني و الإسكافي «3» و الحلبي «4» و صريح الشيخ في المبسوط و الخلاف «5» و عن السرائر «6» و المسالك نسبته إلى أكثر المتأخّرين «7» بل عن غيرها نسبته إلى الشهرة «8» بل عن ظاهر الخلاف و السرائر الإجماع عليه فيظهر من المجموع أنّ المسألة اختلافية، و أنّ دعوى الشهرة أو الإجماع في أحد طرفيها في غير محلّها، فلا بدّ من ملاحظة الأخبار الواردة فيها، فنقول: إنّها على طائفتين:

الأُولى: ما تدلّ على أنّ حدّ غير المحصن مطلقاً ليس هو الجلد فقط، بل يجلد و ينفى، و هذه الطائفة كثيرة:

منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: في الشيخ و الشيخة جلد مائة و الرّجم، و البكر و البكرة جلد مائة و نفي سنة «9» قال في الوسائل بعد نقل هذه

______________________________

(1) إيضاح الفوائد: 4/ 479.

(2) المقتصر: 401.

(3) حكى عنهما في مختلف الشيعة: 9/ 150.

(4) الكافي في الفقه: 405.

(5) المبسوط: 8/ 2، الخلاف: 5/ 368.

(6) السرائر: 3/ 441 442.

(7) مسالك الأفهام: 14/ 369.

(8) رياض المسائل: 10/ 49.

(9) وسائل الشيعة: 18/ 348، أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 173

..........

______________________________

الرواية: و رواه

الصدوق بإسناده عن حمّاد مثله، و زاد: و النفي من بلد إلى بلد، قال: و قد نفى أمير المؤمنين (عليه السّلام) من الكوفة إلى البصرة «1» و من الواضح أنّ البكر و البكرة في الصحيحة لا يكونان مقابلين للشيخ و الشيخة، بل للمحصن الذي هو المراد منهما بقرينة الإجماع، و التقييد بالشيخ و الشيخة لعلّه لأجل إخراج الشابّ و الشابّة من جهة عدم ثبوت الجمع فيهما، و لذا استفدنا ذلك منهما في بحثهما و منها: صحيحة عبد الرّحمن، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: كان عليّ (عليه السّلام) يضرب الشيخ و الشيخة مائة و يرجمهما، و يرجم المحصن و المحصنة، و يجلد البكر و البكرة، و ينفيهما سنة «2» و هذه الراوية واضحة الدلالة، من جهة جعل البكر و البكرة في مقابل المحصن مطلقاً أعمّ من الشيخ و الشيخة و غيرهما و منها: رواية عبد اللّٰه بن طلحة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إذا زنى الشيخ و العجوز جلدا ثمّ رجما عقوبة لهما، و إذا زنى النَّصف من الرجال رجم و لم يجلد إذا كان قد أُحصن، و إذا زنى الشابّ الحدث السنّ جلد، و نفي سنة من مصره «3» و تثليث الفروض بعد كون المراد بالأوّلين هو المحصن ظاهر في أنّ المراد بالقسم الثالث مطلق غير المحصن، و أنّ التعبير عنه بالشابّ الحدث السنّ بلحاظ كونه غير محصن غالباً، فتدلّ على أنّ مطلق غير المحصن حكمه الجلد و النفي، من دون فرق بين من تزوّج و لم يدخل، أو لم يتزوّج أصلًا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 348، أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 10.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 349، أبواب حدّ الزنا ب

1 ح 12.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 349، أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 11، و النَّصف: الرجل بين الحدث و المسنّ.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 174

..........

______________________________

و منها: رواية إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه (عليهم السّلام) أنّ محمّد ابن أبي بكر كتب إلى عليّ (عليه السّلام) في الرجل زنى بالمرأة اليهوديّة و النصرانيّة، فكتب (عليه السّلام) إليه: إن كان محصناً فارجمه، و إن كان بكراً فاجلده مائة جلدة ثمّ انفه، و أمّا اليهوديّة فابعث بها إلى أهل ملّتها فليقضوا فيها ما أحبّوا «1» و منها: رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الزاني إذا زنى أ ينفى؟ قال: فقال: نعم من التي جلد فيها إلى غيرها «2» فإنّ السؤال عن النفي ظاهر في كون المراد بالزاني من لا يكون حدّه الرجم، فالإطلاق و ترك الاستفصال ظاهر في ثبوت النفي في مطلق غير المحصن و منها: رواية سماعة قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): إذا زنى الرجل ينبغي للإمام أن ينفيه من الأرض التي جلد فيها إلى غيرها، فإنّما على الإمام أن يخرجه من المصر الذي جلد فيه «3» و الذيل قرينة على أنّه ليس المراد بكلمة «ينبغي» مجرّد الرجحان بل اللّزوم، و لكن روى هذه الرواية الصدوق في الفقيه «4» مع إضافة لفظة «فليس» بكلمة «ينبغي»، و عليه فيصير المراد من الرواية أنّه لا ينبغي للإمام تعيين المحلّ الذي ينفى إليه، بل اللازم مجرّد الإخراج من بلده، و تعيين المحلّ الآخر إنّما هو باختياره، و لكنّ الرواية على كلا النقلين من روايات هذه الطائفة و منها: رواية مثنّى الحنّاط، عن أبي

عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الزاني إذا جلد

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 361، أبواب حدّ الزنا ب 8 ح 5.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 393، أبواب حدّ الزنا ب 24 ح 2.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 393، أبواب حدّ الزنا ب 24 ح 3.

(4) من لا يحضره الفقيه: 4/ 25 26.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 175

..........

______________________________

الحدّ؟ قال: ينفى من الأرض إلى بلدة يكون فيها سنة «1» الطائفة الثانية: ما تدلّ على اختصاص النفي و التغريب مضافاً إلى الجلد بخصوص من أملك، أي تزوّج و لم يدخل بها، و هي ثلاث روايات:

الأُولى: صحيحة أو حسنة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في الشيخ و الشيخة أن يجلدا مائة، و قضى للمحصن الرجم، و قضى في البكر و البكرة إذا زنيا جلد مائة و نفي سنة في غير مصرهما، و هما اللذان قد أملكا و لم يدخل بها «2» و رواه الشيخ إلّا أنّه أسقط قوله (عليه السّلام): «و هما اللّذان» «3» و احتمال كون التفسير من الراوي و لذا لم ينقله الشيخ مدفوع بكونه خلاف الظاهر جدّاً، بل الظاهر كون التفسير من أبي جعفر (عليه السّلام)، و عدم نقل الشيخ له لا إشعار فيه بذلك؛ لما نرى من الاختلاف في النقل في الموارد الكثيرة، و ما المانع من النقل مع الإعلام بكون التفسير من الراوي، كما قد وقع في موارد أيضاً، و بالجملة لا مجال لهذا الاحتمال أصلًا نعم، يمكن أن يناقش فيها باشتمالها على نفي المرأة أيضاً، مع أنّ الشهرة على عدم ثبوته فيها «4» بل ادّعى الإجماع عليه «5» و يدفعها

مضافاً إلى اشتمال بعض الطائفة الأُولى على هذا الأمر أيضاً، كصحيحتي الحلبي و عبد الرحمن المتقدّمتين أنّ خروج المرأة بالإجماع أو غيره لا يوجب وهناً في الرواية، مع أنّ ثبوت الإجماع

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 393، أبواب حدّ الزنا ب 24 ح 4.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 347، أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 2.

(3) التهذيب: 10/ 36 ح 123.

(4) رياض المسائل: 10/ 51.

(5) الخلاف: 5/ 368 مسألة 3، غنية النزوع: 430.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 176

..........

______________________________

غير معلوم، كما سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى. و بالجملة المناقشة في هذه الرواية سنداً أو دلالة ممّا لا مجال له أصلًا الثانية: مرسلة يونس، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: المحصن يرجم، و الذي قد أُملك و لم يدخل بها فجلد مائة و نفي سنة «1» و رواه الشيخ عن يونس، عن زرارة من دون إرسال «2» و لكنّه ربّما يقال: بأنّ ملاحظة طبقات الرواة تقتضي أنّ يونس لا يمكن له النقل عن زرارة من دون واسطة، فلا بدّ أن يقال: بأنّ الواسطة محذوفة فيتحقّق الإرسال كما أنّه ربّما يناقش في دلالتها بأنّ إثبات الشي ء لا ينفي ما عداه، فإثبات الجلد و النفي في مورد المملَّك لا يستلزم النفي في غير المملّك، و لكنّ هذه المناقشة مندفعة جدّاً بظهور كون التقييد إنّما هو لبيان الاختصاص، و إلّا فلو كان الحكم مترتّباً على مطلق غير المحصن لم يكن وجه للتقييد، خصوصاً مع التعرّض لحكم المحصن مطلقاً في الجملة الأُولى، كما لا يخفى الثالثة: رواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: الذي لم يحصن يجلد مائة جلدة و لا ينفى، و

الذي قد أملك و لم يدخل بها يجلد مائة و ينفى «3» و قد نوقش فيها من حيث السند، باشتماله على موسى بن بكر و هو واقفيّ، و يمكن دفعها بأنّه و إن صرّح الشيخ «4» فقط في رجاله بكونه واقفياً، إلّا أنّه يمكن استفادة وثاقته من رواية مثل ابن أبي عمير، و صفوان بن يحيى عنه، مع أنّه

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 348، أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 6.

(2) التهذيب: 10/ 3 ح 8.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 348، أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 7.

(4) رجال الطوسي: 353 رقم 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 177

..........

______________________________

روى بعض الروايات المشتملة على النصّ على الرضا (عليه السّلام) أيضاً «1» و من حيث الدلالة بالاختلاف في متن الحديث، فإنّ الكافي «2» و الاستبصار «3» قد نقلا الرواية مثل ما ذكرنا، لكن في الوافي عن التهذيب: «و ينفى» في الموضعين بدون «لا»، «و التي قد أملكت» على المؤنث «4» و عن التهذيب «5» المطبوع «لا ينفى» في الأوّل «و التي قد أملكت» على التأنيث في الثاني و يؤيّد عدم وجود «لا» في الجملة الثانية مضافاً إلى أنّ التفكيك و إيراد جملتين لا يناسب مع وحدة الحكم؛ لأنّه على هذا التقدير لم تكن حاجة إلى التفكيك أنّ صاحب الوسائل لم يشر إلى هذا الاختلاف بوجه، بل قال بعد نقل الرواية: محمّد ابن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد مثله، و زاد في أوّله: «المحصن يجلد مائة و يرجم» و كيف كان فلا بدّ بملاحظة هذه الطائفة من رفع اليد عن إطلاق الطائفة الأُولى و تقييده بها، و الحكم باختصاص التغريب بخصوص غير المحصن إذا

أملك، و لم يدخل بها كما اختاره في المتن و يؤيّده رواية أصبغ بن نباتة «6» الواردة في خمسة نفر أُخذوا في الزنا، و أجرى

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشي: 490 ذ رقم 933 و ص 494 رقم 947.

(2) الكافي: 7/ 177 ح 6.

(3) الإستبصار: 4/ 200 ح 752.

(4) الوافي: 15/ 239.

(5) التهذيب: 10/ 4 ح 12.

(6) وسائل الشيعة: 18/ 350، أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 16.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 178

..........

______________________________

عليّ (عليه السّلام) حدّ الجلد فقط على الثالث منهم، معلّلًا بأنّه غير محصن حدّه الجلد بقي الكلام في أنّ الروايات المتقدّمة لم يقع في شي ء منها التعرّض للجزّ زائداً على الجلد و النفي، مع أنّه حكى في الجواهر عن الشيخين «1» و سلّار «2» و ابني حمزة «3» و سعيد «4» و الفاضلين «5» التصريح به، بل قال: لم يحك فيه خلاف، و إن حكي عن الصدوق و العماني و الإسكافي و الشيخ في الخلاف و المبسوط و ابن زهرة عدم التعرّض له «6» و يدلّ على ثبوته رواية حنان بن سدير قال: سأل رجل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا أسمع عن البكر يفجر و قد تزوّج، ففجر قبل أن يدخل بأهله؟ فقال: يضرب مائة و يجزّ شعره و ينفى من المصر حولًا، و يفرّق بينه و بين أهله «7» و رواية عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة و لم يدخل بها فزنى ما عليه؟ قال: يجلد الحدّ و يحلق رأسه و يفرّق بينه و بين أهله و ينفى سنة «8» و في مقابلهما

من حيث الدلالة على عدم وجوب التفريق رواية رفاعة بن موسى على نقل الصدوق، أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يزني قبل أن يدخل

______________________________

(1) المقنعة: 780، النهاية 694.

(2) المراسم: 255.

(3) الوسيلة: 411.

(4) الجامع للشرائع: 550.

(5) شرائع الإسلام: 4/ 937، التحرير: 2/ 222، قواعد الأحكام: 2/ 252، إرشاد الأذهان: 2/ 173.

(6) رياض المسائل: 10/ 48.

(7) وسائل الشيعة: 18/ 359، أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 7.

(8) وسائل الشيعة: 18/ 359، أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 179

..........

______________________________

بأهله أ يرجم؟ قال: لا، قلت: هل يفرّق بينهما إذا زنى قبل أن يدخل بها؟ قال: لا «1»، و المراد من التفرّق يحتمل أن يكون التفريق من حيث المكان بينه و بين أهله، بالإلزام بعدم مصاحبة أهله معه في محلّ النفي، و يحتمل أن يكون هو التطليق و إجباره على طلاق زوجته، و لكنّه لم يقع شي ء من الأمرين مورداً لافتاء الأصحاب ثمّ إنّ ذكر الرأس في الرواية الثانية قرينة على عدم كون المراد من الشعر في الرواية مطلق الشعر الشامل للّحية و الحاجب، بل خصوص شعر الرأس، نعم ظاهره حلق جميع شعر الرأس؛ لأنّه المتفاهم منه، فلا يكفي حلق شعر الناصية فقط، كما عن المقنعة «2» و المراسم «3» و كونه أشنع لا دخالة له في الحكم أصلًا ثمّ إنّه قد عبّر في الرواية الأُولى بالجزّ، و في الثانية بالحلق، فإن قلنا بأنّ الثاني أخصّ من الأوّل، فاللازم التقييد و تخصيص الحكم بالحلق، و إن قلنا بالمغايرة فالظاهر أنّ الحكم هو التخيير بين الأمرين. هذا تمام الكلام في المورد الأوّل المورد الثاني: من موارد ثبوت

الجلد خاصّة المرأة البالغة العاقلة إذا زنى بها طفل و إن كانت محصنة، و قد مرّ البحث فيه في المسألة الثانية، و أنّ مقتضى صحيحة أبي بصير المتقدّمة عدم ثبوت الرجم عليها، معلّلًا بأنّ الذي نكحها ليس بمدرك، و كذا موثّقة أبي مريم، بناءً على ما استفدنا منها، فراجع المورد الثالث: المرأة غير المحصنة إذا زنت، و في الجواهر في شرح قول المحقّق:

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه: 4/ 40 ح 5040، وسائل الشيعة: 18/ 358، أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 1 و 2.

(2) المقنعة: 780.

(3) المراسم: 255.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 180

..........

______________________________

و أمّا المرأة فعليها الجلد مائة و لا تغريب عليها و لا جزّ «1» قال: بلا خلاف معتدّ به أجده، بل في كشف اللثام «2» الاتّفاق عليه في الظاهر في الثاني، و عن الخلاف «3» و الغنية «4» و ظاهر المبسوط «5» الإجماع عليه في الأوّل «6» نعم عن ابني أبي عقيل و الجنيد «7» ثبوت التغريب عليها و أمّا بالنظر إلى الروايات، فالنصّ الدّال على الجزّ مورده الرجل، و مع احتمال الاختصاص به خصوصاً بملاحظة الفتاوى لا مجال لإلغاء الخصوصيّة و التعدّي من الرجل إلى المرأة أصلًا و أمّا ما ورد في التغريب فمقتضى الروايات الصحيحة المتقدّمة كصحيحة الحلبي، و صحيحة عبد الرحمن ثبوت النفي في المرأة أيضاً، و لكنّ الفتوى على خلافها، و ثبوت الشهرة أو الإجماع على العدم، خصوصاً مع كون مستندهم في تغريب الرجل نفس هذه الروايات تدلّ على اطّلاعهم على رأي الأئمة (عليهم السّلام) من طريق آخر و وصول هذا الرأي إليهم يداً بيد، و إلّا فكيف لم يفتوا بهذه الجهة من الروايات

الصحيحة المعتبرة و هذا هو الوجه في اختصاص الحكم بالتغريب بالرجل، لا ما ربّما يقال من

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 937.

(2) كشف اللثام: 2/ 399.

(3) الخلاف: 5/ 368 مسألة 3.

(4) غنية النزوع: 423.

(5) المبسوط: 8/ 2.

(6) جواهر الكلام: 41/ 328.

(7) حكى عنهما في مختلف الشيعة: 9/ 150.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 181

[الرابع: الجلد و الرجم معاً]

الرابع: الجلد و الرجم معاً، و هما حدّ الشيخ و الشيخة إذا كانا محصنين، فيجلدان أوّلًا ثمّ يرجمان (1)

[الخامس: الجلد و التغريب و الجزّ]

الخامس: الجلد و التغريب و الجزّ، و هي حدّ البكر، و هو الذي تزوّج و لم يدخل بها على الأقرب (2)

______________________________

الاستدلال عليه بقوله تعالى فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مٰا عَلَى الْمُحْصَنٰاتِ «1» نظراً إلى أنّه لو كانت المرأة الحرّة يجب عليها التغريب؛ لكان على الأمة نصف ذلك، مع أنّ الإجماع على أنّه لا تغريب عليها، و كذا ما يقال من أنّها لو غربت فإمّا مع محرم أو زوج وَ لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ «2» أو بدونه، و هو أيضاً غير جائز؛ لقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله): لا يحلّ لامرأة أن تسافر من غير ذي محرم «3» و كذا ما يقال من أنّ الشهوة غالبة فيهنّ، و الغالب أنّ انزجارهنّ عن الزنا لاستحيائهنّ من الأقارب، و وجود الحفاظ لهنّ من الرجال، و بالتغريب تخرج من أيدي الحفاظ لهنّ من الرجال، و يقلّ حيائهنّ لبعدهنّ من أقاربهنّ و ربّما اشتدّ فقرهنّ، فيصير مجموع ذلك سبباً لانفتاح باب هذه الفاحشة العظيمة عليهنّ، و ربّما يقهرن عليه إذا بعدن من الأقارب، فإنّ شيئاً من ذلك لا يصلح دليلًا في مقابل الروايات الصحيحة كما لا يخفى، فالوجه ما ذكرنا

(1) قد تكلّمنا في هذا القسم في القسم الثاني من أقسام حدّ الزنا مفصّلًا

(2) قد مرّ البحث في هذا القسم في القسم الثالث من تلك الأقسام أيضاً.

______________________________

(1) سورة النساء 4: 25.

(2) سورة الأنعام 6: 164.

(3) مسند أحمد: 3/ 54 ح 7418 و ص 244 ح 8496.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 182

[مسألة 3: الجزّ حلق الرأس]

مسألة 3: الجزّ حلق الرأس، و لا يجوز حلق لحيته و لا حلق حاجبه، و الظّاهر لزوم حلق جميع رأسه، و لا يكفي حلق

شعر الناصية (1)

[مسألة 4: حدّ النفي سنة من البلدة التي جلد فيها، و تعيين البلد مع الحاكم]

مسألة 4: حدّ النفي سنة من البلدة التي جلد فيها، و تعيين البلد مع الحاكم، و لو كانت بلدة الحدّ غير وطنه لا يجوز النفي منها إلى وطنه، بل لا بدّ من أن يكون إلى غير وطنه. و لو حدّه في فلاة لا يسقط النفي، فينفيه إلى غير وطنه، و لا فرق في البلد بين كونه مصراً أو قرية (2)

______________________________

(1) قد وقع البحث في هذه الجهة في ذيل البحث في المورد الأوّل من الموارد الثلاثة التي يثبت فيها الجلد خاصّة

(2) في هذه المسألة جهتان من البحث:

الاولى: في مقدار النفي من حيث الزمان، و الظّاهر أنّه السنة، لدلالة كثير من الروايات المتقدّمة على التقييد بها، و بها يقيّد إطلاق ما كان خالياً عن هذا القيد و غير متعرّض لاعتبار السنة، مع أنّه لا خلاف فيه ظاهراً الثانية: إنّ التغريب هل هو من مصره الذي هو وطن الزاني، أو من بلد الجلد و وقوع الحدّ عليه، أو من محلّ وقوع الزنا و تحقّق الجناية؟ وجوه حكي الثالث عن الشيخ في المبسوط «1» و يدلّ على الأوّل صريح رواية عبد اللّٰه بن طلحة المتقدّمة المشتملة على قوله (عليه السّلام): «نفي سنة من مصره» و ظاهر رواية محمّد بن قيس المتقدّمة أيضاً المشتملة على قوله: «نفي سنة في غير مصرهما» فإنّ ظاهرها نفي السنة من مصرهما

______________________________

(1) المبسوط: 8/ 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 183

..........

______________________________

إلى غيره و على الثاني رواية أبي بصير، المشتملة على قوله (عليه السّلام): «نعم من التي جلد فيها إلى غيرها» و رواية سماعة المشتملة على قوله (عليه السّلام): «من الأرض التي جلد فيها إلى غيرها» و

أمّا رواية مثنّى الحنّاط، المشتملة على قوله (عليه السّلام): «ينفى من الأرض إلى بلدة يكون فيها سنة» فقد احتمل في الجواهر «1» ظهورها فيما قاله الشيخ، مع أنّه ممنوع، و نظيرها رواية حنان بن سدير، المشتملة على قوله (عليه السّلام): «و ينفى من المصر حولًا» ثمّ إنّ هنا بعض الروايات الظّاهرة في أنّ النفي من بلد إلى بلد، كرواية الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: النفي من بلدة إلى بلدة، و قال: قد نفى عليّ (عليه السّلام) رجلين من الكوفة إلى البصرة «2» و رواية الحلبي المتقدّمة على نقل الصدوق المشتملة على زيادة: «و النفي من بلد إلى بلد». قال: و قد نفى أمير المؤمنين (عليه السّلام) من الكوفة «3» و الظّاهر عدم تعدّد الرواية كما أشرنا إليها مراراً و الظّاهر أنّ المراد منه في جانب المنفي إليه لزوم كون النفي إلى ما هو محلّ الإقامة لجماعة و مسكناً لهم، فلا يجوز النفي إلى محلّ خال من لوازم الحياة و وجود الجماعة، و أمّا في جانب المنفي منه فلم يعلم المراد منه، خصوصاً مع تنكير البلد و عدم إضافته إلى شي ء، و يمكن أن يكون المراد منه أنّه مع تحقّق الزنا في فلاة مثلًا لا بدّ و أن يكون النفي من البلد لا من محلّ وقوع الزنا و كيف كان، فالظّاهر أنّه بملاحظة أنّ التغريب و النفي نوع من العذاب و العقوبة

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 327.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 393، أبواب حدّ الزنا ب 24 ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 348، أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 184

[مسألة 5: في تكرّر الزنا مرّتين أو مرّات في يوم واحد أو أيّام متعدّدة بامرأة واحدة أو متعدّدة]

مسألة 5: في تكرّر

الزنا مرّتين أو مرّات في يوم واحد أو أيّام متعدّدة بامرأة واحدة أو متعدّدة حدّ واحد مع عدم إقامة الحدّ في خلالها، هذا إذا اقتضى الزنا المتكرّر نوعاً واحداً من الحدّ كالجلد مثلًا، و أمّا إن اقتضى حدوداً مختلفة، كأن يقتضي بعضه الجلد خاصّة و بعضه الجلد و الرجم، أو الرجم

______________________________

قد حكم الشارع بثبوته في مورده ينسبق إلى الذهن أنّه لا بدّ و أن يكون من موطن الشخص و محلّ إقامته و استراحته، و عليه فذكر بلد الجلد و النفي منه لعلّه كان بملاحظة أنّ الغالب كون بلد الجلد هو بلد الزاني و تحقّق إجراء الحدّ عليه فيه، لاشتمال المسافرة في تلك الأعصار على مشقّة شديدة و افتقارها إلى وسائل كثيرة، بخلاف هذه الأعصار و على ما ذكرنا لا يبقى مجال لاحتمال جواز التغريب من محلّ العقوبة و إجراء الحدّ إلى موطنه لو كان مغايراً له، و أمّا العكس فالظّاهر أنّه أيضاً غير جائز، لمنافاته لما يدلّ على النفي من بلد الجلد، و كون الاتّحاد هو الغالب لا يقتضي رفع اليد عن ظهوره، و عليه فمقتضى الاحتياط اللازم كون المنفي إليه غير بلد الزاني و غير بلد الجلد و أمّا ما أفيد في الذيل من عدم سقوط النفي لو تحقّق الحدّ في فلاة، بل اللازم نفيه إلى غير وطنه، فلأنّه لا دليل على السقوط في هذه الصورة، و إن حكي عن كشف اللثام، السقوط، إلّا أن يكون من منازل أهل البدو فيكون كالمصر «1» ثمّ إنّه من الواضح عدم كون المراد من المصر أو البلد الواقع في النصوص ما يقابل القرية، بل أعمّ منها كما لا يخفى.

______________________________

(1) كشف اللثام: 2/ 399.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير

الوسيلة - الحدود، ص: 185

فالظّاهر تكراره بتكرار سببه (1).

______________________________

(1) في مسألة التكرّر فروض قد أشار إلى جميعها المتن الأوّل: ما إذا أقيم عليه الحدّ في خلاله، فإنّه لا ينبغي الإشكال في ترتّب حدّ آخر على الزنا الواقع بعد إقامة الحدّ؛ لأنّه لا موجب للعدم بعد تحقّق موضوعه و ثبوت معصية زائدة مترتّب عليها الحدّ في لسان الدليل، و ترتّبه على العمل الأوّل لا يؤثّر في عدم ترتّبه على الثاني، كما أنّه لا يؤثّر في رفع حرمته، فلا مجال للإشكال في هذا الفرض الثاني: ما إذا كان مقتضى الزنا المتكرّر حدوداً مختلفة، كأن زنى بكراً، ثمّ زنى محصناً، و الظّاهر في هذا الفرض تكرار الحدّ و ترتّب الحدود المختلفة؛ لتحقّق الموضوع بالإضافة إلى كلّ واحد منها، و لا مجال لمسألة التداخل هنا بعد كون الأحكام متعدّدة، حتّى لو كان مقتضى واحد منها ثبوت الجلد فقط، و مقتضى الآخر الجلد و الرجم معاً كما مثّل به في المتن يقع التكرار بالإضافة إلى الجلد أيضاً، فضلًا عن ثبوته مع الرجم؛ لأنّ الجلد المنضمّ إلى الرجم إنّما كان مأخوذاً بعنوان جزء الحدّ، فيغاير مع الجلد الذي هو تمام الحدّ، و الظّاهر خروج هذا الفرض عن إطلاق كلام من اكتفى بالحدّ الواحد في مورد الزنا المتكرّر، خصوصاً مع ملاحظة ما سيأتي في المسائل الآتية من أنّه في صورة اجتماع الجلد و الرجم لا بدّ من تقديم الجلد و إجرائه أوّلًا، ثمّ الرجم، و لا وجه لحملها على ما إذا كان ثبوتهما في زنا واحد، كما في الشيخ و الشيخة المحصنين، فتدبّر الثالث: ما إذا كان مقتضى الزنا المتكرّر حدّا واحداً و لم يتخلّل إجراء الحدّ في البين، و كان

من الممكن تكرّره كما في الجلد، دون ما إذا لم يكن كما في الرجم،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 186

..........

______________________________

و المشهور بين الأصحاب ثبوت حدّ واحد، بل استند إليها العلّامة «1» في المسألة، و هو يشعر كما في الجواهر «2» بوصولها حدّ الإجماع؛ لعدم حجّيّتها عنده مع عدم وصولها إلى ذلك الحدّ، و هذا من دون فرق بين ما إذا كان الزنا المتكرّر بامرأة واحدة، و ما إذا كان بنسوة متعدّدة، و لكنّ المحكيّ عن الإسكافي «3» و الصدوق «4» هو التفصيل و الحكم بالتكرّر في الفرض الثاني، استناداً إلى رواية أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يزني في اليوم الواحد مراراً كثيرة؟ قال: فقال: إن زنى بامرأة واحدة كذا و كذا مرّة فإنّما عليه حدّ واحد، فإن هو زنى بنسوة شتّى في يوم واحد و في ساعة واحدة فإنّ عليه في كلّ امرأة فجر بها حدّا «5» و المناقشة في السند باعتبار اشتماله على عليّ بن أبي حمزة، و هو واقفي ضعيف مدفوعة بأنّ رواية الحسن بن محبوب الذي هو من أصحاب الإجماع يجبر الضعف، فلا وجه لما في الرياض من أنّه قاصر السند «6» كما أنّ المناقشة في الدلالة باعتبار تقييد الحكم بالتعدّد بما إذا كان في يوم واحد و في ساعة واحدة مدفوعة أيضاً، بأنّ التعرّض لذلك إنّما هو باعتبار كونه الفرد الخفي، و أنّ الحكم جارٍ في سائر الأفراد بطريق أولى.

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 9/ 176.

(2) جواهر الكلام: 41/ 334.

(3) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/ 176.

(4) المقنع: 438.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 392، أبواب حدّ الزنا ب 23 ح 1.

(6) رياض المسائل: 10/

54.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 187

..........

______________________________

و العمدة إعراض الأصحاب عن هذه الرواية و طرحهم لها، مع كونها بمرأى و منظر منهم، و هذا يكشف كما أشرنا إليه في المسألة السابقة عن وصول رأي الإمام (عليه السّلام) إليهم يداً بيد، و خلفاً عن سلف، و اطّلاعهم على عدم كون الرواية مطابقة لرأيهم (عليهم السّلام) و احتمال كون مستند الأصحاب في هذه المسألة قاعدة التداخل المعنونة في الأصول، مردود بثبوت الاختلاف فيها؛ لأنّ مقتضى القاعدة عند جماعة منهم عدم التداخل، كما يظهر بالمراجعة إلى الأُصول نعم، ذكر صاحب الجواهر «1» (قدّس سرّه) أنّه لا يكون المقام من صغريات قاعدة التداخل و عدمه أصلًا، و تقريب كلامه أنّ مورد تلك القاعدة ما إذا كان الحكم المترتّب على الطبيعة موضوعه فعل المكلّف و عمله، القابل للتكرّر و التعدّد كالزنا مثلًا، و أمّا في المقام فالحكم إنّما ترتّب على عنوان الزانية و الزاني، كما في الآية الشريفة «2» و من الواضح أنّ تكرّر العمل لا يوجب تكرّر عنوان الزاني و تعدّده، ضرورة أنّ الزاني واحد و إن كان الزنا واقعاً مكرّراً و الإيراد عليه بأنّ تعليق الحكم على وصف الزاني مشعر بالعلّية، فيستفاد منه كون السبب هو الزنا، مدفوعٌ أوّلًا بعدم كفاية الإشعار بمجرّده، و ثانياً بأنّ اللازم ملاحظة موضوع الحكم، و هو الزاني الذي لا يكون متعدّداً كما أنّ الإيراد عليه بأنّ لازمه عدم تكرّر الحدّ و لو مع التخلّل في البين واضح الدفع.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 334.

(2) سورة النور 24: 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 188

[مسألة 6: لو تكرّر من الحرّ غير المحصن]

مسألة 6: لو تكرّر من الحرّ غير المحصن و لو كان امرأة

فأقيم عليه الحدّ ثلاث مرّات قتل في الرابعة. و قيل: قتل في الثالثة بعد إقامة الحدّ مرّتين، و هو غير مرضيّ (1).

______________________________

و بالجملة لا محيص عن الحكم بما في المتن، إمّا لأجل كشف الشهرة مع وجود النصّ على خلافها عن رأي المعصوم (عليه السّلام)، و إمّا لما أفاده صاحب الجواهر (قدّس سرّه)

(1) ما اختاره في المتن هو المشهور، و عن الانتصار «1» و الغنية «2» الإجماع عليه. و القول الآخر محكي عن الصدوقين «3» و الحلّي، بل عن السرائر الإجماع عليه «4»، و هنا قول ثالث ذهب إليه الشيخ (قدّس سرّه) في كتاب الخلاف، قال: «إذا جلد الزاني الحرّ البكر أربع مرّات قتل في الخامسة، و كذلك في القذف يقتل في الخامسة، و العبد يقتل في الثامنة، و قد روي أنّ الحرّ يقتل في الرابعة، و خالف جميع الفقهاء في ذلك و قالوا: عليه الحدّ بالغاً ما بلغ. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم» «5» و الظاهر أنّ معقد إجماعه هو أصل ثبوت القتل في مورد التكرار في مقابل العامّة، المنكرين له رأساً «6» لا ثبوته في الخامسة، كما لا يخفى و كيف كان، فالدليل على القول الثاني صحيحة يونس، عن أبي الحسن

______________________________

(1) الإنتصار: 519.

(2) غنية النزوع: 421.

(3) المقنع: 428، و نسبه في المختلف: 9/ 155 إلى الصدوقين.

(4) السرائر: 3/ 442.

(5) الخلاف 5/ 408 مسألة 55.

(6) المغني لابن قدامة: 10/ 197، أسهل المدارك: 2/ 262.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 189

..........

______________________________

الماضي (عليه السّلام) قال: أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة «1» فإنّها تدلّ بعمومها على ثبوت الحكم في الزنا الذي هو من الكبائر و الدّليل على

قول المشهور موثّقة أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): الزاني إذا زنى يجلد ثلاثاً و يقتل في الرابعة، يعني: جلد ثلاث مرّات «2» و التفسير و إن كان من الراوي، إلّا أنّه لا يكون مخالفاً للظاهر، بل العبارة في نفسه ظاهرة في ذلك بقرينة قوله: في الرابعة و رواية محمّد بن سنان، عن الرضا (عليه السّلام) فيما كتب إليه: و علّة القتل بعد إقامة الحدّ في الثالثة على الزاني و الزانية لاستحقاقهما و قلّة مبالاتهما بالضرب حتّى كأنّه مطلق لهما ذلك، و علّة اخرى أنّ المستخفّ باللّٰه و بالحدّ كافر فوجب عليه القتل لدخوله في الكفر «3» و قوله: في الثالثة متعلّق بإقامة الحدّ لا بالقتل، لقربه منه أوّلًا، و لأنّ قوله: على الزاني .. متعلّق بإقامة الحدّ قطعاً، فلا مجال لإرجاع ما وقع في البين إلى القتل كما لا يخفى و الجمع بين هاتين الروايتين و الصحيحة المتقدّمة إنّما هو بالتخصيص؛ لأنّها دالّة بالعموم، و هما واردتان في مورد الزنا، فيجب التخصيص، فلا محيص عن قول المشهور، و أمّا القول الثالث فلم يعرف له مستند أصلًا، و يمكن أن يكون مستنده ما ورد في الرواية الواردة في المملوك من قوله (عليه السّلام): «لأنّ الحرّ إذا زنى أربع مرّات

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 388، أبواب حدّ الزنا ب 20 ح 3.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 387، أبواب حدّ الزنا ب 20 ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 388، أبواب حدّ الزنا ب 20 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 190

[مسألة 7: قالوا: الحاكم بالخيار في الذمّي بين إقامة الحدّ عليه و تسليمه إلى أهل نحلته و ملّته ليقيموا الحدّ على معتقدهم]

مسألة 7: قالوا: الحاكم بالخيار في الذمّي بين إقامة الحدّ عليه و تسليمه إلى أهل نحلته و ملّته ليقيموا

الحدّ على معتقدهم، و الأحوط إجراء الحدّ عليه، هذا إذا زنى بالذمّية أو الكافرة، و إلّا فيجري عليه الحدّ بلا إشكال (1).

______________________________

و أقيم عليه الحدّ قتل» «1» و لكن في نفس الرواية شواهد على أنّ المراد هو القتل في الرابعة، فراجع ثمّ إنّ تقييد الموضوع بالحرّ إنّما هو لأجل أنّ المملوك لا يقتل في الثالثة، أو الرابعة، بل في الثامنة أو التاسعة، و حيث إنّه غير مبتلى به فقد ترك التعرّض لحكمه. كما أنّ التقييد بغير المحصن إنّما هو لعدم جريان هذا البحث في المحصن، لأنّه بإجراء الحدّ عليه مرّة لا يبقى موضوع للمرّة الثانية، فضلًا عن القتل، كما أنّ التعميم للمرأة إنّما هو لأجل عموم الدليل أو إطلاقه، و التعبير بالزاني في الموثّقة لا يفهم منه الخصوصيّة بوجه أصلًا نعم، لا بدّ من الالتفات إلى أنّ القتل لا يكون مترتّباً على التكرّر بما هو، بل إنّما هو من آثار إقامة الحدّ عليه مرّتين أو ثلاثة، فإذا ترتّب حدّ واحد على الزنا المتكرّر ألف مرّة كما مرّ في المسألة السابقة، لا يوجب ذلك ترتّب حكم القتل، بل يتوقّف على ترتّب حدّ آخر أو حدّين

(1) المشهور في المسألة هو الحكم بالخيار، بل قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه، كما عن بعضهم الاعتراف به، بل في الرياض «2» جعله الحجّة «3» و يدلّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 402، أبواب حدّ الزنا ب 32 ح 1.

(2) رياض المسائل: 10/ 58.

(3) جواهر الكلام: 41/ 336.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 191

..........

______________________________

عليه أمران:

الأوّل: ظاهر الكتاب بل صريحه، قال اللّٰه تبارك و تعالى فَإِنْ جٰاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ

يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ «1» و لكن ربّما يتوهّم «2» أنّ قوله تعالى بعد ذلك مع فصل خمس آيات وَ أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ الْكِتٰابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتٰابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ «3» ناسخ للآية الاولى، لظهورها في تعيّن الحكم على ما تقتضيه الشريعة الإسلامية، و يؤيّده ما حكي في بعض التفاسير «4» عن ابن عباس من كونها منسوخة بالآية الثانية و لكنّ السياق يشهد بعدم كونها ناسخة لها؛ لأنّ الظّاهر نزولها مع الآيات المتعدّدة الأُخرى في واقعة واحدة و دفعة واحدة، كما يظهر بملاحظة شأن نزولها، و هو على ما في «المجمع» ملخّصاً حاكياً له عن الباقر (عليه السّلام) و جماعة من المفسّرين: أنّ امرأة من خيبر ذات شرف بينهم زنت مع رجل من أشرافهم و هما محصنان، فكرهوا رجمهما، فأرسلوا إلى يهود المدينة و كتبوا إليهم أن يسألوا النبيَّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) عن ذلك طمعاً في أن يأتي لهم برخصة، فانطلق قوم .. فقالوا: يا محمّد أخبرنا عن الزاني و الزانية إذا أُحصنا ما حدّهما؟ فقال: و هل ترضون بقضائي في ذلك؟ قالوا: نعم، فنزل جبرئيل بالرجم، فأخبرهم بذلك فأبوا أن يأخذوا به، فقال جبرئيل:

______________________________

(1) سورة المائدة 5: 42.

(2) راجع الجامع لأحكام القرآن: 6/ 185، مجمع البيان: 3/ 325.

(3) سورة المائدة: 5/ 48، لكن يظهر من التفاسير أنّ للعامّة قول بنسخة بقوله تعالى وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ يعني الآية 49 من سورة المائدة لا الآية 48.

(4) الجامع لأحكام القرآن: 6/ 185- 186، الدرّ المنثور: 2/ 284 285.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود،

ص: 192

..........

______________________________

اجعل بينك و بينهم ابن صوريا و وصفه له، فقال النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله): هل تعرفون ابن صوريا؟ قالوا: نعم، قال: فأيّ رجل هو فيكم؟ قالوا: أعلم يهوديّ بقي على ظهر الأرض بما أنزل اللّٰه على موسى (عليه السّلام)، قال: فأرسلوا إليه ففعلوا، فأتاهم عبد اللّٰه بن صوريا، فقال له النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله): إنّي أنشدك اللّٰه .. هل تجدون في كتابكم الرجم على من أحصن؟ قال ابن صوريا: نعم إلى أن قال: فأمر بهما النبيّ فرجما عند باب المسجد «1» هذا، مضافاً إلى أنّه لا مجال لاحتمال النسخ بوجه؛ لعدم المنافاة بين الآيتين بعد صراحة الاولى في التخيير، و ظهور الثانية في التعيّن، و عدم المعارضة بين النصّ و الظّاهر كما هو واضح الأمر الثاني: وجود طائفتين من الروايات في المسألة، يكون مقتضى الجمع بينهما هو الحمل على التخيير، لظهور إحداهما في تعيّن الحكم على وفق الإسلام، و ظهور الثانية في تعيّن الحكم على طبق مذهبهم و مقتضى قوانينهم أمّا الطائفة الأُولى: فهي رواية عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن يهوديّ أو نصرانيّ أو مجوسيّ أخذ زانياً، أو شارب خمر ما عليه؟ قال: يقام عليه حدود المسلمين إذا فعلوا ذلك في مصر من أمصار المسلمين، أو في غير أمصار المسلمين إذا رفعوا إلى حكّام المسلمين «2» و صحيحة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن دية اليهود و النصارى و المجوس، قال: هم سواء ثمانمائة درهم، قلت: إن أُخذوا في بلاد المسلمين و هم يعملون الفاحشة أ يقام عليهم الحدّ؟ قال: نعم يحكم فيهم بأحكام المسلمين «3».

______________________________

(1) مجمع

البيان: 3/ 320 321، البرهان في تفسير القرآن: 1/ 472 473.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 338، أبواب مقدّمات الحدود ب 29 ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 162، كتاب الديات، أبواب ديات النفس ب 13 ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 193

..........

______________________________

و أمّا الطائفة الثانية: فهي رواية إسماعيل بن أبي زياد السكوني عن جعفر بن محمّد، عن آبائه (عليهم السّلام): أنّ محمّد بن أبي بكر كتب إلى عليّ (عليه السّلام) في الرجل زنى بالمرأة اليهوديّة و النصرانيّة، فكتب (عليه السّلام) إليه: إن كان محصناً فارجمه، و إن كان بكراً فاجلده مائة جلدة ثمّ انفه، و أمّا اليهوديّة فابعث بها إلى أهل ملّتها فليقضوا فيها ما أحبّوا «1» و ما رواه في كتاب الغارات عن الحارث، عن أبيه قال: بعث عليّ (عليه السّلام) محمّد بن أبي بكر أميراً على مصر، فكتب إلى عليّ (عليه السّلام) يسأله عن رجل مسلم فجر بامرأة نصرانيّة، و عن قوم زنادقة .. فكتب إليه عليّ (عليه السّلام): أن أقم الحدّ فيهم على المسلم الذي فجر بالنصرانيّة، و ادفع النصرانيّة إلى النصارى يقضون فيها ما شاؤوا، و أمره في الزنادقة .. «2» و الظّاهر اتّحادها مع الرواية الأُولى، بمعنى كون الكتابة مرّة واحدة، غاية الأمر تعدّد الناقل و قد عرفت أنّ مقتضى القاعدة الحمل على التخيير؛ لأنّ الظهور في كليهما ظهور إطلاقيّ، و هو موقوف على عدم وجود القرينة على التقييد، مع أنّ الطرف الآخر صالح للمقيديّة، فبقرينته يرفع اليد عن الظهور و يرتفع التعيّن من البين و يؤيّد التخيير أيضاً رواية أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: إنّ الحاكم إذا أتاه أهل التوراة و أهل الإنجيل

يتحاكمون إليه كان ذلك إليه، إن شاء حكم بينهم،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 361، أبواب حدّ الزنا ب 8 ح 5.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 415، أبواب حدّ الزنا ب 50 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 194

..........

______________________________

و إن شاء تركهم «1» نظراً إلى أنّ موضوع الحكم بالتخيير فيها و إن كان مورد التحاكم و التخاصم، إلّا أنّ المستفاد منها ثبوت التخيير في جميع الموارد، كما لا يخفى ثمّ إنّ ظاهر عبارات الفقهاء أنّ أحد طرفي التخيير هو أن يدفعه الإمام إلى أهل نحلته ليقيموا الحدّ على معتقدهم، و مرجع ذلك إلى عدم الاكتفاء بمجرّد الإعراض و الترك و عدم الدخالة، و لكنّه فسّر الدفع في محكيّ كشف اللثام بالإعراض، قال: فإن الدفع ليقيم عليه من الحدّ ما يراه أمر بالمنكر إن خالف الواجب في شرعنا. نعم، يجوز إذا وافقه «2» و يؤيّده التعبير بالإعراض في الآية الشريفة، و بالترك في رواية أبي بصير الأخيرة و لكنّ الظّاهر أنّه لا مجال لرفع اليد عن مثل رواية السكوني، الظاهرة في لزوم الدفع إلى النصارى و التسليم إليهم حتّى يقضوا فيها ما يشاؤا، و لا مجال معه لدعوى كون الدفع أمراً بالمنكر إن خالف الواجب في شرعنا؛ لعدم إحاطتنا بمصالح الأحكام، و الفقيه تابع للدليل، فهي اجتهاد في مقابل النصّ و الفتوى، كما في الجواهر «3» و بمثل الرواية يفسّر الإعراض في الآية و يقال بأنّه ليس المراد منها مجرّد الترك، بل الترك و الإرجاع إلى قضاتهم، فتدبّر ثمّ إنّه يظهر من المتن الترديد في أصل الحكم بالتخيير، حيث نسب هذا الحكم

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 218، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم و أحكام

الدعوى ب 27 ح 1.

(2) كشف اللثام: 2/ 404.

(3) جواهر الكلام: 41/ 336.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 195

..........

______________________________

إلى الأصحاب، و احتاط لزوماً إجراء أحكام الإسلام عليه، و لعلّه لأجل كون الحكم على خلاف القاعدة؛ لأنّ مقتضاها تعيّن إجراء أحكام الإسلام بعد ثبوتها بالإضافة إلى المسلمين و الكافرين، و الحكم على خلاف القاعدة يحتاج ثبوته إلى دليل قويّ، و ليس من بين الأدلّة المذكورة ما ينطبق على قول الأصحاب، إلّا رواية السكوني، و هل يمكن إثبات مثل هذا الحكم بها؟

و لكن بعد ملاحظة ما ذكرنا يظهر أنّه لا مجال للمناقشة في أصل التخيير؛ لدلالة الكتاب و السنّة مضافاً إلى الفتاوى عليه بقي الكلام في الفرض المذكور في الذيل، و هو ما إذا زنى الذمّي بالمسلمة، و قد نفى الإشكال في المتن عن إجراء الحدّ عليه أي متعيّناً تبعاً لصاحب الجواهر حيث قال: على الإمام قتله، و لا يجوز الإعراض؛ لأنّه هتك حرمة الإسلام و خرج عن الذمّة «1» أقول: إن كان مراده أنّه بذلك يخرج حقيقة من الذمّة، و يدخل في الكافر الحربي الذي يجب قتله ليس إلّا، فمن الواضح عدم خروج الذمّي بذلك عن عنوان الذمّة، بحيث صار من مصاديق الكافر الحربي و إن كان مراده أنّ الإسلام حكم في هذا المورد بثبوت القتل، كما عرفت في الموارد الثلاثة التي كان الحكم فيها القتل، فذلك لا ينافي ثبوت التخيير؛ لأنّ القتل إنّما هو حكمه في الإسلام إذا أريد إجراء أحكام الإسلام عليه، و أمّا إذا دفع إلى حكّامهم فلا و بالجملة: فأيّ فرق بين هذه الصورة، و بين ما إذا زنى بذات محرم من النسب

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 336.

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 196

[مسألة 8: لا يقام الحدّ رجماً و لا جلداً على الحامل]

مسألة 8: لا يقام الحدّ رجماً و لا جلداً على الحامل، و لو كان حمله من الزنا، حتى تضع حملها و تخرج من نفاسها إن خيف في الجلد الضرر على ولدها، و حتى ترضع ولدها إن لم تكن له مرضعة، و لو كان جلداً إن خيف الإضرار برضاعها، و لو وجد له كافل يجب عليها الحدّ مع عدم الخوف عليه (1).

______________________________

من جهة كون حكم الإسلام في كلتيهما هو القتل، و مجرّد كون الموضوع للقتل في المقام هو الذمّي بخلاف الزنا بذات المحرم، الذي هو أعمّ من المسلم و الكافر لا يقتضي الفرق؛ لأنّه بعد فرض كون دليل التخيير حاكماً على الأدلّة الأوّلية و ناظراً إليها، لا تكون هذه الجهة بفارقة؛ لعدم ملاحظة النسبة في مسألة الحكومة بوجه و لكن التحقيق أنّ نسبة أدلّة التخيير الواردة في خصوص الذمّي إلى أدلّة الحدود، كدليل الزنا بذات محرم، هي نسبة التخصيص أو التقييد؛ لأنّ أدلّة الحدود واردة في مورد عموم المكلّفين من المسلم و الكافر، و أدلّة التخيير بمنزلة الاستثناء الوارد عليها، كأنّه قيل: الزنا بذات محرم يوجب القتل من أيّ شخص تحقّق إلّا إذا كان الزاني ذمّيا، فإنّه لا يتعيّن فيه القتل، بل يتخير الحاكم بينه و بين أن يدفعه إلى حكّامهم حتّى يقضوا فيه ما أحبّوا و إذا كانت النسبة كذلك، فمن الواضح أنّه لا مجال لكون أدلّة التخيير مخصّصة لما ورد في الذمّي إذا زنى بالمسلمة؛ لأنّ النسبة بينها و بينه تكون على العكس، بمعنى أنّ ما ورد في الذمّي الزاني بالمسلمة يكون مخصّصاً لأدلّة التخيير و بمنزلة الاستثناء لها، فتصير النتيجة تعيّن القتل في

هذا المورد كما أفيد في المتن

(1) أمّا عدم إقامة الحدّ على الحامل و لو كان حمله من الزنا، فيدلّ عليه مضافاً

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 197

..........

______________________________

إلى ما في الجواهر من قوله: بلا خلاف أجده نصّاً و فتوى، بل و لا إشكال مع فرض خوف الضرر على ولدها لو جلدت «1» ما رواه المفيد في الإرشاد عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّه قال لعمر و قد اتي بحامل قد زنت، فأمر برجمها، فقال له عليّ (عليه السّلام): هب لك سبيل عليها، أيّ سبيل لك على ما في بطنها، و اللّٰه يقول وَ لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ «2» فقال عمر: لا عشت لمعضلة لا يكون لها أبو الحسن، ثمّ قال: فما أصنع بها يا أبا الحسن؟ قال: احتط عليها حتّى تلد، فإذا ولدت و وجدت لولدها من يكفله فأقم الحدّ عليها «3» و موردها و إن كان هو الرجم إلّا أنّه يستفاد منها خصوصاً بملاحظة الاستشهاد بالآية أنّه لا يجوز إقامة حدّ الجلد أيضاً إذا كان مضرّاً بالولد، كما أنّ استناد الأصحاب إلى الرواية في الفتوى المذكورة يوجب جبر ضعفها بالإرسال، خصوصاً بملاحظة الاستشهاد المذكور و أمّا عدم إقامة الحدّ عليها حتّى تخرج من نفاسها، فالظاهر أنّه إن كان الحدّ هو الرجم و قد مات الولد حين وضعه، أو ولد ميّتاً لا مانع من رجمها أصلًا؛ لكون مورد الرواية السابقة صورة وجود الولد، و ليس هنا ما يدلّ على تأخير الرجم، بل لا وجه له. نعم، لو كان الحدّ هو الرجم، و كان الولد موجوداً، لا بدّ من ملاحظة الولد، و أنّه هل يوجد له كافل أم لا؟ و

أنّه هل يكون هناك خوف بالإضافة إليه أم لا؟ و المنشأ هي الرواية المتقدّمة بضميمة الاستشهاد المذكور فيها و أمّا لو كان الحدّ هو الجلد، فإن كان في ذلك خوف التلف بالإضافة إليها،

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 337.

(2) سورة فاطر 35: 18.

(3) الإرشاد للمفيد: 1/ 204، وسائل الشيعة: 18/ 381، أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 198

..........

______________________________

فالظّاهر لزوم التأخير؛ لقول أمير المؤمنين (عليه السّلام): إنّ أمة لرسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) زنت فأمرني أن أجلدها فإذا هي حديث بنفاس، فخشيت أن أجلدها فأقتلها، فذكرت ذلك للنبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) فقال: دعها حتّى ينقطع دمها، ثمّ أقم عليها الحدّ «1» كما أنّه لو كان في ذلك خوف الضرر على ولدها يلزم التأخير، لما يستفاد من رواية الإرشاد المتقدّمة و ممّا ذكرنا تظهر المناقشة في عبارة المتن من جهتين: من جهة أنّ مقتضى إطلاقها لزوم تأخير الرجم حتّى تخرج من نفاسها، و لو فرض موت الولد حين وضعه مثلًا، مع أنّه لا دليل عليه، و إن كان مقتضى جملة من الروايات المرسلة المنقولة في المستدرك عن الجعفريات و الدعائم و العوالي عدم إقامة الحدّ على النفساء مطلقاً حتّى تطهر «2»، إلّا أنّ الظّاهر عدم التزام الأصحاب به، و إن كان مقتضى جملة من عباراتهم أيضاً ذلك، كعبارة المحقّق في الشرائع «3» لكن صاحب الجواهر (قدّس سرّه) قد صرّح بأنّه لو مات الولد حين وضعه رجمت «4»، من غير إشعار باحتمال الخلاف في المسألة و من جهة تقييد الخروج من النفاس بخصوص ما إذا خيف الضرر في الجلد على الولد، مع أنّه ربّما يخاف على

نفسها أيضاً كما عرفت في الرواية المتقدّمة و أمّا عدم إقامة الحدّ عليها حتّى ترضع إن لم يكن له مرضعة، فيدلّ عليه مضافاً إلى رواية الإرشاد المتقدّمة؛ لأنّ الاحتياج إلى المرضعة أقوى من الاحتياج إلى الكافل موثقة عمّار الساباطي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن محصنة زنت

______________________________

(1) سنن البيهقي: 8/ 229، سنن أبي داود: 4/ 400 ح 4473.

(2) مستدرك الوسائل: 18/ 16، أبواب مقدّمات الحدود ب 11.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 938.

(4) جواهر الكلام: 41/ 339.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 199

..........

______________________________

و هي حبلى، قال: تقرّ حتّى تضع ما في بطنها و ترضع ولدها، ثمّ ترجم «1» و يؤيّده النبوي أنّه قال لها: حتّى تضعي ما في بطنك، فلما ولدت قال: اذهبي فأرضعيه حتّى تفطميه «2» و النبوي الآخر أنّها لمّا ولدته قال: إذن لا نرجمها و ندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه، فقام رجل من الأنصار فقال: إليّ رضاعه يا نبي اللّٰه، فرجمها «3» و لكن ظاهر رواية أبي مريم خلاف ذلك، حيث إنّها تدلّ على أنّها بعد ما أقرّت بالفجور أربع مرّات أمر أمير المؤمنين (عليه السّلام) بها فحبست و كانت حاملًا، فتربّص بها حتّى وضعت، ثمّ أمر بها بعد ذلك فحفر لها حفيرة .. «4» و لكنّها لا تصلح للمعارضة لما ذكر؛ لإمكان حملها على صورة وجود الكافل و المتصدّي للرضاع و أمّا وجوب إقامة الحدّ عليها مع وجود الكافل و المتصدّي للرضاع فيدلّ عليه أيضاً مضافاً إلى رواية الإرشاد لدلالتها على وجوب الإقامة مع وجود من يكفله رواية ميثم المفصلّة، المتقدّمة في بعض المباحث السابقة «5» الظّاهرة في تأخّر الحدّ عن مسألة الكفالة، و

لكن تجري فيها المناقشة من وجهين:

أحدهما: كون التأخير فيها قبل ثبوت الحكم عليها بسبب الإقرار و قبل تنجّز الحدّ، حيث لم يثبت بالإقرارات الأربع بعدُ ثانيهما: من جهة كون الكفالة المذكورة فيها هي الكفالة بعد تمامية الرضاع حولين كاملين، حتّى يعقل الولد أن يأكل و يشرب و لا يتردّى من سطح و لا يتهوّر

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 380، أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 4.

(2) سنن البيهقي: 8/ 229.

(3) سنن البيهقي: 8/ 229.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 380، أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 5.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 377، أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 1، و قد تقدّمت في ص 84 86.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 200

..........

______________________________

في بئر، مع أنّ الكفالة في كلام الفقهاء هي التصدّي للرضاع ذلك المقدار، و هي الواقعة مقام المرضع و لكن يمكن دفع المناقشة من الجهة الأُولى بظهور الرواية في تأخّر الرجم عن ذلك، و إن كان موردها قبل تنجّز الحدّ بسبب الإقرار ثمّ إنّ المحكيّ عن كشف اللثام أنّه قال بعد نقل هذه الرواية: و لمّا لم يكمل نصاب الإقرار إلّا بعد ذلك لم يسترضع (عليه السّلام) لولدها، و إلّا فالظّاهر وجوبه و الأُجرة من بيت المال إن لم يتبرّع أحد و لا كان للولد مال، إذ ليس في الحدود نظر ساعة إذ لا مانع «1» و أورد عليه في الجواهر بأنّ إطلاق الموثّق و النبويّ المزبورين يقضي بعدم وجوب ذلك، مضافاً إلى الأصل و بناء الحدود على التخفيف الذي يصلح أن يكون هذا و شبهه عذراً في تأخيره «2» و يؤيّده ظهور رواية الإرشاد في وجود الكافل و حصوله بنفسه من دون

تحصيله و التتبّع عنه، و كذا رواية ميثم موردها أيضاً ذلك، فتدبّر ثمّ إنّه قد قيّد في المتن إجراء الحدّ مع وجود الكافل بما إذا لم يتحقّق الخوف عليه، و الظاهر أنّ المراد هو الخوف من جهة فقدان الأُمّ، فإنّه قد يوجد الكافل بعد مضيّ سنة من حياة الولد مثلًا، و في مثله ربّما يتحقّق انس الولد بالأُمّ بمثابة يكون الفراق و الفصل موجباً لتحقّق الخوف عليه، و عليه فلا بدّ من تأخير الحدّ إلى ارتفاع الخوف و زواله، و وجهه يظهر ممّا ذكرنا.

______________________________

(1) كشف اللثام: 2/ 403.

(2) جواهر الكلام: 41/ 339.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 201

[مسألة 9: يجب الحدّ على المريض و نحوه]

مسألة 9: يجب الحدّ على المريض و نحوه كصاحب القروح و المستحاضة إذا كان رجماً أو قتلًا، و لا يجلد أحدهم إذا لم يجب القتل أو الرجم خوفاً من السراية، و ينتظر البرء، و لو لم يتوقّع البرء أو رأى الحاكم المصلحة في التعجيل ضربهم بالضغث المشتمل على العدد من سياط أو شماريخ و نحوهما، و لا يعتبر وصول كلّ سوط أو شمراخ إلى جسده، فيكفي التأثير بالاجتماع و صدق مسمّى الضرب بالشماريخ مجتمعاً، و لو برأ قبل الضرب بالضغث حدّ كالصحيح، و أمّا لو برأ بعده لم يعد، و لا يؤخّر حدّ الحائض، و الأحوط التأخير في النفساء (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: وجوب إجراء حدّ الرجم و القتل على المريض و صاحب القروح و المستحاضة، قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه، بل و لا إشكال؛ لإطلاق الأدلّة و النهي عن تعطيل الحدّ، و أنّه ليس فيه نظر ساعة، و الفرض أنّ نفسه مستوفاة، فلا فرق بينه و بين الصحيح «1»

هذا، و مقتضى إطلاق رواية السكوني الآتية في الفرع الثاني، الواردة في المستحاضة، الدالّة على أنّه لا يقام الحدّ عليها حتّى ينقطع الدم عنها، تأخير الرجم أيضاً، و لكن الظّاهر أنّه غير مفتى به ثمّ إنّه ذكر في محكيّ المسالك أنّه يحتمل جواز تأخيره إن ثبت زناه بالإقرار إلى أن يبرأ؛ لأنّه بسبيل من الرجوع، و ربما رجع بعد ما رمي .. و مثله يأتي في رجمه في شدّة الحرّ و البرد «2» و قد تبع في ذلك ما في القواعد من عدم الرجم في المريض

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 339 340.

(2) مسالك الأفهام: 14/ 377.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 202

..........

______________________________

و المستحاضة إن توهّم سقوطه برجوعه أو توبته أو فراره، و علّل بالاحتياط للدم و الإبقاء عليه ما أمكن «1» و قد ردّه في الجواهر بقوله: و فيه ما لا يخفى «2» و الوجه فيه أنّ السقوط بمثل الرجوع لا يستلزم جواز التأخير بوجه أصلًا الثاني: أنّه لا يجلد أحدهم فيما إذا كان الجلد بمجرّده، لا مجتمعاً مع الرجم، ضرورة أنّه مع الاجتماع لا يجوز التأخير كنفس الرجم فيما إذا كان هناك خوف من السراية، بل يتوقّع بهم البرء، و يدلّ عليه روايات، مثل:

رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: اتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) برجل أصاب حدّا و به قروح في جسده كثيرة، فقال أمير المؤمنين (عليه السّلام): أقروه حتّى تبرأ، لا تنكئوها عليه فتقتلوه «3» و رواية مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) اتي برجل أصاب حدّا و به قروح و مرض و أشباه ذلك، فقال أمير

المؤمنين (عليه السّلام): أخّروه حتّى تبرأ، لا تنكأ قروحه عليه فيموت، و لكن إذا برأ حدّدناه «4» و الظّاهر اتّحادها مع الرواية الأُولى، غاية الأمر تعدّد الراوي و رواية السكوني أيضاً، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: لا يقام الحدّ على المستحاضة حتّى ينقطع الدم عنها «5» ثمّ الظّاهر أنّه ليس المراد من قوله (عليه السّلام): «فتقتلوه» هو العلم بتعقّب الجلد للقتل

______________________________

(1) قواعد الأحكام: 2/ 254.

(2) جواهر الكلام: 41/ 340.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 321، أبواب مقدّمات الحدود ب 13 ح 4.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 322، أبواب مقدّمات الحدود ب 13 ح 6.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 321، أبواب مقدّمات الحدود ب 13 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 203

..........

______________________________

من جهة نكأ القروح و قشرها قبل أن تبرء، بل الخوف من جهة المعرضيّة لذلك، كما أنّ الظاهر أنّه ليس المراد هو الخوف من ترتّب القتل، بل أعمّ منه و من خوف الشدّة، و زيادة المرض، و حصول السراية و لو لم يعلم بعدم ترتّب القتل عليه أصلًا، و الشاهد أنّ المتفاهم العرفي من ذلك هو ما ذكر، خصوصاً مع ملاحظة أنّ الغرض من التعذيب بالجلد هو حصول العذاب له بهذا المقدار، لا بأمر زائد عليه كزيادة المرض و القتل، و عليه فالمستفاد من الروايات هو ما في المتن من التعبير بالخوف من السراية الملازمة لزيادة المرض، فالقتل يكون مجوّزاً للتأخير بطريق أولى الثالث: أنّه لو لم يتوقّع البرء، كالسرطان في هذه الأزمنة، و السل، و بعض الأمراض الأخر في الأزمنة السابقة، أو اقتضت المصلحة بحسب نظر الحاكم التعجيل في إجراء الحدّ، فقد ذكر في المتن أنّه ضربهم بالضغث المشتمل على

العدد من سياط و شماريخ و نحوها، و المستند وجود روايات دالّة على ذلك، مثل:

صحيحة أبي العباس، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: اتي رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) برجل دميم قصير قد سقى بطنه و قد درّت عروق بطنه، قد فجر بالمرأة، فقالت المرأة: ما علمت به إلّا و قد دخل عليّ، فقال له رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): أزنيت؟ فقال له: نعم و لم يكن أحصن فصعد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) بصره و خفضه، ثمّ دعا بعذق فعدّه مائة، ثمّ ضربه بشماريخه «1».

و موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّٰه، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السّلام)، عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) أنّه أُتي برجل كبير البطن قد أصاب محرّماً، فدعا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) بعرجون فيه مائة شمراخ، فضربه مرّة واحدة، فكان الحدّ «2» و رواية يحيى بن عباد المكّي قال: قال لي سفيان الثوري: إنّي أرى لك من أبي

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 321، أبواب مقدّمات الحدود ب 13 ح 5.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 322، أبواب مقدّمات الحدود ب 13 ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 204

..........

______________________________

عبد اللّٰه (عليه السّلام) منزلة، فسله عن رجل زنى و هو مريض، إن أقيم عليه الحدّ مات (خافوا أن يموت خ ل) ما تقول فيه؟ فسألته، فقال: هذه المسألة من تلقاء نفسك؟ أو قال لك إنسان: أن تسألني عنها؟ فقلت: سفيان الثوري سألني أن أسألك عنها، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) اتي برجل احتبن (أحبن خ ل) مستسقي البطن، قد بدت

عروق فخذيه، و قد زنى بامرأة مريضة، فأمر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) بعذق فيه شمراخ، فضرب به الرجل ضربة، و ضربت به المرأة ضربة، ثمّ خلّى سبيلهما، ثمّ قرأ هذه الآية وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لٰا تَحْنَثْ «1» و بعض الروايات الأُخر الواردة في المسألة، و إن كان مقتضى ما أشرنا إليه مراراً كون هذه الروايات الحاكية لقصّة الرجل الذي اتي رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) به رواية واحدة حاكية عن قصّة واحدة، لا روايات متعدّدة ناظرة إلى قضايا كذلك و كيف كان، فمقتضى الجمع بين هذه الروايات و بين الروايات المتقدّمة، الواردة في الفرع الثاني، خصوصاً بملاحظة ورودها في مورد المرض الذي يتوقّع البرء فيه، حمل هذه على ما لو لم يتوقّع البرء فيه، خصوصاً بعد كون موردها الاستسقاء الذي لم يكن قابلًا للعلاج في تلك الأزمنة ظاهراً نعم، فيما إذا رأى الحاكم المصلحة في التعجيل يجري الحدّ بالنحو المذكور أيضاً، جمعاً بين وجود المصلحة و بين عدم إيذاء المريض بالجلد زائداً على ما يقتضيه أصل الجلد، و قد جمع الشيخ (قدّس سرّه) بينهما بهذا النحو، قال: لأنّه إذا كان إقامة الحدّ إلى الإمام فهو يقيمها على حسب ما يراه، فإن كانت المصلحة تقتضي إقامتها في الحال أقامها على وجه لا يؤدّي إلى تلف نفسه، كما فعل النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله)، و إن اقتضت المصلحة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 320، أبواب مقدّمات الحدود ب 13 ح 1، و الآية في سورة ص: 38/ 44.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 205

..........

______________________________

تأخيرها أخّرها إلى أن يبرأ ثمّ يقيم الحدّ عليه على الكمال

«1» و كيف كان، لا يشترط وصول كلّ سوط أو شمراخ إلى جسده؛ لإطلاق الأدلّة مع التعذّر عادة، نعم لا بدّ من صدق الضرب بالمجموع بحيث كان المؤثّر هو الاجتماع، بأن ينكبس بعضها على بعض حتّى يناله الألم منها ثمّ إنّ الظّاهر أنّه لا يجب، بل لا يجوز تفريق السياط على الأيّام و إن احتمله، بأن يضرب كلّ يوم بعضاً منها حتّى يستوفي؛ لإطلاق الأدلّة المزبورة، كما أنّه لا يجوز التفريق بنحو خمسين سوطاً مثلًا و خمسين بنحو الضغث، لما ذكر نعم، لو اشتمل الضغث على خمسين يضرب به دفعتين، بل لعلّه أولى من الضربة به دفعة واحدة، كما في الجواهر «2» و لو برأ قبل أن يضرب أقيم عليه حدّ الصحيح، و إن كان في حال ثبوت الزنا مريضاً؛ لأنّ الملاك هو حال إجراء الحدّ لا حال ثبوت العمل كما هو ظاهر، كما أنّه لو برأ بعدُ لا مجال لاحتمال الإعادة، خصوصاً مع تصريح بعض الروايات المتقدّمة بأنّ ما أقيم عليه هو الحدّ الرابع: أنّه لا يؤخّر حدّ الحائض رجماً كان أو جلداً، أمّا الرجم فواضح، و أمّا الجلد فلعدم كونه مرضاً، بل حيضها يدلّ على صحّة مزاجها، نعم ورد في بعض الروايات المذكورة في المستدرك أنّه ليس على الحائض حدّ حتّى تطهر «3»، و لكنّ الظاهر عدم تحقّق الفتوى على طبقها الخامس: أنّ الأحوط تأخير حدّ النفساء، و الظّاهر كون الاحتياط لزوميّا،

______________________________

(1) التهذيب: 10/ 33، الإستبصار: 4/ 212.

(2) جواهر الكلام: 41/ 342.

(3) مستدرك الوسائل: 18/ 16، أبواب مقدّمات الحدود ب 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 206

[مسألة 10: لا يسقط الحدّ باعتراض الجنون أو الارتداد]

مسألة 10: لا يسقط الحدّ باعتراض الجنون أو الارتداد، فإن أوجب على

نفسه الحدّ و هو صحيح لا علّة به من ذهاب عقل، ثمّ جنّ أقيم عليه الحدّ رجماً أو جلداً، و لو ارتكب المجنون الأدواري ما يوجبه في دور إفاقته و صحّته أُقيم عليه الحدّ و لو في دور جنونه، و لا ينتظر به الإفاقة، و لا فرق بين أن يحسّ بالألم حال الجنون أو لا (1).

______________________________

و مقتضى الإطلاق التأخير مطلقاً جلداً كان الحدّ أو رجماً، مع أنّ الرجم لا يجوز تأخيره في النفساء إذا لم يكن هناك ولد، و إن كان مقتضى إطلاق بعض الروايات المرسلة المشار إليها في المسألة المتقدّمة التأخير كما عرفت، لكن مرّ أنّ صاحب الجواهر (قدّس سرّه) قد صرّح بالرجم من غير إشعار بكون المسألة خلافية «1» و أمّا إذا كان الحدّ هو الجلد، فالظاهر لزوم تأخيره فيما إذا كان هناك خوف عليها من جهة النفاس، أو على ولدها، كما مرّ في تلك المسألة «2» ثمّ إنّ الجمع بين جعل تأخير حدّ النفساء رجماً أو جلداً مقتضى الاحتياط اللزومي من دون تقييد، و بين ما أفاده في المسألة الثامنة من الفتوى بتأخير الرجم إلى الخروج من النفاس، و بتأخير الجلد مشروطاً بالخوف على الولد فيه ما لا يخفى

(1) أمّا عدم سقوطه بالارتداد فوجهه واضح؛ لأنّه مضافاً إلى أنّ الارتداد لا ينافي التعذيب بل يقويه و يؤيّده يكون السقوط به موجباً للفرار عن الحدّ اختياراً، خصوصاً إذا كان رجماً و أمّا عدم سقوطه باعتراض الجنون، ففيما إذا كان الحدّ رجماً، فالوجه فيه أيضاً

______________________________

(1) مرّ في ص 198.

(2) مرّ في ص 198.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 207

..........

______________________________

واضح؛ لأنّ المقصود فيه إعدام الموضوع و طرد الشخص الجاني

عن صفحة الوجود، و الجنون لا يمنع من ذلك، خصوصاً مع ملاحظة ما عرفت في المسألة المتقدّمة من عدم كون المرض أيّاً ما كان موجباً لسقوط حدّ الرجم و أمّا إذا كان الحدّ جلداً، فالدليل على عدم السقوط فيه صحيحة أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل وجب عليه الحدّ فلم يضرب حتّى خولط، فقال: إن كان أوجب على نفسه الحدّ و هو صحيح لا علّة به من ذهاب عقل أقيم عليه الحدّ كائناً ما كان «1» و مع وجود النصّ لا مجال لاحتمال السقوط في المطبق مطلقاً كما عن بعض، و لا لاحتمال السقوط كذلك إن لم يحسّ بالألم و كان بحيث لا ينزجر عنه؛ لصراحة الرواية في عدم الفرق ثمّ إنّ مورد الرواية و إن كان هو الجلد، إلّا أنّ مقتضى إطلاق الجواب عدم الفرق بينه و بين الرجم في هذه الجهة، كما أنّ مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الجنون الإطباقي و الجنون الأدواري، فما عن المسالك من احتمال الانتظار بالمجنون الإفاقة «2».

و مراده الجنون الأدواري لا مجال له مع الرواية، كما أنّ دعوى إجراء الحدّ مطلقاً على المجنون في حال جنونه مخالف للموازين؛ لقوله (عليه السّلام): «لا حدّ على مجنون حتّى يفيق» «3»، و مثله مدفوعة بظهور كون المراد من عدم الحدّ على المجنون عدم ثبوته عليه في حال صدور الجناية مجنوناً، و أمّا إذا كان الصدور في حال السلامة و أريد إجراء الحدّ عليه في حال الجنون فلا دلالة له على ذلك، و عدم حسّ الألم أحياناً و عدم الانزجار لا يجدي شي ء من مثله في مقابل النصّ أصلًا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 317، أبواب مقدّمات الحدود ب 9 ح

1.

(2) مسالك الأفهام: 14/ 380.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 316، أبواب مقدّمات الحدود ب 8 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 208

[مسألة 11: لا يقام الحدّ إذا كان جلداً في الحرّ الشديد و لا البرد الشديد]

مسألة 11: لا يقام الحدّ إذا كان جلداً في الحرّ الشديد و لا البرد الشديد، فيتوخّى به في الشتاء وسط النهار، و في الصيف في ساعة برده خوفاً من الهلاك أو الضرر زائداً على ما هو لازم الحدّ، و لا يقام في أرض العدوّ، و لا في الحرم على من التجأ إليه، لكن يضيَّق عليه في المطعم و المشرب ليخرج، و لو أحدث موجب الحدّ في الحرم يقام عليه فيه (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: أنّه لا يقام الحدّ إذا كان جلداً في الحرّ الشديد و البرد كذلك، و يدلّ عليه مضافاً إلى ما يستفاد من الأدلّة من كون المراد هو التعذيب بالمقدار الذي هو لازم الحدّ، و لذا لا يجلد المريض و المستحاضة و صاحب القروح كما عرفت في المسألة التاسعة روايات كثيرة، مثل:

رواية هشام بن أحمر، عن العبد الصالح (عليه السّلام) قال: كان جالساً في المسجد و أنا معه، فسمع صوت رجل يُضرب صلاة الغداة في يوم شديد البرد، فقال: ما هذا؟ قالوا: رجل يضرب، فقال: سبحان اللّٰه في هذه الساعة، إنّه لا يضرب أحد في شي ء من الحدود في الشتاء إلّا في أحرّ ساعة من النهار، و لا في الصيف إلّا في أبرد ما يكون من النهار «1» و مرسلة أبي داود المسترق قال: مررت مع أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و إذا رجل يضرب بالسياط، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): سبحان اللّٰه في مثل هذا الوقت يضرب؟ قلت له: و للضرب حد؟ قال: نعم،

إذا كان في البرد ضرب في حرّ النهار، و إذا كان في الحرّ ضرب في برد النهار «2»

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 315، أبواب مقدّمات الحدود ب 7 ح 1 و 2.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 315، أبواب مقدّمات الحدود ب 7 ح 1 و 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 209

..........

______________________________

و بعض الروايات الأُخر الواردة في هذا الباب الثاني: أنّه لا يقام في أرض العدوّ، و يدلّ عليه رواية أبي مريم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): لا يقام على أحد حدّ بأرض العدوّ «1» و رواية غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السّلام) أنّه قال: لا أُقيم على رجل حدّا بأرض العدو حتّى يخرج منها مخافة أن تحمله الحميّة فيلحق بالعدوِّ «2» و مقتضى التعليل في هذه الرواية و أنّ الحكم يدور مدار التعليل سعةً و ضيقاً، اختصاص الحكم بصورة الخوف من الالتحاق، كما قيّده به المحقّق في الشرائع «3»، و كان ينبغي للمتن أيضاً التقييد، لأنّه في صورة العلم بالعدم لا مانع من الإقامة أصلًا الثالث: أنّه لا يقام الحدّ في الحرم على من التجأ إليه؛ لقوله تعالى وَ مَنْ دَخَلَهُ كٰانَ آمِناً «4»؛ و لصحيحة هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يجني في غير الحرم، ثمّ يلجأ إلى الحرم، قال: لا يقام عليه الحدّ، و لا يطعم، و لا يسقى، و لا يكلّم، و لا يبايع، فإنّه إذا فعل به ذلك يوشك أن يخرج فيقام عليه الحدّ، و إن جنى في الحرم جناية أُقيم عليه الحدّ في الحرم، فإنّه لم ير للحرم حرمة «5» و

ظاهر قوله (عليه السّلام): «و لا يطعم ..» و إن كان هو عدم الإطعام و الإسقاء و مثلهما رأساً، إلّا أنّ قوله (عليه السّلام): «يوشك أن يخرج» قرينة على أنّ المراد به هو التضييق عليه

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 317، أبواب مقدّمات الحدود ب 10 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 318، أبواب مقدّمات الحدود ب 10 ح 2.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 938.

(4) سورة آل عمران 3: 97.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 346، أبواب مقدّمات الحدود ب 34 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 210

..........

______________________________

في ذلك، كما لا يخفى ثمّ إنّ ذيل الرواية يدلّ على أنّ من جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحدّ في الحرم و لكن أرسل في الفقيه: و لو أنّ رجلًا دخل الكعبة فبال فيها معانداً أُخرج من الكعبة و من الحرم و ضربت عنقه «1» و لعلّه أحوط ثمّ إنّ الظّاهر أنّ المراد بالحرم في الرواية و الفتاوى ما هو المتبادر و المعهود ممّا يكون بمكّة، لكن عن النهاية «2» و التهذيب «3» إلحاق حرم النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) و الأئمّة (عليهم السّلام) به، و عن الوسيلة «4» الاقتصار على الأوّل، و لا دليل على شي ء منهما.

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه: 2/ 251.

(2) النهاية: 702.

(3) لم نعثر عليه، بل وجدناه في السرائر: 3/ 457.

(4) الوسيلة: 411.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 211

[المقام الثاني في كيفيّة إيقاعه]

اشارة

المقام الثاني في كيفيّة إيقاعه

[مسألة (1): إذا اجتمع على شخص حدود بدأ بما لا يفوت معه الآخر]

مسألة (1): إذا اجتمع على شخص حدود بدأ بما لا يفوت معه الآخر، فلو اجتمع الجلد و الرجم عليه جلد أوّلًا ثمّ رجم، و لو كان عليه حدّ البكر و المحصن فالظّاهر وجوب كون الرجم بعد التغريب على إشكال، و لا يجب توقّع برء جلده فيما اجتمع الجلد و الرجم، بل الأحوط عدم التأخير (1).

______________________________

(1) المراد بالاجتماع أعمّ ممّا إذا كان له موجبان أو أزيد، و ممّا إذا كان له موجب واحد كما في اجتماع الجلد و الرجم في الشيخ و الشيخة، إذا تحقّق منهما الزنا مقروناً بالإحصان و الدّليل على لزوم البدأة بما لا يفوت معه الآخر مضافاً إلى لزوم اللغوية في الجعل في الفرض الثاني على تقدير العدم، و إلى لزوم العمل بكلا السببين أو الأسباب مع الإمكان في الفرض الأوّل الروايات المستفيضة الواردة في هذا المقام:

كصحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: أيّما رجل اجتمعت عليه حدود فيها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 212

..........

______________________________

القتل، يبدأ بالحدود التي هي دون القتل، ثمّ يقتل بعد ذلك «1» و صحيحته الأُخرى، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: أيّما رجل اجتمعت عليه حدود فيها القتل، فإنّه يبدأ بالحدود التي دون القتل ثمّ يقتل «2» و الظّاهر اتّحاد الروايتين و إن جعلهما في الوسائل متعدّداً و صحيحة حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يكون عليه الحدود منها القتل، قال: تقام عليه الحدود ثمّ يقتل «3» و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان و ابن بكير جميعاً، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل اجتمعت عليه حدود فيها القتل، قال: يبدأ بالحدود

التي هي دون القتل و يقتل بعدُ «4» و موثّقة عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يؤخذ و عليه حدود أحدها القتل، قال: كان عليّ (عليه السّلام) يقيم عليه الحدّ ثمّ يقتله، و لا نخالف عليّاً (عليه السّلام) «5» و صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يؤخذ و عليه حدود أحدها القتل، فقال: كان عليّ (عليه السّلام) يقيم عليه الحدود ثمّ يقتله، و لا نخالف عليّاً (عليه السّلام) «6» و موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) فيمن قتل و شرب خمراً و سرق، فأقام عليه الحدّ، فجلده لشربه الخمر، و قطع يده في

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 325، أبواب مقدّمات الحدود ب 15 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 327، أبواب مقدّمات الحدود ب 15 ح 8.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 326، أبواب مقدّمات الحدود ب 15 ح 5.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 326، أبواب مقدّمات الحدود ب 15 ح 6.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 325، أبواب مقدّمات الحدود ب 15 ح 2.

(6) وسائل الشيعة: 18/ 326، أبواب مقدّمات الحدود ب 15 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 213

..........

______________________________

سرقته، و قتله بقتله «1» ثمّ إنّ مقتضى الضابطة المذكورة في مثل صحيحة زرارة أنّه لو اجتمع حدّ البكر الذي هو الجلد، و الجزّ، و التغريب، و حدّ المحصن الذي هو الرجم، لزوم تأخير الرجم إلى بعد التغريب، و هو مستبعد جدّاً، لأنّه مضافاً إلى استلزامه تأخير القتل إلى السنة، مع أنّ الغرض منه طرد الجاني و نفيه عن صفحة الوجود، و لا يناسب ذلك مع التأخير

يلزم أن تكون عقوبته أخفّ ممّن لا يكون حدّه إلّا الرجم، للزوم قتله سريعاً، فلا محيص إلّا عن القول بانصراف مثل الصحيحة عن هذه الصورة، فتدبّر ثمّ إنّ مقتضى مفهوم المتن أنّه مع عدم الفوت لا يكون هناك بدأة، بل يتخير الحاكم فيها، مع أنّه ربّما يقال بتقدّم ما إذا كان أحدهما حقّا آدمياً و طالب به، على الآخر الذي يكون حقّ اللّٰه تعالى، كما إذا كان أحدهما حدّ القذف و الآخر حدّ الزنا، نعم هنا رواية يستفاد منها الترتيب بنحو آخر، و قد أفتى على طبقها المفيد (قدّس سرّه) في المقنعة «2»، و هي ما رواه في قرب الإسناد، عن عبد اللّٰه بن الحسن، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل أُخذ و عليه ثلاثة حدود: الخمر، و الزنا، و السرقة بأيّها يبدأ به من الحدود؟ قال: بحدّ الخمر، ثمّ السرقة، ثمّ الزنا «3» إلّا أن يكون المراد بحدّ الزنا هو القتل أو الرجم الذي يكون تأخيره مقتضى الروايات المتقدّمة أيضاً، و يقال: بأنّ الوجه في تقدّم حدّ الخمر على السرقة هو تأذّي جميع أعضائه التي منها أصابعه أيضاً، كما سيأتي التعرّض لكيفيّة الجلد إن شاء اللّٰه تعالى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 327، أبواب مقدّمات الحدود ب 15 ح 7.

(2) المقنعة: 785.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 326، أبواب مقدّمات الحدود ب 15 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 214

..........

______________________________

ثمّ إنّه فيما إذا اجتمع الجلد و الرجم مطلقاً، سواء كان الموجب واحداً أم متعدّداً هل يجب أن يتوقّع برء جلده ثمّ يرجم أم لا؟ فالمحكيّ عن المفيد (قدّس سرّه) في المقنعة «1» و الشيخ في النهاية «2»

و بني حمزة «3» و زهرة «4» و البرّاج «5» و سعيد «6» هو الوجوب، و قد علّله المحقّق (قدّس سرّه) في الشرائع «7» بالتأكيد في الزجر الذي يكون هو المقصود بالحدّ و المحكيّ عن ابن إدريس هو استحباب توقّع البرء، قال في السرائر: و قد روى أصحابنا أنّه لا يرجم حتّى يبرأ جلده، فإذا برأ رجم، و الأولى حمل الرواية على الاستحباب؛ لأنّ الغرض في الرجم إتلافه و هلاكه «8» و عن جماعة من المتأخّرين و متأخّريهم الميل إليه كما في الجواهر «9» و عن مجمع البرهان «10» القول بعدم الجواز، و يشعر به عبارة الإرشاد «11»، كما اعترف هو به أيضاً و عن أبي عليّ أنّه يجلد قبل الرجم بيوم «12» لما روي من أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام)

______________________________

(1) المقنعة: 775.

(2) النهاية: 699.

(3) الوسيلة: 413.

(4) غنية النزوع: 424.

(5) المهذّب: 2/ 527.

(6) الجامع للشرائع: 550.

(7) شرائع الإسلام: 4/ 938.

(8) السرائر: 3/ 451.

(9) جواهر الكلام: 41/ 346، و كذا في رياض المسائل: 10/ 64.

(10) مجمع الفائدة و البرهان: 13/ 61.

(11) إرشاد الأذهان: 2/ 173.

(12) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/ 167.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1422 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود؛ ص: 215

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 215

..........

______________________________

جلد شراحة يوم الخميس و رجمها يوم الجمعة «1» و في محكيّ الرياض بعد نقل قول الأخير: هو شاذّ كالمنع من التأخير، بل لعلّه إحداث قول ثالث، لاتّفاق الفتاوى على الظّاهر على جوازه و إن اختلفوا في وجوبه

و عدمه، و على هذا فالتأخير لعلّه أحوط، و إن لم يظهر للوجوب مستند عليه يعتمد، نعم نسبه في السرائر «2» إلى رواية الأصحاب «3» و في الجواهر «4» الإيراد عليه بمنع وصول ذلك إلى حدّ الإجماع المعتدّ به و الحقّ أن يقال: إنّه إن كان مستند الوجوب هو التأكيد في الزجر فمضافاً إلى أنّ لازمه المنع فيمن كان حدّه هو الجلد فقط من المعالجة و المداواة، بحيث يرتفع أثره سريعاً و يزول ألمه و الأُمور العارضة من قبله كالتورم و نحوه، مع أنّه من الواضح أنّه لا وجه لهذا المنع أصلًا لا يكون ذلك ناهضاً في مقابل ما دلّ على أنّه لا يكون في الحدود نظرة ساعة، و ما عرفت من أنّه يرجم المريض قبل الحدّ فضلًا عمّا حصل به و إن كان مستند الوجوب مرسلة السرائر، الظّاهرة في الوجوب مع الانجبار بالفتوى على طبقها من أعاظم فقهاء المتقدّمين ممّن عرفت، خصوصاً مع كون الفتوى مذكورة في كتبهم الفقهيّة، المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة عن العترة الطّاهرة صلوات اللّٰه عليهم أجمعين بعين الألفاظ الصادرة منهم، التي يكون التعرّض فيها لحكم من الأحكام بمنزلة وجود رواية معتبرة اعتمد عليها صاحب

______________________________

(1) سنن البيهقي: 8/ 220.

(2) السرائر: 3/ 451.

(3) رياض المسائل: 10/ 64.

(4) جواهر الكلام: 41/ 346.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 216

[مسألة 2: يدفن الرجل للرجم إلى حقويه لا أزيد، و المرأة إلى وسطها فوق ألحقوه تحت الصدر]

مسألة 2: يدفن الرجل للرجم إلى حقويه لا أزيد، و المرأة إلى وسطها فوق ألحقوه تحت الصدر، فإن فرّ أو فرّت من الحفيرة ردّا إن ثبت الزنا بالبيّنة. و إن ثبت بالإقرار فإن فرّا بعد إصابة الحجر و لو واحداً لم يردّا، و إلّا ردّا، و في قولٍ مشهور إن

ثبت بالإقرار لا يردّ مطلقاً، و هو أحوط، هذا في الرجم، و أمّا في الجلد فالفرار غير نافع فيه، بل يردّ و يحدّ مطلقاً (1).

______________________________

الفتوى، ككتاب مقنعة المفيد، و نهاية الشيخ، فالظّاهر أنّ رفع اليد عن ذلك مشكل جدّاً، و عليه فتصير شبهة الوجوب في المسألة قويّة، و مقتضى الاحتياط حينئذٍ هو التأخير، فتدبّر

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام:

الاولى: أنّه هل الواجب في الرجل أو المرأة في حال إجراء حدّ الرجم عليهما عنوان الدفن المتوقّف على حفر حفيرة و إدخاله فيها و ردّ التراب عليه كما في دفن الميّت، أو أنّه يكفي مجرّد الحفر و الإدخال في الحفيرة من دون ردّ التراب عليه و طمّه، أو لا يجب ذلك أيضاً، بل يكفي مجرّد إيثاقه و ربطه بشجر و جدار و نحوهما، أو لا يلزم ذلك أيضاً، بل الواجب رميه من دون أن يكون هناك خصوصيّة معتبرة من هذه الجهة؟ وجوه و احتمالات و الظاهر أنّ عبارات الأصحاب في هذه الجهة مختلفة بحسب الظاهر، فقد عبّر في بعضها بالدفن، و في بعضها بالحفر، و ينسب إلى بعضهم عدم وجوب الحفر أيضاً إن ثبت الزنا بالإقرار، و اللازم ملاحظة الأخبار و النصوص الواردة في الباب فنقول: الروايات المعتبرة الواردة في المقام ثلاثة:

إحداها: موثّقة أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): تدفن المرأة إلى وسطها إذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 217

..........

______________________________

أرادوا أن يرجموها، و يرمي الإمام، ثمّ يرمي الناس بعدُ بأحجار صغار «1» ثانيتها: موثقة سماعة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: تدفن المرأة إلى وسطها، ثمّ يرمي الإمام، و يرمي الناس بأحجار صغار، و لا يدفن

الرجل إذا رجم إلّا إلى حقويه «2» ثالثتها: صحيحة أبي مريم، عن أبي جعفر (عليه السّلام)، المشتملة على قصّة امرأة أتت أمير المؤمنين (عليهما السّلام) و أقرّت بالزنا أربع مرّات، الدالّة على أنّه أمر بها بعد ذلك، فحفر لها حفيرة في الرحبة، و خاط عليها ثوباً جديداً، و أدخلها الحفيرة إلى الحقو و موضع الثديين «3» هكذا في الوسائل، و لكن في الجواهر «4»، و المحكيّ عن الوافي «5» نقلها: «إلى الحقو دون موضع الثديين» و المناقشة في سند الرواية باعتبار اشتراك أبي مريم بين الثقة و هو أبو مريم الأنصاري، و بين غير الثقة مدفوعة بأنّ إطلاق أبي مريم ينصرف إلى الأنصاري، مع أنّ يونس بن يعقوب الراوي عنه في الرواية إنّما يروي عن الأنصاري، فالرواية صحيحة من حيث السند كما أنّ المناقشة في دلالتها من جهة اشتمالها على حكاية الفعل، و هو أعمّ من الوجوب كما يظهر من الجواهر، مدفوعة بما أشرنا إليه مراراً، من أنّه إذا كان الحاكي لذلك هو الإمام (عليه السّلام)، و كان الغرض من الحكاية بيان الحكم غاية الأمر بهذه الصورة لا يبقى مجال لهذا الاحتمال، بل هو كالبيان بنحو آخر ظاهر في إفادة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 374، أبواب حدّ الزنا ب 14 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 374، أبواب حدّ الزنا ب 14 ح 3.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 380، أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 5.

(4) جواهر الكلام: 41/ 347.

(5) الوافي: 15/ 274 275 ح 5044 (1).

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 218

..........

______________________________

الوجوب، فاحتمال كون الحفر في الرواية لعلّه كان من باب أحد الطرق في هذا الباب ممنوع جدّاً ثمّ إنّ ظاهر الأوليين

وجوب عنوان الدفن، إذ التعبير به في هذا المقام مع كون المتعارف هو التعبير به في باب الأموات لا يكون له وجه، مع عدم ثبوت الخصوصيّة له، فاللازم الالتزام بكون التعبير به إنّما هو مع العناية إلى هذا العنوان و ثبوت الخصوصيّة له، و تصير الروايتان قرينتين على أنّ المراد بالحفر في الصحيحة هو الحفر مع ردّ التراب عليه، فبملاحظة الروايات لا يبقى مجال للترديد في هذه الجهة، و قد صرّح في بعضها باشتراك الرجل و المرأة في ذلك، و مقتضى إطلاقها أنّه لا فرق من هذه الجهة بين ما إذا كان الزنا ثابتاً بالبيّنة أو ثابتاً بالإقرار و دعوى أنّ الدفن في صورة الإقرار يوجب عدم التمكّن من الفرار الذي هو حقّه في هذه الصورة، مدفوعة بأنّ غاية ذلك لزوم إمكان الفرار، و هو متحقّق مع الدفن، و لا يلزم إيجاد السهولة عليه في ذلك كما هو واضح و ممّا ذكرنا ظهر الجواب عمّا في محكيّ المسالك، حيث إنّه بعد أن استظهر من عبارة الشرائع وجوب الدفن قال: و يحتمل الاستحباب، بل إيكال الأمر إلى الإمام، لما روي أنّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) حفر بئراً للغامديّة و لم يحفر للجهنيّة «1»، و عن أبي سعيد الخدري في قصّة ماعز: أمرنا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) برجمه، فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد، فما أوثقناه و لا حفرنا له حفيرة، و رميناه بالعظام و المدر و الخزف، ثمّ اشتدّ و اشتددنا له حتّى أتى الحرّة فانتصب لنا، فرميناه بجلاميد الحرّة حتّى سكت «2».

______________________________

(1) صحيح مسلم: 3/ 1068- 1069 ح 22 و 23 و ح 24، سنن الدارمي: 2/ 124- 125 ح 2321

و 2322، سنن أبي داود: 4/ 381 ح 4440 و 4442 و غيرهما.

(2) صحيح مسلم: 3/ 1066 ح 1694، سنن الدارمي: 4/ 123 ح 2316، سنن أبي داود: 4/ 378 ح 4431.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 219

..........

______________________________

و روى الحسين بن خالد، عن أبي الحسن (عليه السّلام) أنّ ماعزاً إنّما فرّ من الحفيرة «1»، و طرق الروايات الدالّة على الحفر و التحديد غير نقيّة السند، و لكنّها كافية في إقامة السنّة «2».

و العمدة في الجواب ما عرفت من أنّ الروايات الواردة في المقام بين صحيحة و موثّقه، و لا مجال للإشكال فيها من هذه الجهة أصلًا الجهة الثانية: في مقدار الدفن، و قد نسب صاحب الجواهر (قدّس سرّه) دفن الرجل إلى الحقوين و المرأة إلى الصدر، المذكور في عبارة الشرائع إلى الأشهر بل المشهور «3» و عن المقنع: و الرجم أن يحفر له حفيرة مقدار ما يقوم فيها، فتكون بطوله إلى عنقه فيرجم «4» و عن المقنعة و الغنية التسوية بينهما إلى الصدر «5»، و عن المراسم: الحفر له إلى صدره و لها إلى وسطها «6»، و عن الصدوق في الفقيه: أنّ المرأة التي كفّل ولدها عمرو بن حريث حفر لها أمير المؤمنين (عليه السّلام) حفيرة و دفنها فيها إلى حقويها «7»، و في غيره أمر أن يحفر لها حفيرة ثمّ دفنها فيها «8» و في المرسل عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله)، أنّه حفر للغامديّة إلى الصدر «9».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 376، أبواب حدّ الزنا ب 15 ح 1.

(2) مسالك الأفهام: 14/ 383 384.

(3) جواهر الكلام: 41/ 347.

(4) المقنع: 428.

(5) المقنعة: 775، 780، غنية النزوع: 424.

(6) المراسم: 254.

(7) من

لا يحضره الفقيه: 4/ 33.

(8) الكافي: 7/ 187 قطعة من ح 1، التهذيب: 10/ 11 قطعة من ح 23.

(9) سنن البيهقي: 8/ 221.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 220

..........

______________________________

و في آخر عنه (صلّى اللّٰه عليه و آله)، أنّه رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة «1» (و هو موضع الثدي). و في محكيّ كشف اللثام: و قريب منه ما روي من دفن شراحة إلى منكبها أو ثدييها «2».

و من المعلوم أنّه لا اعتبار لهذه المرسلات أصلًا، و اللازم في هذه الجهة أيضاً ملاحظة النصوص المتقدّمة في الجهة الأُولى، الدالّة على هذه الجهة أيضاً، فنقول: مقتضى الموثّقة الأُولى اعتبار كون الدفن في المرأة إلى وسطها، و لكنّ المراد من الوسط غير معلوم، و أمّا الموثّقة الثانية، فباعتبار دلالتها على كون دفن الرجل إلى حقويه لا أزيد بعد الحكم باعتبار كون دفن المرأة إلى وسطها تدلّ على أنّ المراد من الوسط ما يغاير الحقوين، بل فوقهما إلى جانب الرأس، ضرورة أنّ التستّر المرعيّ في جانب المرأة شرعاً يقتضي كون المراد من الوسط ما فوق الحقوين لا ما دونهما، فالموثّقة الثانية تكشف المراد من الوسط في الجملة، و تدلّ على كونه ما فوقهما، و أمّا الصحيحة فقد عرفت اختلاف النقل فيها، و الظّاهر باعتبار أصالة عدم الزيادة، و باعتبار الضبط و التثبّت الموجود في كتاب الوافي هو وجود كلمة «دون» في أصل الروايات، و عليه فتكشف الصحيحة عن أنّ المراد بالوسط هو ما فوق الحقوين، و ما دون الصدر الذي هو موضع الثديين، و عليه فينطبق ملاحظة مجموع الروايات على ما في المتن كما أنّ ممّا ذكرنا ظهر أنّ التعرّض لمقدار دفن الرجل إنّما هو

في الموثّقة الثانية، و لا معارض لها من هذه الجهة، فلا يجوز دفنه أزيد من الحقوين كما لا يخفى الجهة الثالثة: في حكم الفرار من الحفيرة، فإن كان الزنا ثابتاً بالبيّنة فحكمه

______________________________

(1) سنن البيهقي: 8/ 221.

(2) كشف اللثام: 2/ 403.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 221

..........

______________________________

لزوم الإعادة بلا خلاف أجده فيه، كما في الجواهر «1»، بل في محكيّ كشف اللثام الإجماع «2»، و يدلّ عليه مضافاً إلى إطلاقات أدلّة الرجم، الحاكمة بلزوم إجرائه، الشاملة لصورة الفرار أيضاً التصريح به في بعض الروايات الآتية في مورد ثبوت الزنا بالإقرار و إن كان الزنا ثابتاً بالإقرار ففيه قولان:

أحدهما: و هو الذي حكي عن المفيد «3» و الحلبي «4» و سلّار «5» و ابن سعيد «6»، بل نسب إلى الشهرة «7»، هو أنّه لا يردّ مطلقاً، من دون فرق بين ما إذا أصابه ألم الحجارة و بين ما إذا لم يصبه ذلك ثانيهما: هو التفصيل بين ما إذا أصابه ألم الحجارة فلا يردّ، و بين ما إذا لم يصبه ذلك فيردّ، و قد اختاره في المتن تبعاً للنهاية «8» و الوسيلة «9»، و لا بدّ من ملاحظة الروايات الواردة في المسألة، و هي على ثلاثة أقسام:

الأوّل: ما يدلّ على التفصيل بين صورة البيّنة و صورة الإقرار مطلقاً، و هي مرسلة الصدوق قال: سئل الصادق (عليه السّلام) عن المرجوم يفرّ، قال: إن كان أقرّ على

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 349.

(2) كشف اللثام: 2/ 403.

(3) المقنعة: 780.

(4) الكافي في الفقه: 407.

(5) المراسم: 254.

(6) الجامع للشرائع: 551.

(7) الروضة البهية: 9/ 91.

(8) النهاية: 700.

(9) الوسيلة: 412.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 222

..........

______________________________

نفسه فلا

يردّ، و إن كان شهد عليه الشهود يردّ «1» و قد أشرنا مراراً إلى اعتبار هذا النحو من الإرسال، و مغايرته مع الإرسال بنحو «روي، أو عن رجل» أو مثلهما، و عليه فلا حاجة في إثبات حجّيّة الرواية إلى القول بانجبار الضعف المستند إلى الإرسال بعمل المشهور على طبقها، كما يظهر من الجواهر الثاني: ما يدلّ على التفصيل بين صورة إصابة ألم الحجارة، و بين صورة عدم الإصابة مطلقاً، من دون فرق بين ما إذا كان ثابتاً بالبيّنة أو بالإقرار، و هو ما رواه صفوان، عن غير واحد، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، أنّه إن كان أصابه ألم الحجارة فلا يردّ، و إن لم يكن أصابه ألم الحجارة ردّ «2» و ما رواه صفوان، عن رجل، عن أبي بصير و غيره، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: له: المرجوم يفرّ من الحفيرة فيطلب؟ قال: لا و لا يعرض له إن كان أصابه حجر واحد لم يطلب، فإن هرب قبل أن تصيبه الحجارة ردّ حتّى يصيبه ألم العذاب «3».

و قد جعلهما في الوسائل روايتين، و الظّاهر أنّهما رواية واحدة كما أشرنا إلى مثله مراراً، كما أنّ الظاهر صحّة سند الاولى و عدم كون وساطة «غير واحد» موجبة للإرسال، و إن كان الإرسال في المقام أيضاً لا يقدح، لكون المرسل هو صفوان، و مراسيله كمراسيل ابن أبي عمير الثالث: ما ظاهره اعتبار أمرين في عدم الردّ، و هما ثبوت الزنا بالإقرار و إصابة ألم الحجارة، و هي رواية الحسين بن خالد قال: قلت لأبي الحسن (عليه السّلام): أخبرني عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 377، أبواب حدّ الزنا ب 15 ح 4.

(2)

وسائل الشيعة: 18/ 377، أبواب حدّ الزنا ب 15 ح 5.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 377، أبواب حدّ الزنا ب 15 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 223

..........

______________________________

المحصن إذا هو هرب من الحفيرة هل يردّ حتّى يقام عليه الحدّ؟ فقال: يردّ، و لا يردّ، فقلت: و كيف ذاك؟ فقال: إن كان هو المقرّ على نفسه ثمّ هرب من الحفيرة بعد ما يصيبه شي ء من الحجارة لم يردّ، و إن كان إنّما قامت عليه البيّنة و هو يجحد ثمّ هرب ردّ و هو صاغر حتّى يقام عليه الحدّ، و ذلك أنّ ماعز بن مالك أقرّ عند رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) بالزنا، فأمر به أن يرجم فهرب من الحفرة، فرماه الزبير بن العوام بساق بعير فعقله فسقط، فلحقه الناس فقتلوه، ثمّ أخبروا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) بذلك، فقال لهم: فهلّا تركتموه إذا هرب يذهب، فإنّما هو الذي أقرّ على نفسه، و قال لهم: أما لو كان عليّ حاضراً معكم لما ضللتم، قال: و ودّاه رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) من بيت مال المسلمين «1» فإنّ قوله (عليه السّلام) في الشرطية الاولى: «إن كان هو المقرّ ..» ظاهر في اعتبار أمرين، و لكن يضعف اعتبار الأمر الثاني، و هو إصابة شي ء من الحجارة قوله (عليه السّلام) في الشرطيّة الثانية: «و إن كان إنّما قامت عليه البيّنة ..» فإنّ الاقتصار فيه على مفهوم الأمر الأوّل، المذكور في الشرطيّة الأُولى ظاهر في عدم الاتّكال على الأمر الثاني، و كذا تعليل النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) لتوبيخهم بقوله: «فإنّما هو الذي أقرّ على نفسه» ظاهر في أنّ تمام

الملاك في عدم الردّ هي مسألة الإقرار فقط، من دون إضافة شي ء، و على ما ذكرنا فهذه الرواية من روايات القسم الأوّل و كيف كان، فلا بدّ من علاج التعارض بين الأوّلين، و الظّاهر أنّ مقتضى الجمع بينهما هو حمل الإطلاق في كلّ منهما على القيد المذكور في الآخر، فيصير الحاصل اعتبار القيدين في عدم الرّد كما اختاره الماتن دام ظلّه- الجهة الرابعة: في الجلد، و الظّاهر أنّه لا ينفع الفرار منه، و إن كان الزنا ثابتاً بالإقرار، و لا خلاف في ذلك، و يدلّ عليه مضافاً إلى كونه مقتضى إطلاق أدلّة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 376، أبواب حدّ الزنا ب 15 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 224

[مسألة 3: إذا أقرّ الزاني المحصن كان أوّل من يرجمه الإمام (عليه السّلام) ثمّ الناس]

مسألة 3: إذا أقرّ الزاني المحصن كان أوّل من يرجمه الإمام (عليه السّلام) ثمّ الناس، و إذا قامت عليه البيّنة كان أوّل من يرجمه البيّنة، ثمّ الإمام (عليه السّلام) ثمّ الناس (1).

______________________________

الجلد رواية عيسى بن عبد اللّٰه قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الزاني يجلد فيهرب بعد أن أصابه بعض الحدّ، أ يجب عليه أن يخلّى عنه و لا يردّ كما يجب للمحصن إذا رجم؟ قال: لا، و لكن يردّ حتّى يضرب الحدّ كاملًا. قلت: فما فرق بينه و بين المحصن و هو حدّ من حدود اللّٰه؟ قال: المحصن هرب من القتل و لم يهرب إلّا إلى التوبة؛ لأنّه عاين الموت بعينه، و هذا إنّما يجلد، فلا بدّ من أن يوفى الحدّ؛ لأنّه لا يقتل «1»

(1) في المسألة وجوه بل أقوال ثلاثة:

أحدها: التفصيل المذكور في المتن، و في الجواهر: قيل إنّه ظاهر الأكثر «2»، و في الخلاف «3» و ظاهر

المبسوط الإجماع عليه «4»، و يدلّ عليه ما رواه الكليني عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن صفوان، عمّن رواه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إذا أقرّ الزاني المحصن كان أوّل من يرجمه الإمام ثمّ الناس، فإذا قامت عليه البيّنة كان أوّل من يرجمه البيّنة، ثمّ الإمام، ثمّ الناس. و رواه الصدوق بإسناده عن عبد اللّٰه بن المغيرة و صفوان و غير واحد، رفعوه إلى أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) مثله «5».

و الإشكال في سندها من جهة الإرسال و الرفع مدفوعٌ، بأنّ استناد المشهور

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 407، أبواب حدّ الزنا ب 35 ح 1.

(2) جواهر الكلام: 41/ 351.

(3) الخلاف: 5/ 377 مسألة 5 (1).

(4) المبسوط: 8/ 4.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 374، أبواب حدّ الزنا ب 14 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 225

..........

______________________________

إليها و الفتوى على طبقها يوجب الانجبار على ما هو التحقيق و المستفاد من مثل مقبولة ابن حنظلة «1»، كما أنّ كون المرسل صفوان أيضاً يوجب الاعتماد عليها، و بالجملة لا مجال للإشكال فيها من هذه الجهة، كما أنّ دلالتها على هذا القول واضحة.

ثمّ إنّه استند في الجواهر لهذا القول أيضاً بخبر زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إذا قامت عليه البيّنة كان أوّل من يرجمه البيّنة، ثمّ الإمام، ثمّ الناس «2» مع أنّه لا يوجد خبر لزرارة في هذا الباب، و حكي أنّه اقتبسه من كشف اللثام «3»، و كيف كان فالظاهر أنّه سهو، و يمكن أن يكون مراده مرسلة صفوان على طريق الكليني للتعرّض لها على الطريق الآخر ثانيها: ما اختاره بعض «4» من وجوب ابتداء

الإمام بالرجم مطلقاً، سواء كان الزنا ثابتاً بالإقرار أو بالبيّنة، و قد استدلّ له بعد تضعيف مرسلة صفوان بإطلاق رواية أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): تدفن المرأة إلى وسطها إذا أرادوا أن يرجموها، و يرمي الإمام، ثمّ يرمي الناس بعد بأحجار صغار «5» و كذا إطلاق رواية سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: تدفن المرأة إلى وسطها ثمّ يرمي الإمام، و يرمي الناس بأحجار صغار، و لا يدفن الرجل إذا رجم إلّا إلى حقويه «6». و في دلالتها على وجوب بدأة الإمام بالرجم نظر، بخلاف

______________________________

(1) الكافي: 1/ 67 ح 10.

(2) جواهر الكلام: 41/ 352.

(3) كشف اللثام: 2/ 404.

(4) مباني تكملة المنهاج: 1/ 218 ذ مسألة 172.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 374، أبواب حدّ الزنا ب 14 ح 1.

(6) وسائل الشيعة: 18/ 374، أبواب حدّ الزنا ب 14 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 226

..........

______________________________

الرواية الأُولى.

و لكنّا بعد القول بحجيّة رواية صفوان المتقدّمة نلتزم بكونها مقيّدة لإطلاق الروايتين، و موجبة لحملهما على صورة كون الزنا ثابتاً بالإقرار ثالثها: عدم لزوم بدأة شخص خاصّ أو فرقة خاصّة، بل الغاية الاستحباب «1»، نظراً إلى ضعف رواية صفوان و قصورها عن الدلالة على حكم وجوبي، و الروايتان المطلقتان و إن كانتا ظاهرتين في وجوب بدأة الإمام، إلّا أنّ قصّة ماعز بن مالك التي استفاضت نصوص الفريقين فيها، و منها رواية حسين بن خالد المتقدّمة في المسألة الثانية، ظاهرة في عدم الوجوب؛ لعدم حضور النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) حين الرجم، بل عدم حضور أمير المؤمنين (عليه السّلام) أيضاً كما يدلّ عليه رواية حسين، فضلًا عن البدأة بالرجم،

فهذه تدلّ على عدم الوجوب و توجب صرف ما ظاهره الوجوب عن ظاهره و لكن عرفت أنّ رواية صفوان معتبرة و موجبة للتقييد في الروايتين، و لا مجال لرفع اليد عن ظهورها في الوجوب، و لا دلالة لقصّة ماعز على العدم؛ لأنّه مضافاً إلى أنّ بعض طرق نقلها لم يتعرّض لحضور النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله)، و عدم الحكاية لحضوره أعمّ من عدمه يمكن أن يكون عدم الحضور لمانع، و في الحقيقة يكون ذلك قصّة في واقعة خاصّة، مع أنّ الظّاهر أنّ المراد بالإمام أعمّ منه و من نائبه، و يمكن حضور نائبه في هذه الجهة في ذلك، كما لا يخفى و قد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الظّاهر و الأوفق بنصوص المسألة هو القول الأوّل، الذي اختاره في المتن تبعاً للمشهور.

______________________________

(1) راجع مسالك الأفهام: 14/ 386 و رياض المسائل: 10/ 70.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 227

[مسألة 4: يجلد الرجل الزاني قائماً مجرّداً من ثيابه إلّا ساتر عورته]

مسألة 4: يجلد الرجل الزاني قائماً مجرّداً من ثيابه إلّا ساتر عورته، و يضرب أشدّ الضرب، و يفرّق على جسده من أعالي بدنه إلى قدمه، و لكن يتّقى رأسه و وجهه و فرجه، و تضرب المرأة جالسة و تربط عليها ثيابها، و لو قتله أو قتلها الحدّ فلا ضمان (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة أحكام:

الأوّل: إنّه يجلد الرجل الزاني قائماً، بخلاف المرأة، فإنّها تضرب جالسة، و تدلّ عليه صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: يضرب الرجل الحدّ قائماً و المرأة قاعدة، و يضرب على كلّ عضو و يترك الرأس و المذاكير، و رواه الشيخ و الصدوق «1» مثله، إلّا أنّهما قالا: «و يترك الوجه و المذاكير» «2» الثاني: إنّه يجلد

الرجل الزاني مجرّداً من ثيابه إلّا ساتر عورته، وفاقاً للمحقّق في الشرائع «3» و النافع «4» و العلّامة في القواعد «5» بل عن غاية المرام: أنّه المشهور «6»، و إن قال في الجواهر: و إن كنّا لم نتحقّقه «7» و يدلّ عليه مع أنّ حقيقة الجلد ضرب الجلد كقولهم: ظهره و بطنه و رأسه أي ضرب ظهره و بطنه و رأسه موثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن الزاني كيف يجلد؟ قال: أشدّ الجلد،

______________________________

(1) الكافي: 7/ 173 ح 1، التهذيب: 10/ 31 ح 104، من لا يحضره الفقيه: 4/ 29 ح 5011، وسائل الشيعة: 18/ 369، أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 1.

(2) الكافي: 7/ 173 ح 1، التهذيب: 10/ 31 ح 104، من لا يحضره الفقيه: 4/ 29 ح 5011، وسائل الشيعة: 18/ 369، أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 1.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 939.

(4) المختصر النافع: 295.

(5) قواعد الأحكام: 2/ 254.

(6) غاية المرام: 4/ 320.

(7) جواهر الكلام: 41/ 359.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 228

..........

______________________________

فقلت: من فوق الثياب؟ فقال: بل يجرّد «1» و موثّقته الأُخرى قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن الزاني كيف يجلد؟ قال: أشدّ الجلد، قلت: فمن فوق ثيابه؟ قال: بل تخلع ثيابه، قلت: فالمفتري؟ قال: يضرب بين الضربين جسده كلّه فوق ثيابه «2» و الظاهر اتّحاد الروايتين و إن جعلهما في الوسائل متعدّداً و لا مجال لإلغاء خصوصيّة الرجولية من الزاني المذكور في الرواية، فالتجريد يختصّ بالرجال، و إن كان يؤيّده الحكم الأوّل المذكور فيها كما لا يخفى، و في مقابل هذا القول ما نسبه إلى القيل في الشرائع «3»، و

هو محكي عن الشيخ «4» و جماعة «5»، بل في الجواهر «6»: هو المشهور كما اعترف به غير واحد، بل عن ظاهر الغنية «7» الإجماع، و هو أنّه يجلد على الحال التي وجد عليها، إن عارياً فعارياً، و إن كاسياً فكاسياً نعم، عن ابن إدريس ما لم يمنع الثوب من إيصال شي ء من ألم الضرب «8» و عن المبسوط: و إن كان يمنع من ألم الضرب كالفروة و الجبّة و المحشوة نزعها و ترك

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 369، أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 3.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 369، أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 2.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 939.

(4) النهاية: 700.

(5) الكافي في الفقه: 407، المراسم: 255، إصباح الشيعة: 516، المهذّب: 2/ 527، الوسيلة: 412.

(6) جواهر الكلام: 41/ 359.

(7) غُنية النزوع: 425.

(8) السرائر: 3/ 452.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 229

..........

______________________________

بقميصٍ أو قميصين «1» و يدلّ عليه رواية طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام) قال: لا يجرّد في حدّ و لا يشنح يعني يمدّ، و قال: و يضرب الزاني على الحال التي وجد عليها، إن وجد عرياناً ضرب عرياناً، و إن وجد و عليه ثيابه ضرب و عليه ثيابه «2» و رواه في الوافي عن الفقيه، إلّا أنّه قال: لا يشنج بالجيم و «يوجد» مكان «وجد» «3» و الظّاهر كما يظهر بمراجعة اللغة هو بالجيم، لأنّ معناه هو التقلّص و الانقباض، و في مقابله المد و الانبساط. و قال في كشف اللثام: و لفظ «يوجد» في الخبر يحتمل الواو و الجيم و إهمال الدّال، و الهمزة و إعجام الخاء و الذّال «4» و الظّاهر بملاحظة قوله

(عليه السّلام) بعده: «إن وجد عرياناً ..» و كذا قوله (عليه السّلام): «و إن وجد ..» هو «يوجد»، كما أنّ الظّاهر أنّ المراد هو الوجدان في حال الزنا و العمل، لا الوجدان في حال الأخذ و الرفع إلى الحاكم، و ذلك لوضوح المناسبة الشديدة بين حال إيقاع العمل و بين حال إجراء الحدّ، و عدم وجود مناسبة أصلًا بين حال الأخذ و حال إجراء الحدّ، كما لا يخفى و كيف كان، لا مجال للمناقشة في سند الرواية، إمّا لاعتباره في نفسه، و إمّا لانجبار الضعف على تقديره باستناد المشهور إليها و الفتوى على طبقها، فلا بدّ من ملاحظتها مع الموثّقة المتقدّمة الدالّة على لزوم التجريد مطلقاً و ما قيل في هذا المقام أُمور:

______________________________

(1) المبسوط: 8/ 69.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 370، أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 7.

(3) الوافي: 15/ 279 280 ح 15054.

(4) كشف اللثام: 2/ 402.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 230

..........

______________________________

أحدها: ثبوت التعارض بينهما فتسقطان، و المرجع حينئذٍ هي إطلاقات أدلّة الجلد من الكتاب و السنّة، و مقتضاها جواز الجلد كاسياً و يرد عليه منع التعارض أوّلًا، لما سيأتي في الأمر الثالث، و عدم كون الحكم هو التساقط بعد فرض التعارض، لموافقة رواية طلحة للشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجّحات في باب المتعارضين ثانيها: ما في محكيّ كشف اللثام من الجمع بينهما بالتخيير «1» و يرد عليه أنّه إن كان المراد أنّ التخيير مقتضى الجمع العرفي بينهما، كما هو ظاهر كلامه، فيرد عليه منع ذلك؛ لما سيأتي في الأمر الثالث، و إن كان المراد أنّ الحكم بعد فرض التعارض هو التخيير، فيرد عليه المنع، سواء كان المراد به هو

الحكم العقلي؛ لأنّه عبارة عن التساقط، أو الشرعي؛ لأنّه متفرّع على عدم ثبوت شي ء من المرجّحات، و قد عرفت ثبوته ثالثها: تخصيص الموثّقة برواية طلحة؛ لدلالتها على لزوم التجرّد مطلقاً، و هي تدلّ على لزومه فيما إذا كان مجرّداً حال الزنا، فهي مقيّدة لها. و هذا الوجه هو الظّاهر، و مقتضاه التفصيل المنسوب إلى المشهور نعم، يشكّل الأمر من جهة عدم تعرّض المتن للقول المشهور و لو بالإشارة، كما فعله المحقّق في الشرائع، حيث اختار لزوم التجرّد، و نسب التفصيل إلى القيل «2»، و من جهة اختيار لزوم التجرّد مطلقاً، مع أنّ مقتضى ما ذكرنا تعيّن القول بالتفصيل.

______________________________

(1) كشف اللثام: 2/ 402.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 939.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 231

..........

______________________________

و يمكن أن يقال فيما يتعلّق بالجهة الأُولى بعدم ثبوت الشهرة عنده، و فيما يتعلّق بالجهة الثانية بأنّ إطلاق الموثّقة على نحو لا يكون قابلًا للتقييد، لوقوعه في مقام الجواب عن سؤال كون الجلد من فوق الثياب، و في الحقيقة ورد في مقام الحكم بعدم جواز ذلك، مع أنّه لو كان مقيّداً لما كان يصحّ الحكم بعدم الجواز؛ لأنّ المسألة كانت ذات فرضين، و يكون الحكم في أحدهما الجواز، و في الآخر المنع، و إذا كان كذلك كيف يصحّ الحكم بعدم جواز ما وقع السؤال عنه؟ فمثل هذا الإطلاق لا مجال لتقييده، كما أنّه في العامّ إذا كان كذلك لا يصحّ تخصيصه بوجه؛ لأنّ الملاك في التقييد و التخصيص هي الأظهريّة، و هي غير متحقّقة في مثل المقام، و عليه فيقع التعارض بين الروايتين، و حيث إنّه لا تكون شهرة في البين كما هو المفروض، فلا وجه لترجيح رواية طلحة،

بل ربّما يكون الترجيح مع الموثّقة، فتدبّر و حيث عرفت ثبوت الشهرة عندنا، فلا محيص عن ترجيح رواية طلحة على فرض ثبوت المعارضة، كما لا يخفى الثالث: أنّه يضرب أشدّ الضرب، و يدلّ عليه موثّقة إسحاق بن عمّار المتقدّمة، و موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: حدّ الزاني كأشدّ ما يكون من الحدود «1» و إن كان يحتمل أن يكون المراد بالأشدّية هي الأكثرية، و رواية محمّد بن سنان، عن الرضا (عليه السّلام) فيما كتب إليه: و علّة ضرب الزاني على جسده بأشدّ الضرب لمباشرته الزنا و استلذاذ الجسد كلّه به، فجعل الضرب عقوبة له و عبرة لغيره، و هو أعظم الجنايات «2» و رواية أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السّلام) قال: حدّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 370، أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 4.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 370، أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 232

..........

______________________________

الزاني أشدّ من حدّ القاذف، و حدّ الشارب أشدّ من حدّ القاذف «1» و لكن مفادها مجرّد الأشدّية بالإضافة إلى حدّ القاذف و لكن في مرسلة حريز، عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال: يفرّق الحدّ على الجسد كلّه، و يتّقى الفرج و الوجه، و يضرب بين الضربين «2» و حيث إنّها واردة في مطلق الحدّ فاللازم تقييد إطلاقها بغير الزنا من سائر الحدود ثمّ إنّ الظّاهر عدم اختصاص الأشدّية بالرجل الزاني، بل تضرب المرأة أيضاً كذلك، و الوجه فيه أنّه و إن كان لا يمكن إلغاء خصوصيّة الرجوليّة في الموثّقة باعتبار ذيلها، الدّال على لزوم التجرّد و عدم جواز الضرب من فوق

الثياب، إلّا أنّه لا مانع من إلغائها بالإضافة إلى الروايات الأخر أصلًا الرابع: أنّه يفرّق على جسده من أعالي بدنه إلى قدمه عدا بعض الأعضاء و يدلّ على الحكم في المستثنى منه صحيحة زرارة المتقدّمة في الحكم الأوّل المشتملة على قوله (عليه السّلام): «و يضرب على كلّ عضو». و كذا مرسلة حريز المتقدّمة في الحكم الثالث، و كذا رواية محمّد بن سنان المتقدّمة في ذاك الحكم أيضاً. و هل المراد من جميع الجسد ما يعمّ الظّاهر و الباطن، أم يكفي خصوص الباطن، فلا يجب ضرب البطن و الصدر و مثلهما، أو خصوص الظّاهر؟ فيه وجهان، و الأقرب هو الأوّل، و أمّا المستثنى ففي المتن أنّه الرأس و الوجه و الفرج، و عن جماعة منهم: الشيخ (قدّس سرّه) في المبسوط «3» و الخلاف «4» الاقتصار على استثناء الوجه و الفرج.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 370، أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 9.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 370، أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 6.

(3) المبسوط: 8/ 8.

(4) الخلاف: 5/ 375 مسألة 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 233

..........

______________________________

نعم، حكى في الأوّل استثناء الرأس قولًا، و في الثاني عن أبي حنيفة «1»، و ادعى الإجماع على خلافه، و عن الحلبي الاقتصار على الرأس و الفرج «2»، و يمكن أن يكون مراده من الرأس ما يشمل الوجه أيضاً و كيف كان، لا مجال للمناقشة في استثناء الفرج؛ لدلالة صحيحة زرارة الدالّة على أنّه يترك المذاكير عليه، و كذا يدلّ عليه مرسلة حريز المتقدّمة، و كذا لا مجال للمناقشة في استثناء الوجه أيضاً، لدلالة المرسلة عليه أيضاً، و لصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام)

قال: الذي يجب عليه الرجم يرجم من ورائه و لا يرجم من وجهه؛ لأنّ الرجم و الضرب لا يصيبان الوجه، و إنّما يضربان على الجسد على الأعضاء كلّها «3» و أمّا الرأس فقد وقع استثناؤه في صحيحة زرارة المتقدّمة على نقل الكليني، فإن قلنا: بأنّ الاختلاف في النقل بمنزلة تعدّد الرواية، فلا مانع من استثنائه، و إلّا فيشكل، و إن كان يؤيّده أنّ الضرب على الرأس خصوصاً إذا كان بنحو أشدّ كما هو اللازم على ما عرفت يوجب الاختلال في العقل، و ربّما أوجب القتل، و هو منافٍ لحكمة جعل الحدّ هو الضرب كما لا يخفى، فالأحوط استثناؤه، خصوصاً مع كونه مقتضى التخفيف في الحدود، و أنّها تدرأ بالشّبهات الخامس: أنّه تضرب المرأة جالسة، و تربط عليها ثيابها، و يدلّ على ضربها جالسة صحيحة زرارة الصريحة في ذلك، و قد تقدّمت في الحكم الأوّل، و أمّا أنّه تربط عليها ثيابها، فلأنّه أستر لها، و المعلوم من مذاق الشرع أنّ المرأة عورة

______________________________

(1) المبسوط للسرخسي: 9/ 72 73، بداية المجتهد: 2/ 433.

(2) الكافي في الفقه: 407.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 375، أبواب حدّ الزنا ب 14 ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 234

[مسألة 5: ينبغي للحاكم إذا أراد إجراء الحدّ أن يعلم الناس ليجتمعوا على حضوره]

مسألة 5: ينبغي للحاكم إذا أراد إجراء الحدّ أن يعلم الناس ليجتمعوا على حضوره، بل ينبغي أن يأمرهم بالخروج لحضور الحدّ، و الأحوط حضور طائفة من المؤمنين ثلاثة أو أكثر، و ينبغي أن يكون الأحجار صغاراً، بل هو

______________________________

بأجمعها، و يدلّ عليه في الجملة ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) في المرجومة التي خاط عليها ثوباً جديداً «1» و أنّه أمر فشدّ على الجهنية ثيابها ثمّ رجمت «2»، و

لكن يمكن أن يقال: إنّ ذلك فيما إذا كان المباشر لجلدها هو الرجل، أو كان الطّائفة الشاهدة أيضاً من الرجال، و أمّا إذا كان المباشر هي المرأة و كانت الطّائفة الشاهدة أيضاً من النساء، فلم لا تجرّد المرأة مثل الرجل، و لم لا يجوز إلغاء الخصوصيّة من الروايات الواردة في هذه الجهة، الحاكمة بالتجرّد مطلقاً، أو التفصيل الذي عرفت، و بهذا الوجه يمكن توجيه ما عن المقنع، حيث قال: «و يجلدان في ثيابهما التي كانت عليهما حين زنيا، و إن وجدا مجرّدين ضربا مجرّدين» «3» بل ربّما نسب إلى الشيخ و جماعة «4» و إن قال في الجواهر: و إن كنّا لم نتحقّقه «5» السادس: أنّه لو صار الجلد موجباً لقتله أو قتلها فلا ضمان، و الوجه فيه أنّ إجراء الحدّ من الواجبات الشرعية و الوظائف اللزومية، و لا يجوز عصيانها، فإذا كان وظيفته كذلك فلا معنى لأن يترتّب عليه الضمان، و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى في البحث عن موجبات الضمان ما يوضّح ذلك، فانتظر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 380، أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 5.

(2) سنن البيهقي: 8/ 221.

(3) المقنع: 428.

(4) الروضة البهية: 9/ 107- 108.

(5) جواهر الكلام: 41/ 361.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 235

الأحوط، و لا يجوز بما لا يصدق عليه الحجر كالحصى و لا بصخرة كبيرة تقتله بواحدة أو اثنتين، و الأحوط أن لا يقيم عليه الحدّ من كان على عنقه حدّ، سيّما إذا كان ذنبه مثل ذنبه، و لو تاب عنه بينه و بين اللّٰه جاز إقامته، و إن كان الأقوى الكراهة مطلقاً، و لا فرق في ذلك بين ثبوت الزنا بالإقرار أو البيّنة (1).

______________________________

(1)

في هذه المسألة أيضاً أحكام:

الأوّل و الثاني: استحباب أمرين: أحدهما: إعلام الحاكم الناس عند إرادة إجراء الحدّ، ليتوفّروا و يجتمعوا على حضوره. و ثانيهما: أمرهم بالخروج لحضور الحدّ، و يدلّ عليه فعل أمير المؤمنين (عليه السّلام) في الموارد المتعدّدة، فإنّه لا مجال للخدشة في استفادة الرجحان منه، و إن كان لا دلالة له على الوجوب، و من تلك الموارد ما رواه ميثم: إنّ امرأة أقرّت عند أمير المؤمنين (عليه السّلام) بالزنا أربع مرّات، فأمر قنبراً فنادى بالناس فاجتمعوا، و قام أمير المؤمنين (عليه السّلام) فحمد اللّٰه و أثنى عليه ثمّ قال: أيّها الناس إنّ إمامكم خارج بهذه المرأة إلى هذا الظهر ليقيم عليها الحدّ إن شاء اللّٰه، فعزم عليكم أمير المؤمنين لمّا خرجتم و أنتم متنكّرون، و معكم أحجاركم لا يتعرّف منكم أحد إلى أحد، الحديث «1» و ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: أتاه يعني أمير المؤمنين (عليه السّلام) رجل بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين إنّي زنيت فطهّرني، و ذكر أنّه أقرّ أربع مرّات إلى أن قال: ثمّ نادى في الناس: يا معشر المسلمين اخرجوا ليقام على هذا الرجل الحدّ، و لا يعرفنّ أحدكم صاحبه، الحديث «2» و غيرهما من الموارد.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 341، أبواب مقدّمات الحدود ب 31 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 342، أبواب مقدّمات الحدود ب 31 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 236

..........

______________________________

الثالث: حضور طائفة من المؤمنين، و قد جعله في المتن مقتضى الاحتياط اللزومي، و المحكيّ عن الحلّي «1» و جماعة منهم: المحقّق (قدّس سرّه) في النافع «2» هو الوجوب، و عن الشيخ «3» و جماعة منهم: المحقّق

في الشرائع «4» الاستحباب، بل عن المبسوط «5» و الخلاف «6» نفي الخلاف فيه و غير خفيّ أنّ ظاهر الآية الشريفة هو الوجوب؛ لظهور الأمر فيه، و لكن ادّعي أنّ نفي الخلاف من الشيخ يكون صارفاً له، و لا بدّ من ملاحظة مورد نفي الخلاف أوّلًا، و أنّه على تقدير كون مورده هو الاستحباب هل يصلح لصرف الآية عن ظهورها أم لا؟ فنقول:

قال الشيخ في الخلاف: «يستحبّ أن يحضر عند إقامة الحدّ على الزاني طائفة من المؤمنين بلا خلاف؛ لقوله تعالىٰ وَ لْيَشْهَدْ عَذٰابَهُمٰا طٰائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «7» و أقلّ ذلك عشرة، و به قال الحسن البصري «8» «9» و لا دلالة لهذه العبارة على كون مورد نفي الخلاف هو الاستحباب في مقابل الوجوب؛ لاحتمال أن يكون المراد به هو الرجحان في مقابل الترك، و يؤيّده

______________________________

(1) السرائر 3/ 453.

(2) المختصر النافع: 295.

(3) النهاية: 701.

(4) شرائع الإسلام: 4/ 939.

(5) المبسوط: 8/ 8.

(6) الخلاف: 5/ 374 مسألة 11.

(7) سورة النور 24: 2.

(8) أحكام القرآن للجصّاص: 5/ 106، الشرح الكبير: 10/ 169.

(9) الخلاف: 5/ 374 375 مسألة 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 237

..........

______________________________

الاستدلال بالآية الشريفة، ضرورة أنّ الاستدلال للاستحباب في مقابل الوجوب بالآية الشريفة ممّا لا يستقيم و بعبارة أُخرى إذا كان مستند الشيخ هو ظهور الآية، فكيف يكون كلامه موجباً لصرفها عن ظهورها، و عليه فالظّاهر أنّ مراده هو الاحتمال الثاني، ثمّ إنّه على تقدير كون مراده هو الاحتمال الأوّل لا مجال لرفع اليد عن الظهور بسببه، خصوصاً بعد مخالفة جماعة في ذلك و الحكم بالوجوب تبعاً لظهور الآية، و على ما ذكرنا فالوجوب هو الأقوى ثمّ إنّه ربّما يتوهّم أنّه

لا يجتمع الحكم بالوجوب هنا مع الحكم بالاستحباب بالإضافة إلى الأمرين المتقدّمين، نظراً إلى أنّ مقتضى الحكم بالوجوب في المقام هو وجوب الإعلام و الأمر بالخروج؛ لأنّه مقدّمة لحضور الطائفة المفروض وجوبه و يدفعه أنّ الإعلام و الأمر بالخروج إنّما هو بالإضافة إلى عموم الناس و أفرادهم؛ ليتوفّروا على حضوره، و هذا لا ينافي وجوب حضور الطائفة، خصوصاً لو قيل: بأنّ أقلّ الطائفة واحد، أو اثنان، أو ثلاثة مثلًا، ضرورة أنّ لزوم حضور هذا المقدار لا ينافي استحباب الإعلام العمومي، و الأمر بالخروج كذلك، فتدبّر ثمّ إنّه قد فسّر في المتن الطائفة بالثلاثة أو أكثر، و الظّاهر كون التفسير المزبور هو مقتضى مختاره، لا أنّه مقتضى الاحتياط اللزومي، كما ربّما تحتمله العبارة على بعدٍ و قد وقع الاختلاف في المراد من الطائفة التي يجب أو يستحبّ شهودهم عذاب الزّانية و الزّاني.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 238

..........

______________________________

فالمحكيّ عن القواعد «1» و النافع «2» و النهاية «3» و الجامع «4» و مجمع البيان «5» و ظاهر التبيان «6»، بل حكي عن ابن عبّاس «7» أنّ أقلّها واحد، و قد استحسنه المحقّق في الشرائع «8» لما عن الفرّاء من أنّه بمعنى القطعة «9»، و لقوله تعالى وَ إِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدٰاهُمٰا عَلَى الْأُخْرىٰ فَقٰاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّٰى تَفِي ءَ إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ فَإِنْ فٰاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللّٰهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ «10» فإنّ الظّاهر أنّ الآية الثانية وقع موقع التعليل للحكم بالإصلاح المذكور في الآية الأُولى، و عليه فالتعبير عن الطائفتين بالأخوين في الآية الثانية

ظاهر في أنّ أقلّ الطائفتين اثنان و لموثّقة غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه، عن أمير المؤمنين (عليهم السّلام) في قول اللّٰه عزّ و جل وَ لٰا تَأْخُذْكُمْ بِهِمٰا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّٰهِ «11» قال: في إقامة الحدود، و في

______________________________

(1) قواعد الأحكام: 2/ 254.

(2) المختصر النافع: 295.

(3) النهاية: 701.

(4) الجامع للشرائع: 549.

(5) مجمع البيان: 7/ 196.

(6) التبيان: 7/ 406.

(7) الجامع لأحكام القرآن: 12/ 166، الدرّ المنثور: 5/ 18، في تفسير الآية الثانية من سورة النور، مختلف الشيعة: 10/ 170.

(8) شرائع الإسلام: 4/ 939.

(9) راجع المهذّب البارع: 5/ 43، معجم مقاييس اللّغة: 3/ 433، القاموس المحيط: 3/ 75 (1).

(10) سورة الحجرات 49: 9 10.

(11) سورة النور 24: 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 239

..........

______________________________

قوله تعالى وَ لْيَشْهَدْ عَذٰابَهُمٰا طٰائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قال: الطائفة واحد «1» و العجب أنّ صاحب الجواهر «2» جعل الرواية مرسلة مع أنّه مسندة موثّقة، و الظّاهر أنّ هذه الرواية هو المراد ممّا في التبيان و مجمع البيان من رواية ذلك عن الباقر (عليه السّلام) و يؤيّدها ما رواه في المستدرك عن الجعفريّات، عن عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) في قوله تعالى وَ لْيَشْهَدْ عَذٰابَهُمٰا طٰائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قال: الطائفة من واحد إلى عشرة «3» و قيل: إنّ أقلّ الطائفة اثنان كما عن عكرمة «4» لقوله تعالى فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ .. «5» لأنّ أقلّ الفرقة ثلاثة، و الخارج اثنان أو واحد، و الاحتياط يقتضي اعتبار اثنين و قيل: أربعة كما عن الشافعي «6»؛ لمناسبتها لما اعتبر في الشهادة من كونهم أربعة.

و قيل: عشرة، كما اختاره الشيخ (قدّس سرّه) في الخلاف في

ذيل عبارته المتقدّمة، و قد حكاه أيضاً عن الحسن البصري و لم يذكر له وجهاً و قيل: إنّ أقلّها ثلاثة، و هو محكيّ عن ابن إدريس «7» و عن الزهري و قتادة «8».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 370، أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 5.

(2) جواهر الكلام: 41/ 354.

(3) مستدرك الوسائل: 18/ 75، أبواب حدّ الزنا ب 42 ح 4.

(4) الدرّ المنثور: 5/ 18، في تفسير الآية الثانية من سورة النور، الجامع لأحكام القرآن: 12/ 166.

(5) سورة التوبة 9: 122.

(6) الامّ: 6/ 155، الشرح الكبير: 10/ 169، الجامع لأحكام القرآن: 12/ 166.

(7) السرائر: 3/ 454.

(8) أحكام القرآن للجصّاص: 5/ 106، الجامع لأحكام القرآن: 12/ 166، الشرح الكبير 10/ 169، المغني لابن قدامة: 10/ 137.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 240

..........

______________________________

و اختاره في المتن، و قد استدلّ له بالعرف، نظراً إلى مساوقة الطائفة للجماعة، و أقلّ الجماعة ثلاثة، و بأنّها من الطوف و الإحاطة و الاحتفاف، فهي بمعنى جماعة تحفّ بالشي ء كالحلقة، و أقلّ ذلك ثلاثة، و عن ابن فارس في المقاييس: «الطاء و الواو و الفاء» أصل واحد صحيح، يدلّ على دوران الشي ء على الشي ء و أن يحفّ به إلى أن قال: فأمّا الطائفة من الناس فكأنّها جماعة تُطيف بالواحد أو بالشي ء، و لا تكاد العرب تحدّها بعدد معلوم، إلّا أنّ الفقهاء و المفسّرين يقولون فيها مرّة: أنّها أربعة فما فوقها .. و يقولون: هي الثلاثة، و لهم في ذلك كلام كثير، و العربُ فيه على ما أعلمتك، أنّ كلّ جماعة يمكن أن تحفَّ بشي ء، فهي عندهم طائفة إلى أن قال: ثمّ يتوسّعون في ذلك من طريق المجاز، فيقولون: أخذت طائفة من

الثوب، أي قطعة منه، و هذا على معنى المجاز؛ لأنّ الطائفة من الناس كالفرقة و القطعة منهم «1».

و عن الجبائي: من زعم أنّ الطائفة أقلّ من ثلاث فقد غلط من جهة اللّغة «2» و عن العلّامة في المختلف «3» و بعض آخر إحالته على العرف «4»، و لا ريب في اقتضائه الثلاثة فصاعداً كما اعترف به بعضهم و التحقيق أنّه لو لم يوجد في المقام رواية معتبرة، و كان اللازم الرجوع إلى اللّغة و العرف، فلا ريب في اقتضائهما الثلاثة فأكثر، لِما عرفت من أنّها من الطوف و الإحاطة، و أقلّ ما يتحقّق به ذلك ثلاثة، و من أنّها مساوقة للجماعة التي يكون أقلّها عند العرف هو هذا المِقدار، و هذا لا ينافي اعتبار القطعة فيها أيضاً؛ لأنّه

______________________________

(1) معجم مقاييس اللّغة: 3/ 432 433.

(2) التبيان: 70/ 360.

(3) مختلف الشيعة: 9/ 170.

(4) التنقيح الرائع: 4/ 344، الروضة البهيّة: 9/ 96.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 241

..........

______________________________

لا تستعمل الطائفة إلّا في مقامٍ يكون هناك جماعة أشمل و أوسع منها، و بهذا الاعتبار تكون الطّائفة قطعة من ذلك المجموع و بعضاً منه، و عليه فاستعمالها بهذا الاعتبار في مثل القطعة من الثوب لا ينافي اعتبار الإحاطة و الاحتفاف فيها أيضاً، مضافاً إلى أنّه لم يعلم استعمالها و لو مجازاً في مثل غير القطعة من الثوب التي يكون لها احتفاف و إحاطة أيضاً، و على ما ذكرنا فالظّاهر أنّه بملاحظة العرف لا مجال للمناقشة في أنّ أقلّها ثلاثة، إلّا أنّه لا مساغ للإغماض عن الرواية المعتبرة المفسّرة لها بالواحد، فيصير هذا هو الأقوى الرابع: أنّه ينبغي أن يكون الأحجار صغاراً، بل هو الأحوط، و

يدلّ عليه ما ورد في رواية أبي بصير المتقدّمة من قوله (عليه السّلام): و يرمي الإمام ثمّ يرمي الناس بعدُ بأحجار صغار «1» و في رواية سماعة المتقدّمة أيضاً من قوله (عليه السّلام): ثمّ يرمي الإمام و يرمي الناس بأحجار صغار «2» و ظاهر الروايتين لزوم كون الأحجار صغاراً، لوقوعهما في مقام بيان كيفيّة الرجم و أحكامه، و عليه فالفتوى بالاستحباب لعلّها بملاحظة أنّه لا يظهر من الأصحاب الفتوى بالوجوب و لو بلحاظ عدم تعرّض كثير منهم لهذه الجهة، و لكنّ الأحوط لو لم يكن الأقوى هو الوجوب و هل المراد من الصغار في الروايتين ما يقابل الكبير و المتوسّط، أو ما يقابل الكبير فقط؟ قال في الجواهر: يمكن إرادة الأحجار المعتدلة من الصغار في النصوص «3»، و لعلّه لذا قال في القواعد و كشف اللثام: و لا يرجم بحصى صغار جدّاً

______________________________

(1) تقدّمتا في ص 225.

(2) تقدّمتا في ص 225.

(3) جواهر الكلام: 41/ 355.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 242

..........

______________________________

يعذّب بطول الضرب مع بقاء الحياة «1»، و لكنّ المستفاد من المتن أنّ عدم جواز الرجم بالحصى إنّما هو لعدم صدق الحجر عليه، و الظّاهر مدخلية عنوان الحجر في صدق الرجم أيضاً؛ لأنّ معناه لغة هو الرمي بالحجارة، مضافاً إلى دلالة الروايتين على اعتبار الحجريّة و كيف كان، فبملاحظة الروايتين، و معنى الرجم الذي يعتبر فيه الرمي أنّه لا يجوز بصخرة كبيرة تقتله بواحدة أو اثنتين؛ لعدم تحقّق الرمي بالإضافة إليها، مضافاً إلى أنّه خلاف المأثور كما لا يخفى الخامس: أنّ الأحوط أن لا يقيم عليه الحدّ من كان على عنقه حدّ، و في المسألة قولان: أحدهما: القول بالتحريم، و قد

نسبه إلى القيل في الشرائع «2» ثانيهما: الكراهة، و نسبه في الرياض إلى ظاهر الأكثر بل المشهور، بل في أثناء كلامه دعوى الاتّفاق على الكراهة ظاهراً «3»، و في محكيّ كشف اللثام نسبتها إلى ظاهر الأصحاب «4» و كيف كان، فقد وردت في المسألة روايات لا بدّ من ملاحظتها:

منها: صحيحة زرارة على ما في الوسائل عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: اتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) برجل قد أقرّ على نفسه بالفجور، فقال أمير المؤمنين (عليه السّلام) لأصحابه: اغدوا غداً عليَّ متلثّمين، فقال لهم: من فعل مثل فعله فلا يرجمه و لينصرف، قال:

______________________________

(1) قواعد الأحكام: 2/ 255، كشف اللّثام: 2/ 404.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 939.

(3) رياض المسائل: 10/ 76.

(4) كشف اللثام: 2/ 404.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 243

..........

______________________________

فانصرف بعضهم و بقي بعضهم، فرجمه من بقي منهم «1» و لكنّ الحديث على ما في محكيّ الكافي و التهذيب بدل «زرارة» «عمّن رواه» و إضافة كلمة: «أو أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)» «2» و عليه فلا تخرج الرواية أيضاً عن الحجّيّة بعد اعتبار مراسيل ابن أبي عمير، و لا خفاء في ظهورها في النهي و التحريم و منها: مرفوعة أحمد بن محمّد بن خالد، التي رواها بطريق صحيح عليّ بن إبراهيم، عن أبي بصير يعني المرادي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، المشتملة على قول أمير المؤمنين (عليه السّلام) في قصّة رجل أتاه بالكوفة و أقرّ بالزنا أربع مرّات: معاشر المسلمين إنّ هذه حقوق اللّٰه، فمن كان للّٰه في عنقه حدّ فلينصرف، و لا يقيم حدود اللّٰه من في عنقه حدّ، فانصرف الناس و بقي هو و الحسن و الحسين، فرماه كلّ

واحد ثلاثة أحجار فمات الرجل «3» و لا خفاء أيضاً في ظهورها في الحرمة، خصوصاً مع أنّ الحكم التنزيهي لا يناسب الانصراف الذي يترتّب عليه الإقرار الضمني، الموجب للسقوط عن أعين الناس و هتك الحيثيّات، و إن كان يدفعه التلثّم بحيث لا يعرف أحد أحداً، و لكنّه مع ذلك لا يناسب مع الحكم التنزيهي غير التحريمي، كما لا يخفى و منها: ما رواه الأصبغ بن نباتة في الحديث الوارد في رجل أتى أمير المؤمنين (عليه السّلام) فأقرّ عنده بالزنا، المشتمل على قوله (عليه السّلام) مخاطباً لمن حضر لشهود العذاب: نشدت اللّٰه رجلًا منكم للّٰه عليه مثل هذا الحقّ أن يأخذ للّٰه به، فإنّه لا يأخذ للّٰه بحقّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 342، أبواب مقدّمات الحدود ب 31 ح 2.

(2) الكافي: 7/ 188 ح 2، التهذيب: 10/ 11 ح 25.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 342، أبواب مقدّمات الحدود ب 31 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 244

..........

______________________________

من يطلبه اللّٰه بمثله .. «1» و منها: رواية ميثم، المشتملة على قول أمير المؤمنين (عليه السّلام) مخاطباً للناس الحاضرين في رجم امرأة أقرّت عنده بالزنا أربع مرّات: أيّها الناس إنّ اللّٰه عهد إلى نبيّه (صلّى اللّٰه عليه و آله) عهداً عهده محمّد (صلّى اللّٰه عليه و آله) إليَّ بأنّه لا يقيم الحدَّ من للّٰه عليه حدّ، فمن كان للّٰه عليه مثل ما له عليها فلا يقيم عليها الحدّ «2» و في محكيّ المسالك الحكم بقصور سند هذه الرواية «3»، و لكنّ الظّاهر أنّها على بعض طرق نقلها صحيحة، و إن كان على البعض الآخر ليست كذلك و الظّاهر من الروايات كما ذكرنا هو التحريم، و

عن السرائر: و روى أنّه لا يرجمه إلّا من ليس للّٰه سبحانه في جنبه حدّ، و هذا غير متعذّر؛ لأنّه يتوب فيما بينه و بين اللّٰه تعالى ثمّ يرميه «4» و لكنّه ربّما يقال بحمل النهي فيها على الكراهة، مضافاً إلى ما قيل من وجوب القيام بأمر اللّٰه تعالى، و عموم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و الرجم من هذا القبيل و يرد عليه أنّ منشأ حمل النهي على الكراهة إن كان هو قصور سند الروايات، فقد عرفت أنّ سند أكثرها صحيح أو كالصحيح، و إن كان هو استفادة المشهور منه الكراهة، فمن الواضح عدم حجّية فهم المشهور فيما يتعلّق بمقام دلالة الروايات، بل اللازم اتّباع ما هو ظاهرها بحسب العرف و اللّغة، و أمّا الوجوب المذكور فهو

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 342، أبواب مقدّمات الحدود ب 31 ح 4.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 341، أبواب مقدّمات الحدود ب 31 ح (1).

(3) مسالك الأفهام: 14/ 388 389.

(4) السرائر: 3/ 454.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 245

..........

______________________________

لا يجتمع مع الكراهة أيضاً، فالأحوط بملاحظة ما ذكرنا لو لم يكن أقوى هو عدم إقامة الحدّ ممّن كان عليه حدّ مطلقاً، أو خصوص الحدّ المماثل على ما سيجي ء.

بقي في هذا المقام أُمور:

الأوّل: أنّ الحكم تحريماً أو تنزيهاً شامل لمطلق الحدّ، أو يختصّ بالحدّ المماثل للحدّ الذي أريد إجرائه؟ وجهان: ظاهر الجملة الاولى من رواية ميثم و المرفوعة هو الأوّل، و ظاهر ذيل رواية ميثم و رواية زرارة و رواية الأصبغ، الثاني. و يمكن أن يقال كما في الجواهر بعدم المنافاة بينهما «1»، و لعلّه لكونهما مثبتين، و لا وجه لحمل المطلق على المقيّد في هذه

الصورة، و يؤيّده الجمع بين الأمرين في رواية ميثم على ما عرفت نعم، ذكر القيد لا بدّ و أن يكون له نكتة حتّى لا يكون لغواً، و من الممكن أن يكون الوجه فيه تحقّق الشدّة في مورد القيد، خصوصاً على الكراهة التي يكون فيها المراتب في كثير من الموارد، و يؤيّد ما ذكرنا من التعميم مساعدته للاعتبار، فإنّ الملاك فيه أنّ من كان مديوناً للّٰه تعالى و لم يف دينه لا يناسبه استيفاء الدين الإلهي من غيره، كما لا يخفى الثاني: أنّه لو تاب عنه بينه و بين اللّٰه جاز إقامته، لما مرّ سابقاً في بعض المسائل المتقدّمة من أنّ التوبة قبل البيّنة أو الإقرار يوجب سقوط الحدّ، و عليه فالتائب لا يكون للّٰه عليه حقّ بملاحظة توبته، و قد عرفت فيما [تقدّم] عن ابن إدريس من الحكم بعدم التعذّر بعد انفتاح باب التوبة و الرمي بعدها، و لكن عرفت في بعض روايات الباب أنّه بعد قول أمير المؤمنين (عليه السّلام) انصرف الناس كلّهم و لم يبق غيره

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 356 357.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 246

..........

______________________________

و غير الحسنين (عليهم السّلام) «1» و من البعيد جدّاً عدم توبتهم جميعاً في ذلك الوقت، و ذكر في الجواهر أنّه يمكن أن يكون لعدم علمهم بالحكم «2» و لكنّه يبعّده أنّه ينبغي للإمام العالم بيان ذلك حتّى لا ينصرف كلّ الناس، خصوصاً مع ما في الانصراف ممّا عرفت، و الذي يحتمل وجهاً لذلك أنّه كان غرض أمير المؤمنين (عليه السّلام) من ذلك إثبات مزيّة للحسنين (عليهما السّلام) مقدّمة لإمامتهما، خصوصاً مع ما في بعض الروايات من أنّه كان في جملة النّاس

المنصرفين بعض أولاد أمير المؤمنين (عليه السّلام) «3» أيضاً ممّن اعتقد جماعة بإمامته، فتدبّر الثالث: أنّه لا فرق في الحكم المذكور بين ما إذا ثبت زنا المرجوم بالإقرار أو بالبيّنة، لكن عن الصيمري الاختصاص بالأوّل، نظراً إلى أنّه إذا قامت البيّنة فالواجب بدأة الشهود «4»، و من الممكن ثبوت الحدّ عليهم فيما بينهم و بين اللّٰه، و إلى أنّ مورد جميع الروايات المتقدّمة هي صورة الإقرار و يدفع الأوّل مضافاً إلى أنّ مقتضاه عدم ثبوت الحكم بالإضافة إلى الشهود فقط، لا بالإضافة إلى جميع الناس الذي هو المدّعى أنّه كان الواجب عليهم في هذه الصورة هي التوبة، و مع الإخلال بها و الإصرار على عدمها يخرجون عن العدالة المعتبرة فيهم قطعاً مع أنّ النسبة بين دليل لزوم بدأة الشهود و بين أدلّة المقام هي العموم من وجه، و مادّة الاجتماع هي الشهود غير التائبين، و لا دليل على ترجيح ذلك الدّليل

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 341 و 342، أبواب مقدّمات الحدود ب 31 ح 1 و 3.

(2) جواهر الكلام: 41/ 357.

(3) الكافي: 7/ 185- 187 ح 1، التهذيب: 10/ 9 11 ح 23.

(4) غاية المرام: 4/ 320.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 247

[مسألة 6: إذا أُريد رجمه يأمره الإمام (عليه السّلام) أو الحاكم أن يغتسل غسل الميّت بماء السدر]

مسألة 6: إذا أُريد رجمه يأمره الإمام (عليه السّلام) أو الحاكم أن يغتسل غسل الميّت بماء السدر، ثمّ ماء الكافور ثمّ القراح، ثمّ يكفّن كتكفين الميّت يلبس جميع قطعه، و يحنّط قبل قتله كحنوط الميّت، ثمّ يرجم فيصلّى عليه و يدفن بلا تغسيل في قبور المسلمين، و لا يلزم غسل الدم من كفنه، و لو أحدث قبل القتل لا يلزم إعادة الغسل، و نيّة الغسل من المأمور، و الأحوط

نيّة الآمر أيضاً (1).

______________________________

على أدلّة المقام في مورد التعارض، و من الممكن دعوى العكس و يدفع الثاني، وضوح أنّ المورد لا يكون مخصّصاً، خصوصاً بعد ظهور التعبير في الملاك الذي هو مستند الحكم، كما لا يخفى

(1) قال الشيخ (قدّس سرّه) في الخلاف: «من وجب عليه الرجم يؤمر بالاغتسال أوّلًا و التكفين، ثمّ يرجم و يدفن بعد ذلك بعد أن يصلّي عليه و لا يغسل بعد قتله، و قال جميع الفقهاء: إنّه يغسل بعد موته (قتله) و يصلّى عليه، دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم لا يختلفون فيه» «1» و الأصل في الحكم رواية مسمع كردين، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: المرجوم و المرجومة يغسلانِ و يحنّطانِ و يلبسانِ الكفن قبل ذلك، ثمّ يرجمان و يصلّى عليهما، و المقتصّ منه بمنزلة ذلك يغسّل و يحنّط و يلبس الكفن، ثمّ يقاد و يصلّى عليه «2» و رواه الصدوق «3» مرسلًا عن أمير المؤمنين (عليه السّلام)، و الشيخ تارة بإسناده عن

______________________________

(1) الخلاف: 5/ 385 386 مسألة 28.

(2) وسائل الشيعة: 2/ 703، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت ب 17 ح 1.

(3) من لا يحضره الفقيه: 1/ 157- 158 ح 440.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 248

..........

______________________________

الكليني، و أُخرى بسند آخر مرسلًا عن مسمع كردين، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) مثله «1» و على أيّ حال فالرواية ضعيفة من حيث السند، أمّا للإرسال و إمّا لغيره، و لكنّها منجبرة بفتوى الأصحاب به من غير خلاف يعرف، كما اعترف به في محكيّ المعتبر «2» و الذكرى «3»، هذا من جهة السند. و أمّا من جهة المتن ففي التهذيب «يغتسلان» بدل يغسّلان و ليس

المراد من قوله (عليه السّلام): «يغسّلان» أنّ المباشر للغسل غيرهما من الحاكم أو نائبه، بل الظّاهر أنّ المراد به هو الأمر بأن يغتسل بنفسه؛ لعدم معهوديّة غسل الحي القادر عليه كغسل الميّت، غاية الأمر أنّ شدّة الإضافة ربّما تقتضي وقوع النيّة من الآمر، و لذا احتاط في المتن نيّته أيضاً زائدة على نيّة المأمور كما أنّ المستفاد من هذا القول و ممّا عطف عليه من التحنيط و التكفين خصوصاً بعد الاقتصار على الصلاة عليه بعد الرجم، أنّ هذا الغسل هو غسل الميّت قد قدِّم على الموت في المرجوم و المقتصّ منه، لا أنّه غسل آخر، فلا بدّ من مراعاة الكميّة و الكيفيّة المعتبرتين فيه، كما أنّ المراد من التكفين هو التكفين المعتبر في الميّت و كذا التحنيط، و عليه فلا مجال للتمسّك بإطلاق وجوب التغسيل و الحكم بكفاية غسل واحد على نحو سائر الأغسال نعم، يستفاد من الإطلاق الدّالّ على الاكتفاء بهذا الغسل، عدم لزوم الإعادة لو أحدث قبل القتل، من دون فرق بين ما إذا كان الحدث هو الأصغر أو الأكبر، كما أنّ مقتضى الاقتصار على الصلاة عليه بعد الرجم عدم لزوم غسل الدم من كفنه،

______________________________

(1) التهذيب: 1/ 334 ح 978 و 979.

(2) المعتبر في شرح المختصر: 1/ 347.

(3) ذكرى الشيعة: 1/ 329.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 249

..........

______________________________

مع أنّ القاعدة تقتضي تلطّخه بالدم، كما أنّ مقتضاه عدم تكرار الغسل بعده؛ لأنّه لا يلائم مع التقديم، و في رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) الواردة في قصّة رجل أتاه أي عليّاً (عليه السّلام) بالكوفة، المشتملة على رجمه و الصلاة عليه و دفنه، فقيل: يا أمير المؤمنين أ

لا تغسّله؟ فقال: قد اغتسل بما هو طاهر إلى يوم القيامة، لقد صبر على أمرٍ عظيم «1» فإنّ الظّاهر أنّ المراد بقوله (عليه السّلام): قد اغتسل هو الاغتسال الواقع قبل الرجم، خصوصاً مع وقوعه جواباً عن الاعتراض عليه من جهة عدم التغسيل، و يحتمل أن يكون المراد به هو التطهير الحاصل بإجراء الحدّ و الرجم، و يؤيّده التعبير بالتطهير في قول الرجل في صدر الرواية: «إنّي زنيت فطهّرني» و كيف كان فلا تجب إعادة الغسل بوجه و أمّا الدفن، فيدلّ عليه مضافاً إلى رواية أبي بصير، ما في ذيل رواية أبي مريم، الواردة في امرأة أتت أمير المؤمنين (عليه السّلام)، المشتملة على قوله (عليه السّلام) بعد رجمها: فادفعوها إلى أوليائها، و مروهم أن يصنعوا بها كما يصنعون بموتاهم «2» و الرواية النبويّة الواردة في المرأة الجهنية، التي أمر بها نبي اللّٰه، فشدّت عليها ثيابها، ثمّ أمر بها فرجمت، ثمّ أمرهم فصلّوا عليها ثمّ دفنوها، فقال عمر: يا رسول اللّٰه تصلّي عليها و قد زنت؟ فقال: و الذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسّمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، و هل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها «3».

و الرواية النبويّة الأُخرى الواردة في الغامدية: لقد تابت توبة لو تابها صاحب

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 375، أبواب حدّ الزنا ب 14 ح 4.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 380، أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 5.

(3) سنن البيهقي: 8/ 225.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 250

..........

______________________________

مكس (ميسر) لغفر اللّٰه له، ثمّ أمر بها فصُلّي عليها و دفنت «1» و الظّاهر أنّ المراد بصاحب المكس هو العشّار و ممّا ذكرنا ظهر أنّ محلّ

الدفن هو قبور المسلمين؛ لعدم خروجه عن الإسلام، بل توبته بالنحو المذكور في الرواية، و تفصيل الكلام بالإضافة إلى الغسل و الكفن و الحنوط مذكور في كتاب الطهارة فراجع.

______________________________

(1) سنن البيهقي: 8/ 221.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 251

[القول في اللواحق]

اشارة

القول في اللواحق و فيها مسائل:

[مسألة 1: إذا شهد الشهود بمقدار النصاب على امرأة بالزنا قبلًا فادّعت أنّها بكر، و شهد أربع نساء عدول بذلك]

مسألة 1: إذا شهد الشهود بمقدار النصاب على امرأة بالزنا قبلًا فادّعت أنّها بكر، و شهد أربع نساء عدول بذلك تقبل شهادتهنّ و يدرأ عنها الحدّ. بل الظّاهر أنّه لو شهدوا بالزنا من غير قيد بالقبل و لا الدبر فشهدت النساء بكونها بكراً يدرأ الحدّ عنها، فهل تحدّ الشهود للفرية أم لا؟ الأشبه الثاني و كذا يسقط الحدّ عن الرجل لو شهد الشهود بزناه بهذه المرأة، سواء شهدوا بالزنا قبلًا أو أطلقوا، فشهدت النساء بكونها بكراً. نعم، لو شهدوا بزناه دبراً ثبت الحدّ و لا يسقط بشهادة كونها بكراً و لو ثبت علماً بالتواتر و نحوه كونها بكراً، و قد شهد الشهود بزناها قبلًا أو زناه معها كذلك، فالظّاهر ثبوت حدّ الفرية إلّا مع احتمال تجديد البكارة و إمكانه، و لو ثبت جبّ الرجل المشهود عليه بالزنا في زمان لا يمكن حدوث الجبّ بعده درأ عنه الحدّ و عن المرأة التي شهدوا أنّه زنى بها، و حدَّ الشهود

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 252

للفرية إن ثبت الجبّ علماً و إلّا فلا يحدّ (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة أمران:

الأمر الأوّل: أنّه إذا شهد الشهود بمقدار النصاب على أنّها زنت و ادّعت البكارة و شهدت أربع نساء عدول على ثبوتها، فهل تحدّ المرأة حدّ الزنا أم لا؟ فنقول: فيه فروض ثلاثة:

الأوّل: ما إذا شهد الشهود بالزنا المقيّد بالقبل، و الحكم فيه هو درء الحدّ عنها فتوًى و نصّاً، أمّا الفتوى فقد قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه، بل في الرياض «1»: إجماعاً على الظّاهر المصرّح به في التنقيح «2»، «3» و أمّا النصّ فهي روايتان:

إحداهما: رواية السكوني

إسماعيل بن أبي زياد المعتبرة، عن أبي عبد اللّٰه، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السّلام) أنّه أتى رجل بامرأة بكر زعم أنّها زنت، فأمر النساء فنظرن إليها فقلن: هي عذراء، فقال عليّ (عليه السّلام): ما كنت لأضرب من عليها خاتم من اللّٰه، و كان يجيز شهادة النساء في مثل هذا «4» و الجواب في الرواية شاهد على ثبوت الزنا بشهادة الشهود، و أنّه لو لم يكن في البين ادّعاء البكارة لترتّب الحدّ عليها، كما أنّ أمره (عليه السّلام) بأن تنظر النساء إليها دليل على أنّ موردها صورة ادّعائها البكارة، لا كونها بكراً جزماً، و عليه فتنطبق الرواية على المقام، و إن كان ظاهر العبارة غير ذلك كما لا يخفى.

______________________________

(1) رياض المسائل: 10/ 78.

(2) التنقيح الرائع: 4/ 345 346.

(3) جواهر الكلام: 41/ 362.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 394، أبواب حدّ الزنا ب 25 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 253

..........

______________________________

ثانيتهما: رواية زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا، فقالت: أنا بكر، فنظر إليها النساء فوجدنها بكراً، فقال: تقبل شهادة النساء «1» مع أنّ مقتضى القاعدة بعد شهادة النساء بالبكارة و حجّية شهادتهنّ في مثلها ثبوت التعارض بينها و بين شهود الزنا، و عليه فلا دليل على ثبوت الزنا حتّى يترتّب عليه الحدّ و دعوى إنّه يحتمل عود البكارة، فلا تنافي بين الشهادتين مدفوعة مضافاً إلى أنّه لا مجال لها في مقابل النصّ؛ لأنّه اجتهاد في مقابله بأنّ مجرّد الاحتمال لا ينافي تحقّق الشبهة الموجبة لدرء الحدّ، فتدبّر. و كيف كان فلا إشكال في الحكم في هذا الفرض الفرض الثاني: ما إذا شهد الشهود بالزنا مطلقاً من غير تقييد

بالقبل أو بغيره، و عن المسالك «2» ثبوت الزنا في هذا الفرض؛ لعدم المنافاة بعد احتمال كونه في الدبر و يرد عليه وضوح شمول الروايتين لهذه الصورة لو لم نقل بظهور رواية زرارة في خصوصها، مضافاً إلى انصراف الإطلاق إلى القبل الموجب لتحقّق التعارض، و إلى الشبهة الموجبة لدرء الحدّ الفرض الثالث: ما إذا شهد الشهود بالزنا المقيّد بالدبر، و الظّاهر خروجه عن الروايتين، و عدم كون شهادة النساء بالبكارة أقوى من العلم بها، مع أنّه في صورة العلم لا بدّ من الحكم بالزنا و ترتيب أثر الحدّ عليه؛ لعدم المنافاة أصلًا، فلا بدّ من أن يكون الحكم كذلك في صورة الشهادة أيضاً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 267، كتاب الشهادات ب 24 ح 44.

(2) مسالك الأفهام: 14/ 391.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 254

..........

______________________________

ثمّ إنّه كما يسقط الحدّ عن المرأة في الفرضين الأولين، كذلك يسقط عن الرجل لو شهد الشهود بزناه بهذه المرأة التي ثبتت بكارتها، كما أنّه لو ثبت جبّ الرجل المشهود عليه بالزنا في زمان لا يمكن حدوث الجبّ بعده، يدرأ عنه الحدّ و عن المرأة التي شهدوا أنّه زنى بها، من دون فرق بين الفروض الثلاثة الأمر الثاني: في أنّه هل تحدّ الشهود للفرية في الفرضين الأوّلين اللذين لم يثبت الزنا فيهما بشهادتهم أم لا؟ فالمحكيّ عن أبي عليّ «1» و الشيخ في النهاية «2» و ابن إدريس في كتاب الشهادات «3» الثبوت، و قد جعله المحقّق في الشرائع «4» الأشبه، و عن الشيخ في المبسوط «5» الذي ألِّف بعد النهاية، و ابن إدريس في باب الحدود «6» السقوط، و قد جعله في المتن الأشبه و دليل الأوّل أنّ

تقديم شهادة النساء في الرواية يستلزم ردّ شهادتهم، المستلزم لكذبهم، الموجب لثبوت حدّ الفرية عليهم و قد ردّه في الجواهر بقوله: و فيه منع ظاهر؛ لجواز قبول الشهادتين و الحكم بالتعارض المقتضي للشبهة، و لاحتمال عود البكارة و إن بَعُدَ، و لإشعار ترك ذكره في الخبرين «7» أقول: غير خفيّ أنّ رواية زرارة الظّاهرة في قبول شهادة النساء ظاهرة أيضاً في

______________________________

(1) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/ 137- 138.

(2) النهاية: 332 333.

(3) السرائر: 2/ 137.

(4) شرائع الإسلام: 4/ 939.

(5) المبسوط: 8/ 10.

(6) السرائر: 3/ 429- 430.

(7) جواهر الكلام: 41/ 363.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 255

..........

______________________________

ردّ شهادة شهود الزنا، لأنّ الجواب عن سؤال وجود البيّنتين مع وجود المعارضة في البين بقبول إحداهما معيّنة يكون المتفاهم منه عند العرف ترجيح إحداهما و ردّ الأُخرى، فاحتمال كون المراد قبول الشهادتين و الحكم بالتعارض لا ينطبق مع الرواية أصلًا. نعم لو كان المستند في المقام هي القاعدة لكان مقتضاها التعارض المذكور و بالجملة ظاهر الرواية ردّ شهادة شهود الزنا، و هو يستلزم تكذيبهم الموجب لثبوت حدّ الفرية عليهم و أمّا احتمال عود البكارة، فإن اتّكلنا عليه فاللازم إجراء حدّ الزنا على المرأة، مع أنّ المفروض درء الحدّ عنها، و أمّا عدم التعرّض له في الروايتين فلا إشعار فيه على العدم؛ لعدم كونهما في مقام بيان حكم الشهود، بل غرضهما بيان حكم المرأة من جهة ثبوت الحدّ عليها و عدمه، هذا فيما إذا شهدت النساء بالبكارة و أمّا لو ثبتت البكارة علماً من طريق التواتر و غيره، فهذا الفرض خارج عن مورد الروايتين، و لا بدّ فيه من ملاحظة القاعدة، و مقتضاها أنّه على

تقدير المعارضة المتحقّقة بكون المشهود به هو الزنا قبلًا دون الدبر أو الإطلاق، و بعدم احتمال تجديد البكارة و عدم إمكانه، يثبت حدّ الفرية على الشهود؛ لاستلزام العلم بالبكارة مع الشرطين العلم بكذبهم، الموجب لثبوت حدّ الفرية عليهم و أمّا مع انتفاء أحد الشرطين فلا تتحقّق المعارضة و لا يستلزم العلم بالبكارة للعلم بكذبهم، فلا يتحقّق موضوع الفرية كما هو ظاهر بقي الكلام فيما لو ثبت جبّ الرجل المشهود عليه بالزنا أو عليها بالزنا به، و كان ثبوته في زمان لا يمكن حدوثه بعده، و الظّاهر درء الحدّ عنه أو عنها، سواء كان ثبوته بالعلم أو بالبيّنة. أما الأوّل فواضح، و أمّا الثاني فللتعارض الموجب لعدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 256

[مسألة 2: لا يشترط حضور الشهود عند إقامة الحدّ رجماً أو جلداً]

مسألة 2: لا يشترط حضور الشهود عند إقامة الحدّ رجماً أو جلداً، فلا يسقط الحدّ لو ماتوا أو غابوا. نعم، لو فرّوا لا يبعد السقوط للشبهة الدارأة، و يجب عقلًا على الشهود حضورهم موضع الرجم مقدّمة لوجوب بدئهم بالرجم، كما يجب على الإمام (عليه السّلام) أو الحاكم الحضور ليبدأ بالرجم إذا ثبت بالإقرار، و يأتي به بعد الشهود إذا ثبت بالبيّنة (1).

______________________________

ثبوت حدّ الزنا؛ لعدم ثبوت موضوعه و من الواضح أنّه لا فرق في الجبّ بين الفروض الثلاثة المتقدّمة في مسألة البكارة و أمّا حدّ الفرية فيثبت فيما إذا ثبت الجبّ علماً؛ لما عرفت في العلم بالبكارة، و أمّا إذا ثبت بالشهادة فالظّاهر عدم الثبوت لخروج هذا الفرض عن الروايتين، و مقتضى القاعدة العدم كما مرّ؛ لأنّه كما لم يثبت الزنا لفرض التعارض كذلك لا يثبت الفرية أيضاً، و عليه فالفرق بين هذا المقام و مسألة البكارة أنّ

الحكم بثبوت حدّ الفرية فيها لأجل ظهور الرواية فيه على ما عرفت من المتفاهم العرفي منها، بخلاف المقام الذي لا بدّ من استفادة حكمه من القاعدة، و مقتضاها عدم ثبوت شي ء من الحدّين

(1) أمّا عدم اشتراط حضور الشهود عند إقامة الحدّ بمعنى سقوط الحدّ مع عدم حضورهم و كون إقامته متوقّفة عليه، فلأنّه لا دليل على الاشتراط، مضافاً إلى استصحاب بقاء الحدّ و عدم سقوطه، خلافاً لأبي حنيفة، حيث حكم بأنّه لا يجوز للحاكم أن يحكم بشهادة الشهود إذا ماتوا أو غابوا «1»، و مراده من الحكم

______________________________

(1) حاشية ردّ المحتار على الدرّ المختار: 4/ 11، المغني لابن قدامة: 10/ 187.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 257

..........

______________________________

إجراء الحدّ لا أصل الحكم و وجوب بدأة الشهود بالرجم مع أنّه يختصّ بالرجم و لا يعمّ مطلق الحدّ إنّما يكون مجرّد حكم تكليفيّ، و لا يستفاد منه الاشتراط، و على ما ذكرنا فلا يكون الموت أو الغيبة مسقطاً للحدّ، بل و لا وجه لاحتمال وجوب التأخير إلى حضورهم لو توقّع؛ لأنّه لا نظرة في الحدود نعم، لو كانت الغيبة بعنوان الفرار، فالظّاهر سقوط الحدّ للشُّبهة الدارءَة، و لحسنة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل جاء به رجلان و قالا: إنّ هذا سرق درعاً، فجعل الرجل يناشده لمّا نظر في البيّنة، و جعل يقول: و اللّٰه لو كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) ما قطع يدي أبداً، قال: و لِمَ؟ قال: يخبره ربّه إنّي بري ء فيبرأني ببراءتي، فلمّا رأى مناشدته إيّاه دعا الشاهدين، فقال: اتّقيا اللّٰه و لا تقطعا يد الرجل ظلماً

و ناشدهما، ثمّ قال: ليقطع أحدكما يده و يمسك الآخر يده، فلمّا تقدّما إلى المصطبة ليقطع يده ضرب الناس حتّى اختلطوا، فلمّا اختلطوا أرسلا الرجل في غمار الناس «1» حتّى اختلطا بالناس، فجاء الذي شهدا عليه فقال: يا أمير المؤمنين شهد عليّ الرجلان ظلماً، فلمّا ضرب الناس و اختلطوا أرسلاني و فرّا، و لو كانا صادقين لم يرسلاني، فقال أمير المؤمنين (عليه السّلام): من يدلّني على هذين أنكلهما «2» و الظّاهر أنّ المستفاد من الرواية إنّه لا موضوعية للفرار، بل الملاك هو تحقّق الشُّبهة، فالحكم يدور مدارها وجوداً و عدماً، كما لا يخفى.

______________________________

(1) «أكون في غمار الناس» أي في جمعهم المُتكاثف، النهاية في غريب الحديث: 3/ 384.

(2) الكافي: 7/ 264 ح 23، وسائل الشيعة: 18/ 345، أبواب مقدّمات الحدود ب 33 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 258

[مسألة 3: إذا شهد أربعة أحدهم الزوج بالزنا]

مسألة 3: إذا شهد أربعة أحدهم الزوج بالزنا، فهل تقبل و ترجم المرأة أو يلاعن الزوج و يجلد الآخرون للفرية؟ قولان و روايتان، لا يبعد ترجيح الثاني على إشكال (1).

______________________________

و أمّا وجوب الحضور على الشهود عقلًا في موضع الرجم، فلما عرفت في المسائل السابقة أنّه يجب تكليفاً عليهم البدأة بالرمي، و قد تقرّر في محلّه أنّ مقدّمة الواجب لا تتّصف بالوجوب الشرعي و إن كان غيريّاً، بل الوجوب المتعلّق بها إنّما هو من ناحية العقل، ضرورة حكمه بلزوم الإتيان بها لأجل التمكّن من إتيان ذيها و منه يظهر وجوب حضور الإمام مطلقاً و لو في صورة الثبوت بالإقرار، للزوم البدأة في هذه الصورة، و الإتيان بالرمي بعد الشهود فيما إذا ثبت بالبيّنة، غاية الأمر أنّ الوجوب أيضاً عقلي من باب المقدميّة

(1)

أقول: القول الأوّل منسوب إلى الأكثر كما عن المسالك «1»، و قد قوّاه صاحب الجواهر (قدّس سرّه) «2» و الثاني محكيّ عن جماعة، و المسألة منصوصة وردت فيها روايات متعارضة، و البحث فيها تارة مع قطع النظر عن الروايات، و أُخرى مع ملاحظتها أمّا الفرض الأوّل: فالظّاهر أنّ مقتضى إطلاق ما دلّ على اعتبار الشهود الأربعة في إثبات الزنا، ممّا عرفت أنّه لا فرق بين الزوج و بين الشاهد الأجنبي، بعد تحقّق شرائط الشهادة فيه؛ من العدالة و غيرها، بل يمكن أن يقال: بأنّ الزوج أولى بالقبول لهتك عرضه.

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 14/ 394.

(2) جواهر الكلام: 41/ 365.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 259

..........

______________________________

مع أنّه يشمله ما دلّ على جواز شهادة كلّ من الرجل و المرأة للآخر و على الآخر، هذا، مضافاً إلى ظاهر قوله تعالى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوٰاجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدٰاءُ إِلّٰا أَنْفُسُهُمْ فَشَهٰادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهٰادٰاتٍ بِاللّٰهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّٰادِقِينَ «1» لظهور الاستثناء في الاتّصال، فيدلّ على أنّ الأزواج أيضاً من الشهود، مضافاً إلى أنّ الشهادات الأربعة بمنزلة الشّهادات من الأربعة، و إن كان يبعّده أوّلًا لزوم تعقّبها باللعن، و ثانياً لزوم تأخّرها عن الرمي، بمعنى كونها زائدة على أصل الرمي، و كيف كان، فلا خفاء في ظهور الآية في كون الزوج من جملة الشهود هذا، مضافاً إلى قوله تعالى وَ اللّٰاتِي يَأْتِينَ الْفٰاحِشَةَ مِنْ نِسٰائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ «2» فإنّه يشمل الزوج و غيره، بناءً على أنّ الخطاب للحكّام نعم، قوله تعالى لَوْ لٰا جٰاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ «3» ظاهر في لزوم الإتيان بشهودٍ غير نفسه؛ لأنّه لا يقال: جاء الإنسان بنفسه، و لكنّ الظّاهر

أظهرية الآية المتقدّمة، فلا مانع من كون الزوج أيضاً أحد الشهداء بقرينتها و أمّا الفرض الثاني: فقد وردت في المسألة رواية إبراهيم بن نعيم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها؟ قال: تجوز شهادتهم «4» و في سندها عباد بن كثير و هو غير موثّق.

______________________________

(1) سورة النور 24: 6.

(2) سورة النساء 4: 15.

(3) سورة النور 24: 13.

(4) وسائل الشيعة: 15/ 606، كتاب اللعان ب 12 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 260

..........

______________________________

و في مقابلها رواية زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها، قال: يلاعن الزوج و يجلد الآخرون «1» و رواية أبي سيّار مسمع، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في أربعة شهدوا على امرأة بفجورٍ أحدهم زوجها، قال: يجلدون الثلاثة و يلاعنها زوجها، و يفرّق بينهما و لا تحلّ له أبداً «2» و في سندها إبراهيم بن نعيم، و الظّاهر كما عن التهذيب و الفقيه «3» هو نعيم بن إبراهيم الذي هو مجهول، كما أنّ في سند رواية زرارة إسماعيل بن خراش، و هو أيضاً مجهول و قد جمع بينهما بوجوه:

الأوّل: ما عن الشيخ (قدّس سرّه) من حمل الطائفة الثانية على اختلال بعض الشرائط «4» الثاني: ما عن السرائر «5» و الوسيلة «6» و الجامع «7» من الجمع بينهما بسبق الزوج بالقذف و عدمه، فيعتبر الأربعة غير الزوج في الأوّل دون الثاني؛ لأنّ قوله تعالى لَوْ لٰا جٰاؤُ فيمن ابتدأ بالقذف، بل عن السرائر الاستشهاد بقوله تعالى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوٰاجَهُمْ إلى آخرها، نظراً إلى أنّه قد رمى زوجته و لم يكن له شهداء

إلّا نفسه؛ لأنّ شهادة الثلاثة غير معتدّ بها إلّا بانضمام شهادة الرابع، فكأنّها

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 15/ 606، كتاب اللعان ب 12 ح 2.

(2) وسائل الشيعة: 15/ 606، كتاب اللعان ب 12 ح 3.

(3) التهذيب: 10/ 79 ح 306، الفقيه: 4/ 52 ح 5078.

(4) النهاية: 690.

(5) السرائر: 3/ 430.

(6) الوسيلة: 410.

(7) الجامع للشرائع: 548.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 261

[مسألة 4: للحاكم أن يحكم بعلمه في حقوق اللّٰه و حقوق النّاس]

مسألة 4: للحاكم أن يحكم بعلمه في حقوق اللّٰه و حقوق النّاس، فيجب عليه إقامة حدود اللّٰه تعالى لو علم بالسبب، فيحدَّ الزاني كما يجب عليه مع قيام البيّنة و الإقرار، و لا يتوقّف على مطالبة أحد، و أمّا حقوق الناس فتقف إقامتها على المطالبة حدّا كان أو تعزيراً، فمع المطالبة له العمل بعلمه (1).

______________________________

لم تكن في الحكم «1» و قد مرّ الجواب عن الاستشهاد بالآية الثالث: ما عن ابن الجنيد من حمل رواية اللعان على ما إذا كانت الزوجة مدخولًا بها ليتحقّق شرط اللعان «2» الرابع: ما عن الصدوق من الجمع بين الخبرين «3» بناءً على ما اختاره من أنّه لا لعان إلّا في نفي الولد بأنّه إذا لم ينف الولد كان أحد الأربعة، و إلّا حدّ الثلاثة و لاعنها هذا، و الظّاهر أنّ الجمع بأحد الوجوه المذكورة لا يخرج عن الجمع التبرّعي، و هو لا يوجب خروج الروايتين عن عنوان التعارض، فاللازم معاملة المتعارضين معهما، و الترجيح مع رواية القبول؛ لموافقتها للشُّهرة أوّلًا، و للكتاب ثانياً على ما عرفت و إن شئت فقل بعدم حجيّة شي ء من الروايات؛ لضعفها من حيث السند، و اللازم الرجوع إلى غيرها، و قد مرّ أنّ مقتضاه القبول

(1) وقع الخلاف بعد أنّه لا

خلاف بيننا معتدّ به في أنّ الإمام المعصوم يقضي

______________________________

(1) السرائر: 3/ 431.

(2) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/ 138 مسألة 2.

(3) من لا يحضره الفقيه: 4/ 52، المقنع: 440.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 262

..........

______________________________

بعلمه مطلقاً في حقّ اللّٰه و حقّ الناس في أنّ الحاكم غيره هل يجوز له القضاء بعلمه مطلقاً، أو لا يجوز له كذلك، أو يكون هناك تفصيل؟ فالأكثر على الأوّل، و حكى السيد في الانتصار عن أبي عليّ بن الجنيد الثاني «1»، و لكن في محكيّ المسالك عن ابن الجنيد في كتابه الأحمدي جواز الحكم في حدود اللّٰه دون حقّ الناس «2»، و المحكيّ عن ابن إدريس «3» و ابن حمزة «4» عكس ذلك، و هو الجواز في حقوق الناس دون حقوق اللّٰه تعالى، و عن حدود النهاية: إذا شاهد الإمام من يزني أو يشرب الخمر كان عليه أن يقيم الحدّ عليه، و لا ينتظر مع مشاهدته قيام البيّنة و لا الإقرار. و ليس ذلك لغيره، بل هو مخصوص به. و غيره، و إن شاهد يحتاج أن يقوم له بيّنة أو إقرار من الفاعل «5» و كيف كان فقد استدلّ على القول الأوّل، و هو الجواز مطلقاً بوجوه:

الأوّل: الإجماع المدّعى في كلمات جماعة من الفقهاء و كتبهم، كالإنتصار «6» و الغنية «7» و الخلاف «8» و نهج الحق «9» و بعض الكتب الأُخر، و قد اعتمد عليه غاية

______________________________

(1) الإنتصار: 488.

(2) مسالك الأفهام: 13/ 384.

(3) السرائر: 2/ 179، و لكن ظاهر صدر كلامه التعميم. و كذا قال في ج 3/ 432: للقاضي أن يحكم بعلمه مطلقاً.

(4) الوسيلة: 218.

(5) النهاية: 691.

(6) الإنتصار: 486، 487 488.

(7) غنية النزوع:

436.

(8) الخلاف: 6/ 242 244 مسألة 41.

(9) نهج الحقّ: 563.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 263

..........

______________________________

الاعتماد السيّد في الإنتصار، و صاحب الجواهر. قال في الأوّل بعد بيان أنّ الجواز ممّا انفردت به الإمامية و وافقهم فيه بعض آخر: فإن قيل: كيف تستجيزون ادّعاء الإجماع من الإماميّة في هذه المسألة، و أبو عليّ بن الجنيد يصرّح بالخلاف و يذهب إلى أنّه لا يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه في شي ء من الحقوق و الحدود؟ قلنا: لا خلاف بين الإماميّة في هذه المسألة، و قد تقدّم إجماعهم ابن الجنيد و تأخّره، و إنّما عوّل ابن الجنيد على ضرب من الرأي و الاجتهاد، و خطؤه ظاهر «1» و قال في الجواهر بعد نقل الإجماع من الكتب المذكورة: و هو الحجّة، ثمّ أورد الأدلّة الأخرى ثمّ قال: و ليس في شي ء من الأدلّة المذكورة عدا الإجماع منها دلالة على ذلك «2» و لكنّ الظّاهر أنّه لا مجال للاتّكال على الإجماع في المسألة التي تكثر فيها الوجوه و الأدلّة، فإنّه من المحتمل قويّاً أن تكون تلك الوجوه كلّاً أو بعضاً مستندة للمجمعين، و عليه فلا يكون مثله كاشفاً عن موافقة المعصوم و مطابقة آرائهم لرأيه (عليه السّلام). و بالجملة لا أصالة للإجماع في مثل المقام فلا وجه للاستناد إليه أصلًا الثاني: استلزام عدم قضاء الحاكم على طبق علمه فسقه أو إيقاف الحكم، و هما معاً باطلان، و ذلك لأنّه إذا طلّق الرجل زوجته ثلاثاً مثلًا بحضرته، ثمّ جحد كان القول قوله مع يمينه، فإن حكم بغير علمه و هو استحلافه و تسليمها إليه لزم فسقه، و إلّا لزم إيقاف الحكم لا لموجب الثالث: مثل قوله تعالى الزّٰانِيَةُ

وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ

______________________________

(1) الإنتصار: 487 488.

(2) جواهر الكلام: 40/ 89.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 264

..........

______________________________

«1» و قوله تعالى السّٰارِقُ وَ السّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا «2» نظراً إلى أنّ المخاطب فيه هو الحكّام الّذين بيدهم الحكم و فصل الخصومة و إجراء الحدود، و قد علّق فيه الحكم على مثل عنوان الزاني و السارق، فإذا كان هذا العنوان محرزاً للحاكم من طريق العلم الذي لا يشوبه ريب، فالواجب عليه إقامة الحدّ و إجرائه، لعدم توقّف إجرائه على شي ء آخر غير تحقّق نفس هذا العنوان، و لا إشارة في مثله إلى مدخليّة شي ء آخر في الموضوع، مثل كونه ثابتاً من طريق خصوص البيّنة، أو الإقرار، فملاحظة مثل الآيتين تقتضي لزوم إجراء الحدّ مع إحراز عنوان الموضوع من طريق العلم و لكن هذا الدليل لا يجري في جميع صور المدّعى، لعدم جريانه في الأموال، فلا بدّ إمّا الأخذ بما في الانتصار حيث قال: و إذا ثبت ذلك في الحدود فهو ثابت في الأموال؛ لأنّ من أجاز ذلك في الحدود أجازه في الأموال، و لم يجزه أحد من الأمّة في الحدود دون الأموال «3»، و إمّا الالتزام بما في الجواهر من دعوى الأولويّة «4» و لكنّ الظّاهر جريان المناقشة في كليهما، لما عرفت من نقل المسالك عن كتاب ابن الجنيد الجواز في الحدود، أي حدود اللّٰه دون حقوق النّاس، و لمنع الأولويّة بعد ثبوت الاتّهام في حقوق الناس كثيراً، كما لا يخفى الرابع: ما ذكره في الإنتصار في جملة الأدلّة من قوله: و كيف يخفى إطباق الإماميّة على وجوب الحكم بالعلم، و هم ينكرون توقّف أبي بكر عن الحكم لفاطمة بنت

______________________________

(1) سورة النور 24: 2.

(2) سورة المائدة 5: 38.

(3) الإنتصار: 492.

(4) جواهر الكلام: 40/ 88.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 265

..........

______________________________

رسول اللّٰه (سلام اللّٰه عليها) بفدك، لما ادّعت أنّه أنحلها أبوها؟ و يقولون: إذا كان عالماً بعصمتها و طهارتها و أنّها لا تدّعي إلّا حقّا، فلا وجه لمطالبتها بإقامة البيّنة؛ لأنّ البيّنة لا وجه لها مع العلم بالصدق «1» الخامس: الآيات الدالّة على وجوب الحكم بين النّاس بالحقّ، أو بالقسط، أو بالعدل، كقوله تعالى يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ «2». و قوله تعالى مخاطباً للنبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ «3» و قوله تعالى وَ إِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّٰاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ «4» فإنّ هذه العناوين أمور واقعية، و العلم الكاشف عنها أكمل طرق الكشف و أوضحها، و من الواضح عدم اختصاص الحكم في الأوّلين بخصوص المخاطب فيهما السادس: ظهور كون الوجه في حجيّة البيّنة و الإقرار، و مثلهما هو الكشف عن الواقع من دون أن يكون لها موضوعية تعبديّة، و من الواضح كون العلم أقوى منها في الملاك؛ لكونه الكاشف التامّ دونها السابع: ما ذكره في الجواهر من استلزام عدم القضاء على طبق العلم عدم وجوب إنكار المنكَر، و عدم وجوب إظهار الحقّ مع إمكانه، و ذلك لأنّه إذا علم بطلان قول أحد الخصمين، فإن لم يجب عليه منعه عن الباطل لزم ما ذكر، و إلّا ثبت المطلوب «5».

الثامن: رواية الحسين بن خالد، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال سمعته يقول: الواجب

______________________________

(1) الإنتصار: 488.

(2) سورة ص 38: 26.

(3) سورة المائدة 5: 42.

(4) سورة النساء 4: 58.

(5)

جواهر الكلام: 40/ 88.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 266

..........

______________________________

على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحدّ، و لا يحتاج إلى بيّنة مع نظره، لأنّه أمين اللّٰه في خلقه، و إذا نظر إلى رجل يسرق أن يزبره و ينهاه و يمضي و يدعه، قلت: و كيف ذلك؟ قال: لأنّ الحقّ إذا كان للّٰه فالواجب على الإمام إقامته، و إذا كان للناس فهو للناس «1» و الظّاهر عدم كون المراد بالإمام فيها هو الإمام المعصوم، بل الإمام أو نائبه في جميع الأعصار، و التعليل بقوله (عليه السّلام): «لأنّه أمين اللّٰه في خلقه» لا ينافيه، و على تقديره فالتعبير في الذيل بقوله (عليه السّلام): «لأنّ الحقّ ..» ظاهر في عدم الاختصاص، و سيجي ء المراد من التفصيل المذكور فيها ثمّ إنّه ربّما يستدلّ على الجواز أيضاً ببعض الروايات، مثل:

ما رواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال: جاء أعرابيّ إلى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله)، فادّعى عليه سبعين درهماً ثمن ناقة باعها منه، فقال: قد أوفيتك، فقال: اجعل بيني و بينك رجلًا يحكم بيننا، فأقبل رجل من قريش، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): احكم بيننا، فقال للأعرابي: ما تدّعي على رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله)؟ فقال: سبعين درهماً ثمن ناقة بعتها منه، فقال: ما تقول يا رسول اللّٰه؟ فقال: قد أوفيته، فقال للأعرابي: ما تقول؟ فقال: لم يوفني، فقال لرسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): أ لك بيّنة أنّك قد أوفيته؟ قال: لا، فقال للأعرابي أ تحلف أنّك لم تستوف حقّك و تأخذه؟ قال: نعم. فقال رسول اللّٰه (صلّى

اللّٰه عليه و آله): لأتحاكمنّ مع هذا إلى رجل يحكم بيننا بحكم اللّٰه، فأتى عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) و معه الأعرابي، فقال عليّ (عليه السّلام): ما لك يا رسول اللّٰه؟ قال: يا أبا الحسن احكم بيني و بين هذا الأعرابيّ، فقال عليّ (عليه السّلام): يا أعرابي ما تدّعي على

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 344، أبواب مقدّمات الحدود ب 32 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 267

..........

______________________________

رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله)؟ قال: سبعين درهماً ثمن ناقة بعتها منه، فقال: ما تقول يا رسول اللّٰه؟ قال: قد أوفيته ثمنها، فقال: يا أعرابي أ صَدَق رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) فيما قال، قال الأعرابيُّ: لا ما أوفاني شيئاً، فأخرج عليّ (عليه السّلام) سيفه فضرب عنقه. فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): لِمَ فعلت يا عليّ ذلك؟ فقال: يا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): نحن نصدّقك على أمر اللّٰه و نهيه، و على أمر الجنّة و النار، و الثواب و العقاب، و وحي اللّٰه عزّ و جل، و لا نصدّقك على ثمن ناقة الأعرابي؟ و إنّي قتلته لأنّه كذّبك لما قلت له: أصدق رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) فقال: لا ما أوفاني شيئاً، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): أصبت يا عليّ فلا تعد إلى مثلها، ثمّ التفت إلى القرشيّ و كان قد تبعه فقال: هذا حكم اللّٰه لا ما حكمت به «1» و مثل الرواية المشتملة على قصّة درع طلحة، حيث رآها عليّ (عليه السّلام) حينما كان قاعداً في مسجد الكوفة مع عبد اللّٰه بن قفل التميمي، فقال: هذه

درع طلحة أخذت غلولًا يوم البصرة، فتراضيا بشريح القاضي، فقال لعليّ (عليه السّلام): هات على ما تقول بيّنة، فقال عليّ (عليه السّلام) بعد ما أتى بالحسن شاهداً أوّلًا و بقنبر ثانياً و عدم قبوله لهما، نظراً إلى أنّ الأوّل شاهد واحد و الثاني مملوك: إنّ هذا قضى بجور ثلاث مرّات إلى أن قال: ويلك أو و يحك إنّ إمام المسلمين يؤمن من أمورهم على ما هو أعظم من هذا «2».

و لكنّ الظّاهر عدم تماميّة الاستدلال بمثل هذه الروايات التي إمّا أن يكون موردها صورة كون الحاكم إماماً معصوماً، و إمّا أن يكون أحد المتخاصمين كذلك؛ لأنّ جواز حكم الإمام المعصوم بعلمه لا يستلزم الجواز للحكّام، و كذا جواز الحكم للمعصوم كذلك لا يستلزمه بعد كون عدم الحكم على طبقه مستلزماً

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 200، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى ب 18 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 194، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 268

..........

______________________________

لتنقيص شأنه، و تنزيل مقامه، و انحطاط رتبته كما لا يخفى، و يؤيّده نهي النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) عن العود إلى مثل القضاء الواقع في الرواية الاولى ثمّ إنّ صاحب الجواهر بعد ذكر الأدلّة المتقدّمة، و نقل كلام الانتصار في الردّ على ابن الجنيد قال: و لكنّ الإنصاف أنّه ليس بتلك المكانة من الضعف، ضرورة أنّ البحث في أنّ العلم من طرق الحكم و الفصل بين المتخاصمين و لو من غير المعصوم في جميع الحقوق أو لا، و ليس في شي ء من الأدلّة المذكورة عدا الإجماع منها دلالة على ذلك، و

الأمر بالمعروف و وجوب إيصال الحقّ إلى مستحقّه، بل كون العلم حجّة على من حصل له يترتّب عليه سائر التكاليف الشرعية لا يقتضي كونه من طرق الحكم، بل أقصى ذلك ما عرفت، و أنّه لا يجوز له الحكم بخلاف علمه، بل لعلّ أصالة عدم ترتّب آثار الحكم عليه يقتضي عدمه «1» و هذا الكلام منه عجيب جدّاً؛ لأنّ ملاحظة الأدلّة المتقدّمة تقتضي لزوم الحكم على طبق العلم و إحقاق الحقوق بسببه، سواء كان للّٰه أو للناس، أ فليس مقتضى الآيات الدالّة على لزوم الحكم بالحقّ أو بالقسط أو بالعدل ذلك؟ و هل يمكن أن يتوهّم أنّ مقتضاها مجرّد عدم جواز الحكم بخلاف علمه؟ إلّا أن يقال: بأنّ صاحب الجواهر لم يتعرّض لهذا الوجه، و هل ليس مقتضى الدليل الوارد في الزنا و السرقة و الآيات الدالّة على حكمهما لزوم إجراء الحدّ بعد ثبوتهما بالعلم؟، كما أنّ مقتضى استفادة الملاك من اعتبار البيّنة التي يجب القضاء على طبقها لزوم ترتيب الآثار على العلم الذي هو أقوى منها، و هكذا سائر الأدلّة المتقدّمة نعم، قد عرفت المناقشة في الاستدلال بالإجماع الذي استثناه صاحب الجواهر

______________________________

(1) جواهر الكلام: 40/ 89.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 269

..........

______________________________

هنا، و زعم أنّ دلالته و حجّيّته غير قابلة للمناقشة، و أنّه لا أصالة له بعد وجود الأدلّة المتكثّرة و الوجوه المتعدّدة و قد انقدح من جميع ما ذكرنا تماميّة جلّ الأدلّة التي استدلّ بها على جواز حكم الحاكم بعلمه و أما ما استدلّ به على عدم الجواز فوجوه أيضاً:

منها: اقتضاء الحكم على طبق العلم التهمة و سوء الظنّ، و أنّه يوجب تزكية النفس، و أنّ بناء حدود اللّٰه

على الستر و الممنوعيّة و الجواب تحقّق التهمة في مورد البيّنة أيضاً، خصوصاً مع كون تشخيص صلاحيّتها و عدمها بيد الحاكم، مضافاً إلى أنّ شرط العدالة و الاجتهاد في القاضي يرفع هذه الأُمور، و تزكية النفس إنّما تحصل بنفس الجلوس في منصب القضاء، و كون بناء الحدود على المسامحة إنّما هو في صورة الشُّبهة، و لا وجه له مع الثبوت بالعلم و منها: الروايات الدالّة على أنّ البيّنة على المدّعى، و اليمين على من أنكر، كصحيحة جميل و هشام، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): البيّنة على من ادّعى و اليمين على من ادّعي عليه «1» و مرسلة الصدوق قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): البيّنة على المدّعى و اليمين على المدّعى عليه، و الصلح جائز بين المسلمين إلّا صلحاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالًا «2» و الجواب ظهور كون هذه الروايات إنّما هي في مقام بيان أنّ صرف الدعوى و الإنكار لا يكون منشأً للأثر، بل اللازم اقترانه بالبيّنة أو اليمين، و الاقتصار عليهما

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 170، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى ب 3 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 171، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى ب 3 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 270

..........

______________________________

لا دلالة له على الحصر؛ لعدم ثبوت المفهوم له بوجه، و يمكن أن يكون الوجه فيه الغلبة؛ لكون وجود العلم إنّما هو في بعض الموارد أحياناً، كما لا يخفى و منها: ما ظاهره حصر الحكم في البيّنات و الايمان، كصحيحة هشام بن الحكم، عن أبي عبد

اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الايمان، و بعضكم ألحن بحجّته من بعض، فأيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً فإنّما قطعت له به قطعة من النار «1» و الاستدلال بها مبنيّ على إثبات كون الحصر حقيقيّا ناظراً إلى انحصار طريق الحكم في البيّنات و الايمان، بمعنى عدم تحقّق القضاء بدونهما و لو كان هناك علم، مع أنّه يحتمل قويّاً أن يكون الحصر إضافياً ناظراً إلى نفي كون مجرّد الدعوى و الإنكار منشأً للأثر، كالروايات المتقدّمة، من دون أن يكون لها نظارة إلى نفي العلم أيضاً، و يؤيّده قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله): «و بعضكم ألحن ..» فإنّ ظاهره أنّ مجرّد الألحنيّة و إفادة المقصود مقرونة بحسن البيان و جودة التفهيم و الألفاظ، و الكلمات الجالبة لا يوجب الحكم على طبقه، بل اللازم الاقتران بالبيّنة و اليمين، و كذا قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله) في ذيل الحديث: «فأيّما رجل ..» فإنّ ظاهره أنّ الملاك هو الواقع، و أنّه لا يترتّب على البيّنة و اليمين أيضاً الحلّية إذا كانتا مخالفتين للواقع، فتدبّر و منها: قول أمير المؤمنين (عليه السّلام) على ما في بعض الروايات: من أنّ أحكام المسلمين على ثلاثة: شهادة عادلة، أو يمين قاطعة، أو سنّة ماضية من أئمّة الهدى (عليهم السّلام) «2» و الظّاهر أنّ دلالته على الجواز أكثر من دلالته على العدم؛ لأنّ مقتضى السنّة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 169، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى ب 2 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 168، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى ب 1 ح 6.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 271

..........

______________________________

الماضية الحكم بالعلم؛ لأنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يعمل بعلمه في مقام المحاكمة كثيراً و منها: ما روي عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) في قصّة الملاعنة: لو كنت راجماً من غير بيّنة لرجمتها «1» و هو لم يثبت صحّته من طرقنا بقي الكلام في الفرق بين حقوق اللّٰه و بين حقوق النّاس، من حيث عدم توقّف إقامة الاولى على مطالبة أحد و توقّف إقامة الثانية على مطالبة ذيها، فنقول: الدليل على ذلك روايات:

منها: صحيحة الفضيل قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ من حدود اللّٰه مرّة واحدة، حرّا كان أو عبداً، أو حرّة كانت أو أمةً، فعلى الإمام أن يقيم الحدّ عليه للّذي أقرّ به على نفسه كائناً من كان إلّا الزاني المحصن، فإنّه لا يرجمه حتّى يشهد عليه أربعة شهداء، فإذا شهدوا ضربه الحدّ مائة جلدة ثمّ يرجمه. قال: و قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): و من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ حدّ من حدود اللّٰه في حقوق المسلمين فليس على الإمام أن يقيم عليه الحدّ الذي أقرّ به عنده حتّى يحضر صاحب الحقّ أو وليّه فيطالبه بحقّه، قال: فقال له بعض أصحابنا: يا أبا عبد اللّٰه فما هذه الحدود التي إذا أقرّ بها عند الإمام مرّة واحدة على نفسه أقيم عليه الحدّ فيها؟ فقال: إذا أقرّ على نفسه عند الإمام بسرقة قطعه، فهذا من حقوق اللّٰه، و إذا أقرّ على نفسه أنّه شرب خمراً حدّه، فهذا من حقوق اللّٰه، و إذا أقرّ على نفسه بالزنا و هو غير محصن فهذا من حقوق اللّٰه،

قال: و أمّا حقوق المسلمين فإذا أقرّ على نفسه عند الإمام بفرية لم يحدّه حتّى يحضر صاحب الفرية أو وليّه،

______________________________

(1) سنن البيهقي: 7/ 407.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 272

..........

______________________________

و إذا أقرّ بقتل رجل لم يقتله حتّى يحضر أولياء المقتول فيطالبوا بدم صاحبهم «1» و الرواية و إن كانت مشتملة على كفاية إقرار واحد في مثل الزنا، مع أنّ اللازم فيه التعدّد كما مرّ، و على الفرق بين زنا المحصن و غيره من جهة عدم كفاية الإقرار في الأوّل، و على اختصاص حقّ اللّٰه بما إذا كان من غير المحصن، مع أنّ الظّاهر عدم الفرق من هذه الجهة إلّا إذا كانت المزنيّ بها محصنة أيضاً، ففيه شائبة حقّ الناس من جهة ثبوت الزوج لها، فتدبّر، إلّا أنّ دلالتها على ثبوت الفرق بين حقّ اللّٰه و بين حقّ النّاس من جهة توقّف الثاني على المطالبة، دون [الأوّل] ممّا لا خفاء فيها، و هذا من دون فرق بين ما إذا كان طريق الثبوت هو الإقرار، أو العلم كما هو المفروض، فلا مجال للمناقشة في أنّ مورد الرواية هي صورة الإقرار، و الكلام إنّما هو في صورة العلم كما لا يخفى و منها: صحيحة أُخرى للفضيل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ أحد من حقوق المسلمين فليس على الإمام أن يقيم عليه الحدّ الذي أقرّ به عنده حتّى يحضر صاحب حقّ الحدّ أو وليّه و يطلبه بحقّه «2» و الظّاهر عدم كونها رواية أُخرى بل قطعة من الرواية الأُولى، و إن جعلها في الوسائل رواية مستقلّة، كما هو دأبه في كثير من الموارد و منها: رواية

الحسين بن خالد، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، قال: سمعته يقول: الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحدّ، و لا يحتاج إلى بيّنة مع نظره؛ لأنّه أمين اللّٰه في خلقه، و إذا نظر إلى رجل يسرق أن يزبره و ينهاه

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 343، أبواب مقدّمات الحدود ب 32 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 344، أبواب مقدّمات الحدود ب 32 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 273

[مسألة 5: من افتضَّ بكراً حرّة بإصبعه لزمه مهر نسائها]

مسألة 5: من افتضَّ بكراً حرّة بإصبعه لزمه مهر نسائها، و يعزّره الحاكم بما رأى 1.

______________________________

و يمضي و يدعه، قلت: و كيف ذلك؟ قال: لأنّ الحقّ إذا كان للّٰه فالواجب على الإمام إقامته، و إذا كان للناس فهو للناس «1» و ربّما يقال: بأنّ المراد من قوله (عليه السّلام): «يسرق» هي إرادة السرقة لا السرقة الفعلية، و إلّا ثبت القطع، كما دلّت عليه صحيحة الفضيل، و هذا القول و إن كان يؤيّده النهي و المنع الظّاهر في نهيه عن تحقّق السرقة؛ لأنّه لا معنى للنهي بعد ثبوتها، إلّا أنّ إرادة السرقة بمجرّدها لا توجب ثبوت حقّ للناس كما هو ظاهر، فحمل قوله (عليه السّلام): «يسرق» عليها بعيد جدّاً و يمكن أن يقال: بأنّ السرقة مشتملة على كلا الحقّين: حقّ اللّٰه من جهة قطع الأيدي المأمور به في الآية الشريفة، و حقّ الناس من جهة لزوم ردّ المال المسروق عيناً أو مثلًا أو قيمةً إلى المسروق منه، فهي من هذه الجهة من حقوق الناس، و على ذلك فالمراد منها في الصحيحة هي الجهة الأُولى، و لذا صرّح فيها بالقطع، و من هذه الرواية هي

الجهة الثانية ثمّ إنّه من الواضح أنّه ليس المراد من قوله (عليه السّلام): «و إذا كان للناس فهو للناس» هو جواز تصدّي الناس لإحقاق حقوقهم من دون مراجعة الحاكم، بل المراد هو توقّف إقامة الحاكم لها على مطالبتهم، كما قد أوضحته الصحيحة

(1) أمّا لزوم مهر نسائها فلا خلاف فيه ظاهراً، من دون فرق بين ما إذا كان رجلًا أو امرأة، و يدلّ عليه أكثر النصوص الآتية، من دون اختلاف بينها من هذه الجهة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 344، أبواب مقدّمات الحدود ب 32 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 274

..........

______________________________

و أمّا التعزير بما رآه الحاكم فهو المحكيّ عن الأكثر «1»، و عن المقنع ثبوت الحدّ من دون تعيين «2»، و عن المفيد «3» و الدّيلمي «4» تعيين الثمانين بعنوان الأكثر، و الثلاثين بعنوان الأقلّ، و عن الشيخ من ثلاثين إلى سبعة و تسعين «5»، و عن ابن إدريس إلى تسعة و تسعين «6» و لا بدّ من ملاحظة النصوص، فنقول:

منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان و غيره، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في امرأة افتضّت جارية بيدها، قال: عليها المهر و تضرب الحدّ «7» و إطلاق الجارية يشمل الحرّة، بل لا بدّ من القول باختصاصها بها في الرواية؛ لورود روايات في الأمة دالّة على أنّ افتضاض الأمة يوجب عشر قيمتها، و قيل فيه بلزوم الأرش و منها: صحيحة أُخرى لابن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) قضى بذلك و قال: تجلد ثمانين «8» و منها: رواية ثالثة لعبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في امرأة افتضّت جارية بيدها، قال:

قال: عليها مهرها و تجلد ثمانين «9».

______________________________

(1) رياض المسائل: 10/ 83.

(2) المقنع: 432.

(3) المقنعة: 785.

(4) المراسم: 257.

(5) كذا في الرياض: 10/ 83، و الجواهر: 41/ 371، و الصحيح تسعة و سبعون كما في الخلاف: 5/ 497 مسألة 14، و المبسوط: 8/ 69، و إن كان في النهاية ص 699: إلىٰ تسعة و تسعين، و لكن في النهاية و نكتها ج 3/ 297: إلى تسعة و سبعين.

(6) السرائر 3/ 449.

(7) وسائل الشيعة: 18/ 409، أبواب حدّ الزنا ب 39 ح 1.

(8) وسائل الشيعة: 18/ 409، أبواب حدّ الزنا ب 39 ح 3.

(9) وسائل الشيعة: 18/ 410، أبواب حدّ الزنا ب 39 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 275

..........

______________________________

و هذه الروايات لو كانت متعدّدة، بأن كان رواتها متعدّداً؛ لكان اللّازم حمل ما دلّ على ضرب الحدّ مطلقاً على ما دلّ بظاهره على تعيّن الثمانين؛ لكونه مبيّناً له و رافعاً لإجماله، و لكنّ الظّاهر عدم التعدّد و إن جعلها في الوسائل و غيرها كذلك، و ذلك لأنّ كون الراوي فيها واحداً ينفي التعدّد، و عليه فلا يعلم أنّ الصادر عن الإمام (عليه السّلام) عنوان الحدّ مطلقاً، أو عنوان الثمانين، فلا يعلم كون الصادر هو التحديد بهذا المقدار، مضافاً إلى أنّه لم يفت أحد على الظّاهر، كما عرفت في نقل الفتاوىٰ بتعيّن الثمانين، و على تقدير كون الصادر هو ضرب الحدّ لا ظهور لها في الحدّ المقابل للتعزير، خصوصاً بعد إطلاق الحدّ و إرادة الأعمّ كثيراً، و بعد عدم تعيين المقدار و بالجملة: الصادر إن كان هو ضرب الحدّ، فانطباقه على رأي الأكثر ظاهر، و إن كان هو الجلد ثمانين فاللّازم كما في الجواهر

إمّا الطرح، و إمّا الحمل على أنّه أحد أفراده «1»، و مقتضى الاحتياط هو التعزير مقدار الثمانين ثمّ إنّ الظّاهر أنّه لا خصوصيّة لكون الافتضاض بالإصبع، بل يتحقّق بما إذا كان بآلة أُخرى، فضلًا عمّا إذا كان بالزنا كرهاً ثمّ إنّ الظاهر خروج الزوج و الزوجة عن مفروض المسألة؛ لأنّ البحث في لواحق الزنا مضافاً إلى أنّ قوله: لزمه مهر نسائها ظاهر في غير الزوجة، و ذكر في الجواهر: أنّه لو كان المفتضّ بالإصبع الزوج فعل حراماً، و حكى عن بعضهم التعزير و استقرار المسمّى «2»، «3» و لكن في أصل ثبوت الحرمة تأمّل، خصوصاً مع

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 371 372، و كذا في رياض المسائل: 10/ 84.

(2) جواهر الكلام: 41/ 372.

(3) مجمع الفائدة و البرهان: 13/ 97.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 276

[مسألة 6: من زنى في زمان شريف كشهر رمضان و الجمع و الأعياد]

مسألة 6: من زنى في زمان شريف كشهر رمضان و الجمع و الأعياد، أو مكان شريف كالمسجد و الحرم و المشاهد المشرّفة عوقب زيادة على الحدّ، و هو بنظر الحاكم، و تلاحظ الخصوصيّات في الأزمنة و الأمكنة، أو اجتماع زمان شريف مع مكان شريف، كمن ارتكب و العياذ باللّٰه في ليلة القدر المصادفة للجمعة في المسجد أو عند الضرائح المعظّمة من المشاهد المشرّفة (1).

______________________________

تراضي الطرفين، و مع عدم قدرة الزوج على إزالة البكارة من طريق الجماع، و على تقدير الحرمة فثبوت التعزير أيضاً محل إشكال، إلّا على تقدير القول بثبوته في مطلق المعاصي، و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى

(1) الدليل على زيادة العقوبة الناشئة عن زيادة القبح التي يدلّ عليها، مضافاً إلى وضوحها لانتهاك الحرمة الروايات المتعدّدة الواردة في الربا، الدالّة على أنّ

درهماً منه أعظم من سبعين زنية كلّها بذات محرم في بيت اللّٰه الحرام «1» مرسلة أبي مريم قال: اتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) بالنجاشي الشاعر (الحارثي خ ل) قد شرب الخمر في شهر رمضان، فضربه ثمانين ثمّ حبسه ليلة، ثمّ دعا به من الغد فضربه عشرين، فقال له: يا أمير المؤمنين هذا ضربتني ثمانين في شرب الخمر، و هذه العشرون ما هي؟ قال: هذا لتجرّئك على شرب الخمر في شهر رمضان «2» و ضعفها منجبر بالعمل على طبقها؛ لأنّ الظّاهر أنّه لا خلاف فيه كما في الجواهر «3»، و من التعليل يستفاد الحكم لغير مورده كما فهمه الأصحاب، و يشهد له الاعتبار، بل يستفاد أنّه كلّما

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 12/ 427 و 428، كتاب البيع، أبواب الربا ب 1 ح 12 و 19.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 474، أبواب حدّ المسكر ب 9 ح 1.

(3) جواهر الكلام: 41/ 374.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 277

[مسألة 7: لا كفالة في حدّ و لا تأخير فيه مع عدم عذر]

مسألة 7: لا كفالة في حدّ و لا تأخير فيه مع عدم عذر كحبل أو مرض، و لا شفاعة في إسقاطه (1).

______________________________

كان الهتك فيه أزيد من جهة خصوصيّة الزمان أو المكان أو غيرهما كانت العقوبة أكثر، غاية الأمر أنّه بحسب نظر الحاكم

(1) أمّا أنّه لا كفالة في حدّ مطلقاً زنا كان أو غيره، ففي الجواهر أنّه لا خلاف أجده فيه «1»، كما اعترف به في الرياض «2»، و الدليل عليه ليس هو أدائه إلى التأخير، إذ ربّما يكون العذر حاصلًا في تأخيره، بل الدليل هي الروايات الدالّة على ذلك، مثل:

حسنة السكوني أو صحيحته، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه

و آله): لا كفالة في حدّ «3» و مرسلة الصدوق المعتبرة قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): ادرأوا الحدود بالشُّبهات، و لا شفاعة، و لا كفالة، و لا يمين في حدّ «4» و المراد بعدم ثبوت اليمين في الحدّ أنّه على تقدير عدم ثبوت البيّنة لا يطلب ممّن يدّعى عليه موجب الحدّ اليمين، بل نفس عدم قيام البيّنة كافٍ في عدم الثبوت، بخلاف باب التخاصم و التنازع، الذي لا يكتفى فيه مع عدم قيام البيّنة بمجرّد الإنكار، بل لا بدّ من الحلف أو ردّ اليمين كما لا يخفى.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 394.

(2) رياض المسائل: 10/ 104.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 333، أبواب مقدّمات الحدود ب 21 ح 1.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 336، أبواب مقدّمات الحدود ب 24 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 278

..........

______________________________

و نحوهما ما رواه في المستدرك عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) «1» و الظّاهر أنّه ليس المراد بالحدّ في هذا الحكم، و كذا في الحكمين الآخرين الحدّ المقابل للتعزير، بل أعمّ منه و من التعزير، فلا كفالة و لا تأخير و لا شفاعة فيه أيضاً و أمّا أنّه لا تأخير فيه مع عدم العذر فيدلّ عليه أيضاً مثل:

رواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السّلام) في حديث قال: ليس في الحدود نظر ساعة «2» و ما رواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال: إذا كان في الحدّ لعلّ أو عسى فالحدّ معطّل «3» و رواية ميثم الطويلة المتقدّمة، الواردة في امرأة أتت أمير المؤمنين (عليه السّلام) فأقرّت عنده بالزنا أربع مرّات، قال: فرفع رأسه إلى السماء و قال: اللهمّ إنّه

قد ثبت عليها أربع شهادات، و إنّك قد قلت لنبيّك (صلّى اللّٰه عليه و آله) فيما أخبرته من دينك: يا محمّد من عطّل حدّا من حدودي فقد عاندني و طلب بذلك مضادّتي «4» و يستفاد منها و من قبلها أنّ التأخير بعنوانه لا يكون منهيّاً عنه، بل ما تعلّق به النهي إنّما هو عنوان التعطيل، و عليه فلا بدّ في الحكم بعدم جواز التأخير من ملاحظة صدق عنوان التعطيل عليه، و عليه فالتأخير بمقدار يسير لا يتحقّق به التعطيل، كما إذا كان التأخير مستنداً إلى عذر كالمرض، و الحبل، و شبههما و أمّا أنّه لا شفاعة في إسقاط الحدّ، فيدلّ عليه مضافاً إلى أنّه يستفاد ذلك من قوله تعالى عقيب الحكم بثبوت الجلد في الزنا:

______________________________

(1) مستدرك الوسائل: 18/ 25، أبواب مقدّمات الحدود ب 25 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 336، أبواب مقدّمات الحدود ب 25 ح 1 و 2.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 336، أبواب مقدّمات الحدود ب 25 ح 1 و 2.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 309، أبواب مقدّمات الحدود ب 1 ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 279

..........

______________________________

وَ لٰا تَأْخُذْكُمْ بِهِمٰا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّٰهِ «1» الروايات الكثيرة، مثل:

صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: كان لأُمّ سلمة زوج النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) أمة فسرقت من قوم، فأُتي بها النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) فكلّمته أُمّ سلمة فيها، فقال النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله): يا أُمّ سلمة هذا حدّ من حدود اللّٰه لا يضيع، فقطعها رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) «2» و رواية مثنى الحنّاط، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): لأُسامة بن زيد: لا تشفع في حدّ «3» و رواية سلمة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: كان أُسامة بن زيد يشفع في الشي ء الذي لا حدّ فيه، فاتي رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) بإنسان قد وجب عليه حدّ، فشفع له أسامة، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): لا تشفع في حدّ «4» و هل المراد بالشي ء الذي لا حدّ فيه هو الشي ء الذي كان فيه التعزير حتّى يكون مفاد الرواية جريان الشّفاعة في موارد التعزير، أو أنّ المراد عدم ثبوت الحدّ و لا التعزير فيه، فلا دلالة لها حينئذٍ على ثبوت الشفاعة في التعزير؟ وجهان، و يبعّد الثاني أنّه مع عدم ثبوت التعزير أيضاً لا حاجة إلى الشفاعة بوجه، فتدبّر و حسنة السكوني أو صحيحته، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): لا يشفعنّ أحد في حدٍّ إذا بلغ الإمام، فإنّه لا يملكه، و اشفع فيما لم يبلغ الإمام إذا رأيت الندم، و اشفع عند الإمام في غير الحدّ مع الرجوع من المشفوع له، و لا يشفع

______________________________

(1) سورة النور 24: 2.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 332، أبواب مقدّمات الحدود ب 20 ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 333، أبواب مقدّمات الحدود ب 20 ح 2.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 333، أبواب مقدّمات الحدود ب 20 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 280

..........

______________________________

في حقّ امرء مسلم و لا غيره إلّا بإذنه «1» و قد وصفها في الجواهر بما عرفت من كونها حسنة أو صحيحة «2»، مع أنّ في طريقها حسين بن يزيد النوفلي،

و فيه كلام و التعليل بقوله (عليه السّلام): «فإنّه لا يملكه» ظاهر في أنّ الوجه لعدم جريان الشفاعة في إسقاط الحدّ عدم كون زمام الحدّ بيد الإمام و باختياره؛ لأنّه حكم الهيّ صادر من اللّٰه تبارك و تعالى، و إجراؤه إنّما هو بيد الإمام، و عليه فيختصّ الحكم بما إذا لم يكن للإمام اختيار، كالحدّ الثابت بالبيّنة، و أمّا إذا كان له اختيار كما في الحدّ الثابت بالإقرار، حيث يكون مخيّراً بين العفو و الإجراء، و كما في التعزير الذي بيد الحاكم، فالحكم لا يشمله؛ لعدم جريان التعليل فيه، مع أنّ إطلاق الأصحاب ينافي ذلك، إلّا أن يقال بأقوائيّة ظهور ما دلّ على عدم جريان الشفاعة في الحدّ من ظهور التعليل، فتدبّر. مع أنّ في التعزير يكون اختيار الكميّة بيد الإمام، و أمّا أصله فهو مجبور في ذلك، كما لا يخفى

تمّ البحث في باب حدّ الزنا، و قد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق في ليلة الأربعاء المصادفة ليوم الواحد و العشرين من شهر شعبان المعظّم، من شهور سنة 1404 في بلدة قم المحميّة، و نسأل منه التوفيق لإتمام بقيّة مباحث الكتاب.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 333، أبواب مقدّمات الحدود ب 20 ح 4.

(2) جواهر الكلام: 41/ 395.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 281

[الفصل الثاني في اللواط و السحق و القيادة]

اشارة

الفصل الثاني في اللواط و السحق و القيادة

[مسألة 1: اللواط وطء الذكران من الآدمي بإيقاب و غيره]

مسألة 1: اللواط وطء الذكران من الآدمي بإيقاب و غيره، و هو لا يثبت إلّا بإقرار الفاعل أو المفعول أربع مرّات، أو شهادة أربعة رجال بالمعاينة مع جامعيّتهم لشرائط القبول (1).

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأوّل: في تعريف اللواط، و قبل الورود فيه نقدّم أمرين:

الأوّل: قال صاحب الجواهر: و اشتقاقه من فعل قوم لوط «1» أقول: إن كان مراده أنّ اللواط بالمعنى المصطلح في الفقه ليس له سابقة قبل قوم لوط، و عليه فلا يكون في لغة العرب بهذا المعنى أصلًا، فهو حقّ، و يؤيّده قوله تعالى فيما حكاه عن لوط أَ تَأْتُونَ الْفٰاحِشَةَ مٰا سَبَقَكُمْ بِهٰا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعٰالَمِينَ «2» حيث إنّه يدلّ

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 374.

(2) سورة الأعراف 7: 80.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 282

..........

______________________________

على أنّه لا سابقة لهذا العمل قبل قوم لوط و لو من أحد و إن كان مراده أنّ لفظ اللواط و لو بغير هذا المعنى لا يوجد في لغة العرب أصلًا، فيدفعه ملاحظة اللغة، فإنّ المستفاد منها أنّ اللواط يجي ء بمعنى الإلصاق، كما في: لاط الشي ء بالشي ء، أو بمعنى اللصوق كما في: لاط الشي ء بقلبي، أو بمعنى الطرد، أو بمعنى الربا الثاني: إنّ حرمة اللواط و ثبوت هذا الحكم له من ضروريّات الفقه بل الدين، و يدلّ عليه من الكتاب آيات كثيرة و روايات مستفيضة، أمّا الآيات، فمثل الآية المتقدّمة، و قوله تعالى حكاية عنه أيضاً أَ تَأْتُونَ الْفٰاحِشَةَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ «1» فإنّ التعبير عنه بالفاحشة ظاهر في الحرمة، و يؤيّده تعليل حرمة الزنا بها في قوله تعالى وَ لٰا

تَقْرَبُوا الزِّنىٰ إِنَّهُ كٰانَ فٰاحِشَةً وَ سٰاءَ سَبِيلًا «2» أمّا الروايات، فكرواية أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): من جامع غلاماً جاء يوم القيامة جنباً لا ينقيه ماء الدنيا، و غضب اللّٰه عليه و لعنه و أعدّ له جهنّم و ساءَت مصيراً، ثمّ قال: إنّ الذكر يركب الذكر فيهتزّ العرش لذلك، و إنّ الرجل ليؤتى في حقبه فيحبسه اللّٰه على جسر جهنّم حتّى يفرغ اللّٰه من حساب الخلائق، ثمّ يؤمر به إلى جهنّم، فيعذّب بطبقاتها طبقة طبقة حتّى يرد إلى أسفلها و لا يخرج منها «3» و رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): لو كان ينبغي

______________________________

(1) سورة النمل 27: 54.

(2) سورة الإسراء 17: 32.

(3) وسائل الشيعة: 14/ 248، أبواب النكاح المحرّم ب 17 ح 1 و ص 252 ب 18 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 283

..........

______________________________

لأحدٍ أن يرجم مرّتين لرجم اللوطي «1» و روايته الأخرى عنه (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): اللواط ما دون الدبر، و الدبر هو الكفر «2» و مرسلة يونس، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: حرمة الدبر أعظم من حرمة الفرج، و أنّ اللّٰه أهلك أُمّة لحرمة الدبر، و لم يهلك أحداً لحرمة الفرج «3» و رواية حذيفة بن منصور قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن اللواط؟ فقال: ما بين الفخذين، و سألته عن الذي يوقب؟ فقال: ذاك الكفر بما أنزل اللّٰه على نبيّه (صلّى اللّٰه عليه و آله) «4» و غير ذلك

من الروايات الدالّة عليه، مضافاً إلى إجماع الطائفة بل المسلمين جميعاً، و إلى دليل العقل كما ربّما يقال إذا عرفت ذلك يقع الكلام في تعريف اللواط، فنقول: لا خفاء في أنّ إضافة الوطء إلى الذكران من إضافة المصدر إلى المفعول، لأنّه مضافاً إلى أنّ الإضافة إلى الفاعل لا حاجة إليها؛ لوضوح كون الواطئ مطلقاً هو المذكّر تكون الخصوصيّة المميّزة للَّواط عن مثل الزنا في الموطوء دون الواطئ، و أمّا تعميم اللواط لصورة الإيقاب و غيرها فربّما يناقش فيه كما في الجواهر بأنّ إطلاق اللواط على غير الإيقاب من التفخيذ أو الفعل بين الأليتين من المجاز «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 420، أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 2.

(2) وسائل الشيعة: 14/ 257، أبواب النكاح المحرّم ب 20 ح 2.

(3) وسائل الشيعة: 14/ 249، أبواب النكاح المحرّم ب 17 ح 2.

(4) وسائل الشيعة: 14/ 257، أبواب النكاح المحرّم ب 20 ح 3.

(5) جواهر الكلام: 41/ 376.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 284

..........

______________________________

و لكن يرد عليه أنّه إن أراد ذلك بحسب اللغة، فقد عرفت أنّه لا يكون اللواط بحسبها بهذا المعنى الاصطلاحي أصلًا، و قد اعترف (قدّس سرّه) بأنّ اشتقاقه من فعل قوم لوط، و إن أراد ذلك بحسب الروايات و كلمات الأصحاب، فلا إشكال في أنّ مفادها التعميم، كما يدلّ عليه إحدى روايتي السكوني المتقدّمتين و رواية حذيفة، بل ظاهرهما اختصاص اللواط بما دون الدبر و ما بين الفخذين و خروج صورة الإيقاب عن معنى اللواط، و لكنّهما حملتا على التعميم، و أنّ صورة الإيقاب هي المرتبة الكاملة من اللواط المحرّم، و هكذا رواية أبي بكر المعبّرة بالجماع و الركوب الظاهرين في العموم

و أمّا كلمات الأصحاب فصريحة في التعميم، سيّما المتقدّمين منهم في الكتب الموضوعة لنقل فتاوى الأئمّة (عليهم السّلام) بعين الألفاظ الصادرة عنهم، فلا مجال لدعوى المجاز أصلًا ثمّ إنّه هل المراد بالإيقاب هو إدخال جميع الآلة، أو مقدار الحشفة، أو و لو مقدار من الحشفة؟ الظّاهر أنّه لا مجال للاحتمال الأوّل، لأنّه مضافاً إلى عدم إمكان تحقّقه عادة لم يحتمله أحد من الأصحاب، فالأمر دائر بين الاحتمالين الأخيرين، و لا بدّ قبل ملاحظة الترجيح من التنبيه على أمرين:

الأوّل: أنّ البحث في المراد من الإيقاب، و أنّه هل يتحقّق بإدخال جميع الحشفة، أو و لو بإدخال بعضها؟ مع أنّك عرفت أنّه لا دخالة للإيقاب في مفهوم اللواط لتحقّقه بما دون الدبر، إنّما هو بلحاظ الاختلاف في الحدّ المترتّب عليه كما سيأتي؛ لأنّ اللواط الإيقابي يترتّب عليه القتل، و اللواط غيره حدّه مائة جلدة، فلا بدّ من البحث في المراد منه كما هو ظاهر الثاني: أنّه ذكر الشهيد الثاني (قدّس سرّه) في المسالك في شرح الشرائع: «أنّه يعني

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 285

..........

______________________________

المحقّق أراد بالإيقاب إدخال الذكر و لو ببعض الحشفة؛ لأنّ الإيقاب لغة الإدخال، فيتحقّق الحكم و إن لم يجب الغسل، و اعتبر في القواعد في الإيقاب غيبوبة الحشفة «1» و مطلق الإيقاب لا يدلّ عليه» «2» و لكنّه ذكر في الروضة في شرح قول المصنّف: أي إدخال شي ء من الذكر في دبره و لو مقدار الحشفة، و ظاهرهم هنا الاتّفاق على ذلك و إن اكتفوا ببعضها في تحريم أمّه و أخته و بنته «3» و حكي نحوه عن الرياض «4» و عن كشف اللثام: أنّ النصوص و الفتاوى مطلقة

تتناول ما دون ذلك أي الحشفة قال: و يمكن تعميم الحشفة أي في عبارة القواعد للكلّ و البعض «5» و يظهر ممّا ذكر عدم ثبوت الاتّفاق على أحد الاحتمالين و إن استظهره الشهيد في الروضة؛ لكنّه بنفسه خالف ذلك في المسالك، فاللازم ملاحظة ما يظهر من الأدلّة، فنقول:

إنّ ما ورد منها في باب اللواط كما سيأتي نقله يكون موضوعه مثل الإيقاب من دون خصوصيّة زائدة، و من الواضح تحقّقه بمجرّد المسمّى و إن لم يوقب تمام الحشفة، و إلّا لا يتحقّق عرفاً بتمامها أيضاً، بل لا بدّ من إدخال جميع الآلة الذي عرفت أنّه لم يحك عن أحدٍ من الأصحاب قدّس اللّٰه أسرارهم و لم يقم دليل هنا على الملازمة بين الغسل و بين الحدّ؛ لأنّه مضافاً إلى وضوح عدم الملازمة بينهما في

______________________________

(1) قواعد الأحكام: 2/ 256.

(2) مسالك الأفهام: 14/ 401.

(3) الروضة البهيّة: 9/ 143.

(4) رياض المسائل: 10/ 89.

(5) كشف اللثام: 2/ 407.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 286

..........

______________________________

اللواط غير الإيقابي لترتّب حدّ الجلد عليه مع عدم إيجابه للغسل؛ لعدم تحقّق الإيقاب بوجه كما هو المفروض نقول: لا دليل على الملازمة بين الغسل و بين حدّ القتل، فاللّازم الأخذ بمقتضى إطلاق عنوان الإيقاب المأخوذ في موضوع أدلّة حدّ القتل نعم، ورد في باب الزنا و الغسل روايات يستفاد من مجموعها أنّ الموضوع و الموجب للغسل هو الإدخال المعبّر عنه في بعضها بالتقاء الختانين، المفسّر بغيبوبة الحشفة الظاهرة في غيبوبة جميعها، كما أنّه يستفاد منه الملازمة بين الغسل و المهر و الحدّ، و لكن موردها باب الزنا، و لا شاهد على إلغاء الخصوصيّة و إسراء الحكم إلى اللواط، خصوصاً مع ملاحظة

ما عرفت من شدّة حرمته جدّاً، و من كون اللواط غير الإيقابي موجباً للحدّ بلا إشكال مع عدم وجوب الغسل فيه، و عليه فيمكن أن تكون الشدّة موجبة لثبوت حدّ القتل و لو بإدخال بعض الحشفة و ممّا ذكرنا يظهر الجواب عمّا يمكن أن يتوهّم من جريان التعليل الوارد في بعضها في المقام، و هي صحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يصيب المرأة فلا ينزل أ عليه الغسل؟ قال: كان عليّ (عليه السّلام) يقول: إذا مسّ الختان الختان فقد وجب الغسل. قال: و كان عليّ (عليه السّلام) يقول: كيف لا يوجب الغسل و الحدّ يجب فيه؟ و قال: يجب عليه المهر و الغسل «1» نظراً إلى ظهور التعليل في أنّه مع ثبوت الحدّ لا بدّ من ثبوت الغسل، فإذا لم يثبت الغسل لا يكون الحدّ ثابتاً أيضاً، فيدلّ على عدم ثبوت الحدّ في إيقاب البعض؛ لعدم ثبوت الغسل فيه بلا إشكال و لكنّ الجواب ما عرفت من وضوح عدم ثبوت الملازمة في المقام، كما في

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 1/ 469، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة ب 6 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 287

..........

______________________________

اللواط غير الإيقابي، و عليه فمورد التعليل هو الزنا، و لا يجري في اللواط بوجه المقام الثاني: فيما يثبت به اللواط و هو أمران:

الأوّل: الإقرار أربع مرّات من الفاعل أو المفعول بالإضافة إلى المقرّ فقط، و يدلّ على الثبوت به و عدم الثبوت بما دون الأربع مضافاً إلى ما في الجواهر من أنّه قطع به الأصحاب «1» صحيحة مالك بن عطيّة أو حسنته، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: بينما أمير المؤمنين

(عليه السّلام) في ملأ من أصحابه، إذ أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إنّي أوقبت على غلام فطهّرني، فقال له: يا هذا امض إلى منزلك لعلّ مراراً هاج بك، فلمّا كان من غد عاد إليه فقال له: يا أمير المؤمنين إنّي أوقبت على غلام فطهّرني، فقال له: اذهب إلى منزلك لعلّ مراراً هاج بك، حتّى فعل ذلك ثلاثاً بعد مرّته الاولى، فلمّا كان في الرابعة قال له: يا هذا إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) حكم في مثلك بثلاثة أحكام فاختر أيّهنّ شئت قال: و ما هنّ يا أمير المؤمنين؟ قال: ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت، أو إهداب (إهداء) «2» من جبل مشدود اليدين و الرجلين، أو إحراق بالنار، قال: يا أمير المؤمنين أيّهنّ أشدّ عليّ؟ قال: الإحراق بالنار، قال: فإنّي قد اخترتها يا أمير المؤمنين، فقال: خذ لذلك أُهبتك فقال: نعم، قال: فصلّى ركعتين ثمّ جلس في تشهّده فقال: اللهمّ إنّي قد أتيت من الذنب ما قد علمته، و إنّي تخوّفت من ذلك فأتيت إلى وصيّ رسولك و ابن عمّ نبيّك فسألته أن يطهّرني، فخيّرني ثلاثة أصناف من العذاب، اللّهمّ فإنّي اخترت أشدّهنّ، اللّهم فإنّي أسألك أن تجعل ذلك كفّارة

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 376.

(2) الإهداء: الإماتة سقطاً من جبل، و في الوافي: 15/ 335 ح 15177 دهداء. و دهده الحجر فتدهده دحرجه فتدحرج (انظر مجمع البحرين: 1/ 615)، و في بعض النسخ: إهذاب و أهذبت السحابة مائها أسالته بسرعة، و في بعضها: أهداه «المؤلّف».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 288

..........

______________________________

لذنوبي، و أن لا تحرقني بنارك في آخرتي، ثمّ قام و هو باكٍ حتّى دخل الحفيرة

التي حفرها له أمير المؤمنين (عليه السّلام) و هو يرى النار تتأجّج حوله، قال: فبكى أمير المؤمنين (عليه السّلام) و بكى أصحابه جميعاً، فقال له أمير المؤمنين (عليه السّلام): قم يا هذا فقد أبكيت ملائكة السماء و ملائكة الأرض، فإنّ اللّٰه قد تاب عليك، فقم و لا تعاودنّ شيئاً ممّا فعلت «1» و عدم الاستفصال عن الرجل بعد إقراره بالإيقاب يدلّ على عموميّته، و عدم اختصاصه بصورة إدخال جميع الحشفة، فتدلّ الرواية على ما اخترناه فيه، نعم موردها صورة الإيقاب، و المدّعى اعتبار الأربعة في الإقرار في جميع موارد اللواط و إن لم يوقب، إلّا أن يقال بعدم الفصل بين الموارد قطعاً الأمر الثاني: شهادة أربعة رجال بالمعاينة، مع الجامعية لشرائط القبول، و فيه بحثان:

الأوّل: عدم كفاية الأقلّ من الأربعة، و لزوم تحقّق هذا العدد في مقام الشهادة، و عمدة ما يدلّ على عدم كفايته إجماع الطائفة الإمامية و اتّفاقهم عليه، بل و إجماع سائر فقهاء المسلمين القائلين بثبوت الحدّ في اللواط. نعم، من قال فيه بثبوت التعزير كالحنفية «2» على ما حكي عنهم اكتفى بشهادة الاثنين و قد استدلّ له بوجوه آخر أيضاً، مثل:

أنّه حيث يكون الإقرار أتقن من الشهادة، و لذا يكتفى بالإقرار الواحد في الأموال دون شاهد واحد، فإذا كان اللازم فيه في المقام هو الأربعة كما مرّ، فلزومها في الشهادة بطريق أولى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 423، أبواب حدّ اللواط ب 5 ح 1.

(2) المبسوط للسرخسي: 9/ 77، المغني و الشرح الكبير: 10/ 161، بدائع الصنائع: 5/ 487.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 289

..........

______________________________

و أنّ الإقرار و الشهادة من وادٍ واحد، بمعنى أنّ الإقرار قسم من الشهادة، غايته

أنّه شهادة على النفس، و يدلّ عليه رواية الأصبغ بن نباتة المتقدّمة، الدالّة على أنّ الإقرار بمنزلة الشهادة «1»، و الرواية المفصّلة المتقدّمة أيضاً، الواردة في امرأة مجحّ، الدالّة على أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) قد عبّر عن الإقرار بالشهادة في الأقارير الأربعة بقوله: اللّهم إنّها شهادة و اللّهم إنّهما شهادتان إلى الأربع «2» و أنّ اللواط أشدّ حرمة من الزنا، كما صرّح به بعض الروايات المتقدّمة، فإذا كان العدد المعتبر في الزنا في مقام الشهادة هو الأربع، ففي اللواط يكون معتبراً بطريق أولى، و دعوى أنّ القتل أشدّ منه مع كفاية الاثنين فيه مدفوعة بعدم كون الملاك مجرّد الأشدّية في الحرمة فقط، بل كون الزنا مرتبطاً بالعرض و الحيثيّة إنّما اقتضى اعتبار العدد المذكور و عدم الاكتفاء بالاثنين، و هذا الأمر متحقّق في اللواط بطريق أولى، و لا يكون متحقّقاً في القتل كما لا يخفى و رواية أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: اتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) بامرأة و زوجها، قد لاط زوجها بابنها من غيره و ثقبه و شهد عليه بذلك الشهود، فأمر به (عليه السّلام) فضرب بالسيف حتّى قتل، و ضرب الغلام دون الحدّ، و قال: أما لو كنت مدركاً لقتلتك، لإمكانك إيّاه من نفسك بثقبك «3» و رواية عبد الرحمن، عن أبي عبد اللّٰه، عن أبيه (عليهما السّلام) قال: اتي عمر برجل قد نكح في دبره فهمَّ أن يجلده، فقال للشهود: رأيتموه يدخله كما يدخل الميل في المكحلة؟ قالوا: نعم، فقال لعليّ (عليه السّلام): ما ترى في هذا؟ فطلب الفحل الذي نكح فلم يجده، فقال

______________________________

(1) الفقيه: 4/ 31 ح 17، وسائل الشيعة: 18/ 328، أبواب

مقدّمات الحدود ب 16 ح 6 و ص 342 ب 31 ح 4.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 377، أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 418، أبواب حدّ اللواط ب 2 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 290

..........

______________________________

عليّ (عليه السّلام): أرى فيه أن تضرب عنقه، قال: فأمر فضربت عنقه، الحديث «1» و تقريب الاستدلال بهما أنّه قد وقع فيهما التعبير بالشهود بصيغة الجمع، و أقلّ الجمع و إن كان ثلاثة إلّا أنّه لا إشكال في عدم اعتبارها، فاللازم تحقّق الأربعة و أورد عليه بأنّ وجود الشهود في مورد الروايتين تصادفاً لا يدلّ على اعتبارها و عدم كفاية الاثنين و يمكن دفعه بأنّه حيث يكون الناقل فيهما هو الإمام، و كان غرضه من النقل بيان الأحكام، فيجوز الاستدلال بما عبّر عنه في مقام النقل كما أشرنا إليه مراراً. و العمدة في المسألة على ما عرفت هو الإجماع كما مرّ البحث الثاني: في اعتبار شهادة النساء في ثبوت اللواط و عدمه، فنقول: الظاهر أنّ المسألة اختلافية و إن ادّعي فيها الإجماع على بعض الأقوال، فالمحكيّ عن المفيد «2» و الشيخ في النهاية «3» و سلّار «4» اعتبار أربعة رجال فقط، الظّاهر في عدم اعتبار شهادة النساء في اللواط بوجه، و عن عليّ بن بابويه «5» و ولده في المقنع «6» و الغنية «7» كفاية ثلاثة رجال و امرأتين أيضاً، و ادّعى في الغنية عليها إجماع الطائفة «8»، و عن المختلف «9» أنّ الصدوق أبدل كلمة الحدود التي اكتفي فيها بذلك بالزنا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 420، أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 3.

(2) المقنعة: 785.

(3) النهاية: 703.

(4) المراسم: 255.

(5) حكى عنه

في مختلف الشيعة: 8/ 488.

(6) المقنع: 402.

(7) غنية النزوع: 438.

(8) غنية النزوع: 438.

(9) مختلف الشيعة: 8/ 488.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 291

..........

______________________________

و عن الوسيلة: أنّه اكتفىٰ في الزنا جلداً برجلين و أربع نسوة، ثمّ قال: و اللواط يثبت بمثل ما يثبت به الزنا من البيّنة، و الإقرار على الوجوه المذكورة على سواء «1» فقد ظهر عدم ثبوت الإجماع و أنّ اللازم ملاحظة الأدلّة فنقول: إنّ ما ورد منها في الزنا ممّا يدلّ على اعتبار شهادة النساء فيه في الجملة لا دلالة له على الاعتبار في باب اللواط، و لا يمكن قياسه عليه، خصوصاً بعد كونه أشدّ منه كما لا يخفى و أمّا ما يمكن أن يستفاد منه حكم المقام فطائفة تدلّ بعمومها على عدم الاعتبار في باب اللواط، و بإطلاقها على عدم الفرق بين صورة الانفراد و صورة الانضمام، و واحدة تدلّ على الفرق بين الصورتين أمّا الطائفة الأُولى:

فمنها: صحيحة جميل بن دراج و محمّد بن حمران، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قالا: قلنا: أ تجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال: في القتل وحده، إنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يقول: لا يبطل دم امرئ مسلم «2» و منها: رواية غياث بن إبراهيم، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السّلام) قال: لا تجوز شهادة النساء في الحدود و لا في القود «3» و الظّاهر أنّ المراد من القود أنّ القتل إذا كان موجباً للقصاص لا تقبل فيه شهادة النساء، و عليه فيكون المراد بالقتل الذي حكم فيه في الصحيحة المتقدّمة بالقبول

______________________________

(1) الوسيلة: 409، 414.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 258، كتاب الشهادات ب 24 ح 1.

(3) وسائل الشيعة:

18/ 264، كتاب الشهادات ب 24 ح 29.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 292

..........

______________________________

هو القتل الموجب للدية، كما خصّها به الشيخ (قدّس سرّه) «1» و منها: رواية موسى بن إسماعيل بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ (عليهم السّلام) قال: لا تجوز شهادة النساء في الحدود، و لا قود «2» و قوله (عليه السّلام): «و لا قود» يمكن أن يكون قد حذف منه كلمة «في» خطإ، و يمكن أن يكون المراد أنّه لا قود مع شهادة النساء بالقتل، فلا يكون حينئذٍ عطفاً على الحدود.

و منها: رواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السّلام) أنّه كان يقول: شهادة النساء لا تجوز في طلاق و لا نكاح، و لا في حدود، إلّا في الديون و ما لا يستطيع الرجال النظر إليه «3» و أمّا الرواية الواحدة، فهي رواية عبد الرحمن التي رواها عنه أبان قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المرأة يحضرها الموت و ليس عندها إلّا امرأة، تجوز شهادتها؟ قال: تجوز شهادة النساء في العذرة و المنفوس. و قال: تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال «4» و مقتضى الجمع التصرّف في إطلاق الطائفة الأُولى و حملها على صورة الاستقلال بقرينة هذه الرواية، الدالّة على الاعتبار مع الانضمام و لكن ربّما يناقش في سندها باشتراك عبد الرحمن بين الثقة و غيره، كما أنّه يجاب عنها بأنّ نقل أبان عنه مع كونه من أصحاب الإجماع جابر للضعف و موجب للاعتبار، و لكنّ الاعتماد على رواية واحدة في مقابل الروايات الكثيرة خصوصاً

______________________________

(1) التهذيب: 6/ 266، الإستبصار: 3/ 26 27.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 264، كتاب الشهادات ب 24 ح

30.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1422 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود؛ ص: 292

(3) وسائل الشيعة: 18/ 267، كتاب الشهادات ب 24 ح 42.

(4) وسائل الشيعة: 8 (1)/ 262، كتاب الشهادات ب 24 ح 21.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 293

[مسألة 2: يشترط في المقرّ فاعلًا كان أو مفعولًا البلوغ، و كمال العقل، و الحريّة، و الاختيار، و القصد]

مسألة 2: يشترط في المقرّ فاعلًا كان أو مفعولًا البلوغ، و كمال العقل، و الحريّة، و الاختيار، و القصد، فلا عبرة بإقرار الصبيّ، و المجنون، و العبد، و المكره، و الهازل (1)

[مسألة 3: لو أقرّ دون الأربع لم يحد، و للحاكم تعزيره بما يرى]

مسألة 3: لو أقرّ دون الأربع لم يحد، و للحاكم تعزيره بما يرى، و لو شهد بذلك دون الأربعة لم يثبت، بل كان عليهم الحدّ للفرية، و لا يثبت بشهادة النساء منفردات أو منضمّات، و الحاكم يحكم بعلمه إماماً كان أو غيره (2)

[مسألة 4: لو وطئ فأوقب ثبت عليه القتل]

مسألة 4: لو وطئ فأوقب ثبت عليه القتل، و على المفعول إذا كان كلّ

______________________________

مع كون بناء الحدود على التخفيف، و بناء الشرع على حفظ العرض و عدم هتكه مشكل، و رفع اليد عن الرواية المقيّدة مع اعتبارها من حيث السند و الدلالة أشكل.

ثمّ إنّه على تقدير الأخذ بهذه الرواية لا مجال للأخذ بإطلاقها و الحكم بالاعتبار مع الانضمام مطلقاً، لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة، فاللازم الاقتصار على القدر المتيقّن و الحكم بكفاية انضمام امرأتين إلى ثلاثة رجال فقط، و لا مجال للتعميم لجميع صور الانضمام كما لا يخفى

(1) قد مرّ البحث في هذه المسألة في الزنا فليراجع «1»

(2) قد تقدّم الكلام في هذه المسألة في غير ما يرتبط بشهادة النساء في باب الزنا «2»، و فيما يرتبط بها في المسألة الاولى من مسائل المقام.

______________________________

(1) في ص 26 27 و 81 83.

(2) تقدّم في ص 83 89 وص 115 121 و ص 261- 269.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 294

منهما بالغاً عاقلًا مختاراً، و يستوي فيه المسلم و الكافر و المحصن و غيره، و لو لاط البالغ العاقل بالصبيّ موقباً قتل البالغ و أُدِّب الصبيّ، و كذا لو لاط البالغ العاقل موقباً بالمجنون، و مع شعور المجنون أدَّبه الحاكم بما يراه، و لو لاط الصبيّ بالصبيّ أُدِّبا معاً، و لو لاط مجنون بعاقل حدّ العاقل

دون المجنون، و لو لاط صبيّ ببالغ حدّ البالغ و أُدِّب الصبيّ، و لو لاط الذمّي بمسلم قتل و إن لم يوقب، و لو لاط ذمّي بذمّي قيل: كان الإمام (عليه السّلام) مخيّراً بين إقامة الحدّ عليه و بين دفعه إلى أهل ملّته ليقيموا عليه حدّهم، و الأحوط لو لم يكن الأقوى إجراء الحدّ عليه (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع:

الفرع الأوّل: فيما لو وطئ فأوقب مع كون كلّ منهما بالغاً عاقلًا مختاراً، و بعد وضوح كون الحكم فيه ثبوت القتل بنحو الإجمال لقيام الإجماع المسلَّم، و وجود الروايات المستفيضة التي يأتي التعرّض لأكثرها نقول:

إنّ ما يمكن أن يقع البحث فيه هو استواء المحصن و غيره و عدمه، كما في باب الزنا، و ذلك إنّما هو بالإضافة إلى خصوص الفاعل، لا الأعمّ منه و من المفعول، فإنّه لا خلاف فيه نصّاً و فتوى في الاستواء و عدم الفرق بين المحصن و غيره، و سيأتي البحث فيه، و أمّا الفاعل فبالنظر إلى الفتاوى حكي الاتّفاق على عدم الفرق، بل ادّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد «1» لكن حكي عن موضع من المقنع «2»، و نسب صاحب الرياض إلى بعض متأخّري المتأخّرين الخلاف «3»،

______________________________

(1) منها: الإنتصار: 510 511 و غنية النزوع: 426.

(2) المقنع: 437.

(3) رياض المسائل: 10/ 93.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 295

..........

______________________________

و اختاره بعض الأعلام في هذه الأزمنة «1»، و يظهر من نسبة المحقّق في الشرائع القول الأوّل إلى الأشهر «2» وجود شهرة في هذا القول أيضاً و أمّا بلحاظ الروايات فنقول: إنّها على طائفتين:

الطائفة الأُولى: ما ظاهره ثبوت القتل مطلقاً من دون فرق بين المحصن و غيره و هي كثيرة:

منها:

صحيحة مالك بن عطيّة المفصّلة، المتقدّمة آنفاً، الواردة في رجل أتى أمير المؤمنين (عليه السّلام) و أقرّ بالإيقاب على الغلام أربع مرّات، الدالّة على أنّه (عليه السّلام) حكم فيه بما حكم فيه رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) من القتل بإحدى الكيفيّات الثلاثة المذكورة فيها «3»، فإنّها تدلّ بلحاظ ترك الاستفصال على عدم الفرق بين المحصن و غيره و منها: رواية سليمان بن هلال، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يفعل بالرجل، قال: فقال: إن كان دون الثقب فالجلد، و إن كان ثقب أقيم قائماً ثمّ ضرب بالسيف ضربة أخذ السيف منه ما أخذ، فقلت له: هو القتل؟ قال: هو ذاك «4» و منها: رواية سيف التمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: اتي عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) برجل معه غلام يأتيه، فقامت عليهما بذلك البيّنة، فقال: يا قنبر النطع و السيف، ثمّ أمر بالرجل فوضع على وجهه، و وضع الغلام على وجهه، ثمّ أمر بهما فضربهما بالسيف حتّى قدّهما بالسيف جميعاً، الحديث «5».

______________________________

(1) مباني تكملة المنهاج: 1/ 230 232 مسألة 181.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 942.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 422، أبواب حدّ اللواط ب 5 ح 1.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 416، أبواب حدّ اللواط ب 1 ح 2.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 419، أبواب حدّ اللواط ب 2 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 296

..........

______________________________

و منها: مرفوعة أبي يحيى الواسطي قال: سألته عن رجلين يتفاخذان؟ قال: حدّهما حدّ الزاني، فإن أدعم أحدهما على صاحبه ضرب الداعم ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت و تركت ما تركت يريد بها مقتله، و الدّاعم عليه يحرق بالنار «1».

و

يلحق بهذه الطائفة ما تدلّ على الرجم مطلقاً، و هي رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): لو كان ينبغي لأحد أن يرجم مرّتين لرجم اللوطي «2» فإنّ مقتضاها أنّ ثبوت الرجم مرّة في مطلق اللوطي إنّما هو لعدم إمكان التعدّد، لا لعدم الاستحقاق الطائفة الثانية: ما ظاهره التفصيل و الحكم بعدم ثبوت القتل أو الرجم في غير المحصن و اختصاص الحكم بالثبوت بالمحصن، و هذه الطائفة بين ما عبّر فيه بالقتل من دون التعرّض لكيفيّته، مثل:

رواية حمّاد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل أتى رجلًا، قال: عليه إن كان محصناً القتل، و إن لم يكن محصناً فعليه الجلد. قال: قلت: فما على المؤتى به؟ قال: عليه القتل على كلّ حال، محصناً كان أو غير محصن «3» و ما عبّر فيه بأنّ الحدّ في اللواط هو الحدّ في الزنا مثل:

رواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: الملوط حدّه حدّ الزاني «4» و لكن استفادة حكم الفاعل مبنيّة على دلالتها على حكم اللاطي بالأولويّة، نظراً إلى أنّ اللواط في الملوط أشدّ قبحاً منه في اللاطي، فإذا لم يرجم الملوط

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 421، أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 6.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 420، أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 2.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 417، أبواب حدّ اللواط ب 1 ح 4.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 416، أبواب حدّ اللواط ب 1 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 297

..........

______________________________

غير المحصن فاللاطي بطريق أولى، أو على كون الرواية مطابقة لما في الجواهر، حيث نقلها هكذا: اللواط حدّه حدّ الزاني «1»

و الأوّل ممنوع؛ لأنّ الإحصان في جانب المفعول لا يرتبط بعمله أصلًا، بخلافه في ناحية الفاعل، للفرق بين المحصن و غيره فيما يرتبط بعمله، كما لا يخفى و الثاني أيضاً كذلك، لأنّه مضافاً إلى كون نقل الرواية في الكتب المعدّة له «2» مخالفاً لما في الجواهر يكون مقتضى هذا النقل أن يعبّر بكون اللواط حدّه حدّ الزنا، لا الزاني كما هو ظاهر و ما عبّر فيه بالرجم مثل:

رواية العلاء بن الفضيل قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): حدّ اللوطي مثل حدّ الزاني، و قال: إن كان قد أحصن رجم و إلّا جلد «3» و رواية الحسين بن علوان، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السّلام) أنّه كان يقول في اللوطي: إن كان محصناً رجم، و إن لم يكن محصناً جلد الحدّ «4» و رواية أبي البختري، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه: أنّ عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) كان يقول: حدّ اللوطي مثل حدّ الزاني، إن كان محصناً رجم، و إن كان عزباً جلد مائة، و يجلد الحدّ من يرمي به بريئاً «5» و رواية يزيد بن عبد الملك قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول: إنّ الرجم على الناكح

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 380.

(2) الكافي: 7/ 200 ح 8، التهذيب: 10/ 55 ح 202، الإستبصار: 4/ 221 ح 826.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 417، أبواب حدّ اللواط ب 1 ح 3.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 418، أبواب حدّ اللواط ب 1 ح 6.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 418، أبواب حدّ اللواط ب 1 ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 298

..........

______________________________

و المنكوح ذكراً كان أو أنثى إذا كانا

محصنين، و هو على الذكر إذا كان منكوحاً أحصن أو لم يحصن «1» و رواية ابن أبي عمير، عن عدّة من أصحابنا، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الذي يوقب أنّ عليه الرجم إن كان محصناً، و عليه الجلد إن لم يكن محصناً «2» و رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: إنّ في كتاب عليّ (عليه السّلام) إذا أُخذ الرجل مع غلام في لحاف مجرّدين ضرب الرجل و أدّب الغلام، و إن كان ثقب و كان محصناً رجم «3» و مقتضى القاعدة كون الطائفة الثانية الدالّة على التفصيل مقيّدة للطائفة الأُولى و موجبة لاختصاصها بالمحصن، كما في سائر موارد الإطلاق و التقييد، و في الجواهر بعد ذكر الروايات و دعوى الإجماع بقسميه على خلافها قال: فوجب حمل النصوص المزبورة القاصر بعضها سنداً و آخر دلالة إذ إثبات الرجم على المحصن لا ينافي الحكم بقتل غيره، مضافاً إلى اشتمال بعضها على التفصيل بين الواطئ و الموطوء، المعلوم عدم عامل به إلّا ما يحكى عن ظاهر اقتصار الفقيه «4» عليه، و صريح المقنع «5» على التقيّة أو طرحها «6» و يرد عليه مضافاً إلى استفاضة هذه الروايات و اعتبار جلّها من حيث السند-

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 418، أبواب حدّ اللواط ب (1) ح 8.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 421، أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 8.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 421، أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 7.

(4) من لا يحضره الفقيه: 4/ 42 ح 5047.

(5) المقنع: 437.

(6) جواهر الكلام: 41/ 380 381.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 299

..........

______________________________

أنّ ما أفاده تعليلًا للقصور من حيث الدلالة ممنوع؛ لأنّ

المراد من قوله: «إذ إثبات الرجم ..» هل هو أنّ إثبات الرجم على المحصن لا ينافي الحكم بثبوته في غيره؟ بحيث كان مراده من القتل هو الرجم أيضاً، أو أنّ المراد أنّ إثبات الرجم على المحصن لا ينافي الحكم بثبوت القتل مطلقاً، و لو بكيفيّة مغايرة للرجم في غير المحصن؟ و كلا الاحتمالين باطلان:

أمّا الأوّل: فلصراحة أكثر الروايات في التفصيل و الحكم بعدم ثبوت الرجم في غير المحصن، فلا معنى لدعوى أنّ إثبات الشي ء لا ينفي ما عداه و أمّا الثاني: فمضافاً إلى التصريح بنفي القتل في غير المحصن في كثير منها نقول: إنّ رواية حمّاد المتقدّمة قد عبّر فيها بالقتل في المحصن و عدمه في غيره و أمّا الحمل على التقيّة فلا وجه له أصلًا؛ لعدم كون المقام من مصاديق الخبرين المتعارضين أوّلًا؛ حتّى يجري فيه الروايات العلاجية الواردة فيهما، و عدم تحقّق عنوان التقيّة في المقام ثانياً؛ لأنّ الموافق لها على ما يظهر من كتاب الخلاف للشيخ الطوسي (قدّس سرّه) هو الشافعي في أحد قوليه «1» فقط، فالحمل على التقية ممّا لا وجه له أصلًا.

و لكن عمدة الإشكال في المقام أنّ هذه الروايات مع كونها بمرأى و مسمع من الأصحاب، و قد أوردوها في كتب أحاديثهم، و مع كون الجمع بالإطلاق و التقييد لا إشكال فيه عندهم، لم تقع مورداً لفتاويهم، بل أفتوا بخلافها، خصوصاً في الكتب المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة عن العترة الطاهرة (عليهم السّلام) بعين الألفاظ الصادرة عنهم، كأكثر كتب القدماء نعم، قد عرفت فتوى الصدوق في كتاب المقنع في موضع منه بخلافه، و إن

______________________________

(1) الخلاف: 50/ 381 مسألة 22، المبسوط للسرخسي: 9/ 77، المجموع: 21/ 315 316.

تفصيل الشريعة في

شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 300

..........

______________________________

أفتى على طبق المشهور فيه قبله «1»، و هذا يوجب الظنّ القويّ بوجود خلل في الروايات المفصلة و إن لم يكن ظاهراً لنا، فالإنصاف أنّ رفع اليد عمّا يقتضيه الجمع بين الروايات في المقام مشكل، خصوصاً مع توصيف المحقّق القول المشهور بأنّه أشهر «2»، و رفع اليد عن الفتاوى مع الشهرة المحقّقة بين فقهاء المسلمين من العامّة و الخاصّة أشدّ إشكالًا، هذا كلّه في الفاعل و أمّا المفعول، فيدلّ على التفصيل فيه رواية زرارة المتقدّمة الدالّة على أنّ الملوط حدّه حدّ الزاني، و على عدمه صريحاً روايتا حمّاد و يزيد بن عبد الملك المتقدّمتان أيضاً، و الجمع بينهما يقتضي حمل الظّاهر على النصّ و رفع اليد عن ظهور الرواية بصراحة الروايتين الحاكمتين بعدم الفرق بين المحصن و غيره، مضافاً إلى ما مرّت الإشارة إليه من أنّ الإحصان لا يرتبط بعمل المفعول أصلًا، و مقتضى الفتاوى أيضاً الإطلاق، و لم يحك هنا التفصيل عن أحد من الأصحاب، فاللازم تعميم الحكم فيه و إن قلنا بعدمه في الفاعل نعم، لو تمّ الإجماع على عدم الفصل لكان اللازم تعميم التعميم إلى الفاعل لا تعميم التفصيل إلى المفعول، كما لا يخفى الفرع الثاني: ما لو لاط البالغ العاقل بالصبيّ موقباً أو بالمجنون، و قد حكم فيهما بثبوت حدّ القتل على البالغ و تأديب الصبيّ أو المجنون مع شعوره، و يدلّ على الحكم مضافاً إلى إطلاق ما دلّ على رفع القلم عنهما «3» رواية أبي بكر

______________________________

(1) المقنع: 430.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 942.

(3) وسائل الشيعة: (1)/ 32، أبواب مقدّمة العبادات ب 32 ح 11 و ج 19/ 66، أبواب القصاص في النفس ب

36 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 301

..........

______________________________

الحضرمي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: أُتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) بامرأة و زوجها، قد لاط زوجها بابنها من غيره و ثقبه، و شهد عليه بذلك الشهود، فأمر به (عليه السّلام) فضرب بالسيف حتّى قتل، و ضرب الغلام دون الحدّ. و قال: أما لو كنت مدركاً لقتلتك لإمكانك إيّاه من نفسك بثقبك «1» و موردها و إن كان هو الصبيّ، إلّا أنّ قوله (عليه السّلام): «أما لو كنت مدركاً ..» يشمل المجنون أيضاً؛ لأنّ المراد بالإدراك المنفيّ هو كونه مكلّفاً، و ليس المراد به التمييز و الشعور، و إلّا لا يصحّ الخطاب كما لا يخفى و من هذا الفرع يظهر ثبوت التأديب فقط فيما لو لاط الصبيّ بالصبي الفرع الثالث: ما لو لاط مجنون بعاقل، و قد حكم فيه بثبوت الحدّ على العاقل دون المجنون، و المحكيّ عن مقنعة المفيد «2» و نهاية الشيخ ثبوت الحدّ على المجنون إذا كان فاعلًا كما في باب الزنا «3» و قد ورد في باب الزنا رواية أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الحدّ، و إن كان محصناً رجم، قلت: و ما الفرق بين المجنون و المجنونة و المعتوه و المعتوهة؟ فقال: المرأة إنّما تؤتى و الرجل يأتي، و إنّما يزني إذا عقل كيف يأتي اللّذة، و أنّ المرأة إنّما تستكره و يفعل بها و هي لا تعقل ما يفعل بها «4» و الظّاهر أنّ إجراء حكم الزنا في المقام إنّما هو بلحاظ شمول التعليل الواقع في الرواية للمقام، أو بلحاظ الأولويّة من حيث كون

اللواط أقبح و أشدّ تحريماً، أو

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 418، أبواب حدّ اللواط ب 2 ح 1.

(2) المقنعة: 786.

(3) النهاية: 705.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 388، أبواب حدّ الزنا ب 21 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 302

..........

______________________________

بلحاظ رواية زرارة، بناءً على كونها مطابقة لما في الجواهر من كون اللواط حدّه حدّ الزاني «1»، و حيث كان الحكم ممنوعاً عندنا في باب الزنا كما مرّ الكلام فيه مفصّلًا «2»، فلا يبقى مجال لدعوى ثبوته في المقام الفرع الرابع: ما لو لاط صبيّ ببالغ، حدّ البالغ و أدِّب الصبيّ كما في المتن، و قد مرّ في باب الزنا أنّ المرأة المحصنة إذا زنى بها الصبيّ لا ترجم «3»، و يمكن أن يقال بمثله هنا، خصوصاً مع ملاحظة رواية زرارة بناءً على كونها مطابقة لما في كتب الحديث من كون الملوط حدّه حدّ الزاني، و لكنّ الظّاهر أنّ المراد هو الحكم بالاتّحاد في الجملة لا مطلقاً الفرع الخامس: ما لو لاط الذمّي بمسلم، و قد حكم فيه بثبوت القتل مطلقاً و إن لم يوقب، و في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه، لهتك حرمة الإسلام، فهو أشدّ من الزنا بالمسلمة، كما أنّ الحربي أشدّ من الذمّي «4» مع أنّ الذمّي إذا لم يعمل على طبق شرائط الذمّة يخرج عن هذا العنوان، و يدخل في الحربي كما لا يخفى الفرع السادس: ما لو لاط ذمّي بذمّي، و قد حكى في المتن القول بتخيير الحاكم بين إقامة الحدّ عليه، و بين دفعه إلى أهل ملّته ليقيموا عليه حدّهم، و قد احتاط إجراء الحدّ عليه لو لم يكن أقوى، و الوجه فيه أنّ قيام الدليل على

التخيير في باب الزنا لا يوجب ثبوته في المقام بعد اشتراك الأحكام، و منها: الحدود بين المسلم و الكافر، و عدم الاختصاص بالأوّل، و كون اللواط أشدّ من الزنا، كما عرفت.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 379.

(2) في ص 170، الفرع الثاني.

(3) في ص 179، المورد الثاني.

(4) جواهر الكلام: 41/ 379.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 303

[مسألة 5: الحاكم مخيّر في القتل بين ضرب عنقه بالسيف أو إلقائه من شاهق]

مسألة 5: الحاكم مخيّر في القتل بين ضرب عنقه بالسيف أو إلقائه من شاهق، كجبل و نحوه مشدود اليدين و الرجلين، أو إحراقه بالنار أو رجمه، و على قول أو إلقاء الجدار عليه فاعلًا كان أو مفعولًا، و يجوز الجمع بين سائر العقوبات و الإحراق بأن يقتل ثمّ يحرق (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة جهات من البحث:

الاولى: إنّه هل الحكم في باب اللواط مع الإيقاب مطلق القتل بأيّة كيفيّة تحقّق، و بأيّة وسيلة حصل، أو القتل بكيفيّة خاصّة؟ ظاهر رواية حمّاد بن عثمان المتقدّمة الأوّل؛ للتعبير فيها بالقتل من دون التقييد بالكيفيّة الخاصّة، و لكن في مقابلها روايات كثيرة ظاهرة في اعتبار كيفيّة خاصّة، كصحيحة مالك بن عطيّة المتقدّمة و غيرها، و مقتضى القاعدة حمل الإطلاق في رواية حمّاد لو كان لها إطلاق على مقتضى تلك الروايات، كما هو ظاهر الثانية: إنّه بعد ثبوت كيفيّة خاصّة يقع البحث في تلك الكيفيّة، و الكلام تارة في الفاعل، و أُخرى في المفعول أمّا الأوّل: فمقتضى صحيحة مالك بن عطيّة المتقدّمة الواردة في اللائط الموقب ثبوت ثلاث كيفيّات، و هي المذكورات في المتن أوّلًا. غاية الأمر إلغاء الخصوصيّة من كلمة «الجبل» الواقعة فيها، و كون ذكرها من باب أنّه من المصاديق الظّاهرة للمكان المرتفع، نعم الوارد فيها هو تخيير الفاعل،

مع أنّ الفتوى هي تخيير الحاكم، و يمكن أن يقال بوقوع التخيير في الرواية إرفاقاً لا من باب أنّه هو الحكم الأوّلي و أمّا الرجم، فيدلّ على ثبوته في اللائط رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): لو كان ينبغي لأحد أن يرجم مرّتين لرجم اللوطي «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 420، أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 304

..........

______________________________

بناءً على كون المراد باللوطي هو اللائط أو الأعمّ، و أمّا لو كان المراد به هو الملوط كما يحتمل قويّاً فلا ارتباط لها بالمقام و ما رواه في محكي الدعائم عن أمير المؤمنين (عليه السّلام)، أنّه قال في اللواط: هو ذنب لم يعص اللّٰه به إلّا قوم لوط، و هي أمّة من الأُمم، فصنع اللّٰه ما ذكر في كتابه من رجمهم بالحجارة، فارجموهم كما فعل اللّٰه عزّ و جل بهم «1» و العمدة في إثبات الرجم بعض الروايات المتقدّمة المصرّحة بثبوت الرجم في مورد الإحصان، فإنّ التقييد بالإحصان و إن لم يكن مفتى به كما مرّ، إلّا أنّه لا مجال لرفع اليد عن أصل الرجم المدلول عليه كما لا يخفى، فلا موقع للمناقشة في ثبوت هذه الكيفيّة في اللائط الموقب و أمّا الثاني: فيدلّ على ثبوت الكيفيّات الثلاثة الأُولى فيه أولويّته بالإضافة إلى الفاعل، و كون عمله أشدّ قبحاً و أعظم حرمة، فإذا ثبتت تلك الكيفيّات في اللائط مع كونها من أشدّها، فثبوتها في الملوط بطريق أولى و أمّا الروايات الخاصّة الواردة فيه، فهي طوائف:

الاولى: ما يدلّ على الرجم فيه، و هي رواية السكوني المتقدّمة آنفاً، و رواية يزيد ابن عبد

الملك قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول: إنّ الرجم على الناكح و المنكوح ذكراً كان أو أنثى إذا كانا محصنين، و هو على الذكر إذا كان منكوحاً أحصن أو لم يحصن «2».

و رواية زرارة المتقدّمة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: الملوط حدّه حدّ الزاني الثانية: ما يدلّ على القتل مطلقاً، و هي رواية حمّاد المتقدّمة، و في ذيلها قال:

______________________________

(1) مستدرك الوسائل: 14/ 341، أبواب النكاح المحرّم ب 15 ح 2.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 418، أبواب حدّ اللواط ب 1 ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 305

..........

______________________________

قلت: فما على المؤتى به؟ قال: عليه القتل على كلّ حال، محصناً كان أو غير محصن «1».

الثالثة: ما يدلّ على الإحراق بالنار، و هي رواية عبد اللّٰه بن ميمون، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: كتب خالد إلى أبي بكر: سلام عليك، أمّا بعد فإنّي أُتيت برجل قامت عليه البيّنة أنّه يؤتى في دبره كما تؤتى المرأة، فاستشار فيه أبو بكر، فقالوا: اقتلوه، فاستشار فيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام)، فقال: أحرقه بالنار فإنّ العرب لا ترى القتل شيئاً، الحديث «2» و مقتضى الجمع هو حمل ما دلّ على القتل مطلقاً على مقتضى الطائفتين الآخرتين، و رفع اليد عن ظهور كلّ طائفة منهما في التعيّن، كما لا يخفى و أمّا إلقاء الجدار الذي هي الكيفيّة الخامسة فلا يكون له مستند، نعم هو مذكور في فقه الرضا (عليه السّلام) مع الهدمة و الضرب بالسيف «3»، و لكنّه لم تثبت حجّيته، و أمّا الفتاوى، فالمذكور في أكثر كتب القدماء هو ثبوته في عداد سائر الكيفيّات «4»، و رفع اليد عنها مشكل،

خصوصاً مع ملاحظة كونها من الكتب المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة عن العترة الطاهرة (عليهم السّلام) بعين الألفاظ الصادرة عنهم بقي الكلام في هذه المسألة في جواز الجمع بين سائر العقوبات و الإحراق بالنار بأن يقتل ثمّ يحرق، و المستند في هذا الحكم صحيحة عبد الرحمن العرزمي، عن أبي عبد اللّٰه، عن أبيه (عليهما السّلام) قال: أُتي عمر برجل قد نكح في دبره فهمّ أن يجلده، فقال للشهود: رأيتموه يدخله كما يدخل الميل في المكحلة؟ قالوا: نعم، فقال لعليّ (عليه السّلام):

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 417، أبواب حدّ اللواط ب 1 ح 4.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 421، أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 9.

(3) فقه الرضا (عليه السّلام): 277.

(4) المقنع: 430، النهاية: 704، الكافي في الفقه: 408، المراسم: 254، الإنتصار: 510، المقنعة: 786.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 306

[مسألة 6: إذا لم يكن الإتيان إيقاباً]

مسألة 6: إذا لم يكن الإتيان إيقاباً، كالتفخيذ، أو بين الأليتين فحدّه مائة جلدة، من غير فرق بين المحصن و غيره، و الكافر و المسلم إذا لم يكن الفاعل كافراً و المفعول مسلماً، و إلّا قتل كما مرّ، و لو تكرّر منه الفعل و تخلّله الحدّ

______________________________

ما ترى في هذا؟ فطلب الفحل الذي نكح فلم يجده، فقال عليّ (عليه السّلام): أرى فيه أن تضرب عنقه، قال: فأمر فضربت عنقه، ثمّ قال: خذوه، فقد بقيت له عقوبة أُخرى، قال: و ما هي؟ قال: ادع بطُنّ من حطب، فدعا بطنّ من حطب فلفّ فيه ثمّ أحرقه بالنار «1» و أورد في الوسائل بعد هذه الرواية رواية أُخرى متّحدة مع هذه الرواية من دون اختلاف بينهما إلّا في بعض التعبيرات و الكلام في هذه الرواية إمّا من جهة

كون مفادها الجواز، كما هو ظاهر المتن تبعاً للشرائع «2»، أو اللزوم كما هو ظاهرها، و أفتى على طبقه بعض «3»، فالظاهر أنّ الأمر بأخذه و التعبير ببقاء عقوبة اخرى يستفاد منه اللزوم، و لكن عدم التعرّض لهذا الأمر في غير هذه الرواية من الروايات الكثيرة المتقدّمة الواردة في حدّ اللواط، الساكتة عن هذه الجهة يستكشف منه عدم اللزوم، فتحمل هذه الرواية على الجواز و المشروعيّة ثمّ إنّ الرواية واردة في المفعول، و لا دليل على إلغاء الخصوصيّة بعد احتمال كون الجمع مختصّاً به؛ لأنّ عمله أقبح من عمل الفاعل، كما أنّ مقتضى الرواية الجمع بين ضرب العنق و بين الإحراق بالنار، فالحكم بالجمع بين جميع الكيفيّات و بينه مبنيّ على إلغاء الخصوصيّة من هذه الجهة، و ليست دعواه ببعيدة أصلًا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 420، أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 3، و الطنّ: حزمة القصب، الصحاح.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 942.

(3) مباني تكملة المنهاج: 1/ 234.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 307

قتل في الرابعة، و قيل: في الثالثة، و الأوّل أشبه (1).

______________________________

(1) في المسألة أقوال ثلاثة:

الأوّل: ما في المتن، و هو على ما في الجواهر محكيّ عن الحسن «1» و المفيد «2» و السيّد «3» و سلّار «4» و الحلبي «5» و ابني زهرة «6» و إدريس «7»، بل في المسالك هو المشهور، و عليه سائر المتأخّرين «8»، بل عن صريح الانتصار «9» و ظاهر الغنية «10» الإجماع عليه «11» الثاني: ما اختاره الشيخ (قدّس سرّه) في أكثر كتبه، كالنهاية و الخلاف، و عن المبسوط و التهذيب و الاستبصار من ثبوت الرجم إن كان محصناً، و الجلد إن لم يكن «12»،

و تبعه القاضي «13» و جماعة «14» على ما في المسالك «15»، و ظاهر هذا القول أنّه لا فرق

______________________________

(1) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/ 189.

(2) المقنعة: 785.

(3) الإنتصار: 510.

(4) المراسم: 255.

(5) الكافي في الفقه: 408.

(6) غنية النزوع: 425.

(7) السرائر: 3/ 458.

(8) مسالك الأفهام: 14/ 408.

(9) الإنتصار: 511.

(10) غُنية النزوع: 426.

(11) جواهر الكلام: 41/ 382.

(12) النهاية: 704، الخلاف: 5/ 381 مسألة 22، المبسوط: 8/ 7، التهذيب: 10/ 55 56، الإستبصار: 4/ 221.

(13) المهذّب: 2/ 530.

(14) منهم ابن حمزة في الوسيلة: 413 414.

(15) مسالك الأفهام: 14/ 408.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 308

..........

______________________________

بين الفاعل و المفعول في كلا طرفي التفصيل كما في سائر الأقوال الثالث: ما عن الصدوقين «1» و الإسكافي «2» من ثبوت القتل مطلقاً و يدلّ على الأوّل صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: إنّ في كتاب عليّ (عليه السّلام) إذا أُخذ الرجل مع غلام في لحافٍ مجرّدين ضرب الرجل و أدّب الغلام، و إن كان ثقب و كان محصناً رجم «3» بتقريب أنّ المراد بالضرب هو الجلد مائة، بقرينة التعبير بالتأديب في الغلام الظاهر في التعزير الذي هو أقلّ من الحدّ، و لا مجال لدعوى كون الضرب قرينة على كون المراد بالتأديب هو التأديب بغير الضرب، خصوصاً مع كون التعزير في الروايات إنّما هو بالضرب، و يؤيّد كون المراد بالضرب هو الجلد مائة مقابلته مع الرجم في الشرطيّة الثانية و المراد من الشرط في الشرطيّة الاولى إمّا خصوص اللواط غير الإيقابي، كما هو ظاهر اجتماع الرجل مع الغلام مجرّدين في لحافٍ واحد، و إمّا الأعمّ منه و من مجرّد الاجتماع و إن

لم يكن هناك لمس أصلًا، و على كلا التقديرين يصحّ الاستدلال كما لا يخفى و يدلّ عليه أيضاً رواية سليمان بن هلال قال: سأل بعض أصحابنا أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) فقال: جعلت فداك الرجل ينام مع الرجل في لحافٍ واحد، فقال: ذوا محرم؟ فقال: لا، قال: من ضرورة؟ قال: لا، قال: يضربان ثلاثين سوطاً، ثلاثين سوطاً، قال: فإنّه فعل. قال: إن كان دون الثقب فالحدّ، و إن هو ثقب أقيم قائماً ثمّ ضرب ضربة بالسيف أخذ السيف منه ما أخذه، قال: فقلت له: فهو القتل؟ قال: هو ذاك،

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 9/ 189 190 عن عليّ بن بابويه، المقنع: 430.

(2) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/ 190.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 421، أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 309

..........

______________________________

الحديث «1» و الظّاهر أنّ المراد من الحدّ فيه هو الجلد مائة، و في بعض الكتب الجلد بدل الحدّ «2»، و ضعف السند منجبر بفتوى المشهور على طبقها و يدلّ على القول الثاني أمران:

الأوّل: مرفوعة أبي يحيى الواسطي قال: سألته عن رجلين يتفاخذان؟ قال: حدّهما حدّ الزاني، فإن أدعم أحدهما على صاحبه ضرب الدّاعم ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت و تركت ما تركت يريد بها مقتله، و الدّاعم عليه يحرق بالنار «3» نظراً إلى ثبوت التفصيل في حدّ الزاني كما مرّ و يردّه ضعف سند الرواية، مضافاً إلى كونها مخالفة للشهرة المحقّقة الثاني: ما في الجواهر من أنّه مقتضى الجمع بين الروايات المشتملة على أنّ حدّه حدّ الزاني، و بين ما دلّ على قتله، بحمل الأوّل على غير الموقب، و الثاني على الموقب، و عن المختلف نفي

البأس فيه «4» و أورد عليه تارة بما في الجواهر من أنّه فرع التكافؤ المفقود من وجوه، و أُخرى بكونه خلاف ظاهر الطائفة الأُولى و يمكن الإيراد عليه بأنّ ما يدلّ على القتل إمّا دالّ على الفرق بين الفاعل و المفعول من جهة الإحصان و عدمه، كروايتي حمّاد بن عثمان و يزيد بن عبد الملك المتقدّمتين «5»، و إمّا وارد في مورد الإيقاب، كما في صحيحة مالك بن عطيّة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 367، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 21.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 416، أبواب حدّ اللواط ب 1 ح 2.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 421، أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 6.

(4) مختلف الشيعة: 9/ 190، جواهر الكلام: 41/ 383.

(5) في ص 296 و 297.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 310

..........

______________________________

المتقدّمة «1» أيضاً، فلا مجال للتفصيل بالنحو الذي اختاره الشيخ (قدّس سرّه) و يدلّ على القول الثالث رواية حذيفة بن منصور قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن اللواط؟ فقال: ما بين الفخذين، و سألته عن الذي يوقب؟ فقال: ذاك الكفر بما أنزل اللّٰه على نبيّه (صلّى اللّٰه عليه و آله) «2» و مثلها رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): اللواط ما دون الدبر، و الدبر هو الكفر «3» و صحيحة الحسين بن سعيد قال: قرأت بخطّ رجل أعرفه إلى أبي الحسن (عليه السّلام)، و قرأت جواب أبي الحسن (عليه السّلام) بخطّه: هل على رجل لعب بغلام بين فخذيه حدّ؟ فإنّ بعض العصابة روى أنّه لا بأس بلعب الرجل بالغلام بين فخذيه؟ فكتب: لعنة اللّٰه على من فعل ذلك، و كتب

أيضاً هذا الرجل و لم أر الجواب: ما حدّ رجلين نكح أحدهما الآخر طوعاً بين فخذيه، ما توبته؟ فكتب: القتل، الحديث «4» و الجواب أمّا عن الأوّلين فمضافاً إلى أنّ التعبير بالكفر ليس على نحو الحقيقة، بحيث يترتّب عليه آثار الارتداد، فلا بدّ من الحمل على المستحلّ أو على المبالغة كما في الجواهر «5» أنّه لم يدلّ دليل على ثبوت القتل في اللواط مطلقاً حتّى ينقّح موضوعه بما في الروايتين و أمّا عن الأخير، بأنّ الرجل غير معروف لنا، و الراوي لم ير الجواب الثاني، فلا مجال للاعتماد على الرواية.

______________________________

(1) في ص 287.

(2) وسائل الشيعة: 14/ 257، أبواب النكاح المحرّم ب 20 ح 3.

(3) وسائل الشيعة: 14/ 257، أبواب النكاح المحرّم ب 20 ح 2.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 417، أبواب حدّ اللواط ب (1) ح 5.

(5) جواهر الكلام: 41/ 383.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 311

..........

______________________________

فانقدح من جميع ما ذكرنا، أنّ الأقوى هو القول الأوّل كما في المتن بقي الكلام في المسألة فيما لو تكرّر منه الفعل مع تخلّل الحدّ، و أنّه هل يقتل في الثالثة أو في الرابعة كما في باب الزنا على ما تقدّم، و منشأ الإشكال في المقام وجود رواية تدلّ بالعموم على كون القتل في الثالثة، و هي صحيحة يونس، عن أبي الحسن الماضي (عليه السّلام) قال: أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة «1» و قد رواها المشايخ الثلاثة «2»، و مقتضاها ثبوت الحكم في اللواط أيضاً، و قيام الدليل على ثبوت القتل في الرابعة في باب الزنا لا يوجب اشتراك اللواط معه، خصوصاً مع كونه أقبح و أشدّ تحريماً منه، و

لكن حكي عن غير واحد الإجماع على عدم الفرق بينهما «3»، و عن الغنية الإجماع في خصوص المقام على كون القتل في الرابعة «4»، و هما بضميمة بعض الروايات المتقدّمة الدالّة على أنّ الملوط حدّه حدّ الزاني كرواية زرارة «5» أو أنّ حدّ اللوطي مثل حدّ الزاني «6» يصلحان لتخصيص رواية يونس؛ لأنّ التشبيه في الروايتين عامّ و إن كانت الثانية مذيّلة بقوله: «إن كان قد أحصن رجم و إلّا جلد» لكنّه لا دلالة له على كون التشبيه في خصوص هذه الجهة، خصوصاً بعد إطلاق الحكم أي القتل في الملوط، و عدم اختصاصه بصورة الإحصان، فالأحوط لو لم يكن أقوى ما ذكر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 313، أبواب مقدّمات الحدود ب 5 ح (1).

(2) الكافي 7/ 191 ح 2، من لا يحضره الفقيه: 4/ 72 ح 5138، التهذيب: 10/ 95 96 ح 369، الإستبصار: 4/ 212 ح 790.

(3) رياض المسائل: 10/ 97.

(4) غنية النزوع: 426.

(5) تقدّمت في ص 296.

(6) تقدّمت في ص 297.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 312

[مسألة 7: المجتمعان تحت إزارٍ واحد يعزّران إذا كانا مجرّدين و لم يكن بينهما رحم]

مسألة 7: المجتمعان تحت إزارٍ واحد يعزّران إذا كانا مجرّدين و لم يكن بينهما رحم و لا تقتضي ذلك ضرورة، و التعزير بنظر الحاكم، و الأحوط في المقام الحدّ إلّا سوطاً، و كذا يعزّر من قبَّل غلاماً بشهوة، بل أو رجلًا أو امرأة صغيرة أو كبيرة (1).

______________________________

(1) المراد بالمجتمعين هو الرجلان المجتمعان؛ لأنّ البحث في اجتماع الرجل و المرأة كذلك قد تقدّم في باب الزنا، و البحث في اجتماع المرأتين كذلك سيأتي في باب المساحقة، فالمراد خصوص الرجلين، و فيه أقوال:

أحدها: ما عن الشيخ في النهاية «1» و ابن إدريس في السرائر «2»

و أكثر المتأخّرين «3» من كون التعزير فيه من ثلاثين سوطاً إلى تسعة و تسعين سوطاً؛ لأنّه مقتضى الجمع بين روايتين:

إحداهما: رواية سليمان بن هلال قال: سأل بعض أصحابنا أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) فقال: جعلت فداك الرجل ينام مع الرجل في لحافٍ واحد، فقال: ذوا محرم؟ فقال: لا، قال: من ضرورة؟ قال: لا، قال: يضربان ثلاثين سوطاً ثلاثين سوطاً، الحديث «4» ثانيتهما: صحيحة ابن سنان يعني عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجلين يوجدان في لحافٍ واحد، قال: يجلدان غير سوط واحد «5».

______________________________

(1) النهاية: 705.

(2) السرائر: 3/ 460.

(3) إرشاد الأذهان: 2/ 175، اللّمعة الدمشقية: 167، التنقيح الرائع: 4/ 352، المهذّب: 2/ 531.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 367، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 21.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 367، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 18.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 313

..........

______________________________

نظراً إلى أنّ الجمع يقتضي حمل الاولى على بيان الحدّ الأقلّ، و الثانية على بيان الحدّ الأكثر، و الاختيار بنظر الحاكم في الحدّين و ما بينهما و لكن حيث إنّ الرواية الأُولى ضعيفة، و لا تكون في البين شهرة جابرة؛ لكون الشهرة الموجودة إنّما هي بين المتأخّرين، فلا مجال لهذا القول، و أمّا الرواية الثانية فالظّاهر كونها صحيحة، و إن كان ظاهر الجواهر كونها ضعيفة أيضاً «1»، و لعلّه لتردّد ابن سنان بين محمّد و عبد اللّٰه، مع أنّه قد صرّح في السند كما في الوسائل بكونه هو عبد اللّٰه الذي هو ثقة ثانيها: ما عن الصدوق في المقنع «2» و أبي عليّ «3» من ثبوت الحدّ مائة سوط، و يدلّ عليه روايات مستفيضة، مثل:

صحيحة أبي عبيدة، عن

أبي جعفر (عليه السّلام) قال: كان عليّ (عليه السّلام) إذا وجد رجلين في لحافٍ واحد مجرّدين جلدهما حدّ الزاني، مائة جلدة كلّ واحد منهما، و كذلك المرأتان إذا وجدتا في لحافٍ واحد مجرّدتين جلدهما كلّ واحدة منهما مائة جلدة «4» و صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: حدّ الجلد أن يوجدا في لحافٍ واحد، و الرجلان يجلدان إذا وجدا في لحافٍ واحد الحدّ، و المرأتان تجلدان إذا أُخذتا في لحافٍ واحد الحدّ «5» و إضافة الحدّ إلى الجلد ليست بيانيّة؛ لعدم كون المراد بالحد هو الحدّ المعروف في باب الحدود؛ لعدم استقامة الكلام حينئذٍ و عدم

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 384.

(2) المقنع: 433.

(3) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/ 193 مسألة 50.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 366، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 15.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 363، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 314

..........

______________________________

صحّة الحمل، بل المراد به هو المنتهي، و ضمير التثنية في «يوجدا» يرجع إلى الرجل و المرأة؛ لوقوع الفرضين الآخرين في مقابله كما هو ظاهر و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال سمعته يقول: حدّ الجلد في الزنا أن يوجدا في لحافٍ واحد، و الرجلان يوجدان في لحافٍ واحد، و المرأتان توجدان في لحافٍ واحد «1» و صحيحة عبد اللّٰه بن مسكان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال سمعته يقول: حدّ الجلد في الزنا أن يوجدا في لحافٍ واحد، و الرجلان يوجدان في لحافٍ واحد، و المرأتان توجدان في لحافٍ واحد «2» و قد جعلها في الوسائل روايتين مع وضوح كونها رواية

واحدة و صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: كان عليّ (عليه السّلام) إذا وجد الرجلين في لحافٍ واحد ضربهما الحدّ، فإذا أخذ المرأتين في لحافٍ واحد ضربهما الحدّ «3» و ذيل صحيحة حسين بن سعيد المتقدّمة: و ما حدّ رجلين وجدا نائمين في ثوب واحد؟ فكتب: مائة سوط «4» و في مقابل هذه الروايات روايات تدلّ على الأقلّ من المائة، أو على تعيين المائة إلّا سوطاً، مثل:

صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدّمة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجلين يوجدان في لحافٍ واحد؟ قال: يجلدان غير سوط واحد.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 363، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 4.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 368، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 22، 23.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 365، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 6 و 5.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 365، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 6 و 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 315

..........

______________________________

و صحيحة معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): المرأتان تنامان في ثوب واحد، فقال: تضربان، فقلت: حدّا؟ قال: لا، قلت: الرجلان ينامان في ثوبٍ واحد، قال: يضربان، قال: قلت: الحدّ؟ قال: لا «1» و ليس المراد بقوله: حدّا هو السؤال عن الكيفيّة بعد الفراغ عن كون الضرب مائة، و أنّه هل هو على سبيل التعزير أو الحدّ، و إن كان يؤيّده الاقتصار على الضرب في مقام الجواب عن السؤال كما لا يخفى، بل المراد هو السؤال عن الكميّة كما هو ظاهر و ربّما يجمع بين الطائفتين بالحمل على التخيير، كما أنّه ربّما تحمل روايات المائة على التقيّة،

استناداً إلى صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: كنت عند أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فدخل عليه عباد البصري و معه أُناس من أصحابه، فقال له: حدِّثني عن الرجلين إذا أُخذا في لحافٍ واحد، فقال له: كان عليّ (عليه السّلام) إذا أخذ الرجلين في لحافٍ واحد ضربهما الحدّ، فقال له عباد: إنّك قلت لي: غير سوط، فأعاد عليه ذكر الحديث (الحدّ خ ل) حتّى أعاد ذلك مراراً فقال: غير سوط، فكتب القوم الحضور عند ذلك، الحديث «2» نظراً إلى دلالتها على أنّ الإمام (عليه السّلام) كان ممتنعاً عن بيان أنّ الجلد أقل من المائة بسوط، و لعلّه لأجل من كان مع عبّاد من أصحابه، حيث إنّه كان من علماء العامّة و بعد إصراره التجأ الإمام (عليه السّلام) إلى بيان الحكم الواقعي، فهذه الصحيحة شاهدة على حمل روايات المائة على التقيّة و إن كانت مستفيضة و يرد على هذا الحمل مضافاً إلى أنّ الظّاهر كون فتاوى العامّة التعزير، كما

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 367، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 16.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 363، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 316

..........

______________________________

يظهر من كتاب الخلاف للشيخ الطوسي (قدّس سرّه) «1» أنّ الظاهر كون الحكم الواقعي في الرواية هو الحكم المذكور أوّلًا؛ لإسناده إلى فعل عليّ (عليه السّلام)، و أنّ عمله المستمرّ كان هو ضرب الحدّ، و من الواضح أنّه لا مجال للتقيّة بهذه الصورة بعد تحقّقها بنفس بيان الحكم من غير إسناد، و بعد إصرار عبّاد و تكراره السؤال التجأ إلى بيان ما هو موافق لمذهبه، و لعلّه لأجل أنّ عبّاد نقل ما سمعه منه (عليه

السّلام) قبلًا من استثناء سوط واحد على أصحابه، فاتّفق في المجلس الذي كان معه أُناس منهم خلاف ذلك، و من الواضح أنّ مثل ذلك كان ثقيلًا عليه موجباً لوقوعه في معرض اتّهام الكذب في نقل الحديث و الرواية، فصار ذلك موجباً لإصراره عليه حتّى التجأ الإمام إلى بيان الحكم على طبق ما سمعه منه قبلًا من الاستثناء المذكور ليخرج من هذا الاتّهام فالإنصاف دلالة الصحيحة بعد التأمّل فيها على كون الحكم الواقعي هو المائة دون الأقلّ و أمّا الحمل على التخيير فلا وجه له أصلًا، سواء كان المراد منه هو التخيير الأُصولي الذي مرجعه إلى أنّه يكون المجتهد مخيّراً في الأخذ بأحد الطرفين، أو التخيير الفقهي الذي معناه كون الحكم هو التخيير بين المائة و بين الأقلّ، كما في سائر الأحكام التخييريّة، أمّا الثاني فواضح، و أمّا الأوّل فلأنّه لا تصل النوبة إلى التخيير بعد ثبوت المرجّح من موافقة المشهور أو مخالفة العامّة، كما هو واضح كما أنّه لا مجال لما حكي عن الشيخ (قدّس سرّه) من حمل روايات المائة على ما إذا تكرّر منهما الفعل و تخلّل التعزير «2»؛ لعدم الشاهد عليه أصلًا، بعد اتّحاد التعبير في كلتا

______________________________

(1) الخلاف: 5/ 374 مسألة 9، المجموع: 21/ 316.

(2) التهذيب: 10/ 44، الإستبصار: 4/ 216.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 317

..........

______________________________

الطائفتين، كما لا يخفى و التحقيق أن يقال: بأنّ المشهور قد أعرضوا عن روايات المائة، و لم يفت على طبقها سوى الصدوق «1» و أبي عليّ «2»، و أمّا روايات المائة إلّا سوطاً فهي موافقة للمشهور، لاعتنائهم بها، و جعلهم العدد بعنوان الحدّ الأكثر حتّى المفيد «3» و ابن زهرة «4» القائلين

بأنّ التعزير هنا من عشرة إلى تسعة و تسعين سوطاً، بحسب ما يراه الحاكم من مثلهما في الحال، و بحسب التهمة لهما و الظنّ بهما، فإنّه و إن قال في الجواهر: بأنّه لم أقف له أي لهذا القول على دليل «5» إلّا أنّ عدم وقوفه عليه إنّما هو بلحاظ الحدّ الأقلّ، و إلّا فبالنسبة إلى الأكثر فهو موافق للمشهور، و يكفي هذا المقدار من الموافقة للشهرة الفتوائيّة في لزوم الأخذ بالرواية الموافقة، و إن كان ظهورها في تعيّن تسعة و تسعين غير مفتى به لهم؛ لوجود مثل رواية سليمان بن هلال المتقدّمة، التي يكون مقتضى الجمع بينها و بين هذه الروايات هو الحمل على بيان الحدّين و حيث لا تكون رواية سليمان معتبرة لضعفها و عدم الجابر كما عرفت، فلا مانع من الأخذ بهذه الروايات، و الحكم بلزوم الحدّ غير السوط، و مع وجود الشهرة التي هي أوّل المرجّحات لا تصل النوبة إلى مخالفة العامّة، فالإنصاف أنّ الحكم بذلك لو لم يكن أقوى يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي كما هو ظاهر المتن، فتدبّر.

______________________________

(1) المقنع: 433.

(2) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/ 193.

(3) المقنعة: 785.

(4) غنية النزوع: 435.

(5) جواهر الكلام: 41/ 385.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 318

..........

______________________________

بقي الكلام في القيود الثلاثة المأخوذة في موضوع هذا الحكم المذكورة في المتن، أمّا قيد عدم الضرورة، فمدخليّته واضحة لا حاجة في إثباته إلى دليل؛ لوضوح كون الاجتماع مع الضرورة غير محرّم، و لا مجال لترتّب الحدّ أو التعزير عليه و أمّا قيد التجرّد، فقد ذكر في الرياض: أنّه لا وجه لاعتباره أصلًا، نظراً إلى أنّه يتحقّق التحريم بالاجتماع الذي هو مناط التعزير من دون التجرّد،

قال: و لعلّه لذا خلى أكثر النصوص من اعتباره «1» و يرد عليه أوّلًا منع كون مجرّد الاجتماع محرّماً مطلقاً و لو لم يكن تجرّد، خصوصاً مع الائتمان و عدم الريبة و الاتّهام، و ثانياً أنّه ليس الكلام في تشخيص موضوع التحريم، و أنّه هل يكون قيد التجرّد له دخل فيه أم لا؟ بل الكلام في تشخيص موضوع التعزير الخاصّ المبحوث عنه في المقام، و بعبارة اخرى لو كان البحث في تشخيص موضوع التعزير المطلق، لكان لما ذكره وجه، و أمّا مع كون البحث في التعزير الخاصّ فلا مجال لذلك؛ لأنّه من المحتمل أن يكون مطلق الاجتماع محرّماً موجباً للتعزير، و أمّا التعزير الخاصّ فيكون مترتّباً على الاجتماع بقيد التجرّد، و بهذا البيان يناقش في أكثر الكلمات المذكورة في هذا المقام نعم، لا بدّ من إقامة الدليل على المدخليّة، فنقول: مضافاً إلى أنّ مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي ذلك؛ لأنّ ثبوت المائة في اللواط غير الإيقابي، و ثبوتها باستثناء واحد في الاجتماع يناسب مع كون المراد منه هو الاجتماع الذي لا يكون بينه و بين اللواط فصل كما لا يخفى، و إلى أنّه قد عبّر في صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة بالنوم، و قد ادّعي أنّ الغالب في تلك الأعصار هو التجرّد حال النوم يدلّ

______________________________

(1) رياض المسائل: 10/ 97 98.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 319

..........

______________________________

على المدخليّة صحيحة أبي عبيدة المتقدّمة، حيث قال (عليه السّلام): كان عليّ (عليه السّلام) إذا وجد رجلين في لحافٍ واحد مجرّدين جلدهما حدّ الزاني مائة جلدة كلّ واحد منهما «1» فإنّها ظاهرة في اعتبار التجرّد و لكن هنا شبهتان:

إحداهما: أنّ هذه الصحيحة من جملة روايات

المائة، و قد مرّ عدم اعتبارها في مقابل الطائفة الدالّة على الأقلّ، فمع عدم الأخذ بها لا مجال للاعتناء بالقيد المذكور فيها و يدفعها: أنّه يستفاد من الصحيحة الدالّة على قصّة عباد المتقدّمة أنّ الموضوع في هذه المسألة التي يتردّد حكمها بين المائة و بينها مع الاستثناء واحد، و أنّه ليس هنا موضوعان، فإذا كانت صحيحة أبي عبيدة ظاهرة في مدخليّة قيد التجرّد فلا مجال لرفع اليد عن هذا الظهور، و إن كان الحكم بالمائة غير مأخوذ به في مقام المعارضة و ثبوت الرجحان للطرف المقابل ثانيتهما: أنّ حمل المطلق على المقيّد إنّما هو فيما إذا ثبت وحدة الحكم، و لم يحرز في المقام ذلك، إذ من الممكن حرمة الاجتماع مطلقاً، و حرمة اجتماع المجرّدين أيضاً، غاية الأمر شدّتها في الثاني و يدفعها مضافاً إلى ما مرّ من أنّه ليس البحث في موضوع التعزير المطلق، بل في موضوع التعزير الخاصّ، و الروايات كلّها واردة في هذه الجهة أنّه يستفاد من الصحيحة الواردة في قصّة عبّاد وحدة الموضوع و تردّد حكمها بين الأمرين كما قلنا، فلا موقع لهذه الشبهة أيضاً، فالإنصاف مدخليّة هذا القيد.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 366، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 15.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 320

..........

______________________________

و أمّا قيد عدم ثبوت الرحمية بينهما، فالدليل الوحيد عليه هي رواية سليمان بن هلال، المشتملة على قوله (عليه السّلام) ذوا محرم؟ و جواب السائل بقوله: لا «1» الظّاهرة في اعتبار هذا القيد أيضاً و لكن يرد عليه مضافاً إلى ما مرّ من ضعف سند الرواية و عدم اعتبارها أنّه لم يعلم المراد بهذا القول، و أنّه هل المراد هي الرحمية، أو

أنّ المراد كونهما محرمين؟ بمعنى أنّه لو فرض كون واحد منهما مؤنّثاً لكان محرماً على الآخر، و بين الأمرين اختلاف و ممّا ذكرنا يمكن الإيراد على المتن بأنّه إن كانت رواية سليمان معتبرة فلِمَ لم يؤخذ بمفادها من جهة الثلاثين أصلًا. كما قال به مشهور المتأخّرين على ما مرّ، و إن لم تكن معتبرة فلِمَ أخذ بالقيد المذكور فيها، فتدبّر تتمّة حكم في المتن بثبوت التعزير المطلق في رجل قبّل بشهوة غلاماً أو رجلًا أو امرأة، صغيرة، أو كبيرة، و قيّده في الشرائع في مورد الغلام الذي تعرّض له خاصّة بعدم كونه محرماً «2»، و أورد عليه في الجواهر بأنّه لا فرق بين المحرم و غيره في ذلك، بل لعلّه في المحرم آكد «3»، و كيف كان، فيدلّ على ثبوت التعزير هنا وضوح حرمة العمل المقتضية للتعزير، كما يدلّ عليه مضافاً إلى ما في الجواهر من أنّه لا خلاف أجده فيه «4» الروايات المتعدّدة التي ورد فيها، مثل هذه التعبيرات: من

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 367، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 21.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 942.

(3) جواهر الكلام: 41/ 386.

(4) جواهر الكلام: 41/ 386.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 321

..........

______________________________

قبّل غلاماً بشهوة ألجمه اللّٰه يوم القيامة بلجام من النار «1» أو من قبّل غلاماً بشهوة عذّبه اللّٰه ألف عام في النار «2» أو إذا قبَّل الرجل غلاماً بشهوة لعنته ملائكة السماء، و ملائكة الأرض، و ملائكة الرحمة، و ملائكة الغضب، و أعدّ له جهنّم و سائت مصيراً «3» و غير ذلك من التعبيرات الواقعة في الروايات، الظّاهرة في ثبوت الحرمة المقتضية للتعزير، فلا إشكال من هذه الجهة نعم، هنا رواية

ربّما يستفاد منها ثبوت الحدّ في المقام، و هي رواية إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): مجذم (محرم خ ل) قبّل غلاماً بشهوة، قال: يضرب مائة سوط «4» هكذا نقلت في الوسائل الجديدة و يرد على الاستدلال بها مضافاً إلى ضعف سندها بسبب يحيى بن المبارك لكونه مجهولًا، و إن استظهر وثاقته بعض المتأخّرين «5» لكنّها لم تثبت أنّ الظّاهر عدم كون السؤال عن المجذم؛ لعدم مناسبة ذكر هذا العنوان في الموضوع و عدم مدخليّته في الحكم أصلًا، مع ملاحظة أنّ العناوين المأخوذة في الأسئلة إنّما هي العناوين التي لها ارتباط بالحكم و يكون لها دخل فيه، كما أنّ الظّاهر عدم كون السؤال عن المحَرم بالفتح لأنّ الابتداء بعنوان المحرم مع كونه من العناوين المتحقّقة بين الاثنين خصوصاً مع تنكير الغلام لا يستقيم بوجه؛ لأنّه لو كان المراد ذلك لكان اللازم التعبير بمثل: إنّ رجلًا قبّل غلاماً محرماً له بشهوة، كما لا يخفى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 14/ 257، أبواب النكاح المحرّم ب 21 ح 1.

(2) مستدرك الوسائل: 14/ 351، أبواب النكاح المحرّم ب 18 ح 4.

(3) مستدرك الوسائل: 14/ 351، أبواب النكاح المحرّم ب 18 ح 3.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 422، أبواب حدّ اللواط ب 4 ح 1.

(5) قال في معجم رجال الحديث ج 20/ 86: ورد في سند تفسير القمّي فهو ثقة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 322

[مسألة 8: لو تاب اللائط إيقاباً أو غيره قبل قيام البيّنة سقط الحدّ]

مسألة 8: لو تاب اللائط إيقاباً أو غيره قبل قيام البيّنة سقط الحدّ، و لو تاب بعده لم يسقط، و لو كان الثبوت بإقراره فتاب فللإمام (عليه السّلام) العفو و الإجراء، و كذا لنائبه على الظّاهر (1).

______________________________

فالظّاهر أنّه هو

المحرم بالضم و محطّ السؤال أنّه إذا كان التقبيل بشهوة الذي هو محرّم و السائل يعلمه واقعاً في حال الإحرام فماذا حكمه من جهة الحدّ أو التعزير؟ فأجاب الإمام (عليه السّلام) بثبوت الحدّ فيه، و هذا لا ينافي ثبوت التعزير في غير حال الإحرام، و بهذا يجاب عمّا في الرياض من أنّه بعد استحسانه لما في الرواية قال: لو لا أنّ المشهور عدم اشتراط بلوغ التعزير الحدّ «1»، فإنّ ذلك إنّما هو فيما إذا كان هناك جهة واحدة لا أزيد، كما في مورد الرواية و يمكن أن يكون محطّ السؤال هي صحّة إحرامه و عدمها، و يستفاد من اقتصار الإمام (عليه السّلام) في الجواب على الضرب عدم قدحه في الإحرام، فتدبّر و كيف كان، فالرواية لا دلالة لها على ثبوت أزيد من التعزير في المقام

(1) قد مرّ البحث في هذه المسألة في باب الزنا «2»، و يدلّ على جواز عفو الإمام في المقام صحيحة مالك بن عطيّة المتقدّمة، التي ورد في ذيلها بعد إقرار الرجل أربع مرّات، و اختياره الإحراق بالنار لكونه أشدّ من الكيفيّتين الآخرتين و صلاته ركعتين، و توبته ممّا ارتكب: ثمّ قام و هو باكٍ حتّى دخل الحفيرة التي حفرها له أمير المؤمنين (عليه السّلام) و هو يرى النار تتأجّج حوله. قال: فبكى أمير المؤمنين (عليه السّلام) و بكى أصحابه جميعاً، فقال له أمير المؤمنين (عليه السّلام): قم يا هذا فقد أبكيت ملائكة السماء

______________________________

(1) رياض المسائل: 10/ 99.

(2) في ص 109 113 و 135 138.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 323

[مسألة 9: يثبت السحق و هو وطء المرأة مثلها بما يثبت به اللواط]

مسألة 9: يثبت السحق و هو وطء المرأة مثلها بما يثبت به اللواط، و حدّه

مائة جلدة بشرط البلوغ و العقل و الاختيار محصنة كانت أم لا، و قيل: في المحصنة الرجم، و الأشبه الأوّل، و لا فرق بين الفاعلة و المفعولة و لا الكافرة و المسلمة (1).

______________________________

و ملائكة الأرض، فإنّ اللّٰه قد تاب عليك، فقم و لا تعاودنّ شيئاً ممّا فعلت «1» و الظّاهر كما مرّ في تلك المسألة عدم اختصاص حقّ العفو بالإمام المعصوم (عليه السّلام)، و ثبوت ذلك للنائب من قبله «2»

(1) لا إشكال في حرمة السحق، و هو وطء المرأة مرأة اخرى، و هو المعبّر عنه في بعض النصوص ب «اللواتي باللواتي» «3» و في بعض الروايات: إنّ أوّل من عمل هذا العمل قوم لوط «4» و في بعض آخر: إنّه جاءت به لاقيس بنت إبليس «5» و في بعضها إنّها المتشبّهات من النساء بالرجال، الملعونة في لسان الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله) «6» و في بعض آخر إنّها المراد من أصحاب الرسّ المذكورة في القرآن «7» و كيف كان، فيدلّ على حرمته مضافاً إلى قوله تعالى فَمَنِ ابْتَغىٰ وَرٰاءَ ذٰلِكَ فَأُولٰئِكَ هُمُ العٰادُونَ «8» و إلى إجماع جميع فقهاء المسلمين عليها و إن اختلفوا في ثبوت الحدّ أو التعزير الروايات المستفيضة الدالّة على لعن اللّٰه و الملائكة و من بقي

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 422، أبواب حدّ اللواط ب 5 ح 1.

(2) قد مرّ في ص 112.

(3) وسائل الشيعة: 14/ 261، أبواب النكاح المحرّم ب 24 ح 2، 3.

(4) وسائل الشيعة: 14/ 261، أبواب النكاح المحرّم ب 24 ح 2، 3.

(5) وسائل الشيعة: 14/ 262، أبواب النكاح المحرّم ب 24 ح 5، 6.

(6) وسائل الشيعة: 14/ 262، أبواب النكاح المحرّم ب 24 ح 5،

6.

(7) وسائل الشيعة: 14/ 262، أبواب النكاح المحرّم ب 24 ح 8.

(8) سورة المؤمنون 23: 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 324

..........

______________________________

في أصلاب الرجال و أرحام النساء «1» أو على ثبوت عذاب شديد لهنّ «2»، أو على ثبوت الحدّ في هذا العمل «3»، فإنّ الحدّ إنّما هو في مورد ثبوت التحريم كما هو ظاهر، فلا إشكال في الحرمة، إنّما الكلام في حدّ المساحقة فنقول: لا إشكال و لا خلاف في أنّ الحدّ مع عدم الإحصان مائة جلدة، التي هي حدّ اللواط غير الإيقابي، و يدلّ عليه أكثر الروايات الآتية، و أمّا ما عن الجعفريّات من أنّ عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) أُتي بمساحقتين فجلدهما مائة إلّا اثنين، و لم يبلغ بهما الحدّ «4» فهي قضية في واقعة و لا تصلح للنهوض في مقابل تلك الروايات، خصوصاً مع أنّه لم يفت أحد على طبقها و أمّا مع الإحصان، فقد وقع الخلاف في أنّ حدّه الجلد أو الرجم، و قد نسب الأوّل في محكيّ المسالك إلى المفيد «5» و المرتضى «6» و أبي الصلاح «7» و ابن إدريس «8» و سائر المتأخّرين «9» بل عن السرائر نسبته إلى بعض أصحابنا، مشعراً بالإجماع عليه، كظاهر المحكيّ عن الإنتصار.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 14/ 262، أبواب النكاح المحرّم ب 24 ح 5.

(2) وسائل الشيعة: 14/ 261 و 263، أبواب النكاح المحرّم ب 24 ح 3 و 4 و 11.

(3) وسائل الشيعة: 14/ 261 و 262، أبواب النكاح المحرّم ب 24 ح 3 و 8.

(4) مستدرك الوسائل: 18/ 85، أبواب حدّ السحق و القيادة ب 1 ح 2.

(5) المقنعة: 487 488.

(6) الإنتصار: 513.

(7) الكافي في الفقه: 409.

(8)

السرائر: 3/ 463.

(9) الجامع للشرائع: 555، قواعد الأحكام: 2/ 257، اللمعة الدمشقية: 167، المقتصر: 408، مسالك الأفهام: 14/ 413.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 325

..........

______________________________

و حكي الثاني عن الشيخ (قدّس سرّه) في النهاية بأنّه قال: ترجم المحصنة و تجلد غيرها «1»، و تبعه القاضي «2» و ابن حمزة «3»، و عن المسالك الميل إليه «4» و يدلّ على الأوّل موثّقة أبان بن عثمان، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: السحاقة تجلد «5» نظراً إلى ظهورها في كون المراد حدّ الجلد المقابل للرجم، و هو المائة، لوروده في الكتاب و معهوديّته في الأذهان، فلا إشكال من هذه الجهة خصوصاً مع ملاحظة كونه مقابلًا للرجم، و لم يقل أحد بأقلّ من المائة و يظهر من محكيّ المسالك الاستشكال في الاستدلال بالرواية من جهة السند بقوله: و إنّ في سند الرواية كلاماً، و من جهة الدلالة بقوله: إنّ المفرد المعرّف لا يعمّ «6».

و يدفع الأوّل أنّ أبان بن عثمان ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، على ما قاله الكشي صاحب الرجال «7»، و نقله العلّامة في الخلاصة «8»، و كون مسلكه ناووسيّاً لا يقدح في اعتبار روايته بعد ظهور وثاقته و يدفع الثاني، أنّ الاستدلال لا يبتني على دعوى كون المفرد المعرّف مفيداً للعموم حتّى يمنع ذلك، بل على دعوى الإطلاق الموجود في قوله: «السحاقة» نظراً إلى أنّ أخذ الطبيعة موضوعة للحكم مع كون المولى في مقام بيان تمام ما له دخل في

______________________________

(1) النهاية: 706.

(2) المهذّب 2/ 531 532.

(3) الوسيلة: 414.

(4) مسالك الأفهام: 14/ 414 415.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 425، أبواب حدّ السحق و القيادة ب 1 ح 2.

(6)

مسالك الأفهام: 14/ 414.

(7) اختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشّي: 375 رقم 705.

(8) خلاصة الأقوال: 74 رقم 121.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 326

..........

______________________________

الموضوع و وجود سائر مقدّمات الحكمة يفيد أنّها تمام الموضوع، و ليس لشي ءٍ من الخصوصيّات و الحالات مدخليّة فيه، و الفرق بين الإطلاق و العموم قد بيّن في محلّه من الأصول، و المقام من قبيل الأوّل لا الثاني، فالاستدلال بهذه الرواية تامّ، و منها يستفاد عدم مدخليّة قيد كعدم الإحصان في ترتّب الحكم المذكور فيها و يؤيّده ما رواه في الدعائم عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّه قال: السحق في النساء كاللواط في الرجال، و لكن فيه جلد مائة؛ لأنّه ليس فيها إيلاج «1» و المراد بالتشبيه في الصدر هو التشبيه في أصل الحرمة، بل و في شدّتها أيضاً، و أمّا الحدّ فهو مذكور في الذيل، كما أنّ التعليل ظاهر في أنّه لا فرق بين صورتي الإحصان و عدمه و يستدلّ على القول الثاني بما يدلّ على أنّ حدّ السحق حدّ الزنا، بضميمة وضوح اختلاف الحدّ في الزنا بين صورتي الإحصان و عدمه أو بما يدلّ صريحاً على ثبوت الرجم على المساحقة المحصنة. كصحيحة محمّد ابن أبي حمزة، و هشام، و حفص، كلّهم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهنّ عن السحق؟ فقال: حدّها حدّ الزاني، فقالت المرأة: ما ذكر اللّٰه ذلك في القرآن، فقال: بلى، قالت: و اين هنّ؟ قال: هنّ أصحاب الرسّ «2» و رواية إسحاق بن جرير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث، إنّ امرأة قالت له: أخبرني عن اللواتي باللواتي ما حدّهنّ فيه؟ قال: حدّ الزنا،

أنّه إذا كان يوم القيامة يؤتى بهنّ قد ألبسن مقطّعات من نار، و قنّعن بمقانع من نار، و سرولن من نار، و أُدخل في أجوافهنّ إلى رؤوسهنّ أعمدة من نار، و قذف بهنّ في النار، أيّتها المرأة

______________________________

(1) مستدرك الوسائل: 18/ 86 أبواب حدّ السحق و القيادة ب 1 ح 4.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 424، أبواب حدّ السحق و القيادة ب 1 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 327

..........

______________________________

إنّ أوّل من عمل هذا العمل قوم لوط، الحديث «1» و في الجعفريات عن واثلة بن الأسقع، عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) قال: سحاق النساء بينهنّ زنا «2» و غير ذلك من الروايات الدالّة على أنّ حدّ السحق هو حدّ الزنا و أمّا ما يدلّ على رجم المحصنة صريحاً فهي صحيحة محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر و أبا عبد اللّٰه (عليهما السّلام) يقولان: بينما الحسن بن علي (عليهما السّلام) في مجلس أمير المؤمنين (عليه السّلام)، إذ أقبل قوم فقالوا: يا أبا محمّد أردنا أمير المؤمنين، قال: و ما حاجتكم؟ قالوا: أردنا أن نسأله عن مسألة، قال: و ما هي تخبرونا بها؟ قالوا: امرأة جامعها زوجها فلمّا قام عنها قامت بحموتها، فوقعت على جارية بكر فساحقتها، فوقعت النطفة فيها فحملت، فما تقول في هذا؟ فقال الحسن (عليه السّلام): معضلة و أبو الحسن لها، و أقول: فإن أصبت فمن اللّٰه و من أمير المؤمنين، و إن أخطأت فمن نفسي، فأرجو أن لا أخطئ إن شاء اللّٰه: يعمد إلى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أوّل وهلة؛ لأنّ الولد لا يخرج منها حتّى تشقّ فتذهب عذرتها، ثمّ ترجم المرأة لأنّها

محصنة، و ينتظر بالجارية حتّى تضع ما في بطنها و يردّ الولد إلى أبيه صاحب النطفة، ثمّ تجلد الجارية الحدّ، قال: فانصرف القوم من عند الحسن (عليه السّلام) فلقوا أمير المؤمنين (عليه السّلام) فقال: ما قلتم لأبي محمّد؟ و ما قال لكم؟ فأخبروه، فقال: لو أنّني المسئول ما كان عندي فيها أكثر ممّا قال ابني «3» و دلالتها على كون الرجم حكم المساحقة مطلقاً مع الإحصان ظاهرة، و لا مجال لاحتمال مدخليّة مثل المورد ممّا إذا كانت المساحقة مؤثّرة في انتقال النطفة إلى

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 14/ 261، أبواب النكاح المحرّم ب 24 ح 3.

(2) مستدرك الوسائل: 18/ 85، أبواب حدّ السحق و القيادة ب 1 ح 3.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 426، أبواب حدّ السحق و القيادة ب 3 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 328

..........

______________________________

البكر، و موجبة للحمل الملازم لزوال العذرة عادة، ضرورة أنّ هذه الخصوصيّات لها مدخليّة في مثل الحكم بثبوت المهر، و أمّا الرجم فهو مترتّب على العمل المحرّم و هي نفس المساحقة مع الإحصان، خصوصاً مع التعليل بكونها محصنة، الظاهر في أنّ الإحصان في مورد المساحقة علّة تامّة لثبوت هذا الحكم، و مع مقابلته بثبوت الجلد في البكر غير المحصنة و بالجملة: فكما أنّه لا خصوصيّة للمساحقة في المورد في زوال البكارة، فيترتّب الحكم بالمهر مع إزالتها بغيرها، كذلك لا خصوصيّة للمورد في ترتّب حكم الرجم، فيترتّب في مطلق المساحقة مع الإحصان و إن لم تكن بالكيفيّة المذكورة في الرواية و مثلها رواية إسحاق بن عمّار، عن المعلّى بن خنيس قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل وطئ امرأته فنقلت ماءَه إلى جارية بكر

فحبلت؟ فقال: الولد للرجل، و على المرأة الرجم، و على الجارية الحدّ «1» و رواية إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إذا أتى رجل امرأة فاحتملت ماءه (ها خ ل) فساحقت به جارية (يته خ ل) فحملت، رجمت المرأة و جلدت الجارية، و أُلحق الولد بأبيه «2» و الظاهر اتّحادها مع الرواية السابقة؛ لأنّ الراوي في كليهما هو إسحاق بن عمّار، غاية الأمر أنّه رواها تارة بنفسه و بلا واسطة، و أُخرى مع وساطة المعلّى، و هذا لا يوجب التعدّد كما في الوسائل و بعض الروايات الأخر، الوارد بهذا المضمون، المذكور في الوسائل في الباب

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 428، أبواب حدّ السحق و القيادة ب 3 ح 4.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 428، أبواب حدّ السحق و القيادة ب 3 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 329

..........

______________________________

الثالث من أبواب حدّ السحق و القيادة، فليراجع ثمّ إنّ مقتضى الجمع بين هذه الروايات التي عمدتها صحيحة محمّد بن مسلم، و بين الروايات الدالّة على القول الأوّل، التي عمدتها موثّقة زرارة المتقدّمة، هو حمل المطلق على المقيّد، كما في سائر موارد حمل المطلق على المقيّد، فاللّازم حينئذٍ الالتزام بثبوت الرجم في المحصنة، و ليست الشهرة في مقابلها موجبة لترجيحها أو كاشفة عن وجود خلل و ضعف فيه؛ لعدم بلوغها إلى المرتبة الموجبة لاتّصاف المقابل بالشذوذ و الندرة، مع ملاحظة فتوى الشيخ في النهاية «1» و جماعة «2» أُخر بثبوت الرجم، مع أنّ الترجيح إنّما هو في مورد ثبوت التعارض و التخالف، و المطلق و المقيّد خارجان عن هذا العنوان؛ لثبوت الجمع بينهما عند العقلاء و الشهرة الفتوائيّة المرجّحة على

ما يستفاد من مقبولة عمر بن حنظلة المعروفة إنّما هي في مورد المتعارضين «3»، فالإنصاف أنّ مقتضى القواعد هو التفصيل كما عرفت ثمّ إنّ هنا روايات تدلّ على أنّ السحق مثل اللواط، مثل ما رواه الطبرسي في محكيّ مكارم الأخلاق عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) قال: السحق في النساء بمنزلة اللواط في الرجال، فمن فعل ذلك شيئاً فاقتلوهما ثمّ اقتلوهما «4»، و في فقه الرضا (عليه السّلام): «اعلم أنّ السحق مثل اللواط، إذا قامت على المرأتين البيّنة بالسحق، فعلى كلّ واحدة منهما ضربة بالسيف، أو هدمة، أو طرح جدار، و هنّ الرسيّات اللواتي ذكرن

______________________________

(1) النهاية: 706.

(2) المهذّب: 2/ 531 532، الوسيلة: 414، مسالك الأفهام: 14/ 414 415.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 98، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ب 11 ح 1.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 425، أبواب حدّ السحق و القيادة ب 1 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 330

..........

______________________________

في القرآن» «1» و في رواية سيف التمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث، قال: اتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) بامرأتين وجدتا في لحافٍ واحد، و قامت عليهما البيّنة أنّهما كانتا تتساحقان، فدعا بالنطع ثمّ أمر بهما فأُحرقتا بالنار «2» و لا يخفى أنّ هذه الروايات مضافاً إلى ضعف سندها معرض عنها، لعدم الفتوى على طبقها أصلًا، و على تقديره يكون مقتضى الجمع بينها و بين أدلّة الرجم هو الحمل على التخيير، كما لا يخفى بقي الكلام في هذه المسألة فيما يثبت به المساحقة، و قد ذكر في المتن أنّها تثبت بما يثبت به اللواط، و مقتضاه اعتبار الأربعة أوّلًا في الإقرار و الشهادة، و عدم اعتبار شهادة

النساء و لو منضمّة ثانياً أمّا اعتبار الأربعة، فقد خالف فيه المحقّق الأردبيلي (قدّس سرّه) في محكيّ مجمع الفائدة و البرهان، حيث ادّعى ثبوت السحق بالإقرار مرّتين، و شهادة العدلين «3» مفسّراً به عبارة الإرشاد «4»، و قد استغرب هذا التفسير صاحب الجواهر «5» استناداً إلى أنّ العلّامة نصّ في القواعد على اعتبار الأربع في الشهادة و الإقرار «6» و كيف كان، فالمحكيّ عن كشف اللثام الإجماع عليه في الظاهر «7»، و يظهر من

______________________________

(1) مستدرك الوسائل: 18/ 86، أبواب حدّ السحق و القيادة ب 1 ح 5.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 425، أبواب حدّ السحق و القيادة ب 1 ح 4.

(3) مجمع الفائدة و البرهان: 13/ 127.

(4) إرشاد الأذهان: 2/ 176.

(5) جواهر الكلام: 41/ 391.

(6) قواعد الأحكام: 2/ 257.

(7) كشف اللثام: 2/ 409.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 331

[مسألة 10: إذا تكرّرت المساحقة مع تخلّلها الحدّ قتلت في الرابعة]

مسألة 10: إذا تكرّرت المساحقة مع تخلّلها الحدّ قتلت في الرابعة، و يسقط الحدّ بالتوبة قبل قيام البيّنة و لا يسقط بعده، و لو ثبتت بالإقرار فتابت

______________________________

الجواهر أنّه مسلّم عندهم، حيث ذكر أنّ المسألة مفروغ عنها، و استدلّ عليه في الكشف بقوله تعالى وَ اللّٰاتِي يَأْتِينَ الْفٰاحِشَةَ مِنْ نِسٰائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ «1» نظراً إلى إطلاق الفاحشة و شمولها للمساحقة، خصوصاً بعد ما عرفت من الروايات الواردة في حرمتها، الدالّة على شدّتها و ترتّب عقوبات كثيرة عليها، و بقوله تعالى أيضاً وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ «2» نظراً إلى إطلاق الرمي و عدم اختصاصه بالرمي بخصوص الزنا، و سيأتي في تعريف القذف البحث في ذلك و تتميم الدليل في الإقرار إنّما هو بضميمة ما مرّ من بعض

الروايات، الظاهرة في إطلاق الشهادة على الإقرار، الدالّ على أنّ اعتباره إنّما هو لأجل كونه من مصاديقها؛ لكونه شهادة على النفس و إن كان لا يعتبر فيه العدالة و مثلها و أمّا عدم اعتبار شهادة النساء و لو منضمّة، فالظاهر عدم كونه مسلّماً هنا؛ لدلالة بعض العبائر على الاعتبار، و قد مرّ أنّ مقتضى الجمع بين الروايات المختلفة الواردة اعتبارها منضمّة، غاية الأمر أنّه حيث لا إطلاق لما دلّ على ذلك فاللّازم الاقتصار على القدر المتيقّن من صور الانضمام، و هو ما إذا كان المنضمّ إليه ثلاثة رجال و انضمّ إليها شهادة امرأتين، و لا يعمّ الدليل لسائر الصور، فتدبّر.

______________________________

(1) سورة النساء 4: 15.

(2) سورة النور 24: 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 332

يكون الإمام (عليه السّلام) مخيّراً كما في اللواط، و الظاهر أنّ نائبه مخيّر أيضاً (1).

______________________________

(1) قد تقدّم أنّه وردت رواية صحيحة تدلّ على أنّ أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة، و أنّه قد ورد في باب الزنا ما يدلّ على ثبوت القتل في الرابعة «1»، و قد تقدّم إلحاق اللواط بالزنا، و أمّا هنا فقد أفتى المحقّق في الشرائع «2» و الشهيد في اللمعة بثبوت القتل في الرابعة «3»، مع حكمهما بثبوته في الثالثة في الزنا و اللواط، و في محكيّ الروضة: و ظاهرهم هنا عدم الخلاف و إن حكمنا بقتل الزاني و اللائط في الثالثة، كما اتّفق في عبارة المصنّف «4» و هذا ممّا يوهم ثبوت الإجماع في خصوص المقام، و إن صرّح في الجواهر بأنّ المسألة في المقام على الكلام السابق في نظائرها، و أنّه لا خصوصيّة لها «5» و كيف

كان، فالظاهر أنّه لا إجماع في خصوص المقام، بل اللازم ملاحظة الروايات، و لا بدّ من إقامة الدليل في مقابل تلك الصحيحة على اشتراك حكم المساحقة مع الزنا فنقول: يدلّ على ذلك الروايات المتقدّمة الدالّة على أنّ حدّها حدّ الزاني، كصحيحة محمّد بن حمزة و هشام و حفص، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و رواية إسحاق بن جرير المتقدّمة أيضاً، المعبّرة عن المساحقة ب «اللواتي باللواتي»، و رواية الجعفريّات الدالّة على أنّ سحاق النساء بينهنّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 313 314، أبواب مقدّمات الحدود ب 5 ح 1، 3.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 943.

(3) اللمعة الدمشقية: 167.

(4) الروضة البهية: 9/ 159 160.

(5) جواهر الكلام: 41/ 390.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 333

[مسألة 11: الأجنبيّتان إذا وجدتا تحت إزار واحد مجرّدتين عزّرت كلّ واحدة دون الحدّ]

مسألة 11: الأجنبيّتان إذا وجدتا تحت إزار واحد مجرّدتين عزّرت كلّ واحدة دون الحدّ، و الأحوط مائة إلّا سوطاً (1).

______________________________

زنا، بناءً على كون التشبيه في جميع الأحكام لا في خصوص الحرمة و شدّتها، و يدلّ عليه أيضاً ما دلّ على كون السحق في النساء بمنزلة اللواط في الرجال «1»، و إن كان لا يناسبه ذيله، فتدبّر و بالجملة: فالظاهر أنّ الحكم هنا أي القتل في الرابعة أظهر من الحكم في اللواط ثمّ إنّ البحث في سقوط الحدّ بالتوبة قد تقدّم تفصيلًا و لا حاجة إلى الإعادة فليراجع

(1) و المراد بالأجنبيّتين بقرينة ما سبق من تقييد المجتمعين تحت إزارٍ واحد بقوله: و لم يكن بينهما رحم «2»، هما المرأتان اللتان لم يكن بينهما قرابة و رحميّة، و لو لا القرينة المزبورة لكان الظاهر منهما المرأتان اللتان لم تكن بينهما محرميّة، بحيث لو كانت إحداهما مذكّراً لكانت محرّمة على الآخر

و بالعكس، و قد تقدّم البحث في هذه الجهة في مسألة المجتمعين و كيف كان، فيستفاد من قول صاحب المسالك في شرح مثل هذه العبارة على نحو ما سمعته في الرجلين، أنّ الشهرة هنا أيضاً على ثلاثين إلى تسعة و تسعين «3»،

______________________________

(1) مستدرك الوسائل: 18/ 86، أبواب حدّ السحق و القيادة ب 1 ح 4 و 5.

(2) أي قول الماتن (قدّس سرّه) في ص 312 مسألة 7.

(3) مسالك الافهام 14/ 416.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 334

..........

______________________________

و أورد عليه في الجواهر بأنّ في كشف اللثام «1» حكاية ذلك من النهاية خاصّة «2»، و أضاف إليه بقوله: إلّا أنّ الدليل فيهما واحد «3»، و الظاهر عدم وحدة الدليل أيضاً كما سيظهر و الأخبار الواردة في هذا المقام مختلفة، فطائفة منها تدلّ على ثبوت الحدّ التام و الجلد مائة، و هي كثيرة:

منها: صحيحة أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: كان عليّ (عليه السّلام) إذا وجد رجلين في لحافٍ واحد مجرّدين جلدهما حدّ الزاني، مائة جلدة كلّ واحد منهما، و كذلك المرأتان إذا وجدتا في لحافٍ واحد مجرّدتين جلدهما كلّ واحدة منهما مائة جلدة «4» و منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: حدّ الجلد أن يوجدا في لحافٍ واحد، و الرجلان يجلدان إذا وجدا في لحافٍ واحد الحدّ، و المرأتان تجلدان إذا أُخذتا في لحافٍ واحد الحدّ «5» و منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: حدّ الجلد في الزنا أن يوجدا في لحافٍ واحد، و الرجلان يوجدان في لحاف واحد، و المرأتان توجدان في لحاف واحد «6» و منها:

صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: كان عليّ (عليه السّلام) إذا وجد الرجلين في لحافٍ واحد ضربهما الحدّ، فإذا أخذ المرأتين في لحافٍ

______________________________

(1) كشف اللثام: 2/ 409.

(2) النهاية: 707.

(3) جواهر الكلام: 41/ 391.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 366، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 15.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 363، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 1.

(6) وسائل الشيعة: 18/ 364، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 335

..........

______________________________

ضربهما الحدّ «1» و منها: صحيحة عبد اللّٰه بن مسكان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: حدّ الجلد في الزنا أن يوجدا في لحافٍ واحد، و الرجلان يوجدان في لحافٍ واحد، و المرأتان توجدان في لحاف واحد «2» و منها: رواية سماعة بن مهران قال: سألته عن المرأتين توجدان في لحافٍ واحد؟ قال: تجلد كلّ واحدة منهما مائة جلدة «3» و رواية واحدة تدلّ على أنّ الجلد أقلّ من المائة، و هي صحيحة معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): المرأتان تنامان في ثوبٍ واحد؟ فقال: تضربان، فقلت: حدّا؟ قال: لا. قلت: الرجلان ينامان في ثوبٍ واحد؟ قال: يضربان. قال: قلت: الحدّ؟ قال: لا «4» و ظاهرها كون الجلد أقلّ من المائة من دون تعيين مقدار خاصّ بعنوان الأقلّ أو الأكثر و رواية واحدة تدلّ على ثلاثين سوطاً، و هي رواية سليمان بن هلال، المشتملة على قوله: قلت: فامرأة نامت مع امرأة في لحافٍ؟ فقال: ذواتا محرم؟ قلت: لا، قال: من ضرورة؟ قلت: لا. قال: تضربان ثلاثين سوطاً ثلاثين سوطاً، الحديث «5».

و رواية واحدة أيضاً ربما

يستظهر منها عدم ثبوت الجلد في المرّة الأُولى أصلًا، و هي رواية أبي خديجة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: ليس لامرأتين أن تبيتا في لحافٍ

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 365، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 6.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 368، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 22 و 23.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 426، أبواب حدّ السحق و القيادة ب 2 ح 3.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 367، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 16.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 367، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 21.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 336

..........

______________________________

واحد إلّا أن يكون بينهما حاجز، فإن فعلتا نهيتا عن ذلك، و إن وجدتا مع النهي جلدت كلّ واحدة منهما حدّا حدّا، فإن وجدتا أيضاً في لحافٍ جلدتا، فإن وجدتا الثالثة قتلتا «1» هذه هي مجموع الروايات الواردة في المقام، و مقتضى الجمع بين الأخيرة و بين غيرها هو حملها على صورة الجهل بالحرمة الدارء للحدّ و التعزير، و يؤيّده أنّ الغالب في النساء هو الجهل بذلك، كما أنّ رواية سليمان غير معتبرة على ما عرفت في الرجلين، فلم يبق إلّا الطائفتان الأوّلتان، و حيث إنّ الطائفة الاولى معرض عنها عند المشهور؛ لعدم تحقّق الفتوى على طبقها إلّا من الصدوق «2» و بعض آخر في الرجلين «3» و لم يحك منهما في المقام شي ء، فاللّازم الأخذ على طبق صحيحة معاوية بن عمّار، التي يكون ظاهرها أنّ الجلد هنا أقلّ من المائة من دون تعيين مقدار خاصّ و لم ترد في المقام رواية تدلّ على أنّه أقلّ من المائة بسوط الظاهر في تعيّنه؛ لأنّ الروايات المشتملة على ذلك واردة في

الرجل و المرأة أو في الرجلين، و لم يقم دليل على وحدة حكم المسائل الثلاث، كما أنّ الرواية الواردة في قصّة عبّاد المتقدّمة «4» الظاهرة في دوران الحكم بين المائة و بينها باستثناء سوط واردة في الرجلين، و لا ارتباط لها بالمقام فالإنصاف بمقتضى ما ذكرنا أنّ الحكم هو التعزير، و أنّ تعيين مقدار خاصّ لا مجال له، و من هنا يخدش فيما في المتن من أنّ الأحوط مائة إلّا سوطاً، كما لا يخفى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 425، أبواب حدّ السحق و القيادة ب 2 ح 1.

(2) المقنع: 433.

(3) مثل أبو علي، حكي عنه في مختلف الشيعة: 9/ 193.

(4) في ص 315.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 337

[مسألة 12: إن تكرّر الفعل منهما و التعزير مرّتين أُقيم عليهما الحدّ]

مسألة 12: إن تكرّر الفعل منهما و التعزير مرّتين أُقيم عليهما الحدّ، و لو عادتا بعد الحدّ فالأحوط التعزير مرّتين و الحدّ في الثالثة، و قيل: تقتلان، و قيل: تقتلان في التاسعة أو الثانية عشر، و الأشبه ما تقدّم (1).

______________________________

(1) لا بدّ في هذه المسألة من البحث أوّلًا في ثبوت القتل في صورة التكرّر إجمالًا و عدمه، كما أنّ مفروضها ما إذا كان الثابت في المرّة الأُولى و في المرّة الثانية هو التعزير، إمّا مطلقاً أو خصوص المائة إلّا سوطاً، أو التخيير بينها و بين الثلاثين أو أقلّ. فنقول: قد صرّح ابن إدريس في كتاب السرائر بثبوت القتل في المرّة الثالثة بعد التعزير في الأُوليين «1» و الظاهر أنّ مستنده في ذلك صحيحة يونس المتقدّمة مراراً الدالّة على أنّ أصحاب الكبائر كلّها إذا أُقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة «2»، نظراً إلى أنّ المراد بالحدّ أعمّ من التعزير، و عليه فيثبت القتل

في المرّة الثالثة و لو كان مسبوقاً بالتعزيرين و يرد عليه: أنّ إطلاق الحدّ على ما يشمل التعزير و إن كان كثيراً في الروايات و في ألسنة الفقهاء، إلّا أنّه لا يكاد يصار إليه فيما إذا لم يكن هناك قرينة عليه، فالظاهر أنّ المراد بالحدّ في الصحيحة ما يقابل التعزير نعم، يمكن الاستدلال لهذا القول برواية أبي خديجة الآتية بتقريب يأتي و قال الشيخ في محكيّ النهاية في مسألة المرأتين، بعد الحكم بثبوت التعزير من ثلاثين إلى تسعة و تسعين: فإن عادتا نهيتا و أُدِّبتا، فإن عادتا ثالثة أُقيم عليهما الحدّ كاملًا، فإن عادتا رابعة كان عليهما القتل «3». و الظاهر أنّ مراده من النهي و التأديب في

______________________________

(1) السرائر: 3/ 467.

(2) تقدّمت في ص 311.

(3) النهاية: 707.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 338

..........

______________________________

المرّة الثانية هو التعزير الثابت في المرّة الأُولى، كما أنّ الظاهر أنّ مستنده في ذلك هي رواية أبي خديجة التي سيأتي البحث فيها و يظهر من الجواهر ثبوت القتل في التاسعة، أو الثانية عشر «1»، أمّا الأوّل فلصحيحة يونس المتقدّمة، نظراً إلى أنّ مقتضى ثبوت الحدّ في المرّة الثالثة و في المرّة السادسة ثبوت القتل في المرّة التاسعة؛ لكونه مسبوقاً بثبوت حدّين، و أمّا الثاني فلأنّ المقام من لواحق المساحقة، و بعد كون القتل فيها ثابتاً في المرّة الرابعة المسبوقة بثلاثة حدود يكون مقتضى القاعدة هنا ثبوت القتل في الثانية عشر، لتخلّل حدود ثلاثة، مضافاً إلى كونه مقتضى الاحتياط في الدماء و يرد عليه: أنّ الظاهر من صحيحة يونس ترتّب القتل بعد الحدّين فيما إذا كان حكمه الأوّلي عبارة عن الحدّ، بمعنى أنّ ظاهرها أنّ المراد بالكبائر فيها

هي الكبائر التي يترتّب عليها الحدّ أوّلًا، و أمّا الكبيرة التي كان حكمها الأوّلي هو التعزير، غاية الأمر ثبوت الحدّ في بعض المرّات فلم يعلم شمول الصحيحة لها، كما أنّ قياس المقام بباب المساحقة لا وجه له، خصوصاً مع كون مقتضى الاحتياط ترك القتل مطلقاً، و لذا قال المحقّق في الشرائع بعد نقل قول الشيخ في النهاية: و الأولى الاقتصار على التعزير احتياطاً في التهجّم على الدم «2»، و قد تبعه كثير من المتأخّرين عنه، مثل العلّامة «3» و الشهيدين «4» و صاحب الرياض «5» و المتن.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 394.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 943.

(3) إرشاد الأذهان: 2/ 167، قواعد الأحكام: 2/ 257، تحرير الأحكام: 2/ 225.

(4) اللمعة الدمشقية: 167، الروضة البهيّة: 9/ 160، مسالك الأفهام: 14/ 416 417.

(5) رياض المسائل: 10/ 103 104.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 339

..........

______________________________

ثمّ إنّه ممّا ذكرنا ظهر أنّ المراد بقول الماتن: و قيل: تقتلان، هو الإشارة إلى فتوى الشيخ في النهاية و ابن إدريس في السرائر، و إن كان ظاهره هو ثبوت القتل في المرّة السادسة، لكنّه لم يعرف القائل به، مضافاً إلى أنّه من المستبعد ترك التعرّض لمثل فتوى الشيخ، خصوصاً مع تعرّض مثل المحقّق له كما مر إذا ظهر لك ما ذكرنا فاعلم أنّ عمدة الأدلّة في المقام رواية أبي خديجة، قال: لا ينبغي لامرأتين تنامان في لحافٍ واحد إلّا و بينهما حاجز، فإن فعلتا نهيتا عن ذلك، فإن وجدهما بعد النهي في لحافٍ واحد جلدتا كلّ واحدةٍ منهما حدّا حدّا، فإن وجدتا الثالثة في لحافٍ حدّتا، فإن وجدتا الرابعة قتلتا. هكذا رواه في الوسائل في الباب العاشر من أبواب حدّ الزنا

«1»، و لكنّه رواه في الباب الثاني من أبواب حدّ السحق و القيادة عن الكليني هكذا: أبي خديجة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: ليس لامرأتين أن تبيتا في لحافٍ واحد إلّا أن يكون بينهما حاجز، فإن فعلتا نهيتا عن ذلك، و إن وجدتا مع النهي جلدت كلّ واحدةٍ منهما حدّا حدّا، فإن وجدتا أيضاً في لحافٍ جلدتا، فإن وجدتا الثالثة قتلتا «2» و كيف كان، فقد حكم صاحب الجواهر بضعف سند الرواية «3»، و لعلّه من جهة تصريح الشيخ (قدّس سرّه) في الفهرست بأنّ سالم بن مكرم يكنّى أبا خديجة ضعيف «4»، و لكنّه صرّح النجاشي و الكشي بتوثيقه و تبجيله «5»، و عن العلّامة في الخلاصة أنّه صرّح

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 368، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 25، و ص 425، أبواب حدّ السحق و القيادة ب 2 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 368، أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 25، و ص 425، أبواب حدّ السحق و القيادة ب 2 ح 1.

(3) جواهر الكلام: 41/ 393.

(4) الفهرست للطوسي: 141 رقم 337.

(5) رجال النجاشي: 188 رقم 501، اختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشّي: 352 رقم 661.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 340

..........

______________________________

الشيخ أيضاً في موضع آخر بكونه ثقة «1»، و ممّا ذكرنا يظهر صحّة روايته و ثبوت وثاقته، خصوصاً مع ما في قاموس الرجال: من أنّ تضعيف الشيخ له مبنيّ على زعمه اتّحاده مع سالم بن أبي سلمة، الذي ضعّفه الغضائري و النجاشي «2»، «3» مع أنّه اشتباه، و أنّه لا يكون متّحداً معه، و أنّ أبا سلمة هو كنية سالم لا كنية أبيه، و يظهر

من بعض الروايات أنّ هذه الكنية قد كنّاه بها أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) و بالجملة: فالظاهر أنّه لا مجال للمناقشة في سند الرواية و أمّا دلالتها، فيجري في قوله (عليه السّلام): «فإن فعلتا نهيتا عن ذلك» احتمال كون المراد من النهي هو النهي العملي المساوق للتأديب و التعزير، و يؤيّده إثبات الحدّ في المرّة الثانية و الثالثة، و احتمال كون المراد هو النهي القولي من باب النهي عن المنكر، و لازمه عدم ثبوت شي ء من الحدّ أو التعزير في المرّة الأُولى أصلًا، و احتمال ثالث، و هو كون المراد هو النهي من باب الإرشاد و إعلام الجاهل، و حمل هذه العبارة على صورة الجهل بالحرمة، كما ذكرنا ذلك في مقام الجمع بينها و بين الروايات الكثيرة المتقدّمة، الدالّة على ثبوت التعزير، و أيّدنا ذلك بغلبة الجهل في النساء بهذا الحكم، و يؤيّده أيضاً خروج هذا الفرض عن الرواية على النقل الثاني، الظاهر في ثبوت القتل في الثالثة بعد الحكم بثبوت الحدّ مرّتين قبلها؛ لظهورها في عدم الاعتناء بهذه الصورة، فتدبّر و كيف كان، فالرواية لا تنطبق لا على فتوى الشيخ في النهاية، و لا على فتوى مشهور المتأخّرين، أمّا الأوّل فلتصريح الشيخ بثبوت التعزير دون الحدّ في

______________________________

(1) خلاصة الأقوال: 354 رقم 1404.

(2) مجمع الرجال: 3/ 92، رجال النجاشي: 190 رقم 509.

(3) قاموس الرجال: 4/ 615.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 341

[مسألة 13: لو وطئ زوجته فساحقت بكراً فحملت البكر فالولد للواطئ صاحب الماء]

مسألة 13: لو وطئ زوجته فساحقت بكراً فحملت البكر فالولد للواطئ صاحب الماء، و على الصبيّة الجلد مائة بعد وضعها إن كانت مطاوعة، و الولد يلحق بها أيضاً، و لها بعد رفع العذرة مهر مثل نسائها. و أمّا

المرأة فقد ورد أنّ عليها الرجم، و فيه تأمّل، و الأحوط الأشبه فيها الجلد مائة (1).

______________________________

المرّتين الأُوليين، مع أنّ الرواية ظاهرة في ثبوت الحدّ في المرّة الثانية أيضاً، و أمّا الثاني فمضافاً إلى ذلك لا يكون القتل المذكور فيها في الرابعة مورداً لفتوى المشهور نعم، لو كان المراد من قوله (عليه السّلام): «فإن فعلتا نهيتا عن ذلك» هو الاحتمال الثالث، و كان المراد من الحدّ في المرتبتين هو التعزير بقرينة الروايات الكثيرة المتقدّمة، الدالّة على ثبوت التعزير مطلقاً، تنطبق الرواية على قول ابن إدريس القائل بثبوت القتل بعد التعزيرين و بالجملة: فما يمكن أن يستشكل به قول المشهور أنّ الأخذ بالرواية لا يكاد ينفكّ عن الالتزام بالقتل، و عدم الأخذ بها يجعل الحكم بثبوت الحدّ في الثالثة، و كذا في السادسة و مثلهما بلا دليل؛ لأنّه ليس في مقابل الروايات الظاهرة في التعزير مطلقاً ما يمكن استفادة الحدّ منه أصلًا، و الأخذ بالاحتياط للفرار عن القتل يوجب الفرار عن الحدّ أيضاً؛ لعدم دليل عليه، و بهذا يظهر أنّ المسألة في غاية الإشكال

(1) الأصل في هذه المسألة روايات متعدّدة مذكورة في الباب الثالث من أبواب حدّ السحق و القيادة من كتاب الوسائل، و لا بأس بنقل واحدة منها و إن كان قد تقدّم نقلها «1»، و هي صحيحة محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر و أبا عبد اللّٰه (عليهما السّلام)

______________________________

(1) في ص 327.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 342

..........

______________________________

يقولان: بينما الحسن بن عليّ (عليهما السّلام) في مجلس أمير المؤمنين (عليه السّلام) إذ أقبل قوم فقالوا: يا أبا محمّد أردنا أمير المؤمنين، قال: و ما حاجتكم؟ قالوا: أردنا أن نسأله عن

مسألة. قال: و ما هي تخبرونا بها؟ قالوا: امرأة جامعها زوجها، فلمّا قام عنها قامت بحموتها (أي شهوتها) فوقعت على جارية بكر فساحقتها، فوقعت النطفة فيها فحملت، فما تقول في هذا؟ فقال الحسن (عليه السّلام): معضلة و أبو الحسن لها، و أقول: فإن أصبت فمن اللّٰه و من أمير المؤمنين، و إن أخطأت فمن نفسي، فأرجو أن لا أُخطئ إن شاء اللّٰه: يعمد إلى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أوّل وهلة؛ لأنّ الولد لا يخرج منها حتّى تشقّ فتذهب عذرتها، ثمّ ترجم المرأة لأنّها محصنة، و ينتظر بالجارية حتّى تضع ما في بطنها، و يردّ الولد إلى أبيه صاحب النطفة، ثمّ تجلد الجارية الحدّ، قال: فانصرف القوم من عند الحسن (عليه السّلام)، فلقوا أمير المؤمنين (عليه السّلام)، فقال: ما قلتم لأبي محمّد؟ و ما قال لكم؟ فأخبروه، فقال: لو أنّني المسئول ما كان عندي فيها أكثر ممّا قال ابني «1» أقول: في هذه المسألة جهات من الكلام:

الأُولى: جهة الحدّ المترتّب على المساحقة الواقعة بين المرأة و الجارية، و قد تقدّم في المسألة التاسعة المتقدّمة البحث في هذه الجهة، و أنّ الأشبه ما هو مقتضى هذه الرواية من التفصيل بينهما، و الحكم بثبوت الرجم في المرأة و الجلد في الجارية، كما أفتى به الشيخ في النهاية «2»، و حكاه في المسالك عن أتباعه «3» أيضاً، فلا وجه

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 426، أبواب حدّ السحق و القيادة ب 3 ح 1.

(2) النهاية: 707.

(3) مسالك الأفهام: 4 (1)/ 420، و أتباع الشيخ مثل ابن البرّاج في المهذّب: 2/ 532.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 343

..........

______________________________

لإعادة هذا البحث الجهة الثانية: لحوق الولد

بالرجل صاحب النطفة، فنقول: لا إشكال بملاحظة الروايات الواردة في المقام التي منها صحيحة محمّد بن مسلم في أنّه يلحق به. و التعبير فيها عن الرجل بالأب و توصيفه بأنّه صاحب النطفة يشعر، بل يدلّ على عدم كون الحكم باللحوق تعبديّاً خاصّاً بالمورد، بل هو حكم على طبق القاعدة و لو قطعنا النظر عن الروايات و أردنا ملاحظة المسألة من جهة الضوابط فهل مقتضاها اللحوق بالرجل أو العدم؟ فيه وجهان بل قولان: اختار ثانيهما الحلّي في السرائر «1»، و وافقه على ذلك صاحب الجواهر، نظراً إلى أنّ مجرّد ذلك لا يكفي في لحوق الولد شرعاً؛ لأنّ الثابت من النسب فيه الوطء الصحيح و لو شبهة، و ليس مطلق التولّد من الماء موجباً للنسب شرعاً؛ لعدم كون العنوان فيه الخلق من مائه، و الصدق اللغوي بعد معلوميّة الفرق بين الإنسان و الحيوان بمشروعيّة النكاح فيه دونه، بل المراد منه تحقّق النسب «2» و اختار الأوّل المحقّق في الشرائع مستدلّاً بأنّه ماء غير زانٍ، و قد انخلق منه الولد فيلحق به «3»، و هو الموافق للقاعدة؛ لأنّ الولديّة من الحقائق اللغويّة و العرفيّة، و ليست لها حقيقة شرعية، و الملاك فيها هو الانخلاق من ماء الرجل و التكوّن من نطفته، الموجب لإضافته إليه و الانتساب به، و خروج ولد الزنا مضافاً إلى أنّه لدليل خاصّ يكون خروجاً في الجملة، لالتحاقه به في مثل المحرميّة و حرمة

______________________________

(1) السرائر: 3/ 465.

(2) جواهر الكلام: 41/ 398.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 943.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 344

..........

______________________________

النكاح و النفقة، و مشروعية النكاح و إن كانت للتحفّظ على النسب و رعاية الإضافة الخاصّة، إلّا أنّه لا دليل

على انحصار الطريق به، بل هو طريق غالبيّ لتحقّق هذه الإضافة، و إلّا فكيف يمكن جعل الولد في مفروض المسألة بلا أب، مع عدم تحقّق عمل غير مشروع من ناحية صاحب النطفة و كونها ماء غير زان، فالإنصاف أنّ مقتضى القاعدة هو الالتحاق فيها و في مثلها، كما إذا وقعت النطفة في رحم الزوجة من غير طريق المجامعة و الوطء و تكوّن منها الولد، بل و كما إذا ربيت النطفة في غير الرحم، كما ربما يدّعى إمكانه و الظاهر أنّ الولد كما يلحق بالرجل صاحب النطفة، كذلك يلحق بالجارية التي ولدته؛ لعدم كونها زانية، و كونه متكوّناً في رحمها متولّداً منها، فما عن المسالك من أنّ المتّجه عدم لحوقه بها «1» لا وجه له نعم، لا يلحق بالزوجة؛ لعدم الإضافة إليها أصلًا الجهة الثالثة: ثبوت مهر مثل الجارية على المرأة المساحقة معها، و لا إشكال في هذه الجهة أيضاً من جهة الرواية؛ لتصريحها بذلك، نعم ظاهر الصحيحة المتقدّمة الأخذ منها في أوّل وهلة، مع أنّه يمكن أن يستشكل فيه بأنّه غرامة قبل تحقّق السبب، و من الممكن أن لا يتحقّق السبب فيه بوجه بموتها أو تزويجها من الرجل صاحب النطفة، و زوال البكارة بدخوله، و يمكن حمل الرواية على بيان أصل الاستحقاق على فرض التحقّق، لا تعجيل الأداء و إن كان خلاف ظاهرها، و إليه أشار في المتن بقوله: و لها بعد رفع العذرة مهر مثل نسائها و أمّا مع قطع النظر عن الرواية، فالمحكيّ عن ابن إدريس أنّ المساحقة كالزانية

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 14/ 421.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 345

[مسألة 14: تثبت القيادة و هي الجمع بين الرجل و المرأة أو الصبية للزنا أو الرجل بالرجل أو الصبيّ للّواط بالإقرار مرّتين]

مسألة 14: تثبت القيادة و هي الجمع بين الرجل

و المرأة أو الصبية للزنا أو الرجل بالرجل أو الصبيّ للّواط بالإقرار مرّتين، و قيل: مرّة، و الأوّل أشبه، و يعتبر في الإقرار بلوغ المقرّ و عقله و اختياره و قصده، فلا عبرة بإقرار الصبيّ و المجنون و المكره و الهازل و نحوه، و ثبتت أيضاً بشهادة شاهدين عدلين (1).

______________________________

في سقوط دية العذرة «1»، و ردّه المحقّق في الشرائع بأنّ ثبوت المهر عليها إنّما هو لأجل أنّها سبب في إذهاب العذرة، و ليست كالزانية في سقوط ديتها؛ لأنّ الزانية أذنت في الافتضاض، و ليس هذه كذلك «2» نعم، يمكن استثناء ما إذا علمت الجارية بوطء الزوج للمرأة و تحقّق الإنزال، و بأنّ المساحقة توجب انتقال النطفة إلى رحمها، فإنّها حينئذٍ يجري عليها حكم الزانية، لاستناد زوال العذرة إلى عملها دون المرأة، كما لا يخفى

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام:

الاولى: معنى القيادة، و هو بحسب اللغة الهداية و الإراءة، يقال: قائد الجيش كان رئيساً عليهم، و قائد الدابّة مشى أمامها آخذاً بقيادها و بحسب الاصطلاح هو الجمع بين الشخصين لتحقّق عمل غير مشروع إجمالًا، و القدر المتيقّن منه المذكور في الروايات الآتية هو الجمع بين الرجل و المرأة للزنا، و الظاهر أنّه ليس المراد بالجمع مجرّد إراءة الطريق و هدايته إليها، أو هدايتها إليه، كما أنّه ليس المراد هو تحقّق الجمع خارجاً و ترتّب الزنا عليه كذلك، بل مجرّد تهيئة مقدّمات الجمع و تحصيل أسبابه و تحقّق الجمع بعدها، و إن لم يتحقّق

______________________________

(1) السرائر: 3/ 465.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 943.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 346

..........

______________________________

الزنا خارجاً لجهة و أمّا الجمع بين الرجلين للّواط، فيمكن إلحاقه بالأوّل، نظراً إلى

كون اللواط أشدّ قبحاً و حكماً من الزنا كما تقدّم، و أمّا الجمع بين المرأتين للمساحقة، فالمحكيّ عن الغنية «1» و الجامع «2» و الإصباح «3» إلحاقه به أيضاً و أورد عليه صاحب الجواهر (قدّس سرّه) بقوله: و إن لم أتحقّقه لغة بل و لا عرفاً «4»، مع أنّ القيادة بهذا المعنى ليس له أثر في اللغة أصلًا، كما أنّ اللواط بالمعنى الاصطلاحي لا يكون معنوناً في كتب اللغة، فكيف يكون الجمع لأجله موجباً لتحقّق القيادة بالمعنى اللغوي، و أمّا العرف الذي يكون المراد به عرف المتشرّعة، فالظاهر عدم كون الجمع بين الرجلين عندهم معنوناً بعنوان القيادة و كيف كان، فيمكن الاستدلال على لحوقه أيضاً بما ورد في بعض الروايات المتقدّمة في المساحقة من أنّ «سحاق النساء بينهنّ زنا» «5»، و مثل ذلك من التعبيرات، و لكن مع ذلك كلّه الحكم بثبوت أحكام القيادة في هذه الصورة مشكل، خصوصاً مع أنّ الحدود تدرأ بالشُّبهات الثانية: حرمة القيادة و عدم جوازها، و يدلّ عليه مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيها بل لعلّها من ضروريّات الفقه، و إلى الرواية الآتية الدالّة على ثبوت الحدّ فيها الدالّ على الحرمة؛ لأنّه لا معنى لثبوت الحدّ مع عدم الحرمة ما في بعض الأحاديث عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) من قوله: و من قاد بين امرأة و رجل حراماً حرّم اللّٰه عليه الجنّة

______________________________

(1) غنية النزوع: 427.

(2) الجامع للشرائع: 557.

(3) إصباح الشيعة: 519.

(4) جواهر الكلام: 41/ 399.

(5) تقدّمت في ص 327.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 347

..........

______________________________

و مأواه جهنّم و ساءت مصيراً، و لم يزل في سخط اللّٰه حتّى يموت «1» و رواية إبراهيم

بن زياد الكرخي قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: لعن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) الواصلة و المستوصلة، يعني الزانية و القوّادة «2» الثالثة: طريق ثبوتها، و هو أمران:

الأوّل: الإقرار، و لا إشكال و لا خلاف في ثبوتها بالإقرار مرّتين، إنّما الإشكال في ثبوتها بالإقرار مرّة واحدة، و استدلّ على عدم الاكتفاء به كما في الجواهر بفحوى اعتبار الأربع فيما تثبته شهادة الأربع «3»، و يؤيّده ما مرّ من بعض الروايات الواردة في الإقرار بالزنا، الظاهرة في التعبير عن الإقرار بالشهادة، التي يستفاد منها أنّ اعتبار الإقرار إنّما هو من جهة كونه من مصاديق الشهادة، غاية الأمر أنّه شهادة على النفس، و لأجله لا يعتبر فيه عدالة المقرّ، فكلّ مرّة من الإقرار فهي بمنزلة الشهادة، و حيث يعتبر في الشاهد التعدّد كما يأتي فاللّازم اعتباره في الإقرار أيضاً، و لذا حكي عن المراسم أنّه قال: كلّ ما يثبته شاهدان من الحدود فالإقرار فيه مرّتان «4»، و وافقه على ذلك في محكيّ المختلف «5»، و يؤيّده أنّ الأصل عدم ثبوته إلّا بالمتيقّن و ربما يستدلّ على الاكتفاء بعموم: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» «6» و شموله لباب الحدود، و ظاهره مجرّد الإقرار المتحقّق بمرّة واحدة، و لكنّ الاستدلال بهذا

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 14/ 266، أبواب النكاح المحرّم ب 27 ح 1 و 2.

(2) وسائل الشيعة: 14/ 266، أبواب النكاح المحرّم ب 27 ح 1 و 2.

(3) جواهر الكلام: 41/ 399.

(4) المراسم: 261.

(5) مختلف الشيعة: 9/ 224 مسألة 80.

(6) وسائل الشيعة: 16/ 111، كتاب الإقرار ب 3 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 348

[مسألة 15: يحدّ القوّاد خمس و سبعون جلداً]

مسألة 15: يحدّ القوّاد

خمس و سبعون جلداً، ثلاثة أرباع حدّ الزاني، و ينفى من البلد إلى غيره، و الأحوط أن يكون النفي في المرّة الثانية، و على قول مشهور يحلق رأسه و يشهر، و يستوي فيه المسلم و الكافر و الرجل و المرأة، إلّا أنّه ليس في المرأة إلّا الجلد، فلا حلق و لا نفي و لا شهرة عليها، و لا يبعد أن يكون حدّ النفي بنظر الحاكم (1).

______________________________

العموم فرع كونه بهذا اللفظ مذكوراً في رواية معتبرة، بحيث لم تكن قاعدة اصطيادية مستفادة من الموارد المختلفة، و إلّا لا مجال للاستناد إليه، و التحقيق موكول إلى كتاب الإقرار. ثمّ إنّ شرائط قبول الإقرار في المقام هي الشرائط في سائر المقامات، و قد تقدّم البحث في ذلك الثاني: الشهادة، و لا إشكال في ثبوتها بشهادة عدلين؛ لعدم وجود دليل يدلّ على اعتبار أزيد منهما، كما في باب الزنا و اللواط، إنّما الإشكال في أنّه هل يكتفى بشهادة رجل و امرأتين أم لا؟ ظاهر مثل المتن العدم، و لكن مقتضى ما ذكرنا سابقاً من أنّ المستفاد من مجموع الروايات الواردة في شهادة النساء في الحدود هو اعتبارها في صورة الانضمام لا مطلقاً، بل القدر المتيقّن منه كما مرّ الاكتفاء بشهادة رجل و امرأتين في المقام، فراجع «1»

(1) أمّا الجلد، فيدلّ عليه مضافاً إلى دعوى الإجماع عليه كما في محكيّ الإنتصار «2» و الغنية «3» و المسالك «4» رواية عبد اللّٰه بن سنان قال: قلت

______________________________

(1) مرّ في ص 116- 121.

(2) الإنتصار: 515.

(3) غنية النزوع: 427.

(4) مسالك الأفهام: 14/ 422.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 349

..........

______________________________

لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أخبرني عن القوّاد ما حدّه؟ قال: لا

حدّ على القوّاد، أ ليس إنّما يعطى الأجر على أن يقود؟! قلت: جعلت فداك إنّما يجمع بين الذكر و الأنثى حراماً، قال: ذاك المؤلّف بين الذكر و الأنثى حراماً، فقلت: هو ذاك، قال: يضرب ثلاثة أرباع حدّ الزاني خمسة و سبعين سوطاً، و ينفى من المصر الذي هو فيه، الحديث «1» و ضعف السند بمحمّد بن سليمان لجهالته و عدم وجود قدح و لا مدح فيه مجبورٌ باستناد الأصحاب إليها، و الظاهر أنّه يستوي في الجلد المسلم و الكافر و الرجل و المرأة من دون فرق و أمّا النفي، ففيه جهات من الكلام:

الاولى: في أصل ثبوته، و الدليل عليه هي الرواية المتقدّمة المنجبرة بفتوى المشهور على طبقها و استنادهم إليها، و عليه فلا مجال لدعوى عدم الثبوت، نظراً إلى عدم الدليل عليه، لضعف الرواية و عدم كونها قابلة للاعتماد عليها، هذا مضافاً إلى أنّه لم ينقل الخلاف في ذلك، و إن وقع الخلاف في أنّه هل يثبت بأوّل مرّة أو في المرّة الثانية الثانية: أنّ النفي هل يكون في المرّة الاولى، كما عن الشيخ في النهاية «2» و ابني إدريس و سعيد في السرائر «3» و الجامع «4»، أو في المرّة الثانية، كما عن المفيد «5» و ابني زهرة «6»

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 429، أبواب حدّ السحق و القيادة ب 5 ح 1.

(2) النهاية: 710.

(3) السرائر: 3/ 471.

(4) الجامع للشرائع: 557.

(5) المقنعة: 791.

(6) غنية النزوع: 427.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 350

..........

______________________________

و حمزة «1» و سلّار «2» و غيرهم «3»، بل عن الغنية الإجماع عليه؟ قولان و الدليل على الأوّل هي الرواية المتقدّمة التي هي الأصل في الباب؛ الظاهرة في ثبوت

النفي في المرّة الأُولى؛ لعطفه على الجلد الثابت فيها، و مثله نسب إلى فقه الرضا (عليه السّلام) «4»، و في الجواهر نفى الريب عن أنّ الأحوط هو الثاني «5»، و حكى عن الرياض قوله: لعلّه المتعيّن، ترجيحاً للإجماع المزبور على الرواية من وجوه: منها صراحة الدلالة فتقيّد به الرواية «6» و يرد على الرياض أنّه لو كان هناك إجماع محصّل أو منقول معتبر على ذلك لكان مقتضاه ما ذكر، و أمّا مع فرض عدم حجيّة الإجماع المنقول في مثل المقام خصوصاً مع ملاحظة مخالفة الشيخ في النهاية و من تبعه ممّن تقدّم خصوصاً ابن إدريس، حيث أفتى بكون النفي في المرّة الاولى مع عدم حجيّة خبر الواحد عنده، فلا مجال للتقييد، إلّا أن يقال بعدم انجبار ضعف سند الرواية بالإضافة إلى هذه الجهة؛ لعدم تحقّق فتوى المشهور على طبقها، أو يقال: بأنّ فتوى مثل المفيد و من تبعه بذلك مع ظهور الرواية في ثبوت النفي في المرّة الأُولى تكشف لا محالة عن وجود دليل معتبر عندهم، و إلّا فمن أين جائت هذه الفتيا، و كلا الأمرين و إن كانا قابلين للمناقشة إلّا أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ مقتضى الاحتياط هو النفي في المرّة

______________________________

(1) الوسيلة: 414.

(2) المراسم: 259.

(3) الكافي في الفقه: 410، إصباح الشيعة: 519.

(4) مستدرك الوسائل: 18/ 87، أبواب حدّ السحق و القيادة ب 5 ح 1.

(5) جواهر الكلام: 41/ 401.

(6) رياض المسائل: 10/ 108.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 351

..........

______________________________

الثانية، كما لا يخفى الثالثة: في المراد من النفي و في حدّه، و الظاهر من كلمة النفي الواردة في الرواية خصوصاً مع إضافة قوله (عليه السّلام): «من المصر الذي

هو فيه»، هو إخراجه من بلده إلى غيره، لكن في محكيّ الرياض: و في الرضوي و غيره روي أنّ المراد به الحبس سنة أو يتوب «1» و لعلّه المراد بما في كشف اللثام من أنّه في بعض الأخبار: «النفي هو الحبس سنة» «2» و حيث إنّه لا مجال للاعتماد على الرواية المرسلة المذكورة في الرضوي و غيره، فلا مجال لرفع اليد عمّا هو ظاهر الرواية المتقدّمة من كون المراد به هو الإخراج من البلد، كما عرفت و أمّا تحديده بالتوبة كما يظهر من صاحب الجواهر، نظراً إلى أنّه بدونها يصدق عليه اسمه «3»، فالظاهر أنّه لا وجه له؛ لأنّ التوبة لا تقتضي تغيير الاسم و العنوان، كما في سائر الموارد، و الظاهر يساعد ما اختاره في المتن و نفى البعد عنه من كونه بنظر الحاكم، كما في سائر المقامات التي لم يقع التعرّض فيها للتحديد الرابعة: في اختصاص النفي بالرجل و عدمه، و قد نفى الخلاف في الجواهر عن الاختصاص «4»، بل عن الغنية و الإنتصار الإجماع عليه «5»، و يدلّ عليه مضافاً إلى ذلك، و إلى الأصل للشكّ في ثبوته في المرأة، و إلى كونه مخالفاً لما هو ظاهر من مذاق الشارع بالإضافة إلى النساء اختصاص الرواية التي هي الأصل في الباب

______________________________

(1) رياض المسائل: 10/ 108، فقه الرضا (عليه السّلام): 310 باب 56.

(2) كشف اللثام: 2/ 410.

(3) جواهر الكلام: 41/ 401.

(4) جواهر الكلام: 41/ 401.

(5) غنية النزوع: 427، الإنتصار: 515.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 352

..........

______________________________

بالرجل، و إلغاء الخصوصيّة بالإضافة إلى الجلد لا يلازم إلغائها في مورد النفي أيضاً و أمّا حلق رأس الرجل بسبب القيادة و إشهاره بين

الناس، فالمشهور بين الأصحاب الذين منهم ابن إدريس الذي لا يعمل بأخبار الآحاد ثبوتهما «1»، بل عن الإنتصار و الغنية الإجماع عليه «2»، و حيث إنّ الرواية المتقدّمة خالية عن الدلالة على هذه الجهة، فمن فتوى المشهور يستكشف وجود دليل معتبر على هذا المعنى، خصوصاً مع موافقة ابن إدريس، و هذا المقدار يكفي في الحكم بالثبوت، كما أنّه يختصّ بالرجل لاختصاص مورد الفتوى به، فلا يجريان في المرأة، مضافاً إلى عدم ترتّب الأثر فيها على الحلق و كون إشهارها مخالفاً لمذاق الشارع قطعاً.

______________________________

(1) السرائر: 3/ 471.

(2) الإنتصار: 515، غنية النزوع: 427.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 353

[الفصل الثالث في حدّ القذف]

اشارة

الفصل الثالث في حدّ القذف و النظر فيه في الموجِب، و القاذف و المقذوف، و الأحكام

[القول في الموجب]

اشارة

القول في الموجب

[مسألة 1: موجب الحدّ الرمي بالزنا أو اللواط]

مسألة 1: موجب الحدّ الرمي بالزنا أو اللواط، و أمّا الرمي بالسحق و سائر الفواحش فلا يوجب حدّ القذف. نعم، للإمام (عليه السّلام) تعزير الرامي (1).

______________________________

(1) قد اتّفقت الكتاب و السُّنّة و الإجماع على حرمته و ترتّب الحدّ عليه، قال: اللّٰه تعالى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً وَ لٰا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهٰادَةً أَبَداً وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ «1» و دلالته على الحرمة من جهة إثبات الحدّ فيه و من جهة الحكم بالفسق و عدم قبول الشهادة واضحة، كما أنّ التعبير فيه عن القذف بالرمي ظاهرٌ في أنّ المراد به هو الرمي، كأنّ القاذف يرمي المقذوف بألفاظه.

______________________________

(1) سورة النور 24: 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 354

..........

______________________________

و أمّا السّنة: فيدلّ على تحريمه منها مضافاً إلى ما دلّ منها على ثبوت الحدّ فيه الملازم للحرمة من النصوص الآتية ما روي من أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) قال: اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: و ما هنَّ؟ قال: الشرك باللّٰه، و السحر، و قتل النفس التي حرّم اللّٰه إلّا بالحقّ، و أكل الربا، و أكل مال اليتيم، و التولي يوم الزحف، و قذف المحصنات الغافلات المؤمنات «1» و غير ذلك من الروايات الواردة في الباب، و أمّا الإجماع فواضح ثمّ إنّه لا إشكال في إيجاب الرمي بالزنا للحدّ، لدلالة الآية المتقدّمة و غيرها عليه، كما أنّه لا إشكال و لا خلاف في إيجاب الرمي باللواط له، و يدلّ عليه مضافاً إلى ذلك بعض الروايات الآتية المصرّحة بذلك و أمّا الرمي بالسحق، ففي إيجابه للحدّ خلاف و إشكال، فالمحكيّ عن أبي عليّ «2» و

المحقّق الإيجاب «3»، و عن السرائر «4» و المختلف «5» خلافه، و اختاره صاحب الجواهر (قدّس سرّه) «6» و اختاره في المتن أيضاً، و استشكل العلّامة فيه في محكيّ القواعد «7» و يمكن الاستدلال للأوّل بالآية المتقدّمة؛ لأنّ الرمي أعمّ، و يشمل الرمي بالسحق أيضاً، خصوصاً مع ملاحظة اعتبار شهادة الأربع فيه كالزنا، و يؤيّده بعض الروايات المتقدّمة في المساحقة؛ الدالّة على أنّ «سحاق النساء بينهنّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 11/ 261، أبواب جهاد النفس ب 46 ح 34.

(2) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/ 281 مسألة 140.

(3) نقل عنه في كشف اللثام: 2/ 416 و جواهر الكلام: 41/ 402 403، و لكن لم نجده في كتب المحقّق.

(4) لم نجد تصريحاً بهذا القول في السرائر، و لكن إطلاق كلامه في ج 3/ 529 تفيده.

(5) مختلف الشيعة: 9/ 281 مسألة 140.

(6) جواهر الكلام: 41/ 403.

(7) قواعد الأحكام: 2/ 262.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 355

[مسألة 2: يعتبر في القذف أن يكون بلفظ صريح أو ظاهر معتمد عليه]

مسألة 2: يعتبر في القذف أن يكون بلفظ صريح أو ظاهر معتمد عليه، كقوله: «أنت زنيت» أو «لُطْتَ»، أو «أنت زان» أو «لائط»، أو «ليط بك»، أو «أنت منكوح في دبرك»، أو «يا زاني يا لاطي»، و نحو ذلك ممّا يؤدّي

______________________________

زنا» «1» نظراً إلى أنّ مقتضى الحكم باتّحاده مع الزنا من جميع الجهات كما هو ظاهرها ثبوت حكم الرمي بالزنا في الرمي بالمساحقة أيضاً و قد استدلّ في الجواهر «2» لما قوّاه مضافاً إلى الأصل بصحيحة عبد اللّٰه ابن سنان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّ الفرية ثلاث، يعني ثلاث وجوه: إذا رمى الرجل الرجل بالزنا، و إذا قال: إنّ امّه

زانية، و إذا دعا لغير أبيه، فذلك فيه حدّ ثمانون «3» و اختصاص الرواية بالزنا لا ينافي الشمول للّواط؛ لأجل ما دلّ على الثبوت فيه أيضاً، كرواية عبّاد بن صهيب، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: كان عليّ (عليه السّلام) يقول: إذا قال الرجل للرجل يا معفوج (مفتوح خ ل)، يا منكوح في دبره، فإنّ عليه حدّ القاذف «4» هذا، مضافاً إلى ثبوت الإجماع فيه و أمّا الآية، فيمكن المناقشة في دلالتها، بأنّ المنسبق إلى الأذهان منها هو الرمي بالزنا، كما أنّ ما دلّ على أنّ «سحاق النساء بينهنّ زنا» ليس له ظهور في الحكم بالاتّحاد من هذه الجهة أيضاً، مضافاً إلى عدم اعتبار سنده ظاهراً، و عليه فلا يبعد ترجيح ما في المتن من عدم الشمول للرمي بالمساحقة.

______________________________

(1) تقدّمت في ص 327.

(2) جواهر الكلام: 41/ 403.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 432، أبواب حدّ القذف ب 2 ح 2.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 433، أبواب حدّ القذف ب 3 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 356

المعنى صريحاً أو ظاهراً معتمداً عليه، و أن يكون القائل عارفاً بما وضع له اللفظ و مفاده في اللّغة التي يتكلم بها، فلو قال عجميّ أحد الألفاظ المذكورة مع عدم علمه بمعناها لم يكن قاذفاً و لا حدّ عليه و لو علم المخاطب، و على العكس لو قاله العارف باللّغة لمن لم يكن عارفاً فهو قاذف و عليه الحدّ (1).

______________________________

(1) قد اعتبر في هذه المسألة في القذف أمرين:

الأوّل: أن يكون بلفظ صريح أو ظاهر معتمد عليه، و هو يشعر إلى عدم كفاية مثل الإشارة، و إن كانت مفهمة ظاهرة عند العرف في المعنى المراد

و المقصود، و لعلّه لعدم تحقّق عنوان الرمي المذكور في الكتاب بذلك، و هو محلّ تأمّل، و بالجملة فإذا كان هناك لفظ، فاللّازم أن يكون صريحاً أو ظاهراً معتمداً عليه عند العرف، بحيث لا يفهمون من اللفظ إلّا المعنى الذي يكون فيه ظاهراً، كما في سائر الموارد التي يعتمد على الظواهر لأجل سائر الأغراض و المقاصد لكن هنا روايتان ربما يمكن استفادة اعتبار خصوص الصراحة و عدم ثبوت الحدّ في مورد الظهور فضلًا عن غيره، و هما: رواية وهب بن وهب، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليهما السّلام) أنّ عليّاً (عليه السّلام) لم يكن يحدُّ في التعريض حتّى يأتي بالفرية المصرَّحة يا زان، أو يا ابن الزانية، أو لست لأبيك «1» لكن مقابلة التصريح مع التعريض و الأمثلة المذكورة فيها خصوصاً قوله (عليه السّلام): لست لأبيك، غير الصريح في القذف، كما يأتي قرينتان على أنّه ليس المراد بالتصريح إلّا ما يعمّ الظهور المعتمد عليه عند العرف، كما لا يخفى و مثلها رواية إسحاق بن عمّار، عن جعفر (عليه السّلام) أنّ علياً (عليه السّلام) كان يعزّر في الهجاء،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 454، أبواب حدّ القذف ب 19 ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 357

[مسألة 3: لو قال لولده الذي ثبت كونه ولده بإقرار منه أو بوجه شرعي-: «لست بولدي»]

مسألة 3: لو قال لولده الذي ثبت كونه ولده بإقرار منه أو بوجه شرعي-: «لست بولدي»، فعليه الحدّ، و كذا لو قال لغيره الذي ثبت بوجه شرعي أنّه ولد زيد: «لست بولد زيد» أو «أنت ولد عمرو». نعم، لو كان في

______________________________

و لا يجلد الحدّ إلّا في الفرية المصرّحة أن يقول: يا زان، أو يا ابن الزانية، أو لست لأبيك «1» ثمّ إنّ الأمثلة المذكورة في المتن

بين ما هو صريح في الرمي و ما هو ظاهر فيه، و قد استشكل صاحب الجواهر في قوله: أنت زانٍ، أو لائط «2»، و لعلّ منشأ الإشكال احتمال كون المراد بالعنوانين هو عدم إباء الرجل عن الزنا أو اللواط، لا التلبّس بهما واقعاً، احتمالًا مانعاً عن انعقاد الظهور لهما، و يمكن أن يكون المنشأ احتمال كون المراد بهما هو الاتّصاف في الاستقبال، نظراً إلى أنّ الرمي كذلك لا يوجب تحقّق القذف، فإذا قال: أنت تزني في يوم الجمعة الآتي مثلًا لا يكون قذفاً، و كلا المنشأين ممنوعان، فتأمّل الثاني: أن يكون القاذف عارفاً بمفاد اللغة التي يتكلّم بها، و لا يلزم ذلك في المقذوف، أمّا الأوّل فلأنّه مع الجهل بالمفاد و ما وضع له اللفظ لا يتحقّق منه القصد إلى المعنى، فلا يتحقّق استعمال اللفظ فيه نعم، لا يلزم أن يكون عارفاً بجميع خصوصيّات اللفظ، فلو علم إجمالًا أنّ قوله: أنت زنيت يدلّ على إسناد الزنا إليه يكفي و لو لم يعلم بمفاد كلّ كلمة، و أمّا المقذوف فلأنّه لا يعتبر اطّلاعه و حضوره، فضلًا عن علمه بالمفاد و عرفانه بالمعنى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 453، أبواب حدّ القذف ب 19 ح 6.

(2) جواهر الكلام: 41/ 403.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 358

أمثال ذلك قرينة على عدم إرادة القذف و لو للتعارف فليس عليه الحدّ، فلو قال: «أنت لست بولدي» مريداً به ليس فيك ما يتوقّع منك، أو «أنت لست بابن عمرو» مريداً به ليس فيك شجاعته مثلًا فلا حدّ عليه و لا يكون قذفاً (1).

______________________________

(1) قال في الجواهر بعد حكم المصنّف بثبوت الحدّ في الفرضين: بلا خلاف أجده فيه بيننا «1»،

بل في المسالك: هذه الصيغة عندنا من ألفاظ القذف الصريح لغةً و عرفاً، فيثبت بها الحدّ لأمّه «2» و يدلّ على الثبوت فيهما بعد كون المفروض فيهما ما إذا لم يكن هناك قرينة، و لو كانت هي التعارف على عدم إرادة القذف، فإذا قال: أنت لست بولدي مريداً به أنّه لست مثلي في الخصال و الفضائل التي تتوقّع منك، فلا يتحقّق القذف بوجه ظهور كون النفي ظاهراً في إسناد الزنا إلى الأمّ و تحقّق هذا العمل غير المشروع منها، و إن كان في البين احتمال الإكراه و الشبهة و نحوهما ممّا ينافي تحقّق الزنا المحرّم على ما عرفت في تعريف الزنا، إلّا أنّ هذا الاحتمال لا ينافي الظهور في غيره و بالجملة: لا ينبغي الإشكال في ظهور النفي مع عدم القرينة المذكورة في الإسناد إلى الأمّ، فيتحقّق القذف و الرمي في الفرضين، غاية الأمر تحقّق موضوع اللّعان في الفرض الأوّل، و هو يسقط حدّ القذف كما سيأتي هذا، مضافاً إلى أنّه يدلّ على الثبوت في الفرض الثاني كثير من الروايات المتقدّمة في المسألتين الأوّلتين، و في الفرض الأوّل رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: من أقرّ بولد ثمّ نفاه جلد الحدّ و أُلزم الولد «3».

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 404.

(2) مسالك الأفهام: 14/ 425.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 457، أبواب حدّ القذف ب 23 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 359

[مسألة 4: لو قال: «يا زوج الزانية» أو «يا أخت الزانية» أو «يا ابن الزانية» أو «زنت أمّك» و أمثال ذلك]

مسألة 4: لو قال: «يا زوج الزانية» أو «يا أخت الزانية» أو «يا ابن الزانية» أو «زنت أمّك» و أمثال ذلك، فالقذف ليس للمخاطب بل لمن نسب إليه الزنا، و كذا لو قال: «يا ابن اللاطي» أو «يا

ابن الملوط» أو «يا أخ اللاطي» أو «يا أخ الملوط» مثلًا فالقذف لمن نسب إليه الفاحشة لا للمخاطب. نعم، عليه التعزير بالنسبة إلى إيذاء المخاطب و هتكه فيما لا يجوز له ذلك (1).

______________________________

و لا تعارضها رواية العلاء بن الفضيل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: الرجل ينتفي من ولده و قد أقرّ به، قال: فقال: إن كان الولد من حرّة جلد الحدّ خمسين سوطاً حدّ المملوك، و إن كان من أمة فلا شي ء عليه «1»، لأنّه كما في كشف اللثام ضعيف متروك «2»

(1) أمّا أصل تحقّق القذف في مثل هذه الألفاظ فلا إشكال فيه، و قد وقع التصريح في بعض الروايات المتقدّمة بأنّ قوله: «يا ابن الزانية» قذف موجب لترتّب الحدّ، و المقصود في هذه المسألة ليس بيان تحقّق أصل القذف، بل بيان طرف الإضافة و الشخص المنسوب إليه، و أنّه ليس هو المواجه و المخاطب، بل من نسب إليه الفاحشة من الزنا، أو اللواط، فاعلًا أو مفعولًا، و يترتّب عليه الثمرة بلحاظ بعض الأحكام الآتية، مثل التوقّف على المطالبة و غيره و أمّا بالنسبة إلى المواجه فلا يكون في البين قذف، نعم يثبت التعزير بلحاظ إيذاء المخاطب و هتكه لأجل نسبة الفاحشة إلى من هو منسوب و مضاف إليه فيما كان الإيذاء و الهتك محرّماً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 457، أبواب حدّ القذف ب 23 ح 2.

(2) كشف اللثام: 2/ 411.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 360

[مسألة 5: لو قال: «ولدتك أمّك من الزنا»]

مسألة 5: لو قال: «ولدتك أمّك من الزنا» فالظاهر عدم ثبوت الحدّ، فإنّ المواجه لم يكن مقذوفاً، و يحتمل انفراد الأب بالزنا أو الأمّ بذلك، فلا يكون القذف لمعيّن، ففي مثله

تحصل الشبهة الدارأة، و يحتمل ثبوت الحدّ مع مطالبة الأبوين، و كذا لو قال: «أحدكما زانٍ» فإنّه يحتمل الدرء، و يحتمل الحدّ بمطالبتهما (1).

______________________________

(1) قال المحقّق في الشرائع: «و لو قال: ولدت من الزنا ففي وجوب الحدّ لامّه تردّد؛ لاحتمال انفراد الأب بالزنا، و لا يثبت الحدّ مع الاحتمال، أمّا لو قال: ولدتك أمّك من الزنا، فهو قذف للامّ، و هذا الاحتمال أضعف، و لعلّ الأشبه عندي التوقّف لتطرّق الاحتمال و إن ضعف» «1» و يظهر من هذا القول أنّ هنا مسألتين بينهما الاختلاف في الحكم من جهة أنّ التصريح بالأمّ موجب لانطباق القذف عليها، دون ما إذا لم يصرّح بها، و لأجله يتوجّه على المتن إشكال عدم التعرّض للمسألة الأُولى، بل على تقدير عدم الاختلاف بينهما في الحكم لكان ينبغي التعرّض لها، خصوصاً مع كونها أشدّ ابتلاءً من المسألة الثانية، و مع ملاحظة وقوع التعرّض لها في كلمات الأصحاب كما سيأتي و نحن نتعرّض لكلتيهما إن شاء اللّٰه تعالى فنقول: إذا قال للمواجه: ولدت من الزنا، فهل يثبت هنا قذف موجب للحدّ أم لا؟ و على تقدير تحقّق القذف فهل يكون قذفاً للامّ فقط، أو للأبوين جميعاً، أو لأحدهما، كما فيما إذا قال: أحدكما زانٍ لا على التعيين؟

يظهر من صاحب الجواهر عدم تحقّق القذف بوجه، لا للمواجه؛ لعدم نسبة

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 944.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 361

..........

______________________________

شي ء إليه، و لا للامّ، لاحتمال الأب، و لا للأب، لاحتمال الأمّ، فإنّه إذا تعدّد الاحتمال في اللفظ بالنسبة إلى كلّ منهما لم يعلم كونه قذفاً لأحدهما بخصوصه، فتحصل الشبهة الدارئة له، و صراحة اللفظ في القذف مع اشتباه المقذوف لا

تجدي؛ لتوقّفه على مطالبة المستحقّ، و هو غير معلوم، كما لو سمع واحد يقذف أحداً بلفظ صريح و لم يعلم المقذوف، فإنّه لا يحدّ بذلك «1» و يمكن استفادة ذلك من الآية الشريفة المتقدّمة، الواردة في حدّ القذف، نظراً إلى أنّ الحكم بإيجاب الجلد قد علّق على رمي المحصنات و عدم الإتيان بأربعة شهداء، و هو ظاهر في أنّ تحقّق القذف إنّما هو فيما لو أتى بهم لسقط عنه الحدّ، مع أنّ الظاهر أنّه يعتبر في الشهادة على الزنا أن تكون الشهادة واقعة على فرد مشخّص، فلو شهد الأربع بأنّ واحداً من زيد أو عمرو قد زنى، فالظاهر عدم ترتّب الأثر على هذه الشهادة؛ لعدم معلوميّة من تحقّق منه الزنا، و من ذلك يستفاد عدم تحقّق القذف في مثل هذا المورد أيضاً؛ لعدم إمكان إقامة الشاهد عليه بنحو يسقط به حدّ القذف، فتدبّر ثمّ إنّه على تقدير كونه قذفاً، فالمحكيّ عن الشيخين «2» و القاضي «3» و المحقّق في النكت «4» و جماعة «5» أنّه قذف للامّ؛ لاختصاصها بالولادة ظاهراً، خصوصاً بعد التعدية بحرف الجرّ الظاهر في ذلك عرفاً.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 405.

(2) المقنعة: 793 794، النهاية: 723.

(3) المهذّب: 2/ 547.

(4) نكت النهاية: 3/ 339.

(5) مختلف الشيعة: 9/ 266 مسألة 116.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 362

..........

______________________________

و عن الفاضل «1» و الشهيدين «2» متعلّقه الأبوان معاً؛ لأنّ نسبته إليهما واحدة، فلا اختصاص لأحدهما دون الآخر، و لأنّ الولادة إنّما تتمّ بهما معاً، فهما والدان لغة و عرفاً، و قد نسبت الولادة إلى الزنا و هي قائمة بهما، فيكون القذف لهما و يرد على الأوّل منع كون اللفظ ظاهراً بالظهور المعتمد عليه

عند العقلاء، كما مرّ اعتباره في النسبة إلى الأمّ فقط بعد احتمال انفراد الأب، أو اشتراكها معه في ذلك. كما أنّه يرد على الثاني أنّ جعل منشأ الولادة هو الزنا لا يكون ظاهراً في تحقّق الزنا من كلا الأبوين، و قيام الولادة بهما لا يلازم ذلك كما لا يخفى و أمّا كونه قذفاً لأحدهما فيظهر من المسالك، حيث قال: «و يمكن الفرق أي بين المقام و بين ما إذا لم يعلم هناك مقذوف بانحصار الحقّ في المتنازع في الأبوين، فإذا اجتمعا على المطالبة تحتّم الحدّ؛ لمطالبة المستحقّ قطعاً و إن لم يعلم عينه، و لعلّ هذا أجود. نعم، لو انفرد أحدهما بالمطالبة تحقّق الاشتباه، و اتّجه عدم ثبوت الحدّ حينئذٍ؛ لعدم العلم بمطالبة المستحقّ به» «3» و قد اختاره العلّامة في القواعد في قوله: أحدكما زانٍ «4» بعد أن استشكل فيه، نظراً إلى ثبوت حقّ في ذمّته و قد أبهمه، فلنا المطالبة بالقصد، و إلى أنّ في ذلك إشاعة الفاحشة، و زيادة في الإيذاء و التعيير و الظاهر ما ذكره صاحب الجواهر، خصوصاً مع ملاحظة التأييد الذي عرفت، و مع أنّ الحدود تدرأ بالشّبهات.

______________________________

(1) قواعد الأحكام: 2/ 260.

(2) اللمعة الدمشقية: 167 168، الروضة البهيّة: 9/ 167 168.

(3) مسالك الأفهام: 14/ 428.

(4) قواعد الأحكام: 2/ 260.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 363

[مسألة 6: لو قال «زنيت أنت بفلانة» أو «لطت بفلان»]

مسألة 6: لو قال «زنيت أنت بفلانة» أو «لطت بفلان» فالقذف للمواجه دون المنسوب إليه على الأشبه، و قيل: عليه حدّان (1).

______________________________

ثمّ إنّ الظاهر عدم الفرق بين قوله: ولدت من الزنا و بين قوله: ولدتك أمّك من الزنا، و ما يظهر من الشرائع من الفرق بينهما بكون الثاني قذفاً للأُمّ

«1» ممنوع؛ لأنّ نسبة الولادة إلى الأُمّ لا توجب الفرق أصلًا، ضرورة كون الولادة مضافة إليها في جميع الموارد، و إضافتها إليها لا تستلزم إضافة الزنا إليها أيضاً. نعم، لو قال: ولدت من زنا أمّك بحيث كان ذكر الامّ متأخّراً و مضافاً إليها الزنا، لكان ذلك نسبة إليها و قذفاً لها، لكن من الواضح وجود الفرق بين هذين التعبيرين

(1) لا إشكال و لا خلاف في ثبوت القذف في مفروض المسألة بالإضافة إلى المواجه و المخاطب، لإسناد الزنا أو اللواط المحرّمين إليهما صريحاً، و أمّا بالإضافة إلى فلان و فلانة، المفروض تعيينهما و ذكرهما بالاسم و الخصوصيّات، ففي كونه قذفاً أم لا إشكال و خلاف، فالمحكيّ عن المفيد «2» و الشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف «3» و جماعة، كابن زهرة في الغنية «4» و الشهيد الثاني «5» و غيرهما «6» ثبوت القذف و ترتّب حدّين عليه، و عن ابن إدريس «7» و العلّامة في

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 944.

(2) المقنعة: 793.

(3) النهاية: 725 726، المبسوط: 8/ 16، الخلاف: 5/ 405 مسألة 49.

(4) غنية النزوع: 428.

(5) مسالك الأفهام: 14/ 430.

(6) إصباح الشيعة: 520، الكافي في الفقه: 414، المهذّب: 2/ 548، فقه القرآن للراوندي: 2/ 389.

(7) السرائر: 3/ 520.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 364

..........

______________________________

التحرير العدم «1» و اختاره صاحب الجواهر «2» و المتن، و تردّد فيه في الشرائع و إن كان ذيل كلامه مشعراً بالعدم «3» و استدلّ الأوّلون بأنّ الزنا فعل واحد متى كذب في أحدهما كذب في الآخر؛ لأنّه واقع بين اثنين نسبة أحدهما إليه بالفاعليّة كنسبة الآخر إليه بالمفعوليّة، فهو قذف لكليهما و أورد عليه المحقّق في

الشرائع بقوله: نحن لا نسلم أنّه فعل واحد؛ لأنّ موجب الحدّ في الفاعل غير الموجب في المفعول، و حينئذٍ يمكن أن يكون أحدهما مختاراً دون صاحبه و مرجعه إلى عدم ظهور الكلام في إسناد الزنا إلى فلانة مثلًا؛ لعدم استلزام وقوع الزنا من المخاطب؛ لوقوعه منها بعد احتمال مثل الإكراه و جريانه فيها، و قد عرفت أنّه يعتبر في تحقّق القذف صراحة اللفظ أو ظهوره عند العرف و العقلاء في ذلك، و هو غير متحقّق في المقام؛ للفرق بين هذه العبارة و بين ما لو قال: زنيت أنت بفلانة الزانية و بالجملة: فمجرّد إسناد الزنا إلى المخاطب و تعيين من وقع بها الزنا لا يلازم الإسناد إلى ذلك الشخص أيضاً، بعد احتمال وقوع العمل من ناحيته عن إكراه أو اشتباه مثلًا، فمقتضى القاعدة عدم تحقّق الزائد من قذف واحد، خصوصاً مع أنّ الحدود تدرأ بالشّبهات ثمّ إنّ هنا روايتين ربما تجعل إحداهما مؤيّدة لما ذكرنا، و الأُخرى مخالفة له،

______________________________

(1) التحرير: 2/ 237، و كذا في المختلف: 9/ 268 مسألة 120.

(2) جواهر الكلام: 41/ 407.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 944 945.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 365

..........

______________________________

و لا بدّ من ملاحظتهما، فنقول:

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1422 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود؛ ص: 365

الأُولى: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل قال لامرأته: يا زانية أنا زنيت بك، قال: عليه حدّ واحد لقذفه إيّاها، و أمّا قوله: أنا زنيت بك فلا حدّ فيه، إلّا

أن يشهد على نفسه أربع شهادات بالزنا عند الإمام «1» نظراً إلى دلالتها على ثبوت حدّ واحد و نفي الزائد عليه، و لكنّ الظاهر اختلاف موردها مع المقام من جهتين:

إحداهما: التصريح بثبوت الزنا و إسناده إلى شخصين، و من الواضح أنّه لو تحقّق مثل ذلك في المقام فلا إشكال في ثبوت حدّين، كما مرّ في المثال ثانيتهما: كون المنسوب إليه هو نفس القاذف، و من الواضح أنّ القذف إنّما يتحقّق بالإسناد إلى الغير دون النفس، فالرواية لا تكون مؤيّدة للمقام بوجه الثانية: موثّقة عباد بن صهيب، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: كان عليٌّ (عليه السّلام) يقول: إذا قال الرجل للرجل: يا معفوج (مفتوح خ ل)، يا منكوح في دبره، فإنّ عليه حدّ القاذف «2» نظراً إلى أنّ إسناد المنكوحيّة في الدبر لا يلازم إسناد الملوطيّة إليه؛ لاحتمال كون النكاح واقعاً مع اشتباه المنكوح أو كونه مكرهاً عليه. و مع ذلك فقد حكم في الرواية بثبوت حدّ القذف، فيستفاد منها أنّ احتمال مثل الإكراه لا يمنع عن تحقّق القذف. و لكنّ الظاهر هو الفرق بينه و بين المقام؛ لظهور مورد الرواية عند العرف في الإسناد المذكور دون المقام الذي لم يذكر الغير فيه إلّا بعنوان من وقع بها العمل، كما لا يخفى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 446، أبواب حدّ القذف ب 13 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 433، أبواب حدّ القذف ب 3 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 366

[مسألة 7: لو قال لابن الملاعنة: «يا ابن الزانية» أو لها: «يا زانية»]

مسألة 7: لو قال لابن الملاعنة: «يا ابن الزانية» أو لها: «يا زانية» فعليه الحدّ لها، و لو قال لامرأة: «زنيت أنا بفلانة» أو «زنيت بك» فالأشبه عدم

الحدّ لها، و لو أقرّ بذلك أربع مرّات يحدّ حدّ الزاني (1).

______________________________

(1) قد تحقّق في كتاب اللعان أنّ اللعان قد يكون لنفي الولد، و قد يكون في مورد القذف و إسناد الزنا إلى الزوجة، و تحقّق هناك أيضاً أنّه في مورد الإسناد يثبت حدّ القذف على الزوج، و بلعانه يسقط الحدّ، و يثبت حدّ الزنا على الزوجة، غاية الأمر أنّ لعانها يوجب سقوط حدّ الزنا عنها، و يتفرّع على لعانهما انفساخ الزوجيّة و ترتّب الحرمة الأبديّة بحيث لا يجوز له نكاحها بعداً أيضاً و المقصود في المقام من إسناد الزنا إلى الملاعنة، سواء كان بنحو يا زانية مخاطباً لها، أو بنحو يا ابن الزانية مخاطباً لابنها، أنّه حيث كانت الملاعنة قد ثبت زناؤها بلعان زوجها و إن أسقطت حدّه بلعانها، فهل إسناد الزنا إليها بلحاظ كونها ملاعنة يوجب القذف فيترتّب عليه الحدّ أم لا؟ و من هنا يتحقّق الانتقال إلى مسألة أُخرى لم يقع التعرّض لها في المتن و إن تعرّض لها المحقّق في الشرائع «1» و هي: إسناد الزنا إلى الزانية المحدودة بلحاظ نفس ذلك الزنا الذي ترتّب عليه الحدّ، و اللازم التكلّم فيها أيضاً بعد البحث في المقام، فنقول:

الظاهر بمقتضى القاعدة ثبوت القذف و ترتّب الحدّ كما في المتن؛ لصدق الرّمي المأخوذ موضوعاً في الآية الشريفة، و شهادات الزوج و لعانه و إن أوجب عليها حدّ الزنا، إلّا أنّه ليس كالبيّنة الموجبة لثبوت الزنا في حقّها؛ و لذا يمكن لها دفعه باللعان الصادر منها، بخلاف البيّنة التي لا تدفع بذلك. و بالجملة الثبوت في المقام

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 945.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 367

..........

______________________________

ليس هو الثبوت في

مورد البيّنة و الإقرار، و عليه فلا يجوز قذفها و إسناد الزنا إليها هذا، مضافاً إلى دلالة روايات على هذا الأمر، كرواية سليمان يعني: ابن خالد عن أبي عبد اللّٰه، عن أبيه (عليهما السّلام) قال: يجلد قاذف الملاعنة «1» و لو نوقش في ظهور الجلد في الحدّ و احتمل أن يكون المراد به هو التعزير، فهي تندفع بصحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل قذف ملاعنةً، قال: عليه الحدّ «2» و رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل قذف امرأته فتلاعنا، ثمّ قذفها بعد ما تفرّقا أيضاً بالزنا أ عليه حدّ؟ قال: نعم عليه حدّ «3» و الظاهر أنّ المراد هو القذف بالزنا الذي تلاعنا لأجله، ضرورة أنّ القذف بالزنا الجديد يوجب الحدّ بلا إشكال و أمّا المسألة الأُخرى، و هي إسناد الزنا إلى المحدودة، فقد تعرّض لها المحقّق بقوله: و لو قال لابن المحدودة: يا ابن الزانية، أو لها: يا زانية قبل التوبة، لم يجب به الحدّ، و بعد التوبة يثبت الحدّ «4» أقول: أمّا عدم الثبوت قبل التوبة فالوجه فيه واضح؛ لعدم تحقّق الفرية عليها بوجه، لأنّ المفروض ثبوت الزنا شرعاً بالبيّنة أو الإقرار و ترتّب الحدّ عليه، و أمّا الثبوت بعد التوبة فلا تقتضيه القاعدة بوجه؛ لأنّ التوبة لا توجب تحقّق الفرية مع كون المفروض هو الاتّصاف بالزنا الذي ثبت و ترتّب عليه الحدّ.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 442، أبواب حدّ القذف ب 8 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 442، أبواب حدّ القذف ب 8 ح 3.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 447، أبواب حدّ القذف ب 13 ح 2.

(4) شرائع الإسلام: 4/ 945.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير

الوسيلة - الحدود، ص: 368

..........

______________________________

نعم، هنا رواية و هي رواية الفضل بن إسماعيل الهاشمي، عن أبيه قال: سألت أبا عبد اللّٰه و أبا الحسن (عليهما السّلام) عن امرأة زنت فأتت بولد و أقرّت عند إمام المسلمين بأنّها زنت، و أنّ ولدها ذلك من الزنا، فأُقيم عليها الحدّ، و أنّ ذلك الولد نشأ حتّى صار رجلًا، فافترى عليه رجل، هل يجلد من افترى عليه؟ فقال: يجلد و لا يجلد، فقلت: كيف يجلد و لا يجلد؟ فقال: من قال له: يا ولد الزنا لم يجلد و يعزّر و هو دون الحدّ، و من قال له: يا ابن الزانية جلد الحدّ كاملًا، قلت له: كيف (صار خ ل) جلد هكذا؟ فقال: إنّه إذا قال له: يا ولد الزنا، كان قد صدق فيه و عزِّر على تعييره أُمّه ثانية، و قد أُقيم عليها الحدّ، فإن قال له: يا ابن الزانية، جلد الحدّ تامّاً؛ لفريته عليها بعد إظهارها التوبة و إقامة الإمام عليها الحدّ «1» و يظهر من الجواهر الميل إلى ذلك، حيث لم يناقش فيما أفاده المصنّف «2»، و يمكن أن يناقش في استدلال الرواية بما ذكر من أنّ إظهار التوبة و إقامة الحدّ لا يوجب تحقّق الفرية و بعبارة أُخرى لو كان الملاك في القذف هو الإسناد مع عدم إمكان الإثبات شرعاً فهو غير متحقّق في المحدودة مطلقاً لفرض الثبوت كذلك، و لو كان الملاك هو تحقّق الإيذاء و الهتك و الإهانة فهو متحقّق فيها كذلك؛ لأنّ عدم التوبة لا يسوّغ الإيذاء و الهتك. و ظاهر الاستدلال في الرواية عدم كونه تعبديّاً؛ لمنافاته معه كما لا يخفى، و لعلّه لما ذكرنا ترك التعرّض لهذه المسألة في المتن،

فتدبّر بقي الكلام في المتن فيما إذا قال لامرأة: أنا زنيت بفلانة أو زنيت بك، و قد مرّ في

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 441، أبواب حدّ القذف ب 7 ح 1.

(2) جواهر الكلام: 41/ 408.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 369

[مسألة 8: كلّ فحش نحو «يا ديّوث» أو تعريض بما يكرهه المواجه و لم يفد القذف في عرفه و لغته، يثبت به التعزير لا الحدّ]

مسألة 8: كلّ فحش نحو «يا ديّوث» أو تعريض بما يكرهه المواجه و لم يفد القذف في عرفه و لغته، يثبت به التعزير لا الحدّ، كقوله: «أنت ولد حرام» أو «يا ولد الحرام» أو «يا ولد الحيض» أو يقول لزوجته: «ما وجدتك عذراء» أو يقول: «يا فاسق» «يا فاجر» «يا شارب الخمر» و أمثال ذلك ممّا يوجب الاستخفاف بالغير و لم يكن الطرف مستحقّاً ففيه التعزير لا الحدّ، و لو كان مستحقّاً فلا يوجب شيئاً (1).

______________________________

المسألة السادسة عدم كون مثل هذه الإضافة موجبة لتحقّق القذف بعد احتمال كون الزنا واقعاً من طرفه خاصّة و كون الآخر مكرهاً عليه أو مشتبهاً، فلا يكون هنا حدّ إلّا مع تماميّة الإقرار الموجب لحدّ الزنا

(1) التمثيل بالديّوث مبنيّ على أن لا يكون المراد به هو القذف بالزوجة، كما حكي عن أهل اللغة «1»؛ لأنّه على هذا التقدير يكون مفيداً للقذف لغةً. نعم، حكى في المسالك القول بأنّ الديّوث هو الذي يدخل الرجال على امرأته «2»، و على هذا القول لا بدّ و أن لا يكون ظاهراً في تحقّق الزنا، و كون المراد من الإدخال هو الإدخال المستلزم لتحقّق الزنا، إلّا أن يكون المراد تحقّق الزنا من ناحية الزوجة كرهاً و من دون طيب النفس. و كان اللازم في العبارة تقييد هذا الأمر أيضاً بما إذا لم يفد القذف في عرفه و لغته، و

إرجاع القيد إلى كلا الأمرين لا يستقيم مع العبارة، كما أنّ جعل التعريض المذكور مقابلًا للفحش وجهه غير ظاهر؛ لأنّ التعريض الكذائي من مصاديق الفحش، فتدبّر.

______________________________

(1) القاموس المحيط: 1/ 173.

(2) مسالك الأفهام: 14/ 433، و هكذا في المغني لابن قدامة: 10/ 214.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 370

..........

______________________________

و كيف كان، فهل المراد بكلمة «التعريض» هو ما يقع في مقابل الدلالة الصريحة أو الظاهرة العرفية، بحيث كان المراد هو اللفظ الدال على القذف، لكن لا بالدلالة المعتبرة فيه بل بالدلالة التعريضيّة التي هي قسم من الكناية، أو أنّ المراد بهذه الكلمة ما لا يرتبط بذلك، بل المراد بها هو الإظهار و التعرّض لما يكرهه المواجه؟

الظاهر هو الوجه الثاني؛ لعدم كون كثير من الأمثلة دالّاً على القذف و لو بالدلالة التعريضيّة، فإنّ قوله: يا ولد الحيض مثلًا لا يستشمّ منه رائحة القذف أصلًا، و كذا يا شارب الخمر و أمثال ذلك، مضافاً إلى أنّ التخصيص بالمواجه بمعنى المخاطب ظاهر في خصوصيّة الخطاب و المواجهة، مع أنّه في القذف لا خصوصيّة للمخاطب أصلًا، بل الملاك هي النسبة إلى المنسوب إليه، سواء كان حاضراً أم غائباً، كما عرفت في مثل يا ابن الزانية و نحوه و كيف كان، فالضابط في المقام هو التعريض الذي لم يفد القذف لا في عرفه و لغته، و لا في عرف المخاطب إذا قاله له على وفق عرفه و الدليل على ثبوت التعزير بعد عدم ثبوت حدّ القذف؛ لعدم تحقّق ما اعتبر فيه أنّه إيذاء و هتك و إهانة بالإضافة إلى المؤمن، و قد وردت روايات دالّة على ثبوت التعزير في مطلق السبّ و الهجاء، و روايات أُخرى دالّة على

ثبوته في جملة من الأمثلة المذكورة في المتن فمن القسم الثاني ما ورد فيما إذا قال لزوجته: ما وجدتك عذراء، مثل رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال في رجل قال لامرأته: لم أجدك عذراء، قال: يضرب، قلت: فإن عاد؟ قال: يضرب، فإنّه يوشك أن ينتهي «1» و رواه الكليني

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 15/ 609، كتاب اللعان ب 17 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 371

..........

______________________________

عن يونس و زاد: قال يونس: يضرب ضرب أدب، ليس بضرب الحدّ؛ لئلا يؤذي امرأة مؤمنة بالتعريض «1» و رواية زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل قال لامرأته: لم تأتني عذراء، قال: ليس بشي ء (ليس عليه شي ء خ ل)؛ لأنّ العذرة تذهب بغير جماع «2» و الظاهر أنّ المراد من الشي ء الذي ليس عليه هو الحدّ، لا ما يعمّ التعزير و لو بقرينة الرواية الأُولى و في مقابلهما صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): إذا قال الرجل لامرأته: لم أجدك عذراء، و ليست له بيّنة، يجلد الحدّ، و يخلّى بينه و بينها «3» و المحكيّ عن الشيخ (قدّس سرّه) حمل مثلها على التعزير «4» و لكنّه خلاف الظاهر، و الأولى حملها على ما إذا كانت هناك قرينة على كون المراد هو القذف بالزنا، و يشهد له قوله (عليه السّلام): «و ليست له بيّنة» فإنّ البيّنة التي يمكن أن تتحقّق نوعاً في مثل المقام هي البيّنة على الزنا، لا البيّنة على أنّه لم يجدها عذراء، كما لا يخفى وجهه و من هذا القسم أيضاً ما ورد في قوله: يا فاسق، و هي رواية أبي

حنيفة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل قال لآخر: يا فاسق، قال: لا حدّ عليه و يعزَّر «5» و منه أيضاً ما ورد فيمن قال لرجل: إنّه احتلم بأمّه، و هو ما رواه الحسين بن

______________________________

(1) الكافي: 7/ 212 ح 11.

(2) وسائل الشيعة: 15/ 609، كتاب اللعان ب 17 ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 15/ 610، كتاب اللعان ب 17 ح 5.

(4) التهذيب: 8/ 196 و ج 10/ 78، الإستبصار: 4/ 231.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 453، أبواب حدّ القذف ب 19 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 372

..........

______________________________

أبي العلاء، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إنّ رجلًا لقي رجلًا على عهد أمير المؤمنين (عليه السّلام) فقال: إنّ هذا افترى عليَّ، قال: و ما قال لك؟ قال: إنّه احتلم بأمّ الآخر، قال: إنّ في العدل إن شئت جلدت ظلّه، فإنّ الحلم إنّما هو مثل الظلّ، و لكنّا سنوجعه ضرباً وجيعاً حتّى لا يؤذي المسلمين، فضربه ضرباً وجيعاً «1» و منه أيضاً ما ورد فيمن قال لرجل: أنت خبيث أو خنزير، و هي رواية جرّاح المدائني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إذا قال الرجل: أنت خبيث (خنث خ ل) أو أنت خنزير، فليس فيه حدّ، و لكن فيه موعظة و بعض العقوبة «2» و من القسم الأوّل رواية أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): سباب المؤمن فسوق، و قتاله كفر، و أكل لحمه معصية، و حرمة ماله كحرمة دمه «3» و منه أيضاً رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه

عليه و آله): سباب المؤمن كالمشرف على الهلكة «4» و رواية معلّىٰ بن خنيس، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: قال اللّٰه عزّ و جل: ليأذن بحربٍ منّي من أذلّ عبدي المؤمن، و ليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن «5» و مثلها رواية هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: قال اللّٰه عزّ و جل:

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 458، أبواب حدّ القذف ب 24 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 452، أبواب حدّ القذف ب 19 ح 2.

(3) وسائل الشيعة: 8/ 610، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة ب 158 ح 3.

(4) وسائل الشيعة: 8/ 611، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة ب 158 ح 4.

(5) وسائل الشيعة: 8/ 590، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة ب 147 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 373

..........

______________________________

ليأذن بحربٍ منّي من آذى عبدي المؤمن، و ليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن «1» و منه أيضاً رواية مفضّل بن عمر قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أين الصدود (العدو خ ل) لأوليائي؟ فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم، فيقال: هؤلاء الذين آذوا المؤمنين، و نصبوا لهم و عاندوهم، و عنّفوهم في دينهم، ثمّ يؤمر بهم إلى جهنّم «2» و منه أيضاً رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل سبّ رجلًا بغير قذف يعرض به هل يجلد؟ قال: عليه تعزير «3» و يستفاد من هذه الرواية ما ذكرنا من عدم كون التعريض مغايراً للسبّ، كما لا يخفى و منه أيضاً رواية أبي مريم، عن أبي جعفر (عليه

السّلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في الهجاء التعزير «4» و لو احتمل اختصاص الهجاء بالشعر كما ربما يحكى عن بعض، فلا يجوز إلغاء الخصوصية بعد ظهور كون أثر الشعر مغايراً لأثر غيره. نعم، يستفاد من رواية أُخرى واردة في هذا القسم أيضاً عدم الاختصاص، و هي رواية إسحاق بن عمّار، عن جعفر (عليه السّلام) أنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يعزّر في الهجاء، و لا يجلد الحدّ إلّا في الفرية المصرّحة أن يقول: يا زاني، أو يا ابن الزانية، أو لست لأبيك «5» فإنّ ذكر الهجاء في مقابل

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 8/ 587، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة ب 145 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 8/ 587، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة ب 145 ح 2.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 452، أبواب حدّ القذف ب 19 ح 1.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 453، أبواب حدّ القذف ب 19 ح 5.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 453، أبواب حدّ القذف ب 19 ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 374

..........

______________________________

الفرية المصرّحة يظهر منه أنّ المراد به مطلق السبّ غير البالغ مرتبة القذف و بملاحظة ما ذكرنا لا يبقى إشكال في ثبوت التعزير فقط في الموارد المذكورة في المتن و أمثالها ممّا يوجب استخفاف الغير من دون تحقّق القذف، و قد قيّده في المتن بما إذا لم يكن الغير مستحقّاً للاستخفاف المذكور، مصرّحاً بعدم ثبوت شي ء في صورة الاستحقاق، و نقول:

منشأ الاستحقاق و موجبه إن كان هو الكفر، فسيأتي البحث فيه في الأُمور المعتبرة في القذف. و إن كان هو التظاهر و التجاهر بالفسق، فقد وردت فيه رواية هارون بن الجهم، عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما

السّلام) قال: إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة «1» و إن كان هو البدعة و الرّيبة، فقد وردت فيه رواية داود بن سرحان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): إذا رأيتم أهل الرّيب و البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم، و أكثروا من سبّهم، و القول فيهم، و الوقيعة، و باهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام، و يحذرهم الناس و لا يتعلّمون من بدعهم، يكتب اللّٰه لكم بذلك الحسنات، و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة «2» و ظاهر الرواية الوجوب لا مجرّد الجواز بل الرجحان، و الظاهر أنّه من باب وجوب النهي عن المنكر، و عليه فربما يترتّب على تركه التعزير كما لا يخفى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 8/ 604، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة ب 154 ح 4.

(2) وسائل الشيعة: 11/ 508، كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أبواب الأمر و النهي ب 39 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 375

[القول في القاذف و المقذوف]

اشارة

القول في القاذف و المقذوف

[مسألة (1): يعتبر في القاذف البلوغ و العقل]

مسألة (1): يعتبر في القاذف البلوغ و العقل، فلو قذف الصبيّ لم يحدّ و إن قذف المسلم البالغ العاقل. نعم، لو كان مميّزاً يؤثّر فيه التأديب أُدّب على حسب رأي الحاكم، و كذا المجنون، و كذا يعتبر فيه الاختيار، فلو قذف مكرهاً لا شي ء عليه و القصد، فلو قذف ساهياً أو غافلًا أو هزلًا لم يحدّ (1).

______________________________

(1) يدلّ على اعتبار البلوغ و العقل في القاذف الذي يجب أن يحدّ مضافاً إلى أنّ ترتّب الحدّ و ثبوته إنّما هو في مورد ثبوت الحرمة الفعليّة، و اتّصاف العمل بكونه محرّماً كذلك، و من الواضح عدم ثبوت التكليف الفعلي في موردهما، لحديث رفع القلم عنهما «1» رواية أبي مريم الأنصاري قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الغلام

______________________________

(1) وسائل الشيعة: (1)/ 32، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات ب 4 ح 11، و ج 19/ 66، أبواب القصاص في النفس ب 36 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 376

[مسألة 2: لو قذف العاقل أو المجنون أدواراً في دور عقله، ثمّ جنّ العاقل و عاد دور جنون الأدواري]

مسألة 2: لو قذف العاقل أو المجنون أدواراً في دور عقله، ثمّ جنّ العاقل و عاد دور جنون الأدواري ثبت عليه الحدّ و لم يسقط، و يحدّ حال جنونه (1).

______________________________

لم يحتلم يقذف الرجل هل يجلد؟ قال: لا، و ذلك لو أنّ رجلًا قذف الغلام لم يجلد «1» و في السند قاسم بن سليمان، و لم يرد فيه توثيق بالخصوص، إلّا أنّه من الرواة الواقعة في بعض أسانيد تفسير عليّ بن إبراهيم «2»، الذي صرّح في مقدّمته بوثاقة جميع رواة أسانيد الأحاديث الواردة في كتابه، و بأنّه اقتصر في نقل الرواية فيه على ما رواه الثقات، و لعلّ هذا المقدار من التوثيق يكون كافياً و

صحيحة فضيل بن يسار قال سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: لا حدّ لمن لا حدّ عليه، يعني لو أنّ مجنوناً قذف رجلًا لم أر عليه شيئاً، و لو قذفه رجل فقال: يا زان، لم يكن عليه حدّ، و رواه إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) نحوه «3» و أمّا اعتبار الاختيار، فيدلّ على رفع الحكم التكليفي و كذا الحكم الوضعي مع الاستكراه و عدم الاختيار مثل حديث الرفع المعروف «4» و لا حاجة إلى دليل خاصّ، و أمّا اعتبار القصد، فيمكن أن يكون لأجل مدخليّته في ماهيّة القذف؛ لعدم كون القذف مع عدمه قذفاً عند العرف، و على تقديره فلا حرمة مع عدم القصد

(1) وجه عدم السقوط أنّه لا دليل عليه بعد تحقّق القذف في حال العقل أو دوره. و أمّا إجراء الحدّ عليه في حال الجنون؛ فلأنّ المفروض ثبوت التمييز على وجه يؤثّر فيه الحدّ، فلا وجه للتأخير.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 439، أبواب حدّ القذف ب 5 ح 1.

(2) تفسير القمّي: (1)/ 383 في تفسير قوله تعالى في سورة النحل 16: 16 وَ عَلٰامٰاتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 332، أبواب مقدّمات الحدود ب 19 ح 1.

(4) وسائل الشيعة: 11/ 295، أبواب جهاد النفس ب 56.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 377

[مسألة 3: يشترط في المقذوف الإحصان]

مسألة 3: يشترط في المقذوف الإحصان، و هو في المقام عبارة عن البلوغ و العقل و الحريّة و الإسلام و العفّة، فمن استكملها وجب الحدّ بقذفه، و من فقدها أو فقد بعضها فلا حدّ على قاذفه، و عليه التعزير، فلو قذف صبيّاً أو صبيّة أو مملوكاً أو كافراً يعزّر، و

أمّا غير العفيف فإن كان متظاهراً بالزنا أو اللواط فلا حرمة له، فلا حدّ على القاذف و لا تعزير، و لو لم يكن متظاهراً بهما فقذفه يوجب الحدّ، و لو كان متظاهراً بأحدهما ففيما يتظاهر لا حدّ و لا تعزير، و في غيره الحدّ على الأقوى، و لو كان متظاهراً بغيرهما من المعاصي فقذفه يوجب الحدّ (1).

______________________________

ثمّ إنّه لم يقع التعرّض في المتن للسكران، و قد وردت فيه رواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قال: إنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يقول: إنّ الرجل إذا شرب الخمر سكر، و إذا سكر هذى، و إذا هذى افترى، فاجلدوه حدّ المفتري «1» و يستفاد منها أنّ الحدّ المترتّب على شرب المسكر إنّما هو لأجل ملازمته مع القذف و الافتراء، فيدلّ على ثبوت حدّ القذف في حال السكر كما لا يخفى. لكن سيأتي البحث في أنّ شرب المسكر هل له موضوعيّة في ثبوت الحدّ، أو أنّه يترتّب عليه ذلك لأجل الملازمة المذكورة؟

(1) قد وقع تفسير الإحصان بتحقّق الأمور الخمسة المذكورة في المتن في كلام الفقهاء، فإن كان المراد بالإحصان المذكور في آية القذف بقوله تعالى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ «2» هو مجموع هذه الأمور، فالظاهر أنّه لا دليل عليه، و أنّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 467، أبواب حدّ المسكر ب 3 ح 4.

(2) سورة النور 24: 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 378

..........

______________________________

المراد بالإحصان فيه هو العفّة. و إن كان المراد أنّ الإحصان في مقام القذف له اصطلاح خاصّ فقهي فلا بأس بالالتزام به. و كيف كان، فلا بدّ من إقامة الدليل على اعتبار كلّ واحد من هذه الأمور الخمسة، فنقول:

يدلّ على اعتبار

البلوغ و العقل الروايات الثلاثة المتقدّمة في القاذف، و رواية عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يقذف الصبيّة يجلد؟ قال: لا، حتّى تبلغ «1» و رواية عاصم بن حميد، أو هو عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يقذف الجارية الصغيرة؟ قال: لا يجلد إلّا أن تكون أدركت أو قاربت (قارنت خ ل) «2» و على تقدير كون الراوي أبا بصير لا تكون هذه الرواية رواية مستقلّة، بل متّحدة مع الرواية الأُولى. و كيف كان، فربّما يفسّر الإدراك برؤية الحيض و المقاربة بإكمالها تسع سنين، و الظاهر أنّ الإدراك بمعنى البلوغ الواقع في الرواية الأُولى، و المقاربة هي القرب منه، غاية الأمر أنّه مخالف للفتاوى كما لا يخفى و يدلّ على اعتبار الحريّة صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: من افترى على مملوك عزِّر لحرمة الإسلام «3» و يمكن المناقشة في دلالة الرواية بعدم ظهورها في كون المراد من التعزير فيها هو التعزير في مقابل الحدّ؛ لأنّه يحتمل أن يكون المراد به هو الحدّ؛ لأنّها في مقام دفع توهّم عدم الثبوت، و يؤيّده التعليل المذكور فيه، فتدبّر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 440، أبواب حدّ القذف ب 5 ح 4.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 439، أبواب حدّ القذف ب 5 ح 3.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 436، أبواب حدّ القذف ب 4 ح 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 379

..........

______________________________

و صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الحرّ يفتري على المملوك، قال: يسأل؟ فإن كان أمّه حرّة جلد الحدّ «1» و الجواب قرينة على

أنّ المراد بالافتراء على المملوك هو التعبير فيه بمثل يا ابن الزانية، لا إسناد الزنا إلى نفسه، و تقييد الامّ بكونها حرّة ظاهر في عدم ثبوت الحدّ في مورد قذف غيرها و رواية عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: لو أتيت برجل قذف عبداً مسلماً بالزنا لا نعلم منه إلّا خيراً لضربته الحدّ، حدّ الحرِّ إلّا سوطاً «2» و يدلّ على اعتبار الإسلام صحيحة عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه نهى عن قذف من ليس على الإسلام، إلّا أن يطّلع على ذلك منهم، و قال: أيسر ما يكون أن يكون قد كذب «3» و صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه نهى عن قذف من كان على غير الإسلام، إلّا أن تكون قد اطّلعت على ذلك منه «4» و المستفاد من الروايتين عدم كون القذف في صورة الاطّلاع منهيّاً عنه، و في صورة العدم ربما ينطبق عليه عنوان الكذب و هو لا يوجب الحدّ و رواية إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الافتراء على أهلّ الذمّة و أهل الكتاب هل يجلد المسلم الحدّ في الافتراء عليهم؟ قال: لا، و لكن يعزّر «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 436، أبواب حدّ القذف ب 4 ح 11.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 434، أبواب حدّ القذف ب 4 ح 2.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 430، أبواب حدّ القذف ب 1 ح 1.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 430، أبواب حدّ القذف ب 1 ح 2.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 450، أبواب حدّ القذف ب 17 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 380

..........

______________________________

و التعبير

في الرواية بالافتراء لعلّه ظاهر في صورة عدم الاطّلاع، فلا تنافي بينها و بين الأوّلتين و يدلّ على اعتبار العفّة مضافاً إلى الآية الشريفة الواردة في القذف، الظاهرة في ثبوت الحكم بالجلد في مورد رمي المحصنات، من دون فرق بين أن يكون المراد بها خصوص العفائف أو مجموع الأمور الخمسة، التي منها العفّة قطعاً موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال في الرجل إذا قذف المحصنة: يجلد ثمانين، حرّا كان أو مملوكاً «1» بناءً على أن يكون المراد بالمحصنة هي العفيفة كما هو الظاهر، دون من كان لها زوج كما ربّما يحتمل و رواية عبيد بن زرارة المتقدّمة آنفاً، التي علّق فيها الحكم على أنّه لم يعلم منه إلّا خير، فإنّ ظاهرها أنّ المراد به هو عدم التجاهر بالزنا و ثبوت العفّة له من هذه الجهة كما أنّه يدلّ على اعتبار هذا الأمر الرواية المتقدّمة «2» الواردة في المتجاهر بالفسق الدالّة على أنّه إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة. فإنّ مقتضى عدم ثبوت الحرمة له بوجه جواز قذفه و الإسناد إليه، فلا يترتّب عليه شي ء ثمّ إنّ هذه الأمور الخمسة و إن كانت مشتركة في الاعتبار من جهة حدّ القذف، إلّا أنّها مختلفة من جهة التعزير؛ لثبوته في الأربعة الأولى دون الأخير؛ لأنّ مقتضى نفي الحرمة في المتجاهر بالفسق عدم ثبوت التعزير في قذفه أيضاً، كما أنّ مقتضى ما ذكر عدم ثبوت التعزير في قذف الكافرة مع الاطّلاع على صدور الزنا

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 434، أبواب حدّ القذف ب 4 ح 1.

(2) في ص 374.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 381

[مسألة 4: لو قال للمسلم: «يا ابن الزانية» أو «أُمّك زانية» و كانت أُمّه كافرة]

مسألة 4: لو

قال للمسلم: «يا ابن الزانية» أو «أُمّك زانية» و كانت أُمّه كافرة، ففي رواية يضرب القاذف حدّا؛ لأنّ المسلم حصّنها، و الأحوط التعزير دون الحدّ (1).

______________________________

منها، و في صورة العدم يكون الموجب له هو الكذب، و قد وقع التصريح بثبوت التعزير في رواية عبيد بن زرارة المتقدّمة، الواردة في قذف العبد، و مقتضى التعليل الوارد فيها ثبوته في قذف غير البالغ و غير العاقل، كما لا يخفى، و من هنا يظهر أنّ الحكم بثبوت التعزير مع فقد واحد من الأُمور الخمسة كما في المتن لا يتمّ بإطلاقه، و إن وقع التصريح في الذيل بخلافه ثمّ إنّ الظاهر أنّ عدم احترام المتجاهر بالفسق في الحضور و الغيبة إنّما هو بالإضافة إلى خصوص الفسق الذي تجاهر به، و أمّا بالنسبة إلى ما لا يكون متجاهراً فيه فالظاهر أنّ احترامه باقٍ بحاله، فلا يجوز قذفه فيه، بل و لا غيبته فيه، فلو كان متجاهراً بالزنا لا يجوز قذفه باللواط، بل يترتّب عليه الحدّ، و هكذا سائر الفروع المذكورة في المتن المبتنية على هذه الجهة

(1) المحكيّ عن الشيخ في النهاية «1» و جماعة تبعه «2» هو ثبوت الحدّ التّام في مفروض المسألة، و قد جعل المحقّق في الشرائع الأشبه التعزير «3» و تبعه صاحبا المسالك «4» و كشف اللثام «5» بل في الرياض حكايته عن الحلّي «6» و عامّة

______________________________

(1) النهاية: 725.

(2) المهذّب: 2/ 548، و كذا قبله ابن الجنيد على ما في المختلف: 9/ 267 مسألة 119.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 946.

(4) مسالك الأفهام: 14/ 440.

(5) كشف اللثام: 2/ 413.

(6) السرائر: 3/ 520.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 382

[مسألة 5: لو قذف الأب ولده بما يوجب الحدّ لم يحدّ]

مسألة 5: لو قذف الأب

ولده بما يوجب الحدّ لم يحدّ، بل عليه التعزير للحرمة لا للولد، و كذا لا يحدّ لو قذف زوجته الميّتة و لا وارث لها إلّا ولده، و لو كان لها ولد من غيره كان له الحدّ، و كذا لو كان لها وارث آخر غيره، و الظاهر أنّ الجدّ والد، فلا يحدّ بقذف ابن ابنه، و يحدّ الولد لو قذف أباه و إن

______________________________

المتأخّرين «1» و جعله في المتن مقتضى الاحتياط و قد وردت في المقام رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه، التي رواها الكليني، عن الحسين بن محمّد، عن معلّىٰ بن محمّد، عن الوشاء، عن أبان، عنه. و الشيخ بإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن بنان بن محمّد، عن موسى بن القاسم و عليّ بن الحكم جميعاً، عن أبان عنه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: النصرانيّة و اليهوديّة تكون تحت المسلم فيقذف ابنها يضرب القاذف؛ لأنّ المسلم قد حصّنها، هكذا في الوسائل «2»، لكن في الجواهر عن الكافي روايته «يضرب القاذف حدّا» «3» أقول: لا إشكال في قصور السند على كلا الطريقين و عدم ثبوت الجابر له؛ لعدم موافقتها مع الشهرة الفتوائيّة الجابرة على تقدير تحقّقها. و أمّا الدّلالة، فالظاهر أنّه على تقدير ثبوت الحدّ في الرواية لا مجال للمناقشة فيها بإمكان إرادة التعزير منه كما في الجواهر؛ لظهورها حينئذٍ في ثبوت الحدّ. و أمّا على تقدير العدم فالظاهر أنّ مطلق الضرب أعمّ من الحدّ، فلا دلالة لها حينئذٍ على ثبوته، و لكنّ الأمر سهل بعد عدم صلاحيّة الرواية للاستناد إليها بوجه.

______________________________

(1) رياض المسائل: 10/ 112.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 450، أبواب حدّ القذف ب 17 ح 6.

(3) جواهر الكلام: 41/ 419،

و في الكافي: 7/ 209 ح 21 و التهذيب: 10/ 67 ح 24 عن محمَّد بن يعقوب: تضرب حدّا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 383

علا، و تحدّ الأُمّ لو قذفت ابنها، و الأقارب لو قذفوا بعضهم بعضاً (1).

______________________________

(1) المستند الوحيد في هذه المسألة صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل قذف ابنه بالزنا، قال: لو قتله ما قتل به، و إن قذفه لم يجلد له، قلت: فإن قذف أبوه أمّه؟ قال: إن قذفها و انتفى من ولدها تلاعنا، و لم يلزم ذلك الولد الذي انتفى منه، و فرّق بينهما، و لم تحلّ له أبداً. قال: و إن كان قال لابنه و أمّه حيّة: يا ابن الزانية، و لم ينتف من ولدها، جلد الحدّ لها و لم يفرّق بينهما، قال: و إن كان قال لابنه: يا ابن الزانية و أمّه ميّتة، و لم يكن لها من يأخذ بحقّها منه إلّا ولدها منه فإنّه لا يقام عليه الحدّ؛ لأنّ حقّ الحدّ قد صار لولده منها، فإن كان لها ولد من غيره فهو وليّها يجلد له، و إن لم يكن لها ولد من غيره و كان لها قرابة يقومون بأخذ الحدّ جلد لهم «1» و ظهورها في عدم ثبوت حدّ القذف على من قذف ولده إذا كان أباً له لا مجال للمناقشة فيه. نعم، الظاهر ثبوت التعزير لحرمة القذف في هذا المورد، و قوله (عليه السّلام): «لم يجلد له» يشعر بذلك أيضاً، كما أنّ ظهور الرواية في عدم ثبوت الحدّ إذا قذف الأب زوجته الميّتة و كان الوارث منحصراً بولدها منه؛ لأنّ الحقّ حينئذٍ ينحصر في الولد بعد عدم

إرث الزوج و الزوجة من هذا الحقّ كما سيأتي، و لا مجال لثبوته له بعد عدم ثبوت حقّ له فيما إذا كان المقذوف نفسه نعم، لو كان للزوجة الميّتة وارث غير هذا الولد ممّن لا يرتبط بالأب، سواء كان هو ولدها من غير الأب أو غيره من سائر الأقارب يثبت لهم الحقّ بالوراثة، و لا يقدح وجود هذا الولد على ما سيأتي من أنّ مطالبة أحد الورّاث يكفي في ترتّبه

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 447، أبواب حدّ القذف ب 14 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 384

[مسألة 6: إذا قذف جماعة واحداً بعد واحد فلكلّ واحد حدّ]

مسألة 6: إذا قذف جماعة واحداً بعد واحد فلكلّ واحد حدّ، سواء جاؤوا لطلبه مجتمعين أو متفرّقين، و لو قذفهم بلفظ واحد بأن يقول: «هؤلاء زناة» فإن افترقوا في المطالبة فلكلّ واحد حدّ، و إن اجتمعوا بها فللكلّ حدّ واحد، و لو قال: «زيد و عمرو و بكر مثلًا زناة» فالظاهر أنّه قذف بلفظ واحد، و كذا لو قال: «زيد زان و عمرو و بكر». و أمّا لو قال: «زيد زان و عمرو زان و بكر زان» فلكلّ واحد حدّ، اجتمعوا في المطالبة أم لا، و لو قال: «يا ابن الزانيين»

______________________________

و إن عفا الآخرون ثمّ: إنّه لا خفاء في أنّ الجدّ للأب محكوم بحكم الأب، فلا يحدّ بقذف ولد ابنه خصوصاً مع أنّه لا يكون في قتله له قصاص، و أمّا الجدّ للأمّ فهو و إن كان مشمولًا لإطلاق المتن إلّا أن يقال: إنّ تفريع قوله: فلا يحدّ بقذف ابن ابنه قرينة على الاختصاص.

و كذلك لا مجال للمناقشة في صدق الأب عليه؛ لأنّ كون ابن البنت ابناً ملازم لكون أبيها أباً له، كما

في قول الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله): «الحسن و الحسين ابناي ..» إلّا أنّ ظاهر صدر الرواية يشعر بل يدلّ على الاختصاص بما إذا لم يكن هناك قصاص مع ثبوت القصاص في الجدّ للأمّ ظاهراً، و هذا هو الوجه، لا ما في الجواهر من عدم سبقه إلى الفهم من الأب و إن كثر إطلاق الابن على السبط «1» ثمّ إنّ الظاهر ترتّب الحدّ في قذف الابن للأب، و كذا في قذف الأمّ لولدها، و كذا في قذف الأقارب بعضهم بعضاً؛ لعدم دلالة الصحيحة على السقوط فيها، فيدلّ على الثبوت الإطلاقات الواردة في ثبوت حدّ القذف، مضافاً إلى ثبوت القصاص في هذه الموارد.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 420.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 385

فالحدّ لهما، و القذف بلفظ واحد، فيحدّ حدّا واحداً مع الاجتماع على المطالبة، و حدّين مع التعاقب (1).

______________________________

(1) المشهور «1» بل المدّعى عليه الإجماع في الغنية «2» و السرائر «3» ما في المتن من أنّه إذا كان قذف الجماعة بنحو الواحد بعد الواحد بحيث كان القذف متعدّداً، يتعدّد حدّ القذف على حسب تعدّده، سواء جاؤوا لطلبه مجتمعين أو متفرّقين. و إذا كان قذفهم بكلمة واحدة فالحكم هو التفصيل بين ما إذا اجتمعوا في المطالبة فالحدّ واحد، و بين ما إذا تفرّقوا فيها فالحدّ متعدّد و حكي عن الإسكافي وحدة الحدّ فيما إذا كان القذف بكلمة واحدة مطلقاً، و التفصيل في صورة التعدّد بين صورتي الاجتماع و التفرّق في المطالبة «4» و قد وردت في المسألة أربع روايات لا بدّ من ملاحظتها:

منها: صحيحة الحسن العطّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل قذف قوماً، قال: بكلمة واحدة؟ قلت: نعم،

قال: يضرب حدّا واحداً، فإن فرّق بينهم في القذف ضرب لكلّ واحدٍ منهم حدّا «5» و الرواية صريحة في التفصيل بين ما إذا كان القذف بكلمة واحدة و بين ما إذا لم يكن كذلك، كما أنّها ظاهرة في أنّ المراد «بكلمة واحدة» هو القذف الواحد في مقابل القذف المتعدّد، الذي هو عبارة أُخرى عن التفريق في القذف، و عليه فلا

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 14/ 443.

(2) غنية النزوع: 428.

(3) السرائر: 3/ 519.

(4) حكى عنه في المختلف: 9/ 269 مسألة 121.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 444، أبواب حدّ القذف ب 11 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 386

..........

______________________________

مجال لما في كشف اللثام في توجيه كلام الإسكافي من أنّ المراد بالوحدة في الرواية هي الوحدة بالعدد، فيكون المفاد أنّه إذا قال: أنتم أو هؤلاء زناة مثلًا لم يحدّ إلّا واحداً أتوا به جميعاً أو أشتاتاً، فإن سمّاهم فقال: فلان و فلان و فلان زناة مثلًا حدّ لكلّ واحد حدّا «1» أي بحسب هذه الرواية وجه البطلان ما عرفت من أنّ الملاك هي وحدة القذف و تعدّده، و التسمية لا تأثير فيها في هذه الجهة أصلًا و منها: صحيحة جميل بن درّاج، التي هي أصحّ ما في الباب، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل افترى على قوم جماعة، قال: إن أتوا به مجتمعين ضرب حدّا واحداً، و إن أتوا به متفرّقين ضرب لكلّ واحدٍ منهم حدّا «2» و الظاهر أنّ المراد من الافتراء على القوم بنحو الجماعة هو القذف الواحد الذي عبّر عنه في الرواية السابقة بالقذف بكلمة واحدة، و عليه فالرواية تقيّد إطلاق الرواية الأُولى و تفيد أنّ الحكم بوحدة

الحدّ مع وحدة القذف إنّما هو فيما إذا أتوا به مجتمعين، و أمّا في صورة التفرّق فالحدّ متعدّد و إن كان القذف واحداً، و دعوى كون المراد من الافتراء جماعة الوارد في هذه الرواية هو تعدّد الافتراء، كما يظهر من العلّامة في محكيّ المختلف، حيث جعل هذه الصحيحة دليلًا على قول الإسكافي «3» ممنوعة جدّاً فالإنصاف أنّ هاتين الصحيحتين ظاهرتان في كلام المشهور من دون حاجة إلى التوجيه؛ غاية الأمر لزوم حمل المطلق على المقيّد كما عرفت.

______________________________

(1) كشف اللثام: 2/ 413 414.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 444، أبواب حدّ القذف ب 11 ح 1.

(3) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/ 270 مسألة 121.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 387

..........

______________________________

و مثل الصحيحة الأخيرة صحيحة محمّد بن حمران، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل افترى على قوم جماعة، قال: فقال: إن أتوا به مجتمعين به ضرب حدّا واحداً، و إن أتوا به متفرّقين ضرب لكلّ رجل حدّا «1» و توصيف الرواية بالصحّة لأجل كون محمّد بن حمران هو محمّد بن حمران النهدي الثقة و الرواية الرابعة رواية بريد، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في الرجل يقذف القوم جميعاً بكلمة واحدة، قال: إذا لم يسمّهم فإنّما عليه حدّ واحد، و إن سمّى فعليه لكلّ رجل حدّ «2» و الرواية ضعيفة السند بأبي الحسن الشامي، حيث لم يرد فيه مدح و لا توثيق، و قاصرة الدلالة أيضاً؛ لأنّ التفصيل في القذف بكلمة واحدة بين صورة التسمية و غيرها ممّا لم يقل به أحد حتّى الإسكافي، و دعوى أنّ التسمية ملازمة لتعدّد القذف مدفوعة، مضافاً إلى وضوح بطلان الملازمة بظهور الرواية في كون

كلا القسمين مفروضين في مورد السؤال و هو القذف الواحد، و العجب من صاحب الجواهر حيث جعل هذه الرواية من أدلّة قول المشهور «3»، و من كاشف اللثام حيث جعله دليلًا لقول الإسكافي «4» مع أنّ كليهما ممنوعان ثمّ إنّه ممّا ذكرنا يظهر حكم الأمثلة المذكورة في المتن، المختلفة من حيث الحكم، كما أنّه يظهر أنّ قوله: «يا ابن الزانيين» قذف واحد؛ لعدم الفرق بينه و بين أن يقول: «أنتما زانيان» أو «أنتم زناة» أصلًا، فتعدّد الحدّ فيه يتوقّف على التفرّق في المطالبة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 444، أبواب حدّ القذف ب 11 ح 3.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 445، أبواب حدّ القذف ب 11 ح 5.

(3) جواهر الكلام: 41/ 420.

(4) كشف اللثام: 2/ 414.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 389

[القول في الأحكام]

اشارة

القول في الأحكام

[مسألة 1: يثبت القذف بالإقرار]

مسألة 1: يثبت القذف بالإقرار، و يعتبر على الأحوط أن يكون مرّتين، بل لا يخلو من وجه، و يشترط في المقرّ البلوغ و العقل و الاختيار و القصد، و يثبت أيضاً بشهادة شاهدين عدلين، و لا يثبت بشهادة النساء منفردات و لا منضمّات (1)

[مسألة 2: الحدّ في القذف ثمانون جلدة]

مسألة 2: الحدّ في القذف ثمانون جلدة ذكراً كان المفتري أو أنثىٰ، و يضرب ضرباً متوسّطاً في الشدّة لا يبلغ به الضرب في الزنا، و يضرب فوق

______________________________

(1) قد تقدّم الكلام في مثل هذه المسألة من جهة اعتبار كون الإقرار مرّتين أو كفاية الإقرار الواحد، و كذا من جهة كفاية شهادة النساء منضمّات و عدم الكفاية في القيادة «1»، و لا حاجة إلى الإعادة، كما أنّ البحث في شرائط المقرّ قد تقدّم أيضاً «2»، فلا نطيل بها.

______________________________

(1) في ص 348.

(2) في ص 81 83.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 390

ثيابه المعتادة و لا يجرّد، و يضرب جسده كلّه إلّا الرأس و الوجه و المذاكير، و على رأي يشهر القاذف حتى تجتنب شهادته (1).

______________________________

(1) أمّا كون الحدّ في القذف ثمانين جلدةً، فيدلّ عليه الكتاب و السنّة و الإجماع قال اللّٰه تبارك و تعالى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً الآية «1» و يدلّ عليه من السّنة الروايات الكثيرة التي تقدّم بعضها، و لا خفاء في ثبوت الإجماع و أمّا كون الضرب في القذف ضرباً متوسّطاً لا يبلغ به الضرب في الزنا، فتدلّ عليه رواية سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يفتري كيف ينبغي للإمام أن يضربه؟ قال: جلدٌ بين الجلدين «2» و موثّقة إسحاق بن عمّار، عن

أبي الحسن (عليه السّلام)، قال: يضرب المفتري ضرباً بين الضربين، يضرب جسده كلّه «3» و لا يخفى أنّ صاحب الوسائل نقل بعد هذه الرواية رواية أُخرى عن إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: المفتري يضرب بين الضربين، يضرب جسده كلّه فوق ثيابه «4» و ظاهره التعدّد مع أنّه من الواضح أنّه ليس هنا تعدّد و رواية مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): الزاني أشدّ ضرباً من شارب الخمر، و شارب الخمر أشدّ ضرباً من القاذف، و القاذف

______________________________

(1) سورة النور 24: 4.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 448، أبواب حدّ القذف ب 15 ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 448، أبواب حدّ القذف ب 15 ح 2.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 448، أبواب حدّ القذف ب 15 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 391

..........

______________________________

أشدّ ضرباً من التعزير «1» و أمّا كون الضرب فوق ثيابه المعتادة، بحيث لم يكن هنا تجريد كما في باب الزنا، فيدلّ عليه رواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة على النقل الثاني، و رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): أمر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) أن لا ينزع شي ء من ثياب القاذف إلّا الرداء «2» لكن في مقابلهما صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في المملوك يدعو الرجل لغير أبيه، قال: أرى أن يعرى جلده. قال: و قال في رجل دعي لغير أبيه: أقم بيّنتك أمكِّنك منه، فلمّا أتى بالبيّنة قال: إنّ أمّه كانت أمة، قال: ليس

عليك حدّ، سبّه كما سبّك أو اعف عنه «3» فإنّ ظاهرها وجوب التجريد كما في الزنا لكن الرواية منقولة في الوافي بدل أن يعرى «أن يفري» بالفاء و الراء المهملة بمعنى الشقّ «4»، و لكن عن الإستبصار بهذا النحو «5»، و على هذا التقدير فقد قال صاحب الجواهر: إنّه يحتمل كونه قضيّة في واقعة، و أنّه تعزير منوط بنظر الحاكم؛ لأنّ الدعوة لغير الأب ليست قذفاً، و كونه من عراه يعروه إذا أتاه و «جلده» بفتح الجيم أي أرى أن يحضر الناس جلده حدّا أو دونه، أو بإعجام العين و تضعيف الراء و البناء للفاعل، فهو من التغرية، أي يلصق الغراء بجلده، و يكون

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 8 (1)/ 449، أبواب حدّ القذف ب 15 ح 5.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 448، أبواب حدّ القذف ب 15 ح 4.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 437، أبواب حدّ القذف ب 4 ح 16 17.

(4) الوافي: 15/ 378 379.

(5) الإستبصار 4: 230 231 ح 867.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 392

[مسألة 3: لو تكرّر الحدّ بتكرّر القذف]

مسألة 3: لو تكرّر الحدّ بتكرّر القذف، فالأحوط أن يقتل في الرابعة. و لو قذف فحدّ فقال: «إنّ الذي قلت حقٌّ» وجب في الثاني التعزير، و لو قذف شخصاً بسببٍ واحد عشر مرّات بأن قال: «أنت زانٍ» و كرّره ليس عليه إلّا حدٌّ واحد، و لو تعدّد المقذوف يتعدّد الحدّ، و لو تعدّد المقذوف به بأن قال: «أنت

______________________________

كناية عن توطين نفسه للحدّ أو التعزير «1» هذا، مضافاً إلى ما حكي عن التهذيب من تضعيف هذا الخبر، و أنّه مخالف للقرآن و الأخبار الصحيحة، و أنّه مشتمل على ما لا يجوز من أمير المؤمنين (عليه السّلام)

من سبّ الخصم الذي من الواجب عليه أن يأخذ له بحقّه من إقامة الحدّ أو التعزير «2» و بالجملة: فالرواية و إن كانت صحيحة، إلّا أنّها مع هذه الخصوصيّات لا تصلح للمعارضة لما تقدّم و أمّا ضرب الجسد كلّه، فتدلّ عليه موثّقة إسحاق بن عمّار المتقدّمة، كما أنّ الوجه في استثناء الوجه و الرأس و المذاكير ما تقدّم في باب الزنا «3» و أمّا إشهار القاذف، الذي أسنده في المتن إلى الرأي، و معناه مجرّد إعلام الناس بحاله لتجتنب شهادته، فاستدلّ عليه باشتراكه مع شاهد الزور الذي يشهر، و لكن يمكن أن يخدش في الاشتراك؛ لأنّ شاهد الزور قد تحقّق بسبب شهادته الخيانة في مقام الشهادة، فيمكن أن يكون حكمه الإشهار بخلاف المقام، الذي ليس فيه إلّا مجرّد الإسناد من دون ارتباط بمقام الشهادة، فتدبّر.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 429.

(2) التهذيب: 10/ 88.

(3) تقدّم في ص 232 233.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 393

زان و أنت لائط» ففي تكرّر الحدّ إشكال، و الأقرب التكرّر (1).

______________________________

(1) قد تقدّم أنّه قد وردت رواية صحيحة تدلّ على أنّ أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة «1»، و قد ورد في باب الزنا ما يدلّ على القتل في الرابعة «2» و قد تقدّم أنّه يمكن إلحاق المساحقة بالزنا؛ لما يدلّ على اشتراكها معه في الحكم «3»، و أمّا في المقام فلم يدلّ دليل على الاشتراك، أو على كون القتل في الرابعة. نعم، يمكن الاستدلال بالأولويّة، بمعنى أنّ الزاني إذا لم يكن مستحقّاً للقتل إلّا في المرتبة الرابعة فالقاذف الذي هو أخفّ جرماً يكون بطريق أولى، فتدبّر و أمّا مستند سائر الأحكام المذكورة

في هذه المسألة سوى بعضها فهي:

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في الرجل يقذف الرجل فيجلد، فيعود عليه بالقذف، فقال: إن قال له: إنّ الذي قلت لك حقٌّ لم يجلد، و إن قذفه بالزنا بعد ما جلد فعليه الحدّ، و إن قذفه قبل ما يجلد بعشر قذفات لم يكن عليه إلّا حدٌّ واحد «4» و دلالتها على عدم ثبوت الحدّ فيما إذا قال له: «إنّ الذي قلت لك حقّ» ظاهرة و هذه الرواية هي الدليل على ذلك، لا ما أفاده المحقّق في الشرائع من أنّه ليس بصريح «5» يعني في القذف، فإنّه إن كان المراد به نفي الصّراحة بالخصوص و إن كان

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 313، أبواب مقدّمات الحدود ب 5 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 314، أبواب مقدّمات الحدود ب 5 ح 2.

(3) تقدّم في ص 332 333.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 443، أبواب حدّ القذف ب 10 ح 1.

(5) شرائع الإسلام: 4/ 947.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 394

[مسألة 4: إذا ثبت الحدّ على القاذف لا يسقط عنه إلّا بتصديق المقذوف و لو مرّة]

مسألة 4: إذا ثبت الحدّ على القاذف لا يسقط عنه إلّا بتصديق المقذوف و لو مرّة، و بالبيّنة التي يثبت بها الزنا، و بالعفو، و لو عفا ثمّ رجع عنه لا أثر لرجوعه، و في قذف الزوجة يسقط باللعان أيضاً (1).

______________________________

ظاهراً فيه، فيرد عليه ما تقدّم من عدم اعتبار الصراحة بهذا المعنى، و إن كان المراد نفيها بالمعنى الأعمّ من الظهور فيدفعه منع ذلك، ضرورة أنّ ظهور هذا القول في القذف ممّا لا مجال لإنكاره كما أنّ دلالة الرواية على نفي تعدّد الحدّ فيما إذا تكرّر القذف و لم يتخلّل الحدّ بنحو الإجمال واضحة، إلّا أنّ الكلام

في الاختصاص بما إذا قذف شخصاً بسبب واحد مكرّراً، سواء كان المنسوب إليه هو الزنا الواحد أو المتعدّد، أو شموله لما إذا كان بأسباب متعدّدة، كما إذا قال: أنت زان و أنت لائط، و الظاهر هو الثاني؛ لإطلاق قوله (عليه السّلام): «و إن قذفه قبل ما يجلد ..» و ليس ذكر الزنا في قوله (عليه السّلام) قبل ذلك: «و إن قذفه بالزنا» دليلًا على الاختصاص بما إذا كان القذف بسبب واحد، و مع إطلاق الرواية لا مجال لما عن كشف اللثام من أنّ عليه لكلّ قذف حدٌّ و إن لم يتخلّل الحدّ؛ لأنّ الإجماع و النصوص دلّت على إيجاب الرمي بالزنا الحدّ ثمانين، اتّحد أو تكرّر، و كذا الرمي باللواط، و كذا بأنّه ملوط به، و لا دليل على تداخلها «1» ثمّ إنّه لا بدّ من تقييد إطلاق تعدّد الحدّ بتعدّد المقذوف بما مرّ سابقاً من أنّه إذا قذف جماعة بكلمة واحدة و أتوا به مجتمعين لا يكون هناك إلّا حدّ واحد

(1) لا إشكال و لا خلاف ظاهراً في سقوط حدّ القذف بتصديق المقذوف و إقراره و لو مرّة، و إن لم يثبت بذلك الزنا الموجب للحدّ عليه، و الوجه فيه خروجه

______________________________

(1) كشف اللثام: 2/ 415.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 395

..........

______________________________

عن الإحصان المعتبر في ثبوت حدّ القذف؛ لأنّ إقراره خصوصاً فيما إذا لم يثبت به الزنا يجعله متجاهراً؛ لأنّه ليس معنى التجاهر الإتيان بمثل الزنا عند حضور الناس و في ملإٍ عامّ، بل الإتيان به و إظهاره و إعلامه به، بحيث كان طريق الاطلاع من جانبه، و عليه فالتصديق بما أنّه يجعله متجاهراً يخرجه عن موضوع الحدّ. فتدبّر

و أمّا سقوطه بالبيّنة التي يثبت بها الزنا، فعمدة الدليل عليه هو قوله تعالى في آية القذف وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً الآية، بل المستفاد منه أنّ عدم الإتيان بالبيّنة له دخل في ثبوت الحدّ، لا أنّ الإتيان بها يسقطه بعد ثبوته و أمّا سقوطه بالعفو، فيدلّ عليه صحيحة ضريس الكناسي، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: لا يعفى عن الحدود التي للّٰه دون الإمام، فأمّا ما كان من حقوق الناس في حدٍّ فلا بأس بأن يعفى عنه دون الإمام «1» و رواية سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يفتري على الرجل فيعفو عنه، ثمّ يريد أن يجلده بعد العفو؟ قال: ليس له أن يجلده بعد العفو «2» فإنّه يستفاد منها مفروغيّة كون العفو مسقطاً عند السائل، و قد قرّره الإمام (عليه السّلام) على ذلك و رواية أُخرى لسماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يقذف الرجل بالزنا، فيعفو عنه و يجعله من ذلك في حلٍّ، ثمّ إنّه بعد ذلك يبدو له في أن يقدّمه

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 454، أبواب حدّ القذف ب 20 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 455، أبواب حدّ القذف ب 21 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 396

..........

______________________________

حتّى يجلده، فقال: ليس له حدّ بعد العفو، الحديث «1» و الظاهر اتّحادها مع الرواية المتقدّمة و إن جعلهما في الوسائل روايتين ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الحكم بالسقوط بسبب العفو أنّه لا فرق بين أن يكون العفو قبل المراجعة إلى الحاكم و بين أن يكون بعده، كما أنّه لا فرق في

المقذوف بين أن يكون غير الزوجة و بين أن يكون هي الزوجة، و الظاهر أنّ هذا هو المشهور بين الأصحاب، و لكن حكي عن الصدوق استثناء الزوجة مطلقاً «2»، و عن الشيخ (قدّس سرّه) في التهذيب و الاستبصار «3» و يحيى بن سعيد «4» استثناء الزوجة بعد المرافعة و يظهر من بعض الروايات التفصيل بين قبل المراجعة و بعدها، و هي:

رواية سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: من أخذ سارقاً فعفا عنه فذلك له، فإذا رفع إلى الإمام قطعه، فإن قال الذي سرق له: أنا أهبه له، لم يدعه إلى الإمام حتّى يقطعه إذا رفعه إليه، و إنّما الهبة قبل أن يرفع إلى الإمام، و ذلك قول اللّٰه عزّ و جل وَ الْحٰافِظُونَ لِحُدُودِ اللّٰهِ «5» فإذا انتهى الحدّ إلى الإمام فليس لأحد أن يتركه «6» و موردها و إن كان هي السرقة، إلّا أنّ الاستشهاد بالآية الشريفة و قوله (عليه السّلام) بعدها: «فإذا انتهى الحدّ ..» ظاهران في العموم، كما لا يخفى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 445، أبواب حدّ القذف ب 20 ح 3.

(2) المقنع: 442.

(3) التهذيب: 10/ 80، الإستبصار: 4/ 232.

(4) الجامع للشرائع: 565 566.

(5) سورة التوبة 9: 112.

(6) وسائل الشيعة: 18/ 330، أبواب مقدّمات الحدود ب 17 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 397

..........

______________________________

و رواية حمزة بن حمران، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن رجل أعتق نصف جاريته ثمّ قذفها بالزنا؟ قال: قال: أرى عليه خمسين جلدة و يستغفر اللّٰه عزّ و جلّ. قلت: أ رأيت إن جعلته في حلٍّ و عفت عنه؟ قال: لا ضرب عليه إذا عفت عنه من قبل أن

ترفعه «1» و لكنّ الروايتين ضعيفتان من حيث السند و لا يجوز الاعتماد عليهما، و دلالة الثانية أيضاً بالمفهوم الذي هو محلّ الكلام و أمّا المستند للصدوق و الشيخ و ابن سعيد فهي:

صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألته عن الرجل يقذف امرأته؟ قال: يجلد، قلت: أ رأيت إن عفت عنه؟ قال: لا، و لا كرامة «2» و إضمارها لا يضرّ بعد كون المضمر محمّد بن مسلم، الذي ليس من شأنه السؤال عن غير الإمام كما هو ظاهر، و الاستدلال بها مبنيّ على أن يكون المراد بالجواب هو نفي العفو و عدم ترتّب الأثر عليه، و المراد بالكرامة المنفيّة هو العفو أيضاً، غاية الأمر أنّ الصدوق قد عمل بإطلاق الرواية في مورد الزوجة و جعلها مقيّدة لإطلاقات أدلّة العفو، و الشيخ و ابن سعيد حملاها في مورد الزوجة على خصوص ما بعد المرافعة للجمع بينها و بين تلك الإطلاقات و الظاهر أنّه لو كان معنى الرواية هو ما ذكروه لكان الحقّ مع الصدوق؛ لأنّ مقتضى الجمع هو استثناء الزوجة مطلقاً، و لا وجه للتقييد بما بعد المرافعة، لكنّ الإنصاف منع ظهور الرواية في هذا المعنى؛ لأنّه يحتمل قويّاً أن يكون المنفيّ في حرف النفي

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 434، أبواب حدّ القذف ب 4 ح 3.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 455، أبواب حدّ القذف ب 20 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 398

..........

______________________________

الأوّل هو الجلد، و مرجعه إلى أنّ العفو يوجب سقوط الجلد في مقابل ثبوته كما في الجواب الأوّل، و يكون المراد من نفي الكرامة الإرشاد إلى أنّه لا كرامة للزوجة في العفو، نظراً إلى أنّ عدم العفو المستلزم لإجراء الحدّ

يوجب أن لا يتكرّر القذف من الزوج، الموجب لتزلزل أساس الزوجيّة و دوامها، و يحتمل ضعيفاً أن يكون المراد من «لا كرامة» أنّه ليس كرامة في الجلد، فينبغي أن يتحقّق العفو لئلّا يجلد و كيف كان، لا يجوز الاتّكال في مقابل إطلاقات أدلّة العفو على مثل هذه الرواية، التي يجري فيها احتمالات متكثّرة و ليست ظاهرة في أحدها، إلّا أنّ الكلام في ثبوت هذه الإطلاقات و عدمها، و الظاهر أنّه ليس في صحيحة ضريس المتقدّمة و كذا رواية سماعة المتقدّمة أيضاً ظهور في الإطلاق؛ لأنّ الصحيحة إنّما هي في مقام بيان الفرق بين الحدود التي للّٰه و ما كان من حقوق الناس، بعدم جريان عفو غير الإمام في الأولى و جريانه في الثانية، و أمّا كون الجريان فيها بنحو الإطلاق فلا تكون الصحيحة في مقام البيان من هذه الجهة أصلًا، و رواية سماعة إنّما هي في مقام بيان أنّ الرجوع عن العفو لا يوجب سقوط حكمه، و أمّا أنّ العفو مطلقاً يسقط الحدّ أو في خصوص بعض الموارد مثل قبل المرافعة، فلا نظر فيها إليه، و ليس ترك الاستفصال فيها شاهداً على الإطلاق بعد وضوح كون مراد السائل من العفو في سؤاله هو العفو المسقط، كما لا يخفى و على ما ذكرنا يشكل الحكم بالإسقاط بعد المراجعة، لا لأجل وجود المقيّد، بل لأجل عدم ثبوت الإطلاق، إلّا أن يقال بوجود ملاك السقوط فيما قبل المراجعة، و هو كونه حقّ الناس فيما بعد أيضاً، إلّا أنّه مخدوش بباب السرقة، حيث إنّه يجوز للمسروق منه العفو عن السارق ليدفع قطعه قبل المراجعة إلى الحاكم، و لا أثر لعفوه بعد الرجوع، كما سيأتي بحثه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير

الوسيلة - الحدود، ص: 399

[مسألة 5: إذا تقاذف اثنان سقط الحدّ و عزِّرا]

مسألة 5: إذا تقاذف اثنان سقط الحدّ و عزِّرا، سواء كان قذف كلٌّ بما يقذف به الآخر، كما لو قذف كلٌّ صاحبه باللواط فاعلًا أو مفعولًا أو اختلف، كأن قذف أحدهما صاحبه بالزنا، و قذف الآخر إيّاه باللواط (1).

______________________________

ثمّ إنّه في موارد سقوط حدّ القذف بأحد المسقطات التي منها لعان الزوج كما في المتن، هل عليه التعزير أم لا؟ وجهان كما في محكيّ كشف اللثام، من أنّ الثابت عليه إنّما كان الحدّ و قد سقط، و لا دليل على ثبوت التعزير، و من أنّ ثبوت المقذوف به بالإقرار أو البيّنة لا يجوّز القذف، و إن جوّز إظهاره عند الحاكم لإقامة الحدّ عليه. و العفو و اللعان أيضاً لا يكشفان عن إباحته و لا يسقطان إلّا الحدّ. و التعزير ثابت في كلّ كبيرة «1»، و الظاهر هو عدم ثبوت التعزير؛ لأنّ المجعول في مورد القذف هو الحدّ، و المفروض سقوطه، و ليس هنا ما يدلّ على ثبوت التعزير بعد سقوط الحدّ، بل الدليل على عدمه فيما إذا كان السقوط بتصديق المقذوف بناءً على رجوعه إلى التجاهر الذي لا حرمة فيه، فتدبّر

(1) الحكم بسقوط الحدّ في مورد التقاذف و إن كان على خلاف القاعدة، بل و كذا الحكم بثبوت التعزير، إلّا أنّه مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه كما في الجواهر «2» يدلّ عليه روايتان صحيحتان:

إحداهما: رواية عبد اللّٰه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجلين افترى كلّ واحد منهما على صاحبه؟ فقال: يدرأ عنهما الحدّ و يعزّران «3».

______________________________

(1) كشف اللثام: 2/ 415.

(2) جواهر الكلام: 41/ 431.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 451، أبواب حدّ القذف ب 18

ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 400

[مسألة 6: حدّ القذف موروث إن لم يستوفه المقذوف و لم يعف عنه]

مسألة 6: حدّ القذف موروث إن لم يستوفه المقذوف و لم يعف عنه، و يرثه من يرث المال ذكوراً و إناثاً إلّا الزوج و الزوجة، لكن لا يورث كما يورث المال من التوزيع، بل لكلّ واحد من الورثة المطالبة به تامّاً و إن عفا الآخر (1).

______________________________

ثانيتهما: رواية أبي ولّاد الحنّاط قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: أُتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) برجلين قذف كلّ واحد منهما صاحبه بالزنا في بدنه، قال: فدرأ عنهما الحدّ و عزَّرهما «1» و مقتضى إطلاقهما أنّه لا فرق بين صورة التقاذف بلا فصل، أو التقاذف معه بدون تخلّل الحدّ، كما أنّ مقتضى إطلاق الاولى أنّه لا فرق بين كون قذف كلّ بما يقذف به الآخر أو بغيره، كما في مثال المتن

(1) في الجواهر بعد قول المصنّف: «حدّ القذف موروث» «2»: بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه «3» و يدلّ على كونه موروثاً، و على كون إرثه ليس كإرث المال من التوزيع صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة، قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل قذف ابنه بالزنا، قال: لو قتله ما قتل به، و إن قذفه لم يجلد له، قلت: فإن قذف أبوه امّه؟ قال: إن قذفها و انتفى من ولدها تلاعنا، و لم يلزم ذلك الولد الذي انتفى منه، و فرّق بينهما، و لم تحلّ له أبداً، قال: و إن كان قال لابنه و أُمّه حيّة: يا ابن الزانية و لم ينتف

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 451، أبواب حدّ القذف ب 18 ح 2.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 947.

(3) جواهر الكلام: 41/

423.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 401

..........

______________________________

من ولدها جلد الحدّ لها و لم يفرّق بينهما، قال: و إن كان قال لابنه: يا ابن الزانية و أُمّه ميّتة و لم يكن لها من يأخذ بحقّها منه إلّا ولدها منه فإنّه لا يقام عليه الحدّ؛ لأنّ حقّ الحدّ قد صار لولده منها، فإن كان لها ولد من غيره فهو وليّها يجلد له، و إن لم يكن لها ولد من غيره و كان لها قرابة يقومون بأخذ الحدّ جلد لهم «1» و دلالتها على انتقال الحدّ إلى الوارث مع كون المورّث ميّتاً في حال القذف فضلًا عمّا إذا كان حيّاً ثمّ عرض له الموت واضحة، كما أنّ دلالتها على ثبوت الولاية لأحد الابنين لأجل كون الآخر ابناً للقاذف أيضاً كذلك، فتدلّ على أنّ عفو البعض لا يوجب سقوط حقّ الآخر، بل له المطالبة به تامّاً و يدلّ على كلا الأمرين أيضاً موثّقة عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: إنّ الحدّ لا يورث كما تورث الدية و المال و العقار، و لكن من قام به من الورثة فطلبه فهو وليّه، و من لم يطلبه فلا حقّ له، و ذلك مثل رجل قذف رجلًا و للمقذوف أخ، فإن عفا عنه أحدهما كان للآخر أن يطلبه بحقّه؛ لأنّها أُمّهما جميعاً و العفو إليهما جميعاً «2» و المستفاد من فرض أخ واحد للمقذوف، و من التعليل بأنّها أُمّهما، أنّ القذف إنّما كان بنحو يا ابن الزانية، و إطلاق المقذوف على المخاطب مع أنّه غير المنسوب إليه مبنيّ على التسامح و في مقابلهما رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: الحدّ لا

يورّث «3» و لكنّها محمولة على إرادة عدم كونه موروثاً على حسب إرث المال، و يؤيّده وقوع التعبير

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 447، أبواب حدّ القذف ب 14 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 334، أبواب مقدّمات الحدود ب 23 ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 334، أبواب مقدّمات الحدود ب 23 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 402

..........

______________________________

بهذا النحو في الموثّقة، مع أنّ الشيخ (قدّس سرّه) قال في محكيّ العدّة: عملت الطائفة بما رواه أي السكوني فيما لم يكن عندهم خلافه «1» ثمّ إنّ البحث في استثناء الزوج و الزوجة من ورّاث حقّ حدّ القذف موكول إلى كتاب الإرث.

______________________________

(1) عُدّة الأُصول: 1/ 149.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 403

[فروع]

اشارة

فروع

[الأولّ: من سبّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) و العياذ باللّٰه وجب على سامعه قتله ما لم يخف على نفسه أو عرضه]

الأولّ: من سبّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) و العياذ باللّٰه وجب على سامعه قتله ما لم يخف على نفسه أو عرضه، أو نفس مؤمن أو عرضه، و معه لا يجوز، و لو خاف على ماله المعتدّ به أو مال أخيه كذلك جاز ترك قتله، و لا يتوقّف ذلك على إذن من الإمام (عليه السّلام) أو نائبه، و كذا الحال لو سبّ بعض الأئمّة (عليهم السّلام)، و في إلحاق الصديقة الطاهرة (سلام اللّٰه عليها) بهم وجه، بل لو رجع إلىٰ سبّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) يقتل بلا إشكال (1).

______________________________

(1) الكلام في هذا الفرع يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في سبّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) و لا إشكال و لا خلاف في وجوب قتله في الجملة، بل في الجواهر الإجماع بقسميه عليه «1»، و يدلّ على ذلك مضافاً إلى ما ذكر روايات متعدّدة:

منها: صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سئل عمّن شتم

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 432.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 404

..........

______________________________

رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله)، فقال: يقتله الأدنى فالأدنى قبل أن يرفع إلى الإمام «1» و قد حقّق في الأصول ظهور الجملة الخبرية في مثل هذه المقامات في الوجوب، بل أظهريّتها من صيغة افعل و ما يشابهها و منها: رواية عليّ بن جعفر قال: أخبرني أخي موسى (عليه السّلام) قال: كنت واقفاً على رأس أبي حين أتاه رسول زياد بن عبيد اللّٰه الحارثي عامل المدينة فقال: يقول لك الأمير: انهض إليّ، فاعتلّ بعلّة، فعاد إليه الرسول فقال: قد أُمرت أن يفتح لك باب المقصورة فهو أقرب لخطوك، قال:

فنهض أبي و اعتمد عليّ و دخل على الوالي، و قد جمع فقهاء أهل المدينة كلّهم، و بين يديه كتاب فيه شهادة على رجل من أهل وادي القرى قد ذكر النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) فنال منه، فقال له الوالي: يا أبا عبد اللّٰه انظر في الكتاب، قال: حتّى أنظر ما قالوا، فالتفت إليهم فقال: ما قلتم؟ قالوا: قلنا يؤدَّب و يضرب و يعزَّر (يعذَّب) و يحبس، قال: فقال لهم: أ رأيتم لو ذكر رجلًا من أصحاب النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) ما كان الحكم فيه؟ قالوا: مثل هذا، قال: فليس بين النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) و بين رجل من أصحابه فرق؟! فقال الوالي: دع هؤلاء يا أبا عبد اللّٰه لو أردنا هؤلاء لم نرسل إليك، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): أخبرني أبي أنَّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) قال: الناس فيَّ أُسوة سواء، من سمع أحداً يذكرني فالواجب عليه أن يقتل من شتمني و لا يرفع إلى السلطان، و الواجب على السلطان إذا رفع إليه أن يقتل من نال منّي، فقال زياد بن عبيد اللّٰه: أخرجوا الرجل فاقتلوه بحكم أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «2» و منها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: إنّ رجلًا من هذيل كان

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 554، أبواب حدّ المرتدّ ب 7 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 459، أبواب حدّ القذف ب 25 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 405

..........

______________________________

يسبّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله)، فبلغ ذلك النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) فقال: من لهذا؟ فقام رجلان من الأنصار

فقالا: نحن يا رسول اللّٰه، فانطلقا حتّى أتيا عربة، فسألا عنه، فإذا هو يتلقّى غنمه، فقال: من أنتما و ما اسمكما؟ فقالا له: أنت فلان بن فلان؟ قال: نعم، فنزلا فضربا عنقه قال محمّد بن مسلم: فقلت لأبي جعفر (عليه السّلام): أ رأيت لو أنّ رجلًا الآن سبّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) أ يقتل؟ قال: إن لم تخف على نفسك فاقتله «1» و منها: غير ذلك من الروايات الدالّة على وجوب قتل سابّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) عموماً أو خصوصاً فلا إشكال في أصل الحكم، كما أنّه لا ينبغي الإشكال في تقييد الحكم بما إذا لم يكن هناك خوف على نفسه، نظراً إلى صحيحة محمّد بن مسلم، غاية الأمر أنّ مفادها نفي الوجوب مع الخوف. و أمّا عدم الجواز فلا دلالة لها عليه، بل يستفاد من أدلّة وجوب التحفّظ على النفس و احترامها و بلحاظ هذه الأدلّة يستفاد أنّه لا فرق بين الخوف على نفسه و بين الخوف على نفس مؤمن آخر و إن كان ظاهر الصحيحة الاقتصار على الخوف على النفس، إلّا أنّ مفادها جريان التقيّة في هذا الأمر، و لا فرق فيه بينهما، كما أنّه يستفاد من المجموع عدم الاختصاص بما إذا كان هناك خوف على النفس أيّ نفس كانت، بل يعمّ الخوف على العرض مطلقاً أيضاً، لاحترامه في الشريعة و جريان التقيّة بالإضافة إليه كذلك و أمّا المال فإن كان يسيراً غير معتدّ به فلا إشكال في عدم كون الخوف عليه

______________________________

(1) الكافي: 7/ 267 ح 33، وسائل الشيعة: 18/ 460، أبواب حدّ القذف ب 25 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 406

..........

______________________________

رافعاً

للوجوب، و أمّا إذا كان خطراً معتدّاً به فظاهر المتن جواز الترك في هذه الصورة، و لعلّ وجهه مثل دليل نفي الحرج الرافع للإلزام فقط لا الجواز، فتدبّر ثمّ إنّ مقتضى صحيحة هشام المتقدّمة عدم التوقّف على الرجوع إلى الإمام (عليه السّلام) أو نائبه و الاستئذان منه، بل ظاهر ذيل رواية عليّ بن جعفر النهي عن الرفع إلى السلطان، و لعلّه بلحاظ وقوعه في مقام توهّم الوجوب يفيد نفي الوجوب فقط، و يؤيّده فرض الرفع إلى السلطان بعد هذا النهي و الحكم عليه بوجوب القتل، كما لا يخفى المقام الثاني: في سبّ بعض الأئمّة (عليهم السّلام)، و الظاهر مضافاً إلى نفي وجدان الخلاف فيه في الجواهر، بل دعوى ثبوت الإجماع بقسميه عليه «1» أنّه بعد ثبوت الحكم في المقام الأولّ بالإضافة إلى النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) لا حاجة إلى ورود دليل خاصّ بالنسبة إلى الأئمّة (عليهم السّلام)؛ لوضوح كونهم بحكمه و أنّهم يجرون مجراه، و قد عبّر الكتاب العزيز في آية المباهلة «2» عن عليّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) بأنّه نفس النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله)، و من المعلوم أنّه لا فرق بينه و بين أولاده المعصومين (عليهم السّلام) من هذه الجهة، و عليه فلا حاجة إلى الاستشهاد على سريان هذا الحكم في سبّ الأئمّة (عليهم السّلام) إلى رواية أو غيرها، إلّا أنّ هنا روايات تؤكّد هذا الحكم منها: صحيحة هشام بن سالم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما تقول في رجل سبّابة لعلي (عليه السّلام)؟ قال: فقال لي: حلال الدم و اللّٰه لو لا أن تعمّ به بريئاً. قال: قلت: لأيّ شي ء يعمّ به بريئاً؟ قال: يقتل مؤمن بكافر،

و لم يزد على ذلك «3» هذا على نقل

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 435.

(2) سورة آل عمران 3: 61.

(3) علل الشرائع: 601 ح 59 من نوادر العلل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 407

..........

______________________________

الصدوق. و أمّا على نقل الكليني، فبعد قوله (عليه السّلام): «لو لا أن تعمَّ به بريئاً» قال: قلت: فما تقول في رجل مؤذٍ لنا؟ قال: في ماذا؟ قلت: فيك يذكرك، قال: فقال لي: له في عليّ (عليه السّلام) نصيب؟ قلت: إنّه ليقول ذلك و يظهره، قال: لا تعرّض له «1» و النهي عن التعرّض له بناءً على النقل الأخير محمول على صورة الخوف عليه بقرينة الصدر الظاهر في حليّة دمه. و قال العلّامة المجلسي (قدّس سرّه) في محكيّ مرآة العقول: «لو لا أن تعمّ» أي أنت أو البليّة بسبب القتل من هو بري ء منه، و قوله (عليه السّلام): «له في عليّ (عليه السّلام) نصيب» يحتمل أن يكون المراد به أنّه هل يتولّى عليّاً (عليه السّلام) و يقول بإمامته؟ فقال الراوي: نعم، هو يظهر ولايته (عليه السّلام)، فقال: «لا تعرّض له» أي لأجل أنّه يتولّى عليّاً (عليه السّلام) فيكون هذا إبداء عذر ظاهراً؛ لئلا يتعرّض السائل لقتله فيورث فتنة، و إلّا فهو حلال الدم، إلّا أن يحمل على ما لم ينته إلى الشتم بل نفي إمامته (عليه السّلام)، و يحتمل أن يكون استفهاماً إنكاريّاً، أي من يذكرنا بسوء كيف يزعم أنّ له في عليّ (عليه السّلام) نصيباً؟ فتولّى السائل تكراراً لما قال أوّلًا، و يمكن أن يكون الضمير في قوله (عليه السّلام): «له» راجعاً إلى الذكر، أي قوله يسري إليه (عليه السّلام) أيضاً، و منهم من قال: هو تصحيف «نصب»

بدون الياء «2» و منها: رواية عبد اللّٰه بن سليمان العامري قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أيّ شي ء تقول في رجل سمعته يشتم عليّاً (عليه السّلام) و يبرأ منه؟ قال: فقال لي: و اللّٰه هو حلال الدم، و ما ألف منهم برجل منكم، دعه «3» و منها: رواية عليّ بن حديد قال: سمعت من سأل أبا الحسن الأوّل (عليه السّلام) فقال: إنّي

______________________________

(1) الكافي: 7/ 269 270 ح 44، وسائل الشيعة: 18/ 461، أبواب حدّ القذف ب 27 ح 1.

(2) مرآة العقول: 23/ 419 ذ ح 44.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 462، أبواب حدّ القذف ب 27 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 408

..........

______________________________

سمعت محمّد بن بشير يقول: إنّك لست موسى بن جعفر الذي أنت إمامنا و حجّتنا فيما بيننا و بين اللّٰه، قال: فقال: لعنه اللّٰه ثلاثاً أذاقه اللّٰه حرَّ الحديد، قتله اللّٰه أخبث ما يكون من قتلة، فقلت له: إذا سمعت ذلك منه أَ وَ ليس حلال لي دمه؟ مباح كما أُبيح دم السبّاب لرسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) و الإمام؟ قال: نعم حلّ و اللّٰه، حلّ و اللّٰه دمه، و أباحه لك و لمن سمع ذلك منه، قلت: أ و ليس ذلك بسابّ لك؟ قال: هذا سبّاب للّٰه و سبّاب لرسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله)، و سبّاب لآبائي و سبّابي، و أيّ سبّ ليس يقصر عن هذا و لا يفوقه هذا القول، فقلت: أ رأيت إذا أنا لم أخف أن أغمر بذلك بريئاً ثمَّ لم أفعل و لم أقتله ما عليَّ من الوزر؟ فقال: يكون عليك وزره أضعافاً مضاعفة من غير أن

ينقص من وزره شي ء، أما علمت أنّ أفضل الشهداء درجة يوم القيامة من نصر اللّٰه و رسوله بظهر الغيب، و ردّ عن اللّٰه و عن رسوله (صلّى اللّٰه عليه و آله) «1» و منها: صحيحة داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما تقول في قتل الناصب؟ فقال: حلال الدم و لكنّي أتّقي عليك، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد به عليك فافعل، قلت: فما ترى في ماله؟ قال: توّه ما قدرت عليه «2» و لا ينافي ذلك مرسلة أبي الصبّاح قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّ لنا جاراً فنذكر عليّاً (عليه السّلام) و فضله فيقع فيه، أ فتأذن لي فيه؟ فقال: أو كنت فاعلًا؟ فقلت: إي و اللّٰه لو أذنت لي فيه لأرصدنّه، فإذا صار فيها اقتحمت عليه بسيفي فخبطته حتّى أقتله، فقال: يا أبا الصبّاح هذا القتل (الفتك خ ل)، و قد نهى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 463، أبواب حدّ القذف ب 27 ح 6.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 463، أبواب حدّ القذف ب 27 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 409

..........

______________________________

القتل (الفتك خ ل)، يا أبا الصبّاح إنّ الإسلام قيد القتل (الفتك خ ل)، و لكن دعه فستكفى بغيرك، الحديث «1» لأنّها مضافاً إلى إرسالها يمكن أن تحمل على صورة الخوف التي يحرم فيها القتل. و استشهاده (عليه السّلام) بقول الرسول لأجل أنّه رأى (عليه السّلام) عدم الانصراف بدونه، خصوصاً مع علمه (عليه السّلام) بموته من غير هذا الطريق، كما يدلّ عليه ذيل الحديث، و عليه فلم يكن هناك

وجه لقتله كما لا يخفى و قد ظهر ممّا ذكرنا أنّه لا مجال للمناقشة في وجوب قتل سابّ الإمام (عليه السّلام)، لكنّ الكلام في أنّه هل يتوقّف على إذن الإمام و المراجعة إليه أم لا، كما في قتل سابّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) على ما عرفت؟ فيه قولان، نسب الثاني إلى المشهور «2» بل عن الغنية الإجماع عليه «3»، و حكي الأوّل عن المفيد «4» و العلّامة في المختلف «5» و لعلّ مستندهما رواية عمّار السجستاني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّ عبد اللّٰه بن النجاشي قال له و عمّار حاضر-: إنّي قتلت ثلاثة عشر رجلًا من الخوارج كلّهم سمعته يبرأ من عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام)، فسألت عبد اللّٰه بن الحسن فلم يكن عنده جواب، و عظم عليه و قال: أنت مأخوذ في الدنيا و الآخرة، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): و كيف قتلتهم يا أبا بحير؟ فقال: منهم من كنت أصعد سطحه بسلّم حتّى أقتله، و منهم من دعوته بالليل على بابه فإذا خرج قتلته، و منهم من كنت أصحبه في

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 169، أبواب ديات النفس ب 22 ح 1.

(2) رياض المسائل: 10/ 128، جواهر الكلام: 41/ 438.

(3) غنية النزوع: 428.

(4) المقنعة: 743.

(5) مختلف الشيعة: 9/ 460 ذ مسألة 141.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 410

..........

______________________________

الطريق فإذا خلا لي قتلته، و قد استتر ذلك عليَّ، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): لو كنت قتلتهم بأمر الإمام لم يكن عليك شي ء في قتلهم، و لكنّك سبقت الإمام فعليك ثلاث عشرة شاة تذبحها بمنى و تتصدّق بلحمها لسبقك الإمام، و ليس عليك غير

ذلك «1» و لكنّها مضافاً إلى قصورها سنداً، يمكن أن يكون الوجه في لزوم التصدّق بما ذكر كونه مردّداً حين القتل في مشروعيّة عمله، و لأجله سأل عبد اللّٰه بن الحسن، و كان هذا الأمر مضافاً إلى جواب عبد اللّٰه بن الحسن منشأً لسؤاله عن الإمام (عليه السّلام)، و عليه فيمكن أن تكون الكفّارة المذكورة كفّارة للتجرّي على القتل مع عدم إحراز مشروعيّته، فالمراد حينئذٍ من الرجوع إلى الإمام هو الرجوع إليه لإحراز أصل المشروعيّة، فلا دلالة للرواية على التوقّف على الاستئذان فيما هو محلّ البحث بقي في هذا الفرع أمور:

الأوّل: أنّه لا إشكال في وجوب قتل سابّ الصديقة الطاهرة سلام اللّٰه عليها لو رجع سبّها إلى سبّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله)، و أمّا مع عدم رجوعه إليه فالظاهر لحوقه بسبّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) و الإمام (عليه السّلام)؛ لما مرّ من أنّه يعلم من الخارج أنّها بحكمهم، و يترتّب عليها ما يترتّب عليهم، و أنّ ارتباطها بمقام النبوّة و الإمامة ارتباط خاصّ لا يوجد في غيرها، و ما ورد في شأنها و علوّ مقامها و عظم مكانها لا يعدّ و لا يحصى، و قد وردت آية التطهير في شأنها و شأن أبيها و بعلها و بنيها، و هي الكوثر الذي أعطاه اللّٰه النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله)، و عليه فلا ينقص احترامها عن احترامهم صلوات اللّٰه عليها و عليهم أجمعين و أمّا سائر المنسوبين إلى النبيِّ أو الإمام، فلا دليل على ثبوت قتل سابّهم إذا لم

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 170، أبواب ديات النفس ب 22 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 411

..........

______________________________

يرجع سبّهم

إلى سبّهما، و إن حكي عن التحرير إلحاق أمّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) و بنته به مطلقاً «1»، و حكى في الرياض عن غير التحرير أيضاً «2»، لكنّه لم يقم بالإضافة إليهم دليل الثاني: أنّه لا فرق في السابّ في المقامين بين المسلم و الكافر؛ لعموم الروايات الواردة فيهما، و ملاحظة حكمة الحكم أيضاً تقتضي ذلك؛ لأنّ الغرض التحفّظ على شأنه و عدم الوقوع فيه بحيث يوجب نقصان مرتبته في الناس، و هذا لا فرق فيه بين المسلم و الكافر، و قد روي عن عليّ (عليه السّلام): أنّ يهوديّة كانت تشتم النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) و تقع فيه، فخنقها رجل حتّى ماتت، فأبطل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) دمها «3» الثالث: قال في المسالك: في إلحاق باقي الأنبياء بذلك قوّة؛ لأنّ كمالهم و تعظيمهم علم من دين الإسلام ضرورةً، فسبّهم ارتداد «4» و في محكيّ الرياض عن الغنية «5» الإجماع عليه «6»، و لكن مقتضى دليل المسالك إجراء أحكام الارتداد و التفصيل بين الفطري و الملّي، مع أنّ الظاهر أنّ مرادهم كون سبّ الأنبياء إنّما هو كسبّ نبيّنا (صلّى اللّٰه عليه و آله) من ترتّب وجوب القتل عليه مطلقاً، نعم يدلّ عليه ما رواه الفضل بن الحسن الطبرسي بإسناده في صحيفة الرضا، عن آبائه (عليهم السّلام)، عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) قال: من سبّ نبيّاً قتل، و من سبّ صاحب نبيّ جلد «7».

______________________________

(1) تحرير الأحكام: 2/ 239.

(2) رياض المسائل: 10/ 129.

(3) سنن النسائي: 7/ 108.

(4) مسالك الأفهام: 14/ 453.

(5) غنية النزوع: 428.

(6) رياض المسائل: 10/ 128.

(7) وسائل الشيعة: 18/ 460، أبواب حدّ القذف ب 25 ح

4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 412

[الثاني: من ادّعىٰ النبوّة يجب قتله]

الثاني: من ادّعىٰ النبوّة يجب قتله، و دمه مباح لمن سمعها منه إلّا مع الخوف كما تقدّم. و من كان على ظاهر الإسلام و قال: «لا أدري أنّ محمّد بن عبد اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) صادق أو لا» يقتل (1).

______________________________

و لا يصلح لمعارضتها مرسلة المبسوط، قال: روي عن علي (عليه السّلام) أنّه قال: لا أُوتي برجل يذكر أنّ داود صادف المرأة إلّا جلدته مائة و ستّين، فإنَّ جلد الناس ثمانون و جلد الأنبياء مائة و ستّون «1» حدّ مدّعي النبوّة

(1) في هذا الفرع أيضاً مقامان:

الأوّل: فيمن ادّعى النبوّة، و لا خلاف ظاهراً في وجوب قتله، إنّما الكلام في الدليل عليه، ففي محكيّ المسالك الاستدلال عليه بالعلم بانتفاء دعوى النبوّة من دين الإسلام ضرورةً، فيكون ذلك ارتداداً من المسلم و خروجاً من الملل التي تقرّ أهلها، فيقتل لذلك «2» و لكن يرد عليه عدم انطباق الدليل على المدّعى، فإنّ المدّعى وجوب قتل المدّعى مطلقاً من دون فرق بين المسلم و الكافر، و من دون فرق في الأوّل بين الملّي و الفطري، و لا بين الرجل و المرأة، و الدليل لا ينطبق على هذا المدّعى كما هو ظاهر فالأولى، بل المتعيّن الاستدلال عليه بالروايات في المسألة، مثل:

موثّقة ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّ بزيعاً يزعم أنّه نبيّ! فقال: إن سمعته يقول ذلك فاقتله، قال: فجلست إلى جنبه غير مرّة فلم يمكنّي ذلك «3».

______________________________

(1) المبسوط: 8/ 15.

(2) مسالك الأفهام: 14/ 453.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 555، أبواب حدّ المرتدّ ب 7 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود،

ص: 413

..........

______________________________

و الظاهر أنّ المراد من سماعه منه هو العلم بصدور هذا الادّعاء، أو ما يقوم مقامه لا خصوص السماع مباشرة و موثّقة أبي بصير يحيى بن أبي القاسم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال في حديث: قال النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله): أيّها الناس إنّه لا نبيّ بعدي و لا سنّة بعد سنّتي، فمن ادّعى ذلك فدعواه و بدعته في النار فاقتلوه، و من تبعه فإنّه في النار، الحديث «1» و رواية الحسن بن عليّ بن فضّال، عن الرضا (عليه السّلام) في حديث قال: و شريعة محمّد (صلّى اللّٰه عليه و آله) لا تنسخ إلى يوم القيامة، و لا نبيّ بعده إلى يوم القيامة، فمن ادّعى نبيّاً أو أتى بعده بكتاب فدمه مباح لكلّ من سمع منه «2» الثاني: فيمن كان على ظاهر الإسلام، و أظهر الشك في نبوّة نبيّنا (صلّى اللّٰه عليه و آله)، و لا خلاف فيه ظاهراً أيضاً في وجوب قتله، و استدلّ عليه في محكيّ المسالك أيضاً بالارتداد «3»، و قد عرفت عدم انطباقه على المدّعى فالأولى الاستدلال عليه بصحيحة عبد اللّٰه بن سنان، المرويّة في محاسن البرقي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: من شكّ في اللّٰه و في رسوله فهو كافر «4» و تقريب الاستدلال أنّه ليس المراد هو الشكّ في اللّٰه و في رسوله معاً، بل الشكّ في أحدهما؛ لأنّه لا معنى للشكّ في النبوّة بعد الشك في الألوهيّة، كما أنّ الظاهر أنّ المراد من الموضوع هو الذي عرض له الشك بعد أن لم يكن شاكّاً، فالمراد بالشكّ هو الشك الحادث، فينطبق على المسلم الذي شكّ في أحدهما بعد أن كان معتقداً

______________________________

(1) وسائل

الشيعة: 18/ 555، أبواب حدّ المرتدّ ب 7 ح 3.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 555، أبواب حدّ المرتدّ ب 7 ح 4.

(3) مسالك الأفهام: 14/ 453.

(4) المحاسن: 1/ 170 ح 260، وسائل الشيعة: 18/ 561، أبواب حدّ المرتدّ ب 10 ح 22.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 414

[الثالث: من عمل بالسحر يقتل إن كان مسلماً، و يؤدَّب إن كان كافراً]

الثالث: من عمل بالسحر يقتل إن كان مسلماً، و يؤدَّب إن كان كافراً، و يثبت ذلك بالإقرار، و الأحوط الإقرار مرّتين، و بالبيّنة. و لو تعلّم السحر لإبطال مدّعي النبوّة فلا بأس به، بل ربما يجب (1).

______________________________

بكليهما، كما أنّ الظاهر أنّه ليس المراد هو الشكّ الباطني الذي لم يبلغ إلى مرتبة الإظهار و الإعلام، بل الشك الذي أظهره المسلم. نعم، يبقى على الاستدلال بها أنّه لا دلالة لها على وجوب القتل؛ لأنّ الحكم بالكفر لا يلازم الحكم بوجوب القتل إلّا أن يتحقّق المشي من طريق الارتداد، كما صنعه صاحب المسالك على ما عرفت و برواية الحارث بن المغيرة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): لو أنّ رجلًا أتى النبيَّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) فقال: و اللّٰه ما أدري أ نبيّ أنت أم لا، كان يقبل منه؟ قال: لا، و لكن كان يقتله، أنّه لو قبل ذلك ما أسلم منافق أبداً «1» بناءً على أن يكون المراد بالرجل هو الرجل الذي كان على ظاهر الإسلام، و لكن ينافيه التعليل الواقع في الذيل؛ لأنّ الظاهر أنّ المنافق كان كافراً قبل إسلامه، إلّا أن يحمل على المنافق الذي أظهر الإسلام ثمّ شكّ في النبوّة، فتدبّر و كيف كان، فالقصور في الروايات سنداً أو دلالة ينجبر بالفتوى على وجوب القتل في المقام استناداً إليها و اتّكالًا

عليها حدّ الساحر

(1) و يدلّ على وجوب قتل من عمل بالسحر إن كان مسلماً و تأديبه إن كان كافراً مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): ساحر المسلمين يقتل و ساحر الكفّار لا يقتل، فقيل: يا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) و لم لا يقتل ساحر الكفّار؟ قال: لأنّ الكفر (الشرك خ ل) أعظم من

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 551، أبواب حدّ المرتدّ ب 5 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 415

..........

______________________________

السحر، و لأنّ السحر و الشرك مقرونان «1» و بهذه الرواية يقيّد إطلاق رواية زيد الشحّام، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: الساحر يضرب بالسيف ضربة واحدة على رأسه «2» بناءً على أن تكون الرواية بصدد بيان حكم وجوب القتل، و أمّا لو كانت بصدد بيان الكيفيّة بحيث كان المراد بالساحر فيها هو الساحر الذي يجب قتله، فلا إطلاق لها أصلًا و كذا يقيّد إطلاق رواية زيد بن عليّ، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السّلام) قال: سئل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) عن الساحر، فقال: إذا جاء رجلان عدلان فشهدا بذلك فقد حلّ دمه «3».

ثمّ الظاهر أنّ المراد من عنوان الساحر في الروايات هو من تلبّس بالسحر و لو مرّةً، فتنطبق الروايات على العنوان المأخوذ في الفتاوى؛ و هو من عمل بالسحر، و ليس المراد منه ما ربّما يقال: و هو «من اتّخذ السحر صنعةً و عملًا و حرفةً له» و الدليل على ما ذكرنا مضافاً إلى أنّه المتبادر من عنوان الساحر كعنوان الضارب و نحوه قوله

(صلّى اللّٰه عليه و آله) في ذيل رواية السكوني: «و لأنّ السحر و الشرك مقرونان» الظاهر في أنّ الحكم إنّما يكون مترتّباً على تحقّق السحر كالشرك و مقتضى إطلاق النصّ و الفتوى أنّه لا فرق بين من كان مستحلا، و من لم يكن كذلك، و لا وجه لدعوى الاختصاص بالأوّل، كما ربّما يحكى عن بعض «4» ثمّ إنّه لا إشكال في ثبوته بالإقرار، و في اعتبار التعدّد أو كفاية الوحدة ما عرفت في نظائر المقام مراراً، كما أنّه لا إشكال بمقتضى رواية زيد بن علي و عموم دليل

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 576، أبواب بقيّة الحدود ب 1 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 576، أبواب بقيّة الحدود ب 1 ح 3.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 577، أبواب بقيّة الحدود ب 3 ح 1.

(4) راجع رياض المسائل: 10/ 131.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 416

[الرابع: كلّ ما فيه التعزير من حقوق اللّٰه سبحانه و تعالى يثبت بالإقرار]

الرابع: كلّ ما فيه التعزير من حقوق اللّٰه سبحانه و تعالى يثبت بالإقرار و الأحوط الأولىٰ أن يكون مرّتين، و بشاهدين عدلين (1).

______________________________

حجيّة البيّنة في ثبوت المقام بها أيضاً، و دعوى عدم جريانها هنا نظراً إلى أنّ الشاهد لا يعرف قصده و لا يشاهد التأثير واضحة المنع ثمّ إنّه يظهر منهم أنّ تعلّم السحر في مورد حرمته و هو غير ما إذا كان لإبطال دعوى النبوّة به لا يترتّب عليه حكم القتل؛ لتعليقهم الحكم بذلك على العامل، إلّا أنّه هنا رواية تدلّ على وجوب قتله أيضاً في الجملة، و هي رواية إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام)، أنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يقول: من تعلّم شيئاً من السحر كان آخر عهده بربّه، و حدّه القتل

إلّا أن يتوب، الحديث «1» و يظهر من الجواهر الحكم بضعف سند الرواية؛ لحكمه بأنّه لا جابر لها «2» و منشأه وجود غياث بن كلوب بن قيس في السند، مع أنّ المحكيّ عن عدّة الشيخ (قدّس سرّه) في شأنه أنّ العصابة عملت برواياته فيما لم ينكر و لم يكن عندهم خلافه «3» فإن ثبت إعراض المشهور عن الرواية و الفتوى على طبقها مع كونها بمرأى منهم فهو قادح فيها، و إلّا لا مجال للإعراض عنها كما لا يخفى

(1) أمّا أصل الثبوت بالإقرار، فيدلّ عليه مضافاً إلى إطلاق دليل نفوذ الإقرار و جوازه فحوى ثبوت ما فيه الحدّ بالإقرار، نظراً إلى أنّه لو كان موجب الحدّ ثابتاً بالإقرار مثل الزنا و اللواط على ما عرفت، فثبوت موجب التعزير به إنّما

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 577، أبواب بقيّة الحدود ب 3 ح 2.

(2) جواهر الكلام: 41/ 443.

(3) عدّة الأُصول: (1)/ 149.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 417

[الخامس: كلّ من ترك واجباً أو ارتكب حراماً فللإمام (عليه السّلام) و نائبه تعزيره]

الخامس: كلّ من ترك واجباً أو ارتكب حراماً فللإمام (عليه السّلام) و نائبه تعزيره بشرط أن يكون من الكبائر، و التعزير دون الحدّ، و حدّه بنظر الحاكم، و الأحوط له فيما لم يدلّ دليل على التقدير عدم التجاوز عن أقلّ الحدود (1).

______________________________

يكون بطريق أولى، مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه ظاهراً، و أمّا لزوم التعدّد أو كفاية المرّة فقد مرّ البحث فيه «1» و أنّه يمكن أن يستفاد من النصوص التي عبّر فيها عن الإقرار بالشّهادة أنّ اعتباره إنّما هو من باب أنّه شهادة على النفس، فيلزم فيه التعدّد؛ لعدم كفاية الشهادة الواحدة و أمّا الثبوت بالبيّنة، فيدلّ عليه عموم أو إطلاق ما دلّ على

اعتبارها في الموضوعات، و ظاهر المتن عدم اعتبار شهادة النساء، لكن عرفت أنّ مقتضى الجمع بين الروايات المختلفة الواردة في هذه المسألة اعتبار شهادة النساء منضمّات في باب الحدود، و لازمه كفاية شهادة رجل و امرأتين في المقام؛ لأنّ مقتضى الاعتبار في باب الحدود الاعتبار في التعزيرات بطريق أولى التعزيرات

(1) في هذا الفرع جهات من الكلام:

الاولىٰ: أنّه هل التعزير فيمن ترك واجباً أو ارتكب محرّماً في الجملة ثابت عليه مطلقاً، أو مشروط بما إذا لم ينته بالنهي و التوبيخ و نحوهما؟ وجهان: ظاهر مثل المتن هو الأوّل، و المحكيّ عن كشف اللثام الثاني؛ نظراً إلى أنّه إذا انتهى بدون الضرب لا دليل على التعزير إلّا في مواضع مخصوصة ورد النصّ فيها بالتأديب و التعزير «2»، و لكنّ المستفاد من النصوص الكثيرة الواردة في موارد متشتّتة أنّ

______________________________

(1) في ص 347- 348.

(2) كشف اللثام: 2/ 415.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 418

..........

______________________________

وزان التعزير وزان الحدّ و أنّه قائم مقامه، غاية الأمر أنّ اختلاف الموجب أوجب الاختلاف من جهة الحدّ و التعزير، فكما أنّ الحدّ يترتّب على موجبه، و لا يتوقّف على عدم الانتهاء بمثل الموعظة و التوبيخ، فكذلك التعزير يترتّب على موجبه مطلقاً مضافاً إلى دلالة روايات متعدّدة على أنّ اللّٰه عزّ و جل جعل لكلّ شي ء حدّا، و جعل على من تعدّى حدّا من حدود اللّٰه عزّ و جل حدّا «1» فإنّ مقتضاها ثبوت الحدّ بالمعنى الأعم من التعزير على كلّ من تعدّى حدّا من حدود اللّٰه تبارك و تعالى، و لازمه ثبوت الحدّ بالمعنى المذكور بمجرّد التعدّي من دون توقّف على شي ء، و حمل الحدّ على المعنى الأعمّ من

التعزير إنّما هو لأجل عدم ثبوت الحدّ المقابل له في جميع موارد التعدّي، و لهذه العلّة لا يمكن الحمل على خصوص التعزير أيضاً، كما ربّما يشعر به عبارة الجواهر «2»، خصوصاً مع التمثيل ببعض الحدود في بعض هذه الروايات، فراجع الثانية: اشتراط كونه من الكبائر، و قد وقع التصريح به في المتن تبعاً لصاحب الجواهر «3»، و مقتضى الروايات المتقدّمة الواردة في ثبوت الحدّ بالمعنى الأعمّ من التعزير على من تعدّى شيئاً من حدود اللّٰه تبارك و تعالى عدم اشتراط هذا الشرط؛ لأنّه لا فرق في التعدّي عن الحدود الإلهيّة بين ما إذا كان كبيراً، و بين ما إذا كان صغيراً، إلّا أنّه يمكن الاستشهاد على الاشتراط بقوله تعالى:

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 309 311 ب 2 و 3 من أبواب مقدّمات الحدود.

(2) جواهر الكلام: 41/ 448.

(3) جواهر الكلام: 41/ 448.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 419

..........

______________________________

إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً «1» نظراً إلى ظهوره في أنّ اجتناب الكبائر يكفِّر الصغائر المعبّر عنها بالسيّئات، فإذا صارت مكفّرة فلا يترتّب عليها التعزير، إلّا أنّ لازم ذلك عدم ثبوت التعزير في ارتكاب الصغيرة بالإضافة إلى خصوص مجتنب الكبيرة. و أمّا من ارتكب كلتيهما فلا دلالة للآية على العدم كما لا يخفى، إلّا أن يتشبّث بعدم القول بالفصل من هذه الجهة الثالثة: مقدار التعزير، و يستفاد من الجواهر أنّ فيه أقوالًا أربعة «2»:

أحدها: ما اختاره المحقّق في الشرائع من أنّه لا يبلغ به حدّ الحرّ في الحرّ و لا حدّ العبد في العبد «3» و فسّر في الجواهر حدّ الحرّ بالمائة و حدّ العبد بالأربعين، و لم

يعلم وجه تفسير حدّ الحرّ بالأكثر و حدّ العبد بالأقلّ، و حكي عن المجلسي (قدّس سرّه) في المرآة نسبة هذا القول إلى الأصحاب رضوان اللّٰه تعالى عليهم- «4» ثانيها: أن لا يبلغ به أدنى الحدّ في العبد مطلقاً، أي من دون فرق بين الحرّ و العبد، فأكثر مقدار التعزير حينئذٍ تسعة و ثلاثون ثالثها: يجب أن لا يبلغ به أقلّ الحدّ، ففي الحرّ خمسة و سبعون حدّ القيادة، و في العبد أربعون رابعها: أنّه فيما ناسب الزنا يجب أن لا يبلغ حدّه، و فيما ناسب القذف أو الشرب يجب أن لا يبلغ حدّه، و فيما لا مناسب له يجب أن لا يبلغ أقلّ الحدود و هو خمسة و سبعون حدّ القوّاد، و ظاهر هذا القول أيضاً التفصيل بين الحرّ و العبد في موارد

______________________________

(1) سورة النساء 4: 31.

(2) جواهر الكلام: 41/ 448.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 948.

(4) مرآة العقول: 23/ 374.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 420

..........

______________________________

ثبوت الفرق، و حكي هذا القول في محكيّ المسالك عن الشيخ «1» و الفاضل في المختلف «2»، «3» و ظاهر عبارة الشيخ في كتاب الخلاف في باب الأشربة خلاف ذلك، بل خلاف جميع الأقوال الأربعة، قال: لا يبلغ بالتعزير حدّ كامل بل يكون دونه، و أدنى الحدود في الأحرار ثمانون، فالتعزير فيهم تسعة و سبعون جلدة، و أدنى الحدود في المماليك أربعون، و التعزير فيهم تسع و ثلاثون «4» و لو حمل قوله: «و أدنى الحدود في الأحرار ثمانون» على الخطأ و الاشتباه و تخيّل أنّ أدنى الحدود فيهم ذلك المقدار، لانطبق كلامه على القول الثالث من الأقوال المتقدّمة، و هذه الدعوى غير مستبعدة و عن

ابن إدريس حمل كلام الشيخ (قدّس سرّه) على القول الرابع، و قال بعده: «و الذي يقتضيه أُصول مذهبنا و أخبارنا أنّ التعزير لا يبلغ الحدّ الكامل الذي هو المائة، أيّ تعزير كان، سواء كان ممّا يناسب الزنا أو القذف، و إنّما هذا الذي لوّح به شيخنا من أقوال المخالفين، و فرع من فروع بعضهم، و من اجتهاداتهم و قياساتهم الباطلة و ظنونهم العاطلة» «5» و من الظاهر أنّه لا مجال لحمل كلام الشيخ (قدّس سرّه) على هذا القول؛ لصراحته في خلافه، و أنّ التعزير لا بدّ و أن يكون ملحوظاً بأدنى الحدود في الأحرار و المماليك،

______________________________

(1) المبسوط: 8/ 69 70.

(2) مختلف الشيعة: 9/ 282 مسألة 141.

(3) مسالك الأفهام: 14/ 457.

(4) الخلاف: 5/ 497 مسألة 14.

(5) السرائر: 3/ 466.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 421

..........

______________________________

فالتنزيل المذكور بلا وجه ثمّ لم يعلم أنّ ما جعله ابن إدريس مقتضى أصول المذهب و الأخبار من أنّه لا يبلغ بالتعزير المائة، هل مراده في خصوص الأحرار أو الأعمّ من المماليك؟ لا وجه لدعوى الثاني، كما أنّ التخصيص بالأوّل يقتضي بيان حكم المماليك أيضاً، خصوصاً بعد تعرّض كلام الشيخ لحكم كليهما ثمّ إنّه يدلّ على القول الثاني صحيحة حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: كم التعزير؟ فقال: دون الحدّ، قال: قلت: دون الثمانين؟ قال: لا، و لكن دون أربعين، فإنّها حدّ المملوك، قلت: و كم ذاك؟ قال: على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل و قوّة بدنه «1» و دلالتها على أنّ الملحوظ هو أدنى حدود العبد مطلقاً في الحرّ و العبد واضحة، و يمكن أن يناقش فيها من جهة

دلالتها على تقرير الإمام (عليه السّلام) للراوي من جهة تخيّله كون أدنى الحدّ في الأحرار هو الثمانين، و لأجله سأل عنه، و لم ينكر عليه الإمام (عليه السّلام) بل قرّره على ذلك، فتدبّر و يدلّ على القول الأخير رواية عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: لو أتيت برجل قذف عبداً مسلماً بالزنا لا نعلم منه إلّا خيراً لضربته الحدّ، حدّ الحرّ إلّا سوطاً «2» و دلالتها على كونه أقلّ من حدّ القذف الجاري في خصوص ما إذا كان المقذوف حرّا واضحة، و ظهورها في تعيّن هذا المقدار محمول على كونه بصدد بيان الحدّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 584، أبواب بقيّة الحدود ب 10 ح 3.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 434، أبواب حدّ القذف ب 4 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 422

..........

______________________________

الأكثر، و لو نوقش في كون ذلك بعنوان التعزير فهي مندفعة برواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: من افترى على مملوك عزّر لحرمة الإسلام «1» فإنّ مجموع الروايتين يفيد كون تسعة و سبعين تعزيراً في باب القذف، و يستفاد منه أنّ التعزير في كلّ أمر لا بدّ و أن يلحظ بالإضافة إلى الحدّ المقرّر فيه، و أنّه يلزم أن يكون أقلّ منه و هنا رواية عمل بمضمونها ابن حمزة «2»؛ و هي رواية إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن التعزير كم هو؟ قال: بضعة عشر سوطاً ما بين العشرة إلى العشرين «3» و رواية مرسلة رواها الصدوق قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): لا يحلّ لوالٍ يؤمن باللّٰه و اليوم الآخر أن يجلد أكثر

من عشرة أسواط إلّا في حدّ، و أذن في أدب المملوك من ثلاثة إلى خمسة «4» و قد مرّ غير مرّة أنّ مثل هذا النحو من الإرسال غير قادح في حجيّة الرواية، و لكنّ الإشكال في أنّه غير معمول بها؛ لخروجه عن الأقوال الأربعة المتقدّمة، و لم يوجد من عمل بها و ربّما يقال في مقام الجمع بين صحيحة حمّاد المتقدّمة و موثّقة إسحاق بن عمّار: أنّه لا بدّ من رفع اليد عن ظهور الموثّقة و حملها على المثال؛ لقوّة ظهور الصحيحة في جواز التعزير بأكثر من عشرين، و أنّه على تقدير المعارضة يكون الترجيح مع الصحيحة؛ لاعتضادها بإطلاقات أدلّة التعزير، فإنّ المقدار الثابت إنّما هو عدم

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 436، أبواب حدّ القذف ب 4 ح 12.

(2) الوسيلة: 423.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 583، أبواب بقيّة الحدود ب 10 ح 1.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 584، أبواب بقيّة الحدود ب 10 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 423

..........

______________________________

بلوغ التعزير مقدار الحدّ، و أمّا تقييده بأكثر من ذلك فلم يثبت و يندفع مضافاً إلى ما عرفت من عدم اختصاص الرواية في المقام بخصوص الصحيحة و الموثّقة؛ لدلالة رواية عبيد بن زرارة المتقدّمة على القول الرابع كما مرّ بأنّه على تقدير المعارضة لا يكون الترجيح مع الصحيحة؛ لأنّه يكون هنا في مقابل إطلاقات أدلّة التعزير عنوانان:

أحدهما: عنوان ما دون الأربعين. و ثانيهما: عنوان بضعة عشر أسواطاً. و هما عنوانان متغايران، خصوصاً مع ملاحظة الاختلاف في الحدّ الأقلّ للتعزير أيضاً؛ لأنّ مقتضى الأوّل جواز الاكتفاء بالواحد أو الاثنين أيضاً، و مقتضى الثاني لزوم أن لا يكون أقلّ من بضعة عشر، و لا مجال

لترجيح أحدهما على الآخر مع هذا الاختلاف هذا، و الذي يقتضيه التحقيق أنّ الموثّقة أيضاً خارجة عن الاعتبار؛ لإعراض المشهور عنها و خروجها عن الأقوال الأربعة المتقدّمة، و اللازم ملاحظة الصحيحة مع رواية عبيد بن زرارة، و لا يبعد بملاحظة المناقشة المتقدّمة الواردة في الصحيحة ترجيح رواية عبيد، خصوصاً مع كونها مساعدة للاعتبار أيضاً، فإنّ مقتضاها رعاية المناسبة بين التعزير و الحدّ، و يؤيّده الحكم بالتسعة و التسعين إمّا متعيّناً و إمّا بعنوان الحدّ الأكثر في الموارد التي يكون الحدّ فيها على فرض ثبوت موجبه هي المائة، كما في المجتمعين تحت إزار واحد على ما عرفت «1» و بعد ذلك كلّه فالمسألة غير صافية عن الإشكال، و مقتضى الاحتياط كما أفاد في المتن رعاية أقلّ الحدود؛ و هو الأربعون و إن كان في العبارة مسامحة؛ لأنّه قد

______________________________

(1) في ص 312 317.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 424

[السادس: قيل: إنّه يكره أن يزاد في تأديب الصبيّ على عشرة أسواط]

السادس: قيل: إنّه يكره أن يزاد في تأديب الصبيّ على عشرة أسواط، و الظاهر أنّ تأديبه بحسب نظر المؤدِّب و الوليّ، فربّما تقتضي المصلحة أقلّ و ربّما تقتضي الأكثر، و لا يجوز التجاوز، بل و لا التجاوز عن تعزير البالغ، بل الأحوط دون تعزيره، و الأحوط منه الاكتفاء بستّة أو خمسة (1).

______________________________

جعل فيها مقتضى الاحتياط عدم التجاوز عن أقلّ الحدود، مع أنّ مقتضاه عدم البلوغ إليه كما لا يخفى ثمّ لا يخفى أنّ البحث في مقدار التعزير إنّما هو في التعزيرات التي ليس لها مقدّر شرعيّ، و أمّا ما كان له مقدّر شرعيّ، فمع كونه من مصاديق التعزير، كما في الموارد الخمسة المذكورة في المسالك «1» في شرح قول المحقّق في أوّل بحث

كتاب الحدود في ضابطة الحدّ و التعزير «2» فخارج عن محلّ البحث، و أمّا مع عدم كونه من مصاديق التعزير كما احتملناه و اعترضنا على المسالك على ما عرفت هناك فلا يرتبط بالمقام أصلًا

(1) الظاهر أنّ المراد من تأديب الصبي في هذا الفرع هو التأديب في الأمور المتعارفة التي يتعارف فيها تأديب الصبيّ، و لا يشمل مثل ارتكاب المحرّمات الشرعية مثل الزنا و اللواط، فإنّ مقدار التعزير فيها ما مرّ في الفرع السابق؛ لإطلاق أدلّة تقدير التعزير و عدم اختصاصها بغير الصبي، فإذا زنىٰ صبيّ يكون مقدار تعزيره ما عرفت، مضافاً إلى أنّ الحكم فيها هو اللزوم و الوجوب؛ لعدم الفرق بين الحدّ و التعزير من هذه الجهة، و أمّا التأديب المتعارف في الصبيان فالظاهر

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 14/ 326.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 932.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 425

..........

______________________________

أنّ حكمه هو الرجحان غير البالغ حدّ الوجوب و الظاهر أنّه لا دليل على القول المحكيّ في المتن لا بالإضافة إلى عدم كراهة عشرة أسواط، و لا بالنسبة إلى كراهة ما زاد. و ما في مرسلة الفقيه المتقدّمة في الفرع السابق من قول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): «لا يحلّ لوالٍ يؤمن باللّٰه و اليوم الآخر أن يجلد أكثر من عشرة أسواط إلّا في حدّ» فالظاهر أنّ مورده التعزير في الموارد المناسبة للحدّ، خصوصاً بملاحظة ذكر الوالي، لا ما يشمل التأديب في المقام، مع أنّ مقتضاه عدم جواز ما زاد، لا مجرّد الكراهة و الروايات الواردة في المقام أربعة: اثنتان منها واردتان في تأديب الأب للصبي، و واحدة في تأديب اليتيم، و الرابعة في تأديب المعلّم أمّا ما ورد

في تأديب الصبيّ فموثّقة حمّاد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في أدب الصبيّ و المملوك، فقال: خمسة أو ستّة، و أرفق «1» و الظاهر أنّ المراد هو الرفق في الكيفيّة و موثّقة إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ربّما ضربت الغلام في بعض ما يجرم، قال: و كم تضربه؟ قلت: ربّما ضربته مائة، فقال: مائة؟! مائة؟! فأعاد ذلك مرّتين، ثمّ قال: حدّ الزنا؟! اتّق اللّٰه، فقلت: جعلت فداك فكم ينبغي لي أن أضربه؟ فقال: واحداً، فقلت: و اللّٰه لو علم أنّي لا أضربه إلّا واحداً ما ترك لي شيئاً إلّا أفسده، قال: فاثنين، فقلت: هذا هو هلاكي، قال: فلم أزل أماكسه حتّى بلغ خمسة، ثمّ غضب فقال: يا إسحاق إن كنت تدري حدّ ما أجرم فأقم الحدّ فيه،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 581، أبواب بقيّة الحدود ب 8 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 426

..........

______________________________

و لا تعدّ حدود اللّٰه «1» و الظاهر أنّ المراد من الجملة الأخيرة الإرجاع إلى تشخيص الأب ما تقتضيه المصلحة من مقدار التعزير، فمرجعه إلى تجويز إقامة ذلك المقدار، و عدم جواز التعدّي عنه. و عليه فالرواية تكون مستندة لما استظهر في المتن من الإرجاع إلى نظر الوليّ و رعاية المصلحة، و لكن ذلك لا ينافي كون مقتضى الاحتياط الاكتفاء بستّة أو خمسة المذكورة في الرواية الأُولى، خصوصاً مع احتمال كون المراد بالرفق المأمور به فيها هو الرفق من جهة الكميّة بعدم التجاوز عن العدد المذكور فيها ثمّ إنّ الاحتياط بعدم التجاوز عن تعزير البالغ، بل عدم البلوغ إليه لعلّ الوجه فيه أنّ مورد تعزير البالغ إنّما هو الأُمور

المحرّمة غير المشروعة، فإذا كان التعزير فيه بمقدار مخصوص فتأديب الصبي في الأُمور المتعارفة ينبغي أن يكون أقلّ من ذلك، كما لا يخفى و أمّا ما ورد في اليتيم فموثّقة غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): أدِّب اليتيم ممّا تؤدِّب منه ولدك، و اضربه ممّا تضرب منه ولدك «2». و ظاهرها اشتراكه مع الصبي في الحكم، فيجري فيه ما يجري فيه و أمّا ما ورد في المعلّم فرواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) ألقى صبيان الكتاب ألواحهم بين يديه ليخيّر بينهم، فقال: أما أنّها حكومة، و الجور فيها كالجور في الحكم، أبلغوا معلّمكم إن ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب اقتصّ منه «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 339، أبواب بقيّة الحدود ب 30 ح 2.

(2) وسائل الشيعة: 15/ 197، كتاب النكاح، أبواب أحكام الأولاد ب 85 ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 582، أبواب بقيّة الحدود ب 8 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 427

..........

______________________________

و لا دليل على اتّحاد المعلّم مع غيره من مثل الأب و مؤدِّب اليتيم في الحكم، و إن كان ظاهر إطلاق المتن يقتضي الاتّحاد

[تتمّة]

تتمّة

ينبغي بعد التعرّض لمسألة التعزير من جهة المقدار و الكميّة التعرّض لها من جهة الكيفيّة، و أنّه هل يكون له أنواع مختلفة، أو ينحصر بالضرب؟ لا بكلّ آلة بل بخصوص السوط، فلا مجال للضرب بغيره، فضلًا عن غير الضرب من الحبس و التغريم المالي و المنع من بعض المزايا و الحقوق التي كانت له، و لم أدر من تعرّض في باب التعزير لهذه الجهة و الظاهر أنّ

استفادة تعميم التعزير من طريق حكومة الفقيه العادل و سعة حكومته لكلّ ما كان للرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله) التصدّي له و الحكم فيه ممّا لا مجال له أصلًا، فإنّ ثبوت هذه الحكومة و الولاية للفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة و إن كان أمراً ظاهراً يقتضيه العقل و النقل من الكتاب و السنّة، إلّا أنّها لا تقتضي كون اختيار مصاديق التعزير و التأديب بيد الحكّام بعد عدم اقتضاء الدليل الشرعي للتعميم، كما أنّ ثبوت تلك الولاية لا يقتضي أن يكون أمر الحدود بأيديهم، فلا يجوز للحاكم أن يجري على الزاني بدل مائة جلدة الثابت بالكتاب و السنّة تعزيراً آخر بدنيّاً أو ماليّاً أو غيرهما، فكذلك التعزير، فإنّه إذا اقتضى دليله نوعاً خاصّاً لا يجوز التعدّي عن ذلك النوع، و لو كانت دائرة ولاية الفقيه متّسعة بتمام المعنى فاللّازم ملاحظة الدليل، فنقول: يمكن استفادة العموم من الإطلاقات الواردة في التعزير، الدالّة على ثبوت نفس هذا العنوان من دون التعرّض لكيفيّة خاصّة، فإنّ مقتضاها لزوم هذا العنوان المساوق للتأديب، و الروايات المتقدّمة الواردة في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 428

..........

______________________________

مقدار التعزير و أنّه ما دون الأربعين أو بضعة عشر أسواطاً و غيرهما من التعبيرات لا يظهر منها تقييد المطلقات بالإضافة إلى الكيفيّة أيضاً، فإنّ ظاهرها أنّه لو أُريد التعزير بالضرب بالسوط فمقداره كذا، و أمّا أنّه يجب أن يكون الضرب بخصوص السوط بحيث كان مرجعها إلى التقييد من جهتين: إحداهما: لزوم كونه بنحو الضرب بالسوط. و ثانيتهما: لزوم رعاية المقدار المذكور فيها بنحو الحدّ الأكثر أو مطلقاً فالظاهر عدم دلالتها على ذلك، و عليه فيمكن الرجوع إلى المطلقات و الحكم

بعدم لزوم التعزير بالضرب بالسوط على سبيل التعيّن، كما لا يخفى و يدلّ على العموم أيضاً رواية حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: أُتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) برجل وجد تحت فراش رجل، فأمر به أمير المؤمنين (عليه السّلام) فلوّث في مخرأة «1» و المخرأة اسم مكان من الخرء و هو الغائط، و تناسب هذا النحو من التعزير مع اللواط أو مقدّماته واضح و رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قضى النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) فيمن سرق الثمار في كمّه، فما أكلوا منه فلا شي ء عليه، و ما حمل فيعزَّر و يغرم قيمته مرّتين «2» و الظاهر أنّ الكِمّ بالكسر و معناه الغلاف الذي يحيط بالثمر فيستره ثمّ ينشقّ منه، و ليس هو الكُمّ بالضم مدخل اليد و مخرجها من الثوب. و روى في الوافي بدل: فما أكلوا منه «فما أكل منه» «3» و هو الظاهر، و منشأ نفي الشي ء عليه باعتبار كونه حقّ المارّة ظاهراً، و الاستدلال بالرواية على المقام مبنيّ على كون قوله (عليه السّلام):

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 424، أبواب حدّ اللواط ب 6 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 516، أبواب حدّ السرقة ب 23 ح 2.

(3) الوافي: 15/ 432، و كذا في التهذيب: 10/ 110 ح 431، و الكافي: 7/ 230 ح 3، و الوسائل طبعة آل البيت (عليهم السّلام).

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 429

..........

______________________________

«و يغرَّم قيمته ..» عطف تفسير و بياناً لقوله (عليه السّلام): «فيعزَّر»؛ لأنّه حينئذٍ يدلّ على أنّ التغريم تعزير، فلا يختصّ التعزير بالسوط مع أنّه ممنوع؛ لظهورها و لا أقلّ احتمالها احتمالًا مساوياً للاحتمال

الأوّل في كون التغريم أمراً آخر زائداً على التعزير، و في الحقيقة يكون التعزير بدل الحدّ في مورد ثبوت القطع في السرقة، و التغريم بدل ضمان المال المسروق الذي يكون على عهدة السارق، و يؤيّد ما ذكرنا أنّ الغرامة إنّما تدفع إلى صاحب الثمار، و المراد منها باعتبار كلمة «مرّتين» هو ضعف القيمة الفعليّة، باعتبار أنّ الثمار لو لم يسرق في كمّه لكان يزيد قيمته بعداً، و من الظاهر أنّ التغريم بدل التعزير لا يرتبط بصاحب المال، بل ببيت المال كلّ ذلك مضافاً إلى أنّ المحكيّ عن المجلسي في المرآة: أنّه لم يعمل على طبق هذه الرواية أحد من الأصحاب «1» هذا، و لكنّ الرواية السابقة بضميمة الإطلاقات بالتقريب المزبور يكفي لاستفادة التعميم في باب التعزير منها، كما لا يخفى.

______________________________

(1) مرآة العقول: 23/ 359.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 431

[الفصل الرابع في حدّ المسكر]

اشارة

الفصل الرابع في حدّ المسكر و النظر في موجبه و كيفيّته و أحكامه

[القول في موجبه و كيفيّته]

اشارة

القول في موجبه و كيفيّته

[مسألة (1): وجب الحدّ على من تناول المسكر أو الفقّاع و إن لم يكن مسكراً]

مسألة (1): وجب الحدّ على من تناول المسكر أو الفقّاع و إن لم يكن مسكراً، بشرط أن يكون المتناول بالغاً عاقلًا مختاراً عالماً بالحكم و الموضوع، فلا حدّ على الصبيّ و المجنون و المكره و الجاهل بالحكم و الموضوع أو أحدهما، إذا أمكن الجهل بالحكم في حقّه (1).

______________________________

(1) ينبغي أن يتكلّم في هذه المسألة من جهات:

الأولىٰ: في حرمة تناول المسكر أو مثله في الشريعة الإسلاميّة، و لا خفاء فيها؛ لدلالة الكتاب و السنّة و الإجماع عليها، بل ربّما تعدّ من ضروريّات الإسلام، و سيأتي البحث في هذه الجهة، و يستفاد من الروايات أنّ حرمة الخمر كانت ثابتة في جميع الشرائع و الأديان، و لا اختصاص لذلك بالإسلام، و من جملة الأدلّة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 432

..........

______________________________

على ثبوت الحرمة الأدلّة الدالّة على ثبوت الحدّ على المتناول، فإنّه لا معنى له مع عدم الحرمة كما هو واضح الثانية: يستفاد من المتن أنّ موجب الحدّ في المقام أمران:

أحدهما: تناول المسكر، و لا بدّ من البحث في العنوان المضاف إليه و هو المسكر، و العنوان المضاف و هو التناول، فنقول:

أمّا الأوّل: فربّما يقال كما قيل-: بأنّ المسكر عبارة عمّا يحصل معه اختلال الكلام المنظوم و ظهور السرّ المكتوم، كما أنّه قيل: إنّه عبارة عمّا يغيّر العقل، و يحصل معه سرور و قوّة النفس في غالب المتناولين، أمّا ما يغيّر العقل لا غير فهو المرقد إن حصل معه تغيّب الحواسّ الخمس، و إلّا فهو المفسد للعقل كما في البنج «1» و الحقّ أن عنوان المسكر كعنوان الخمر من العناوين العرفيّة التي لا بدّ في تشخيصها من الرجوع إلى العرف؛

لعدم الفرق بينه و بين سائر العناوين العرفيّة، و العرف يفرق بين هذا العنوان و بين عنوان المرقد و عنوان المخدّر و سائر العناوين المشابهة، فاللّازم الرجوع إليهم و أمّا الثاني: فلا خفاء في صدق عنوان التناول و تحقّقه بالشرب الطبيعي، كما أنّه لا خفاء في تحقّقه بالاصطباغ الذي هو عبارة عن جعل المسكر إداماً، بأن يغمس الخبز فيه و يصبغ به، كما يغمس بماء اللحم و يصبغ به، كما أنّ الظاهر تحقّقه فيما إذا جعل الخمر في كبسول و بلعه، و أمّا صورة الامتزاج فسيأتي البحث فيها عند تعرّض المتن إن شاء اللّٰه تعالى و لا شبهة في عدم صدق التناول في مثل التضميد و الاطلاء، بل و الاحتقان،

______________________________

(1) راجع التنقيح الرائع: 4/ 365.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 433

..........

______________________________

و أمّا في التسعّط و هو الإدخال في الأنف، ففي المسالك العدم حيث لا يدخل الحلق «1»، و في القواعد الحدّ «2»، و علّله في كشف اللثام بأنّه يصل إلى باطنه من حلقه، و بالنهي عن الاكتحال به، و الإسعاط أقرب منه وصولًا إلى الجوف «3» و الظاهر أنّه مع العلم بدخول الحلق و الوصول إلى الجوف يتحقّق عنوان التناول، و مع العلم بالعدم أو الشكّ في الدخول و الوصول لا مجال للحدّ أصلًا و لو عجن بالخمر مثلًا عجيناً، ففي محكيّ القواعد وجوب الحدّ «4»، و في محكيّ التحرير سقوطه؛ لأنّ النار أكلت أجزاء الخمر، ثمّ قال: نعم يعزّر «5»، و الظاهر أنّه لا يتحقّق عنوان التناول هنا عرفاً، كما لا يقال لمن أكل الخبز الذي عجن عجينه بالماء: إنّه تناول الماء، و لا فرق بينهما أصلًا ثمّ الظاهر ثبوت

الحدّ فيما إذا تحقّق الإسكار بسبب التزريق؛ لصدق تناول المسكر، نظير التزريق المرقد أو المخدّر الموجب لتحقّق الرقود و التخدير ثانيهما: الفقّاع و إن لم يكن مسكراً، فإنّه أيضاً يوجب الحدّ، و سيأتي التعرّض للروايات الدالّة على كلا الموجبين في شرح المسألة الثانية إن شاء اللّٰه ثمّ إنّ الدليل على اعتبار شرطيّة البلوغ و العقل و الاختيار في ترتّب الحدّ قد تقدّم البحث عنه فيما سبق «6» و لا طائل تحت الإعادة و أمّا اعتبار العلم بالحكم و الموضوع، فيدلّ عليه مضافاً إلى أنّه مع الجهل

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 14/ 458.

(2) قواعد الأحكام: 2/ 264.

(3) كشف اللثام: 2/ 419.

(4) قواعد الأحكام: 2/ 264، تحرير الأحكام: 2/ 227.

(5) قواعد الأحكام: 2/ 264، تحرير الأحكام: 2/ 227.

(6) في ص 81 82.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 434

..........

______________________________

بأحدهما ترتفع فعليّة الحرمة، و لا مجال للحدّ مع عدم الفعلية. نعم، في الجاهل المقصّر الملتفت القادر على السؤال و الفحص يشكل الحكم؛ لعدم ارتفاع الفعليّة بالإضافة إليه، و وضوح كون ترّتّب الحدّ دائراً مدارها الروايات الكثيرة الواردة في الجهل بالحكم، مثل:

صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، قال: لو أنّ رجلًا دخل في الإسلام و أقرّ به، ثمّ شرب الخمر و زنى و أكل الربا، و لم يتبيّن له شي ء من الحلال و الحرام، لم أقم عليه الحدّ إذا كان جاهلًا، إلّا أن تقوم عليه البيّنة أنّه قرأ السورة التي فيها الزنا و الخمر و أكل الربا، و إذا جهل ذلك أعلمته و أخبرته، فإن ركبه بعد ذلك جلدته و أقمت عليه الحدّ «1» و صحيحة محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام):

رجل دعوناه إلى جملة الإسلام فأقرّ به، ثمّ شرب الخمر و زنى و أكل الربا، و لم يتبيّن له شي ء من الحلال و الحرام، أُقيم عليه الحدّ إذا جهله؟ قال: لا، إلّا أن تقوم عليه بيّنة أنّه قد كان أقرّ بتحريمها «2» و مثلها رواية أبي عبيدة «3» و رواية ابن بكير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: شرب رجل الخمر على عهد أبي بكر، فرفع إلى أبي بكر، فقال له: أشربت خمراً؟ قال: نعم، قال: و لم و هي محرّمة؟ قال: فقال له الرجل: إنّي أسلمت و حسن إسلامي، و منزلي بين ظهرانيّ قوم يشربون الخمر و يستحلّون، و لو علمت أنّها حرام اجتنبتها، فالتفت أبو بكر إلى عمر، فقال: ما تقول في أمر هذا الرجل؟ فقال عمر: معضلة و ليس لها إلّا أبو الحسن، فقال أبو بكر: ادع لنا عليّاً، فقال عمر: يؤتى الحكم في بيته، فقام و الرجل

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 323 324، أبواب مقدّمات الحدود ب 14 ح 1- 3.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 323 324، أبواب مقدّمات الحدود ب 14 ح (1) 3.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 323- 324، أبواب مقدّمات الحدود ب 14 ح 1- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 435

[مسألة 2: لا فرق في المسكر بين أنواعه]

مسألة 2: لا فرق في المسكر بين أنواعه كالمتَّخذ من العنب: و هو الخمر، أو التمر: و هو النبيذ، أو الزبيب: و هو النقيع، أو العسل: و هو البتع، أو الشعير: و هو المزر، أو الحنطة أو الذرّة أو غيرها، و يلحق بالمسكر الفقّاع و إن فرض أنّه غير مسكر، و لو عمل المسكر من شيئين فما زاد ففي شربه حدّ (1).

______________________________

معهما و

من حضرهما من الناس حتّى أتوا أمير المؤمنين (عليه السّلام)، فأخبراه بقصّة الرجل و قصّ الرجل قصّته، فقال: أبعثوا معه من يدور به على مجالس المهاجرين و الأنصار، من كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه، ففعلوا ذلك به، فلم يشهد عليه أحد بأنّه قرأ عليه آية التحريم، فخلّى سبيله، فقال له: إن شربت بعدها أقمنا عليك الحد «1» و روى نحوها أبو بصير «2» و يظهر منها «3» أنّها كانت أوّل قضيّة قضى بها بعد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله)، كما أنّه يظهر منها حضور سلمان الفارسي في هذه القصّة، و أنّه قال لعلي (عليه السّلام): لقد أرشدتهم، فقال على (عليه السّلام): إنّما أردت أن اجدّد تأكيد هذه الآية فيّ و فيهم أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لٰا يَهِدِّي إِلّٰا أَنْ يُهْدىٰ فَمٰا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ «4»

(1) الدليل على عدم الفرق في المسكر بين أنواعه و عدم اختصاص الحدّ بالخمر روايات متعدّدة، مثل:

صحيحة أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: كلّ مسكر من الأشربة يجب فيه كما يجب في الخمر من الحدّ «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 473، أبواب حدّ المسكر ب 10 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18 475، أبواب حدّ المسكر ب 10 ح 1.

(3) أي من رواية أبي بصير، المرويّة في الكافي: 7/ 249 ح 4.

(4) سورة يونس 10: 35.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 473، أبواب حدّ المسكر ب 7 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 436

..........

______________________________

و صحيحة سليمان بن خالد قال: كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يجلد في النبيذ المسكر ثمانين كما يضرب في الخمر، و يقتل في الثالثة

كما يقتل صاحب الخمر «1» هكذا في التهذيب و الاستبصار و الوسائل، و الظاهر أنّ سليمان بن خالد من أصحاب الصادقين (عليهما السّلام)، و لا يمكن له نقل فعل أمير المؤمنين (عليه السّلام) من دون واسطة، فالظاهر أنّ الناقل له هو الإمام (عليه السّلام) و موثّقة أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: كان علي (عليه السّلام) يضرب في الخمر و النبيذ ثمانين، الحديث «2» و صحيحة بريد بن معاوية قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: إنّ في كتاب عليّ (عليه السّلام): يضرب شارب الخمر ثمانين و شارب النبيذ ثمانين «3» و غير ذلك من الروايات الدالّة على عدم الاختصاص لكن في مقابلها رواية أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث، قلت: أ رأيت إن أُخذ شارب النبيذ و لم يسكر أ يجلد؟ قال: لا «4» و صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألته عن الشارب، فقال: أمّا رجل كانت منه زلّة فإنّي معزّره، و أمّا آخر يدمن فإنّي كنت منهكه عقوبة؛ لأنّه يستحلّ المحرّمات كلّها، و لو ترك الناس و ذلك لفسدوا «5».

______________________________

(1) التهذيب: 10/ 97 ح 374، الإستبصار: 4/ 235 ح 885، وسائل الشيعة: 18/ 478، أبواب حدّ المسكر ب 11 ح 13.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 469، أبواب حدّ المسكر ب 4 ح 2.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 468، أبواب حدّ المسكر ب 4 ح 1.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 469، أبواب حدّ المسكر ب 4 ح 4.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 470، أبواب حدّ المسكر ب 4 ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 437

..........

______________________________

و ربّما يناقش في سند الأولى و إن وصفه في الجواهر بالصحة

«1» باشتراك محمّد ابن فضيل الراوي عن أبي الصباح بين الثقة و غيرها، كما أنّ الشيخ (قدّس سرّه) حملها على التقيّة؛ لأنّها موافقة للعامّة «2» و لكنّ الظاهر و لو بقرينة الروايات المتقدمة إرجاع الضمير في «لم يسكر» إلى النبيذ، و مرجعه إلى عدم كون النبيذ مسكراً، لا إلى شارب النبيذ، و يدلّ عليه صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) قلت: أ رأيت إن أُخذ شارب النبيذ و لم يسكر أ يجلد ثمانين؟ قال: لا، و كلّ مسكر حرام «3» فإنّ ذيلها يدلّ على أنّ المفروض عدم مسكريّة النبيذ، كما لا يخفى ثمّ إنّه ربّما يستشعر من المتن اختصاص التحريم الموجب للحدّ بالأشربة المسكرة، كما أنّه يشعر بذلك صحيحة أبي الصبّاح المتقدّمة الدالّة على أنّ «كلّ مسكر من الأشربة يجب فيه كما يجب في الخمر من الحدّ» و لكنّ الظاهر عدم الاختصاص؛ لعدم ثبوت المفهوم للصحيحة، و دلالة صحيحة الحلبي الأخيرة على أنّ «كلّ مسكر حرام»، و ليس مفادها مجرّد الحرمة التي هي أعمّ من ثبوت الحدّ؛ لعدم الملازمة بينها و بينه، فإنّ وقوعه في مقام التعليل لعدم ثبوت الحدّ في النبيذ غير المسكر يظهر منه أنّ المراد هي الحرمة الموجبة للحدّ كما هو ظاهر، هذا ما ورد في مثل الخمر و أمّا ما ورد في الفقّاع فروايات متعدّدة أيضاً، مثل:

صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 451.

(2) التهذيب: 10/ 96، الإستبصار: 4/ 236.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 469، أبواب حدّ المسكر ب 4 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 438

[مسألة 3: لا إشكال في حرمة العصير العنبي]

مسألة 3: لا إشكال في حرمة

العصير العنبي سواء غلىٰ بنفسه أو بالنار أو بالشمس، إلّا إذا ذهب ثلثاه أو ينقلب خلّاً لكن لم يثبت إسكاره، و في إلحاقه بالمسكر في ثبوت الحدّ و لو لم يكن مسكراً إشكال، بل منع، سيّما إذا غلىٰ بالنار أو بالشمس، و العصير الزبيبي و التمري لا يلحق بالمسكر حرمةً و لا حدّا (1).

______________________________

الفقّاع؟ فقال: (هو خ ل) خمر، و فيه حدّ شارب الخمر «1» و موثّقة ابن فضّال قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السّلام) أسأله عن الفقّاع؟ فقال: هو الخمر، و فيه حدّ شارب الخمر «2» و غير ذلك من الروايات الدالّة عليه ثمّ إنّ ما ورد في المتن من ثبوت حدّ الشرب فيما لو عمل المسكر من شيئين فما زاد يظهر وجهه ممّا ذكرنا من تعليق الحكم على كلّ مسكر، من دون فرق بين أفراده

(1) قد تحقّقت الشهرة العظيمة، بل دعوى الإجماع و الاتّفاق على حرمة العصير المغلي مطلقاً، سواء غلى بنفسه أو بالنار أو بالشمس، و الروايات الدالّة على ذلك كثيرة، و منها الرواية الآتية التي ربّما يستدلّ بها على ثبوت الحدّ، الدالّة على أنّ الحرمة كانت أمراً مفروغاً عنه عند السائل، و قد قرّره الإمام (عليه السّلام) على ذلك كما أنّه لا خلاف و لا إشكال في أنّه بعد ذهاب الثلثين أو الانقلاب إلى عنوان حلال كالخلّ مثلًا لا مجال للحدّ؛ لعدم الحرمة بوجه، و لا ينبغي الإشكال أيضاً في الحرمة و ثبوت الحدّ فيما إذا اتّصف العصير العنبي بالإسكار؛ لما عرفت من عموم دليل حرمة المسكر و إيجابه للحدّ إنّما الإشكال في ثبوت الحدّ مع فرض عدم الإسكار، ففي الجواهر دعوى نفي

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 479، أبواب

حدّ المسكر ب 13 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 17/ 287، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة ب 27 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 439

..........

______________________________

وجدان الخلاف فيه «1» و عن المسالك: مذهب الأصحاب أنّ العصير العنبي إذا غلا بأن صار أسفله أعلاه يحرم، و يصير بمنزلة الخمر في الأحكام «2»، و عن الرياض: و كأنّه إجماع بينهم كما صرّح به في التنقيح «3» و غيره، و لم أقف على حجّة معتدٌّ بها سواه «4» لكن عن كشف اللثام: لم أظفر بدليل على حدّ شاربه ثمانين و لا بقائل قبل الفاضل «5» سوى المحقّق «6»، «7» أقول: الدليل الذي ربّما يتوهّم الاستدلال به هي موثّقة معاوية بن عمّار، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل من أهل المعرفة بالحقِّ يأتيني بالبختج و يقول: قد طبخ على الثلث، و أنا أعرف أنّه يشربه على النصف، أ فأشربه بقوله و هو يشربه على النصف؟ فقال: خمر لا تشربه، قلت: فرجل من غير أهل المعرفة ممّن لا نعرفه يشربه على الثلث، و لا يستحلّه على النصف، يخبرنا أنّ عنده بختجاً على الثلث قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه يشرب منه؟ قال: نعم «8» نظراً إلى أنّ البختج معناه: مطلق العصير المطبوخ و هي معرّب «پخته»، كما قد فسّره به جماعة، منهم: المحدّث الكاشاني «9» و ليس عصيراً مطبوخاً خاصّاً كما

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 452.

(2) مسالك الأفهام: 14/ 459.

(3) التنقيح الرائع: 4/ 368.

(4) رياض المسائل: 10/ 137.

(5) قواعد الأحكام: 2/ 263.

(6) شرائع الإسلام: 4/ 949.

(7) كشف اللثام: 2/ 417.

(8) وسائل الشيعة: 17/ 234، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة ب

7 ح 4.

(9) الوافي: 20/ 654.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 440

..........

______________________________

يظهر من بعض الأعاظم «1» و تقريب الاستدلال، أنّ حمل عنوان الخمر عليه إمّا أن يكون حقيقيّا، كما قد حكي عن جماعة كالكليني «2» و الصدوق «3» و بعض آخر منّا «4»، و عن البخاري من العامّة من أنّه يطلق عليه الخمر كذلك «5»، «6» و إمّا أن يكون تنزيليّاً، و مقتضى إطلاق التنزيل ثبوت جميع أحكام الخمر له، و منها: ترتّب الحدّ عليه و يرد على الاستدلال بها أوّلًا: أنّ الرواية على ما رواه الكليني لا تكون مشتملة على لفظة «خمر» في الجواب الأوّل، بل كان الجواب مجرّد قوله «لا تشربه» «7» و من المعلوم أنّ هذا القول لا دلالة له إلّا على مجرّد الحرمة، و هي لا تكون مستلزمة لترتّب الحدّ بوجه. نعم، في نسخة التهذيب الموجودة عندنا تكون الرواية مشتملة على تلك اللفظة «8» و إن لم تنقل في شي ء من الوافي و الوسائل مع نقلهما الرواية عن الشيخ، و شدّة المراقبة في النقل، و كمال التحفّظ عليه من دون زيادة و لا نقصان، و لا مجال للرجوع إلى أصالة عدم الزيادة و ترجيحها على أصالة عدم النقيصة بعد ثبوت الأضبطيّة للكافي في نقل الأحاديث الناشئة من تمحّض الكليني (قدّس سرّه) فيه

______________________________

(1) مستند تحرير الوسيلة، كتاب الحدود: 202.

(2) الكافي: 6/ 412 باب «أنّ الخمر إنّما حرّمت لفعلها، فما فَعَل فِعْل الخمر فهو خمرٌ».

(3) المقنع: 453، الفقيه: 4/ 56 57.

(4) كالشيخ في الخلاف: 5/ 475 مسألة 3 و المبسوط: 8/ 59، و الفاضل المقداد في كنز العرفان: 2/ 304، و ابن فهد في المهذّب البارع: 5/ 79.

(5)

صحيح البخاري: 6/ 301 باب الخمر من العنب و غيره.

(6) جواهر الكلام: 6/ 15.

(7) الكافي: 6/ 421 ح 7.

(8) التهذيب: 9/ 122 ح 526.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 441

..........

______________________________

و فراغه به من غيره، بخلاف الشيخ (قدّس سرّه) الذي كان كثير الابتلاء؛ لاشتغاله بالعلوم المختلفة و الفنون المتعدّدة، و تأليف الكتب و الرسائل فيها كالفقه و الأُصول و الكلام و التفسير و الرجال و الحديث و غيرها، خصوصاً مع وجود الاغتشاش في كتاب التهذيب و عدم كونه كتاب حديث محض، و مع عدم نقل الوافي و الوسائل الزيادة عنه و بالجملة: لم يثبت اشتمال الرواية على كلمة «الخمر» حتّى يستدلّ بها على ثبوت الحدّ في العصير و ثانياً: أنّه لا خفاء في أنّ محطّ السؤال في الموثّقة ليس هو العصير العنبي الذي هو من العناوين الواقعيّة، بل العصير العنبي الذي لم يعلم أنّه طبخ على الثلث. و منشأ الاشتباه تعارض قول صاحبه مع عمله، حيث أخبر بأنّه طبخ على الثلث، و كان عمله الشرب على النصف و بعد ذلك يتوجّه على الاستدلال بها ما أفاده سيّدنا العلّامة الإمام الماتن دام ظلّه العالي في رسالة النجاسات ممّا حاصله: إنّ الحمل لا يمكن أن يكون حقيقيّا؛ لأنّ الموضوع هو المغلي المشتبه بين كونه على الثلث أو النصف، و لا يجوز حمل الخمر حقيقة على مشتبه الخمريّة فضلًا عن العصير المشتبه، و لا يمكن أن يكون تنزيليّاً؛ لأنّ المشتبه لا يكون منزّلًا منزلته واقعاً، بحيث يكون محرّماً و نجساً واقعاً و لو كان مطبوخاً على الثلث، فإن الظاهر من الرواية هو السؤال عن الحكم الظاهري، و عن حال شهادة ذي اليد بالتثليث، فالمراد بقوله

(عليه السّلام): «خمر» أنّه خمر ظاهراً و يجب البناء على خمريّته للاستصحاب، و هو و إن يكشف عن كون المغلي قبل التثليث نازلًا منزلة الخمر في الجملة، لكن لا يكشف عن إطلاق دليل التنزيل؛ لأنّها لا تكون بصدد بيانه، بل بصدد بيان حال الشكّ.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 442

..........

______________________________

و ليس لأحد أن يقول: إنّه يمكن أن تكون الرواية بصدد بيان أمرين: أحدهما: تنزيل العصير منزلة الخمر. و الآخر: التعبّد ببقاء خمريّته؛ لأنّ ذلك غير معقول بجعل واحد كما أنّ دعوى أنّ قوله (عليه السّلام): «خمر» يكون خبراً من العصير المغلي قبل ذهاب ثلثيه إفادة للحكم الواقعي بالتنزيل، و قوله (عليه السّلام): «لا تشربه» يكون نهياً عن شرب المشتبه، فالموضوع مختلف لا تستأهل للجواب. و على فرض كونها بصدد التنزيل فإطلاقه أيضاً لا يخلو عن مناقشة «1» و ممّا أفاده يظهر الخلل فيما أُفيد في مقام الجواب عن الاستدلال ممّا حاصله: إنّ تنزيل شي ء منزلة شي ء آخر قد يكون على وجه الإطلاق و من جميع الجهات و الآثار، ففي مثله يثبت الجميع للمنزّل، كما إذا ورد: العصير خمر فلا تشربه، أو قال: لا تشرب العصير لأنّه خمر؛ لأنّ لفظة «فاء» في المثال الأوّل ظاهرة في التفريع و دالّة على أنّ حرمة الشرب من الأمور المتفرّعة على التنزيل، و كذا الحال في المثال الثاني؛ لأنّه كالتنصيص بأنّ النهي عن شربه مستند إلى أنّه منزَّل منزلة الخمر شرعاً، و بذلك يحكم بنجاسته؛ لأنّها من أحد الآثار المترتّبة على الخمر، و قد يكون التنزيل بلحاظ بعض الجهات و الآثار، و لا يكون ثابتاً على وجه الإطلاق كما هو الحال في المقام؛ لأنّ قوله (عليه

السّلام): «خمر لا تشربه» إنّما يدلّ على أنّ العصير منزّل منزلة الخمر من حيث حرمته فقط، و لا دلالة له على تنزيله منزلتها من جميع الجهات لعدم اشتماله على لفظة «فاء» الظاهرة في التفريع، حيث إنّ جملة «لا تشربه» و قوله (عليه السّلام): «خمر» بمجموعهما صفة للعصير، أو من قبيل

______________________________

(1) كتاب الطهارة للإمام الخميني: 3/ 204 205.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 443

..........

______________________________

الخبر بعد الخبر أو أنّها نهي، و على أيّ حال لا دلالة له على التفريع حتّى يترتّب جميع الآثار «1» فإنّه يرد عليه أوّلًا: أنّه لم ينزّل في الرواية العصير العنبي بما أنّه عنوان من العناوين الواقعيّة منزلة الخمر حتّى يبحث في إطلاق التنزيل و عدمه و يفرّق بين التعبيرين، بل الموضوع في القضيّة الحمليّة التي يكون محمولها «خمر» هو العصير المغلي المشتبه بين كونه على الثلث أو على النصف، و لو كان وصفه من هذه الجهة معلوماً للسائل لم يكن وجه لسؤاله؛ لعلمه بحكم العصير قبل ذهاب الثلثين و بعده، و عليه فحمل الخمر لا يمكن أن يكون على نحو الحقيقة و لا على نحو التنزيل، بل بنحو الحكم الظاهري كما عرفت و ثانياً: أنّه على فرض كون الموضوع هو العصير بالعنوان الواقعي، نقول: لا فرق بين التعبيرين في الدّلالة على إطلاق التنزيل، فإنّ الظاهر مع عدم ذكر «فاء» أيضاً أنّ النّهي عن الشرب يكون متفرّعاً على وصف الخمريّة التنزيليّة أو معلولًا له، و ليس في متفاهم العرف فرق بينهما أصلًا ثمّ لا يخفى عليك أنّ مسألة النجاسة و ترتّب الحدّ على شرب العصير إنّما تكونان من وادٍ واحد في الاستفادة من الرواية؛ لابتنائها في كليهما على

ثبوت إطلاق التنزيل و عدمه ثمّ إنّ الحكم بأولويّة منع ثبوت الحدّ فيما إذا غلى بالنار أو بالشمس، إنّما هو لأجل وجود القول بالتفصيل في هذا المقام، كما عن ابن حمزة في الوسيلة «2»، حيث

______________________________

(1) التنقيح في شرح العروة الوثقى: 2/ 108 109.

(2) الوسيلة: 365.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 444

..........

______________________________

حكم بنجاسة العصير الذي غلى بنفسه و حرمته إلى أن يصير خلّاً، و بخصوص حرمة ما إذا غلى بالنار أو بالشمس دون النجاسة، و قد فصّلنا الكلام في هذا التفصيل و ما يتعلّق به في البحث عن النجاسات من كتاب الطهارة «1»، فراجع، هذا في العصير العنبي و أمّا العصير الزبيبي و التمري و المراد منهما ماء نبذ فيه أحدهما و صار ذا حلاوة لأجل المجاورة و الملاصقة فإن قلنا بعدم حرمته فلا تصل النوبة إلى الحدّ أصلًا، و إن قلنا بالحرمة فاللّازم إقامة الدليل على ثبوت الحدّ فيهما؛ لأنّ الحرمة أعمّ من ثبوت الحدّ، و نقول:

المشهور كما عن الحدائق «2» و طهارة الشيخ (قدّس سرّه) الحليّة «3»، و ذهب بعض إلى الحرمة، و نسب ذلك إلى جملة من متأخّري المتأخّرين «4» و عمدة ما يمكن الاستدلال به عليها ما رواه زيد النرسي في أصله: قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الزبيب يدقّ و يلقى في القدر، ثمّ يصبّ عليه الماء و يوقد تحته، فقال: لا تأكله حتّى يذهب الثلثان و يبقى الثلث، فإنّ النار قد أصابته، قلت: فالزبيب كما هو في القدر، و يصبّ عليه الماء ثمّ يطبخ و يصفّى عنه الماء، فقال: كذلك هو سواء، إذا أدّت الحلاوة إلى الماء فصار حلواً بمنزلة العصير ثمّ نشّ

من غير أن تصيبه النار فقد

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة (النجاسات و أحكامها: 154- 179، المقام الثالث في نجاسة المسكرات.

(2) الحدائق الناضرة: 5/ 125.

(3) كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري: 316.

(4) الدرّة النجفية (منظومة في الفقه): 53. و حكى في جواهر الكلام: 6/ 20 21 عن المصابيح للسيّد بحر العلوم.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 445

..........

______________________________

حرم، و كذلك إذا أصابته النار فأغلاه فقد فسد «1» و رواها العلّامة المجلسي (قدّس سرّه) عن نسخة عتيقة وجدها بخطّ الشيخ منصور بن الحسن الآبي «2»، و الكلام في الرواية تارة من حيث السند، و أُخرى من جهة المتن، و ثالثة من حيث المفاد و الدلالة، فهنا جهات ثلاث:

الجهة الأولىٰ: فيما يتعلّق بالسند من جهة وثاقة زيد النرسي، و أنّه هل يكون له أصل أم لا، و أنّ النسخة التي وصلت بيد الناقلين عنها كالمجلسي (قدّس سرّه) هل تكون مطابقة لنسخة الأصل أم لا؟

أمّا وثاقة زيد النرسي، فالظاهر أنّه لم يرد في شي ء من الكتب الرجاليّة و التراجم بالإضافة إليه مدح و لا قدح، و من أجله ربّما يقال بعدم وثاقته؛ لأنّ الموثّق عبارة عمّن كان له توثيق في شي ء من تلك الكتب، مضافاً إلى أنّ الصدوق و شيخه ابن الوليد لم ينقلا عنه أصلًا، بل ضعّفا كتابه و قالا: إنّه موضوع وضعه محمّد بن موسى الهمداني «3» و لكنّه قد حاول العلّامة الطباطبائي (قدّس سرّه) تصحيح سندها استناداً إلى أنّ الشيخ قال في حقّه: له أصل، و قال النجاشي: له كتاب «4» قال: إنّ تسمية كتابه أصلًا ممّا يشهد بحسن حاله و اعتبار كتابه، فإنّ الأصل في اصطلاح المحدّثين من أصحابنا

بمعنى الكتاب المعتمد الذي لم ينتزع من كتاب آخر، و ليس بمعنى مطلق الكتاب؛ و لهذا نقل عن المفيد (قدّس سرّه) أنّه قال: صنّفت الإماميّة من عهد أمير المؤمنين (عليه السّلام) إلى عهد

______________________________

(1) مستدرك الوسائل: 17/ 38، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 1.

(2) بحار الأنوار: 79/ 177.

(3) راجع الفهرست للشيخ الطوسي: 130 رقم 300.

(4) رجال النجاشي: 174 رقم 460.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 446

..........

______________________________

أبي محمّد الحسن العسكري (عليه السّلام) أربعمائة كتاب تسمّى «الأصول» «1» و معلوم أنّ مصنّفات الإماميّة فيما ذكر من المدّة تزيد على ذلك بكثير، كما يشهد به تتبّع كتب الرجال، فالأصل أخصّ من الكتاب، و لا يكفي فيه مجرّد عدم انتزاعه من كتاب آخر، بل لا بدّ أن يكون معتمداً و قال أيضاً: إنّ «الأصل» يؤخذ في كلمات الأصحاب مدحاً لصاحبه و وجهاً للاعتماد على ما تضمنه، و ربّما يضعّفون بعض الروايات لعدم وجدان متنها في شي ء من الأصول إلى أن قال: إنّ سكوت ابن الغضائري عن الطعن فيه مع طعنه في جملة من المشايخ يدلّ على وثاقته، حتّى قيل: «السالم من رجال الحديث من سلم من طعنه»، و مع ذلك لم يطعن فيه، بل قال: إنّ زيد النرسي و زيد الزّراد قد رويا عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال أبو جعفر بن بابويه: إنّ كتابهما موضوع وضعه محمّد بن موسى السمان، و غلط أبو جعفر في هذا القول، فإنّي رأيت كتبهما عُتقاً مسموعة من محمّد بن أبي عمير «2» انتهى «3» و يؤيّده أنّ ابن أبي عمير قد روى عنه و عن كتابه «4» و هو لا يروي و

لا يرسل إلّا عن ثقة، مع أنّه من أصحاب الإجماع الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم «5»، مضافاً إلى وقوعه في سند رواية كامل الزيارات «6»، الذي ذكر في ديباجته

______________________________

(1) معالم العلماء لابن شهرآشوب: 3.

(2) حكى في مجمع الرجال: 3/ 84 عن ابن الغضائري.

(3) رجال السيّد بحر العلوم: 2/ 362 370.

(4) رجال النجاشي: 174 رقم 460.

(5) اختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشي: 556 رقم 1050.

(6) كامل الزيارات: 510 ح 795.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 447

..........

______________________________

أنّه لا يروي فيه إلّا عن ثقات الأصحاب «1»، و إلى أنّ الصدوق مع تضعيفه كتابه و إنكاره كونه له كما عرفت قد روى في الفقيه رواية عن ابن أبي عمير، عن زيد النرسي «2» مع التزامه في ديباجته أن لا يورد فيه إلّا ما كان حجّة بينه و بين اللّٰه تعالى «3» و هذا ممّا يوجب الترديد في نسبة التضعيف و الإنكار إليه، خصوصاً مع ملاحظة أنّ من جملة الأفراد التي وقعت في سند رواية كامل الزيارات، المنتهية إلى زيد النرسي هو عليّ بن بابويه والد الصدوق و شيخ القميّين، الذي خاطبه الإمام العسكري (عليه السّلام) في توقيعه بقوله: «يا شيخي و معتمدي» «4» فإنّه كيف يمكن الجمع بين رواية الوالد عنه و بين اعتقاد الولد كونه موضوعاً و يمكن المناقشة في جميع ما ذكر، فإنّ ثبوت الأصل له لا يستفاد منه الوثاقة بوجه؛ لعدم ظهور هذا العنوان في المعنى المذكور، و يحتمل قويّاً تبعاً للماتن دام ظلّه «5» أن يكون الأصل قسماً من الكتاب و قسيماً للمصنّف؛ نظراً إلى أنّ الأصل عبارة عن الكتاب الموضوع لنقل الحديث، سواء كان مسموعاً عن

الإمام (عليه السّلام) بلا واسطة أو معها، و سواء كان مأخوذاً من كتاب واصل آخر أم لا، و سواء كان معتمداً أم لا. و أمّا المصنّف فهو عبارة عن كتاب موضوع لغير نقل الحديث كالتاريخ و التفسير و الرجال و الكلام و غيرها، و الشاهد عليه مقابلة المصنّف

______________________________

(1) كامل الزيارات: 37.

(2) من لا يحضره الفقيه: 4/ 207 ح 5480.

(3) من لا يحضره الفقيه: 1/ 3.

(4) لؤلؤة البحرين: 384.

(5) كتاب الطهارة للإمام الخميني: 3/ 266.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 448

..........

______________________________

بالأصول في كثير من العبارات، و جعل كليهما قسمين من الكتاب في بعضها، و قول بعضهم في عدّة من الموارد: له أصل معتمد و بالجملة: لم يظهر كون المراد بالأصل ما ذكر و أمّا كون ابن أبي عمير من أصحاب الإجماع، فلا بدّ من بيان المراد من معقد هذا الإجماع المعروف، فنقول:

الأصل في دعوى الإجماع هو الكشي في رجاله، حيث قال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام): أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) و انقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأوّلين ستّة: زرارة، و معروف بن خرّبوذ، و بريد، و أبو بصير الأسدي، و الفضيل ابن يسار، و محمّد بن مسلم الطائي. قالوا: و أفقه الستة زرارة، و قال بعضهم مكان أبو بصير الأسدي: أبو بصير المرادي؛ و هو ليث بن البختري «1» و قال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ من هؤلاء و تصديقهم لما يقولون و أقرّوا لهم بالفقه، من دون أولئك الستّة

الذين عددناهم و سمّيناهم، ستّة نفر: جميل بن درّاج، و عبد اللّٰه بن مسكان، و عبد اللّٰه بن بكير، و حمّاد بن عثمان، و حمّاد بن عيسى، و أبان بن عثمان. قالوا: و زعم أبو إسحاق الفقيه يعني ثعلبة بن ميمون أنّ أفقه هؤلاء جميل بن درّاج، و هم أحداث أصحاب أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «2» و قال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم و أبي الحسن الرضا (عليهما السّلام): أجمع

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشّي: 238 رقم 431.

(2) اختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشّي: 375 رقم 705.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 449

..........

______________________________

أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء و تصديقهم، و أقرّوا لهم بالفقه و العلم، و هم ستّة نفر آخر دون الستّة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، منهم: يونس بن عبد الرحمن، و صفوان بن يحيى بيّاع السابري، و محمّد بن أبي عمير، و عبد اللّٰه بن المغيرة، و الحسن بن محبوب، و أحمد بن محمّد بن أبي نصر. و قال بعضهم مكان الحسن بن محبوب: الحسن بن عليّ بن فضّال و فضالة بن أيّوب، و قال بعضهم مكان فضالة بن أيّوب: عثمان بن عيسى. و أفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن و صفوان بن يحيى «1» و قد استفاد جماعة من هذه العبارات صحّة كلّ حديث رواه أحد هؤلاء إذا صحّ السند إليه، حتّى إذا كانت روايته عمّن هو معروف بالفسق، فضلًا عمّا إذا كانت روايته عن مجهول أو مهمل، أو كانت الرواية مرسلة، و من هذه الجماعة صاحب الوسائل في الفائدة السابعة من خاتمة كتابه، قال: و

ناهيك بهذا الإجماع الشريف الذي قد ثبت نقله و سنده قرينة قطعيّة على ثبوت كلّ حديث رواه واحد من المذكورين مرسلًا أو مسنداً عن ثقة، أو ضعيف أو مجهول؛ لإطلاق النصّ و الإجماع كما ترى «2» هذا، و الظاهر أنّه لا مجال لهذه الاستفادة؛ لأنّ مفاد العبارة الأُولى مجرّد إجماع العصابة على تصديق الستّة المذكورين أوّلًا، و الانقياد لهم بالفقه و التصديق لا يلازم الإغماض عمّن روى عنه من جهة الفسق و الجهالة و الإرسال؛ لأنّ مرجعه إلى عدم كون الستّة متّهمين بالكذب في نقلهم و روايتهم، و أين هذا من صحّة

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشّي: 556 رقم 1050.

(2) وسائل الشيعة: 20/ 80 81.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 450

..........

______________________________

الرواية التي رووها، و إن كان الواسطة بينهم و بين المعصوم غير واجد لشرط الاعتماد و الحجيّة و أمّا العبارتان الأخيرتان المشتملتان على تصحيح ما يصحّ عنهم، فالظاهر عدم كون المراد بهما أمراً زائداً على ما هو مفاد العبارة الأُولىٰ، بحيث كان مرجعهما ظاهراً إلى ثبوت مزيّة زائدة لغير الستّة الأوّلين، مع تصريحه بوقوعهم في الدرجة العليا و المرتبة الأولى، بل المراد منهما ما هو مفاد الأولى خصوصاً مع إضافة التصديق بعدهما، و لا مجال للتنزّل في مقام المدح و المزيّة بذكر عدم الاتّهام بالكذب بالإضافة إلى أنفسهم بعد الحكم بتصديق من رووا عنه أيضاً، كما لا يخفى و الإنصاف أنّه لا يستفاد من عبارة معقد الإجماع إلّا مجرّد كونهم صادقين في النقل غير متّهمين بالكذب، و الغرض من نقل الإجماع ثبوت الامتياز لهم بكونهم مورداً للاتّفاق على الوثاقة و الاعتماد هذا، و لو فرض كون معقد الإجماع صحّة

ما يصحّ عنهم مطلقاً، و لو كانت الواسطة فاقدة لبعض الخصوصيّات المعتبرة، فنقول: هذا من مصاديق الإجماع المنقول بخبر الواحد، و قد قرّر في الأصول عدم حجيّته، فلا يمكن لنا الاستفادة من هذا الإجماع بوجه. هذا كلّه فيما يتعلّق بمحمّد بن أبي عمير من جهة كونه من أصحاب الإجماع و أمّا من جهة أنّه لا يروي و لا يرسل إلّا عن ثقة، فنقول: الأصل في ذلك ما ذكره الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) في كتاب «العدّة» في البحث عن حجيّة خبر الواحد، قال: و إذا كان أحد الراويين مُسنِداً و الآخر مرسِلًا نظر في حال المرسِل، فإن كان ممّن يعلم أنّه لا يرسِل إلّا عن ثقة موثوق به، فلا ترجيح لخبر غيره على خبره، و لأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير و صفوان بن يحيى و أحمد بن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 451

..........

______________________________

محمّد بن أبي نصر و غيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنَّهم لا يروون و لا يرسلون إلّا عمّن يوثق به، و بين ما أسنده غيرهم «1» و حكي الحكم بهذه التسوية أيضاً عن النجاشي في ترجمة محمّد بن أبي عمير، و ذكر أنّ سببها ضياع كتبه و هلاكها «2» أقول: هل مراد الشيخ (قدّس سرّه) من هذا الكلام إثبات مزيّة زائدة لهؤلاء غير كونهم من أصحاب الإجماع؟ أو أنّ مراده بيان منشأ الإجماع المذكور؟ و عليه فالحكم لا يختصّ بالثلاثة المذكورين، بل يعمّ غيرهم من سائر أصحاب الإجماع فإن كان مراده الثاني، نظراً إلى زعمه أنّ منشأ الإجماع هو عدم رواية أصحابه إلّا عن ثقة موثوق به، فقد عرفت أنّ المزيّة الحاصلة بسبب

الإجماع لا تتجاوز عن أشخاصهم و لا تسري إلى غيرهم، و ليس الإجماع ناظراً إلى حال من يروون عنه أصلًا و إن كان مراده الأوّل، فيدفعه مضافاً إلى استلزامه ثبوت الترجيح لمثل محمّد ابن أبي عمير على مثل زرارة، و هو ممّا لا يمكن الالتزام به أصلًا أنّه من أين علم أنّهم لا يروون و لا يرسلون إلّا عن ثقة؟ فإن كان المنشأ هو تصريحهم بذلك فلا مانع منه، و لكنّه لا إشعار في كلامه بذلك و لا في كلام غيره أصلًا، و لم ينقل عن أحدهم ذلك، و إن كان المنشأ هو التتبّع فيمن يروون عنه فهو لا يدلّ إلّا على وثاقة من يروون عنه مسنداً، و أمّا من رووا عنه بنحو الإرسال فكيف يمكن استفادة وثاقتهم مع الجهل بهم؟ هذا مع غمض النظر عن ثبوت رواية هؤلاء عن الضعفاء في موارد حكي عن الشيخ نفسه ذكر جملة منها «3»، و إلّا فلا مجال لما ذكر في

______________________________

(1) عدّة الأُصول: 1/ 154.

(2) رجال النجاشي: 316 رقم 887.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1422 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود؛ ص: 451

(3) يراجع معجم رجال الحديث لسيّدنا الأُستاذ (قدّس سرّه): 1/ 64- 68 و 72.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 452

..........

______________________________

رواياتهم المسندة أيضاً، كما لا يخفى و قد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم اعتبار مراسيل مثل ابن أبي عمير لا من جهة كونه من أصحاب الإجماع، و لا من جهة الدعوى المذكورة من الشيخ (قدّس سرّه) و

أمّا سكوت ابن الغضائري فلا دلالة له على التوثيق؛ لأنّه يمكن أن يكون مستنداً إلى الجهل بحاله و عدم الاطّلاع على خصوصيّاته، و إثبات عدم كون كتابه موضوعاً لا يفيد التوثيق بوجه؛ لأنّ ثبوت الكتاب له و صحّة استناده إليه أعمّ من الوثاقة فلا يبقى إلّا الوقوع في سند كتاب كامل الزيارات، و هو لو لم يكن له معارض لم يكن مانع عن الالتزام بوثاقته، إلّا أنّ اقتصار المشايخ الثلاثة من روايات أصل زيد النرسي على حديثين أو ثلاث أحاديث يدلّ على عدم اعتمادهم عليه، مع كونهم مجدّين في نقل الأخبار و جمع الأحاديث و الروايات، و عليه فلا يثبت وثاقة زيد النرسي بوجه، هذا من جهة الشخص و أمّا من جهة النسخة، فإثبات كون النسخة التي بيد المجلسي هي النسخة الصحيحة المطابقة لكتاب زيد النرسي مشكل جدّاً مع كثرة الفصل الزماني بينهما، و ممّا يؤيّد عدم اعتبار تلك النسخة أنّ صاحب الوسائل (قدّس سرّه) لم ينقل عنها في كتابه مع كونها موجودة عنده، على ما نقله الخبير المتتبّع شيخ الشريعة الأصفهاني (قدّس سرّه) «1» اللّهم إلّا أن يقال: إنّ وجود الأخبار المرويّة في كتب الأصحاب عن زيد النرسي كتفسير عليّ بن إبراهيم، و كامل الزيارات لجعفر بن قولويه، و ثواب

______________________________

(1) إفاضة القدير في أحكام العصير: 27، المقالة الثالثة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 453

..........

______________________________

الأعمال للصدوق، و عدّة الداعي لابن فهد، و الكافي للكليني، و الفقيه «1» بأجمعها في تلك النسخة يوجب الاطمئنان بصحّتها، و دعوى احتمال كون النسخة موضوعة، و إنّما أدرج فيها هذه الأخبار المنقولة في تلك الكتب تثبيتاً للمدّعى و إيهاماً على أنّها كتاب زيد واصلة، بعيدة

جدّاً بعد عدم وجود الداعي إلى ذلك بوجه الجهة الثانية: في متنها، و قد وقع فيه الاختلاف، قال في المستدرك بعد نقل الرواية بالنحو الذي ذكرنا: قلت: هكذا متن الخبر في نسختين من الأصل «2»، و كذا نقله المجلسي (قدّس سرّه) فيما عندنا من نسخ البحار و نقله في المستند عنه «3»، و لكن في كتاب الطهارة للشيخ الأعظم (قدّس سرّه) تبعاً للجواهر ساقا كذلك عن الصادق (عليه السّلام)، في الزبيب يدقّ و يلقى في القدر و يصبّ عليه الماء، فقال: حرام حتّى يذهب الثلثان. و في الثاني أي الجواهر قال: حرام إلّا أن يذهب ثلثاه، قلت: الزبيب كما هو يلقى في القدر، قال: هو كذلك سواء، إذا أدّت الحلاوة إلى الماء فقد فسد، كلّما غلى بنفسه أو بالماء أو بالنار فقد حرم حتّى يذهب ثلثاه «4» بل فيه «5»: نسبة الخبر إلى زيد الزرّاد و زيد النرسي، و لا يخفى ما في المتن الذي ساقاه من التحريف و التصحيف و الزيادة، و كذا نسبته إلى الزرّاد و قد رواه مثلهما الشيخ الفاضل المتبحّر الذي ذكر في مدحه فضائل كثيرة الشيخ

______________________________

(1) تفسير القمّي: 2/ 256، كامل الزيارات: 510 ح 795، ثواب الأعمال: 36 ح 1، عدّة الداعي: 184، الكافي: 4/ 85 (1) ح 3 و ج 4/ 147 ح 6، الفقيه: 4/ 207 ح 5482.

(2) مستدرك الوسائل: 17/ 38، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ذ ح 1.

(3) بحار الأنوار: 76/ 177 ح 8، مستند الشيعة: 15/ 220.

(4) كتاب الطهارة، للشيخ الأنصاري: 317، جواهر الكلام: 6/ 34 35.

(5) أي في جواهر الكلام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 454

[مسألة 4: لا إشكال في أنّ المسكر قليله و كثيره]

مسألة 4: لا إشكال في أنّ المسكر قليله و كثيره سواء في ثبوت الحدّ بتناوله و لو كان قطرة منه و لم يكن مسكراً فعلًا، فما كان كثيره مسكراً يكون في قليله حدّ، كما لا إشكال في الممتزج بغيره إذا صدق اسمه عليه و كان غيره مستهلكاً فيه، كما لا إشكال في الممتزج بغيره إذا كان مسكراً و لم يخرج بامتزاجه عن الإسكار، ففي كلّ ذلك حدّ، و أمّا إذا امتزج بغيره كالأغذية و الأدوية بنحو استهلك فيه و لم يصدق اسمه و لم يكن الممتزج مسكراً، ففي ثبوت الحدّ به إشكال و إن كان حراماً لأجل نجاسة الممتزج، فلو استهلك قطرة منه في مائع فلا شبهة في نجاسة الممتزج، و لكن ثبوت حدّ المسكر عليه محلّ تأمّل و إشكال، لكنّ الحكم بالحدّ معروف بين أصحابنا (1).

______________________________

سليمان الماحوزي البحراني زميل العلّامة المجلسي (قدّس سرّه) و عديله، و عليه لا مجال لنسبة الغلط و التصحيف إليه، و إن طعن على هذا الشيخ الجليل المتقدّم شيخ الشريعة الأصفهاني بما لا ينبغي من مثله أصلًا «1» الجهة الثالثة: في دلالتها، و لا إشكال في أنّ مفادها الحرمة، و التعبير بالفساد في المتن الأوّل ظاهر فيها أيضاً، و لكنّ الحرمة على تقدير ثبوتها لا يستلزم الحدّ كما عرفت

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: أنّه لا فرق في المسكر بين كثيره و قليله في ثبوت الحدّ بتناوله، و لو كان قطرة منه و لم يكن مسكراً بالفعل لأجل القلّة، و يدلّ عليه مضافاً إلى أنّه لا

______________________________

(1) إفاضة القدير في أحكام العصير: 24.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 455

..........

______________________________

خلاف معتدّ به فيه، بل الإجماع بقسميه

عليه كما في الجواهر «1» النصوص المستفيضة بل المتواترة:

كصحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): الحدّ في الخمر أن يشرب منها قليلًا أو كثيراً، الحديث «2» و موثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل شرب حسوة خمر، قال: يجلد ثمانين جلدة، قليلها و كثيرها حرام «3» و غير ذلك من الروايات الكثيرة الدالّة عليه و عن المقنع: إذا شرب حسوة من خمر جلد ثمانين، و إن أخذ شارب النبيذ و لم يسكر لم يجلد حتّى يرى سكراناً «4» و ظاهره الفرق بين الخمر و النبيذ و يمكن الاستدلال للتفصيل في النبيذ بصحيحة أبي الصبّاح الكناني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث، قلت: أ رأيت إن أُخذ شارب النبيذ و لم يسكر أ يجلد؟ قال: لا «5» و صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) قلت: أ رأيت إن أُخذ شارب النبيذ و لم يسكر أ يجلد ثمانين؟ قال: لا، و كلّ مسكر حرام «6» بناءً على رجوع الضمير في لم يسكر إلى الشارب، و عليه فيكون الفعل من الثلاثي المجرّد، و لكنّ المحتمل بل الظاهر عود الضمير إلى النبيذ، و المراد عدم كون

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 450.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 469، أبواب حدّ المسكر ب 4 ح 3.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 468، أبواب حدّ المسكر ب 3 ح 7.

(4) المقنع: 455.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 469، أبواب حدّ المسكر ب 4 ح 4 و 5.

(6) وسائل الشيعة: 18/ 469، أبواب حدّ المسكر ب 4 ح 4 و 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 456

..........

______________________________

النبيذ مسكراً أصلًا،

و عليه فمفاد الروايتين أنّ النبيذ غير المسكر لا يوجب ترتّب الحدّ، فلا دلالة لهما على التفصيل في النبيذ بين القليل و الكثير كما هو المدّعى، و الدليل على عود الضمير إلى النبيذ قوله (عليه السّلام) في الرواية الثانية: و كلّ مسكر حرام، و لو كان الضمير راجعاً إلى الشارب لكان المناسب التعبير بقوله: و كلّ من سكر يجب أن يجلد، و على ما ذكرنا لا تصل النوبة إلى الحمل على التقيّة لأجل الموافقة للعامّة، كما عن الشيخ (قدّس سرّه) بعد نقل الروايتين «1» نعم، هنا مرسلة للصدوق قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام): إذا سكر من النبيذ المسكر و الخمر جلد ثمانين «2» و ربّما يحكم بطرحها من جهة إرسالها، و لكن قد عرفت مراراً أنّ هذا النحو من الإرسال لا ينافي الاعتبار بوجه، فاللّازم إمّا الحكم بعدم ثبوت المفهوم للقضيّة الشرطية، كما قد حقّقناه في الأصول، و إمّا طرح الرواية من جهة عدم الفتوى على طبقها و لو من الصدوق نفسه؛ لأنّه صرّح بعدم الفرق في الخمر بين صورة الإسكار و عدمه كما في عبارة المقنع المتقدّمة، فانقدح أنّه لا فرق بين القليل و الكثير من المسكر أصلًا الثاني: ما إذا تحقّق الامتزاج بالغير، بحيث صار الغير مستهلكاً فيه، فإنّه لا إشكال فيه في ثبوت الحدّ؛ لأنّ المفروض بقاء الاسم و صيرورة الغير مستهلكاً و فانياً فيه، فيتحقّق شرب الخمر مثلًا حقيقةً و هو يوجب الحدّ الثالث: ما إذا تحقّق الامتزاج بالغير بحيث لم يبق الاسم و العنوان بحاله، بل كان

______________________________

(1) التهذيب: 10/ 96، الإستبصار: 4/ 236.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 470، أبواب حدّ المسكر ب 4 ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير

الوسيلة - الحدود، ص: 457

..........

______________________________

وصف الإسكار محفوظاً و باقياً، فلا إشكال فيه أيضاً في ثبوت الحدّ بعد فرض إيجاب كلّ مسكر له، كما تقّدم الرابع: ما إذا تحقّق الامتزاج بالغير، بحيث صار مستهلكاً في الغير و لم يبق الاسم بحاله، و زال وصف الإسكار بسبب الامتزاج، فهل يجب فيه الحدّ أم لا؟ وجهان، المعروف بين الأصحاب هو الثبوت «1» و استشكل فيه المحقّق الأردبيلي بعدم صدق اسم شرب الخمر فيما إذا امتزج قطرة من خمر بحبٍّ من ماء، و لذا لم يحنث من حلف أن لا يشرب الخلّ، أو يأكل الدهن، أو التمر بشرب السكباج «2»، و أكل الطبيخ الذي فيه دهن غير متميّز، و أكل الحلوى التي فيها التمر «3»، و تبعه على ذلك في كشف اللثام، حيث قال في مثل الفرض: و إن لم يتناوله ما في النصوص من لفظ الشرب، فكأنّه إجماعيّ «4» و أورد عليهما في الجواهر بأنّ المحرّم ذاتاً لا من حيث الاسم لا يتفاوت الحال بين قليله و كثيره، بخلاف متعلّق اليمين الذي مدار الحكم فيه على صدق الفعل، بل قوله (عليه السّلام): «قليلها و كثيرها حرام» قاض بذلك، ضرورة عدم التقييد بالشرب، و عدم تحديد القليل بشي ء، فيشمل الجزء و لو يسيراً، و كذا ما اشتمل من النصوص على ضرب الثمانين بالنبيذ و الخمر القليل و الكثير من غير تقييد

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 557، قواعد الأحكام: 2/ 263، المهذّب البارع: 5/ 80، الروضة البهيّة: 9/ 197، رياض المسائل: 10/ 137.

(2) السكباج بكسر السين-: طعام معروف يصنع من خلّ و زعفران و لحم، مجمع البحرين: 2/ 857.

(3) مجمع الفائدة و البرهان: 13/ 185- 186.

(4) كشف اللثام: 2/ 417.

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 458

..........

______________________________

بالشرب، قال: و بالجملة فالمسألة خالية عن الإشكال «1» و يرد عليه: أنّ المراد من المحرّم ذاتاً إن كان هو عدم مدخلية العنوان في الحرمة بوجه، فمن الظاهر أنّ الحكم إنّما تعلّق بالعنوان، و لا مجال لبقائه بعد ارتفاعه، فالخمر ما دام كونها خمراً محرّمة، و إذا انقلبت خلّاً و تغيّر عنوانها ترتفع الحرمة لا محالة و لا وجه لبقائها، و إن كان معنى لا ينافي المدخليّة، فالمفروض في المقام ارتفاع العنوان و زوال الاسم، و قوله (عليه السّلام): «قليلها و كثيرها حرام» يقضي بثبوت الحرمة ما دام كون العنوان الذي أضيف إليه القليل محفوظاً، بحيث كان الموجود هو قليل الخمر، و قد فرضنا الاستهلاك و عدم بقاء العنوان بوجه، فالمسألة مشكلة إلّا أن يكون هناك إجماع ثمّ إنّه لا إشكال في هذا الفرض في ثبوت الحرمة، و علّله في المتن بحدوث النجاسة لأجل الملاقاة في الممتزج و تحقّق الحرمة بذلك، و لكنّ المستفاد من بعض الروايات عدم كون الحرمة مستندة إلى النجاسة، و هي:

صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: استأذنت لبعض أصحابنا على أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، فسأل عن النبيذ، فقال: حلال، فقال: أصلحك اللّٰه إنّما سألتك عن النبيذ الذي يجعل فيه العكر فيغلي حتّى يسكر، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): كلّ ما أسكر حرام، فقال الرجل: إنّ من عندنا بالعراق يقولون: إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) عنى بذلك القدح الذي يسكر، فقال أبو عبد اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): إنّ ما أسكر كثيره فقليله حرام، فقال له الرجل: فأكسره بالماء؟

فقال له أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): لا، و ما للماء يحلّ الحرام، اتّق اللّٰه و لا تشربه «2».

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 452.

(2) وسائل الشيعة: 17/ 269، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة ب 17 ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 459

[مسألة 5: لو اضطرّ إلىٰ شرب المسكر لحفظ نفسه عن الهلاك أو من المرض الشديد فشرب]

مسألة 5: لو اضطرّ إلىٰ شرب المسكر لحفظ نفسه عن الهلاك أو من المرض الشديد فشرب ليس عليه الحدّ (1)

[مسألة 6: لو شرب المسكر مع علمه بالحرمة وجب الحدّ]

مسألة 6: لو شرب المسكر مع علمه بالحرمة وجب الحدّ و لو جهل أنّه موجب للحدّ. و لو شرب مائعاً بتخيّل أنّه محرّم غير مسكر فاتّضح أنّه مسكر لم

______________________________

فإنّ قوله (عليه السّلام): «و ما للماء يحلّ الحرام» ظاهرٌ في أنّ الحرمة ليست لأجل النجاسة، بل لأجل عدم صلاحيّة الماء لتحليل الحرام، إلّا أن يقال: إنّ المفروض في السؤال هو الكسر بالماء، و هو لا يشمل صورة الاستهلاك الموجب لارتفاع العنوان بالكليّة، و لكنّ الظاهر شموله لهذه الصورة أيضاً ثمّ على هذا التقدير يمكن جعل الصحيحة دليلًا على ما هو المعروف من ثبوت الحدّ أيضاً في هذا المورد المفروض؛ لأنّ الصحيحة و إن كانت ناظرة إلى بيان الحرمة، إلّا أنّه ليس المراد مجرّد الحرمة و لو لم يكن معها حدّ، فإنّ المستفاد من مجموع قولي رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) المحكيّين في الصحيحة ثبوت الحدّ أيضاً، و يؤيّده جعل التسوية بين القليل و الكثير في الحرمة في رواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة في الفرع الأوّل دليلًا على ثبوت الحدّ في شرب حسوة من خمر، فتدبّر

(1) عدم ثبوت الحدّ مع الاضطرار إلى شرب المسكر لحفظ النفس عن الهلاك أو المرض الشديد؛ لأجل أنّه لا حرمة مع الاضطرار، و ظهور كون الموضوع في دليل الحدّ هو شرب المسكر في صورة الحرمة؛ لأنّ الحدّ عقوبة للمخالفة و جزاء على المعصية، و لا يترتّب على الشرب غير المحرّم، سيّما إذا كان واجباً، كما إذا توقّف عليه حفظ النفس عن الهلاك، مع أنّه يمكن أن يقال باقتضاء حديث

الرفع رفع جميع الآثار التي منها الحدّ؛ لعدم الفرق بينه و بين الحرمة في ذلك.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 460

يثبت الحدّ عليه، و لو علم أنّه مسكر و تخيّل أنّ الموجب للحدّ ما أسكر بالفعل فشرب قليله، فالظاهر وجوب الحدّ (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: لو شرب المسكر مع العلم بالحرمة و الجهل بترتّب الحدّ عليه، و قد حكم فيه في المتن بثبوت الحدّ، و ذلك لتحقّق الموضوع لدليل الحدّ و هو شرب المسكر مع العلم بالحرمة، و لا دلالة على اختصاص ترتّب الحدّ بصورة العلم به، و ليس هو حكماً تكليفيّاً يتوقّف فعليّته على العلم به، بل وظيفة للحاكم لا بدّ من إجرائها مع ثبوت الموضوع الثاني: لو شرب مائعاً بتخيّل أنّه محرّم غير مسكر، مثل ما إذا كانت الحرمة لأجل النجاسة بسبب الملاقاة مع النجس فاتّضح أنّه مسكر، و قد حكم فيه في المتن بعدم ثبوت الحدّ عليه، و الوجه فيه عدم إحراز الموضوع، و مجرّد العلم بالحرمة لا يوجب تحقّقه، لأنّ الموضوع هو شرب المسكر مع العلم بالحرمة من هذه الحيثيّة، فكما أنّه في المصاديق المشتبهة لا يكون حدّ لعدم إحراز الموضوع فكذلك هنا، بل المقام أولى؛ للعلم بعدم كونه مسكراً كما هو المفروض الثالث: لو علم أنّه مسكر و تخيّل أنّ الموجب للحدّ ما أسكر بالفعل فشرب قليله، و قد استظهر فيه وجوب الحدّ، و الظاهر أنّ المفروض صورة العلم بأنّه لا فرق بين الكثير و القليل من جهة الحرمة. غاية الأمر تخيّله أنّ القليل لأجل عدم كونه مسكراً لا يترتّب عليه حدّ، و أمّا لو فرض تخيّل الحلّية في القليل أيضاً فلا وجه لثبوت الحدّ؛

للجهل بالحرمة و هو رافع له، و ممّا ذكرنا يظهر رجوع هذا الفرع إلى الفرع الأوّل. غاية الأمر ثبوت الجهل بالترتّب في خصوص القليل،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 461

[مسألة 7: يثبت شرب المسكر بالإقرار مرّتين]

مسألة 7: يثبت شرب المسكر بالإقرار مرّتين، و يشترط في المقرّ البلوغ و العقل و الحريّة و الاختيار و القصد، و يعتبر في الإقرار أن لا يقرن بشي ء يحتمل معه جواز شربه كقوله: شربت للتداوي أو مكرهاً، و لو أقرّ بنحو الإطلاق و قامت قرينة على أنّه شربه معذوراً لم يثبت الحدّ، و لو أقرّ بنحو الإطلاق ثمّ ادّعىٰ عذراً قبل منه و يدرأ عنه الحدّ لو احتمل في حقّه ذلك، و لا يكفي في ثبوته الرائحة أو النكهة مع احتمال العذر (1).

______________________________

و عليه فالحكم بثبوت الحدّ في الأوّل من دون إشعار بالترديد، و بثبوته في الأخير مع الإشعار به كما يستفاد من التعبير بكلمة «الظاهر» ممّا لا يجتمعان، فتدبّر

(1) قد مرّ الكلام مكرّراً في أنّه هل اللازم في مثل المقام مجرّد الإقرار و لو مرّة، أو أنّه لا يكتفى بذلك، بل لا بدّ من تعدّده، إلّا أنّه يمكن الإيراد على المتن بأنّه لا خصوصيّة للمقام، حيث حكم فيه باعتبار التعدّد صريحاً مع الحكم في مثل القذف بأنّ التعدّد مقتضى الاحتياط، بل لا يخلو عن وجه، مع أنّ الظاهر أنّه لا فرق بينهما من هذه الجهة أصلًا، إلّا أن يكون النظر إلى ما حكي عن ظاهر المبسوط من دعوى الإجماع في المقام «1»، و من الواضح عدم حجّية الإجماع المنقول. و أمّا الخصوصيّات المعتبرة في المقرّ فقد عرفت الكلام فيها أيضاً، و لا حاجة إلى الإعادة أصلًا ثمّ إنّه يعتبر

في الإقرار أن لا يكون مقترناً بشي ء يحتمل معه الجواز، كقوله: «شربت للتداوي» أو «مكرهاً»، و الوجه فيه أنّه حينئذٍ لا يكون إقراراً على النفس، بل إقرار على تحقّق الفعل الجائز و صدور الأمر غير المحرّم، فلم يتحقّق منه إقرار بالمعصية الموجبة لترتّب الحدّ.

______________________________

(1) المبسوط: 8/ 61.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 462

[مسألة 8: و يثبت بشاهدين عادلين]

مسألة 8: و يثبت بشاهدين عادلين، و لا تقبل شهادة النساء منفردات و لا منضمّات، و لو شهد العدلان بنحو الإطلاق كفىٰ في الثبوت، و لو اختلفا في الخصوصيّات كأن يقول أحدهما: «إنّه شرب الفقاع» و الآخر: «إنّه شرب الخمر» أو قال أحدهما: «إنّه شرب في السوق» و الآخر: «إنّه شرب في البيت» لم يثبت الشرب، فلا حدّ، و كذا لو شهد أحدهما بأنّه شرب عالماً

______________________________

و لو أقرّ بنحو الإطلاق و قامت قرينة معتبرة يعتمد عليها عند العقلاء على تحقّق الشرب معذوراً و بنحو غير محرّم لا يثبت الحدّ؛ لأنّ الإقرار مع تلك القرينة لا يكون إقراراً على النفس، و مجرّد كون الإقرار بنحو الإطلاق لا يوجب الأخذ به و قطع النظر عن القرينة كما هو ظاهر و لو أقرّ بنحو الإطلاق ثمّ ادّعى عذراً و لو مع الفصل يقبل منه و يدرأ عنه الحدّ إذا كان العذر المدّعى محتملًا في حقّه و ممكناً بالإضافة إليه؛ لما مرّ سابقاً من قبول دعوى العذر من المدّعى خصوصاً إذا كان موجب الحدّ ثابتاً بإقراره و لا يكفي في الثبوت مجرّد سكره، خلافاً لما حكي عن المفيد (قدّس سرّه) من قوله: و سكره بيّنة عليه بشرب المحظور، و لا يرتقب بذلك إقرار منه في حال صحوه به، و لا شهادة من

غيره عليه «1» فإنّ السكر و إن كان كاشفاً عن الشرب، إلّا أنّه ليس بيّنة على الشرب المحرّم، فإنّه من المحتمل ثبوت العذر له في ذلك، و لأجله لا يكفي في الثبوت الرائحة أو النكهة، و إن حكي عن أبي حنيفة الاكتفاء بمجرّد الرائحة «2»، و لكنّه في غاية الضعف لما ذكرنا.

______________________________

(1) المقنعة: 801.

(2) المغني لابن قدامة: 10/ 331، المبسوط للسرخسي: 32/ 24، شرح فتح القدير: 5/ 76.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 463

بالحكم، و الآخر بأنّه شرب جاهلًا، و غيره من الاختلافات، و لو أطلق أحدهما و قال: «شرب المسكر» و قيّد الثاني و قال: «شرب الخمر» فالظاهر ثبوت الحدّ 1.

______________________________

(1) أمّا أصل الثبوت بشاهدين عادلين؛ فلعموم ما دلّ على اعتبارهما و حجيّتهما في الموضوعات، و لم يرد في المقام دليل على خلافه. و أمّا عدم قبول شهادة النساء مطلقاً، فقد تقدّم الكلام فيه مفصّلًا، و عرفت أنّ مقتضى التحقيق هو القبول في صورة الانضمام لا مطلقاً، بل خصوص القدر المتيقّن منه «1»، و لازمه في المقام الاكتفاء بشهادة رجل و امرأتين و لو شهد العدلان بنحو الإطلاق، و لم تكن شهادتهما مقرونة بذكر الخصوصيّات من حيث الجنس و الزمان و المكان و غيرها، يكفي في الثبوت لو لم يتحقّق ادّعاء العذر من المشهود عليه ادّعاءً محتملًا في حقّه، و إلّا فالظاهر قبول الادّعاء و درء الحدّ، كما عرفت في صورة الإقرار و لو اختلفا في الخصوصيّات، سواء كان راجعاً إلى جنس ما شربه، أو إلى محلّ الشرب، أو إلى حال المكلّف من حيث العلم و الجهل، أو إلى غيرها من الخصوصيّات الأخر فالظاهر عدم الثبوت، فإنّه و إن كان

التعرّض للخصوصيّات غير معتبر في الشهادة، و لا يلزم على الشاهد الإشارة إليها، إلّا أنّه مع التعرّض و ثبوت الاختلاف يتحقّق هنا موضوعان قام على كلّ واحد منهما شهادة واحد، و هي لا تكفي في مقام الإثبات، ضرورة أنّ الشرب في السوق أمر و الشرب في البيت أمر آخر، و مجرّد اشتراكهما في أصل الشرب لا يوجب انطباق الشهادة عليه كما في سائر الموارد، مثل ما إذا شهد شاهد بأنّ زيداً قتل عمرواً، و الآخر بأنّه قتل

______________________________

(1) تقدّم في ص 116 120.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 464

[مسألة 9: الحدّ في الشرب ثمانون جلدة]

مسألة 9: الحدّ في الشرب ثمانون جلدة، كان الشارب رجلًا أو امرأة، و الكافر إذا تظاهر بشربه يحدّ، و إذا استتر لم يحدّ، و إذا شرب في كنائسهم و بيعهم لم يحدّ (1).

______________________________

بكراً، فإنّ هذا النحو من الشهادة لا يكفي للإثبات نعم، لو لم يكن بينهما اختلاف، كما إذا تعرّض أحدهما لبعض الخصوصيّات و لم يتعرّض الآخر له، فالظاهر ثبوت الحدّ كما في المثال المذكور في المتن، ضرورة أنّه لا مغايرة بين المطلق و المقيّد؛ و لذا يحمل الأوّل على الثاني في مثل الروايات، نظراً إلى خروجهما عن عنوان التعارض و الاختلاف بالكليّة

(1) أمّا كون الحدّ ثمانين جلدة، فقد قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكيّ منهما مستفيض أو متواتر كالنصوص «1» لكن في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: أ رأيت النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) كيف كان يضرب في الخمر؟ قال: كان يضرب بالنعال و يزداد إذا اتي بالشارب، ثمّ لم يزل الناس يزيدون حتّى وقف ذلك

على ثمانين، أشار بذلك عليّ (عليه السّلام) على عمر فرضي بها «2» و مثلها رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «3» و في رواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قال: إنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يقول: إنّ الرجل إذا شرب الخمر سكر، و إذا سكر هذى، و إذا هذى افترى، فاجلدوه حدّ المفتري «4».

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 456.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 467، أبواب حدّ المسكر ب 3 ح 3.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 466، أبواب حدّ المسكر ب 3 ح 1.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 467، أبواب حدّ المسكر ب 3 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 465

..........

______________________________

و ظاهرها عدم تحقّق الحدّ مع عدم صدور الافتراء منه، إلّا أن يحمل ذلك على بيان الحكمة بملاحظة تحقّقها غالباً و قال في الجواهر: بل في المسالك روى العامّة «1» و الخاصّة «2» أنّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) كان يضرب الشارب بالأيدي و النعال و لم يقدّره بعدد، فلمّا كان في زمن عمر استشار أمير المؤمنين (عليه السّلام) في حدّه، فأشار عليه بأن يضرب ثمانين، و علّله بأنّه إذا شرب سكر، و إذا سكر هذىٰ، و إذا هذىٰ افترىٰ. فجلده عمر ثمانين، و عمل بمضمونه أكثر العامّة «3» و ذهب بعضهم إلى أربعين مطلقاً «4»، لما روي أنّ الصحابة قدّروا ما فعل في زمانه (صلّى اللّٰه عليه و آله) بأربعين «5» «6».

و كان التقدير المزبور عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) من التفويض الجائز لهم. و من الغريب ما في كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة من أنّ جلد الشارب الثمانين من بدع الثاني، و أنّ الرسول (صلّى اللّٰه عليه

و آله) جعل حدّه أربعين بالنعال العربيّة و جرائد النخل بإجماع أهل الرواية، و أنّ الثاني قال: إذا سكر افترى، و إذا افترى حدّ حدّ المفتري «7» و كيف كان، فلا خلاف و لا إشكال بمقتضى النصّ و الفتوى في كون الحدّ ثمانين جلدة، من دون فرق بين أن يكون الشارب رجلًا أو امرأة، و أمّا الكافر فقد فصّل

______________________________

(1) سنن البيهقي: 8/ 320 321.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 466 467، أبواب حدّ المسكر ب 3 ح 1 و 3.

(3) المغني لابن قدامة: 10/ 326، المبسوط للسرخسي: 24/ 30، المدوّنة الكبرى: 6/ 261، بداية المجتهد: 2/ 439، أسهل المدارك: 2/ 266، شرح فتح القدير: 5/ 83 84.

(4) مختصر المزني: 266، مغني المحتاج: 4/ 189، المحلّىٰ بالآثار: 12/ 367، الحاوي الكبير: 17/ 317 318.

(5) سنن البيهقي: 8/ 318.

(6) مسالك الأفهام: 14/ 463.

(7) جواهر الكلام: 41/ 457.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 466

..........

______________________________

فيه في المتن بين صورة التظاهر و صورة الاستتار بثبوت الحدّ في الأُولى دون الثانية، و الوجه فيه دلالة الروايات عليه منها: موثّقة أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: كان عليّ (عليه السّلام) يضرب في الخمر و النبيذ ثمانين الحرّ و العبد و اليهوديّ و النصرانيّ، قلت: و ما شأن اليهوديّ و النصرانيّ؟ قال: ليس لهما أن يظهروا شربه، يكون ذلك في بيوتهم «1» و روى في الوسائل بعد هذه الرواية رواية أُخرى لأبي بصير، و لكنّ الظاهر عدم كونها رواية أُخرى، كما أشرنا في مثل ذلك مراراً و منها: رواية محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) أن يجلد اليهوديّ و النصرانيّ في

الخمر و النبيذ المسكر ثمانين جلدة إذا أظهروا شربه في مصر من أمصار المسلمين، و كذلك المجوس، و لم يعرض لهم إذا شربوها في منازلهم و كنائسهم حتّى يصيروا بين المسلمين «2» و بمثلهما يقيّد إطلاق بعض الروايات، مثل:

رواية أبي المغراء، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: كان عليّ (عليه السّلام) يجلد الحرّ و العبد و اليهوديّ و النصرانيّ في الخمر ثمانين «3» و إن لا يبعد اتّحادها مع روايتي أبي بصير المتقدّمتين ثمّ الظاهر أنّ هذا التفصيل إنّما هو في مورد الذمّي؛ لأنّ رفع اليد عن الحدّ في صورة الاستتار إنّما هو بمقتضى المصالحة معهم على أن يشربوها في مثل بيوتهم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 471، أبواب حدّ المسكر ب 6 ح 1 و 2.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 471، أبواب حدّ المسكر ب 6 ح 3.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 472، أبواب حدّ المسكر ب 6 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 467

[مسألة 10: يضرب الشارب على ظهره و كتفيه و سائر جسده]

مسألة 10: يضرب الشارب على ظهره و كتفيه و سائر جسده، و يتّقى وجهه و رأسه و فرجه، و الرجل يضرب عرياناً ما عدا العورة قائماً، و المرأة تضرب قاعدة مربوطة في ثيابها، و لا يقام عليهما الحدّ حتى يفيقا (1).

______________________________

و أمّا الحربي، فالظاهر ثبوت الحدّ عليه مطلقاً، و إن حكي عن القواعد «1» و كشف اللثام «2» أنّه لا حدّ على الحربي و إن تظاهر بشربها؛ لأنّ الكفر أعظم منه نعم، إن أفسد بذلك أُدِّب بما يراه الحاكم، و لكنّه مندفع بعموم الأدلّة الواردة في الحدّ، و كونهم مكلّفين بتمام الأحكام

(1) كيفيّة ضرب الشارب للمسكر على ما هو مقتضى المتن هي كيفيّة

ضرب الزاني المتقدّمة، مع أنّ المستند الوحيد في المقام هي صحيحة أبي بصير في حديث، قال: سألته عن السكران و الزاني؟ قال: يجلدان بالسياط مجرّدين بين الكتفين، فأمّا الحدّ في القذف فيجلد على ما به ضرباً بين الضربين «3» و مقتضاها بحسب الظاهر اشتراكهما في التجريد، و كون الضرب بين الكتفين، فإن استفيد منهما الاشتراك في جميع الخصوصيّات يحمل «بين الكتفين» على كونه أحد المواضع و أنّه لا خصوصيّة فيه أصلًا و اللازم حينئذٍ الالتزام بكون الضرب في الشرب يجب أن يكون أشدّ مراتب الضرب كما في باب الزنا، مع أنّه لم يقع التصريح بهذه الجهة في الكلمات، و إن كانت المقابلة مع القذف في الرواية و الحكم بأنّ الضرب فيه هو ما بين الضربين تقتضي

______________________________

(1) قواعد الأحكام: 2/ 263.

(2) كشف اللثام: 2/ 417.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 474، أبواب حدّ المسكر ب 8 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 468

[مسألة 11: لا يسقط الحدّ بعروض الجنون و لا بالارتداد]

مسألة 11: لا يسقط الحدّ بعروض الجنون و لا بالارتداد، فيحدّ حال جنونه و ارتداده (1).

______________________________

ذلك، و إن لم يستفد من الرواية الاشتراك في جميع الخصوصيّات فاللّازم حينئذٍ الاقتصار على خصوص بين الكتفين، و قيام الدليل في باب الزنا على جواز الضرب على جميع المواضع عدا ما استثني لا يقتضي الحكم به في المقام أيضاً و بالجملة: استفادة الاشتراك المطلق من الرواية مشكلة. نعم، تدلّ الرواية على خلاف ما حكي عن المبسوط من أنّه لا يجرّد عن ثيابه؛ لأنّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) أمر بالضرب و لم يأمر بالتجريد «1» فإنّ دلالة الرواية الصحيحة على لزوم التجريد تكفي لإثباته ثمّ إنّه ذكر في الجواهر بعد نقل الرواية:

و ينبغي أن يفرّق على سائر بدنه؛ ليذوق العقوبة ما سرىٰ فيه المشروب، كما روي عن عليّ (عليه السّلام) من قوله للجلّاد: أعط كلّ عضو حقّه «2» «3»، و التعبير ب «ينبغي» ثمّ الاستدلال بالرواية ظاهر في عدم استفادة الوجوب منها، أو عدم شمولها لغير موردها بالدلالة اللفظية، مع أنّ ظاهر مثل المتن وجوب التفريق. و أمّا إجراء الحدّ بعد الإفاقة فلتوقّف حصول فائدته؛ و هي الانزجار عنه ثانياً عليها، كما لا يخفى

(1) الوجه في عدم السقوط واضحٌ؛ لأنّ مقتضى إطلاق أدلّة الحدود ذلك، و قياس المجنون على السكران الذي لا يحدّ حتّى يفيق مع الفارق.

______________________________

(1) المبسوط: 8/ 69.

(2) المصنّف لعبد الرزّاق الصنعاني: 7/ 370 ح 13517.

(3) جواهر الكلام: 41/ 461.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 469

[مسألة 12: لو شرب كراراً و لم يحدّ خلالها، كفىٰ عن الجميع حدّ واحد]

مسألة 12: لو شرب كراراً و لم يحدّ خلالها، كفىٰ عن الجميع حدّ واحد. و لو شرب فحدّ قتل في الثالثة، و قيل: في الرابعة (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فرعان:

أحدهما: أنّه لو تحقّق الشرب مراراً و لم يتخلّل حدّ بينها يكفي حدّ واحد عن الجميع من دون فرق بين اتّحاد جنس المشروب و اختلافه، و الظاهر أنّه لا خلاف فيه كما في الجواهر «1» و الوجه فيه أنّ التعدّد لا يوجب تحقّق موضوع آخر، بل الموضوع و هو شرب المسكر مثلًا محفوظ مع التعدّد، فكما أنّه لا فرق بين القليل و الكثير كذلك لا فرق بين الواحد و المتعدّد، و هذا من دون فرق بين أن يكون ثبوت الجميع قبل الحدّ، أو كان ثبوت بعضها بعد الحدّ و لكن كان وقوعه و تحقّقه قبل الحدّ؛ كما إذا قامت البيّنة يوم الخميس على أنّه

شرب المسكر يوم السبت فأجري عليه الحدّ، ثمّ قامت البيّنة على أنّه شربه يوم الأحد أيضاً، فإنّ الظاهر عدم ترتّب الحدّ على هذه البيّنة؛ لأنّ مقتضاها تحقّق الشرب قبل الحدّ كما لا يخفى ثانيهما: أنّه إذا حدّ مرّتين قتل في الثالثة و لا تنتظر الرابعة، وفاقاً للمشهور شهرة عظيمة، بل عن الغنية الإجماع عليه «2» و لكن حكي عن الشيخ (قدّس سرّه) في الخلاف «3» و المبسوط «4» و الصدوق في المقنع «5» أنّه يقتل في الرابعة، و مال إليه

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 462.

(2) غنية النزوع: 429.

(3) الخلاف: 5/ 473 مسألة 1.

(4) المبسوط: 8/ 59.

(5) في المقنع: 455 حكم بقتل العبد الشارب للخمر في الثامنة، و هو يعطي قتل الحرّ في الرابعة، و حكي في المختلف: 9/ 203 المسألة 62، و المسالك: 14/ 466 عنه أنّه يقتل في الرابعة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 470

..........

______________________________

العلّامة «1» و ولده «2» و الشهيد «3» و مستند الرابعة يرجع إلى أنّ الزنا أعظم من شرب المسكر، و لذا يجلد الزاني مائة جلدة مع أنّ القتل فيه إنّما هو في الرابعة كما عرفت، فمن البعيد أن يكون في الشرب في المرّة الثالثة و إلى النبوي الذي حكي عن الخلاف الاستدلال «4» به من قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله): من شرب الخمر فاجلدوه، ثمّ إن شرب فاجلدوه، ثمّ إن شرب فاجلدوه، ثمّ إن شرب فاقتلوه «5» و إلى الرواية المرسلة التي رواها الصدوق في الفقيه من قوله: و روى أنّه يقتل في الرابعة «6» و لكن الروايتين مرسلتان، و المقايسة مع الزنا لا تنهض في مقابل الروايات المستفيضة، بل المتجاوزة عن حدّ الاستفاضة، الدالّة

على ثبوت القتل في الثالثة، إمّا بالعموم و إمّا في الخمر و إمّا في سائر المسكرات، و لا بأس بنقل بعضها، فنقول: أمّا ما يدلّ بنحو العموم، فمثل:

صحيحة يونس، عن أبي الحسن الماضي (عليه السّلام) قال: أصحاب الكبائر كلّها إذا أُقيم عليهم الحدود مرّتين قتلوا في الثالثة «7».

______________________________

(1) إرشاد الأذهان: 2/ 180.

(2) إيضاح الفوائد: 4/ 515.

(3) اللمعة الدمشقية: 169.

(4) الخلاف: 5/ 474 في ذيل مسألة 1.

(5) سنن البيهقي: 8/ 314.

(6) من لا يحضره الفقيه: 4/ 56، وسائل الشيعة: 18/ 477، أبواب حدّ المسكر ب 11 ح 9.

(7) وسائل الشيعة: 18/ 476، أبواب حدّ المسكر ب 11 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 471

..........

______________________________

و أمّا ما ورد في الخمر، فمثل:

صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد الثالثة فاقتلوه «1» و صحيحة أبي عبيدة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه «2» و موثّقة أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه «3» و صحيحة جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال في شارب الخمر: إذا شرب ضرب، فإن عاد ضرب، فإن عاد قتل في الثالثة «4» قال الكليني بعد نقل الرواية: قال جميل: و روى بعض أصحابنا أنّه يقتل في الرابعة، قال ابن أبي عمير: كأنّ المعنى أن يقتل في الثالثة، و من كان إنّما يؤتى به يقتل في الرابعة «5» و قال المجلسي (قدّس سرّه) في

المرآة في شرح قول ابن أبي عمير: لعلّ المعنى إن لم يؤت به إلى الإمام و أُتي به في الرابعة، أو فرّ في الثالثة فاتي به في الرابعة، يقتل في الرابعة، فقوله: «في الرابعة» متعلّق ب «يؤتى به» و يقتل على التنازع «6».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 476، أبواب حدّ المسكر ب 11 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 476، أبواب حدّ المسكر ب 11 ح 3.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 477، أبواب حدّ المسكر ب 11 ح 5.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 477، أبواب حدّ المسكر ب 11 ح 6.

(5) الكافي: 7/ 218 ح 4، وسائل الشيعة: 18/ 477، أبواب حدّ المسكر ب 11 ح 7.

(6) مرآة العقول: 23/ 338.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 472

..........

______________________________

و أمّا ما ورد في سائر المسكرات فصحيحة أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: كلّ مسكر من الأشربة يجب فيه كما يجب في الخمر من الحدّ «1» فإنّ إطلاق الحدّ يشمل الجلد في المرّتين و القتل في الثالثة، كما لا يخفى و رواية أُخرى لأبي الصباح الكناني قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): كان النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) إذا اتي بشارب الخمر ضربه، فإن أُتي به ثانية ضربه، فإن اتي به ثالثة ضرب عنقه، قلت: النبيذ؟ قال: إذا أُخذ شاربه قد انتشى ضرب ثمانين، قلت: أ رأيت إن أخذته ثانية؟ قال: أضربه، قلت: فإن أخذته ثالثة؟ قال: يقتل كما يقتل شارب الخمر «2» و رواية سليمان بن خالد قال: كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يجلد في النبيذ المسكر ثمانين كما يضرب في الخمر، و يقتل في الثالثة كما يقتل صاحب الخمر «3»

و غير ذلك من الروايات الدالّة عليه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 473، أبواب حدّ المسكر ب 7 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 478، أبواب حدّ المسكر ب 11 ح 11.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 478، أبواب حدّ المسكر ب 11 ح 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 473

[القول في أحكامه و بعض اللواحق]

اشارة

القول في أحكامه و بعض اللواحق

[مسألة 1: لو شهد عدل بشربه و الآخر بقيئه وجب الحدّ]

مسألة 1: لو شهد عدل بشربه و الآخر بقيئه وجب الحدّ، سواء شهدا من غير تاريخ أو بتاريخ يمكن الاتّحاد، و مع عدم إمكانه لا يحدّ، و هل يحدّ إذا شهدا بقيئه؟ فيه إشكال (1).

______________________________

(1) الحكم بوجوب الحدّ في الفرع الأوّل هو المشهور، بل لم ينقل الخلاف فيه أصلًا، بل عن السرائر «1» و التنقيح «2» و ظاهر الخلاف الإجماع عليه «3» و الأصل فيه رواية الحسين بن يزيد، عن أبي عبد اللّٰه، عن أبيه (عليهما السّلام) قال: أُتي عمر بن الخطّاب بقدامة بن مظعون و قد شرب الخمر، فشهد عليه رجلان، أحدهما: خصيّ و هو عمرو التميمي، و الآخر: المعلّى بن الجارود، فشهد أحدهما أنّه رآه يشرب، و شهد الآخر أنّه رآه يقي ء الخمر، فأرسل عمر إلى ناس من

______________________________

(1) السرائر: 3/ 475.

(2) التنقيح الرائع: 4/ 370.

(3) الخلاف: 5/ 493 ذ مسألة 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 474

..........

______________________________

أصحاب رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) فيهم أمير المؤمنين (عليه السّلام)، فقال لأمير المؤمنين (عليه السّلام): ما تقول يا أبا الحسن؟ فإنّك الذي قال له رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): أنت أعلم هذه الأمّة و أقضاها بالحقّ، فإنّ هذين قد اختلفا في شهادتهما، قال: ما اختلفا في شهادتهما، و ما قاءها حتّى شربها، الحديث «1» و ضعف السند على تقديره منجبر بالفتوى على طبقها و الاستناد إليها، و هي الأصل في هذه المسألة، فلا إشكال في هذا الفرع و أمّا إذا شهدا بقيئه، فقد استشكل في ثبوت الحدّ فيه في المتن تبعاً للفاضل «2» و ابن طاوس «3»، و هو ينشأ من

جريان التعليل المذكور في الرواية، و هو كشف القي ء عن الشرب في هذه الصورة، فكأنّهما شهدا بشربه، و حكي عن الشيخ التصريح بذلك «4»، بل عن بعض دعوى الشهرة عليه. و من أنّ القي ء و إن كان إنّما يكشف عن الشرب؛ لكنّه لا دلالة له على وقوعه محرّماً؛ لاحتمال الإكراه و لو على بعد، فيدرأ الحدّ للشبهة، و قد دفع هذا الاحتمال المحقّق في الشرائع بقوله: و لعلّ هذا الاحتمال يندفع بأنّه لو كان واقعاً لدفع به عن نفسه «5» و الظاهر أنّه لا فرق بين الشهادة بالقي ء و بين الشهادة بالشرب، فكما أنّ الشهادة بالشرب إنّما يعتمد عليها في الحكم بوجوب الحدّ إذا لم يقع من المشهود عليه ادّعاء العذر المحتمل في حقّه، كالإكراه و الاضطرار و التداوي، فكذلك الشهادة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 480، أبواب حدّ المسكر ب 14 ح 1.

(2) قواعد الأحكام: 2/ 264.

(3) حكى عنه في غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: 346 و مسالك الأفهام: 14/ 467.

(4) النهاية: 711.

(5) شرائع الإسلام: 4/ 950.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 475

[مسألة 2: من شرب الخمر مستحلا لشربها أصلًا و هو مسلم استتيب]

مسألة 2: من شرب الخمر مستحلا لشربها أصلًا و هو مسلم استتيب، فإن تاب أُقيم عليه الحدّ، و إن لم يتب و رجع إنكاره إلىٰ تكذيب النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) قتل، من غير فرق بين كونه ملّياً أو فطرياً، و قيل: حكمه حكم المرتدّ لا يستتاب إذا ولد على الفطرة، بل يقتل من غير استتابة، و الأوّل أشبه، و لا يقتل مستحلّ شرب غير الخمر من المسكرات مطلقاً، بل يحدّ بشربه خاصّة مستحلا كان له أو محرّماً، و بائع الخمر يستتاب مطلقاً، فإن تاب قبل

منه، و إن لم يتب و رجع استحلاله إلىٰ تكذيب النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) قتل، و بائع ما سواها لا يقتل و إن باعها مستحلا و لم يتب 1.

______________________________

بالقي ء إنّما يترتّب عليها الأثر في هذه الصورة، و لا يكون الحكم في الرواية على خلاف القاعدة حتّى لا يجوز التعدّي من موردها إلى غيره

(1) تشتمل هذه المسألة على فروع متعدّدة:

الأوّل: من شرب الخمر مستحلا لشربها و هو مسلم، و فيه قولان كما في المتن، الأوّل: محكيّ عن المقنعة «1» و النهاية «2» و الجامع «3» بل عن أتباع الشيخين «4» بل عن العلّامة في المختلف الميل إليه «5» و الثاني: عن التقي «6» بل المتأخّرين كما في المسالك «7» و المحقّق في الشرائع اختار القول الأوّل، و لكنّه بعد نقل القول الثاني

______________________________

(1) المقنعة: 799، النهاية: 711، الجامع للشرائع: 558.

(2) المقنعة: 799، النهاية: 711، الجامع للشرائع: 558.

(3) المقنعة: 799، النهاية: 711، الجامع للشرائع: 558.

(4) المهذّب: 2/ 535، الوسيلة: 416، فقه القرآن للراوندي: 2/ 379.

(5) انظر جواهر الكلام: 41/ 464، لكن يستفاد من عبارة العلّامة في المختلف: 9/ 205 في ذيل مسألة 63 الميل إلى القول الثاني بقوله: «و لا بأس به» أي بقول التّقي (أبو الصلاح الحلبي)، كما نسب إليه في المهذّب البارع: 5/ 84 85 اختيار قول الثاني.

(6) الكافي في الفقه: 413.

(7) مسالك الأفهام: 14/ 469.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 476

..........

______________________________

قال: و هو قويّ «1» و العمدة في هذا الفرع وجود روايتين:

إحداهما: ما رواه المفيد في الإرشاد قال: روت العامّة و الخاصّة أنّ قدامة بن مظعون شرب الخمر فأراد عمر أن يحدّه، فقال: لا يجب عليّ الحدّ،

إنّ اللّٰه يقول لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ جُنٰاحٌ فِيمٰا طَعِمُوا إِذٰا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا «2» فدرأ عنه عمر الحدّ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه السّلام) فمشى إلى عمر فقال: ليس قدامة من أهل هذه الآية، و لا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرّم اللّٰه؛ إنّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات لا يستحلّون حراماً، فاردد قدامة فاستتبه ممّا قال، فإن تاب فأقم عليه الحدّ، و إن لم يتب فاقتله، فقد خرج من الملّة، فاستيقظ عمر لذلك و عرف قدامة الخبر، فأظهر التوبة و الإقلاع، فدرأ عنه القتل و لم يدر كيف يحدّه، فقال لعليّ (عليه السّلام): أشر علَيَّ؛ فقال: حدّه ثمانين جلدة، إنّ شارب الخمر إذا شربها سكر، و إذا سكر هذىٰ، و إذا هذىٰ افترىٰ، فجلده عمر ثمانين جلدة «3» ثانيتهما: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): الحدّ في الخمر أن يشرب منها قليلًا أو كثيراً، ثمّ قال: اتي عمر بقدامة بن مظعون و قد شرب الخمر و قامت عليه البيّنة، فسأل عليّاً (عليه السّلام) فأمره أن يجلده ثمانين، فقال قدامة: يا أمير المؤمنين ليس عليّ حدّ، أنا من أهل هذه الآية لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ جُنٰاحٌ فِيمٰا طَعِمُوا .. فقال عليّ (عليه السّلام): لست من أهلها، إنّ طعام أهلها

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 950.

(2) سورة المائدة 5: 93.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 465، أبواب حدّ المسكر ب 2 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 477

..........

______________________________

لهم حلال، ليس يأكلون و لا يشربون إلّا ما أحلّ اللّٰه لهم، ثمّ قال (عليه السّلام): إنّ الشارب إذا شرب لم يدر

ما يأكل و لا ما يشرب، فاجلدوه ثمانين جلدة «1» و غير خفيّ أنّ قصّة قدامة كانت قصّة واحدة، و المستفاد من الرواية الثانية التي هي صحيحة أنّ استدلال قدامة بالآية المذكورة فيها إنّما كان لنفي وجوب الحدّ عن مثله، من دون أن يكون مستحلا للشرب، و جواب الإمام (عليه السّلام) يرجع إلى أنّ الطعام الذي نفى الجناح فيه هو الطعام الحلال، ففي الحقيقة كان منشأ توهّم قدامة راجعاً إلى أنّ الآية تنفي ترتّب الحدّ و إن كان الطعام محرّماً، و من الظاهر أنّ الحكم في مثله هو وجوب الحدّ دون القتل، و قد مرّ في بعض المسائل المتقدّمة أنّه لا يشترط في الحكم بوجوب الحدّ علم الشارب بذلك، بل المعتبر هو العلم بثبوت الحرمة في الشريعة، و يدلّ على ما ذكرنا عدم وقوع التعرّض للاستتابة في هذه الرواية، ففي الحقيقة لا ترتبط الرواية بمسألة الاستحلال أصلًا و أمّا الرواية الأُولى، فهي صريحة في تحقّق الارتداد بسبب الاستحلال، و لزوم الاستتابة و القتل بعدها إذا لم يتب، و حينئذٍ يقع الكلام بعد اختلاف الروايتين في نقل قصّة واحدة في لزوم الأخذ بالرواية الاولى مع كونها مرسلة و إن لم يبلغ مرتبة الإرسال فيها إلى مثل قوله: روي، و عدم ثبوت الشهرة الجابرة للضعف، أو لزوم الأخذ بالرواية الثانية مع كونها صحيحة معتبرة، و عدم كونها مخالفة للأصول و القواعد و الظاهر أنّه لا يبقى مجال مع هذا الوصف للاتّكاء على الرواية الأُولى، المخالفة للقاعدة من جهة الحكم بالاستتابة في المرتد الفطري أيضاً، مع أنّه يقتل من دون

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 467، أبواب حدّ المسكر ب 3 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الحدود، ص: 478

..........

______________________________

استتابة. هذا، مع أنّ اللازم أن يكون الحكم فيمن استحلّ الخمر من دون شرب أشدّ ممّن شربها مستحلا إذا كان مرتدّاً فطريّاً؛ لأنّ الظاهر عدم التعدّي عن مورد الرواية إلى المستحلّ من دون شرب، و الرجوع فيه إلى القاعدة المقتضية للقتل من دون استتابة، فيلزم أن يكون أشدّ هذا، مضافاً إلى أنّ الاستناد إليها لإطلاق الحكم في الفطريّ محلّ نظر؛ لإمكان أن يكون ارتداده في مورد الرواية عن ملّة، و إلى أنّ الظاهر أنّ الاستحلال الموجب للارتداد و الخروج عن الملّة هو ما كان راجعاً إلى تكذيب النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) و إنكار الرسالة، و من المعلوم أنّ استحلال قدامة على فرضه لم يكن كذلك و بالجملة: إذا كان مدرك المسألة هي الرواية، فقد عرفت حالها و أنّه لا يثبت بها ما أفتى به الشيخان و من تبعهما، و إذا كان المدرك هو إمكان الشبهة، فما الفرق بين المقام و بين سائر موارد إنكار الضروري الذي لا يحكم فيه بالاستتابة في المرتدّ الفطري. نعم، لو كان منشأ الشبهة هو قرب العهد بالإسلام أو بعد بلده عن بلاد الإسلام يقبل مطلقاً و لو في غير المقام و يدلّ عليه في المقام رواية ابن بكير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: شرب رجل الخمر على عهد أبي بكر، فرفع إلى أبي بكر، فقال له: أشربت خمراً؟ قال: نعم، قال: و لِمَ و هي محرّمة؟ قال: فقال له الرجل: إنّي أسلمت و حسن إسلامي، و منزلي بين ظهرانيّ قوم يشربون الخمر و يستحلّون، و لو علمت أنّها حرام اجتنبتها، فالتفت أبو بكر إلى عمر، فقال: ما تقول في أمر هذا الرجل؟ فقال

عمر: معضلة و ليس لها إلّا أبو الحسن، فقال أبو بكر: ادع لنا عليّاً، فقال عمر: يؤتى الحكم في بيته، فقام و الرجل معهما و من حضرهما من الناس حتّى أتوا أمير المؤمنين (عليه السّلام) فأخبراه بقصّة الرجل و قصّ الرجل قصّته، فقال: ابعثوا معه من يدور به على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 479

..........

______________________________

مجالس المهاجرين و الأنصار من كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه، ففعلوا ذلك به فلم يشهد عليه أحد بأنّه قرأ عليه آية التحريم، فخلّى سبيله، فقال له: إن شربت بعدها أقمنا عليك الحدّ «1» الفرع الثاني: من شرب غير الخمر من سائر المسكرات مع الاستحلال، و قد حكم فيه في المتن بأنّه لا يقتل، و أشار بقوله: مطلقاً إلى عدم الفرق بين سائر المسكرات، خلافاً لما حكي عن الحلبي من الحكم بكفر مستحلّ الفقّاع و وجوب قتله «2»، و الوجه في عدم القتل في هذا الفرع وضوح ثبوت الاختلاف بين فقهاء المسلمين في حرمة غير الخمر من سائر المسكرات، و عدم كون حرمته ضروريّة حتّى يكون إنكارها إنكاراً للضروري، فترى الحنفي يعتقد إباحة شرب النبيذ و يستحلّه «3»، و في محكيّ المسالك فالحنفيّ المعتقد إباحتها يحدّ على شربها و لا يكفّر؛ لأنّ الكفر مختصّ بما وقع عليه الإجماع، و ثبت حكمه ضرورة من دين الإسلام، و هو منتف في غير الخمر «4» و لكن يشكل الحكم بثبوت الحدّ عليه في صورة الاستحلال؛ لأنّه مع العلم بعدم الحرمة و الفرض معذوريّته لكون المسألة غير ضروريّة لا تكون الحرمة بالإضافة إليه فعليّة، و لا تتحقّق بنظره معصية، فلا مجال لإجراء الحدّ عليه. نعم، لو كان الاستحلال مقروناً

بالقطع بالحرمة و قيام الحجّة عليها يثبت الحدّ الفرع الثالث: من باع الخمر مستحلا، و يظهر من المتن أنّه يجري عليه حكم

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 475، أبواب حدّ المسكر ب 10 ح 1.

(2) الكافي في الفقه: 413.

(3) المغني لابن قدامة: 10/ 327، بداية المجتهد: 1/ 496.

(4) مسالك الأفهام: 14/ 469.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 480

..........

______________________________

شرب الخمر مستحلا من دون فرق، إلّا في عدم ثبوت الحدّ هنا بعد التوبة؛ لعدم ترتّب الحدّ على بيع الخمر، و إلّا في إطلاق الحكم بالاستتابة هنا الظاهر في الاستتابة مع عدم الاستحلال أيضاً و كونه محرّماً له، كما أنّ الظاهر أنّه لا فرق بنظر المتن هنا أيضاً بين الملّي و الفطري و الذي يقتضيه النظر بعد عدم وجود نصّ في المقام استفادة حكمه ممّا ورد في الشرب مستحلا من الرواية المتقدّمة، نظراً إلى أنّه إذا لم يكن الشرب مع الاستحلال موجباً للحكم بالقتل قبل الاستتابة و عدم التوبة، فالبيع كذلك يكون بطريق أولى؛ لأنّ حرمة الشرب ضروريّة كما عرفت، و ليست حرمة البيع كذلك و لكن يرد عليه حينئذٍ: أنّه لا مجال بناءً على ذلك لإجراء الاستتابة فيما إذا كان محرّماً له؛ لأنّ حكمه حينئذٍ التعزير كما في ارتكاب مثله من المحرّمات و العمدة ما ذكرنا من عدم نهوض الرواية لإثبات الحكم في مسألة الشرب حتّى يحكم بثبوته في البيع بطريق أولى، بل اللازم استفادة حكمه من القواعد و إن كان يظهر من المسالك أنّه موضع وفاق، حيث قال: بيع الخمر ليس حكمه كشربه، فإنّ الشرب هو المعلوم تحريمه من دين الإسلام كما ذكر، و أمّا مجرّد البيع فليس تحريمه معلوماً ضرورة، و قد

يقع فيه الشبهة من حيث إنّه يسوغ تناوله على بعض وجوه الضرورات كما سلف، فيعزّر فاعله و يستتاب إن فعله مستحلا، فإن تاب قبل منه، و إن أصرّ على استحلاله قتل حدّا، و كأنّه موضع وفاق، و ما وقفت على نصّ يقتضيه «1».

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 14/ 470.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 481

[مسألة 3: لو تاب الشارب عنه قبل قيام البيّنة عليه بشربه سقط عنه الحدّ]

مسألة 3: لو تاب الشارب عنه قبل قيام البيّنة عليه بشربه سقط عنه الحدّ، و لو تاب بعد قيامها لم يسقط و عليه الحدّ، و لو تاب بعد الإقرار فلا يبعد تخيير الإمام في الإقامة و العفو، و الأحوط له الإقامة (1).

______________________________

فإن كانت المسألة إجماعيّة فاللّازم الالتزام بها، و إلّا فمقتضى القواعد التفصيل بين المستحلّ و المحرّم، و الحكم بثبوت التعزير في الثاني و بثبوت الحدّ أي القتل في الأوّل، مع رجوع استحلاله إلى تكذيب النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) و إن لم يكن ضروريّاً؛ لأنّ الملاك في الارتداد هو تكذيب النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله)، فكلّ ما رجع إليه يترتّب عليه ذلك مع الالتفات إليه و الالتزام به، من دون فرق بين أن يكون ضروريّاً و بين غيره، و من هنا يحكم بكفر من سمع عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) شيئاً مع العلم بمراده فكذّبه في ذلك، و إن لم يكن ذلك الأمر من ضروريّات الإسلام الفرع الرابع: من باع غير الخمر من سائر المسكرات، و قد حكم فيه في المتن بأنّه لم يقتل و إن كان مستحلا و لم يتب، و الوجه فيه واضح بملاحظة ما ذكرنا في الفرع الثاني

(1) أمّا التوبة فيما إذا ثبت الشرب بالبيّنة فالتفصيل في حكمها من

جهة وقوعها قبل قيامها، فيسقط عنه الحدّ، و وقوعها بعده فلا يسقط، فقد تقدّم البحث فيه في باب الزنا و لا حاجة إلى الإعادة «1» و أمّا التوبة بعد الإقرار، فالمشهور كما في المسالك أنّ الإمام مخيّر فيها بين العفو و الاستيفاء «2» كما في بابي الزنا و اللواط، و المحكيّ عن ابن إدريس «3»

______________________________

(1) تقدّم في ص 109 113 و 135 138.

(2) مسالك الأفهام: 14/ 470.

(3) السرائر: 3/ 478.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 482

[مسألة 4: من استحلّ شيئاً من المحرّمات المجمع على تحريمها بين المسلمين كالميتة و الدم و لحم الخنزير و الربا]

مسألة 4: من استحلّ شيئاً من المحرّمات المجمع على تحريمها بين المسلمين كالميتة و الدم و لحم الخنزير و الربا، فإن ولد على الفطرة يقتل إن رجع

______________________________

بل عن المبسوط «1» و الخلاف تحتّم الاستيفاء هنا و عدم ثبوت التخيير «2»، و قال المحقّق في الشرائع بعد نقل هذا القول: و هو الأظهر «3» و عن التحرير أنّه قويّ «4»، و الوجه في الترديد في المقام عدم ورود نصّ فيه يقتضي التخيير أو التعيين نعم، مقتضى أدلّة حدَّ الشرب في نفسها تعيّن الاستيفاء، و من حكم بالتخيير في المقام فقد استند إلى الأولويّة المتحقّقة هنا بالإضافة إلى الزنا، فإنّه إذا لم يكن هناك الاستيفاء متعيّناً مع كونه أعظم فهنا أولىٰ، و من حكم بتعيّن الإجراء فقد استند أوّلًا إلى عدم ثبوت التخيير هناك إلّا في خصوص الرجم دون الجلد، و ثانياً إلى بطلان القياس، و لكنّ الظاهر كما مرّ ثبوت التخيير في الجلد أيضاً، و استفادة حكم المقام تنشأ من الأولويّة و لا تبتني على القياس، إلّا أن يناقش فيها بمنعها، نظراً إلى أنّ الزنا أمر يكون مقتضى القوّة الشهوية و الغريزة الجنسيّة الباعثة على ارتكابه،

و من الممكن وقوع تسهيل فيه من هذه الجهة، بخلاف شرب المسكر الذي لا يكون في النفس داع قويّ و باعث محرّك على ارتكابه، و لعلّه لأجل ما ذكر احتاط في المتن الأجراء في المقام، فتدبّر.

______________________________

(1) المبسوط: 8/ 4.

(2) لم نجده فيه، و حكاه عنه الشهيد الثاني في المسالك: 14/ 471 و العلّامة في المختلف: 9/ 206 في ذيل مسألة 65.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 951.

(4) تحرير الأحكام: 2/ 227.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 483

إنكاره إلىٰ تكذيب النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) أو إنكار الشرع، و إلّا فيعزّر، و لو كان إنكاره لشبهة ممّن صحّت في حقّه فلا يعزّر. نعم، لو رفعت شبهته فأصرّ على الاستحلال قتل؛ لرجوعه إلىٰ تكذيب النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله)، و لو ارتكب شيئاً من المحرّمات غير ما قرّر الشارع فيه حدّا عالماً بتحريمها لا مستحلا عزّر، سواء كانت المحرّمات من الكبائر أو الصغائر (1).

______________________________

(1) الغرض من هذه المسألة أنّه لا يختصّ الارتداد الموجب للقتل في المرتدّ الفطري إذا كان ذكراً جامعاً لشرائط الحدّ بما إذا أنكر شيئاً من ضروريّات الإسلام، بل يجري فيما إذا استحلّ شيئاً من المحرّمات التي أجمع فقهاء المسلمين من العامّة و الخاصّة على تحريمها كالمحرّمات المذكورة في المتن، فإنّه إذا رجع استحلاله في شي ء منها إلى تكذيب الرسالة أو إنكار الشريعة، كما إذا حصل له القطع من الإجماع المذكور بكون الحكم في الشريعة هي الحرمة و مع ذلك استحلّها، يتحقّق الارتداد الذي يترتّب عليه الحكم المذكور؛ لما عرفت من أنّ الملاك في الارتداد ليس إنكار الضروريّ، بل الملاك هو التكذيب المذكور، و من الظاهر رجوع الاستحلال في هذا الفرض

إلى التكذيب و منه يظهر جريان الحكم فيما إذا استحلّ ما أجمع فقهاء الشيعة على تحريمه مع القطع بموافقة رأي المعصوم (عليه السّلام) له، فإنّ الاستحلال في هذه الصورة يرجع إلى تكذيب الإمام (عليه السّلام)، و تكذيبه من الشيعي القائل بإمامته و المعتقد بموافقة رأيه لرأي النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) يرجع إلى تكذيب النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله)، فيتحقّق الارتداد و لكن استشكل في المسالك في تحقّق الارتداد باستحلال ما أجمع على تحريمه بقوله: و يشكل بأنّ حجيّة الإجماع ظنيّة لا قطعيّة، و من ثَمّ اختلف فيها و في جهتها، و نحن لا نكفّر من ردّ أصل الإجماع فكيف نكفّر من ردّ مدلوله؟! فالأصحّ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 484

..........

______________________________

اعتبار قيد الآخر، و أمّا مخالف ما أجمع عليه الأصحاب خاصّة فلا يكفّر قطعاً و إن كان ذلك عندهم حجّة، فما كلّ من خالف حجّة يكفّر، خصوصاً الحجّة الاجتهادية الخفيّة جدّاً كهذه، و قد أغرب الشيخ حيث حكم في بعض المسائل بكفر مستحلّ ما أجمع عليه الأصحاب «1» و قد تقدّم بعضه في باب الأطعمة و الأشربة «2»، و لا شبهة في فساده «3» و الظاهر أنّ مورد استشكاله ما إذا لم يكن استحلاله موجباً لتكذيب النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) أو إنكار الرسالة، كما إذا لم يحصل له القطع بأنّ مدلوله هو حكم الإسلام و ما بيَّنه النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) أو الإمام (عليه السّلام)، و أمّا إذا حصل له القطع من الإجماع بنظر النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) أو الإمام ثمّ حكم بخلافه كما هو مورد البحث، فلا مجال فيه للإشكال أصلًا

و بالجملة: فالضابط ما ذكرنا من رجوع الاستحلال إلى التكذيب أو الإنكار، و لا موضوعيّة لخصوص الضروريّ في ذلك ثمّ إنّ قوله في المتن: «و إلّا فيعزّر» ظاهره أنّه مع الاستحلال بمجرّده يعزّر و إن لم يكن هناك ارتكاب إذا لم يرجع إلى تكذيب النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله)، مع أنّ التعزير إنّما يكون مترتّباً على الارتكاب لا نفس الاستحلال، و لو حمل هذا القول على صورة الارتكاب كما لعلّه الظاهر، يرد عليه أيضاً: أنّه مع الاعتقاد بالحلّية و الارتكاب مع هذا الاعتقاد لا يبقى مجال للتعزير بعد كون مورده الارتكاب مع عدم الجهل بالحرمة، فتدبّر و أمّا الحكم بالتعزير في المرتكب غير المستحلّ فقد تقدّم البحث فيه في الفرع الخامس من فروع حدّ القذف، كما أنّه مرّ هناك البحث في التفصيل بين الكبيرة

______________________________

(1) النهاية: 364 365 و 576 و 713.

(2) أي في المسالك: 12/ 14.

(3) مسالك الأفهام: 14/ 472.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 485

[مسألة 5: من قتله الحدّ أو التعزير فلا دية له إذا لم يتجاوزه]

مسألة 5: من قتله الحدّ أو التعزير فلا دية له إذا لم يتجاوزه (1).

______________________________

و الصغيرة، و ما أفاده هنا من التصريح بالتعميم يغاير ما أفاده هناك من اشتراط كونه من الكبائر، فراجع

(1) هذا موافق لما عليه المشهور، و المحكيّ عن الإستبصار أنّ ذلك في حدود اللّٰه تعالى، و أمّا في الحدّ للناس فتجب على بيت المال «1»، و عن المبسوط: من مات بالتعزير فديته على بيت المال لأنّه ليس حدّا، و لأنّه ربّما زاد خطأً، بخلاف الحدّ «2» و يدلّ على المشهور صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: أيّما رجل قتله الحدّ أو القصاص فلا دية له «3» و

رواية أبي الصبّاح الكناني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث، قال: سألته عن رجل قتله القصاص له دية؟ فقال: لو كان ذلك لم يقتصّ من أحد، و قال: من قتله الحدّ فلا دية له «4» و مقتضى إطلاق الحدّ في الروايتين أنّه لا فرق بين حدود اللّٰه تعالى و بين الحدّ للناس، كحدّ القذف و نحوه، كما أنّ مقتضى قوله (عليه السّلام): «فلا دية له» أنّه لا دية له لا على القاتل و لا على بيت مال المسلمين، و الظاهر أنّه ليس الحدّ في الروايتين ما يقابل التعزير بل أعمّ منه، كما في الموارد الكثيرة التي استعمل فيها الحدّ في المعنى الأعمّ في الروايات، خصوصاً مع ظهور ثبوت الملاك في التعزير، و لا يتصوّر

______________________________

(1) الإستبصار: 4/ 279.

(2) المبسوط: 8/ 63.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 47، أبواب قصاص النفس ب 24 ح 9.

(4) وسائل الشيعة: 19/ 46، أبواب قصاص النفس ب 24 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 486

[مسألة 6: لو أقام الحاكم الحدّ بالقتل، فظهر بعد ذلك فسق الشاهدين أو الشهود]

مسألة 6: لو أقام الحاكم الحدّ بالقتل، فظهر بعد ذلك فسق الشاهدين أو الشهود كانت الدية في بيت المال، و لا يضمنها الحاكم و لا عاقلته، و لو أنفذ الحاكم إلىٰ حامل لإقامة الحدّ عليها أو ذكرت بما يوجب الحدّ فأحضرها للتحقيق فخافت فسقط حملها، فالأقوىٰ أنّ دية الجنين على بيت المال (1).

______________________________

فيه الزيادة بعد كونه بنظر الحاكم. نعم، لو تحقّق التجاوز عن المقدار الذي عيّنه الحاكم يتحقّق الضمان فيه كما في الحدّ أيضاً و مستند الإستبصار رواية الحسن بن صالح الثوري، عن أبي عبد الهّٰن (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: من ضربناه حدّا من حدود اللّٰه فمات فلا دية

له علينا، و من ضربناه حدّا من حدود الناس فمات فإنّ ديته علينا «1» و الظاهر ضعف سند الرواية بالحسن بن صالح، قال الشيخ في محكيّ التهذيب: هو زيديّ بتريّ متروك العمل بما يختصّ بروايته «2» و البتريّة هم الذين دعوا إلى ولاية عليّ (عليه السّلام) ثمّ خلطوها بولاية أبي بكر و عمر و يثبتون لهما إمامتهما، و يبغضون عثمان و طلحة و الزبير و عائشة، و يرون الخروج مع بطون ولد عليّ (عليه السّلام) و يثبتون لكلّ من خرج منهم عند خروجه الإمامة «3»، مع أنّه ليست الرواية ظاهرة في ثبوت الدية على بيت المال، فاللّازم طرحها و الأخذ بالأوّلين كما في المتن، و إن كان مقتضى القاعدة لولا ضعف السند تقييدهما بها، كما لا يخفى

(1) أمّا الفرع الأوّل: ففي الجواهر: بلا خلاف أجده فيه إلّا ما يحكى عن ظاهر

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 46، أبواب قصاص النفس ب 24 ح 3.

(2) تهذيب الأحكام: 1/ 408 ح 1282.

(3) اختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشّي: 232 رقم 422.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 487

..........

______________________________

الحلبي (الحلّي خ ل) «1» من الضمان في ماله و هو واضح الضعف «2»، و يدلّ عليه مضافاً إلى ذلك و إلى أنّه لا وجه لثبوت الضمان في مال الحاكم أو عاقلته بعد تصدّيه للحكم لحفظ النظام و رعاية مصالح المسلمين و مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ «3» ما رواه الصدوق بإسناده عن الأصبغ بن نباتة قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّ ما أخطأت القضاة في دم أو قطع فهو على بيت مال المسلمين «4» و أمّا الفرع الثاني: فما في المتن فيه هو الموافق للأكثر

كما في المسالك «5» و الوجه فيه ما مرّ في الفرع الأوّل من كون خطأ الحاكم في بيت مال المسلمين، و لكن ذهب ابن إدريس إلى كون الدية في المقام على عاقلة الحاكم «6» و يدلّ عليه بعض ما ورد في قضية عمر مع عليّ (عليه السّلام)، و هي ما رواه المفيد في الإرشاد، قال: كانت امرأة تؤتى، فبلغ ذلك عمر، فبعث إليها فروّعها، و أمر أن يجاء بها إليه، ففزعت المرأة فأخذها الطلق، فذهبت إلى بعض الدور فولدت غلاماً، فاستهلّ الغلام ثمّ مات، فدخل عليه من روعة المرأة و من موت الغلام ما شاء اللّٰه، فقال له بعض جلسائه: يا أمير المؤمنين ما عليك من هذا شي ء؟ و قال بعضهم: و ما هذا؟ قال: سلوا أبا الحسن (عليه السّلام)، فقال علي (عليه السّلام): الدية على عاقلتك؛ لأنّ قتل الصبي خطأ تعلّق بك، فقال: أنت نصحتني من بينهم لا تبرح حتّى تجري الدية على بني عدي، ففعل ذلك

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 448، السرائر: 3/ 479.

(2) جواهر الكلام: 41/ 472.

(3) سورة التوبة 9: 91.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 165، أبواب آداب القاضي ب 10 ح 1.

(5) مسالك الأفهام: 14/ 474.

(6) السرائر: 3/ 480.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 488

..........

______________________________

أمير المؤمنين (عليه السّلام) «1» و لكنّها مضافاً إلى ضعف سندها، و معارضتها مع الرواية الأُخرى، الحاكية لهذه القصّة، الدالّة على ثبوت الدية على نفس الحاكم لا تنافي ما عليه الأكثر؛ لأنّ عمر لم يكن حاكم حقّ حتّى يكون خطأُه في بيت المال، و الكلام إنّما هو في الحاكم الصالح للحكومة شرعاً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 200، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان ب 30 ح

2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 489

[الفصل الخامس في حدّ السرقة]

اشارة

الفصل الخامس في حدّ السرقة و النظر فيه في السّارق، و المسروق، و ما يثبت به، و الحدّ، و اللواحق

[القول في السّارق]

اشارة

القول في السّارق

[مسألة (1): يشترط في وجوب الحدّ عليه أُمور]

اشارة

مسألة (1): يشترط في وجوب الحدّ عليه أُمور:

[الأوّل: البلوغ]

الأوّل: البلوغ، فلو سرق الطفل لم يحدّ و يؤدَّب بما يراه الحاكم و لو تكرّرت السرقة منه إلىٰ الخامسة فما فوق، و قيل: يعفىٰ عنه أوّلًا، فإن عاد أُدِّب، فإن عاد حكّت أنامله حتى تدمى، فإن عاد قطعت أنامله، فإن عاد قطع كما يقطع الرجل، و في سرقته روايات، و فيها: «لم يصنعه إلّا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) و أنا» أي: أمير المؤمنين (عليه السّلام)، فالأشبه ما ذكرنا (1).

______________________________

(1) ما جعله في المتن أشبه هو الموافق للمشهور و الموافق لسائر الحدود و لحديث رفع القلم. و القول الآخر هو الذي اختاره الشيخ في محكيّ النهاية «1»

______________________________

(1) النهاية: 716.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 490

..........

______________________________

و تبعه عليه القاضي «1» و العلّامة في المختلف ناسباً له إلى الأكثر «2»، و قال في الجواهر بعد ذلك: و إن كنّا لم نتحقّقه «3» و كيف كان، فقد ورد في المسألة روايات كثيرة مستفيضة فيها الصحاح، بل لا يبعد دعوى تواترها إجمالًا، للعلم بصدور بعضها كذلك، لكن ليس في شي ء منها ما ينطبق على تفصيل الشيخ بتمامه، كما أنّ كلّها مخالف لما عليه المشهور في المسألة، و لا بأس بنقل جملة من الروايات و التعرّض لبعض الجهات، مثل:

صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الصبيّ يسرق؟ قال: يعفى عنه مرّة و مرّتين و يعزّر في الثالثة، فإن عاد قطعت أطراف أصابعه، فإن عاد قطع أسفل من ذلك «4» و المراد من الجملة الاولى إن كان هو العفو مرّتين كما هو الظاهر، فلا وجه لذكر كلمة المرّة حينئذٍ، و يحتمل

على بعد أن يكون المراد هو تخيير الحاكم بين العفو مرّة و بينه مرّتين و صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال: إذا سرق الصبيّ عفي عنه، فإن عاد عزّر، فإن عاد قطع أطراف الأصابع، فإن عاد قطع أسفل من ذلك «5» و قال المحقّق في نكت النهاية: فالشيخ ربّما يكون عوّل على هذه الرواية «6»، مع أنّ الظاهر عدم انطباقها على قول الشيخ. و حكي عن ابن سعيد في الجامع

______________________________

(1) لم نعثر عليه في مهذّب القاضي و جواهره، و نسبه إليه فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد: 4/ 519. نعم، نسبه في المختلف إلى ابن حمزة، الوسيلة: 418.

(2) مختلف الشيعة: 9/ 217 218 مسألة 76.

(3) جواهر الكلام: 41/ 476.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 522 و 523، أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 1 و 2.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 522 و 523، أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 1 و 2.

(6) نكت النهاية: 3/ 324.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 491

..........

______________________________

العمل بها «1» و صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الصبي يسرق؟ فقال: إذا سرق مرّة و هو صغير عفي عنه، فإن عاد عفي عنه، فإن عاد قطع بنانه، فإن عاد قطع أسفل من ذلك. و رواه الشيخ بإسناده عن أبي عليّ الأشعري، إلّا أنّه قال: فإن عاد قطع أسفل من بنانه، فإن عاد قطع أسفل من ذلك «2» و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الصبي يسرق، قال: يعفى عنه مرّة، فإن عاد قطعت أنامله أو حكّت حتّى تدمى، فإن عاد قطعت أصابعه، فإن عاد قطع أسفل

من ذلك «3» و يبعد أن تكون رواية أُخرى غير روايته المتقدّمة، و حكي عن الصدوق في المقنع العمل بها «4» و رواية إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: قلت: الصبيّ يسرق؟ قال: يعفى عنه مرّتين، فإن عاد الثالثة قطعت أنامله، فإن عاد قطع المفصل الثاني، فإن عاد قطع المفصل الثالث و تركت راحته و إبهامه «5» و رواية زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول: أُتي عليّ (عليه السّلام) بغلام قد سرق فطرَّف أصابعه، ثمَّ قال: أما لئن عدت لأقطعنّها، ثمّ قال: أما أنّه ما عمله إلّا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) و أنا «6» و التطريف هو خضب الأصابع بإدمائها و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إذا سرق الصبيّ

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 563.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 523 و 524، أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 4 و 7.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 523 و 524، أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 4 و 7.

(4) المقنع: 446.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 526، أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 15.

(6) وسائل الشيعة: 18/ 524، أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 492

..........

______________________________

و لم يحتلم قطعت أطراف أصابعه، قال: و قال علي (عليه السّلام): و لم يصنعه إلّا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) و أنا «1» و إلى هاتين الروايتين أُشير في المتن، لكنّ الإشارة مشعرة بأنّ إجراء ذلك من خصائص الإمام (عليه السّلام)، مع أنّ الرواية الثانية الدالّة على أنّ الحكم هو قطع أطراف الأصابع كما هو المذكور أوّلًا ظاهرة في

خلافه، و أنّه لا يختصّ بالإمام بل هو وظيفة الحاكم، كما لا يخفى و مضمرة سماعة قال: إذا سرق الصبيّ و لم يبلغ الحلم قطعت أنامله، و قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): أُتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) بغلام قد سرق و لم يبلغ الحلم فقطع من لحم أطراف أصابعه، ثمّ قال: إن عدت قطعت يدك «2» و رواية إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السّلام): الصبيان إذا أُتي بهم عليّ (عليه السّلام) (عليّاً خ ل) قطع أناملهم، من أين قطع؟ فقال: من المفصل مفصل الأنامل «3» و رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: أُتي عليّ (عليه السّلام) بجارية لم تحض قد سرقت، فضربها أسواطاً و لم يقطعها «4» و رواية محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الصبيّ يسرق؟ قال: إن كان له تسع سنين قطعت يده، و لا يضيّع حدّ من حدود اللّٰه تعالى «5» و روايته الأُخرى قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الصبيّ يسرق؟ فقال: إن كان له سبع سنين أو أقلّ رفع عنه، فإن عاد بعد سبع سنين قطعت بنانه أو حكّت حتّى

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 524 و 526، أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 9 و 14.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 524 و 526، أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 9 و 14.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 523 525، أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 5 و 6 و 10.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 523 525، أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 5 و 6 و 10.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 523 525، أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 5 و 6 و

10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 493

..........

______________________________

تدمى، فإن عاد قطع منه أسفل من بنانه، فإن عاد بعد ذلك و قد بلغ تسع سنين قطع يده، و لا يضيّع حدّ من حدود اللّٰه عزّ و جل «1» و الظاهر اتّحادها مع الرواية الأولى و إن جعلهما في الوسائل روايتين و رواية محمّد بن خالد بن عبد اللّٰه القسري قال: كنت على المدينة فأتيت بغلام قد سرق، فسألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عنه، فقال: سله حيث سرق هل كان يعلم أنّ عليه في السرقة عقوبة؟ فإن قال: نعم، قيل له: أيّ شي ء تلك العقوبة؟ فإن لم يعلم أنّ عليه في السرقة قطعاً فخلِّ عنه. فأخذت الغلام و سألته فقلت له: أ كنت تعلم أنّ في السرقة عقوبة؟ قال: نعم. قلت: أي شي ء هو؟ قال: (الضرب خ ل) اضرب فخلّيت عنه «2» و أنت خبيرٌ بثبوت الاختلاف بين هذه الروايات، و عدم إمكان الجمع بينها، كما اعترف به غير واحد من الأصحاب، و إن كان ربّما يقال بإمكان الجمع بينها بنحو سيأتي الإشارة إليه، لكنّ الظاهر هو العدم قال المحقّق في نكت النهاية: و قد اختلفت الأخبار في كيفيّة حدّه، فيسقط حكمها؛ لاختلافها و عدم الوثوق بإرادة بعضها دون بعض «3» و يظهر من الرياض «4» تبعاً للمسالك حمل الروايات على كون الواقع تأديباً منوطاً بنظر الحاكم لا حدّا، و إن استشكل المسالك «5» في جواز بلوغ التعزير الحدّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 525، أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 12.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 525، أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 11.

(3) نكت النهاية: 3/ 324.

(4) رياض المسائل: 10/ 154.

(5) مسالك الأفهام: 14/

478 479.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 494

..........

______________________________

كما في المرتبة الخامسة، بناءً على كون حكمها قطع الأصابع من أصولها و الظاهر أنّ إعراض المشهور عن هذه الروايات بناءً على كونه قادحاً و مانعاً عن العمل بها كما هو المختار يوجب رفع اليد عنها و الحكم بما تقتضيه القواعد في الصبيّ في جميع موارد الحدود نعم، لو أريد الأخذ بالاحتياط لكان ينبغي أن يكون التعزير بنحو حكّ الأصابع حتّى تدمى، أو قطع لحم أطراف الأصابع، بناءً على ما اخترناه سابقاً من عدم اختصاص عنوان التعزير بخصوص الضرب بالسوط، و أمّا قطع الأنامل من المفصل الأوّل أو الثاني فلا يقتضي الاحتياط إجراءه فضلًا عن القطع من الأُصول و ممّا يوجب عدم الاعتماد بالروايات أنّه قد حكم في بعضها كما في الرواية الثانية لمحمّد بن مسلم المتقدّمة بالتخيير بين قطع البنان و الحكّ حتّى تُدمى، و الظاهر أنّ المراد من قطع البنان فيها هو القطع من المفصل الأوّل لا قطع لحم أطراف الأصابع، و الشاهد الحكم فيها في المرتبة المتأخّرة عن هذه المرتبة بالقطع من أسفل من بنانه، مع أنّه من المستبعد جدّاً ثبوت هذا التخيير؛ لأنّ حكّ الأصابع بالأرض حتّى تُدمى عقوبة جزئيّة، و قطع البنان من المفصل عقوبة مهمّة باقية، و لا تناسب بين هاتين العقوبتين، فكيف يكون الحكم هو التخيير بينهما؟

و أمّا ما أشرنا إليه من الجمع، فهو ما ربما يقال: من أنّ مقتضاه حمل إطلاق ما دلّ على ثبوت العفو مرّة واحدة على ما يدلّ على ثبوت العفو مرّتين؛ نظراً إلى حمل العود في صحيحة الحلبي المتقدّمة قال: «إذا سرق الصبيّ عفي عنه فإن عاد عزّر ..» على العود في

المرّة الثالثة، و كذا في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدّمة أيضاً في الصبيّ يسرق، قال: «يعفى عنه مرّة، فإن عاد قطعت أنامله ..»

مع أنّه من الواضح عدم إمكان الحمل، فإنّ قوله (عليه السّلام): «فإن عاد» بعد الحكم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 495

[الثاني: العقل]

الثاني: العقل، فلا يقطع المجنون و لو أدواراً إذا سرق حال أدواره و إن تكرّرت منه، و يؤدّب إذا استشعر بالتأديب و أمكن التأثير فيه (1)

[الثالث: الاختيار]

الثالث: الاختيار، فلا يقطع المكره (2)

[الرابع: عدم الاضطرار]

الرابع: عدم الاضطرار، فلا يقطع المضطرّ إذا سرق لدفع اضطراره.

______________________________

بالعفو عنه مرّة صريح في العود بعد المرّة، و لا مجال لحملة على العود بعد المرّة الثانية، و إلّا يصير الكلام مختلّاً؛ لاستلزامه عدم التعرّض لحكم المرّة الثانية، فالإنصاف أنّه لا يمكن الجمع بين الروايات أصلًا

(1) و الدليل على عدم قطع المجنون و لو أدواراً إذا سرق حال أدواره، سواء كان في المرتبة الأُولى أو المراتب المتأخّرة و لو كانت هي المرتبة الخامسة مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه، بل عليه الإجماع كما عن بعض «1» هو حديث رفع القلم، و بطلان قياسه بالصبيّ على تقدير القول بثبوت القطع فيه، و لكنّ اللازم تأديبه إذا استشعر بالتأديب و كان مؤثّراً فيه، نظراً إلى حسم مادّة الفساد و نظم أمور العباد، و مع عدم الاستشعار لا مجال له؛ لعدم إدراكه الارتباط بينه و بين عمله بوجه حتّى يرتدع بذلك

(2) الدليل فيهما هو حديث الرفع «2» باعتبار اشتماله على رفع ما استكرهوا عليه، و ما اضطرّوا إليه، و قد مرّ تقريب الاستدلال به في مثلهما «3»، لكن يقع

______________________________

(1) راجع جواهر الكلام: 41/ 481 و كشف اللثام: 2/ 420.

(2) وسائل الشيعة: 11/ 295، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس ب 56.

(3) مرّ في ص 27 30.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 496

[الخامس: أن يكون السارق هاتكاً للحرز منفرداً أو مشاركاً]

الخامس: أن يكون السارق هاتكاً للحرز منفرداً أو مشاركاً، فلو هتك غير السارق و سرق هو من غير حرز لا يقطع واحد منهما، و إن جاءا معاً للسرقة و التعاون فيها، و يضمن الهاتك ما أتلفه و السارق ما سرقه (1).

______________________________

الكلام فيهما فيما إذا سرق زائداً على المقدار المكره عليه أو

المضطرّ إليه، و كان الزائد بالغاً حدّ النصاب المعتبر في السرقة، و أنّه هل يثبت هنا قطع نظراً إلى عدم كون هذا المقدار ممّا تعلّق به الإكراه أو الاضطرار و المفروض بلوغه حدّ النصاب، أو لا يكون هنا قطع؟ لعدم كون هتك الحرز محرّماً عليه بلحاظ أحد الأمرين، و أخذ الزائد لا ينطبق عليه عنوان السرقة حينئذٍ، بل غايته أنّه محرّم و يترتّب عليه الضمان، وجهان، و لا يبعد أن يكون قوله: «إذا سرق لدفع اضطراره» مشعراً بالوجه الأوّل، فتدبّر

(1) مقتضى قاعدة الترتيب ذكر اعتبار هذا الأمر بعد ذكر اعتبار كون المال المسروق في حرز الذي تعرّض له بعد ذلك؛ لتفرّعه عليه، و عليه فلا بدّ من البحث في هذا الأمر بعد مفروغيّة اعتبار ذلك الأمر، فنقول: بعد اعتبار كون المال في حرز كما سيأتي التعرّض له تبعاً للمتن لا بدّ أن يكون السارق بنفسه موجباً لهتك الحرز، إمّا بالانفراد و إمّا بالاشتراك؛ لأنّه مع استناد الهتك إلى غيره و عدم مدخليّته فيه بوجه لا تتحقّق السرقة من المال المحرز أصلًا، و عليه فلو كان الهاتك و السارق مختلفين لا يكون هناك قطع في البين، و إن كان من نيّتهما أوّلًا السرقة و التعاون فيها، إلّا أنّ مجرّد النيّة لا يترتّب عليها الأثر، بل اللازم ملاحظة العمل، و المفروض كونه بالإضافة إلى كلّ منهما فاقداً لخصوصيّة معتبرة. نعم، لا ينبغي الإشكال في ضمان الهاتك لما أتلفه و أفسده، نظراً إلى قاعدة الإتلاف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 497

[السادس: أن يخرج المتاع من الحرز بنفسه أو بمشاركة غيره]

السادس: أن يخرج المتاع من الحرز بنفسه أو بمشاركة غيره، و يتحقّق الإخراج بالمباشرة كما لو جعله على عاتقه و أخرجه،

أو بالتسبيب كما لو شدّه بحبل ثمّ يجذبه من خارج الحرز، أو يضعه على دابّة من الحرز و يخرجها، أو على جناح طائر من شأنه العود إليه، أو أمر مجنوناً أو صبيّاً غير مميّز بالإخراج، و أمّا إن كان مميّزاً ففي القطع إشكال بل منع (1).

______________________________

غير المشروطة بمثل هذه الخصوصيّات، و كذا في ضمان السارق ما سرقه، لقاعدة اليد الحاكمة بالضمان

(1) الظاهر اعتبار هذا الأمر في مفهوم السرقة؛ لأنّه مع عدم الإخراج لا يتحقّق مفهومها أصلًا، و لو كان هاتكاً للحرز فاللّازم استناد الإخراج إليه، سواء كان بنفسه أو بمشاركة غيره، و سواء كان بالمباشرة أو بالتسبيب كما في الأمثلة المذكورة في المتن. فإنّه إذا وضعه على دابّة من الحرز و أخرجها مثلًا يصدق أنّه أخرج المال، كما لو وضع في زماننا هذا في سيّارة ثمّ ساقها إلى خارج الحرز. نعم، لو وضعها على دابّة ثمّ سارت بنفسها حتّى خرجت من دون أن يكون هو المخرج لها بأن ساقها أو قادها يمكن الاستشكال كما عن التحرير «1»، و لكنّ الظاهر هو الصدق فيما إذا كان من عادتها السير كذلك إلى محلّها الأصلي، بل يمكن أن يقال بالصدق مع العلم بخروجها عن الحرز، و إن لم يكن من عادتها ما ذكر و بهذا يمكن الاستشكال في تقييد الطائر بما إذا كان من شأنه العود إليه، فإنّه إذا لم يكن من شأنه ذلك و لكن علم بخروجه عن الحرز يتحقّق معه الإخراج، و يصدق الاستناد إليه، و لا يعتبر أن يكون من شأنه ذلك.

______________________________

(1) تحرير الأحكام: 2/ 232.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 498

[السابع: أن لا يكون السارق والد المسروق منه]

السابع: أن لا يكون السارق والد المسروق منه،

فلا يقطع الوالد لمال ولده، و يقطع الولد إن سرق من والده، و الأُمّ إن سرقت من ولدها، و الأقرباء إن سرق بعضهم من بعض (1).

______________________________

و أمّا الاستشكال في الصبيّ أو المجنون المميّز بل المنع، فالوجه فيه أنّه مع التمييز يكون الإخراج مستنداً إليهما لا إلى الآمر. نعم، لو فرض كونهما مع ذلك مقهورين عند إرادته و أمره بحيث كأنّه لا يكون هناك اختيار منهما أصلًا لكان مقتضى القاعدة ثبوت القطع هنا بالإضافة إلى الآمر؛ للاستناد إليه مع هذا الفرض

(1) لا خلاف في اعتبار هذا الأمر، و يدلّ عليه مضافاً إلى ذلك قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله): «أنت و مالك لأبيك» «1» فإنّه و إن لم يمكن الالتزام بظاهره و هو ثبوت الملكيّة؛ لعدم قابلية الحرّ لها، و عدم كون مال الولد ملكاً لأبيه قطعاً، و كذا لم نلتزم بثبوت إباحة التصرّف للوالد مطلقاً، إلّا أنّه يستفاد منه عدم قطع يد الوالد إذا سرق من مال الولد كما هو ظاهر و صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل قذف ابنه بالزنا، قال: لو قتله ما قتل به، و إن قذفه لم يجلد له، الحديث «2» فإنّ استشهاد الإمام (عليه السّلام) لعدم ثبوت حدّ القذف له بعدم ثبوت القصاص في حقّه يدلّ على عدم ثبوت القطع في المقام، بل بطريق أولى، لأولويّة القطع من الجلد كما لا يخفى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 12/ 194، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 78 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 447، أبواب حدّ القذف ب 14 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 499

..........

______________________________

ثمّ الظاهر أنّ المراد من الأب ليس

خصوص الأب بلا واسطة، بل هو و إن علا، و عن المسالك الإجماع عليه «1» و أمّا الأمّ إذا سرقت من مال ولدها، فالمحكيّ عن أبي الصلاح إلحاقها بالأب «2»، بل عن المختلف نفي البأس عنه؛ لأنّه أحد الأبوين، و لاشتراكهما في وجوب الإعظام «3» و أنت خبير بما في الدليلين من عدم الاقتضاء لنفي القطع في مورد السرقة، و توقّف القطع على مطالبة المسروق منه لا ينافي مثل قوله تعالى فَلٰا تَقُلْ لَهُمٰا أُفٍّ «4» فإنّ الاحترام و التعظيم أمر، و مطالبة القطع لأجل حفظ النظام و رعاية المصالح العامّة أمر آخر و أمّا غيرهما، فلا ينبغي الإشكال في ثبوت القطع بالإضافة إليه مع اجتماع سائر الأمور و الشرائط؛ لإطلاق أدلّة السرقة، و نفي الجناح في الآية الشريفة عن الأكل من بيوت الآباء و الأبناء و غيرهم من العناوين المتعدّدة المذكورة فيها «5»، مضافاً إلى اختصاصه بما إذا لم يعلم عدم الرضى، و إن كان يشمل صورة الشكّ في الرضى، و بهذه الصورة يتحقّق لهذه العناوين الامتياز و الخصوصيّة لاشتراط التصرّف في ملك غيرهم بما إذا علم الرضى و لو بشهادة الحال، فيكون مورده ما إذا لم يتحقّق الحجب عندهم و لا يكون حرز بالإضافة إليهم.

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 14/ 487.

(2) الكافي في الفقه: 411.

(3) مختلف الشيعة: 9/ 254 مسألة 96.

(4) سورة الإسراء 17: 23.

(5) سورة النور 24: 61.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 500

[الثامن: أن يأخذ سرّاً]

الثامن: أن يأخذ سرّاً، فلو هتك الحرز قهراً ظاهراً و أخذ لا يقطع، بل لو هتك سرّاً و أخذ ظاهراً قهراً فكذلك (1).

______________________________

و يدلّ عليه و على أصل الحكم أيضاً رواية أبي بصير قال: سألت أبا

جعفر (عليه السّلام) عن قوم اصطحبوا في سفر رفقاء فسرق بعضهم متاع بعض؟ فقال: هذا خائن لا يقطع، و لكن يتبع بسرقته و خيانته، قيل له: فإن سرق من أبيه؟ فقال: لا يقطع؛ لأنّ ابن الرجل لا يحجب عن الدخول إلى منزل أبيه هذا خائن، و كذلك إن أخذ من منزل أخيه أو أُخته إن كان يدخل عليهم لا يحجبانه عن الدخول «1» فإنّ مقتضاها أنّه مع ثبوت الحجب بالإضافة إلى الابن و الأخ يتحقّق عنوان السارق الموضوع لحدّ القطع، و بدونه لا يتحقّق إلّا عنوان الخائن الذي لا يترتّب عليه إلّا الحرمة و الضمان

(1) اعتبار هذا الأمر إنّما هو بلحاظ مفهوم السرقة، فإنّ معناها لدى العرف يعتبر فيه الأخذ سرّاً، فلو كان الهتك و الأخذ ظاهرين فلا يكون هناك قطع؛ لأنّه غاصب عند العرف لا سارق، و السرقة و إن كانت نوعاً من الغصب لأنّها نوع استيلاء على مال الغير عدواناً، إلّا أنّه باعتبار كونه غصباً خاصّاً يترتّب عليه آثار و أحكام خاصّة غير جارية في مطلق الغصب، و خصوصيّة كون الأخذ سرّاً ممّا يعتبر فيه لدى العرف، و عليه فلو كان الهتك سرّاً دون الأخذ فالظاهر عدم ثبوت القطع؛ لعدم تحقّقها عند العرف. نعم، لو كان الهتك ظاهراً و الأخذ سرّاً فالظاهر تحقّقها؛ لأنّ هذه الخصوصيّة معتبرة في خصوص الأخذ لا فيه و في الهتك أيضاً و يدلّ على أصل اعتبار هذا الأمر مضافاً إلى ما ذكر صحيحة محمّد بن قيس

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18/ 508، أبواب حدّ السرقة ب 18 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 501

[مسألة 2: لو اشتركا في الهتك و انفرد أحدهما بالسرقة يقطع السارق دون الهاتك]

مسألة 2: لو اشتركا في الهتك و انفرد أحدهما

بالسرقة يقطع السارق دون الهاتك، و لو انفرد أحدهما بالهتك و اشتركا في السرقة قطع الهاتك السارق، و لو اشتركا فيهما قطعا مع تحقّق سائر الشرائط (1)

[مسألة 3: يعتبر في السرقة و غيرها ممّا فيه حدّ ارتفاع الشبهة حكماً و موضوعاً]

مسألة 3: يعتبر في السرقة و غيرها ممّا فيه حدّ ارتفاع الشبهة حكماً و موضوعاً فلو أخذ الشريك المال المشترك بظنّ جواز ذلك بدون إذن الشريك

______________________________

عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل اختلس ثوباً من السوق، فقالوا: قد سرق هذا الرجل، فقال: إنّي لا أقطع في الدغارة المعلنة، و لكن أقطع من يأخذ ثمّ يخفي «1» و في النهاية في حديث عليّ (عليه السّلام): لا قطع في الدغرة، قيل: هي الخلسة و هي الدفع؛ لأنّ المختلس يدفع نفسه على الشي ء ليختلسه «2» و رواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السّلام) قال: ليس على الطرّار و المختلس قطع؛ لأنّها دغارة معلنة، و لكن يقطع من يأخذ و يخفي «3»

(1) هذه المسألة تفصيل لما ذكره في الأمر الخامس من اعتبار أن يكون السارق هاتكاً للحرز، إمّا منفرداً و إمّا مع المشاركة و متفرّع عليه، و ليس فيها أمر زائد نعم، فيما إذا كانت السرقة بالاشتراك يقع الكلام في أنّ النصاب المعتبر هل يعتبر في المجموع أو في نصيب كلّ واحد من الشريكين؟ و لعلّه يأتي البحث في هذه الجهة في مسألة اعتبار النصاب.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18/ 503، أبواب حدّ السرقة ب 12 ح 2.

(2) النهاية لابن الأثير: 2/ 123.

(3) وسائل الشيعة 18/ 504، أبواب حدّ السرقة ب 12 ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 502

لا قطع فيه، و لو زاد ما أخذ على نصيبه بما يبلغ

نصاب القطع، و كذا لو أخذ مع علمه بالحرمة، لكن لا للسرقة، بل للتقسيم و الإذن بعده لم يقطع. نعم، لو أخذ بقصد السرقة مع علمه بالحكم يقطع، و كذا لا يقطع لو أخذ مال الغير بتوهّم ماله، فإنّه لا يكون سرقة، و لو سرق من المال المشترك بمقدار نصيبه لم يقطع، و إن زاد عليه بمقدار النصاب يقطع (1).

______________________________

(1) لا خلاف و لا إشكال في أنّ حدّ السرقة كسائر الحدود يدرأ بالشّبهة، سواء كانت من ناحية الحكم أو من ناحية الموضوع أمّا الأوّل: فكما لو أخذ الشريك المال المشترك باعتقاد جوازه و عدم التوقّف على إذن الشريك، فإنّه لا قطع فيه، من دون فرق بين ما إذا أخذ بمقدار نصيبه، و بين ما إذا أخذ زائداً على مقداره، و كذا لا فرق في الثاني بين ما إذا كان الزائد بمقدار يبلغ نصاب القطع، و بين ما إذا لم يكن كذلك، بل لو كان أخذه مع العلم بالحرمة، لكنّه يتخيّل أنّ الحرمة لا ترتبط بالسرقة، بل إنّما يكون موضوعها التقسيم و الإذن من الشريك بعد التقسيم، لا يتحقّق القطع و أمّا الثاني: فكما لو أخذ مال الغير باعتقاد أنّه مال نفسه لا مال الغير، فإنّه لا يتحقّق عنوان السرقة هنا؛ لاعتقاده أنّه أخذ مال نفسه، فلا يكون هناك قطع، هذا بالإضافة إلى جانب النفي، و أمّا بالإضافة إلى جانب الإثبات فمقتضى قوله: «نعم لو أخذ بقصد السرقة مع علمه بالحكم يقطع»، أنّه مع العلم بذلك و الأخذ بقصد السرقة يثبت القطع مطلقاً. و مقتضى قوله في آخر المسألة: «و لو سرق من المال المشترك ..» التفصيل بين ما إذا كان بمقدار النصيب فلا يقطع، و

بين ما إذا كان زائداً عليه بمقدار النصاب فيقطع و يرد عليه مضافاً إلى عدم معهوديّة الإطلاق و التقييد في المتون الفقهيّة أنّه ما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 503

..........

______________________________

الدليل على التفصيل المذكور؟ فإن كان المستند هي القاعدة فالظاهر أنّها لا تقتضي ما أفاده، بل مقتضاها الحكم بأنّ المال المشترك المأخوذ بقصد السرقة، المفروض كون ملكيّتها على نحو الإشاعة، إن كان سهم الشريك المتحقّق فيه بقدر نصاب القطع يوجب ثبوت القطع و لو كان المال المأخوذ أقلّ من نصيبه في مجموع المال المشترك لتحقّق جميع الشرائط المعتبرة في القطع في هذه الصورة؛ لأنّ المفروض ارتفاع الشّبهة بالكليّة و بلوغ مال الغير حدّ النصاب، و عدم كون الشركة بما هي شركة مانعة عن تحقّق السرقة و بالجملة: إذا كان المستند هي القاعدة بعد فرض اعتبار ارتفاع الشبهة، فالظاهر أنّ القاعدة لا تساعد التفصيل المذكور في المتن بوجه أصلًا و إن كان المستند هي الرواية فنقول: إنّ الرواية الواردة في المقام هي روايات السرقة من المغنم، الآتية في شرح المسألة الآتية إن شاء اللّٰه تعالى و يرد على المتن على هذا التقدير مضافاً إلى أنّ ظاهر المتن في المسألة الآتية الترديد في الأخذ برواية عدم القطع مطلقاً، أو برواية القطع بنحو هذا التفصيل، فمع الترديد هناك كيف حكم هنا بتعيّن الأخذ بالرواية الدالّة على التفصيل أنّ ظاهره هنا أنّ التفصيل المذكور ممّا تقتضيه القاعدة، و لا يرتبط بالروايات الواردة في سرقة المغنم، و أنّ مورده من فروع مسألة اعتبار ارتفاع الشبهة حكماً و موضوعاً، مع أنّ الظاهر عدم الارتباط بهذه المسألة، و على تقديره فمقتضى القاعدة ما ذكرنا أوّلًا من ثبوت القطع

مع بلوغ سهم الشريك من المال المأخوذ المشترك حدَّ النصاب، و إن لم يكن المجموع بالغاً قدر نصيب الآخذ السارق، فضلًا عن الزيادة عليه بمقدار النصاب.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 504

[مسألة 4: في السرقة من المغنم روايتان]

مسألة 4: في السرقة من المغنم روايتان: إحداهما لا يقطع، و الأُخرىٰ يقطع إن زاد ما سرقه على نصيبه بقدر نصاب القطع (1).

______________________________

و لأجل ما ذكر صرّح بعض الأعاظم من الفقهاء كالمحقّق في الشرائع «1»: بأنّه يعتبر هنا أمران:

أحدهما: ارتفاع الشّبهة، و الدليل عليه هي القاعدة و ثانيهما: ارتفاع الشركة، و الدليل عليه ما يستفاد من روايات سرقة المغنم و كيف كان فالجمع بين الحكم بالتفصيل و بين الترديد في روايات المغنم كما في المتن ممّا لم يظهر لنا وجهه أصلًا فاللّازم في مورد التفصيل ملاحظة روايات المغنم، و أنّ مقتضى مجموعها ماذا؟ ثمّ ملاحظة جريانها في مطلق المال المشترك، أو عدم جريانها إلّا في خصوص المغنم، فانتظر لذلك في شرح المسألة الآتية إن شاء اللّٰه تعالى

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

الأوّل: في حكم السرقة من الغنيمة بعنوانها، و ظاهر المتن التردّد فيه من جهة وجود روايتين مختلفتين، و عن المفيد «2» و سلّار «3» و فخر الدين «4» و المقداد «5» و بعض آخر العمل بالرواية الأُولى الدالّة على أنّه لا يقطع، و عن الإسكافي «6»

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 952.

(2) المقنعة: 803.

(3) المراسم: 260.

(4) إيضاح الفوائد: 4/ 525.

(5) التنقيح الرائع: 4/ 374.

(6) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/ 216 مسألة 75.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 505

..........

______________________________

و الشيخ «1» و القاضي «2» و العلّامة في التحرير «3» و بعض آخر «4»

بل في محكيّ المسالك نسبته إلى الأكثر العمل بالرواية الثانية الدالّة على التفصيل «5» و استحسنه المحقّق في الشرائع «6»، و لا بدّ من ملاحظة الروايتين، فنقول:

أمّا ما يدلّ على عدم القطع، فهي صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام)، أنّ عليّاً (عليه السّلام) قال في رجل أخذ بيضة من المقسم (المغنم خ ل)، فقالوا: قد سرق اقطعه، فقال: إنّي لم أقطع أحداً له فيما أخذ شرك «7» و الظاهر أنّ المراد هي البيضة من الحديد، كما وقع تفسيرها بها في بعض الروايات الآتية، و هي التي يعبّر عنها في الفارسية ب «كلأه خود» و الرواية في أحد طريقي النقل صحيحة، فلا مجال للمناقشة فيها من حيث السند و يؤيّدها رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): أربعة لا قطع عليهم: المختلس، و الغلول، و من سرق من الغنيمة، و سرقة الأجير، فإنّها خيانة «8» و أمّا الرواية الثانية الدالّة على التفصيل، فهي صحيحة عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد الهّٰي (عليه السّلام) قال: قلت: رجل سرق من المغنم أيش الذي يجب عليه أ يقطع؟

______________________________

(1) النهاية: 715.

(2) المهذّب: 2/ 542.

(3) تحرير الأحكام: 2/ 228.

(4) كالشهيد في الروضة البهيّة: 9/ 227 229، و السيّد الطباطبائي في رياض المسائل: 10/ 156.

(5) مسالك الأفهام: 14/ 483.

(6) شرائع الإسلام: 4/ 952.

(7) وسائل الشيعة 18/ 518، أبواب حدّ السرقة ب 24 ح 1.

(8) وسائل الشيعة: 18/ 503، أبواب حدّ السرقة ب 12 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 506

..........

______________________________

(الشي ء الذي يجب عليه القطع خ ل) قال: ينظر كم نصيبه (الذي يصيبه خ ل) فإن كان

الذي أخذ أقلّ من نصيبه عُزّر و دفع إليه تمام ماله، و إن كان أخذ مثل الذي له فلا شي ء عليه، و إن كان أخذ فضلًا بقدر ثمن مجن و هو ربع دينار قطع «1» و رواها في الوسائل بعد هذه الرواية بعنوان رواية أُخرى لابن سنان «2»، لكن الظاهر الاتّحاد و عدم التعدّد و ربّما يقال كما قيل: بأنّ اللازم تقييد إطلاق ما دلّ على عدم القطع، و حمله على ما إذا لم يكن المأخوذ زائداً على نصيبه بقدر نصاب القطع بقرينة الرواية الدالّة على التفصيل «3»، كما هو الشأن في جميع موارد حمل المطلق على المقيّد، و عليه فلا وجه للترديد في المسألة كما في المتن و غيره و لكنّ الظاهر أنّ الحمل المذكور ليس بذلك الوضوح، كما في الموارد المذكورة؛ و ذلك لاشتمال دليل المطلق على التعليل الآبي عن التقييد، فإنّ قوله (عليه السّلام) «لم أقطع أحداً له فيما أخذ شرك» بمنزلة التعليل بأنّ الشركة و وجود النصيب للآخذ يمنع عن انطباق عنوان السرقة الموجبة للقطع على أخذه، و لا مجال لتقييده بما إذا لم يكن المأخوذ زائداً على سهمه بالمقدار المذكور لإبائه عنه و عدم ملائمته معه و الحقّ أنّ هنا ظهورين: ظهور دليل القيد في تقييد المطلق، و ظهور التعليل الوارد في دليل المطلق في عدم التقييد، فإن كان هناك ترجيح لأحد الظهورين، و إلّا يتحقّق التعارض و الظاهر أنّ الرجحان مع دليل القيد؛ لأنّ قوله (عليه السّلام): «لم أقطع ..» ليس صريحاً

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 519، أبواب حدّ السرقة ب 24 ح 4 و 6.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 519، أبواب حدّ السرقة ب 24 ح 4 و 6.

(3)

مباني تكملة المنهاج: (1)/ 284.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 507

..........

______________________________

في وقوعه في مقام التعليل؛ لأنّه يحتمل فيه أن يكون ضابطة كليّة تعبديّة مرجعها إلى أنّه لا يجوز القطع في الآخذ من المال المشترك، و من المعلوم صلاحيّة ذلك لوقوع التقييد فيه، و هذا بخلاف دليل القيد، فإنّه لا يجري فيه احتمال غيره، و عليه فالظاهر حمل المطلق على المقيّد في المقام أيضاً، و الحكم بالتفصيل الوارد في صحيحة ابن سنان و إن كان فيها وهن من جهة ظهورها في عدم التعزير فيما أخذ بقدر نصيبه، مع أنّ الظاهر أنّه لا فرق بينه و بين ما إذا أخذ أقلّ من نصيبه، حيث حكم فيه بثبوت التعزير، فتدبّر ثمّ إنّه ورد في المقام بعض الروايات الأُخر أيضاً، مثل:

صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن البيضة التي قطع فيها أمير المؤمنين (عليه السّلام)؟ فقال: كانت بيضة حديد سرقها رجل من المغنم، فقطعه «1».

و لكنّها محمولة على ما إذا لم يكن للرجل نصيب في المغنم، و كان أخذه واجداً لشرائط السرقة الموجبة للقطع، أو على ما إذا كان له نصيب و قد أخذ زائداً على سهمه بقدر النصاب، فلا تنافي ما تقدّم و صحيحة يزيد بن عبد الملك، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه و أبي الحسن (عليهم السّلام)، و المفضّل بن صالح، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إذا سرق السارق من البيدر من إمام جائر فلا قطع عليه، إنّما أخذ حقّه، فإذا كان من إمام عادل عليه القتل «2» و لكنّها مطروحة؛ لدلالتها على القتل في السرقة، و هو ممّا لم يقل

به أحد المقام الثاني: في حكم الآخذ من المال المشترك، قال في المسالك: و وجه عدم

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 518، أبواب حدّ السرقة ب 24 ح 3.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 519، أبواب حدّ السرقة ب 24 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 508

..........

______________________________

القطع مع أخذه بقدر حقّه، و ثبوته مع الزيادة بقدر النصاب يظهر من الروايات المذكورة في السرقة من الغنيمة؛ لأنّ شركة الغانم أضعف من شركة المالك الحقيقي للخلاف في ملكه، فإذا قيل بعدم قطع الغانم فالشريك أولى «1» و أورد عليه في الجواهر بمنع الأولويّة المزبورة بالنسبة إلى المسروق منه في عدم القطع مع سرقته قدر النصيب، مع فرض بلوغ حصّة الشريك فيه نصاب القطع «2» و الوجه فيه أنّ عدم القطع في هذا الفرض في الغنيمة مع ضعف شركة الغانم لا يقتضي العدم مع قوّة الشركة، كما في الشركة الحقيقيّة المفروضة في المقام، و الحقّ أنّه لا حاجة في استفادة حكم المقام من أخبار السرقة من الغنيمة إلى التشبّث بالأولويّة أصلًا؛ و ذلك لدلالة قول عليّ (عليه السّلام) في صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة: «إنّي لم أقطع أحداً له فيما أخذ شرك» مع كون موردها هي السرقة من الغنيمة، على أنّ الغنيمة لا يكون لها موضوعيّة، بل هي من مصاديق المال المشترك، و لا ينافي ذلك تقييدها بصحيحة ابن سنان الدالّة على التفصيل، فإنّ التقييد إنّما ينافي الإطلاق، و لا دلالة له على عدم كون العنوان هو مطلق المال المشترك، فيصير محصّل مجموع الروايتين أنّه لا يجوز القطع في الأخذ من المال المشترك، إلّا إذا كان المأخوذ زائداً على السهم بقدر نصاب القطع، و من المعلوم

جريان هذا الحكم في بيت المال و مطلق المال المشترك، و لا اختصاص له بالغنيمة أصلًا و بذلك يتحقّق الجمع بين الروايتين المختلفتين الواردتين في السرقة من بيت المال، الدالّة إحداهما على عدم القطع و الأُخرى على ثبوته، و هما:

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 14/ 484.

(2) جواهر الكلام: 41/ 486.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 509

..........

______________________________

رواية مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّ عليّاً (عليه السّلام) أُتي برجل سرق من بيت المال، فقال: لا يقطع، فإنّ له فيه نصيباً «1» و رواية محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجلين قد سرقا من مال اللّٰه أحدهما عبد مال اللّٰه، و الآخر من عرض الناس، فقال: أمّا هذا فمن مال اللّٰه ليس عليه شي ء، مال اللّٰه أكل بعضه بعضاً، و أمّا الآخر فقدّمه و قطع يده، ثمّ أمر أن يطعم اللحم و السمن حتّى برئت يده «2» فإنّ الأُولى محمولة على صورة عدم كون السرقة زائدة على النصيب بمقدار نصاب القطع، و الثانية على خلافها ثمّ إنّه حكى في الوسائل عن عليّ بن أبي رافع قصّةً مفصّلةً مشتملةً على استعارة بنت أمير المؤمنين (عليه السّلام) عقد لؤلؤ كان أصابه يوم البصرة، و كان في بيت المال بصورة العارية المضمونة، المردودة بعد ثلاثة أيّام، و قول عليّ (عليه السّلام) بعد ما رآه عليها و استفساره من حاله و توبيخ الخازن عليّ بن أبي رافع: ثمّ أولى لابنتي لو كانت أخذت العقد على غير عارية مضمونة مردودة؛ لكانت إذاً أوّل هاشمية قطعت يدها في سرقة «3» و لكنّ الرواية مضافاً إلى ضعف السند لا

بدّ من ردّ علمها إلى أهلها؛ لأنّ الأخذ من الخازن و لو لم يكن بصورة العارية المضمونة لا ينطبق عليه عنوان السرقة بوجه بعد اعتبار هتك الحرز و الإخراج منه في معنى السرقة. ثمّ إنّه لا يظهر لنا الفرق بين صورة العارية المضمونة و غيرها من جهة السرقة أصلًا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 518، أبواب حدّ السرقة ب 24 ح 2.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 527، أبواب حدّ السرقة ب 29 ح 4.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 521، أبواب حدّ السرقة ب 26 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 510

[مسألة 5: لا فرق بين الذكر و الأُنثى، فتقطع الأنثىٰ فيما يقطع الذكر]

مسألة 5: لا فرق بين الذكر و الأُنثى، فتقطع الأنثىٰ فيما يقطع الذكر، و كذا المسلم و الذمّي، فيقطع المسلم و إن سرق من الذمّي، و الذمّي كذلك، سرق من المسلم أو الذمّي (1)

[مسألة 6: لو خان الأمين لم يقطع و لم يكن سارقاً]

مسألة 6: لو خان الأمين لم يقطع و لم يكن سارقاً، و لو سرق الراهن الرهن لم يقطع، و كذا لو سرق المؤجر العين المستأجرة (2)

______________________________

(1) أمّا عدم الفرق بين الذكر و الأنثى فلتصريح الكتاب بذلك في قوله تعالى وَ السّٰارِقُ وَ السّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا .. الآية «1» و لم يخالف فيه أحد و أمّا قطع المسلم فيما إذا سرق من الذمّي؛ فلاحترام مال الذمّي و كونه مالكاً له في نظر الشارع، و عليه فيشمله إطلاق أدلّة السرقة، و عدم جريان القصاص في حقّ المسلم إذا قتل الذمّي لا يقتضي عدم جريان القطع فيه فيما إذا سرق منه؛ لعدم الملازمة بين الأمرين، و قيام الدليل هناك على اعتبار التساوي في الدين و عدم قيامه في المقام، بل مقتضى الإطلاق عدمه، مضافاً إلى أنّ القطع من حقوق اللّٰه تبارك و تعالى، بخلاف القصاص الذي هو حقّ الناس و أمّا قطع الذمّي إذا سرق من الذمّي أو المسلم؛ فلشمول أدلّة القطع له، و عدم اختصاصها بما إذا تحقّقت السرقة من المسلم، و لا مجال فيه للإرجاع إلى حكّامهم فيما لو كان المسروق منه ذمّيّاً مثله و يمكن أن يكون مراد المتن هو القطع فيما إذا تحاكما إلينا و اخترنا الحكم، و إلّا فيجوز لنا الإعراض و الإرجاع إلى حكّامهم كما في بعض المقامات، فتدبّر

(2) أمّا عدم قطع الأمين مع الخيانة؛ فلعدم تحقّق الشرائط المعتبرة في السرقة

______________________________

(1) سورة المائدة 5: 38.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 511

[مسألة 7: إذا سرق الأجير من مال المستأجر]

مسألة 7: إذا سرق الأجير من مال المستأجر فإن استأمنه عليه فلا يقطع، و إن أحرز المال من دونه فهتك الحرز و سرق يقطع، و كذا يقطع كلّ من الزوج و الزوجة بسرقة مال الآخر إذا أحرز عنه، و مع عدم الإحراز فلا. نعم، إذا أخذت الزوجة من مال الرجل سرقة عوضاً من النفقة الواجبة التي منعها عنها فلا قطع عليها، إذا لم يزد على النفقة بمقدار النصاب، و كذا الضيف يقطع إن أحرز المال عنه، و إلّا لا يقطع (1).

______________________________

الموجبة للقطع بالإضافة إليه؛ لعدم تحقّق الحرز بالنسبة إليه؛ لأنّ المفروض استئمانه فيه و جعله أميناً عليه، و عنوان الخيانة لا يلازم السرقة بوجه و أمّا عدم قطع الراهن و كذا المؤجر؛ فلأنّ المال المأخوذ ملك لهما، و إن كان متعلّقاً لحقّ المرتهن أو المستأجر، بل و كون منفعة العين المستأجرة ملكاً للمستأجر، إلّا أنّ ذلك لا يقتضي تحقّق عنوان السرقة عند العرف؛ لأنّ المعتبر عنده كون المال المسروق ملكاً للمسروق منه هذا، مضافاً إلى ظهور أدلّة اعتبار النصاب في كون مقداره مأخوذاً من مال المسروق منه، لا أن يكون مقدار ماليّته كذلك و إن لم يكن ملكاً للمسروق منه، كما لا يخفى

(1) أمّا سرقة الأجير، فمقتضى القاعدة فيها هو التفصيل المذكور في المتن، و هو الفرق بين ما إذا أحرز المال من دونه، فهتك الحرز و سرق، و بين غيره، فيقطع في الصورة الأُولى دون الثانية و لكن ورد في سرقة الأجير روايات ربما يتوهّم دلالتها على عدم القطع مطلقاً، و لا بدّ من ملاحظتها، فنقول:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص:

512

..........

______________________________

منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال في رجل استأجر أجيراً و أقعده على متاعه فسرقه، قال: هو مؤتمن «1» و من الظاهر أنّ موردها صورة عدم إحراز المال من دون الأجير؛ لأنّ المفروض استيجاره لحفظ المتاع، فلا دلالة لها على عدم القطع مطلقاً و منها: صحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يستأجر أجيراً فيسرق من بيته هل تقطع يده؟ فقال: هذا مؤتمن ليس بسارق، هذا خائن «2».

و الظاهر أنّ المراد بقوله (عليه السّلام): «هذا مؤتمن» ليس الحكم بتحقّق الائتمان تعبّداً، بل الحكم بأنّه مع تحقّق الائتمان من المستأجر لا يتحقّق عنوان السرقة بل الخيانة، و عليه فلا دلالة لها على ما يخالف القاعدة و منها: موثّقة سماعة قال: سألته عن رجل استأجر أجيراً فأخذ الأجير متاعه فسرقه؟ فقال: هو مؤتمن، ثمّ قال: الأجير و الضيف أُمناء ليس يقع عليهم حدّ السرقة «3».

و الظاهر أنّ موردها أيضاً صورة الاستيجار للحفظ كما في صحيحة الحلبي و إن لم يكن بتلك المرتبة من الظهور، و على تقدير العدم فيجري فيه ما ذكرنا في صحيحة سليمان فانقدح أنّه لم ينهض شي ء من الروايات للدلالة على خلاف التفصيل الذي ذكرنا أنّه مقتضى القاعدة و أمّا سرقة كلّ من الزوج و الزوجة من مال الآخر، فمقتضى القاعدة فيها أيضاً هو التفصيل المذكور في المتن، و لا خلاف فيها أيضاً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 505، أبواب حدّ السرقة ب 14 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 505، أبواب حدّ السرقة ب 14 ح 3.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 506، أبواب حدّ السرقة ب 14 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الحدود، ص: 513

..........

______________________________

نعم، يقع الكلام في مورد الاستثناء المذكور فيه أيضاً، و هو ما إذا سرق مال الزوج من ناحية الزوجة بمقدار النفقة الواجبة فيما إذا تحقّق المنع عنها من طرف الزوج، أو زائداً على ذلك المقدار بما لا يبلغ نصاب القطع، و الوجه فيه مضافاً إلى أنّه من مصاديق التقاصّ؛ لأنّ نفقة الزوجة دين على الزوج، فإذا منع من أدائها مع القدرة و المطالبة، فيجوز للزوجة الأخذ بمقدارها بهذا العنوان ما يرشد إليه خبر هند حين قالت للنبي (صلّى اللّٰه عليه و آله): إنّ أبا سفيان رجل شحيح و إنّه لا يعطيني و ولدي إلّا ما آخذ منه سرّاً و هو لا يعلم، فهل عليّ فيه شي ء؟ فقال: خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف «1».

و المحكيّ عن القواعد أنّ كلّ مستحقّ للنفقة إذا سرق من المستحقّ عليه مع الحاجة لم يقطع، و يقطع بدونها إلّا مع الشُّبهة «2» و لكنّ الظاهر عدم كون ذلك في الزوجة مقيّداً بالحاجة كما يقتضيه إطلاق الفتوى، و الرواية المذكورة أيضاً مطلقة غير مقيّدة بالحاجة، كما أنّ الظاهر عدم كون النفقة في غير الزوجة بنحو الدين، و عليه فما في القواعد محلّ نظر إلّا أن تكون الحاجة بالغة حدّ الاضطرار، كما لا يخفى و أمّا سرقة الضيف ففيها قولان:

أحدهما: عدم القطع مطلقاً من غير فرق بين المحرز دونه و غيره؛ حكي ذلك عن الشيخ في النهاية «3» و ابن الجنيد الإسكافي «4» و الصدوق «5» و ابن إدريس، بل في

______________________________

(1) سنن البيهقي: 7/ 466.

(2) قواعد الأحكام: 2/ 266.

(3) النهاية: 717.

(4) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/ 219 مسألة 77.

(5) من لا يحضره الفقيه: 4/ 65، المقنع: 447.

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 514

..........

______________________________

السرائر الإجماع على ذلك «1» لكن عبارة الإسكافي تنافي النسبة؛ لصراحتها في التفصيل كالأجير و الزوجة بين صورة الائتمان و عدمه، و كذلك عبارة الصدوق في الفقيه و المقنع ظاهرة في التفصيل المذكور؛ لتعليله الحكم بعدم قطع الأجير و الضيف بكونهما مؤتمنين، و أمّا السرائر فكما في الجواهر يكون في كمال الاضطراب و مشتملًا على التناقض الصريح في الضيف، فتارة يقول: بأنّ التخصيص بالمحرز لا بدّ له من دليل، و أنّه إن أُريد ذلك لم يكن للخبر يعني الرواية الآتية و لا لإجماعهم على وفقه معنى؛ لأنّ غير الضيف مثله في ذلك، و أُخرى يقول: بأنّه إذا سرق من حرز قطع و من غيره لم يقطع؛ للدخول في عموم الآية، و من أسقط الحدّ عنه فقد أسقط حدّا من حدود اللّٰه تعالى لغير دليل من كتاب و لا سنّة مقطوع بها و لا إجماع «2» و كيف كان فالظاهر انحصار القائل بهذا القول بالشيخ في كتاب النهاية المعدّة لنقل فتاوى الأئمة (عليهم السّلام) بعين الألفاظ الصادرة عنهم و ثانيهما: ما هو المشهور من أنّه يقطع إذا أحرز من دونه، و لا يقطع مع عدم الإحراز و قد ورد في المسألة صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: الضيف إذا سرق لم يقطع، و إذا أضاف الضيف ضيفاً فسرق قطع ضيف الضيف «3» و قد ادّعى ابن إدريس تواترها «4» و مقتضى إطلاقها و إن كان هو عدم الفرق

______________________________

(1) السرائر: 3/ 488.

(2) جواهر الكلام: 41/ 493 494.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 508، أبواب حدّ السرقة ب 14 ح 1.

(4) السرائر: 3/ 487.

تفصيل الشريعة في

شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 515

[مسألة 8: لو أخرج متاعاً من حرز و ادّعىٰ صاحب الحرز أنّه سرقه، و قال المخرج: «وهبني» أو «أذن لي في إخراجه»]

مسألة 8: لو أخرج متاعاً من حرز و ادّعىٰ صاحب الحرز أنّه سرقه، و قال المخرج: «وهبني» أو «أذن لي في إخراجه» سقط الحدّ إلّا أن تقوم البيّنة بالسرقة، و كذا لو قال: «المال لي» و أنكر صاحب المنزل، فالقول و إن كان قول صاحب المنزل بيمينه و أخذ المال من المخرج بعد اليمين، لكن لا يقطع (1).

______________________________

بين ما إذا أحرز دونه و بين ما إذا لم يحرز، و عليه فيثبت للضيف مزيّة موجبة لاستثنائه من الحكم بالحدّ في باب السرقة، إلّا أنّ ذيل رواية سماعة المتقدّمة في الأجير و هو قوله (عليه السّلام): «الأجير و الضيف أُمناء، ليس يقع عليهم حدّ السرقة» الظاهر في كون العلّة لعدم القطع هو الائتمان المتحقّق في الضيف يقتضي تقييد إطلاق الصحيحة و رفع اليد عنه كما لا يخفى، فاللّازم هو الحكم بالتفصيل كما عليه المشهور

(1) و عن الصدوق: إذا دخل السارق بيت رجل فجمع الثياب فيوجد في الدار و معه المتاع فيقول: دفعه اليّ ربّ الدار، فليس عليه قطع، فإذا خرج بالمتاع من باب الدار فعليه القطع، أو يجي ء بالمخرج منه «1» و ظاهره ثبوت القطع في صورة الإخراج التي هي مفروض المسألة، و إن لم يتحقّق اليمين من صاحب الدار، و لكنّ الظاهر أنّه مع ثبوت اليمين أيضاً لا مجال للقطع و يدلّ عليه مضافاً إلى أنّ اليمين لا تقطع الشبهة الدارئة للحدّ؛ لعدم كونها من طرق إثبات السرقة، بل غايتها الحكم بكون المال لصاحب اليمين، فيؤخذ من المخرج و يدفع إليه و الشّبهة باقية بحالها صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام)

______________________________

(1) المقنع: 445، من

لا يحضره الفقيه: 4/ 64.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 516

..........

______________________________

عن رجل نقب بيتاً فأُخذ قبل أن يصل إلى شي ء؟ قال: يعاقب، فإن أُخذ و قد أخرج متاعاً فعليه القطع. قال: و سألته عن رجل أخذوه (أُخذ خ ل) و قد حمل كارة من ثياب، و قال: صاحب البيت أعطانيها؟ قال: يدرأ عنه القطع إلّا أن تقوم عليه بيّنة، فإن قامت البيّنة عليه قطع، الحديث «1» و مقتضى إطلاق الجواب درء القطع و إن تحقّقت اليمين من صاحب البيت على عدم إعطائه الثياب إيّاه، ثمّ إنّ قوله في السؤال: و قال: «صاحب البيت أعطانيها» لا إشكال في إلغاء الخصوصيّة منه من جهة الإعطاء، و عليه فيشمل الفروض الثلاثة المذكورة في المتن؛ لعدم الفرق بينها من هذه الجهة أصلًا و هل لادّعاء المخرج بنحو من الأنحاء المذكورة خصوصيّة بحيث كان درء القطع مستنداً إلى الادّعاء المذكور، أم يجري الحكم المذكور فيما إذا لم يتحقّق الادّعاء من المخرج بوجه، بل كان هناك مجرّد احتمال كون إخراجه بنحو لا ينطبق عليه عنوان السرقة؟ وجهان، لا يبعد الوجه الثاني، خصوصاً مع حصر القطع في الجواب بصورة قيام البيّنة على السرقة، فإنّه يشعر بل يدلّ على أنّه مع عدم قيامها لا مجال للقطع أصلًا، و يمكن أن يقال: إنّ تقييد صورة المسألة في مثل المتن بصورة دعوى المخرج إنّما يكون تبعاً لما هو المفروض في الرواية، من دون أن يكون له خصوصيّة في الحكم بعدم القطع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 498، أبواب حدّ السرقة ب 8 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 517

[القول في المسروق]

اشارة

القول في المسروق

[مسألة (1): نصاب القطع ما بلغ ربع دينار ذهباً خالصاً]

مسألة (1): نصاب القطع ما بلغ ربع دينار ذهباً خالصاً مضروباً عليه السكّة، أو ما بلغ قيمته ربع دينار كذائيّ من الألبسة و المعادن و الفواكه و الأطعمة، رطبة كانت أو لا، كان أصله الإباحة لجميع الناس أو لا، كان ممّا يسرع إليه الفساد كالخضروات و الفواكه الرطبة و نحوها أو لا، و بالجملة كلّ ما يملكه المسلم إذا بلغ الحدّ ففيه القطع حتّى الطير و حجارة الرخام (1).

______________________________

(1) لا خلاف بين فقهاء المسلمين إلّا من شذّ من أهل الخلاف على اعتبار النصاب في المال المسروق، و يدلّ عليه السنّة القطعيّة الآتية ذكرها، إنّما الخلاف في مقدار النصاب، قال الشيخ (قدّس سرّه) في كتاب الخلاف في المسألة الأولى من كتاب السرقة: النصاب الذي يقطع به ربع دينار فصاعداً، أو ما قيمته ربع دينار، سواء كان درهماً أو غيره من المتاع، و به قال في الصحابة عليّ (عليه السّلام) و أبو بكر و عمر و عثمان و ابن عمر و عائشة «1»،

______________________________

(1) الجامع لأحكام القرآن: 6/ 160، المغني لابن قدامة: 10/ 242، نيل الأوطار: 7/ 124.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 518

..........

______________________________

و في الفقهاء الأوزاعي و أحمد و إسحاق، و هو مذهب الشافعي «1»، و قال داود و أهل الظاهر: يقطع بقليل الشي ء و كثيره و ليس لأقلّه حدّ، و به قال الخوارج «2»، و قال الحسن البصري: القطع في نصف دينار فصاعداً، و به قال ابن الزبير «3» و قال عثمان البتّي: القطع في درهم واحد فصاعداً «4»، و قال زياد بن أبي زياد: القطع في درهمين فصاعداً «5»، و قال مالك: النصاب الذي يُقطع به أصلان الذهب

و الفضّة؛ فنصاب الذهب ربع دينار، و نصاب الفضّة ثلاثة دراهم، أيّهما سرق قطع من غير تقويم، و إن سرق غيرهما قوّم بالدراهم، فإن بلغ ثلاثة دراهم قطع «6» فخالفنا في فصلين، جعل أصلين و قوّم بالدراهم، و قال أبو هريرة و أبو سعيد الخدري: القطع في أربعة دراهم فصاعداً «7»، و قال النخعي: القطع في خمسة دراهم فصاعداً، و هو إحدى الروايتين عن عمر «8»، و قال أبو حنيفة و أصحابه: القطع في عشرة دراهم فصاعداً، فإن سرق من غيرها قوّم بها «9» فخالفنا في فصلين في أصل النصاب و فيما

______________________________

(1) الأمّ: 7/ 151، مختصر المزني: 263، المجموع: 21/ 373، المبسوط للسرخسي: 9/ 137، بداية المجتهد: 2/ 442 443.

(2) نيل الأوطار: 7/ 126، بدائع الصنائع: 6/ 23 25، شرح فتح القدير: 5/ 122، المغني لابن قدامة: 10/ 241 242.

(3) المغني لابن قدامة: 10/ 242، الشرح الكبير في ذيل المغني: 10/ 250، الجامع لأحكام القرآن: 6/ 161.

(4) المغني لابن قدامة: 10/ 242، الجامع لأحكام القرآن: 6/ 161.

(5) نيل الأوطار: 7/ 126، الجامع لأحكام القرآن: 6/ 161.

(6) المدوّنة الكبرى: 6/ 265 266، أسهل المدارك: 2/ 268، الجامع لأحكام القرآن: 6/ 160، شرح فتح القدير: 5/ 122.

(7) المبسوط للسرخسي: 9/ 137، المغني لابن قدامة: 10/ 242، الجامع لأحكام القرآن: 6/ 161.

(8) المغني لابن قدامة: 10/ 242، الشرح الكبير في ذيل المغني: 10/ 250، نيل الأوطار: 7/ 126.

(9) المبسوط للسرخسي: 9/ 137، بدائع الصنائع: 6/ 24، الجامع لأحكام القرآن: 6/ 161، شرح فتح القدير: 5/ 121.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 519

..........

______________________________

يقوّم به «1» و كيف كان، فالمشهور بين الفريقين أنّ مقدار النصاب

ربع دينار، و المحكيّ عن الصدوق القطع بخُمس دينار فصاعداً «2»، و عن العماني اعتبار الدينار «3»، و نسب إلى القيل اعتبار ثلث الدينار «4»، و لا بدّ من ملاحظة الروايات الواردة في المقام فنقول: إنّها على طوائف:

فطائفة منها تدلّ على الربع الذي اختاره المشهور، و هي كثيرة:

منها: ما رواه العامّة عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) من قوله: لا قطع إلّا في ربع دينار «5» و قد ذكروا أنّ هذا القول متّفق عليه و منها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في كم يقطع السارق؟ قال: في ربع دينار، قال: قلت له: في درهمين؟ قال: في ربع دينار بلغ الدينار ما بلغ، قال: قلت له: أ رأيت من سرق أقلّ من ربع دينار هل يقع عليه حين سرق اسم السارق؟ و هل هو عند اللّٰه سارق؟ فقال: كلّ من سرق من مسلم شيئاً قد حواه و أحرزه فهو يقع عليه اسم السارق، و هو عند اللّٰه سارق، و لكن لا يقطع إلّا في ربع دينار أو أكثر، و لو قطعت أيدي السرّاق فيما أقلّ هو من ربع دينار لألفيت عامّة الناس مقطّعين «6».

______________________________

(1) الخلاف: 5/ 411 413 مسألة 1.

(2) المقنع: 444، من لا يحضره الفقيه: 4/ 64، و لكن نقل فيهما روايات أُخر أيضاً.

(3) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/ 227 مسألة 83.

(4) لم نجد لهذا القول قائلًا من فقهائنا، و إن ورد في الروايات. نعم، لا يبعد حملها على التقيّة، باعتبار أنّ ثلث الدينار يساوي ثلاثة دراهم تقريباً، و قد ذهب جماعة من العامّة إلى اعتبار ذلك.

(5) سنن البيهقي: 8/ 254.

(6) وسائل الشيعة: 18/ 482، أبواب حدّ

السرقة ب 2 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 520

..........

______________________________

و منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: لا يقطع يد السارق إلّا في شي ء تبلغ قيمته مجنّا، و هو ربع دينار «1» و منها: موثّقة سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قطع أمير المؤمنين (عليه السّلام) في بيضة، قلت: و ما بيضة؟ قال: بيضة قيمتها ربع دينار، قلت: هو أدنى حدّ السارق؟ فسكت «2» و منها: صحيحة أُخرى لعبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: رجل سرق من المغنم أيش الذي يجب عليه، أ يقطع؟ (الشي ء الذي يجب عليه القطع خ ل) قال: ينظر كم نصيبه (الذي يصيبه خ ل) فإن كان الذي أخذ أقل من نصيبه عزِّر و دفع إليه تمام ماله، و إن كان أخذ مثل الذي له فلا شي ء عليه، و إن كان أخذ فضلًا بقدر ثمن مجنّ و هو ربع دينار قطع «3» و طائفة اخرى تدلّ على اعتبار خُمس دينار، و هي أيضاً كثيرة:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: أدنى ما يقطع فيه يد السارق خُمس دينار «4» و رواها في الوسائل في هذا الباب بعنوان رواية أُخرى مع إضافة قوله (عليه السّلام): و الخُمس آخر الحدّ الذي لا يكون القطع في دونه، و يقطع فيه و فيما فوقه «5» و لكن من الواضح اتّحاد الروايتين و عدم تعدّدهما و منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: يقطع السارق في كلّ شي ء بلغ

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 483، أبواب حدّ السرقة ب

2 ح 2.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 483، أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 4.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 519، أبواب حدّ السرقة ب 24 ح 4.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 483، أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 3.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 485، أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 521

..........

______________________________

قيمته خُمس دينار إن سرق من سوق أو زرع أو ضرع أو غير ذلك «1» و منها: موثّقة إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل سرق من بستان عذقاً قيمته درهمان، قال: يقطع به «2» بناءً على أن يكون الدرهمان خُمس دينار كما هو المتعارف في ذلك الزمان و منها: صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه قال: سألته عن حدّ ما يقطع فيه السارق؟ فقال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): بيضة حديد بدرهمين أو ثلاثة «3» و أمّا ما يدلّ على اعتبار الدينار فصحيحة أبي حمزة الثمالي قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) في كم يقطع السارق؟ فجمع كفّيه ثمّ قال: في عددها من الدراهم «4» و أمّا ما يدلّ على اعتبار ثلث الدينار فموثّقة سماعة قال: سألته عن كم يقطع السارق؟ قال: أدناه على ثلث دينار «5» و موثّقة أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قطع أمير المؤمنين (عليه السّلام) رجلًا في بيضة، قلت: و أيّ بيضة؟ قال: بيضة حديد قيمتها ثلث دينار، فقلت: هذا أدنى حدّ السارق؟ فسكت «6» هذه هي الروايات المختلفة الواردة في المقام، و قد حمل الشيخ روايات الخُمس، و كذا رواية عشرة دراهم التي هي دينار على التقيّة «7» و العجب منه (قدّس سرّه) أنّه مع

عدم

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 485، أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 12.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 486، أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 14.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 487، أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 22.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 485، أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 9.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 485، أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 11.

(6) وسائل الشيعة: 18/ 485، أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 10.

(7) الإستبصار: 4/ 239 و 240، التهذيب: 0 (1)/ 102.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 522

..........

______________________________

حكايته القول باعتبار الخُمس عن أحد من فقهاء العامّة في عبارته المتقدّمة المحكيّة عن الخلاف، كيف حمل روايات الخمس على التقيّة؟! نعم، حكى فيها عن زياد بن أبي زياد القطع في درهمين فصاعداً، و لم يعلم أنّ مراده هو الخُمس و إن كان المتعارف كون درهمين خمس دينار؛ لأنّه جعل الشيخ (قدّس سرّه) في تلك العبارة القول بالقطع في نصف دينار قولًا للحسن البصري، و القول بالقطع في خمسة دراهم قولًا آخر للنخعي «1»، فيستفاد منه عدم كون المراد بخمسة دراهم هو نصف الدينار، ثمّ على تقدير كون المراد من الدرهمين هو الخمس لا يكون قول زياد بن أبي زياد موجباً للتقيّة بوجه؛ لعدم كون قائله من الفقهاء المعروفين عند العامّة بوجه، و عليه فحمل روايات الخمس على التقيّة ممّا لا وجه له أصلًا ثمّ إنّه بناءً على ما هو المختار من كون أوّل المرجّحات في باب تعارض الروايات هي الشهرة الفتوائيّة، المطابقة لإحداها لا تصل النوبة إلى مسألة الحمل على التقيّة؛ لوضوح أنّ الشهرة الفتوائيّة إنّما هي على وفق روايات الربع، و بذلك يتعيّن الأخذ بها و الفتوى

على طبقها، و طرح الروايات المعارضة لها بأنحائها و لكنّه ذكر بعض الأعلام في هذا المقام ما ملخّصه: إنّه لا مناص من حمل ما دلّ على اعتبار عشرة دراهم على التقيّة؛ لأنّها خلاف المقطوع به بين فقهائنا إلّا العماني و مخالفة لظاهر الكتاب، و كذا ما دلّ على اعتبار الثلث، فإنّه أيضاً خلاف المقطوع به بين الأصحاب و مخالف لظاهر الكتاب، و لا يبعد حمله على التقيّة، باعتبار أنّ ثلث الدينار يساوي ثلاثة دراهم تقريباً، و قد ذهب جماعة من العامّة إلى ذلك، فيبقى الأمر دائراً بين الربع و الخمس، و لا وجه لحمل روايات الخمس على التقيّة،

______________________________

(1) الخلاف: 5/ 411 412 مسألة 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 523

..........

______________________________

و إن كان قد حملها الشيخ (قدّس سرّه) عليها، فاللّازم حمل ما دلّ على اعتبار الربع على التقيّة و هو الأقرب، و مع الإغماض و تعارض الروايات يكون الترجيح مع روايات الخمس؛ لموافقتها لظاهر الكتاب، و هي أوّل مرجّح في مقام التعارض، و بيانه أنّ مقتضى إطلاق الكتاب وجوب القطع في السرقة مطلقاً، و لكنّا علمنا من الخارج أنّه لا قطع في أقلّ من خُمس، فترفع اليد عن الإطلاق بهذا المقدار، و أمّا التخصيص الزائد فلم يثبت، للمعارضة، فتطرح من جهة المخالفة لظاهر الكتاب «1» و يرد عليه:

أوّلًا: أنّ طرح رواية عشرة دراهم مع أنّ العماني قد أفتى على طبقها إنّما يتمّ على مبنى من يقول بأنّ إعراض المشهور يخرج الرواية عن الحجيّة، و هو غير قائل بهذا المبنى، ثمّ إنّ التعبير عن المشهور بالمقطوع به ممّا لا مجال له أصلًا و ثانياً: إنّا نعلم إجمالًا بورود التقييد على إطلاق الآية الشريفة،

و لكنّه مردّد بين أن يكون دليل التقييد هو روايات الربع أو روايات الخُمس، و ليس الأمر دائراً بين تقييد واحد أو أزيد حتّى يرجع في الزائد المشكوك إلى أصالة الإطلاق، و مجرّد كون الخُمس أقرب إلى الإطلاق من جهة الأفراد و المصاديق لا يوجب ثبوت الرجحان بالإضافة إليه أصلًا، و العلم من الخارج بأنّه لا قطع في أقلّ من الخُمس لا يوجب كونه هو القدر المتيقّن؛ لأنّ عنوان الخمس إنّما يكون ملحوظاً في جانبي النفي و الإثبات، بمعنى عدم القطع في الأقلّ و ثبوته فيه و فيما فوقه، و لهذه الجهة لا يكون له رجحان على عنوان الربع و بالجملة: لم يظهر وجه كون روايات الخُمس موافقة لظاهر الكتاب بعد كون

______________________________

(1) مباني تكملة المنهاج: 1/ 295 296.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 524

..........

______________________________

ظاهره الإطلاق لو لم يناقش في الإطلاق، فلا محيص عمّا ذكرنا، فتدبّر و كيف كان، فقد عرفت أنّه بناءً على المختار لا محيص عن ترجيح روايات الربع و الفتوى على طبقها، هذا بالنسبة إلى أصل الحكم و أمّا تعميمه لما كان أصله الإباحة أو يسرع إليه الفساد، فهو في قبال أبي حنيفة القائل بالخلاف «1» نعم، روى الأصبغ، عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال: لا يقطع من سرق شيئاً من الفاكهة، و إذا مرّ بها فليأكل و لا يفسد «2» و لكن ذيلها قرينة على كون المفروض في الصدر عدم كون الفاكهة في حرز، فلا دلالة لها على استثناء الفاكهة من القطع في السرقة و روى السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): لا قطع في ثمر و

لا كثر، و الكثر شحم النخل. و فيما رواه الصدوق بإسناده، عن السكوني مثله، إلّا أنّه قال: و الكثر الجمار «3»، و دلالتها على عدم القطع في الثمر و لو كان في حرز ظاهرة. و سيأتي البحث في سرقة الثمرة على الشجرة فيما يأتي إن شاء اللّٰه تعالى بقي الكلام في الطير و حجارة الرخام، و قد ورد في استثناء حجارة الرخام؛ رواية السكوني أيضاً، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: لا قطع على من سرق الحجارة يعني الرخام و أشباه ذلك «4» و يرد عليه ما عرفت من تفرّد السكوني بهذه الرواية، و لا حجيّة فيما يتفرّد به،

______________________________

(1) شرح فتح القدير: 5/ 128 135، بدائع الصنائع: 6/ 10 12، المغني لابن قدامة: 10/ 243 244.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 517، أبواب حدّ السرقة ب 23 ح 5.

(3) من لا يحضره الفقيه: 4/ 62 ح 5107، وسائل الشيعة: 18/ 517، أبواب حدّ السرقة ب 23 ح 3.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 516، أبواب حدّ السرقة ب 23 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 525

[مسألة 2: لا فرق في الذهب بين المسكوك و غيره]

مسألة 2: لا فرق في الذهب بين المسكوك و غيره، فلو بلغ الذهب غير المسكوك قيمة ربع دينار مسكوك قطع، و لو بلغ وزنه وزن ربع دينار مسكوك لكن لم تبلغ قيمته قيمة الربع لم يقطع، و لو انعكس و بلغ قيمته قيمته و كان وزنه أقلّ يقطع (1).

______________________________

و أمّا الطير فقد ورد في استثنائه روايتان:

إحداهما: رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أيضاً، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): لا قطع في ريش، يعني الطير كلّه «1» ثانيتهما: رواية غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد

اللّٰه (عليه السّلام) أنّ عليّاً (عليه السّلام) أُتي بالكوفة برجل سرق حماماً فلم يقطعه، و قال: لا أقطع في الطير «2» و قد وصف المحقّق في الشرائع الرواية بالضعف «3»، و ظاهره أنّ الطرح إنّما هو لأجله، و وافقه عليه صاحب الجواهر «4»، مع أنّ غياث بن إبراهيم قد وثّقه النجاشي و العلّامة في الخلاصة، و لأجله ربما يشكل الحكم في الطير؛ لأنّه إن لم يكن وجه الإعراض مبيّناً لكان نفس الإعراض كافياً في عدم الاعتماد على الرواية، و أمّا مع تبيّن الوجه و عدم التمامية عندنا يشكل الإعراض عن الرواية التامّة من حيث السند و الدلالة، كما لا يخفى

(1) قد مرّ أنّ النصاب هو ربع الدينار أو ما بلغ قيمته ذلك، و قد وقع التصريح

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 516، أبواب حدّ السرقة ب 22 ح 2.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 516، أبواب حدّ السرقة ب 22 ح 1.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 954.

(4) جواهر الكلام: 41/ 498.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 526

[مسألة 3: لو فرض رواج دينارين مسكوكين بسكّتين، و كانت قيمتهما مختلفة لا لأجل النقص أو الغش في أحدهما بل لأجل السكّة]

مسألة 3: لو فرض رواج دينارين مسكوكين بسكّتين، و كانت قيمتهما مختلفة لا لأجل النقص أو الغش في أحدهما بل لأجل السكّة، فالأحوط عدم القطع إلّا ببلوغه ربع قيمة الأكثر، و إن كان الأشبه كفاية بلوغ الأقل (2)

______________________________

بكلا الأمرين في روايات الربع المتقدّمة، و الدينار حقيقة في المسكوك من الذهب، كما صرّح به صاحب الجواهر «1» و إن حكي عن الشيخ (قدّس سرّه) في الخلاف «2» و المبسوط «3» عدم اعتبار السكّة، و لكنّه وصفه بالشذوذ، و الدينار عبارة عن المثقال الشرعي الذي هو ثماني عشر حمصة، و المثقال الشرعي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي، و على ما

ذكرنا فاللازم إمّا كون المال المسروق نفس الربع أو أزيد، و إمّا بلوغ قيمته ذلك، و عليه فيظهر حكم الفروع الثلاثة المذكورة في المسألة؛ لأنّ القطع في الفرع الأوّل إنّما هو لأجل بلوغ قيمة الذهب غير المسكوك مقدار قيمة ربع دينار مسكوك، و عدم القطع في الفرع الثاني إنّما هو لأجل عدم تحقّق النصاب المعتبر، و الوزن لا دخالة له فيه، فلا فائدة في تساوي وزنه مع وزن الربع و هو أربع حمصات و نصف، كما أنّ القطع في الفرع الثالث يكون مستنداً إلى بلوغ قيمته قيمة الربع و إن كان وزنه أقلّ؛ لما مرّ من عدم مدخلية الوزن في النصاب أصلًا

(2) وجه كون الأشبه كفاية بلوغ الأقلّ صدق عنوان النصاب المأخوذ في الروايات و هو ربع الدينار؛ لأنّ المفروض تحقّقه و اشتراكه مع الآخر في الرواج، و إن كانت قيمته أقلّ لأجل سكّته، و أمّا وجه كون الاحتياط ملاحظة الأكثر فواضح.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 499.

(2) الخلاف: 5/ 414 مسألة 2.

(3) المبسوط: 8/ 19.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 527

[مسألة 4: المراد بالمسكوك هو المسكوك الرائج]

مسألة 4: المراد بالمسكوك هو المسكوك الرائج، فلو فرض وجود مسكوك غير رائج فلا اعتبار في ربع قيمته، فلو بلغ ربع قيمته و لم تكن قيمة ربعه بمقدار قيمة ربع الدارج لم يقطع (1)

[مسألة 5: لو سرق شيئاً و تخيّل عدم وصوله إلىٰ حدّ النصاب، كأن سرق ديناراً بتخيّل أنّه درهم]

مسألة 5: لو سرق شيئاً و تخيّل عدم وصوله إلىٰ حدّ النصاب، كأن سرق ديناراً بتخيّل أنّه درهم فالظاهر القطع، و لو انعكس و سرق ما دون النصاب بتخيّل النصاب لم يقطع (2)

______________________________

(1) الوجه في تخصيص المسكوك بالرائج مع عدم كون الرواج كالمسكوكيّة دخيلًا في حقيقة الدينار و مفهومه هو انصراف إطلاق الأدلّة إليه، و لا يبعد دعوى الانصراف فيما إذا كان الدينار ملحوظاً في المعاملات بعنوان الثمنيّة، كما هو كذلك في زمان صدور الروايات؛ لأنّه كان المتعارف في ذلك الزمان بدل الإسكناس و مثله المتعارف في زماننا هو الدراهم و الدنانير، ففي مثل ذلك تتمّ دعوى انصراف الإطلاق إلى ما هو الرائج في السوق الشائع بين الناس. و أمّا لو فرض كونه ملحوظاً بعنوان المثمنيّة كما هو كذلك في زماننا ضرورة أنّ الذهب المسكوك إنّما يقع مبيعاً و مثله، و لو فرض جعله ثمناً فإنّما هو بعد تقويمه بالإسكناس و شبهه فالظاهر أنّه لا مجال لدعوى الانصراف حينئذٍ، بل لا معنى للرواج، و دعوى كون المراد بالرواج في مثله ما كان أكثر مشترياً و ما تقع المعاملة عليه أكثر من غيره مدفوعة بعدم كون ذلك موجباً لتحقّق عنوان الرواج، فتدبّر

(2) لعدم كون السرقة من العناوين القصديّة، و عدم ورود التقييد بعدم العلم بالخلاف في شي ء من الأدلّة، فإذا وصل إلى حدّ النصاب يقطع مطلقاً، و إذا لم يصل لا يقطع كذلك، و إن كان في البين تخيّل الخلاف في

كلا الفرضين.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 528

[مسألة 6: ربع الدينار أو ما بلغ قيمة الربع هو أقلّ ما يقطع به]

مسألة 6: ربع الدينار أو ما بلغ قيمة الربع هو أقلّ ما يقطع به، فلو سرق أكثر منه يقطع كقطعة بالربع بلغ ما بلغ، و ليس في الزيادة شي ء غير القطع (1)

[مسألة 7: يشترط في المسروق أن يكون في حرز]

مسألة 7: يشترط في المسروق أن يكون في حرز، ككونه في مكان مقفل أو مغلق، أو كان مدفوناً، أو أخفاه المالك عن الأنظار تحت فرش أو جوف كتاب أو نحو ذلك ممّا يعدّ عرفاً محرزاً، و ما لا يكون كذلك لا يقطع به و إن لا يجوز الدخول إلّا بإذن مالكه، فلو سرق شيئاً من الأشياء الظاهرة في دكّان مفتوح لم يقطع و إن لا يجوز دخوله فيه إلّا بإذنه (2)

______________________________

(1) لظهور الأدلّة في أنّ التحديد بالربع أو ما بلغ قيمة الربع إنّما هو بلحاظ الحدّ الأقلّ، و مقتضى الإطلاق عدم ثبوت الزائد على القطع في الزائد، كما لا يخفى

(2) هذا هو الأمر الثاني من الأمور المعتبرة في المسروق، و الكلام فيه يقع في مقامين:

الأوّل: في أصل اعتبار هذا الأمر و هو الحرز، و قد ذكر في الجواهر: أنّه يعتبر في القطع نصّاً و فتوى بل إجماعاً بقسميه «1» و يدلّ عليه من النصوص صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة في النصاب، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في كم يقطع السارق؟ قال: في ربع دينار، قال: قلت له: في درهمين؟ قال: في ربع دينار بلغ الدينار ما بلغ، قال: قلت له: أ رأيت من سرق أقلّ من ربع دينار هل يقع عليه حين سرق اسم السارق؟ و هل هو عند اللّٰه تعالى سارق في تلك الحال؟ فقال: كلّ من سرق من مسلم شيئاً قد حواه و أحرزه فهو يقع عليه

______________________________

(1)

جواهر الكلام: 41/ 499.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 529

..........

______________________________

اسم السارق، و هو عند اللّٰه سارق، و لكن لا يقطع إلّا في ربع دينار أو أكثر، الحديث «1» بناءً على رجوع ضمير الفاعل في قوله (عليه السّلام): «قد حواه و أحرزه» إلى المسلم المسروق منه كما هو الظاهر لا إلى السارق، و عليه فالتقييد يدلّ على اعتبار الإحراز و رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: لا يقطع إلّا من نقب بيتاً أو كسر قفلًا «2» و روى مثله الجميل مرسلًا عن أحدهما (عليهما السّلام) «3» و رواية طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السّلام) قال: ليس على السارق قطع حتّى يخرج بالسرقة من البيت «4» و غير ذلك من الروايات الدالّة عليه لكن في مقابلها روايات صحيحة متعدّدة ربما يستظهر منها عدم اعتبار الحرز في السرقة الموجبة للقطع:

منها: صحيحة جميل بن درّاج قال: اشتريت أنا و المعلّى بن خنيس طعاماً بالمدينة، و أدركنا المساء قبل أن ننقله، فتركناه في السوق في جواليقه و انصرفنا، فلمّا كان من الغد غدونا إلى السوق، فإذا أهل السوق مجتمعون على أسود قد أخذوه، و قد سرق جوالقاً من طعامنا، و قالوا: إنّ هذا قد سرق جوالقاً من طعامكم فارفعوه إلى الوالي، فكرهنا أن نتقدّم على ذلك حتّى نعرف رأي أبي

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 482، أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 1، و تقدّمت بتمامها في ص 519.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1422 ه ق

تفصيل الشريعة في

شرح تحرير الوسيلة - الحدود؛ ص: 529

(2) وسائل الشيعة: 18/ 509، أبواب حدّ السرقة ب 18 ح 3.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 510، أبواب حدّ السرقة ب 18 ح 5.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 499، أبواب حدّ السرقة ب 8 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 530

..........

______________________________

عبد اللّٰه (عليه السّلام)، فدخل المعلّى على أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و ذكر ذلك له، فأمرنا أن نرفعه فرفعناه فقطع «1» بناءً على أنّ المراد من الترك في السوق هو الترك في المحلّ الذي هو معبر العموم لا في دكّان من السوق هذا، و لكنّ الظاهر أنّ أمر الإمام (عليه السّلام) بالرفع إلى الوالي لا يستلزم كون القطع الذي هو رأيه موافقاً لرأي الإمام (عليه السّلام)؛ لاحتمال أن لا يكون موافقاً له، و العلّة في الأمر بالرفع هي التقيّة، خصوصاً بعد ما كانت القضيّة منتشرة في السوق و ظاهرة لأهله، و يمكن أن تكون العلّة هي حفظ نظام العباد؛ لاستلزام عدم الرفع الهرج و المرج و التحريك إلى السرقة حتّى ما كانت منها موجبة للقطع و بالجملة: لا دلالة لمجرّد الأمر بالرفع على كون الحكم هو القطع و لو مع علم الإمام بترتّب القطع عليه في الخارج، كما لا يخفى و منها: صحيحة الفضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إذا أخذ الرجل من النخل و الزرع قبل أن يصرم فليس عليه قطع، فإذا صرم النخل و حصد الزرع فأخذ قطع «2» بناءً على أنّ ظاهرها أنّ الفرق بين صورتي الصرم الذي هو بمعنى القطع و عدمه مجرّد كون الأخذ في الصورة الأولى قبل أن يصرم و في الصورة الثانية بعده، و

من الظاهر عدم ثبوت الحرز في تلك الأزمنة بالنسبة إلى النخل و الزرع، كما هو كذلك في زماننا هذا بالإضافة إلى الزرع و إلى بعض الأشجار خصوصاً في بعض الأمكنة هذا، و لكنّ الظاهر أنّ الفرق بين الصورتين: أنّه في الصورة الاولى لا يكون

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 531، أبواب حدّ السرقة ب 33 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 517، أبواب حدّ السرقة ب 23 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 531

..........

______________________________

المال المأخوذ في محلّ الحرز بخلاف الصورة الثانية، نظراً إلى أنّه بعد صرم النخل و حصاد الزرع يجعلان في الحرز نوعاً، تحفّظاً عليهما، غاية الأمر أنّ حرز كلّ شي ء بحسبه، كما سيأتي البحث في معنى الحرز في المقام الثاني إن شاء اللّٰه تعالى و منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يأخذ اللّص يرفعه؟ أو يتركه؟ فقال: إنّ صفوان بن أُميّة كان مضطجعاً في المسجد الحرام، فوضع رداءه و خرج يهريق الماء، فوجد رداءه قد سرق حين رجع إليه، فقال: من ذهب بردائي؟ فذهب يطلبه، فأخذ صاحبه فرفعه إلى النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله)، فقال النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله): اقطعوا يده، فقال الرجل: تقطع يده من أجل ردائي يا رسول اللّٰه؟ قال: نعم، قال: فأنا أهبه له، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): فهلّا كان هذا قبل أن ترفعه إليَّ؟ قلت: فالإمام بمنزلته إذا رفع إليه؟ قال: نعم. قال: و سألته عن العفو قبل أن ينتهي إلى الإمام؟ فقال: حسن «1» و قد رواه الصدوق مرسلًا مع الاختلاف، ثمّ قال: لا قطع على من سرق من المساجد و

المواضع التي يدخل إليها بغير إذن، مثل الحمّامات و الأرحية و الخانات، و إنّما قطعه النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) لأنّه سرق الرداء و أخفاه، فلإخفائه قطعه، و لو لم يخفه يعزّره و لم يقطعه «2» قال صاحب الوسائل بعد ذلك: أقول: الظاهر أنّ مراده أنّ صفوان كان قد أخفى الرداء و أحرزه و لم يتركه ظاهراً في المسجد و الظاهر أنّ هذا التوجيه مخالف لرواية الحلبي؛ لأنّ ظاهرها بقرينة التعرّض للاضطجاع أنّ صفوان كان قد وضع رداءه تحته و اضطجع عليه، ثمّ قام من دون أن

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 329، أبواب مقدّمات الحدود ب 17 ح 2.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 509، أبواب حدّ السرقة ب 18 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 532

..........

______________________________

يخفيه، و لو كان الإخفاء محقّقاً لكان اللازم على الإمام (عليه السّلام) بيانه خصوصاً مع دخالته في الحكم، و عدم مدخليّة بعض الخصوصيّات المذكورة و ربما يقال: بأنّه لا يبعد ثبوت الحدّ على السارق من المسجد الحرام بخصوصه الذي جعله اللّٰه مَثٰابَةً لِلنّٰاسِ وَ أَمْناً «1» و إن لم يكن في حرز، و لم يثبت إجماع على اشتراك المسجد الحرام مع غيره من المساجد، و يؤيّده بعض الروايات:

كصحيحة عبد السلام بن صالح الهروي، عن الرضا (عليه السّلام) في حديث، قال: قلت له: بأيّ شي ء يبدأ القائم منكم إذا قام؟ قال: يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم؛ لأنّهم سرّاق بيت اللّٰه تعالى «2» بناءً على أنّ قطع القائم (عليه السّلام) أيديهم ليس لأجل قيام حدّ السرقة عليهم؛ لعدم ثبوت شرائط القطع فيهم، بل لأجل أنّهم من الخائنين لبيت اللّٰه، فيكون هذا من أحكام بيت اللّٰه الحرام دون

غيره ثمّ إنّه على تقدير عدم إمكان توجيه شي ء من هذه الروايات، و ثبوت المعارضة لها مع ما يدلّ على اعتبار الحرز؛ لكان مقتضى إعمال قواعد التعارض ترجيح روايات الحرز؛ لكونها موافقة للشهرة الفتوائيّة المحقّقة، إذ لم ينقل الفتوى بالخلاف إلّا من ابن أبي عقيل، حيث حكم بلزوم قطع السارق في أيّ موضع سرق، من بيت، أو سوق، أو مسجد، أو غير ذلك «3» فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّه لا محيص عن اعتبار الحرز.

______________________________

(1) اقتباس من سورة البقرة 2: 125.

(2) وسائل الشيعة: 9/ 356، كتاب الحجّ، أبواب مقدّمات الطواف ب 22 ح 13.

(3) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/ 246 مسألة 98.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 533

..........

______________________________

المقام الثاني: في معنى الحرز، و الظاهر أنّ المشهور هو المعنى المذكور في المتن، و المحكيّ عن الشيخ (قدّس سرّه) في النهاية أنّ المراد به هو كلّ موضع ليس لغير مالكه الدخول إليه إلّا بإذنه «1» و عن بعض الكتب نسبته إلى أصحابنا «2»، بل دعوى الإجماع عليه صريحاً «3»، و عن الشيخ في المبسوط «4» و الخلاف «5» التعميم لما إذا كان المالك مراعياً له، و لا بدّ من ملاحظة الروايات فنقول: يدلّ على المعنى المشهور خبر السكوني المتقدّم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: لا يقطع إلّا من نقب بيتاً أو كسر قفلًا، بناءً على أنّه لا خصوصيّة للنقب و الكسر بل يعمّ مثلهما، كما إذا فتح القفل أو رفع على الجدار و نحوهما، و مقتضى الحصر عدم جريان القطع في غير ذلك، فإذا كان الدار لا باب لها أو غير مغلقة و لا مقفّلة فلا يجري فيه القطع و

إن كان لا يجوز الدخول إليها إلّا بإذن مالكها و يدلّ عليه خبر طلحة بن زيد المتقدّم أيضاً، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السّلام) قال: ليس على السارق قطع حتّى يخرج بالسرقة من البيت فإنّ مفاده أيضاً انحصار القطع فيما إذا كانت السرقة من مثل البيت الذي يكون بحسب المتعارف ذا باب مغلق أو مقفّل و بالجملة: فظاهر الخبرين إفادة انحصار القطع فيما إذا كان الحرز بالمعنى

______________________________

(1) النهاية: 714.

(2) كنز العرفان: 2/ 350، التبيان: 3/ 513.

(3) غنية النزوع: 430.

(4) المبسوط: 8/ 22.

(5) الخلاف: 5/ 419 مسألة 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 534

..........

______________________________

المشهور الموافق للعرف متحقّقاً و أمّا ما عن الشيخ (قدّس سرّه) في النهاية فربما يقال: بأنّه يدلّ عليه رواية أُخرى للسكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): كلّ مدخل يدخل فيه بغير إذن فسرق منه السارق فلا قطع فيه، يعني الحمّامات و الخانات و الأرحية «1» و صحيحة أبي بصير قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن قوم اصطحبوا في سفر رفقاء، فسرق بعضهم متاع بعض؟ فقال: هذا خائن لا يقطع، و لكن يتبع بسرقته و خيانته. قيل له: فإن سرق من أبيه؟ فقال: لا يقطع؛ لأنّ ابن الرجل لا يحجب عن الدخول إلى منزل أبيه، هذا خائن، و كذلك إن أخذ من منزل أخيه أو أُخته إن كان يدخل عليهم لا يحجبانه عن الدخول «2» هذا، و لكن من الواضح أنّ رواية السكوني لا دلالة لها على المفهوم، و عدم القطع في المورد المذكور فيها لا ينافي ما هو مفاد الروايتين المتقدّمتين؛ لأنّ مقتضاهما أيضاً أنّه لا قطع في

هذا المورد و بعبارة اخرى لا دلالة لهذه الرواية على أنّ العلّة لعدم القطع هو عدم الافتقار إلى الإذن، بل غايتها عدم القطع في هذا المورد، و من الممكن أن تكون العلّة هو عدم ثبوت الحرز كما هو مقتضى الروايتين، فلا منافاة بينها و بينهما و أمّا صحيحة أبي بصير، فالظاهر أنّ المراد من عدم الحجب فيها بالإضافة إلى الابن أو الأخ أحياناً ليس مجرّد الإذن في الدخول، بمعنى أنّ العلّة في عدم تحقّق

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 509، أبواب حدّ السرقة ب 18 ح 2.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 508، أبواب حدّ السرقة ب 8 1 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 535

..........

______________________________

السرقة في الابن هو كونه مأذوناً في الدخول إلى منزل الأب، بل المراد ما هو الذي يعبّر عنه العرف بعدم كون الباب مسدوداً عليه، و مرجعه إلى عدم إيجاد الحرز بالإضافة إليه، و عليه فلا تنافي ما تقدّم بوجه و أمّا التعميم لما إذا كان المالك مراعياً له و ناظراً إليه، فإن كان مستنده هو العرف فالظاهر خلافه؛ لعدم كون المراقبة و النظارة بمجرّدها موجبة لتحقّقه عند العرف، خصوصاً مع ملاحظة أنّ السرقة إن كانت في حال النظر و المراقبة فالظاهر عدم تحقّقها لاعتبار الخفاء في معناها كما تقدّم، و إن لم تكن في تلك الحال، بل في حال الغفلة و لو آناً ما فاللّازم أيضاً عدم تحقّقها؛ لعدم ثبوت المراقبة المحقّقة للحرز حينها، و المراقبة القبلية لا توجب تحقّقه مع عدمها حين السرقة، كما لا يخفى و إن كان مستنده هي قصّة صفوان بن أميّة المتقدّمة، فهي و إن كانت مرويّة بطرق عديدة، إلّا أنّ الطريق الصحيح

هو ما تقدّم ممّا رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، و في هذا الطريق لا دلالة للرواية على كون صفوان مراعياً لردائه، بل ظاهره أنّه جعله في المسجد و خرج عنه يهريق الماء، ثمّ رجع إليه فرأى أنّه قد سرق هذا، مضافاً إلى ما في الجواهر من أنّ الحرز هو الشي ء المعدّ لحفظ الشي ء في نفسه، و المراقبة و نحوها إنّما هي حراسة للشي ء لا حرز له عرفاً «1» و قد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ معنى الحرز هو المعنى العرفيّ الذي هو المشهور، و مفاد الروايات يرجع إلى ذلك.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 503.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 536

[مسألة 8: لما كان (نت ظ) الأشياء مختلفة في الحرز في تعارف الناس]

مسألة 8: لما كان (نت ظ) الأشياء مختلفة في الحرز في تعارف الناس، فلو كان موضع حرزاً لشي ء من الأشياء، فهل يكون حرزاً لكلّ شي ء فلو سقط من جيب المالك دينار في الإصطبل، و السارق كسَّر القفل و دخل لسرقة الفرس مثلًا فعثر على الدينار فسرقه كفىٰ في لزوم القطع أو لا لعدم إخراجه من حرزه؟ الأشبه و الأحوط هو الثاني. نعم، لو أخفىٰ المالك ديناره في الإصطبل فأخرجه السارق يقطع (1).

______________________________

(1) قد تقدّم أن الحرز لا بدّ و أن يلحظ بنظر العرف، خصوصاً بعد كونه بعنوانه مأخوذاً في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة في أدلّة اعتبار الحرز في قوله (عليه السّلام): «كلّ من سرق من مسلم شيئاً قد حواه و أحرزه فهو يقع عليه اسم السارق ..» بناءً على رجوع ضمير الفاعل في قوله: «قد حواه و أحرزه» إلى المسلم المسروق منه، كما هو الظاهر لا إلى السارق، فإنّه حينئذٍ يدلّ على اعتبار الحرز بعنوانه، و لا

بدّ في تشخيص معناه من الرجوع إلى العرف، كما هو الشأن في جميع العناوين المأخوذة في أدلّة الأحكام موضوعاً أو قيداً و من الواضح اختلاف الأشياء عندهم في الحرز، بمعنى أنّ كلّ شي ء له حرز خاصّ. نعم، يمكن أن لا يكون لبعض الأشياء عندهم حرز كما في مثل الماشية عند الرعي في المرعى، و أمّا ما كان له حرز عندهم فالحرز مختلف، ضرورة أنّ الإصطبل لا يكون حرزاً إلّا لمثل الفرس، فلا يكون حرزاً لمثل الفرش و نحوه، و على ما ذكرنا ففي المورد المفروض في المتن حيث لا يكون الإصطبل بمجرّده حرزاً للدينار الساقط من جيب المالك، فالظاهر عدم تحقّق السرقة الموجبة للقطع بالإضافة إليه. نعم، لو أخفى المالك ديناره في بعض مواضع الإصطبل يصير بالإخفاء فيه محرزاً، لا بمجرّد كونه في الإصطبل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 537

[مسألة 9: ما ليس بمحرز لا يقطع سارقه]

مسألة 9: ما ليس بمحرز لا يقطع سارقه، كالسرقة من الخانات و الحمّامات و البيوت التي كانت أبوابها مفتوحة على العموم أو على طائفة، و نحو المساجد و المدارس و المشاهد المشرّفة و المؤسّسات العامّة، و بالجملة كلّ موضع أُذن للعموم أو لطائفة. و هل مراعاة المالك و نحوه و مراقبته للمال حرز، فلو كانت دابّته في الصحراء و كان لها مراعياً يقطع بسرقته أو لا؟ الأقوىٰ الثاني، و هل يقطع سارق ستارة الكعبة؟ قيل: نعم، و الأقوى عدمه، و كذا سارق ما في

______________________________

و قد ذكر صاحب الرياض بعد تفسير الحرز بما ذكر: و عليه يختلف الحرز باختلاف الأموال وفاقاً للأكثر، فحرز الأثمان و الجواهر الصناديق المقفَّلة و الأغلاف الوثيقة في العمران، و حرز الثياب و ما خفّ من المتاع و

آلات النحاس الدكاكين و البيوت المقفّلة في العمران و خزائنها المقفّلة و إن كانت هي مفتوحة، و الإصطبل حرز للدوابّ مع الغلق، و حرز الماشية في المرعى عين الراعي على ما تقرّر، و مثله متاع البائع في الأسواق و الطرقات «1» و لكن قد عرفت عدم كون العين و المراعاة موجبة لتحقّق الحرز، و لم يقم دليل على ثبوت الحرز لكلّ شي ء، فما أفاده في الماشية و مثلها محلّ نظر بل منع، و ممّا ذكرنا ظهر خلاف ما حكي عن الخلاف من أنّ كلّ موضع حرز لشي ء من الأشياء فهو حرز لجميع الأشياء «2» و إن حكي عن الحلّي «3» و العلّامة في التحرير «4» اختياره.

______________________________

(1) رياض المسائل: 10/ 169.

(2) الخلاف: 5/ 419 مسألة 6.

(3) السرائر: 3/ 483.

(4) تحرير الأحكام: 2/ 229.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 538

المشاهد المشرّفة من الحرم المطهّر أو الرواق و الصحن (1).

______________________________

(1) مقتضى ما تقدّم من اعتبار الحرز في السرقة الموجبة للقطع عدم قطع السارق فيما إذا أخذ ما ليس بمحرز كالمواضع المذكورة في المتن، و يدلّ عليه أيضاً خبر السكوني المتقدّم في المسألة السابقة، الحاكي لقول أمير المؤمنين (عليه السّلام): «كلّ مدخل يدخل فيه بغير إذن فسرق منه السارق فلا قطع فيه» و قد مثّل له من قبل الإمام الصادق (عليه السّلام) أو من قبل الراوي بالحمّامات و الخانات و الأرحية، و من الواضح عدم الاختصاص بهذه الموارد، لجريانه في المساجد و المدارس و المشاهد المشرّفة و أشباهها، حتّى البيوت التي كانت أبوابها مفتوحة على العموم أو على طائفة و الظاهر أنّ المفتوحيّة على طائفة أيضاً تكفي في عدم تحقّق عنوان الحرز و لو بالإضافة

إلى من لم يكن من تلك الطائفة؛ لأنّ مجرّد المفتوحيّة يخرجه عن كونه محرزاً، و عدم جواز الدخول لغير تلك الطائفة لا يوجب تحقّق الحرز بعد ما عرفت من أنّ الحرز له معنى عرفيّ، و لا يبتنى على عدم جواز الدخول أصلًا، فإذا كان باب البيت مفتوحاً و لو غفلة لا يكون ذلك البيت محرزاً و لو لم يجز الدخول إلّا بإذنه و أمّا مراعاة المالك و نحوه فقد مرّ البحث فيها في المسألة السابقة، و أنّه لا يكون حرزاً بوجه، و لا دليل على كونه كذلك و أمّا سرقة ستارة الكعبة فالمحكيّ عن الشيخ في المبسوط «1» و الخلاف «2» كونها موجبة للقطع، بل عن ظاهر المبسوط الإجماع عليه، و استشكل فيه المحقّق في

______________________________

(1) المبسوط: 8/ 33.

(2) الخلاف: 5/ 429 مسألة 22.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 539

..........

______________________________

الشرائع «1» مستنداً إلى أنّ الناس في غشيانها شرع سواء و هذا الدليل يكفي جواباً عن الشيخ لو كان مستنده في ذلك إطلاق الأدلّة و الضوابط المتقدّمة في السرقة الموجبة للقطع، و ذلك لعدم تحقّق الحرز في ستارة الكعبة بوجه، و كون المسجد الحرام من المواضع التي يجوز الدخول فيها للعموم، و تكون أبوابها مفتوحة عليهم دائماً، فلا تكون ستارة الكعبة حينئذٍ بمحرزةٍ أصلًا و أمّا لو كان مستنده الروايات الواردة في بني شيبة الحاجبين للمسجد الحرام الدالّة على أنّ القائم (عج) إذا قام يقطع أيديهم و يطوف بهم و يقول: هؤلاء سرّاق اللّٰه «2» و في بعضها قال الإمام أبو جعفر (عليه السّلام) بعد أن قال بنو شيبة في حقّه: إنّه ضالّ مبتدع ليس يؤخذ عنه و لا علم له ..

إنّ من علمي أن لو ولِّيت شيئاً من أمر المسلمين لقطعت أيديهم، ثمّ علّقتها في أستار الكعبة، ثمّ أقمتهم على المصطبة، ثمّ أمرت منادياً ينادي ألا إنّ هؤلاء سرّاق اللّٰه فاعرفوهم «3» و قد تقدّمت صحيحة عبد السلام بن صالح الهروي، عن الرضا (عليه السّلام) في حديث، قال: قلت له: بأيّ شي ء يبدأ القائم منكم إذا قام؟ قال: يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم؛ لأنّهم سرّاق بيت اللّٰه تعالى «4» و الظاهر أنّه مع التصريح بأنّ العلّة هي السرقة، غاية الأمر الإضافة إلى بيت اللّٰه أو إلى اللّٰه لا مجال لما في الجواهر من احتمال كون القطع لفسادهم لا للسرقة «5»، و إن

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 954.

(2) بحار الأنوار: 52/ 317 ح 14 و ص 373 ح 168.

(3) وسائل الشيعة: 9/ 353، كتاب الحجّ، أبواب مقدّمات الطواف ب 22 ح 6.

(4) وسائل الشيعة: 9/ 586، كتاب الحجّ، أبواب مقدّمات الطواف ب 22 ح 13.

(5) جواهر الكلام: 41/ 504.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 540

[مسألة 10: لو سرق من جيب إنسان]

مسألة 10: لو سرق من جيب إنسان، فإن كان المسروق محرزاً كأن كان في الجيب الذي تحت الثوب، أو كان على درب جيبه آلة كالآلات الحديثة تحرزه فالظاهر ثبوت القطع، و إن كان في جيبه المفتوح فوق ثيابه لا يقطع،

______________________________

كان ربّما يؤيّده ملاحظة المورد في بعضها، و هو إقدامهم على أخذ ما أوصي به للكعبة من ألف درهم أو جارية كانت لرجل أو غيرهما، و إنكار الإمام (عليه السّلام) ذلك و منعه عن التسليم إلى بني شيبة الحاجبين لبيت اللّٰه الحرام، فإنّه لا يتحقّق عنوان السرقة في مثل ذلك و إن لم يجز الأخذ بوجه و كيف

كان، لو لم نقل بثبوت الخصوصيّة للمسجد الحرام، و قلنا بعدم الفرق بينه و بين سائر المواضع من هذه الجهة، كما ربّما يؤيّده التعليل بأنّهم سرّاق بيت اللّٰه تعالى؛ لظهوره في عدم كونه أمراً تعبديّاً خاصّاً بالمسجد، فالظاهر أنّه لا مجال للقطع بعد عدم ثبوت الحرز فيه بوجه، خصوصاً للحاجبين و المتصدّين لأمور المسجد.

و إن قلنا بثبوت الخصوصيّة كما نقلناه عن بعض، و يؤيّده قصّة صفوان المتقدّمة المحكيّة بطريق صحيح، عن الصادق (عليه السّلام)، الظاهرة في ثبوت القطع على من سرق الرداء منه، و إن لم يكن في حرز حتّى مثل المراقبة و النظر، فاللّازم الالتزام بثبوت القطع في مثل ستارة الكعبة إذا سرقت و بعد ذلك كلّه فالمسألة مشكلة جدّاً؛ لأنّه لا مساغ للإعراض عن هذه الروايات بعد وجود الروايات الصحيحة في ضمنها من جهة، و لا مجال لتوجيه التعليل الواقع فيها صريحاً أو ظاهراً من جهة أُخرى ثمّ إنّ الحكم في المشاهد المشرّفة إنّما هو على طبق القاعدة، و هي تقتضي عدم ثبوت القطع مع الأخذ من مواضع عدم الحرز. نعم، لو كان هناك حرز و لو بالإضافة إلى بعض الأشياء لكان اللازم القطع فيه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 541

و لو كان الجيب في بطن ثوبه الأعلى فالظاهر القطع، فالميزان صدق الحرز (1).

______________________________

(1) قد وقع عنوان هذه المسألة في كلام المشهور، منهم المحقّق في الشرائع بأنّه لا يقطع من سرق من جيب إنسان أو كمّه الظاهرين، و يقطع لو كانا باطنين «1»، و عن الشيخ «2» و ابن زهرة دعوى الإجماع عليه «3» و قال الشهيد في الروضة: و المراد بالجيب الظاهر ما كان في ظاهر الثوب الأعلى،

و الباطن ما كان في باطنه أو في ثوب داخل مطلقاً «4» أقول: مقتضى القاعدة ما ذكر من تخصيص الجيب الظاهر بما كان في ظاهر الثوب الأعلى، غاية الأمر لزوم تقييده بما إذا كان مفتوحاً، و أمّا إذا لم يكن كذلك كما في زماننا هذا، حيث يحرز الجيب الظاهر أحياناً بالآلات الحديثة، فالظاهر ثبوت القطع فيه و عدم التقييد لأجل عدم وجودها في زمانه و بالجملة: العرف يحكم بثبوت الاختلاف في الجيب من جهة الظهور و غيره، و من جهة المفتوحيّة و غيرها، و مقتضاه التفصيل المذكور في المتن، لكن ورد في المسألة روايات لا بدّ من ملاحظتها، فنقول:

طائفة منها تدلّ على عدم القطع مطلقاً في المقام الذي عبّر عنه في الروايات بالطرّار، الذي هو من يقطع الجيب و نحوه لأخذ ما فيه من الدينار و الدرهم و غيرهما، كرواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: ليس على

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 954.

(2) النهاية: 718، المبسوط: 8/ 45، الخلاف: 5/ 451 مسألة 51.

(3) غنية النزوع: 434.

(4) الروضة البهيّة: 9/ 246.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 542

..........

______________________________

الذي يستلب قطع، و ليس على الذي يطرُّ الدراهم من ثوب الرجل قطع «1» و صحيحة عيسى بن صبيح قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الطرّار و النبّاش و المختلس؟ قال: لا يقطع «2» و بعضها يدلّ على القطع مطلقاً، و هي صحيحة منصور بن حازم قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: يقطع النبّاش و الطرّار، و لا يقطع المختلس «3» و بعضها يدلّ على التفصيل، و هي رواية السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه

السّلام) قال: أُتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) بطرّار قد طرّ دراهم من كمّ رجل، قال: إن كان طرّ من قميصه الأعلى لم أقطعه، و إن كان طرّ من قميصه السافل (الداخل خ ل) قطعته. و رواية مسمع أبي سيّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) مثلها «4» و رواية مسمع أبي سيّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) أُتي بطرّار قد طرّ من رجل من ردنه دراهم، قال: إن كان طرّ من قميصه الأعلى لم أقطعه و إن كان طرّ من قميصه الأسفل قطعناه «5» و مقتضى القاعدة جعل ما يدلّ على التفصيل شاهداً للجمع بين الطائفتين، إنّما الكلام في مفاد دليل التفصيل، فنقول: ظاهره بلحاظ كون الأعلى و السافل الواردين فيها وصفين للقميص أنّ السرقة إن كانت من القميص الواقع في أعلى البدن و فوق الثياب لا توجب القطع، بخلاف ما لو كانت من القميص الواقع في الداخل و تحت القميص الأعلى فتوجب القطع، و لكن هذا المعنى مع أنّه لم يقل به المشهور؛ لأنّ مقتضاه أنّ السرقة من القميص الأعلى لا توجب القطع و لو كانت

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 504 505، أبواب حدّ السرقة ب 13 ح 1 4.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 504 505، أبواب حدّ السرقة ب 13 ح 1- 4.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 504 505، أبواب حدّ السرقة ب 13 ح 1- 4.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 504 505، أبواب حدّ السرقة ب 13 ح 1- 4.

(5) الكافي: 7/ 226 ح 8، التهذيب: 10/ 115 ح 456، الإستبصار: 4/ 244 ح 923.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 543

[مسألة 11: لا إشكال في ثبوت القطع في أثمار الأشجار بعد قطفها و حرزها]

مسألة 11: لا إشكال

في ثبوت القطع في أثمار الأشجار بعد قطفها و حرزها، و لا في عدم القطع إذا كانت على الأشجار إن لم تكن الأشجار محرزة، و أمّا إذا كانت محرزة كأن كانت في بستان مقفل، فهل يقطع بسرقة ثمرتها أو لا؟ الأحوط بل الأقوىٰ عدم القطع (1).

______________________________

من الجيب الداخل الذي يعبّر عنه بالجيب الباطن يستلزم فرض وجود قميصين، مع أنّ المتعارف خصوصاً في زمان صدور الرواية لم يكن كذلك، و عليه فيحتمل ما في الجواهر من أنّ معنى الخبرين: إن طرّ الأعلى من قميصه فلا قطع، و إن طرّ الأسفل من قميصه قطع على جعل «من الأعلى و الأسفل» مفعولين لطرّ «1» و كيف كان، فلو كان مفاد دليل التفصيل هو المعنى الأخير فهو ينطبق على ما ذكرنا من المعنى العرفي للحرز، و إلّا فيتحقّق الإشكال من جهة ضعف السند، و عدم تحقّق الانجبار لعدم موافقته للشهرة، كما مرّ

(1) ثبوت القطع في الفرض الأوّل ظاهر، كعدم ثبوته في الفرض الثاني، إنّما الإشكال في الفرض الثالث، مقتضى الروايات المتكثّرة العدم منها: رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قضى النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) فيمن سرق الثمار في كمّه، فما أكلوا منه فلا شي ء عليه، و ما حمل فيعزّر و يغرم قيمته مرّتين «2» و منها: رواية أُخرى للسكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): لا قطع في ثمر و لا كثر، و الكثر: شحم النخل «3» و منها: رواية الأصبغ، عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال: لا يقطع من سرق شيئاً من

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 506.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 516، أبواب حدّ

السرقة ب 23 ح 2 و 3.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 516، أبواب حدّ السرقة ب 23 ح 2 و 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 544

..........

______________________________

الفاكهة، و إذا مرّ بها فليأكل و لا يفسد «1» و منها: صحيحة الفضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال إذا أخذ الرجل من النخل و الزرع قبل أن يصرم فليس عليه قطع، فإذا صرم النخل و حصد الزرع فأخذ قطع «2» و منها: غير ذلك من الروايات الدالّة عليه لكن في مقابلها رواية إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل سرق من بستان عذقاً قيمته درهمان، قال: يقطع به «3» بناءً على كون الدرهمين ربع دينار، و على كون العذق واقعاً في حرز كما هو الظاهر و الظاهر أنّ هذه الرواية لا ترتبط بالمقام؛ لأنّ موردها سرقة العذق الذي هي النخلة بحملها، و البحث إنّما هو في سرقة الثمرة على الشجرة دون الشجرة، و لا ملازمة بين الأمرين، و من المحتمل ثبوت الخصوصيّة للثمرة عليها، و أمّا الشجرة فهي كسائر الأشياء مشمولة لضابطة اعتبار الحرز، فالرواية غير مرتبطة بما نحن فيه و أمّا سائر الروايات، فإنّه و إن كان فيها ما ظاهره عدم ثبوت الحرز، كرواية الأصبغ بقرينة ذيلها، الظاهر في كون المرور بالفاكهة إنّما هو بنحو عاديّ، و بدون أن يكون لها حرز، إلّا أنّ كثيراً منها مطلقة ظاهرة في ثبوت الخصوصيّة للثمرة على الشجرة و إن كانت محرزة، و دعوى انصرافها إلى ما هو الغالب من عدم الحرز

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 517، أبواب حدّ السرقة ب 23 ح 5.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 517، أبواب حدّ

السرقة ب 23 ح 4.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 517، أبواب حدّ السرقة ب 23 ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 545

[مسألة 12: لا قطع على السارق في عام مجاعة إذا كان المسروق مأكولًا]

مسألة 12: لا قطع على السارق في عام مجاعة إذا كان المسروق مأكولًا و لو بالقوّة كالحبوب، و كان السارق مضطرّاً إليه، و في غير المأكول و في المأكول في غير مورد الاضطرار محلّ إشكال، و الأحوط عدم القطع، بل في المحتاج إذا سرق غير المأكول لا يخلو من قوّة (1).

______________________________

ممنوعة كبرى، بل و صغرىً أيضاً؛ لعدم كون مثل هذه الغلبة على تقديرها موجباً للانصراف بوجه، كما أنّ دعوى ضعف إسناد جميع الروايات المتقدّمة كما في الجواهر «1» ممنوعة؛ لوجود مثل رواية فضيل الصحيحة على ما عرفت، مع أنّه على تقدير الضعف تكون الشهرة الجابرة محقّقة، و مخالفة جمع كالعلّامة «2» و ولده «3» و الشهيد الثاني «4» لا يقدح في تحقّق الشهرة، فالإنصاف أنّ الأقوى كما هو الأحوط عدم القطع

(1) في الجواهر عقيب قول المحقّق: و لا على من سرق مأكولًا في عام مجاعة «5»: بلا خلاف أجده، كما عن بعضهم الاعتراف به «6»، بل عن الغنية «7» و السرائر «8» نسبته إلى روايات الأصحاب، و هو كذلك «9».

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 507.

(2) قواعد الأحكام: 2/ 268.

(3) إيضاح الفوائد: 4/ 531.

(4) مسالك الأفهام: 14/ 500، الروضة البهيّة: 9/ 250.

(5) شرائع الإسلام: 4/ 954.

(6) رياض المسائل: 10/ 174.

(7) غنية النزوع: 434.

(8) السرائر: 3/ 495.

(9) جواهر الكلام: 41/ 507.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 546

..........

______________________________

و الروايات عبارة عن مرسلة زياد القندي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: لا يقطع السارق في سنة المحلّ (المحقّ

خ ل) في شي ء ممّا يؤكل، مثل الخبز و اللحم و أشباه ذلك «1» و رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال: لا يقطع السارق في عام سنة، يعني: عام مجاعة «2» و مرسلة عاصم بن حميد، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، قال: كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) لا يقطع السارق في أيّام المجاعة «3» و ما رواه الصدوق بإسناده عن السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليهما السّلام)، قال: لا يقطع السارق في عام سنة مجدبة. يعني: في المأكول دون غيره «4» و يحتمل قويّاً أن يكون التفسير من الصدوق أقول: أمّا أصل المسألة بنحو الإجمال فلا حاجة في إثباته إلى هذه الروايات بعد ما عرفت من أنّ من جملة الأمور المعتبرة في السارق أن لا يكون مضطرّاً إلى السرقة، و عليه فالتقييد بالمأكول في عام المجاعة إنّما هو لأجل أنّ الاضطرار في تلك العام إنّما يتحقّق بالإضافة إلى المأكول دون غيره و بعد ذلك يقع البحث في أمرين:

أحدهما: أنّ مورد الروايات المتقدّمة الدالّة على عدم القطع في مجاعة، هل هو خصوص صورة الاضطرار؟ أو يعمّ صورة العدم أيضاً؟ ربّما يقال: بالانصراف إلى

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 520، أبواب حدّ السرقة ب 25 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 520، أبواب حدّ السرقة ب 25 ح 2.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 520، أبواب حدّ السرقة ب 25 ح 3.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 521، أبواب حدّ السرقة ب 25 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 547

..........

______________________________

خصوص الصورة الأولى، و عليه فلا دلالة للروايات على أزيد ممّا يدلّ عليه حديث الرفع بالإضافة إلى فقرة «ما اضطرّوا إليه»، و

هذا هو الذي يظهر من المبسوط، حيث قال على ما حكي: إن سرق في عام المجاعة و القحط، فإن كان الطعام موجوداً و القوت مقدوراً عليه و لكن بالأثمان الغالية فعليه القطع، و إن كان القوت متعذّراً لا يقدر عليه فسرق سارق فأخذ الطعام فلا قطع عليه «1» و لكنّه قال في محكيّ الخلاف: روى أصحابنا أنّ السارق إذا سرق في عام المجاعة لا قطع عليه و لم يفصّلوا. و قال الشافعي: إذا كان الطعام موجوداً مقدوراً عليه و لكن بالثمن الغالي فعليه القطع، و إن كان القوت متعذّراً لا يقدر عليه فسرق سارق طعاماً فلا قطع عليه «2» دليلنا ما رواه أصحابنا عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) لا قطع في عام مجاعة «3» و الظاهر الشمول لصورة العدم أيضاً، و أنّ خصوصيّة عام المجاعة إنّما هي كونه مظنّة الاضطرار المسوغ، و مقتضى إطلاق الفتاوى أيضاً ذلك ثانيهما: أنّ مورد الروايات هل يختصّ بالمأكول بالفعل، أو يعمّ المأكول بالقوّة؟ أو يعمّ غير المأكول أيضاً، منشأ توهّم الاختصاص بالمأكول رواية زياد القندي المتقدّمة، و رواية السكوني على نقل الصدوق المتقدّمة أيضاً، و لكنّك عرفت أنّ التفسير في رواية الصدوق يحتمل قويّاً أن يكون منه من دون أن يكون مرتبطاً بالرواية، و أمّا رواية زياد فلا دلالة لها على الاختصاص بالمأكول؛ لعدم ثبوت المفهوم لها حتّى يقيّد بسببه إطلاق باقي الروايات، و إن حكي التقييد

______________________________

(1) المبسوط: 8/ 33 34.

(2) المجموع: 21/ 416، المغني لابن قدامة: 10/ 289، الشرح الكبير: 10/ 285.

(3) الخلاف: 5/ 432 مسألة 27.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 548

[مسألة 13: لو سرق حرّا، كبيراً أو صغيراً، ذكراً أو أنثىٰ، لم يقطع حدّا]

مسألة 13: لو سرق حرّا، كبيراً أو صغيراً، ذكراً أو

أنثىٰ، لم يقطع حدّا، و هل يقطع دفعاً للفساد؟ قيل: نعم، و به رواية، و الأحوط ترك القطع و تعزيره بما يراه الحاكم (1).

______________________________

عن المسالك «1» ثمّ على تقدير الاختصاص بالمأكول فالظاهر الشمول للمأكول بالقوّة؛ لاشتمال رواية زياد على التمثيل باللحم، و مقتضى إطلاقه أنّه لا فرق بين المطبوخ منه و بين غيره الذي هو المأكول بالقوّة، كما لا يخفى ثمّ إنّ المراد من المحتاج المذكور في ذيل المسألة إن كان هو المضطرّ فلا خفاء في عدم ثبوت القطع فيه، و عليه فالتعبير بقوله: لا يخلو من قوّة الظاهر في الترديد في الحكم و ثبوت مرتبة من القوّة فيه ممّا لا يناسب و إن كان المراد غير المضطرّ، بل من كان له حاجة غير بالغة حدّ الاضطرار، فمقتضى قاعدة الترقّي الذي تفيده كلمة «بل» تعميم الحكم لما إذا كان المحتاج قد سرق المأكول الذي هو مورد الرواية لا التعميم لغير المأكول، خصوصاً بعد جعل الاضطرار في غير المأكول محلّ إشكال، فتدبّر

(1) أمّا عدم القطع حدّا؛ فلعدم كونه مالًا يبلغ النصاب، و من الظاهر اعتبار ماليّة المسروق في معنى السرقة لغةً و عرفاً، و إن حكي عن الشيخ في المبسوط الاستدلال للمقام بآية السرقة «2»، و لكنّه صرّح في الخلاف بأنّه «لا قطع عليه؛ للإجماع على أنّه لا قطع إلّا فيما قيمته ربع دينار فصاعداً، و الحرّ لا قيمة له، و قال

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 14/ 501.

(2) المبسوط: 8/ 31.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 549

..........

______________________________

مالك: عليه القطع «1» و قد روى ذلك أصحابنا» «2» كما أنّه ربّما يقال: بأنّ الوجه في القطع في سرقة المال إنّما هو حراسته، و حراسة

النفس أولى، و من الواضح بطلانه و أنّه لا يوافق مذهبنا كما في الجواهر «3» و أمّا القطع دفعاً للفساد فقد حكي عن الشيخ (قدّس سرّه) في النهاية «4» و جماعة «5»، بل في محكيّ التنقيح أنّه المشهور «6»، و لكنّ المفروض في كلماتهم ما إذا سرق الحرّ فباعه، و المستند في ذلك روايات متعدّدة ظاهرة في ذلك، مثل:

رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) أتى برجل قد باع حرّا فقطع يده «7» و رواية عبد اللّٰه بن طلحة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يبيع الرجل و هما حرّان يبيع هذا هذا، و هذا هذا، و يفرّان من بلد إلى بلد فيبيعان أنفسهما، و يفرّان بأموال الناس، قال: تقطع أيديهما؛ لأنّهما سارقا أنفسهما و أموال الناس (المسلمين خ ل) «8».

______________________________

(1) المغني لابن قدامة: 10/ 245، المدوّنة الكبرى: 6/ 281، بداية المجتهد: 2/ 446، المحلّىٰ بالآثار: 12/ 325.

(2) الخلاف: 5/ 428 مسألة 19.

(3) جواهر الكلام: 41/ 511.

(4) النهاية: 772.

(5) إصباح الشيعة: 525، فقه القرآن للراوندي: 2/ 388.

(6) التنقيح الرائع: 4/ 380.

(7) وسائل الشيعة: 18/ 514، أبواب حدّ السرقة ب 20 ح 2.

(8) وسائل الشيعة: 18/ 515، أبواب حدّ السرقة ب 20 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 550

..........

______________________________

و رواية معاوية بن طريف بن سنان الثوري على نقل الكليني «1» و طريف بن سنان على نقل الصدوق «2»، قال: سألت جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) عن رجل سرق حرّة فباعها، قال: فقال: فيها أربعة حدود: أمّا أوّلها فسارق تقطع يده، و الثانية إن كان وطأها جلد الحدّ، و على الذي اشترى إن

كان وطأها إن كان محصناً رجم، و إن كان غير محصن جلد الحدّ، و إن كان لم يعلم فلا شي ء عليه، و عليها هي إن كان استكرهها فلا شي ء عليها، و إن كانت أطاعته جلد الحدّ «3» و لا يخفى أنّ صاحب الوسائل حكى في الباب الثامن و العشرين من أبواب حدّ الزنا روايتين عن الشيخ، إحداهما عن طريف بن سنان، و الأُخرى عن سنان بن طريف، مشتملتين على مثل هذه الرواية الأخيرة، و الظاهر اتّحاد الروايات الثلاثة و عدم كونها متعدّدة، غاية الأمر وقوع الاشتباه في الراوي كما لا يخفى و كيف كان، البحث في هذه الروايات يقع من جهات:

الأولىٰ: في أنّه هل بملاحظتها يثبت حكم القطع أو لا يثبت؟ ربّما يقال: بأنّ الروايات المذكورة ضعيفة و لم تثبت شهرة جابرة لضعفها؛ لأنّ أصل الشهرة هو فتوى الشيخ في النهاية، و قد عدل عنها في كتاب الخلاف، الذي ألّف بعد النهاية التي هي أوّل مصنّفاته، و قد مرّت عبارة الخلاف في أوّل المسألة و يمكن الجواب عنه مضافاً إلى أنّ مجرّد عدول الشيخ لا يقدح في ثبوت الشهرة و تحقّقها أنّ عبارة الخلاف لا يستفاد منها نفي القطع مطلقاً، بل غاية مفادها عدم ثبوت القطع من جهة السرقة التي يعتبر فيها الماليّة بمقدار النصاب،

______________________________

(1) كذا في الوسائل، و لكن في الكافي: 7/ 229 ح 1، عن معاوية بن طريف، عن سفيان الثوري.

(2) من لا يحضره الفقيه: 4/ 69 ح 5126.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 514، أبواب حدّ السرقة ب 20 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 551

..........

______________________________

و قوله في الذيل: «و قد روى ذلك أصحابنا» و إن كان يستفاد منه

أنّ الشيخ حمل الروايات على القطع بعنوان السرقة؛ لكنّه لا يمنع عن استفادة القطع و لو بعنوان آخر، و الكلام إنّما هو في أصل ثبوت القطع لا في جهته الثانية: أنّه هل القطع على تقدير ثبوته إنّما هو لأجل السرقة أو لجهة أُخرى غيرها كالفساد؟ ربّما يقال: بأنّ ظاهر الروايات بلحاظ التعبير بالسرقة في أكثرها خصوصاً التعليل بها كما في رواية عبد اللّٰه بن طلحة هو كون القطع لأجل السرقة، و عليه فاللازم الحكم بثبوت السرقة تعبّداً؛ لوضوح اعتبار الماليّة في معنى السرقة و لكنّ الظاهر خلاف ذلك، نظراً إلى أنّ التعليل بالسرقة لا يلائم مع الحكم بثبوتها تعبّداً؛ لأنّ ظاهر التعليل هو كون العلّة أمراً مقبولًا عند المخاطب، بحيث لو توجّه إليه لكان الحكم ثابتاً عنده، و هذا لا يناسب مع التعبّد بوجه و يدلّ على ما ذكرنا من عدم كون القطع لأجل السرقة أنّ ظاهر الروايات أنّ القطع المذكور فيها إنّما هو لأجل البيع الواقع عقيب السرقة لا نفسها، و من الظاهر أنّه لو كانت السرقة بعنوانها موجبة للقطع هنا لكان اللازم تحقّق القطع بمجرّدها من دون توقّف على البيع، و يؤيّده أنّه لم يقع التعرّض للسرقة في رواية السكوني لمسألة السرقة أصلًا، بل المفروض فيها مجرّد بيع الحرّ، كما أنّ الرواية الأخيرة أيضاً لا تعرّض فيها لهذه المسألة، بل ظاهرها تباني الرجلين على أن يبيعا أنفسهما ثمّ يفرّا فالإنصاف أنّه و إن وقع التعبير بالسرقة في أكثر الروايات، إلّا أنّ القطع المذكور فيها لا يكون مستنداً إلى السرقة، بل الظاهر أنّ الوجه فيه هو الفساد و المفسديّة و يمكن أن يقال، بل لعلّه الظاهر: إنّ نفس عنوان بيع الحرّ يترتّب عليه الحكم

بقطع اليد في الشريعة في رديف السرقة، من دون أن يكون من مصاديق الفساد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 552

..........

______________________________

الذي رتّب عليه في الآية الشريفة «1» أحكام أربعة على سبيل التخيير، و منها قطع الأيدي و الأرجل من خلاف، و عليه فلا مجال للمناقشة في المقام بأنّه لو كان من مصاديق الفساد لكان اللازم ترتّب جميع تلك الأحكام، لا خصوص قطع الأيدي من دون إضافة الأرجل أيضاً، مع أنّه على تقدير كونه من مصاديقه لا مانع من ثبوت خصوصيّة للمقام مقتضية لثبوت قطع الأيدي فقط و ممّا ذكرنا ظهر أنّ حكم القطع ينحصر بما إذا تحقّق البيع، و أمّا إذا كان هناك مجرّد السرقة من دون البيع، فالظاهر خروجه عن مورد الروايات، و مقتضى القاعدة فيه ثبوت التعزير فقط، و إن حكي عن ظاهر المبسوط «2» و السرائر «3» خلافه الثالثة: الظاهر أنّه لا فرق في الحكم المذكور بين الذكر و الأنثى؛ لورود كليهما في الروايات المتقدّمة، كما أنّ الظاهر أنّه لا فرق بين الصغير و الكبير؛ لثبوت الإطلاق في بعضها و ورود بعضها في الكبير، فما حكي عن الشيخ من تقييد ذلك بالصغير «4» بل في المسالك «5» تبعه على ذلك الأكثر «6» معلّلين له بأنّ الكبير غالباً متحفّظ على نفسه لا يمكن بيعه، يرد عليه: أنّه لا مجال لذلك مع صراحة بعض الروايات و وروده في الكبير، خصوصاً مع ملاحظة بعضها الوارد في مورد ثبوت التباني و التوافق على البيع كما في رواية ابن طلحة، مع أنّ عدم إمكان البيع في

______________________________

(1) سورة المائدة 5: 33.

(2) المبسوط: 8/ 31.

(3) السرائر: 3/ 499.

(4) الخلاف: 5/ 426 مسألة 19، المبسوط:

8/ 31.

(5) مسالك الأفهام: 14/ 502.

(6) السرائر: 3/ 499، قواعد الأحكام: 2/ 265، المؤتلف من المختلف: 2/ 408 مسألة 19.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 553

[مسألة 14: لو أعار بيتاً مثلًا فهتك المعير حرزه فسرق منه مالًا للمستعير قطع]

مسألة 14: لو أعار بيتاً مثلًا فهتك المعير حرزه فسرق منه مالًا للمستعير قطع، و لو آجر بيتاً مثلًا و سرق منه مالًا للمستأجر قطع، و لو كان الحرز مغصوباً لم يقطع بسرقة مالكه، و لو كان ماله في حرز فهتكه و أخرج ماله لم يقطع، و إن كان ماله مخلوطاً بمال الغاصب فأخذ بمقدار ماله أو أزيد بما دون النصاب (1).

______________________________

الكبير لا يكون على نحو العموم، فيمكن فرض ثبوت الكبر و عدم التحفّظ على نفسه، كما لا يخفى

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: ما لو أعار بيتاً مثلًا، فهتك المعير حرزه فسرق من مال المستعير، و مقتضى القاعدة فيه ثبوت القطع، و ربّما يتوهّم أنّ جواز العارية و ثبوت حقّ الرجوع فيها للمالك متى أراد يقتضي عدم ثبوت الحرز بالإضافة إليه، فلا يتحقّق هتك الحرز، و لكنّه مندفع بأنّ المفروض صورة كون الهتك لا بقصد الرجوع في العارية المقتضي لعدم جواز انتفاع المستعير به بعده، بل بقصد السرقة فقط، مع أنّ عليه حينئذٍ أن يمهل المستعير بقدر نقل أمتعته كما في الجواهر «1» و بالجملة: مجرّد الجواز و ثبوت حقّ الرجوع لا يجوز هتك الحرز بقصد السرقة كما هو ظاهر الثاني: هذا الفرض بعينه، غاية الأمر ثبوت الإجارة مكان العارية، و الحكم في هذا الفرض أوضح، للزوم الإجارة و إن حكي عن بعض أهل الخلاف خلافه «2».

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 512.

(2) و هو أبو يوسف و الشيباني، راجع المبسوط: 9/ 179 180، بدائع الصنائع:

6/ 21، المغني لابن قدامة: 10/ 256.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 554

..........

______________________________

الثالث: ما لو كان الحرز مغصوباً، كما إذا غصبت الدار فسكن فيها الغاصب، فتارة يتحقّق هتك الحرز من المالك فيدخل فيها و يسرق من أموال الغاصب بمقدار النصاب، و أُخرى من الشخص الثالث أمّا الأوّل: فالظاهر عدم ثبوت القطع فيه؛ لأنّه و إن تحقّقت السرقة من أموال الغاصب، إلّا أنّه لم يكن هتك الحرز للمالك غير مشروع؛ لأنّ المفروض أنّ الدار ملكه و له التصرّف فيها كيف شاء، و لم يكن في البين مثل الإعارة و الإجارة، بل كان استيلاء الغاصب عليها عدواناً و غير مشروع، فلا معنى لتحقّق الحرز بالإضافة إلى المالك و أمّا الثاني: فالمتن يشعر بثبوت القطع فيه، لكن حكي عن المبسوط «1» و القواعد «2» و المسالك «3» أنّ الدار المغصوبة ليست حرزاً عن غير المالك، نظراً إلى أنّ التصرّفات الصادرة من الغاصب الموجبة لتحقّق الحرز كسدّ الباب و قفله و مثلهما كلّها غير مشروعة، فكأنّه لم يتحقّق الحرز أصلًا و لكنّ الظاهر أنّ الحرز معنى عرفيّ، و مجرّد عدم مشروعيّة تصرّفات الغاصب لا يوجب عدم تحقّقه، و عدم ثبوته بالإضافة إلى المالك ليس لأجل عدم مشروعيّة تلك التصرّفات، بل لأجل جواز الهتك للمالك، فمقتضى القاعدة ثبوت القطع الرابع: ما لو كان ماله في حرز فهتكه و أخرج ماله المعيّن فقط، فلا يكون حينئذٍ قطع قطعاً؛ لعدم تحقّق معنى السرقة الذي هو أخذ مال الغير، و هذا من دون فرق فيه بين أن يكون الهتك مشروعاً له و مرخّصاً فيه، كما إذا كان طريق الوصول إلى

______________________________

(1) المبسوط: 8/ 33.

(2) قواعد الأحكام: 2/ 270.

(3) مسالك

الأفهام: 14/ 504.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 555

[مسألة 15: لو كان المسروق وقفاً يقطع لو قلنا بأنّه ملك للواقف]

مسألة 15: لو كان المسروق وقفاً يقطع لو قلنا بأنّه ملك للواقف، كما في بعض الصور، أو للموقوف عليه، و لو قلنا: إنّه فكّ ملك لدرّ المنفعة على الموقوف عليه لم يقطع، و لو سرق ما يكون مصرفه أشخاصاً كالزكاة بناءً على عدم الملك لأحد لم يقطع، و لو سرق مالًا يكون للإمام (عليه السّلام) كنصف الخمس بناءً

______________________________

ماله منحصراً بالهتك، و بين أن لا يكون كذلك، كما في غير هذه الصورة؛ لأنّ منشأ عدم القطع ليس يرجع إلى الهتك بوجه، بل إلى عدم كون المسروق مال الغير كما هو المفروض و لو كان ماله في هذا الفرض مختلطاً بمال الغاصب بحيث لا يتميّز، سواء كان الاختلاط ثابتاً من الأوّل أو متحقّقاً بيد الغاصب و فعله، فإن أخذ مقدار ماله أو أزيد بما لا يبلغ النصاب فالظاهر عدم تحقّق القطع أيضاً؛ لما عرفت من دلالة روايات سرقة الغنيمة على ذلك، و إن كان مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن تلك الروايات ثبوت القطع لو كان سهم الشريك في المال المشترك المأخوذ بقدر النصاب، و إن لم يكن مجموع المالين زائداً على سهم الآخذ في مجموع المال المشترك.

و لو سرق في هذا الفرض من مال الغاصب بما يبلغ النصاب، سواء أخذ مال نفسه أيضاً، أم لم يأخذ، فعن إطلاق المبسوط ثبوت القطع «1»، و لكنّ الظاهر هو التفصيل بين ما لو كان الهتك بقصد إخراج مال نفسه و كان الطريق منحصراً به، ثمّ بدا له بعد الدخول أن يخرج مال الغاصب فقط، أو مع مال نفسه، فالظاهر عدم ثبوت القطع؛ لأنّ المفروض مشروعيّة الهتك

في هذه الصورة، و معها لا يترتّب القطع، و بين غير هذه الصورة الذي لا يكون الهتك فيه مشروعاً، فإنّ

______________________________

(1) المبسوط: 8/ 32.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 556

على كونه ملكاً له (عليه السّلام)، فهل يقطع بمطالبة الفقيه الجامع للشرائط أو لا؟ فيه تردّد، و بناءً على عدم الملك و كونه (عليه السّلام) وليّ الأمر لا يقطع على الأحوط (1).

______________________________

مقتضى القاعدة ثبوت القطع؛ لاجتماع عدم مشروعيّة الهتك و إخراج مال الغير بمقدار النصاب، كما لا يخفى

(1) أمّا في الوقف، ففيما إذا كان ملكاً إمّا للواقف كما في الحبس على ما تقدّم في كتاب الوقف، أو للموقوف عليه، كما في الوقف الخاصّ أو العامّ على العناوين العامّة، كالفقراء و العلماء و نحوهما احتمالًا يتحقّق السرقة الموجبة لقطع اليد؛ لتعلّقها بالمال المضاف إلى الغير بالإضافة الملكيّة و أمّا إذا لم يكن ملكاً لأحد، بل كان فكّ ملك لدرّ المنفعة كما في الوقف على الجهات العامّة، كالمساجد و المشاهد قطعاً و في غيره احتمالًا، لا مجال للقطع؛ لعدم سرقة مال الغير و منه يظهر أنّه لو قلنا في مثل الزكاة بثبوت المالك لها و لو على نحو الإشاعة يترتّب على سرقتها القطع، و لو قلنا: بأنّ الأصناف الثمانية المذكورين في مثل الآية «1» إنّما هم مصارف للزكاة من دون أن تكون ملكاً أصلًا، فلا مجال حينئذٍ للقطع أيضاً و أمّا سهم الإمام (عليه السّلام)، فعلى القول بكونه ملكاً له (عليه السّلام) يرتفع إشكال القطع من هذه الجهة، لكن حيث يكون تحقّقه إنّما هو بعد مطالبة المسروق منه، و المفروض غيبته (عليه السّلام) في زماننا و عدم إمكان الوصول إليه عادةً، فهل الفقيه

الجامع لشرائط الفتوى يقوم مقامه في هذه الجهة أم لا؟ فيه تردّد ينشأ من الجهل بشمول دائرة النيابة العامّة لمثل ذلك، فإنّه و إن جاز للفقيه في عصر الغيبة بناءً على ذلك

______________________________

(1) سورة التوبة 9: 60.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 557

[مسألة 16: باب الحرز و كذا ما بني على الباب و الجدار من الخارج ليس محرزاً]

مسألة 16: باب الحرز و كذا ما بني على الباب و الجدار من الخارج ليس محرزاً، فلا قطع بها. نعم، الظاهر كون الباب الداخل وراء باب الحرز محرزاً بباب الحرز، فيقطع به، و كذا ما على الجدار داخلًا، فإذا كسر الباب و دخل الحرز و أخرج شيئاً من أجزاء الجدار الداخل يقطع (1).

______________________________

أخذه و صرفه فيما يكون مرضيّاً له (عليه السّلام) قطعاً، إلّا أنّه لم يعلم قيامه مقامه في جواز المطالبة ليتحقّق بعدها القطع، فتدبّر و أمّا على القول بعدم كونه ملكاً له (عليه السّلام)، بل الاستيلاء عليه إنّما هو من جهة كونه (عليه السّلام) وليّ الأمر، فمقتضى القاعدة حينئذٍ عدم القطع، إلّا أنّ مقتضى صحيحة محمّد بن قيس خلافه، حيث روى عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجلين قد سرقا من مال اللّٰه، أحدهما عبد مال اللّٰه، و الآخر من عرض الناس، فقال: أمّا هذا فمن مال اللّٰه ليس عليه شي ء، مال اللّٰه أكل بعضه بعضاً. و أمّا الآخر فقدّمه و قطع يده، ثمّ أمر أن يطعم اللحم و السمن حتّى برئت يده «1» نظراً إلى أنّ سهم الإمام (عليه السّلام) من مصاديق مال اللّٰه قطعاً، فتدلّ على القطع في سرقته، و لكن مقتضى الاحتياط العدم على ما هو مقتضى درء الحدود بالشّبهات، خصوصاً مع أنّ الاستناد إلى مثل ذلك لأجل

إثبات حكم على خلاف القاعدة مشكل، فتدبّر

(1) و المحكيّ عن الشيخ (قدّس سرّه) في المبسوط «2» و تبعه بعض آخر «3» أنّه لو سرق باب الحرز أو شيئاً من الأبنية المثبتة فيه أنّه يقطع، معلّلًا بأنّه محرز بالعمارة، و لكنّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 527، أبواب حدّ السرقة ب 29 ح 4.

(2) المبسوط: 8/ 25.

(3) السرائر: 3/ 501، قواعد الأحكام: 2/ 269.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 558

..........

______________________________

الظاهر بملاحظة ما عرفت من أنّ الحرز له معنى عرفيّ و يعتبر الرجوع في معناه إليه عدم كون مثل باب الحرز حرزاً، و إن كان مثبتاً في العمارة؛ لأنّه عبارة عن الشي ء المعدّ لحفظ مال آخر و لا يشمل نفسه، إلّا أن يكون مثل الباب الداخل الذي يكون محرزاً بالباب الخارج، و بالجملة فالظاهر عدم كون مثل الباب الخارج عند العرف محرزاً، فلا قطع بسرقته ثمّ أنّه لو شكّ في ذلك، فربّما يقال: بأنّ الشُّبهة مفهوميّة، و التقييد منفصل، و المرجع هو الإطلاق بعد صدق السارق عليه حقيقة، فلا مجال حينئذٍ للرجوع إلى قاعدة درء الحدود بالشّبهات، كما يستفاد من الجواهر «1»؛ لأنّه لا معنى للرجوع إليها بعد شمول إطلاق دليل القطع له، كما لا يخفى هذا، و لكنّ الظاهر أنّ جواز الرجوع إلى الإطلاق إنّما يبتني على أن يكون اعتبار الحرز مستنداً إلى دليل شرعي آخر، مثل الروايات المتقدّمة في هذا الباب، و أمّا لو قلنا: بأنّ الحرز إنّما يكون معتبراً في حقيقة السرقة و معناها، نظراً إلى أنّ العرف لا يطلق عنوانها على إخراج المال من غير حرز، فلا مجال للرجوع إلى الإطلاق حينئذٍ و يمكن الاستشهاد لهذا القول ببعض الروايات

المتقدّمة في مسألة اعتبار الحرز مثل:

صحيحة محمّد بن مسلم المشتملة على قوله (عليه السّلام): كلّ من سرق من مسلم شيئاً قد حواه و أحرزه فهو يقع عليه اسم السارق، و هو عند اللّٰه سارق .. «2» فإنّ ظاهرها وقوع اسم السارق عليه عرفاً، و عليه فتدلّ على أنّ الوقوع الكذائي متوقّف على كون المسروق منه قد حواه و أحرزه، فتدبّر.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 515.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 482، أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 559

[مسألة 17: يقطع سارق الكفن إذا نبش القبر و سرقه و لو بعض أجزائه المندوبة]

مسألة 17: يقطع سارق الكفن إذا نبش القبر و سرقه و لو بعض أجزائه المندوبة بشرط بلوغه حدّ النصاب، و لو نبش و لم يسرق الكفن لم يقطع و يعزّر، و ليس القبر حرزاً لغير الكفن، فلو جعل مع الميّت شي ء في القبر فنبش و أخرجه لم يقطع به على الأحوط، و لو تكرّر منه النبش من غير أخذ الكفن و هرب من السلطان قيل: يقتل، و فيه تردّد (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: ما إذا نبش القبر و سرق الكفن و لو بعض أجزائه المندوبة، و كان المسروق بقدر النصاب، و المشهور فيه ثبوت القطع، بل المحكيّ عن جماعة الإجماع عليه، كصاحبي الغنية «1» و السرائر «2»، و المحكيّ عن الصدوق في المقنع «3» و الفقيه «4» أنّه لا يقطع النبَّاش إلّا أن يؤخذ و قد نبش مراراً، و الظاهر أنّه ليس مراده مجرّد تكرر النبش و لو لم يكن بعده سرقة الكفن، بل النبش و السرقة بعده، و حمله على النباش غير السارق كما في الجواهر «5» بعيد جدّاً و كيف كان، فيدلّ على القطع الذي هو المشهور

صحيحة حفص بن البختري قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: حدّ النبّاش حدّ السارق «6» و الظاهر أنّ المراد هو النبّاش السارق؛ لكون النبش بنفسه لا يتعلّق به غرض

______________________________

(1) غنية النزوع: 434.

(2) السرائر: 3/ 514 515.

(3) المُقنع: 447.

(4) من لا يحضره الفقيه: 4/ 67.

(5) جواهر الكلام: 41/ 515.

(6) وسائل الشيعة: 18/ 510، أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 560

..........

______________________________

عقلائيّ نوعاً، و الغرض المترتّب عليه كذلك إنّما هو سرقة الكفن، و إن كان قد يتحقّق لبعض الأغراض الأخر أحياناً كالزنا مع المرأة الميّتة و غيره من الأغراض هذا، مضافاً إلى عدم ملائمة ثبوت حدّ السرقة في مجرّد النبش؛ لعدم المناسبة بينهما، و إلى شهادة بعض الروايات الآتية بكون المراد من النبّاش في صورة الإطلاق هو النبّاش السارق، مع أنّ إطلاقه و شموله لغير السارق لا يقدح فيما هو الغرض في هذا الفرع من ثبوت القطع؛ لأنّ المقام من المصاديق المتيقّنة كما لا يخفى، و إن كان قادحاً في الحكم بعدم القطع في الفرع الآتي و موثّقة إسحاق بن عمّار، أنّ عليّاً (عليه السّلام) قطع نبّاش القبر، فقيل له: أ تقطع في الموتى؟ فقال: إنّا نقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا «1» و ظهور ذيلها في السرقة لا ينبغي أن ينكر، كما أنّه يستفاد منها أنّ المراد بالنبّاش هو النبّاش السارق لا مجرّد من يتحقّق منه النبش فقط و رواية عبد اللّٰه بن محمّد الجعفي قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السّلام) و جاءه كتاب هشام ابن عبد الملك في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها ثمّ نكحها، فإنّ الناس قد اختلفوا علينا، طائفة قالوا: اقتلوه،

و طائفة قالوا: أحرقوه، فكتب إليه أبو جعفر (عليه السّلام): إنّ حرمة الميّت كحرمة الحيّ، تقطع يده لنبشه و سلبه الثياب، و يقام عليه الحدّ في الزنا، إن أُحصن رجم، و إن لم يكن أُحصن جلد مائة «2» و رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): يقطع سارق الموتى كما يقطع سارق الأحياء «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 513، أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 12.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 510، أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 2.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 511، أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 561

..........

______________________________

و رواية زيد الشحّام، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: أُخذ نبّاش في زمن معاوية، فقال لأصحابه: ما ترون؟ فقالوا: نعاقبه و نخلّي سبيله، فقال رجل من القوم: ما هكذا فعل عليّ بن أبي طالب، قال: و ما فعل؟ قال: فقال: يقطع النبّاش، و قال: هو سارق و هتّاك للموتى «1» و الذيل بمنزلة التعليل، و مرجعه إلى أنّ قطع النبّاش إنّما هو لأجل السرقة و تحقّقها منه و ربّما يستدلّ للمقنع بصحيحة الفضيل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: النبّاش إذا كان معروفاً بذلك قطع «2» و برواية عليّ بن سعيد، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل أُخذ و هو ينبش؟ قال: لا أرى عليه قطعاً، إلّا أن يؤخذ و قد نبش مراراً فاقطعه «3» و بروايته الأخرى قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن النبّاش؟ قال: إذا لم يكن النبش له بعادة لم يقطع و يعزَّر «4» و بمرسلة ابن بكير، عن بعض

أصحابنا، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في النبّاش إذا أخذ أوّل مرّة عزِّر، فإن عاد قطع «5» بناءً على أن يكون المراد هو العود مكرّراً و يرد على الاستدلال بالصحيحة مضافاً إلى أنّ مقتضى التحقيق عدم ثبوت

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 511، أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 5.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 513، أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 15.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 513، أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 11.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 513، أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 13.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 514، أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 16.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 562

..........

______________________________

المفهوم للقضيّة الشرطية كما حقّق في الأصول، و إلى احتمال أن يكون المراد بالمعروفيّة هو ثبوت كونه نبّاشاً لا الاشتهار بذلك عدم انطباق الدليل على المدّعى؛ لأنّ النسبة بين التكرّر الذي هو المدّعىٰ و بين المعروفيّة الذي هو مقتضى الرواية عموم من وجه كما لا يخفى، و عليه فالرواية تصير غير مفتى بها حتّى للمستدلّ و أمّا روايتا عليّ بن سعيد فمضافاً إلى أنّ الظاهر كونهما رواية واحدة لا متعدّدة و إن جعلهما في الوسائل كذلك يرد على الاستدلال بهما كون الراوي مجهولًا؛ لأنّه لم يرد في عليّ بن سعيد توثيق، بل و لا مدح و أمّا الرواية الأخيرة فمرسلة لا يمكن الاعتماد عليها، مضافاً إلى أنّ حمل العود فيها على العود مكرّراً خلاف الظاهر هذا كلّه مضافاً إلى أنّه لو فرض ثبوت التعارض بين هذه الطائفة و بين الروايات الدالّة على المشهور؛ لكان مقتضى قاعدة باب التعارض الأخذ بتلك الروايات، لموافقتها للشهرة الفتوائيّة التي هي أوّل المرجّحات على ما أشرنا إليه

مراراً، فلا محيص عن الذهاب إلى ما يوافق المشهور تنبيه: لا يخفى أنّ صاحب الوسائل نقل في الباب التاسع عشر من أبواب حدّ السرقة رواية بهذه الكيفيّة: محمّد بن الحسن بإسناده، عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب، عن الفضيل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الطرّار و النبّاش و المختلس؟ قال: لا يقطع «1».

______________________________

(1) التهذيب: 10/ 117 ح 467، الإستبصار: 4/ 247 ح 938، وسائل الشيعة: 18/ 513، أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 563

..........

______________________________

و هذه الرواية باعتبار كونها صحيحة من حيث السند، و ظاهرة من حيث الدلالة، صارت موجبة للإشكال، و أنّه كيف يجمع بينها و بين الروايات المتقدّمة الظاهرة في ثبوت القطع؟ و قد وقع مثل صاحب الجواهر في هذا الإشكال «1» و لعيسى بن صبيح رواية أُخرى، رواها الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن محبوب، عن عيسى بن صبيح، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الطرّار و النبّاش و المختلس؟ قال: يقطع الطرّار و النبّاش و لا يقطع المختلس «2» و مع وضوح عدم كونهما روايتين، و أنّ عيسى له رواية واحدة، يحتمل قويّاً وقوع السقط في رواية «لا يقطع» كما احتمله الشيخ (قدّس سرّه) «3» و عليه فلا يكون في مقابل روايات القطع رواية دالّة على عدم القطع حتّى نقع في إشكال الجمع، كما لا يخفى و يؤيّد ما ذكرنا صحيحة منصور بن حازم قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: يقطع النبّاش و الطرّار و لا يقطع المختلس «4» فإنّ الظاهر أنّ ما

سمعه منصور منه (عليه السّلام) هو ما سأله عنه عيسى بن صبيح؛ فيدلّ على كون الجواب هو التفصيل، لا عدم القطع مطلقاً ثمّ إنّ هنا روايات مشتملة على حكاية أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) أمر الناس بأن يطأوا نبّاشاً حتّى يموت.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 518 519.

(2) التهذيب: 10/ 116 ح 462، الإستبصار: 4/ 246 ح 931، وسائل الشيعة: 18/ 512، أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 10.

(3) الإستبصار: 4/ 247.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 505، أبواب حدّ السرقة ب 13 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 564

..........

______________________________

إحداها: مرسلة ابن أبي عمير، عن غير واحد من أصحابنا قال: أُتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) برجل نبّاش، فأخذ أمير المؤمنين بشعره فضرب به الأرض، ثمّ أمر الناس أن يطؤوه بأرجلهم فوطئوه حتّى مات «1» ثانيتها: ما رواه محمّد بن عليّ بن الحسين بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّه قطع نبّاش القبر، فقيل له: أ تقطع في الموتى؟ فقال: إنّا لنقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا، قال: و أُتي بنبّاش فأخذ بشعره و جلد به الأرض، و قال: طؤوا عباد اللّٰه، فوطئ حتّى مات «2» و الظاهر أنّ الذيل لا يرتبط بالصدر، بل هي رواية مرسلة أوردها الصدوق في ذيل ما رواه بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه السّلام) «3» و قد أشرنا غير مرّة إلى اعتبار هذا النحو من الإرسال الذي يسند فيه الحكم إلى الإمام (عليه السّلام)، لا إلى الرواية ثالثتها: مرسلة أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: اتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) بنبّاش فأخّر عذابه إلى يوم الجمعة، فلمّا كان يوم الجمعة ألقاه تحت

أقدام الناس، فما زالوا يتوطّؤنه بأرجلهم حتّى مات «4» و هذه الروايات مشتركة في أمره (عليه السّلام) بأن يطؤوه حتّى يموت، و السند في بعضها معتبر على ما مرّ، و لكن لا يمكن الأخذ بها في مقابل أدلّة المشهور؛ لموافقتها للشهرة الفتوائيّة المرجّحة كما عرفت، فانقدح أنّه لا محيص عن الأخذ بما هو المشهور بقي الكلام في هذا الفرع في أنّه هل يشترط في القطع فيه بلوغ قيمة المسروق

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 511، أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 3.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 512، أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 8.

(3) من لا يحضره الفقيه: 4/ 67.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 514، أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 17.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 565

..........

______________________________

نصاباً؟ كما عن المفيد «1» و سلار «2» و ابن زهرة «3» و ابن حمزة «4» بل نسب إلى الأكثر «5» أو لا يشترط ذلك مطلقاً، كما عن الشيخ «6» و القاضي «7» و العلّامة في الإرشاد «8» و ابن إدريس في آخر كلامه «9»، أو يفصّل بين المرّة الأولى فيشترط، و بين المرّة الثانية و الثالثة و هكذا، فلا يشترط كما عن ابن إدريس في أوّل كلامه «10»؟ وجوه و أقوال و الدليل على الأوّل ما مرّ من الروايات الدالّة على أنّ قطع النبّاش إنّما هو لأجل كونه سارقاً، و أنّه إنّما يقطع في الأموات كما يقطع في الأحياء، بضميمة أدلّة اعتبار النصاب في ترتّب القطع على السرقة، فإنّ ظاهر روايات المقام أنّ الفرق بينه و بين سائر الموارد إنّما هو مجرّد الإضافة إلى الأموات في المقام و إلى الأحياء في غيره، فلا فرق بينهما من

غير هذه الجهة أصلًا، و عليه فلا بدّ من البلوغ إلى النصاب في الحكم بثبوت القطع و أمّا الحكم بعدم الاعتبار مطلقاً، فلعلّه لأجل الحكم في بعض الروايات بثبوت

______________________________

(1) المقنعة: 804.

(2) المراسم: 260.

(3) غنية النزوع: 434.

(4) الوسيلة: 423.

(5) رياض المسائل: 0 (1)/ 179، إصباح الشيعة: 524، مختلف الشيعة: 9/ 241 ذ مسألة 92، تحرير الأحكام: 2/ 230.

(6) النهاية: 722.

(7) المهذّب: 2/ 542.

(8) إرشاد الأذهان: 2/ 183.

(9) السرائر: 3/ 514 515.

(10) السرائر: 3/ 512.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 566

..........

______________________________

القطع على النبّاش من دون تقييد ببلوغ النصاب، و لكن عرفت أنّ التقييد يستفاد من التعليل بكونه سارقاً، و من سائر التعبيرات و أمّا القول بالتفصيل فلم يعرف له مستند و إن وجّه بشمول الأدلّة المتقدّمة للمرّة الاولى و اندراج ما بعدها في عنوان الإفساد، و لكنّه كما ترى؛ و لذا عدل صاحبه عنه في آخر كلامه على ما عرفت الفرع الثاني: النبش المجرّد عن السرقة، و قد حكم فيه في المتن بعدم القطع و ثبوت التعزير، و يمكن استفادته من الجمع الذي ذكره صاحب الرياض بين الأخبار المتقدّمة في الفرع الأوّل، التي منها صحيحة الفضيل على نقل صاحب الوسائل «1» الدالّة على عدم قطع النبّاش، حيث قال: و قد حملها الأصحاب على مجرّد النبش الخالي عن أخذ الكفن، جمعاً بينها و بين النصوص المتقدّمة، بحملها على سرقة الكفن كما هو ظاهرها، و لا سيّما الأخبار المشبّهة منها بالسرقة، بناءً على ما سبق، و حمل هذه على ما عرفته «2» و لكنّه يدلّ على ثبوت القطع في هذا الفرع أيضاً صحيحة إبراهيم بن هاشم، قال: لمّا مات الرضا (عليه السّلام) حججنا فدخلنا

على أبي جعفر (عليه السّلام)، و قد حضر خلق من الشيعة إلى أن قال: فقال أبو جعفر (عليه السّلام): سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها؟ فقال أبي: يقطع يمينه للنبش، و يضرب حدّ الزنا، فإنّ حرمة الميّتة كحرمة الحيّة، فقالوا: يا سيّدنا تأذن لنا أن نسألك؟ قال: نعم، فسألوه في مجلس عن ثلاثين ألف مسألة، فأجابهم فيها و له تسع سنين «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 513، أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 14.

(2) رياض المسائل: 10/ 180.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 511، أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 567

..........

______________________________

فإنّ ظاهرها كون النبش بمجرّده علّة للقطع، خصوصاً مع كونه لغرض نكاح الميّتة لا لسرقة الكفن، و لكنّها لا تصلح للنهوض في مقابل الأدلّة المتقدّمة، الظاهرة في أن ثبوت القطع في النبّاش إنّما هو لأجل كونه سارقاً و هتّاكاً للموتى، فلا بدّ من حمل هذه الرواية على ثبوت السرقة أيضاً كما لا يخفى، خصوصاً مع اشتمال ذيلها على أمر بعيد، و هو الجواب عن ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد الفرع الثالث: ما لو نبش القبر و أخرج غير الكفن ممّا جعل مع الميّت في القبر لو فرض، كما يتحقّق في أهل غير ملة الإسلام من سائر الملل، فهل يقطع أم لا؟ الظاهر العدم، لأنّ القبر عند العرف إنّما يكون حرزاً بالإضافة إلى خصوص الكفن. نعم، لا يختصّ بالأجزاء الواجبة من الكفن، بل يعمّ الأجزاء المندوبة كما وقع التصريح به في مثل المتن، و أمّا بالإضافة إلى غير الكفن فلا يكون القبر حرزاً، و المنساق من الروايات المتقدّمة الدالّة على قطع النبّاش هو النبّاش السارق للكفن؛

و لذا أضيف القطع إلى الموتى هذا، و يمكن أن يقال: إنّه في صورة تعارف وضع شي ء مع الميّت في القبر غير الكفن يصير القبر حرزاً بالنسبة إليه أيضاً؛ لأنّه معنى عرفيّ لا بدّ من الرجوع إلى العرف في تحقّقه، و الظاهر مساعدته عليه في هذه الصورة كما لا يخفى الفرع الرابع: ما لو تكرّر النبش من غير أخذ الكفن و هرب من السلطان، فالمحكيّ عن المقنعة «1» و المراسم «2» و النهاية «3» أنّ له قتله، و قال الشيخ في الإستبصار بعد نقل المرسلتين المتقدّمتين، الحاكيتين لقصّة نبّاش اتي أمير

______________________________

(1) المقنعة: 804.

(2) المراسم: 260 261.

(3) النهاية: 722.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 568

..........

______________________________

المؤمنين (عليه السّلام)، فأمر الناس أن يطؤوه حتّى مات: «فالوجه في هاتين الروايتين أن نحملهما على أنّه إذا تكرّر منهم الفعل ثلاث مرّات و أقيم عليهم الحدود، فحينئذٍ يجب عليهم القتل كما يجب على السارق، و الإمام مخيّر في كيفيّة القتل كيف شاء حسب ما يراه أردع في الحال» «1» و الظاهر أنّ مستند الحكم بوجوب القتل في هذا الفرض كما هو ظاهر الشيخ، أو بجوازه كما هو ظاهر مثل المفيد، إن كان هي الروايات الحاكية لهذه القصّة، نظراً إلى ظهور «النبّاش» فيمن تكرّر منه النبش، فيرد عليه مضافاً إلى منع الظهور؛ لورود النبّاش في كثير من الروايات المتقدّمة مع أنّه لم يرد منه إلّا من تحقّق النبش لا من تكرّر منه، و يؤيّده عدم معهوديّة استعمال النابش الذي هو اسم الفاعل أنّه ليس في شي ء منها الإشعار بفوت السلطان أو الهرب منه و إن كان المستند هو عنوان الإفساد، كما يظهر من تعليل المحقّق «2» الحكم

بجواز القتل بالردع الظاهر في ردع الغير عن الفساد، فيرد عليه أنّ تقييد فرض المسألة بصورة الهرب من السلطان مع أنّ تحقّق عنوان الإفساد في صورة إقامة الحدّ عليه أوضح لا يلائم ذلك و يمكن الاستدلال بما ورد من أنّ أصحاب الكبائر إذا أقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة «3»، بناءً على ثبوت القطع في النبش المجرّد، أو القول بشمول الحدّ في الرواية للتعزير، و لكنّه إنّما يتمّ فيما فرضه الشيخ، لا فيما فرضه المفيد، فتدبّر.

______________________________

(1) الإستبصار: 4/ 248.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 955.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 313، أبواب مقدّمات الحدود ب 5 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 569

[القول فيما يثبت به]

اشارة

القول فيما يثبت به

[مسألة (1): يثبت الحدّ بالإقرار بموجبه مرّتين و بشهادة عدلين]

مسألة (1): يثبت الحدّ بالإقرار بموجبه مرّتين و بشهادة عدلين، و لو أقرّ مرّةً واحدةً لا يقطع، و لكن يؤخذ المال منه، و لا يقطع بشهادة النساء منضمّات و لا منفردات، و لا بشاهد و يمين (1).

______________________________

(1) لا إشكال و لا خلاف في ثبوت السرقة الموجبة للقطع بشهادة عدلين؛ لعموم ما دلّ على حجيّة البيّنة، مضافاً إلى دلالة بعض الروايات الآتية عليه. و أمّا الإقرار، فالمعروف بين الأصحاب هو اعتبار التعدّد، بل في كشف اللثام نسبته إلى قطعهم «1»، بل عن الخلاف الإجماع عليه «2» نعم، حكي عن المقنع الاجتزاء بالمرّة عند الإمام «3».

______________________________

(1) كشف اللثام: 2/ 427.

(2) الخلاف: 5/ 443 مسألة 40.

(3) حكاه عن المقنع العلّامة في المختلف: 9/ 224. و لكن قال في المقنع: 488: «و الحرّ إذا أقرّ على نفسه لم يقطع».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 570

..........

______________________________

و يدلّ على اعتبار التعدّد مضافاً إلى ما ربما يقال من أنّ المتسالم عليه بين الأصحاب أنّه لا يكتفى في باب الحدود بالإقرار مرّة واحدة، و إن كان الظاهر أنّ هذا التسالم على تقدير تحقّقه لا يكون إجماعاً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السّلام) و موافقته، لابتنائه على الأدلّة الواردة في كلّ حدّ الروايات المتعدّدة، التي عمدتها صحيحة أبان بن عثمان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال: كنت عند عيسى بن موسى فاتي بسارق و عنده رجل من آل عمر، فأقبل يسألني، فقلت: ما تقول في السارق إذا أقرّ على نفسه أنّه سرق؟ قال: يقطع، قلت: فما تقول في الزنا إذا أقرّ على نفسه مرّات؟ قال: نرجمه، قلت: و ما يمنعكم من السارق إذا أقرّ

على نفسه مرّتين أن تقطعوه فيكون بمنزلة الزاني «1» و الظاهر وضوح دلالتها على اعتبار التعدّد، و المراد من قوله (عليه السّلام): «فيكون بمنزلة الزاني» أنّه حيث يكون الإقرار بمنزلة الشهادة؛ و لذا عبّر عنه بها في بعض الروايات خصوصاً ما ورد منها في باب الزنا، فكما أنّ اعتبار أربع شهادات في باب الزنا يقتضي اعتبار تعدّد الإقرار أربعاً، فكذلك اعتبار شهادتين في باب السرقة يقتضي اعتبار الإقرار مرّتين، و على أيٍّ فدلالة الرواية في المقام ظاهرة، و دعوى كونها لا تبلغ حدّ الدلالة، بل فيها مجرّد الإشعار ممنوعة جدّاً و يؤيّده مرسلة جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (عليهما السّلام) في حديث، قال: لا يقطع السارق حتّى يقرّ بالسرقة مرّتين، فإن رجع ضمن السرقة، و لم يقطع إذا لم يكن شهود «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 488، أبواب حدّ السرقة ب 3 ح 4.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 487، أبواب حدّ السرقة ب 3 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 571

..........

______________________________

و رواية اخرى لجميل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: لا يقطع السارق حتّى يقرّ بالسرقة مرّتين، و لا يرجم الزاني حتّى يقرّ أربع مرّات «1» و لكن إرسال الأُولى و ضعف الثانية بعليّ بن السندي يمنع عن الاستدلال بهما و في مقابلهما روايتان:

إحداهما: صحيحة الفضيل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إن أقرّ الرجل الحرّ على نفسه مرّة واحدة عند الإمام قطع «2» و هل المراد بالإمام هو الإمام المعصوم (عليه السّلام)، فتكون الرواية ناظرة إلى اختصاصه (عليه السّلام) بكفاية الإقرار مرّة واحدة عنده، أو الأعمّ منه و من الحاكم، و عليه فيكون محطّ نظر الرواية:

أنّ نفس الإقرار إذا كان عند الحاكم يكفي مرّة، و أمّا إذا كان عند غيره و قامت البيّنة عليه عند الحاكم فلا يكفي المرّة، و لعلّه مراد ما عن المختلف من احتمال مخالفة الإقرار عند الإمام الإقرار عند غيره؛ لأنّ الإنسان يحترز عند الإمام و يتحفّظ من الإقرار بما يوجب العقوبة، بل غالباً إنّما يقرّ عنده إذا أقرّ عند غيره، فلهذا يقطع بالإقرار مرّة واحدة «3» ثمّ إنّ صاحب الجواهر (قدّس سرّه) قد نقل الصحيحة هكذا: «إذا أقرّ على نفسه بالسرقة مرّة واحدة قطع» و لذا أورد على الاستدلال بها للمقنع تارة بأنّه لم يقع فيها التقييد بكون الإقرار عند الإمام كما هو المحكيّ عنه، و أُخرى بأنّه يحتمل أن يكون الظرف أي مرّة واحدة متعلّقاً بالسرقة، و عليه فتكون الرواية مجملة من جهة عدد الإقرار، قال: و يقربه إمكان توهّم المخاطب أو بعض الحاضرين في المجلس أنّه

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 488، أبواب حدّ السرقة ب 3 ح 6.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 488، أبواب حدّ السرقة ب 3 ح 3.

(3) مختلف الشيعة: 9/ 224.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 572

..........

______________________________

لا قطع ما لم تتكرّر السرقة «1» و أنت خبير بثبوت كلمة «عند الإمام» في الصحيحة، و عدم ثبوت كلمة «السرقة» حتّى يحتمل تعلّق الظرف بها، مع أنّه على تقدير وجودها يكون هذا الحمل خلاف الظاهر، كما أنّ احتمال أن يكون القطع في الصحيحة بمعنى القطع عن الإقرار ثانياً خلاف الظاهر جدّاً، خصوصاً على ما نقلناه من عدم الاشتمال على كلمة «السرقة» و استفادة كونها المراد من كلمة «القطع» المذكورة فيها، كما لا يخفى ثانيتهما: صحيحته الأُخرى قال: سمعت أبا عبد

اللّٰه (عليه السّلام) يقول: من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ من حدود اللّٰه مرّة واحدة، حرّا كان أو عبداً، أو حرّة كانت أو أمة، فعلى الإمام أن يقيم الحدّ عليه للذي أقرّ به على نفسه كائناً من كان إلّا الزاني المحصن، فإنّه لا يرجمه حتّى يشهد عليه أربعة شهداء، فإذا شهدوا ضربه الحدّ مائة جلدة، ثمّ يرجمه قال: و قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): و من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ حدّ من حدود اللّٰه في حقوق المسلمين، فليس على الإمام أن يقيم عليه الحدّ الذي (للذي ظ) أقرّ به عنده حتّى يحضر صاحب الحقّ أو وليّه فيطالبه بحقّه، قال: فقال له بعض أصحابنا: يا أبا عبد اللّٰه فما هذه الحدود التي إذا أقرّ بها عند الإمام مرّة واحدة على نفسه أُقيم عليه الحدّ فيها؟ فقال: إذا أقرّ على نفسه عند الإمام بسرقة قطعه، فهذا من حقوق اللّٰه، و إذا أقرّ على نفسه أنّه شرب خمراً حدّه، فهذا من حقوق اللّٰه، و إذا أقرّ على نفسه بالزنا و هو غير محصن فهذا من حقوق اللّٰه. قال: و أمّا حقوق

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 522 523.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 573

..........

______________________________

المسلمين فإذا أقرّ على نفسه عند الإمام بفرية لم يحدّه حتّى يحضر صاحب الفرية أو وليّه، و إذا أقرّ بقتل رجل لم يقتله حتّى يحضر أولياء المقتول فيطالبوا بدم صاحبهم «1» و هذه الرواية ظاهرة بل صريحة في كفاية الإقرار مرّة واحدة عند الإمام في السرقة، إلّا أنّ مع ثبوت الوهن فيها من جهات عديدة لا يبقى مجالًا للاستدلال بها منها: صراحتها في ثبوت حدّ السرقة بالإضافة إلى

العبد أيضاً فيما إذا أقرّ بها، و منشأ الصّراحة التصريح أوّلًا بعدم الفرق بين الحرّ و العبد في حقّ من حدود اللّٰه، ثمّ التصريح بكون السرقة من مصاديق هذا النحو من الحقّ، و عليه فلا مجال لما في الجواهر من تخصيص الصحيحة بما يدلّ على عدم اعتبار إقرار العبد في السرقة «2»، التي منها صحيحة ثالثة للفضيل، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: إذا أقرّ المملوك على نفسه بالسرقة لم يقطع، و إن شهد عليه شاهدان قطع «3» فإنّه لا موقع للتخصيص بعد صراحة الرواية بنحو عرفت و منها: ظهورها في تعيّن إجراء الحدّ على الإمام (عليه السّلام) في صورة الثبوت بالإقرار أيضاً، مع أنّ الحكم فيه هو التخيير كما مرّ «4» و منها: ظهورها في عدم ثبوت الزنا المقرون بالإحصان بالإقرار، و انحصار طريق ثبوته في الشهود و منها: دلالتها على الجمع بين الجلد و الرجم في الزنا المزبور مطلقاً، مع أنّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 343، أبواب مقدّمات الحدود ب 32 ح 1.

(2) جواهر الكلام: 41/ 524.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 532، أبواب حدّ السرقة ب 35 ح 1.

(4) في ص 109 113.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 574

..........

______________________________

المشهور على ما عرفت في باب الزنا خلافه «1» و منها: ظهورها بل صراحتها في أنّ القطع في باب السرقة لا يتوقّف على مطالبة المسروق منه؛ لأنّها حقّ من حدود اللّٰه، و سيأتي خلافه و منها: الفرق بين قسمي الزنا من جهة الثبوت بالإقرار و عدمه و منها: غير ذلك ممّا يوجب الوهن في الرواية، و مع هذه الموهنات كيف يصحّ الاستدلال بها ثمّ إنّه يحتمل قويّاً أن تكون الصحيحة

الأُولى للفضيل قطعة من الصحيحة الثانية، و لا تكون رواية مستقلّة، و يؤيّده وحدة السند فيهما، و إن كان يبعّده التقييد بالحرّ فيها و التصريح بالتعميم في الثانية كما عرفت، إلّا أنّ ذلك إنّما هو على النقل الذي ذكرنا، و أمّا على نقل صاحب الجواهر فلا يكون فيه هذا التقييد «2» و كيف كان، فإن لم تكن الصحيحة رواية مستقلّة فلا يكون في مقابل أدلّة المشهور إلّا رواية واحدة مشتملة على موهنات كثيرة، كما عرفت و أمّا إن كانت رواية مستقلّة، فإن كان المراد بالإمام فيها هو خصوص الإمام المعصوم (عليه السّلام)، فالرواية تصير أجنبية عن البحث في المقام؛ لأنّه مع حضوره (عليه السّلام) لا مجال للنظر في كفاية الإقرار الواحد عنده و عدمها، كما لا يخفى و إن كان المراد بالإمام فيها هو الحاكم مطلقاً، فالرواية تكون معارضة حينئذٍ لأدلّة المشهور، و الترجيح معها؛ لموافقتها للشهرة الفتوائيّة التي هي أوّل المرجّحات كما مرّ مراراً، خصوصاً مع كون المخالف في المسألة هو الصدوق في

______________________________

(1) في ص 161 167.

(2) جواهر الكلام: 41/ 522.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 575

..........

______________________________

المقنع، الذي قال كاشف اللثام: لم أره فيما حضرني من نسخته «1» ثمّ إنّ صاحب الجواهر (قدّس سرّه) حكى فيها عن كتاب التحصين للسيّد رضي الدين بن طاوس، عن كتاب نور الهدى للحسن بن أبي طاهر، عن الأصبغ رواية ظاهرة في اعتبار ثلاثة إقرارات «2»، و لكن حيث إنّ موردها العبد، و قد أشرنا إلى أنّ إقرار العبد في باب السرقة غير مسموع و لو كان متعدّداً؛ لأنّه إقرار في حقّ الغير، مضافاً إلى دلالة الرواية الصحيحة عليه، مع أنّ اعتبار الثلاث ممّا

لم يقل به أحد، فلا مجال للاعتماد عليها بوجه فانقدح أنّ الحقّ ما عليه المشهور من اعتبار التعدّد بالإضافة إلى القطع، و إن كان بالإضافة إلى المال لا يعتبر التعدّد أصلًا، بل يؤخذ عنه المال بمجرّد الإقرار، كما في سائر موارد الإقرار بالأُمور الماليّة على ما هو مقتضى إطلاق دليل نفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم ثمّ إنّ عدم اعتبار شهادة النساء مطلقاً إنّما هو على مبنى المتن من أنّه لا عبرة بها في باب الحدود مطلقاً، إلّا في خصوص ما استثني، كباب الزنا على ما تقدّم «3»، و لكن قد تقدّم منّا اعتبارها في صورة الانضمام في الجملة «4»، و لازمه الاكتفاء برجل و امرأتين في المقام كما أنّه ثبت في محلّه و هو كتاب القضاء: أنّه لا اعتبار باليمين في باب الحدود «5»، فراجع.

______________________________

(1) كشف اللثام: 2/ 427.

(2) كتاب التحصين: باب 11 من القسم الثاني، المطبوع في آخر اليقين: 610 ب 11.

(3) في ص 115 121.

(4) في ص 115 121.

(5) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء: 241 242.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 576

[مسألة 2: يعتبر في المقرّ البلوغ و العقل و الاختيار و القصد]

مسألة 2: يعتبر في المقرّ البلوغ و العقل و الاختيار و القصد، فلا يقطع بإقرار الصبيّ حتى مع القول بقطعه بالسرقة، و لا بإقرار المجنون و لو أدواراً دور جنونه، و لا بالمكره، و لا بالهازل و الغافل و النائم و الساهي و المغمىٰ عليه، فلو أقرّ مكرهاً أو بلا قصد لم يقطع و لم يثبت المال (1)

[مسألة 3: لو أكرهه على الإقرار بضرب و نحوه فأقرّ ثمّ أتى بالمال بعينه]

مسألة 3: لو أكرهه على الإقرار بضرب و نحوه فأقرّ ثمّ أتى بالمال بعينه لم

______________________________

(1) مرّ اعتبار هذه الأمور الأربعة في نفوذ الإقرار مطلقاً «1»، كما أنّه ظهر بملاحظة ما تقدّم في المسألة الأُولى اعتبار الحريّة أيضاً في السرقة، و الذي ينبغي التنبيه عليه هنا أمران:

أحدهما: أنّ عدم اعتبار إقرار الصبيّ إمّا لكونه مسلوب العبارة، و إمّا لانصراف دليل نفوذ الإقرار عن إقرار الصبيّ لا يرتبط بما تقدّم في مسألة سرقة الصبيّ، و أنّه هل يترتّب على سرقته مجرّد التعزير مطلقاً، أو يكون لها في كلّ دفعة حكم خاصّ و في الدفعة الخامسة القطع؟ فإنّ تلك المسألة موردها ما إذا ثبت سرقة الصبيّ، و الكلام هنا في طريق الثبوت، و أنّ إقراره لا يكون موجباً لثبوته، فلا ارتباط بين الأمرين ثانيهما: أنّ فقدان أمر من هذه الأُمور الأربعة المعتبرة في المقرّ يوجب أن لا يترتّب على الإقرار شي ء من أحكام السرقة، لا القطع و لا الضمان، و هذا بخلاف اعتبار تعدّد الإقرار الذي قد عرفت أنّه مع عدم التعدّد لا يترتّب القطع فقط، بل يؤخذ عنه المال كما لا يخفى.

______________________________

(1) مرّ في ص 81 83.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 577

يثبت القطع إلّا مع قيام قرائن قطعيّة على سرقته بما يوجب القطع (1).

______________________________

(1)

المفروض في هذه المسألة ما إذا كان الإقرار بالسرقة واقعاً عن إكراه، مثل الضرب و ردّ المال الذي أقرّ بسرقته كذلك واقعاً عن إرادة و اختيار، و لم يكن هناك قرينة قطعيّة على تحقّق السرقة الموجبة للقطع، و قد وقع الاختلاف في ثبوت القطع فيه و عدمه، فالمحكيّ عن النهاية «1» و المهذّب «2» و الجامع «3» و المختلف «4» الثبوت، و عن الحلّي «5» و جميع من تأخّر عنه عدم الثبوت «6»، و استدلّ للأوّل بأمرين:

الأوّل: أنّ ردّ ما أقرّ بسرقته كذلك دليل قطعيّ على تحقّق السرقة، كما أنّ قي ء المسكر دليل على شربه، و قد تقدّم أنّه إذا شهد أحد الشاهدين بالشرب و الآخر بالقي ء يترتّب عليه حدّ الشرب «7» الثاني: صحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل سرق سرقة فكابر عنها فضرب، فجاء بها بعينها، هل يجب عليه القطع؟ قال: نعم، و لكن لو اعترف و لم يجي ء بالسرقة لم تقطع يده؛ لأنّه اعترف على العذاب «8» و الجواب عن الأوّل: وضوح كون ردّ المال إلى صاحبه أعمّ من وقوع السرقة؛ لاحتمال أن يكون أمانة عنده أو عارية لديه، أو مثلهما من العناوين المجوّزة لأن

______________________________

(1) النهاية: 718.

(2) المهذّب: 2/ 544.

(3) الجامع للشرائع: 561.

(4) مختلف الشيعة: 9/ 224 225 مسألة 81.

(5) السرائر: 3/ 490.

(6) قواعد الأحكام: 2/ 270، مسالك الأفهام: 14/ 516، شرائع الإسلام: 4/ 955.

(7) تقدّم في ص 473 475.

(8) وسائل الشيعة: 18/ 497، أبواب حدّ السرقة ب 7 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 578

..........

______________________________

يكون المال تحت يده، بل و احتمال أن يكون مغصوباً قد غصبه ثمّ بدا له

أن يردّه إلى صاحبه، و مجرّد وقوع الردّ عقيب الإقرار عن إكراه لا يوجب انطباق الردّ على خصوص عنوان السرقة الموجبة للقطع و الحكم في المقيس عليه و هو القي ء أيضاً على خلاف القاعدة؛ لأنّ القي ء و إن كان كاشفاً عن تحقّق الشرب، إلّا أنّه ليس كلّ شرب موضوعاً للحكم بالحدّ؛ لاحتمال أن يكون واقعاً عن إكراه أو اضطرار أو نحوهما، و لذا وقع الإشكال في التعدّي عن مورد الرواية فيما إذا قامت البيّنة على القي ء و شهد كلا الشاهدين بذلك، و إن نفينا البعد عن ذلك بملاحظة التعليل الواقع في روايته، إلّا أنّه لا يقتضي كون الحكم على وفق القاعدة، كما لا يخفى و عن الاستدلال بالصحيحة ظهور السؤال فيها في ثبوت السرقة من الرجل، و أنّ المكابرة إنّما هي بالإضافة إلى المال المسروق، بمعنى امتناعه عن ردّه، و أنّ مجيئه به إنّما يكون مسبّباً عن ضربه و إكراهه، ففي الحقيقة يكون مورد السؤال ثبوت السرقة و تحقّق الإكراه على ردّ المال و مجيئه به، و هذا خلاف ما هو المفروض في المقام من تعلّق الإكراه بالإقرار، و وقوع ردّ المال عن إرادة و اختيار، و من الواضح أنّ المراد بكلمة السرقة في الصحيحة هو المال المسروق لا عمل السرقة، فالمكابرة راجعة إليه لا إليها، و عليه فالسرقة مفعول به لقوله: «سرق» لا مفعول مطلق له، و يدلّ عليه مضافاً إلى الضمائر المذكورة فيها قوله (عليه السّلام) في الذيل: و لم يجي ء بالسرقة و بالجملة: لا خفاء في ظهور قوله (عليه السّلام): «سرق سرقة» في تحقّق السرقة و ثبوتها، و في أنّ المكابرة و الضرب عقيبها إنّما هما راجعان إلى ردّ المال الذي ثبتت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 579

..........

______________________________

سرقته لا إلى أصل السرقة. نعم، يقع الكلام حينئذٍ في أنّه على هذا التقدير الذي يكون المفروض فيه ثبوت السرقة لا يبقى مجال للسؤال عن ثبوت القطع و عدمه، و هذا بخلاف ما لو فسّرنا الرواية بالنحو الذي ذكره المستدلّ، فإنّ السؤال حينئذٍ يكون له مجال لرجوعه إلى أنّ مجي ء المقرّ عن إكراه بالمال اختياراً هل يوجب ثبوت السرقة الموجبة للقطع أم لا؟

و الجواب: أنّه على التقدير الذي ذكرنا يكون الوجه في السؤال ثبوت شبهة في ذهن السائل، و هي: أنّ الضرب لردّ المال في مورد ثبوت السرقة هل يقوم مقام القطع، بحيث يوجب عدم ترتّبه مع ثبوتها أم لا؟ فأجاب (عليه السّلام) بما يرجع إلى عدم القيام و ثبوت القطع، فللسؤال مجال نعم، الإشكال إنّما هو في ذيل الرواية، الذي وقع بصورة الاستدراك؛ لأنّ المراد بالاعتراف فيه يحتمل أن يكون هو الإقرار الموجب لثبوت السرقة، و مرجعه إلى أنّ السرقة لو ثبتت بالإقرار الاختياري لم تقطع يده، و اللازم حينئذٍ أن يكون المراد عدم تحتّم القطع و تعيّنه، لا عدم جوازه، و يحتمل أن يكون في مقابل المكابرة الواقعة في الصدر، و مرجعه إلى ثبوت السرقة من غير طريق الإقرار، فالمراد من الاعتراف حينئذٍ تصديق وقوع السرقة الثابتة فعلى الاحتمال الأوّل لا يظهر وجه التقييد بعدم المجي ء بالسرقة، بل عدم تعيّن القطع في صورة المجي ء بها أولى لتأيّد الاعتراف بالعذاب به، و على الاحتمال الثاني لا وجه للحكم بعدم القطع و لو بنحو التعيّن، مع أنّه لا يلائم التعليل بالاعتراف بالعذاب كما لا يخفى، و لكنّ الإشكال في الذيل لا يقدح في ظهور الصدر

فيما ذكرنا، و الحكم ببطلان الاستدلال بها على ما ذكروه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 580

[مسألة 4: لو أقرّ مرّتين ثمّ أنكر فهل يقطع أو لا؟]

مسألة 4: لو أقرّ مرّتين ثمّ أنكر فهل يقطع أو لا؟ الأحوط الثاني و الأرجح الأوّل، و لو أنكر بعد الإقرار مرّة يؤخذ منه المال و لا يقطع، و لو تاب أو أنكر بعد قيام البيّنة يقطع، و لو تاب قبل قيام البيّنة و قبل الإقرار سقط عنه الحدّ، و لو تاب بعد الإقرار يتحتّم القطع، و قيل: يتخيّر الإمام بين العفو و القطع (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: ما لو أقرّ مرّتين ثمّ أنكر، فهل يقطع، كما عن الشيخ «1» و الحلّي «2» و الفاضل «3» و الشهيدين «4» و غيرهم «5» بل ربّما نسب إلى الأكثر «6»، أو لا يقطع، كما عن النهاية «7» و كتابي الحديث «8» و القاضي «9» و التّقي «10» و ابن زهرة «11» و الفاضل في المختلف «12» بل قيل: لعلّه الأشهر بين القدماء «13» بل عن الغنية الإجماع عليه، أو

______________________________

(1) المبسوط: 8/ 40.

(2) السرائر: 3/ 490.

(3) قواعد الأحكام: 2/ 270، إرشاد الأذهان: 2/ 184.

(4) اللمعة الدمشقيّة: 171، الروضة البهيّة: 9/ 278 279، مسالك الأفهام: 14/ 517 519.

(5) شرائع الإسلام: 4/ 955، الجامع للشرائع: 561.

(6) رياض المسائل: 10/ 188.

(7) النهاية: 718.

(8) التهذيب: 10/ 126، الإستبصار: 4/ 250.

(9) المهذّب: 2/ 544.

(10) الكافي في الفقه: 412.

(11) غنية النزوع: 434.

(12) مختلف الشيعة: 9/ 225.

(13) رياض المسائل: 10/ 188.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 581

..........

______________________________

يكون الإمام مخيّراً بين القطع و العفو كما عن الخلاف «1» و موضع آخر من النهاية «2» مدّعياً في الأول الإجماع عليه؟ وجوه

و أقوال و يدلّ على الأوّل مضافاً إلى إطلاق دليل نفوذ الإقرار و حجيّته صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل أقرّ على نفسه بحدّ، ثمّ جحد بعد، فقال: إذا أقرّ على نفسه عند الإمام أنّه سرق ثمّ جحد قطعت يده و إن رغم أنفه، و إن أقرّ على نفسه أنّه شرب خمراً أو بفرية، فاجلدوه ثمانين جلدة، قلت: فإن أقرّ على نفسه بحدّ يجب فيه الرجم أ كنت راجمه؟ فقال: لا، و لكن كنت ضاربه الحدّ. و رواه الشيخ بسند صحيح عن محمّد بن مسلم عنه أيضاً «3»، و عليه فيكون هنا روايتان و إن جعلهما في الوسائل رواية واحدة و ربّما يقال بأنّه يؤيّدهما رواية سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: من أخذ سارقاً فعفا عنه فذلك له، فإذا رفع إلى الإمام قطعه، فإن قال الذي سرق له: أنا أهبه له لم يدعه إلى الإمام حتّى يقطعه إذا رفعه إليه، و إنّما الهبة قبل أن يرفع إلى الإمام؛ و ذلك قول اللّٰه عزّ و جل وَ الْحٰافِظُونَ لِحُدُودِ اللّٰهِ «4» فإذا انتهى الحدّ إلى الإمام فليس لأحد أن يتركه «5» لكن في التأييد نظر كما لا يخفى و استدلّ للقول الثاني بمرسلة جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن

______________________________

(1) حكى عنه في رياض المسائل: 10/ 188، لكن في الخلاف: 5/ 444 مسألة 41: «إذا ثبت القطع باعترافه، ثمّ رجع عنه سقط برجوعه، و به قال جماعة الفقهاء».

(2) النهاية: 718.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 318، أبواب مقدّمات الحدود ب 12 ح 1.

(4) سورة التوبة 9: 112.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 330، أبواب مقدّمات الحدود ب 17 ح 3.

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 582

..........

______________________________

أحدهما (عليهما السّلام) في حديث، قال: لا يقطع السّارق حتّى يقرّ بالسرقة مرّتين، فإن رجع ضمن السرقة، و لم يقطع إذا لم يكن شهود «1» و ضعفها بالإرسال و إن أمكن انجباره بما ربّما يقال كما مرّ-: بأنّ هذا القول هو الأشهر بين القدماء، و عليه فيكون استنادهم إليها جابراً لضعفها، إلّا أنّ المناقشة فيها من حيث الدلالة غير قابلة للدفع؛ لأنّه من المحتمل قويّاً بل الظاهر أنّ المراد من قوله (عليه السّلام): «فإن رجع» هو الرجوع بعد الإقرار الأوّل، لا الرجوع بعد الإقرار الثاني، و عليه فالمراد أنّه لو تحقّق الرجوع مكان الإقرار الثاني لا يترتّب حدّ القطع، بل يكون ضمان السرقة فقط و يؤيّد ما ذكرنا كون الحصر إضافيّاً مسوقاً لبيان لزوم إضافة الإقرار الثاني إلى الإقرار الأوّل، و إلّا ينافي قوله (عليه السّلام): «إذا لم يكن شهود» كما لا يخفى، و تفريع الرجوع على الحصر المذكور بكلمة «الفاء»، و لو كان المراد هو الرجوع بعد الإقرار الثاني لكان المناسب الإتيان بكلمة «الواو». و بالجملة لو لم تكن المرسلة ظاهرة فيما ذكر، فلا أقلّ من احتمالها له احتمالًا مساوياً لما هو مبنى الاستدلال، فلا يبقى له مجال و استدلّ للقول الثالث برواية طلحة بن زيد، عن جعفر (عليه السّلام) قال: حدّثني بعض أهلي أنّ شاباً أتى أمير المؤمنين (عليه السّلام) فأقرّ عنده بالسرقة، قال: فقال له عليّ (عليه السّلام): إنّي أراك شابّاً لا بأس بهبتك، فهل تقرأ شيئاً من القرآن؟ قال: نعم سورة البقرة، فقال: قد وهبت يدك لسورة البقرة، قال: و إنّما منعه أن يقطعه، لأنّه لم يقم عليه بيّنة «2» و مرسلة

أبي عبد اللّٰه البرقي، عن بعض أصحابه، عن بعض الصادقين (عليهم السّلام) قال: جاء

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 487، أبواب حدّ السرقة ب 3 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 488، أبواب حدّ السرقة ب 3 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 583

..........

______________________________

رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) فأقرّ بالسرقة، فقال له: أ تقرأ شيئاً من القرآن؟ قال: نعم سورة البقرة، قال: قد وهبت يدك لسورة البقرة، قال: فقال الأشعث: أ تعطّل حدّا من حدود اللّٰه؟ فقال: و ما يدريك ما هذا؟ إذا قامت البيّنة فليس للإمام أن يعفو، و إذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام، إن شاء عفا و إن شاء قطع. هذا على نقل الشيخ، و رواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه السّلام). و بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن يحيى، عن طلحة بن زيد، عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) نحوه «1» و ممّا ذكرنا يظهر عدم تعدّد الرواية، بمعنى أنّ القصّة الواقعة في زمن المولى قصّة واحدة و الحكاية متعدّدة، كما أنّ الظاهر اعتبار الرواية؛ لأنّ الظاهر وثاقة طلحة و إن كان عامّياً، كما أنّ ما رواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه السّلام) صحيح ظاهراً، فالإشكال من حيث السند كما في الجواهر «2» ممّا لا مجال له أصلًا، كما أنّ الحمل على صورة وحدة الإقرار مع عدم ثبوت السرقة به ممّا لا سبيل إليه بعد ظهور الرواية في ثبوت السرقة، خصوصاً مع الجواب عن الاعتراض بالتعطيل بالفرق بين البيّنة و الإقرار، الظاهر في كون المراد هو الإقرار الموجب للثبوت، كما لا يخفى نعم، يرد على الاستدلال بهما عدم انطباقهما

على المدّعى؛ لأنّ الكلام في صورة الإنكار بعد الإقرار، و ليس في الروايتين فرض الإنكار أصلًا، و ثبوت التخيير في مورد الإقرار لا يلازم ثبوته في صورة الإنكار بعده أيضاً، خصوصاً بعد ملاحظة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 331، أبواب مقدّمات الحدود ب 18 ح 3.

(2) جواهر الكلام: 41/ 427 428.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 584

..........

______________________________

أنّ الإنكار يوجب تزلزل الإقرار، و من الممكن أن يكون الاعتراف المجرّد عن الإنكار موضوعاً للحكم بالتخيير من جهة أنّه اعتراف بالعذاب، كما أشير إليه في بعض الروايات المتقدّمة، و قد انقدح من ذلك أنّ اللازم هو الأخذ بالقول الأوّل الفرع الثاني: ما لو أنكر بعد الإقرار مرّةً، و الحكم فيه أنّه يؤخذ منه المال و لا يقطع، أمّا عدم القطع فلعدم تحقّق تعدّد الإقرار مع اعتباره في ترتّبه، و أمّا أخذ المال، فلأنّه يكفي في ثبوته الإقرار مرّة واحدة، و مقتضى إطلاق دليل نفوذه عدم تأثير الإنكار بعده كما في سائر موارد الإقرار بالمال، و ينطبق على هذا الفرع مرسلة جميل المتقدّمة في الفرع الأوّل، بناءً على ما استظهرنا منها من كون المراد هو الرجوع عن الإقرار الأوّل، كما عرفت الفرع الثالث: ما لو تاب قبل قيام البيّنة و قبل الإقرار، و الحكم فيه سقوط الحدّ، و في الجواهر بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه «1»، و يدلّ عليه صحيحة عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: السارق إذا جاء من قبل نفسه تائباً إلى اللّٰه عزّ و جل تردّ سرقته إلى صاحبها و لا قطع عليه «2» و ليس المراد من قوله (عليه السّلام): «و لا قطع عليه»

هو عدم ثبوت القطع بملاحظة مجرّد التوبة، فلا ينافي ثبوته بقيام البيّنة بعده أو الإقرار، بل المراد عدم ثبوت القطع و لو ثبتت السرقة بعد التوبة، كما لا يخفى و مرسلة جميل بن درّاج، عن رجل، عن أحدهما (عليهما السّلام) في رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى فلم يعلم ذلك منه، و لم يؤخذ حتّى تاب و صلح، فقال: إذا صلح

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 539.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 327، أبواب مقدّمات الحدود ب 16 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 585

..........

______________________________

و عرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحدّ، الحديث «1» الفرع الرابع: ما لو تاب أو أنكر بعد قيام البيّنة، و الحكم فيه ثبوت القطع و عدم ترتّب أثر على التوبة من هذه الجهة؛ و ذلك لإطلاق دليل حجيّة البيّنة الشامل لصورة التوبة بعد قيامها، مضافاً إلى قول أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رواية أبي عبد اللّٰه البرقي المتقدّمة: «إذا قامت البيّنة فليس للإمام أن يعفو»، و لكنّ الظاهر أنّ مورده صورة عدم التوبة، و لا إطلاق له يشمل صورة التوبة أيضاً هذا، و ربّما يقال: بأنّ مقتضى إطلاق صحيحة ابن سنان، الدالّة على سقوط القطع الشمول لهذا الفرع، نظراً إلى أنّ المراد بالسارق فيها هو من ثبتت سرقته، أعمّ من أن يكون ثبوتها بالبيّنة أو بالإقرار، فتدلّ على أنّ التوبة بعد قيام البيّنة مسقطة للحدّ و لكنّ الظاهر أنّه ليس المراد بالسّارق فيها هو من ثبتت سرقته حتّى يتمسّك بإطلاقه، بل مقتضى قوله (عليه السّلام): «إذا جاء من قبل نفسه» أنّ هذا العنوان إنما هو بلحاظ دلالة التوبة على الإقرار الضمني بالسرقة، و عليه فليس المراد

به إلّا ما ذكر، و يؤيّده قول الراوي في المرسلة بعد فرض السرقة: «فلم يعلم ذلك منه» فإنّ ظاهره أنّ إسناد السرقة إنّما هو بلحاظ الإقرار الذي يتضمّنه التوبة، لا بلحاظ ثبوتها بالبيّنة أو الإقرار و ممّا ذكرنا يظهر أنّ دعوى انصراف الإطلاق إلى خصوص من ثبتت سرقته بالإقرار ممنوعة جدّاً. و العجب من هذا المدّعى أنّه مع الاعتراف بذلك ينكر بعد أسطر وجود الدليل على سقوط القطع فيما لو تاب بعد الإقرار الذي هو

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 327، أبواب مقدّمات الحدود ب 16 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 586

..........

______________________________

الفرع الآتي «1» و الحقّ أنّه ليس المراد بالسارق من ثبتت سرقته حتّى يكون إطلاقه شاملًا للمقام، أو يدّعى انصرافه إلى خصوص صورة الإقرار الفرع الخامس: ما لو تاب بعد الإقرار، و المحكيّ عن ابن إدريس تحتّم القطع «2» و عن النهاية «3» و الجامع «4» و إطلاق الكافي «5» و الغنية «6» تخيّر الإمام في الإقامة و العفو و يدلّ على الأوّل إطلاق دليل نفوذ الإقرار الشامل لصورة التوبة بعده، و ربّما يستدلّ عليه كما في الجواهر «7» بصحيحي محمّد بن مسلم و الحلبي المتقدّمين في الفرع الأوّل، و الظاهر عدم تماميّته؛ لأنّ موردهما ما إذا أنكر بعد الإقرار. و الكلام إنّما هو في التوبة بعده، و من الممكن اختلاف حكم التوبة مع حكم الإنكار، خصوصاً مع ملاحظة أنّ التوبة إنّما توجب تأكيد ما هو مقتضى الإقرار، و من الممكن مدخليّة ذلك في سقوط القطع، و هذا بخلاف الإنكار الذي يوجب تزلزل الإقرار و ربّما يستدلّ على الثاني مضافاً إلى أنّ التوبة إذا كانت مسقطة لعذاب الآخرة، فإسقاطها

لعذاب الدنيا إنّما هو بطريق أولى بروايتي طلحة و أبي عبد اللّٰه البرقي

______________________________

(1) مباني تكملة المنهاج: (1)/ 309.

(2) السرائر: 3/ 491.

(3) النهاية: 718.

(4) الجامع للشرائع: 561.

(5) الكافي في الفقه: 412.

(6) غنية النزوع: 434.

(7) جواهر الكلام: 41/ 540.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 587

..........

______________________________

المتقدّمتين، الظاهرتين في تخيّر الإمام بين العفو و القطع و الجواب: أمّا عن الدليل الأوّل مضافاً إلى أنّ مقتضاه تعيّن السقوط لا التخيير كما هو المدّعى أنّ قياس الحدود بعذاب الآخرة مع الفارق؛ لأنّ عذاب الآخرة قد لوحظ بالإضافة إلى شخص الكافر و العاصي، و الحدود قد لوحظ فيها مضافاً إلى ذلك المصالح الاجتماعيّة المرتبطة بالاجتماع، فقطع يد السارق يوجب ارتداع الناس و عدم ارتكابهم للسرقة، فالقياس مع الفارق و أمّا عن الدليل الثاني، فربّما يقال: بأنّه عبارة عن ضعف الرواية بالإرسال و غيره، و لكن قد عرفت اعتبار الرواية و خلوّها عن الضعف و الحقّ في الجواب أن يقال: إنّ موردهما صورة خصوص الإقرار من دون أن يكون متعقّباً بالتوبة، فلو كان الحكم في مورد الإقرار المجرّد هو التخيير لأمكن أن يقال: بأنّ ثبوته في صورة التوبة إنّما هو بطريق أولى، و أمّا لو قلنا بعدم إمكان الالتزام بثبوت التخيير في الإقرار المجرّد، فلازمه عدم إمكان الالتزام بالرواية في موردها، و معه لا يبقى مجال للتمسّك بالأولويّة، فالحقّ في هذا الفرع هو ما حكي عن ابن إدريس من تحتّم القطع 22 شعبان المعظّم 1405 ه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 589

[القول في الحدّ]

اشارة

القول في الحدّ

[مسألة (1): حدّ السّارق في المرّة الأولىٰ قطع الأصابع الأربع]

مسألة (1): حدّ السّارق في المرّة الأولىٰ قطع الأصابع الأربع من مفصل أُصولها من اليد اليمنىٰ، و يترك له الراحة و الإبهام، و لو سرق ثانية قطعت رجله اليسرىٰ من تحت قبّة القدم حتى يبقىٰ له النصف من القدم و مقدار قليل من محلّ المسح، و إن سرق ثالثاً حبس دائماً حتى يموت، و يجري عليه من بيت المال إن كان فقيراً، و إن عاد و سرق رابعاً و لو في السجن قتل (1).

______________________________

(1) أمّا قطع الأصابع الأربع من مفصل أُصولها من اليد اليمنى، فهو الذي نفى وجدان الخلاف فيه، بل الإجماع بقسميه عليه في الجواهر «1»، و هو محلّ الخلاف بيننا و بين أهل الخلاف قال الشيخ في الخلاف: موضع القطع في اليد من أُصول الأصابع دون الكفّ، و يترك له الإبهام، و من الرجل عند معقد الشراك من عند الناتئ على ظهر القدم،

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 528.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 590

..........

______________________________

يترك له ما يمشي عليه، و هو المرويّ عن عليّ (عليه السّلام) «1» و جماعة من السلف و قال جميع الفقهاء و أبو حنيفة و أصحابه و مالك و الشافعي: إنّ القطع في اليد من الكوع و هو المفصل الذي بين الكفّ و الذراع و كذلك تقطع الرجل من المفصل بين الساق و القدم «2» و قالت الخوارج: يقطع من المنكب؛ لأنّ اسم اليد يقع على هذا «3» دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، و أيضاً قوله تعالى فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتٰابَ بِأَيْدِيهِمْ «4» و معلوم أنّهم يكتبون بأصابعهم دون الساعد و الكفّ، و أيضاً ما قلناه مجمع على وجوب قطعه، و ما قالوه ليس

عليه دليل «5» و الروايات المستفيضة من طرقنا تدلّ على ذلك كما أشار إليه الشيخ (قدّس سرّه) و المناسب إيراد بعضها:

كموثّقة إسحاق بن عمّار، عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) قال: تقطع يد السّارق و يترك إبهامه و صدر راحته، و تقطع رجله و يترك له عقبه يمشي عليها «6» و ذكر اليد مكان الأصابع مع أنّ القاعدة تقتضي التصريح بها؛ لعلّه للإشارة إلى أنّ المراد من اليد في الآية الشريفة هو ما تدلّ عليه الرواية، كما أنّ المراد من الراحة فيها هو الكفّ، و عليه فالمقصود من الصدر ما يقابل الذيل، و هو عبارة عن باطن

______________________________

(1) دعائم الإسلام: 2/ 469 ح 1671، من لا يحضره الفقيه: 4/ 64 65، تفسير العيّاشي: 1/ 318 ح 104.

(2) الامّ: 6/ 150، مختصر المزني: 264، المجموع: 21/ 422، المغني لابن قدامة: 10/ 264، بداية المجتهد: 2/ 447، أسهل المدارك: 2/ 269، شرح فتح القدير: 5/ 153.

(3) المحلّىٰ بالآثار: 12/ 354، بدائع الصنائع: 6/ 42.

(4) سورة البقرة 2: 79.

(5) الخلاف: 5/ 437 438 مسألة 31.

(6) وسائل الشيعة: 18/ 490، أبواب حدّ السرقة ب 4 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 591

..........

______________________________

الأصابع، فالرواية ظاهرة فيما أفتى به الأصحاب و موثّقة عبد اللّٰه بن هلال، عن أبيه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: أخبرني عن السارق لم تقطع يده اليمنى و رجله اليسرى، و لا تقطع يده اليمنى و رجله اليمنى؟ فقال: ما أحسن ما سألت، إذا قطعت يده اليمنى و رجله اليمنى سقط على جانبه الأيسر و لم يقدر على القيام، فإذا قطعت يده اليمنى و رجله اليسرى اعتدل و استوى قائماً،

قلت له: جعلت فداك، و كيف يقوم و قد قطعت رجله؟ فقال: إنّ القطع ليس من حيث رأيت يقطع، إنّما يقطع الرجل من الكعب، و يترك له من قدمه ما يقوم عليه و يصلّي و يعبد اللّٰه، قلت له: من أين تقطع اليد؟ قال: تقطع الأربع أصابع، و يترك الإبهام يعتمد عليها في الصلاة و يغسل بها وجهه للصلاة، قلت: فهذا القطع من أوّل من قطع؟ قال: قد كان عثمان بن عفّان حسّن ذلك لمعاوية «1» و رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: القطع من وسط الكفّ، و لا يقطع الإبهام، و إذا قطعت الرجل ترك العقب لم يقطع «2» و الظاهر أنّ المراد من وسط الكفّ هو مفصل أُصول الأصابع؛ لأنّه يوجب انقسام الكفّ إلى الصدر و الذيل، و عليه فالمراد بهذه العبارة كما في بعض الروايات الأُخر أيضاً هذا المعنى و إن كان خالياً عن التعرّض لعدم قطع الإبهام، كما لا يخفى و روايات أُخرى كثيرة، و إن كان في سند بعضها خلل من جهة الإرسال و غيره و في مقابلها صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: من أين يجب

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 494، أبواب حدّ السرقة ب 5 ح 8.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 489، أبواب حدّ السرقة ب 4 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 592

..........

______________________________

القطع؟ فبسط أصابعه و قال: من هاهنا، يعني من مفصل الكفّ «1» و الظاهر بقرينة النصّ و الفتوى لزوم حملها على التقيّة؛ لموافقتها لمذهب العامّة كما عرفت و يمكن المناقشة في دلالتها أيضاً؛ نظراً إلى أنّه لو كان مراد الإمام (عليه السّلام)

هو القطع من مفصل الكفّ، لم تكن حاجة إلى بسط الأصابع؛ لعدم مدخليّة البسط في هذا المعنى أصلًا، بل المناسب لبسط الأصابع هو القطع من مفصل أُصولها، و عليه فيحتمل وقوع الخطأ و الاشتباه في هذا التفسير و لو من أحد من الرواة بعد الحلبي ثمّ إنّه لو كانت يده ناقصة يجتزى بالناقص و لو كانت إصبعاً واحدة. نعم، لو لم يكن له من الأصابع الأربع شي ء من اليد اليمنى يدخل في بعض المسائل الآتية و الوجه في الاجتزاء بالناقص، أنّه لو أُريد قطع الإبهام أو الراحة أو كليهما مكانه فظاهر النصّ الدال على لزوم ترك الإبهام و الراحة ينفي ذلك، و لو احتمل الانتقال إلى اليد الأُخرى، فالظاهر أنّه لا مجال له بعد عدم انتفاء اليد اليمنى و بقائها و لو بإصبع واحدة، و دعوى أنّ ظاهر النص لزوم قطع الأصابع الأربع، و المفروض انتفاؤها في المقام، مدفوعة بأنّ ظاهره لزوم تأثير القطع في انتفاء الأصابع الأربع الأصليّة، من دون فرق بين كون انتفاء الجميع مستنداً إلى القطع، أو كان انتفاء بعضها مستنداً إلى علّة سابقة، أو النقص من جهة الخلقة، فالظاهر ما ذكرنا كما أشار إليه في الجواهر «2» و لو كانت له إصبع زائدة مثلًا ففيه فروض ثلاثة:

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 489، أبواب حدّ السرقة ب 4 ح 1.

(2) جواهر الكلام: 41/ 530.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 593

..........

______________________________

الأوّل: ما لو كانت الإصبع الزائدة متّصلة بأحد الأربع و تابعة له، بحيث لا يمكن قطعه إلّا بها، و المحكيّ عن القواعد «1» لزوم قطع البقيّة، و عدم قطع المشتمل على الزائدة إلّا بمقدار لا يوجب قطعها؛ و لعلّه لحرمة

قطع الزائدة، فلا مجال لقطع المشتمل عليها المستلزم لقطعها و في الجواهر و ربّما يحتمل عدم المبالاة بالزائدة، فيقطع الأربع إذا لم يمكن قطعها بدونها، و لكنّه ضعيف «2» و الظاهر قوّة هذا الاحتمال؛ لأنّ مفاد الروايات لزوم قطع الأصابع الأربع الأصليّة و ترك الراحة و الإبهام، فإذا فرض كون الزيادة تابعة لا مجال لرفع اليد عن حكم المتبوع، و دعوى كون قطع الزائدة محرّمة في هذا الفرض، مدفوعة بأنّه أوّل الكلام، و نحن نستفيد من الروايات العدم الثاني: ما لو لم تكن الإصبع الزائدة كذلك، أي متّصلة بأحد الأربع الأصليّة، و لكنّها كانت متميّزة متشخّصة، و لا يتوقّف قطع الأربع على قطعها، و الظاهر أنّه لا دليل على لزوم قطعها في هذا الفرض؛ لدلالة النصوص على لزوم قطع الأصابع الأربع الأصليّة، و الحكم بلزوم ترك الإبهام و الراحة لا دلالة فيه بل و لا إشعار على لزوم القطع. و ممّا ذكرنا يظهر أنّه لا يجوز قطعها مكان أحد الأصابع الأصلية، بل اللازم إبقاؤها بعنوانها الثالث: الفرض الثاني مع عدم كون الزائدة متميّزة متشخّصة. و يجري فيه احتمالات ثلاث:

______________________________

(1) قواعد الأحكام: 2/ 271.

(2) جواهر الكلام: 41/ 530.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 594

..........

______________________________

أحدها: القرعة، نظراً إلى أنّها لكلّ أمر مشتبه أو مشكل، و المقام أيضاً من حقوق الناس، و الظاهر قوّة هذا الاحتمال ثانيها: ثبوت التخيير العقلي؛ لدوران الأمر بين المحذورين؛ للعلم الإجمالي بوجوب قطع الأصليّة و حرمة قطع الزائدة، و المفروض عدم تميّزهما بوجه ثالثها: قطع الجميع؛ لعدم الدليل على حرمة قطع الزائدة في هذا الفرض، فإذا توقّف قطع الأصليّة على قطع كلتيهما يجب، كما في الزائدة التابعة على ما

عرفت في الفرض الأوّل، و هذا الاحتمال أقوى بعد الاحتمال الأوّل ثمّ إنّه حكي عن المبسوط أنّه قال: فإذا قدِّم السارق للقطع أُجلس و لا يقطع قائماً؛ لأنّه أمكن له و أضبط حتّى لا يتحرّك فيجني على نفسه، و تشدّ يده بحبل و تمدّ حتّى يتبيّن المفصل، و توضع على شي ء: لوح أو نحوه، فإنّه أسهل و أعجل لقطعه، ثمّ يوضع على المفصل سكّين حادّة، و يدقّ من فوقه دقّةً واحدة حتّى تنقطع باعجل ما يمكن، قال: و عندنا يفعل مثل ذلك بأُصول الأصابع إن أمكن، أو يوضع على الموضع شي ء حادّ و يمدّ عليه مدّة واحدة، و لا يكرّر القطع فيعذّبه؛ لأنّ الغرض إقامة الحدّ من غير تعذيب، فإن علم قطع أعجل من هذا قطع به «1» و لا بأس بذلك و إن لم أجده فيما حضرني من النصوص، و لازم ما أفاده جواز القطع في زماننا هذا مع فقد الحسّ لموضع القطع، بحيث لا يتأذّى بذلك أصلًا، أو القطع بإعانة المادّة الكهربائيّة و أمثال ذلك، و لا يبعد الالتزام به. هذا تمام الكلام في حدّ المرّة الأُولى و أمّا الحدّ في المرّة الثانية، فلا إشكال و لا خلاف نصّاً و فتوى في أنّه عبارة عن

______________________________

(1) المبسوط: 8/ 35.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 595

..........

______________________________

قطع الرجل اليسرى، و قد وقع الخلاف في محلّ القطع، فعن المقنعة «1» و النهاية «2» و النافع «3» و مجمع البيان «4» و المراسم «5» و الروضة «6» أنّه من مفصل القدم، و يترك له العقب يعتمد عليها. و اختاره المحقّق في الشرائع «7» و العلّامة في جلّ كتبه «8» و اختار جمع كثير

من المتقدّمين و المتأخرين أنّه من وسط القدم، و إن كانت عباراتهم في إفادة هذا المعنى مختلفة بحسب الظاهر، و لكنّ المراد متّحد، فعن الصدوق في المقنع مثل ما ذكر من التعبير بوسط القدم «9»، و عن الخلاف «10» و المبسوط «11» و التلخيص للعلّامة: يقطع من عند معقد الشراك من عند الناتئ على ظهر القدم «12»، و عن السرائر: من مفصل المشط ما بين قبّة القدم و أصل الساق، و يترك بعض القدم الذي هو الكفّ يعتمد عليها في الصلاة «13» و المشط هو العظام

______________________________

(1) المقنعة: 802.

(2) النهاية: 717.

(3) المختصر النافع: 303.

(4) مجمع البيان: 3/ 318.

(5) المراسم: 261.

(6) الروضة البهيّة: 9/ 284.

(7) شرائع الإسلام: 4/ 956.

(8) إرشاد الأذهان: 2/ 184، قواعد الأحكام: 2/ 270، تحرير الأحكام: 2/ 231، تبصرة المتعلِّمين: 188.

(9) المقنع: 445.

(10) الخلاف: 5/ 437 مسألة 31.

(11) المبسوط: 8/ 35.

(12) حكىٰ عنه في كشف اللثام: 2/ 428 429.

(13) السرائر: 3/ 488 489.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 596

..........

______________________________

الرقاق المنتشرة في ظهر القدم. و عن الكافي «1» و الغنية «2» و الإصباح: أنّه من عند معقد الشراك، و يترك له مؤخّر القدم و العقب «3» و عن الإنتصار: يقطع من صدر القدم و يبقى له العقب «4» و الظاهر أنّ تقسيم القدم إلى الصدر و الذيل إنّما هو بلحاظ ظاهره لا باطنه، فلا يبقى ظهور لقوله: «و يبقى له العقب» في إبقاء خصوص العقب و عن الجامع: أنّه من الكعب، و أنّه يبقى له عقبه «5» و قد فسّر الكعب في كتاب الطهارة بقبّة القدم «6»، و الحكم بإبقاء العقب نظير ما ذكرنا و هنا قول ثالث يظهر من

محكيّ التبيان، قال: فأمّا الرجل فعندنا تقطع الأصابع الأربع من مشط القدم، و يترك الإبهام و العقب «7»، و لكنّه ذكر في الجواهر بعد نقله: إنّي لم أجده قولًا لأحد من العامّة و الخاصّة، فضلًا عن أن يكون مجمعاً عليه بيننا كما هو ظاهر عبارته «8» هذا بالنظر إلى الفتاوى و أمّا بالنظر إلى النصوص، فمقتضى قوله (عليه السّلام) في خبر أبي بصير المتقدّم في حدّ المرّة الأولى: «و إذا قطعت الرجل ترك العقب لم يقطع» هو اختصاص المتروك بخصوص العقب، و كذا قوله (عليه السّلام) في موثّقة إسحاق بن عمار المتقدّمة: «و تقطع رجله

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 411.

(2) غنية النزوع: 432.

(3) إصباح الشيعة: 523.

(4) الإنتصار: 528.

(5) الجامع للشرائع: 561.

(6) الجامع للشرائع: 36.

(7) التبيان: 3/ 514.

(8) جواهر الكلام: 41/ 533.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 597

..........

______________________________

و يترك له عقبه يمشي عليها». و لكنّ الظاهر أنّ قوله: «يمشي عليها» الذي هو بمنزلة التعليل يظهر منه عدم اختصاص المتروك بخصوص العقب؛ لعدم القدرة على المشي مع العقب فقط، و لو فرض ثبوت القدرة على القيام و مقتضى قوله (عليه السّلام) في رواية سماعة بن مهران قال: قال: «إذا أُخذ السارق قطعت يده من وسط الكفّ، فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم، فإن عاد استودع السجن، فإن سرق في السجن قتل» «1» هو القول الثاني و كذا رواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث السرقة، قال: و كان إذا قطع اليد قطعها دون المفصل، فإذا قطع الرجل قطعها من الكعب، قال: و كان لا يرى أن يعفى عن شي ء من الحدود «2» بناءً على أنّ الكعب هو قبّة القدم، كما

هو المعروف بين الأصحاب و كذا قوله (عليه السّلام) في رواية عبد اللّٰه بن هلال المتقدّمة في مقام الجواب عن سؤال الراوي: و كيف يقوم و قد قطعت رجله؟: «إنّ القطع ليس من حيث رأيت يقطع، إنّما يقطع الرجل من الكعب، و يترك له من قدمه ما يقوم عليه و يصلّي و يعبد اللّٰه تعالى» و الظاهر أنّ ظهور هذه الروايات في القول الثاني أقوى من ظهور خبر أبي بصير في اختصاص المتروك بالعقب، فيصير قرينة على التصرف فيه بحمله على ترك العقب غير المنافي لترك شي ء آخر، كما عرفت في بعض العبائر المتقدّمة، فالظاهر هو القول الثاني كما اختاره في المتن.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 489، أبواب حدّ السرقة ب 4 ح 3.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 491، أبواب حدّ السرقة ب 4 ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 598

..........

______________________________

و أمّا الحدّ في المرّة الثالثة، فهو الحبس دائماً حتّى يموت «1»، و النصّ و الفتوى متوافقان على ذلك، بل كما في الجواهر يمكن دعوى القطع به من النصوص «2» مثل:

صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في السارق إذا سرق قطعت يمينه، و إذا سرق مرّة أُخرى قطعت رجله اليسرى، ثمّ إذا سرق مرّة أُخرى سجنه، و تركت رجله اليمنى يمشي عليها إلى الغائط، و يده اليسرى يأكل بها و يستنجي بها، فقال: إنّي لأستحيي من اللّٰه أن أتركه لا ينتفع بشي ء، و لكنّي أسجنه حتّى يموت في السجن، و قال: ما قطع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) من سارق بعد يده و رجله «3» و صحيحة القاسم، عن أبي عبد

اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل سرق؟ فقال: سمعت أبي يقول: اتي عليّ (عليه السّلام) في زمانه برجل قد سرق فقطع يده، ثمّ اتي به ثانية فقطع رجله من خلاف، ثمّ اتي به ثالثة فخلّده في السجن، و أنفق عليه من بيت مال المسلمين، و قال: هكذا صنع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) لا أُخالفه «4» و صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث في السرقة، قال: تقطع اليد و الرجل ثمّ لا يقطع بعد، و لكن إن عاد حبس و أُنفق عليه من بيت مال المسلمين «5».

______________________________

(1) في النسخة المخطوطة للمؤلّف: حتّى يتوب.

(2) جواهر الكلام: 41/ 533.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 492، أبواب حدّ السرقة ب 5 ح 1.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 493، أبواب حدّ السرقة ب 5 ح 3.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 494، أبواب حدّ السرقة ب 5 ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 599

..........

______________________________

و إطلاق الحبس لو لم يكن ظاهراً في الدوام، فلا أقلّ من أنّه محمول عليه بقرينة سائر الروايات و ما رواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه السّلام)، أنّه كان إذا سرق الرجل أوّلًا قطع يمينه، فإن عاد قطع رجله اليسرى، فإن عاد ثالثة خلّده السجن و أنفق عليه من بيت المال «1» و غير ذلك من الروايات الكثيرة الدالّة عليه ثمّ إنّ صاحب الجواهر ذكر بعد قول المحقّق: فإن سرق ثالثة حبس دائماً «2» قوله: «حتّى يموت أو يتوب» «3» و ظاهره أنّ التوبة توجب التخلّص عن الحبس، مع أنّ الظاهر أنّه لا دليل عليه، و ليس في شي ء من الروايات الواردة في هذه الجهة إشعار بذلك

و أمّا الحدّ في المرّة الرابعة، المتحقّقة بالسرقة في السجن أو في خارجه بعد الفرار منه، فهو القتل بلا خلاف أيضاً، و يدلّ عليه مثل:

موثّقة سماعة بن مهران قال: قال: إذا أُخذ السارق قطعت يده من وسط الكفّ، فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم، فإن عاد استودع السجن، فإن سرق في السجن قتل «4» و ليس للسرقة في السجن خصوصيّة، بل المناط مجرّد السرقة في المرّة الرابعة، و لو كان في خارج السجن بعد الفرار منه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 495، أبواب حدّ السرقة ب 5 ح 10.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 956.

(3) جواهر الكلام: 41/ 533.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 493، أبواب حدّ السرقة ب 5 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 600

[مسألة 2: لو تكرّرت منه السرقة و لم يتخلّل الحدّ كفىٰ حدّ واحد]

مسألة 2: لو تكرّرت منه السرقة و لم يتخلّل الحدّ كفىٰ حدّ واحد، فلو تكرّرت منه السرقة بعد الحدّ قطعت رجله، ثمّ لو تكرّرت منه حبس، ثمّ لو تكرّرت قتل (1)

[مسألة 3: لا تقطع اليسار مع وجود اليمين]

مسألة 3: لا تقطع اليسار مع وجود اليمين، سواء كانت اليمين شلّاء

______________________________

و مرسلة الصدوق قال: و روى أنّه من سرق في السجن قتل «1» و لكنّها ضعيفة من حيث السند بالإرسال، و من حيث الدّلالة؛ لعدم ظهورها في كون المراد هو السجن الذي جعل حدّ السرقة في المرّة الثالثة، إلّا أن يؤخذ بإطلاقها

(1) أمّا كفاية الحدّ الواحد مع عدم التخلّل فمضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه بين الخاصّة بل بين العامّة كما في الجواهر «2» يدلّ عليه: صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج و بكير بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل سرق فلم يقدر عليه، ثمّ سرق مرّةً أُخرى فلم يقدر عليه، و سرق مرّةً أُخرى فأخذ، فجاءت البيّنة فشهدوا عليه بالسرقة الأُولى و السرقة الأخيرة، فقال: تقطع يده بالسرقة الأُولى، و لا تقطع رجله بالسرقة الأخيرة، فقيل له: و كيف ذاك؟ قال: لأنّ الشهود شهدوا جميعاً في مقام واحد بالسرقة الأُولى و الأخيرة قبل أن يقطع بالسرقة الأُولى، و لو أنّ الشهود شهدوا عليه بالسرقة الاولى ثمّ أمسكوا حتّى يقطع، ثمّ شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة قطعت رجله اليسرى «3» و سيأتي تمام الكلام فيه في اللواحق إن شاء اللّٰه تعالى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 495، أبواب حدّ السرقة ب 5 ح 11.

(2) جواهر الكلام: 41/ 535، و كذا في الخلاف: 5/ 441 مسألة 36.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 499، أبواب حدّ السرقة ب 9 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الحدود، ص: 601

و اليسار صحيحة، أو العكس، أو هما شلّاء. نعم، لو خيف الموت بقطع الشلّاء لاحتمال عقلائيّ له منشأ عقلائيّ كإخبار الطبيب بذلك لم تقطع احتياطاً على حياة السارق، فهل تقطع اليسار الصحيحة في هذا الفرض، أو اليسار الشلّاء مع الخوف في اليمين دون اليسار؟ الأشبه عدم القطع (1).

______________________________

(1) أمّا عدم قطع اليسار مع وجود اليمين مطلقاً، سواء كانت اليمين شلّاء و اليسار صحيحة أو العكس، أو كانتا شلّائين فهو الذي اختاره المشهور، بل عن الخلاف «1» و الغنية «2» الإجماع عليه، و عن أبي عليّ الإسكافي عدم القطع على من كانت يساره شلّاء أو معدومة، بل يخلد في الحبس «3» و يدلّ على المشهور مضافاً إلى إطلاق مثل الآية الشريفة الشامل لما إذا كانت اليمين أو اليسار أو هما معاً شلّاء صحيحة عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل أشلّ اليد اليمنى أو أشلّ الشمال سرق، قال: تقطع يده اليمنى على كلّ حال «4» و صحيحتا زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) و عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّ الأشلَّ إذا سرق قطعت يمينه على كلّ حال، شلّاء كانت أو صحيحة، فإن عاد فسرق قطعت رجله اليسرى، فإن عاد خلّد في السجن، و أُجري عليه من بيت المال و كفّ عن الناس «5».

______________________________

(1) الخلاف: 5/ 441 مسألة 37.

(2) غنية النزوع: 432.

(3) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/ 242 243 مسألة 93.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 501، أبواب حدّ السرقة ب 11 ح 1.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 502، أبواب حدّ السرقة ب 11 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 602

[مسألة 4: لو لم يكن للسارق يسار قطعت يمناه على المشهور]

مسألة 4: لو لم يكن للسارق يسار قطعت يمناه على المشهور، و في رواية صحيحة: لا تقطع، و العمل على المشهور، و لو كان له يمين حين ثبوت السرقة

______________________________

و بهذه الأدلّة يجاب عمّا استدلّ به للإسكافي من رواية المفضّل بن صالح، عن بعض أصحابه قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): إذا سرق الرجل و يده اليسرى شلّاء لم تقطع يمينه و لا رجله، و إن كان أشلّ ثمّ قطع يد رجل قصَّ منه، يعني لا يقطع في السرقة، و لكن يقطع في القصاص «1»؛ لعدم مقاومتها مع إرسالها للروايات الصحيحة المتقدّمة و ربّما يستدلّ له أيضاً بما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج الآتية في المسألة الرابعة من قول عليّ (عليه السّلام): إنّي لأستحيي من ربّي أن لا أدع له يداً يستنجي بها، أو رجلًا يمشي عليها «2» و لكنّه مع وقوعه في مقام التعليل لا ينهض في مقابل الروايات الصحيحة الصريحة، الدالّة على قطع اليد اليمنى و لو كانت اليسرى شلّاء، فاللازم العمل بها نعم، لو أخبر الطبيب مثلًا بأنّ قطع اليد اليمنى الشلّاء يوقعه في خطر الهلاك؛ لبقاء أفواه العروق مع القطع مفتّحة، فلا يبقى مجال حينئذٍ للقطع؛ لعدم إرادة القتل من الحدّ في هذه المرتبة، و لزوم التحفّظ على حياة السارق كما أنّه لا يبقى مجال لقطع اليسار الصحيحة أو الشلّاء مع عدم ثبوت الخطر في قطعها؛ لأنّ سقوط قطع اليمنى لثبوت خوف الهلاك لا يستلزم لزوم قطع اليسار بعد عدم ثبوت دليل عليه و افتقار القطع إلى الدليل، كما لا يخفى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 502، أبواب حدّ السرقة ب 11 ح 2.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 495، أبواب حدّ السرقة

ب 5 ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 603

فذهبت بعده لم تقطع اليسار (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فرعان:

الأوّل: ما لو لم يكن للسارق يسار، و المشهور أنّه تقطع يمينه، و المخالف هو الإسكافي في عبارته المتقدّمة، و يدلّ عليه مضافاً إلى أولويّة المقام من الشلّاء، فيدلّ عليه ما دلّ على السقوط هناك كرواية المفضّل المتقدّمة بطريق أولى صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن السارق يسرق فتقطع يده، ثمّ يسرق فتقطع رجله، ثمّ يسرق هل عليه قطع؟ فقال: في كتاب عليّ (عليه السّلام): أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) مضى قبل أن يقطع أكثر من يد و رجل، و كان عليّ (عليه السّلام) يقول: إنّي لأستحيي من ربّي أن لا أدع له يداً يستنجي بها، أو رجلًا يمشي عليها. قلت: له لو أنّ رجلًا قطعت يده اليسرى في قصاص فسرق ما يصنع به؟ قال: فقال: لا يقطع و لا يترك بغير ساق، قال: قلت: لو أنّ رجلًا قطعت يده اليمنى في قصاص، ثمّ قطع يد رجل اقتصَّ منه أم لا؟ فقال: إنّما يترك في حقّ اللّٰه، فأمّا في حقوق الناس فيقتصّ منه في الأربع جميعاً «1» و دلالة الرواية على عدم قطع اليمنى مع عدم ثبوت اليسرى واضحة من جهة قوله (عليه السّلام): «لا يقطع» جواباً عن نفس هذه المسألة، و من جهة قول عليّ (عليه السّلام): «إنّي لأستحيي»، و من جهة التفصيل في الذيل بين حقّ اللّٰه الموجب لعدم القطع كما في السرقة، و حقّ الناس الموجب له كما في القصاص نعم، يبقى إجمال قوله: «و لا يترك بغير ساق» بعد

قوله: «لا يقطع»، مع أنّ الحدّ في المرّة الأولى لا يرتبط بالرجل و الساق أصلًا، و على تقديره لا يكون الحدّ في المرّة

______________________________

(1) أورد صدرها في الوسائل: 18/ 495، أبواب حدّ السرقة ب 5 ح 9، و ذيلها في ص 502 ب 11 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 604

..........

______________________________

الثانية موجباً لانتفاء الساق، سواء كان القطع من وسط القدم أو من مفصل الساق، و على تقديره يكون ساق الرجل اليمنى محفوظاً بحاله، فلا يبقى بغير ساق كما لا يخفى و لكنّ الظاهر أنّ إجمال هذا القول و عدم تبيّنه لا يضرّ بما هو المقصود من الاستدلال بالرواية؛ لأنّ وضوح دلالتها على عدم القطع فيما هو المفروض لا مجال للمناقشة فيه مع أنّه حكى في الجواهر أنّه قيل: إنّ الساق في اللغة الأمر الشديد، فلعلّ المراد بقوله (عليه السّلام): «و لا يترك بغير ساق» أنّه لا يقطع و لا يترك أيضاً، من دون أمر آخر شديد مكان القطع، بل يفعل به ما يقوم مقام قطع اليد «1» هذا، و لكن إعراض المشهور عن الرواية مع كونها صحيحة من حيث السند ظاهرة من حيث الدلالة، و كونها بمرأى و مسمع منهم يوجب عدم جواز الاعتماد عليها. نعم، لو قيل بعدم قدح إعراض المشهور بوجه، و الملاك تماميّة السند و الدلالة و سائر الجهات المشابهة، فاللازم الالتزام بمفادها و الفتوى على طبقها الفرع الثاني: ما لو كان له يمين حين ثبوت السرقة و الحكم عليه بقطعها، و لكنّها ذهبت قبل إجراء الحدّ عليه للتصادم مع السيّارة مثلًا، و الحكم فيه أنّه لا تقطع اليسار مكانها قولًا واحداً كما في محكيّ المسالك «2»،

و استظهر انتفاء الخلاف فيه في محكيّ كشف اللثام «3»، و الوجه فيه انتفاء موضوع الحكم بذهابها فينتفى الحكم،

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 537.

(2) مسالك الأفهام: 14/ 522.

(3) كشف اللثام: 2/ 429.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 605

[مسألة 5: من سرق و ليس له اليمنىٰ]

مسألة 5: من سرق و ليس له اليمنىٰ قيل: فإن كانت مقطوعة في القصاص أو غير ذلك و كانت له اليسرىٰ قطعت يسراه، فإن لم تكن له أيضاً اليسرىٰ قطعت رجله اليسرىٰ، فإن لم يكن له رجل لم يكن عليه أكثر من الحبس، و الأشبه في جميع ذلك سقوط الحدّ و الانتقال إلى التعزير (1).

______________________________

و لا دليل على الانتقال إلى غيرها، كما أنّه لا دليل على أنّه لا بدّ من تحقّق قطع في المرّة الأولى، فالظاهر انتفاء الحكم، و يؤيّده ما في الصحيحة المتقدّمة من لزوم إبقاء اليد اليسرى لمثل الاستنجاء و التنظيف كما أنّ الظاهر انتفاء التعزير في هذه الصورة؛ لأنّ الحكم الثابت عليه كان هو الحدّ بلحاظ وجود اليمين حينه، فإذا انتفى بانتفاء موضوعه لا مجال لثبوت التعزير بعد كون مورده ما إذا لم يكن هناك حدّ، و المفروض ثبوته في المقام

(1) من سرق و قد كان لا يمين له لخلقة، أو قصاص، أو تصادم أو غيرها من غير القطع لسرقة، له فروض:

الأوّل: ثبوت اليد اليسرى له، و الأقوال في هذا الفرض ثلاثة:

أحدها: لزوم قطع اليد اليسرى في هذه الصورة، حكي هذا القول عن نهاية الشيخ «1» و الوسيلة «2» و الكامل «3»، و يدلّ عليه مضافاً إلى أنّ فتوى الشيخ بذلك في كتاب النهاية دليل على ثبوت الرواية على طبقها، كما أشرنا إلى وجهه مراراً، و صرّح بذلك الشيخ في

عبارة المبسوط الآتية في القول الثاني إطلاق الآية

______________________________

(1) النهاية: 717.

(2) الوسيلة: 420.

(3) أي الكامل لابن البرّاج، حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/ 222 مسألة 78.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 606

..........

______________________________

الشريفة؛ نظراً إلى أنّه يقتصر في تقييدها باليمين على القدر المتيقّن، و هي صورة وجود اليمين، ففي صورة العدم يبقى إطلاق الآية الدالّة على لزوم قطع اليد بحاله، فتقطع اليد اليسرى مع عدم اليمنى و يدفع الاستدلال بالآية أنّه لو كان لدليل التقييد إطلاق لكان اللازم الأخذ به و تحكيمه على إطلاق دليل المطلق، فإذا فرض ثبوت الإطلاق لقوله: لا تعتق الرقبة الكافرة، من جهة أنّه لا فرق في هذه الجهة بين وجود الرقبة المؤمنة و عدمها، لا يبقى مجال للاقتصار على القدر المتيقّن، و الحكم بأنّ إطلاق قوله: «أعتق رقبة» يكون مرفوعاً عنه في خصوص صورة وجود الرقبة المؤمنة، و المقام من هذا القبيل، فلا مجال لهذا الاستدلال ثانيها: الانتقال إلى الرجل اليسرى، قال في محكيّ المبسوط: عندنا ينتقل إلى رجله اليسرى و إن كان الأوّل قد روي أيضاً «1» و تبعه في محكيّ المهذّب «2»، و الوجه فيه ثبوت الرواية كما يظهر من المبسوط، مضافاً إلى ثبوت القطع للرجل اليسرى في الجملة و لو في المرّة الثانية، فالظاهر قيامه مقام القطع في المرّة الاولى مع عدم إمكانه كما هو المفروض و لكن رواية المبسوط مرسلة فاقدة للحجيّة و الاعتبار، و إن كانت الرواية المطابقة للنهاية يشكل رفع اليد عنها لهذه الجهة، فتدبّر، و القيام مقام القطع في المرّة الأولى يفتقر إلى دليل، و هو مفقود ثالثها: التعزير، و هو الذي يظهر من صاحب الجواهر (قدّس سرّه) «3» و

يمكن استفادته من

______________________________

(1) المبسوط: 8/ 39.

(2) المهذّب: 2/ 544.

(3) جواهر الكلام: 41/ 539.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 607

..........

______________________________

المحقّق في الشرائع «1» بلحاظ الاستشكال في القولين المتقدّمين، و قد جعله في المتن أشبه، و المراد كونه أشبه بالقواعد و الضوابط؛ نظراً إلى أنّه بعد عدم الدليل على الانتقال إلى اليد اليسرى، و لا على الانتقال إلى الرجل اليسرى، يبقي بلا حدّ، فيثبت فيه التعزير الثابت في خصوص المعاصي الكبيرة، أو مطلق المعاصي على الخلاف المتقدّم «2»، و لم يقم دليل على ثبوت الحدّ بعنوانه في جميع موارد السرقة، و الظاهر هو هذا القول الفرض الثاني: انتفاء اليد اليسرى أيضاً و وجود الرجل، و قد حكى في الجواهر عن المبسوط قطع الرجل اليسرى «3» و عن كشف اللثام «4» أنّه في النهاية اليمنى، ثمّ نقل في الذيل عبارة النهاية عمّا حضره من النسخة المعتبرة، و فيها الحكم بقطع الرجل من دون التعرّض لكونها يسرى أو يمني «5»، و لكنّ الموجود في نسخة النهاية المطبوعة في ضمن الجوامع الفقهيّة التصريح بالرجل اليسرى «6» و كيف كان، فلو كان المراد هو الرجل اليسرى، فالدليل عليه ما مرّ من قيامه مقام القطع في المرّة الاولى مع عدم إمكانه، و قد عرفت جوابه، و لو كان المراد هو الرجل اليمنى، فالدليل عليه هو كونها أقرب إلى اليد اليمنى من جهة القيام مقامها، و جوابه أيضاً ظاهر.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 956.

(2) في ص 418 419.

(3) يستفاد من ظاهر عبارة المبسوط: 8/ 39، نعم صرّح به في النهاية: 717.

(4) كشف اللثام: 2/ 429.

(5) جواهر الكلام: 41/ 538.

(6) الجوامع الفقهيّة: 399.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود،

ص: 608

[مسألة 6: لو قطع الحدّاد يساره مع العلم حكماً و موضوعاً فعليه القصاص]

مسألة 6: لو قطع الحدّاد يساره مع العلم حكماً و موضوعاً فعليه القصاص، و لا يسقط قطع اليمنىٰ بالسرقة، و لو قطع اليسرىٰ لاشتباه في الحكم أو الموضوع فعليه الدية، فهل يسقط قطع اليمين بها؟ الأقوىٰ ذلك (1).

______________________________

و الظاهر أنّ الحكم فيه هو التعزير، كما اخترناه في الفرض الأوّل الفرض الثالث: كونه مقطوع اليدين و الرجلين، و ظاهر ذيل عبارة الشيخ في النهاية الانتقال إلى الحبس «1»، الظاهر في كون المراد هو الحبس الدائم، لكن المحكيّ عن ابن إدريس التعزير في هذا الفرض «2»، و عن بعض آخر اختياره و نفي البأس عنه «3» و عن المسائل الحلبيّة للشيخ: المقطوع اليدين و الرجلين إذا سرق ما يوجب القطع وجب أن نقول: الإمام مخيّر في تأديبه و تعزيره، أيّ نوع أراد فعل؛ لأنّه لا دليل على شي ء بعينه. و إن قلنا: يجب أن يحبس أبداً لانتفاء إمكان القطع و غيره ليس بممكن، و لا يمكن إسقاط الحدود كان قويّاً «4» و لكن يرد على ما قوّاه أنّه لا دليل على الانتقال إلى الحبس في هذه الصورة بعد كون مورده بمقتضى الدليل هي المرّة الثالثة بعد قطع اليد و الرجل، فالظاهر أنّ الحكم في هذه الصورة أيضاً هو التعزير كما اختاره الشيخ أوّلًا

(1) لو قطع الحدّاد اليسار مكان اليمين، فتارة يكون مع العلم و التوجّه إلى الحكم

______________________________

(1) النهاية: 717.

(2) السرائر: 3/ 490.

(3) مختلف الشيعة: 223 ذ مسألة 78، و اختاره في نكت النهاية: 3/ 328، و رياض المسائل: 10/ 197.

(4) حكاه عنها ابن إدريس في السرائر: 3/ 489 و العلّامة في مختلف الشيعة: 9/ 222.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود،

ص: 609

..........

______________________________

و الموضوع، و أُخرى يكون مع الاشتباه في أحدهما أما الصورة الاولى: فلا مجال للإشكال في ثبوت القصاص على الحدّاد؛ لأنّه قطع عمديّ لا يرتبط بإجراء حدّ السرقة بوجه، بل جناية مستقلّة عمديّة حكمها القصاص و أمّا قطع يمين السارق بالسرقة إجراءً للحدّ، فالمشهور «1» بل في الجواهر بلا خلاف و لا إشكال «2» عدم سقوطه؛ نظراً إلى إطلاق الأدلّة كتاباً و سنّةً، الذي مقتضاه أنّه لا فرق بين كون يسراه مقطوعةً أم لا، و بين كون القاطع هو الحدّاد أو غيره، و لكنّه ربّما يقال بالسقوط، نظراً إلى أنّه يستفاد من بعض الروايات المتقدّمة أنّه لا يترك بغير يد و لكنّ الظاهر عدم نهوض مثل هذا التعبير في مقابل الإطلاقات الكثيرة الدالّة على لزوم قطع اليمنى، مضافاً إلى أنّ عمدة الدليل على ذلك قول عليّ (عليه السّلام) في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّمة: إنّي لأستحيي من ربّي أن لا أدع له يداً يستنجي بها، أو رجلًا يمشي عليها «3» و الظاهر بلحاظ وقوع نقل هذا القول عقيب ما في كتاب عليّ (عليه السّلام) من «أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) مضى قبل أن يقطع أكثر من يد و رجل» أنّ المراد من هذا التعبير عدم كون السرقة موجبة لقطع أزيد من يد واحدة و رجل واحدة، و حاصل المراد أنّ الحدّ في السرقة عبارة عن مجرّد قطع يد واحدة في المرتبة الأُولى، و رجل واحدة في المرتبة الثانية، لا أنّه لا تقطع اليد الواحدة أيضاً، إذا لم يكن هناك يدٌ اخرى، و بين

______________________________

(1) مباني تكملة المنهاج: 1/ 310 مسألة 246.

(2) جواهر الكلام: 41/ 541.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 495،

أبواب حدّ السرقة ب 5 ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 610

..........

______________________________

هذين التعبيرين فرق واضح، و مفاد الرواية هو الأوّل دون الثاني و أمّا الصورة الثانية: فلا إشكال في أنّه ليس على الحدّاد القصاص؛ لأنّ المفروض تحقّق الاشتباه في الحكم أو الموضوع، بل الظاهر ثبوت الدية؛ لأنّه شبيه العمد الذي مقتضاه الدية و أمّا سقوط قطع يمين السارق بعد يساره كذلك فمحلّ للاختلاف، فالمحكيّ عن الشيخ في المبسوط «1» و العلّامة في التحرير «2» عدم السقوط، و اختاره صاحب الجواهر جزماً «3»، و يظهر من المحقّق في الشرائع الترديد «4»، حيث اقتصر على نقل قول الشيخ و الرواية الدالّة على خلافه من دون ترجيح، و المحكيّ عن الفقيه «5» و المختلف «6» اختيار مفاد الرواية و العمدة في المسألة هي الرواية، فإنّها لو كانت صحيحة من حيث السند و ظاهرة من حيث الدلالة، فالّلازم الأخذ بها في مقابل الإطلاقات المتقدّمة الدالّة على لزوم قطع اليمين في هذه الصورة أيضاً؛ لعدم تحقّق إجراء الحدّ، و الاشتباه لا ينفيه، و لو جرت فيها المناقشة لكان اللازم الأخذ بمقتضى الإطلاقات و الرواية: ما رواه في الكافي بسندين عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) أحدهما: عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه.

______________________________

(1) المبسوط: 8/ 39.

(2) تحرير الأحكام: 2/ 231.

(3) جواهر الكلام: 41/ 541 542.

(4) شرائع الإسلام: 4/ 957.

(5) من لا يحضره الفقيه: 4/ 64.

(6) مختلف الشيعة: 9/ 255 مسألة 109.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 611

[مسألة 7: سراية الحدّ ليست مضمونة لا على الحاكم و لا على الحدّاد]

مسألة 7: سراية الحدّ ليست مضمونة لا على الحاكم و لا على الحدّاد و

إن أقيم في حرٍّ أو برد. نعم، يستحبّ إقامته في الصيف في أطراف النهار، و في الشتاء في وسطه؛ لتوقّي شدة الحرّ و البرد (1).

______________________________

و الثاني: عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و الرواية بهذا السند و إن لم تكن معتبرة؛ لاختلاف كلمات الشيخ في سهل بن زياد، و تصريح بعض آخر بعدم وثاقته، إلّا أنّها بالسند الأوّل صحيحة لا مجال للإشكال فيها، و تضعيفها كما في الجواهر غير صحيح و أمّا متنها، قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل أُمر به أن تقطع يمينه، فقدّمت شماله فقطعوها و حسبوها يمينه، و قالوا: إنّما قطعنا شماله، أ تقطع يمينه؟ قال: فقال: لا، لا تقطع يمينه، قد قطعت شماله، الحديث «1» و الظاهر أنّ المراد من قوله: «قد قطعت شماله» ليس مجرّد قطع الشمال بأيّ نحو تحقّق حتّى تشمل الرواية الصورة الأُولى أيضاً، بل هو القطع في مقام إجراء الحدّ مرتبطاً به، و من الواضح أنّ القطع في الصورة الأولى لا يرتبط بإجراء الحدّ بوجه، بل هو جناية عمديّة مستقلّة و كيف كان؛ فحيث إنّ الرواية تامّة سنداً و دلالة فاللازم الأخذ بها و الحكم بالسقوط و إن كان مقتضى الإطلاقات خلافه، كما عرفت

(1) و الظاهر أنّه لا خلاف في عدم كون السراية مضمونة، سواء بلغت حدّ الموت أم لم تبلغ، و قد وردت روايات معتبرة دالّة على عدم الضمان، مثل:

صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: أيّما رجل قتله الحدّ أو القصاص

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1422 ه

ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود؛ ص: 611

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 496، أبواب حدّ السرقة ب 6 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 612

..........

______________________________

فلا دية له، الحديث «1» و صحيحة أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث، قال: سألته عن رجل قتله القصاص له دية؟ فقال: لو كان ذلك لم يقتصّ من أحد، و قال: من قتله الحدّ فلا دية له «2» و غيرهما من الروايات الدالّة على ذلك و في مقابلها روايتان:

إحداهما: رواية الحسن بن صالح الثوري، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: من ضربناه حدّا من حدود اللّٰه فمات فلا دية له علينا، و من ضربناه حدّا من حدود الناس فمات فإنّ ديته علينا «3» ثانيتهما: مرسلة الصدوق قال: قال الصادق (عليه السّلام): من ضربناه حدّا من حدود اللّٰه فمات فلا دية له علينا، و من ضربناه حدّا من حدود الناس فمات فإنّ ديته علينا «4» لكنّ الرواية الأولى ضعيفة باعتبار الحسن بن صالح. و الثانية و إن كانت معتبرة لما مرّ مراراً من اعتبار هذا النحو من الإرسال، إلّا أنّه باعتبار إعراض المشهور و الفتوى بخلافها لا يبقى مجال للاعتماد عليها ثمّ إنّه قد تقدّم الكلام في استحباب إقامة الحدّ في الصيف في أطراف النهار و في الشتاء في وسطه؛ ليتوقّى من شدّة الحرّ و البرد، و لا نطيل بالإعادة «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 47، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 9.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 46، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 46، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 3.

(4)

وسائل الشيعة: 18/ 312، أبواب مقدّمات الحدود ب 3 ح 4.

(5) تقدّم في ص 208.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 613

[القول في اللّواحق]

اشارة

القول في اللّواحق

[مسألة 1: لو سرق اثنان نصاباً أو أكثر بما لا يبلغ نصيب كلّ منهما نصاباً]

مسألة 1: لو سرق اثنان نصاباً أو أكثر بما لا يبلغ نصيب كلّ منهما نصاباً، فهل يقطع كلّ واحد منهما أو لا يقطع واحد منهما؟ الأشبه الثاني (1).

______________________________

(1) لا إشكال في ثبوت القطع فيما لو سرق اثنان و بلغ نصيب كلّ واحد منهما نصاباً، كما أنّه لا إشكال في عدم ثبوته فيما إذا كان ما أخرج كلّ واحد منهما مستقلا غير بالغ حدّ النصاب، إنّما الإشكال و الخلاف فيما إذا اشتركا في الإخراج، و لم يبلغ نصيب كلّ واحد منهما حدّ النصاب، و لكن بلغ المجموع إلى النصاب أو أكثر، فالمحكيّ عن المفيد «1» و المرتضى «2» و نهاية الشيخ «3» و جميع أتباعه «4» وجوب القطع،

______________________________

(1) المقنعة: 804.

(2) الإنتصار: 531.

(3) النهاية: 718 719.

(4) المهذّب: 2/ 540، الوسيلة: 419، إصباح الشيعة: 524.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 614

..........

______________________________

و عن الإنتصار و الغنية «1» الإجماع عليه و المحكيّ عن الخلاف «2» و المبسوط «3» أنّه إذا نقب ثلاثة، فبلغ نصيب كلّ واحد نصاباً قطعوا، و إن كان دون ذلك فلا قطع كما عن ابن الجنيد «4» و ابن إدريس «5» و العلّامة «6»، بل نسب إلى عامّة المتأخّرين «7»، بل عن الخلاف الإجماع عليه و البحث في المسألة تارةً من جهة القاعدة، و أُخرى من جهة بعض الروايات الواردة في المسألة أمّا من الجهة الأولى، فربّما يقال: بأنّه تصدق سرقة النصاب على مجموعهما المستلزم لسقوط الحدّ مع ترك قطعهما بعد وجود شرائطه، و قطع أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح فليس إلّا قطعهما و لكنّ الظاهر خلاف ذلك؛ لعدم وجود شرائط القطع في المقام، فإنّ السرقة الموجبة للقطع المعتبر

فيها النصاب هو ما لوحظ بالإضافة إلى سارق واحد في سرقة واحدة، ضرورة أنّه لا مجال لاعتبار النصاب في أزيد من سارق واحد، كما أنّه لا مجال لاعتباره في أزيد من سرقة واحدة، فإذا سرق شخص واحد من شخص آخر مرّات متعدّدة، و لم يبلغ شي ء من المرّات حدّ النصاب لا يتحقّق

______________________________

(1) غنية النزوع: 433.

(2) الخلاف: 5/ 420 مسألة 8.

(3) المبسوط: 8/ 28.

(4) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/ 228 مسألة 84.

(5) السرائر: 3/ 492.

(6) قواعد الأحكام: 2/ 265، تحرير الأحكام: 2/ 232، مختلف الشيعة: 9/ 228 مسألة 84.

(7) رياض المسائل: 10/ 201.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 615

..........

______________________________

موجب القطع بوجه و المقام من هذا القبيل، فإنّه و إن كان يصدق على كلّ واحد منهما عنوان السارق، إلّا أنّه لا يصدق عليه أنّه سرق النصاب، و الاشتراك في الإخراج لا يوجب تحقّق هذا العنوان، و إضافة سرقة النصاب إلى المجموع لا تكفي بعد اعتبار لزوم ملاحظة ذلك بالنسبة إلى كلّ واحد منهما، فالقاعدة تقتضي عدم القطع و أمّا من الجهة الثانية، فقد ورد في المسألة روايتان:

إحداهما: صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في نفر نحروا بعيراً فأكلوه فامتحنوا أيّهم نحروا، فشهدوا على أنفسهم أنّهم نحروه جميعاً، لم يخصّوا أحداً دون أحد، فقضى (عليه السّلام) أن تقطع أيمانهم «1» ثانيتهما: مرسلة الشيخ في الخلاف، قال: روى أصحابنا أنّه إذا بلغت السرقة نصاباً و أخرجوها بأجمعهم وجب عليهم القطع «2» و الرواية الاولى و إن كانت صحيحة كما عرفت، إلّا أنّ الظاهر ثبوت الإجمال فيها من حيث الدلالة؛ لظهورها في أنّ منشأ القطع

و موجبه هو وقوع النحر من الجميع و استناده إليهم، مع أنّ القطع على تقديره إنّما هو لأجل سرقة البعير و إخراجه من الحرز، و لو سلّم كون مراعاة المالك له في الصحراء حرزاً بالإضافة إليه على خلاف ما قويّناه في السابق، فالقطع مستند إلى السرقة من دون فرق بين النحر و عدمه، مع أنّ الرواية ظاهرة في استناده إلى النحر، فاللازم أن يقال بكونها

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 531، أبواب حدّ السرقة ب 34 ح 1.

(2) الخلاف: 5/ 421 في ذيل مسألة 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 616

[مسألة 2: لو سرق و لم يقدر عليه، ثمّ سرق ثانية فأُخذ و أُقيمت عليه البيّنة]

مسألة 2: لو سرق و لم يقدر عليه، ثمّ سرق ثانية فأُخذ و أُقيمت عليه البيّنة بهما جميعاً معاً دفعة واحدة أو أقرَّ بهما جميعاً كذلك قطع بالأولىٰ يده و لم تقطع بالثانية رجله، بل لا يبعد أن يكون الحكم كذلك لو تفرّق الشهود فشهد اثنان بالسرقة الاولىٰ، ثمّ شهد اثنان بالسرقة الثانية قبل قيام الحدّ، أو أقرّ مرّتين دفعة بالسرقة الأُولىٰ و مرّتين دفعة أُخرى بالسرقة الثانية قبل قيام الحدّ، و لو قامت الحجّة بالسرقة ثمّ أمسكت حتى أُقيم الحدّ و قطع يمينه ثمّ قامت الأُخرىٰ قطعت رجله (1).

______________________________

قضيّة في واقعة و الرواية الثانية و إن كانت مرسلة، إلّا أنّها موافقة للشهرة المحقّقة بين القدماء من الأصحاب كما مرّ، و لهذه الجهة يمكن دعوى انجبار ضعفها بذلك، و مخالفة الشهرة بين المتأخّرين لا تقدح في الانجبار، فتصير المسألة من هذه الجهة مشكلة، و لعلّه لذا قال المحقّق في الشرائع: و التوقّف أحوط «1»

(1) لو سرق مرّتين و أُقيمت عليه البيّنة بهما معاً دفعة واحدة، ففي المسألة قولان:

أحدهما: ما عن المقنع

«2» و الفقيه «3» و الكافي للحلبي «4» و قواعد العلّامة «5» من أنّه يقطع بالأُولى.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 957.

(2) المقنع: 446.

(3) من لا يحضره الفقيه: 4/ 65.

(4) الكافي في الفقه: 412.

(5) قواعد الأحكام: 2/ 271، و كذا في تحرير الأحكام: 2/ 232.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 617

..........

______________________________

ثانيهما: ما اختاره المحقّق في الشرائع من أنّه يقطع بالأخيرة «1» و الظاهر أنّ المراد من القطع بالأُولى هو قطع اليد اليمنى الثابت في أوّل مراتب حدّ السرقة كما مرّ، و من القطع بالثانية هو قطع الرجل اليسرى الثابت في المرتبة الثانية من حدّها، و عليه ففائدة الخلاف في المسألة ظاهرة، لرجوعه إلى أنّه هل اللازم قطع اليد اليمنى أو قطع الرجل اليسرى؟ و لا مجال لإثبات فائدة أُخرى غير هذه الفائدة و لكن قال في الجواهر: قيل: و تظهر فائدة القولين لو عفا من حكم بالقطع لأجله مع تعدّد المسروق منه «2» ثمّ نقل عن المسالك «3» إنكار هذه الفائدة و أجاب عنه، ثمّ حكى عن كشف اللثام «4» الإنكار بنحو آخر و أجاب عنه أيضاً «5» و يظهر من ذلك أنّهم تخيّلوا أنّ محلّ الخلاف هو قطع خصوص يد اليمنى، غاية الأمر أنّ النزاع وقع في أنّ منشأه هل هو السرقة الأُولى أو السرقة الثانية، فإنّه على هذا الفرض ينبغي البحث في ثمرة هذا الخلاف، و أمّا على ما ذكرنا فلا تصل النوبة إلى هذا البحث و التحقيق أن يقال: إنّه قد وردت في هذه المسألة رواية واحدة، فتارة يقال باعتبارها من حيث السند و صحّتها كما هو الحقّ، فلا يبقى مجال لكثير من المباحث، و أُخرى يقال بضعفها و عدم

إمكان الاعتماد عليها، فاللّازم حينئذٍ البحث على طبق

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 957.

(2) راجع المهذّب البارع: 5/ 120.

(3) مسالك الأفهام: 14/ 529.

(4) كشف اللثام: 2/ 430.

(5) جواهر الكلام: 41/ 548.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 618

..........

______________________________

القاعدة، و الإنصاف وقوع الاضطراب في الكلمات سيّما ما في الجواهر، فإنّه يستفاد من بعض عباراته كأنّه لم يرد في المسألة نصّ، و من بعض آخر الاعتماد عليه و كيف كان، فالرواية الواردة هي ما رواه الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن ابن محبوب، عن عبد الرحمن بن الحجّاج و (عن خ ل) بكير بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل سرق فلم يقدر عليه، ثمّ سرق مرّة أُخرى و لم يقدر عليه، و سرق مرّة أُخرى فأُخذ، فجاءت البيّنة فشهدوا عليه بالسرقة الأُولى و السرقة الأخيرة، فقال: تقطع يده بالسرقة الأُولى، و لا تقطع رجله بالسرقة الأخيرة، فقيل له: و كيف ذاك؟ قال: لأنّ الشهود شهدوا جميعاً في مقام واحد بالسرقة الأُولى و الأخيرة قبل أن يقطع بالسرقة الأُولى، و لو أنّ الشهود شهدوا عليه بالسرقة الاولى ثمّ أمسكوا حتّى يقطع، ثمّ شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة قطعت رجله اليسرى «1» و الرواية و إن كانت مخدوشةً بملاحظة السند الأوّل الواقع فيه سهل بن زياد، إلّا أنّها صحيحة بملاحظة السند الثاني، و إن وقع فيه أبو عليّ بن إبراهيم. و أمّا من جهة الدلالة، فهي صريحة في أنّه تقطع يده اليمنى بالسرقة الأُولى، و لا تقطع رجله اليسرى بالسرقة الثانية. و من الواضح أنّ القطع إنّما هو مع شرائطه التي منها مطالبة

المسروق منه، فهذا القطع إنّما هو كالقطع في أوّل مراتب حدّ السرقة، كما أنّه لا فرق في عدم قطع الرجل اليسرى بين صورة المطالبة و عدمها، فالبحث عن العفو و المطالبة لا يرتبط بالمقام بلحاظ الرواية أصلًا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 499، أبواب حدّ السرقة ب 9 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 619

..........

______________________________

ثمّ إنّ الرواية و إن كان موردها صورة مجي ء البيّنة، و لكنّ الظاهر أنّ المراد هو ثبوت السرقة، سواء كانت بالبيّنة أو بالإقرار، كما أنّ الظاهر بملاحظة جواب الإمام (عليه السّلام) المشتمل على التعليل، و قوله: «قبل أن يقطع بالسرقة الاولى» أنّه لا يختصّ الحكم بما إذا شهد الشهود جميعاً في مقام واحد، بل يشمل ما إذا شهد اثنان بالسرقة الاولى، ثمّ شهد آخران بالسرقة الثانية قبل قيام الحدّ و تحقّق القطع بالأُولى، و كذلك إذا كان هناك إقرار، فإنّ الحكم في الجميع هو القطع بالأُولى دون الثانية، كما أنّ ذيل الرواية صريح في التعدّد في الفرع الأخير المذكور في المتن و بالجملة: بعد ملاحظة الرواية و الاستناد إليها لا يبقى مجال للإشكال في جميع ما أُفيد في المتن، هذا كلّه بالنسبة إلى الرواية و أمّا مع قطع النظر عنها، فيبقى السؤال عن أنّه لم جعل الخلاف في أنّه هل القطع إنّما هو بسبب السرقة الأُولى أو الثانية؟ فلم لا يكون الحكم هو قطع اليد و الرجل معاً بسبب كلتا السرقتين؟ غاية الأمر تقديم قطع اليد على الرجل في مقام الإجراء و العمل. و دعوى أنّ الحكم هو عدم تعدّد الحدّ بسبب تعدّد السرقة مع عدم التخلّل مدفوعة، بأنّ مستند هذا الحكم هو هذه الرواية لا شي ء آخر،

و الروايات الدالّة على عدم الانتقال إلى شي ء من المراتب المتأخّرة ما لم يتخلّل حدّ المرتبة المتقدّمة لا دلالة لها على أنّه إذا ثبتت السرقة المتعدّدة دفعةً واحدةً لا يكون فيها إلّا حدّ واحد فعمدة الدليل هي الرواية، إلّا أن يقال بثبوت الإجماع مع قطع النظر عنها على عدم التعدّد مع عدم التخلّل و كيف كان، فمقتضى التحقيق هو لزوم الأخذ بالرواية و الفتوى على طبقها و مقتضاه ما أُفيد في المتن كما عرفت.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 620

[مسألة 3: لو أقيمت البيّنة عند الحاكم، أو أقرّ بالسرقة عنده، أو علم ذلك]

مسألة 3: لو أقيمت البيّنة عند الحاكم، أو أقرّ بالسرقة عنده، أو علم ذلك لم يقطع حتى يطالبه المسروق منه، فلو لم يرفعه إلى الحاكم لم يقطعه، و لو عفا عنه قبل الرفع سقط الحدّ، و كذا لو وهبه المال قبل الرفع، و لو رفعه إليه لم يسقط الحدّ، و كذا لو وهبه بعد الرفع، و لو سرق مالًا فملكه بشراء و نحوه قبل الرفع إلى الحاكم و ثبوته سقط الحدّ، و لو كان ذلك بعده لم يسقط (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: ما إذا لم يطالب المسروق منه و لم يرفع إلى الحاكم أصلًا، لكن قامت البيّنة الحسبيّة عند الحاكم بناءً على اعتبارها و قبولها أو أقرّ السارق نفسه عنده بالسرقة مرّتين، أو تحقّق العلم للحاكم بذلك من القرائن و الشواهد، فالمشهور أنّه لا تقطع يد السارق في هذه الصورة و استدلّوا لذلك بصحيحة الحسين بن خالد، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحدّ، و لا يحتاج إلى بيّنة مع نظره؛ لأنّه أمين

اللّٰه في خلقه، و إذا نظر إلى رجل يسرق أن يزبره و ينهاه و يمضي و يدعه، قلت: و كيف ذلك؟ قال: لأنّ الحقّ إذا كان للّٰه فالواجب على الإمام إقامته، و إذا كان للناس فهو للناس «1» و ربّما يقال: بأنّها معارضة بصحيحة الفضيل، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: إلى أن قال: فقال له بعض أصحابنا: يا أبا عبد اللّٰه فما هذه الحدود التي إذا أقرّ بها عند الإمام مرّةً واحدةً على نفسه أُقيم عليه الحدّ فيها؟ فقال: إذا أقرّ على نفسه عند الإمام بسرقة قطعه، فهذا من حقوق اللّٰه، و إذا أقرّ على نفسه أنّه شرب خمراً حدّه،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 344، أبواب مقدّمات الحدود ب 32 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 621

..........

______________________________

فهذا من حقوق اللّٰه، الحديث «1» و الترجيح معها؛ لموافقتها للكتاب و السنة الدالّين على قطع يد السارق، و لم يثبت تقييد ذلك بمطالبة المسروق منه و لكنّ الظاهر أنّ الترجيح مع صحيحة ابن خالد؛ لموافقتها للشهرة من حيث الفتوى، و مخالفة صحيحة الفضيل للمشهور من جهات عديدة، التي منها كفاية الإقرار الواحد في إثبات السرقة، و منها ثبوت الجلد مع الرجم في الزنا المقرون بالإحصان، و قد ثبت في محلّه أنّ الشهرة من حيث الفتوى أوّل المرجّحات الثاني: ما لو عفا المسروق منه عن القطع أو وهبه المال المسروق، و قد فصّل فيهما في المتن بين صورة قبل الرفع إلى الحاكم و بعد الرفع إليه، بسقوط القطع في الصورة الأُولى و عدمه في الثانية، و قد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر «2» و يدلّ عليه موثّقة سماعة بن مهران، عن

أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: من أخذ سارقاً فعفا عنه فذلك له، فإذا رفع إلى الإمام قطعه، فإن قال الذي سرق له: أنا أهبه له لم يدعه إلى الإمام حتّى يقطعه إذا رفعه إليه، و إنّما الهبة قبل أن يرفع إلى الإمام، و ذلك قول اللّٰه عزّ و جلّ وَ الْحٰافِظُونَ لِحُدُودِ اللّٰهِ «3» فإذا انتهى الحدّ إلى الإمام فليس لأحد أن يتركه «4» و صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يأخذ اللّص يرفعه أو يتركه؟ فقال إنّ صفوان بن أُميّة كان مضطجعاً في المسجد الحرام، فوضع رداءه و خرج يهريق الماء، فوجد رداءه قد سرق حين رجع إليه، فقال: من ذهب

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 343، أبواب مقدّمات الحدود ب 32 ح 1.

(2) جواهر الكلام: 41/ 551.

(3) سورة التوبة 9: 112.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 330، أبواب مقدّمات الحدود ب 17 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 622

..........

______________________________

بردائي؟ فذهب يطلبه، فأخذ صاحبه، فرفعه إلى النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله)، فقال النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله): اقطعوا يده، فقال الرجل: تقطع يده من أجل ردائي يا رسول اللّٰه؟ قال: نعم، قال: فأنا أهبه له، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): فهلّا كان هذا قبل أن ترفعه إليّ؟ قلت: فالإمام بمنزلته إذا رفع إليه؟ قال: نعم. قال: و سألته عن العفو قبل أن ينتهي إلى الإمام؟ فقال: حسن. و رواه الكليني أيضاً بسند آخر صحيح عن الحسين بن أبي العلاء «1» و دلالة الرواية على السقوط إذا كانت الهبة أو العفو قبل الرفع إلى الإمام الذي يكون المقصود منه هو الحاكم

لا خصوص الإمام المعصوم (عليه السّلام) واضحة، إلّا أنّه ربّما يشكل الاستدلال بها من أجل ظهورها في تحقّق السرقة و إن لم يكن المال في حرز، و قد تعرّضنا لهذه الجهة في شرح المسألة السابعة من مسائل ما يعتبر في المسروق، فراجع و صحيحة ضريس التي رواها الكليني بسندين أحدهما صحيح عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: لا يعفى عن الحدود التي للّٰه دون الإمام، فأمّا ما كان من حقّ الناس في حدّ فلا بأس بأن يعفى عنه دون الإمام «2» و قوله (عليه السّلام): «فأمّا ما كان من حقّ الناس ..» إمّا أن يكون في مقام ثبوت العفو لغير الإمام في الجملة كما هو الظاهر، فلا ينافي الاختصاص في المقام بصورة قبل الرفع، و إمّا أن يكون مطلقاً، فاللازم تقييد إطلاقه بسبب مثل الروايات المتقدّمة و الحكم بالاختصاص بهذه الصورة و رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): لا يشفعنّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 329، أبواب مقدّمات الحدود ب 17 ح 2.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 330، أبواب مقدّمات الحدود ب 18 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 623

[مسألة 4: لو أخرج السارق المال من حرزه ثمّ أعاده إليه]

مسألة 4: لو أخرج السارق المال من حرزه ثمّ أعاده إليه، فإن وقع تحت يد المالك و لو في جملة أمواله لم يقطع، و لو أرجعه إلى حرزه و لم يقع تحت يده كما لو تلف قبل وقوعه تحت يده، فهل يقطع بذلك؟ الأشبه ذلك و إن لا يخلو من إشكال (1).

______________________________

أحد في حدّ إذا بلغ الإمام، فإنّه لا يملكه، و اشفع فيما لم يبلغ الإمام إذا رأيت الندم، الحديث «1» و في رواية

الشيخ: إذا رأيت الدم «2» الثالث: ما لو ملك السارق المال المسروق بشراء و صلح و نحوهما، و قد فصّل فيه في المتن أيضاً بالتفصيل المتقدّم في الفرع الثاني، و الظاهر أنّ المستند فيه ما دلّ من النصوص المتقدّمة على التفصيل في الهبة، و أنّه تسقط القطع إذا كانت قبل الرفع إلى الحاكم، فإنّ المتفاهم منها عند العرف خروج المال من ملك المسروق منه و دخوله في ملك السارق، و أمّا كون ذلك بنحو الهبة و المجانيّة فلا يكاد يفهم منها الخصوصيّة، و إن شئت قلت: إنّه مع انتقال المال إلى السارق لا يبقى للمسروق منه خصوصيّة بها يستحقّ المراجعة إلى الحاكم و الرفع إليه؛ لعدم الفرق بينه و بين غيره حينئذٍ من جهة الإضافة إلى المال أصلًا، و مجرّد كون وقوع السرقة في حال كان المالك للمال هو المسروق منه لا يقتضي بقاء الخصوصيّة و لو بعد النقل و الانتقال و بالجملة: فالظاهر أنّه لا فرق بين الهبة و بين غيرها من وجوه التمليك، و لا يستفيد العرف خصوصيّة لها، كما لا يخفى

(1) لو أخرج السارق المال من حرزه، و تحقّقت السرقة بشرائطها، و لكن بعد

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 333، أبواب مقدّمات الحدود ب 20 ح 4.

(2) التهذيب: 10/ 124.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 624

..........

______________________________

ذلك بدا له أن يعيده إلى الحرز الذي كان فيه فإعادة إليه، ففيه صورتان:

الأولىٰ: ما إذا وقع المال بعد الإعادة تحت يد المالك، و لم يعرض له التلف قبل الوصول إليه، بل وقع تحت يده و لو في جملة أمواله، و المحكيّ عن الشيخ (قدّس سرّه) في المبسوط «1» و الخلاف «2» عدم

سقوط الحد؛ لحصول السبب التام للقطع و هو إخراج النصاب و لكنّ الظاهر بملاحظة ما عرفت في المسائل السابقة أنّ السرقة الموجبة للقطع هي السرقة المشروطة بمطالبة المسروق منه؛ لأنّ المستفاد من الحكم بعدم ثبوت الحدّ فيما إذا لم يطالب أصلًا، أو إذا لم يبق له محلّ للمطالبة، كما إذا وهبه له، أو باعه منه، أو نقل إليه بغير الهبة و البيع أنّه ليس مطلق السرقة موجباً لترتّب حدّ القطع، بل السرقة مع المطالبة، و من المعلوم أنّه لا مجال للمطالبة في هذه الصورة بعد الإعادة و وقوع المال تحت يد المالك و العجب من الشيخ (قدّس سرّه) أنّه مع حكمه بسقوط القطع في مورد الهبة و البيع و أشباههما «3» كيف أفتى في المقام بعدم السقوط؟ و إن حمل عبارته في محكيّ الكتابين على الصورة الثانية، و هي ما لو تلف المال بعد الردّ إلى الحرز قبل الوصول إلى المالك، و لكنّ الظاهر أنّه لا شاهد على هذا الحمل، و أنّ كلامه مطلق يشمل كلتا الصورتين و لا بأس بنقل عبارة المبسوط، قال: «فإن نقبا معاً فدخل أحدهما، فأخذ نصاباً فأخرجه بيده إلى رفيقه و أخذه رفيقه، و لم يخرج هو من الحرز، كان القطع على الداخل دون الخارج، و هكذا إذا رمى به من داخل فأخذه رفيقه من خارج،

______________________________

(1) المبسوط: 8/ 29.

(2) الخلاف: 5/ 422 مسألة 11.

(3) المبسوط: 8/ 30.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 625

..........

______________________________

و هكذا لو أخرج يده إلى خارج الحرز و السرقة فيها ثمّ ردّه إلى الحرز، فالقطع في هذه المسائل الثلاث على الداخل دون الخارج، و قال قوم: لا قطع على واحد منهما، و الأوّل

أصح و كيف كان، فلا ينبغي الإشكال في عدم ثبوت القطع في هذه الصورة، الصورة الثانية: ما إذا أعاده السارق إلى الحرز، و لكن لم يقع تحت يد المالك، بل تلف في الحرز قبل الوصول إلى المالك، و قد استشكل في الحكم بالقطع فيها في المتن بعد أن جعله الأشبه و لعلّ منشأ الإشكال ما ذكره صاحب الجواهر من أنّه قد يقال بعدم القطع و إن تلف في الحرز بعد العود، للشكّ في ثبوت القطع بمثل السرقة المزبورة، و كونه في ضمانه لا يقتضي القطع، كالذي لم يخرجه من الحرز «1» أقول: تارةً يقال: بأنّ السرقة بمجرّدها يترتّب عليها القطع، و يكون الردّ إلى الحرز و الوقوع تحت يد المالك مسقطاً للقطع الثابت بنفس السرقة، و في هذه الصورة حيث لم يقع المال تحت يد المالك، بل غاية الأمر وقوعه في الحرز ثانياً نشكّ في سقوط القطع و عدمه، و أُخرى يقال: بأنّ السرقة الموجبة للقطع هي ما كانت متعقّبة بمطالبة المسروق منه المال و الرجوع إلى الحاكم لأجله، و بعد المطالبة يترتّب على السرقة القطع ففي الفرض الأوّل يكون مقتضى استصحاب بقاء حكم السرقة ثبوت القطع مع الشكّ في السقوط، فلا مجال للحكم بالعدم استناداً إلى الشكّ. و في الفرض الثاني يكون مقتضى بقاء محلّ المطالبة للمسروق منه ثبوت القطع أيضاً، و الوجه في بقاء

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 555.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 626

[مسألة 5: لو هتك الحرز جماعة فأخرج المال منه أحدهم فالقطع عليه خاصّة]

مسألة 5: لو هتك الحرز جماعة فأخرج المال منه أحدهم فالقطع عليه خاصّة، و لو قرّبه أحدهم من الباب و أخرجه الآخر من الحرز فالقطع على المخرج له، و لو وضعه الداخل في وسط

النقب و أخرجه الآخر الخارج فالظاهر أنّ القطع على الداخل، و لكن لو وضعه بين الباب الذي هو حرز للبيت بحيث لم يكن الموضوع داخلًا و لا خارجاً عرفا فالظاهر عدم القطع على واحد منهما. نعم، لو وضعه بنحو كان نصفه في الخارج و نصفه في الداخل فإن بلغ كلّ من النصفين النصاب يقطع كلّ منهما، و إن بلغ الخارج النصاب يقطع الداخل، و إن بلغ

______________________________

محلّ المطالبة عدم وصول المال إلى المالك و عدم وقوعه تحت يده، و مجرّد وقوعه في الحرز ثانياً لا يكفي في رفع الضمان الثابت بمثل قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله): على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي «1» و ما أفاده صاحب الجواهر (قدّس سرّه) من أنّ «كونه في ضمانه لا يقتضي القطع» ممّا لا يتمّ، لأنّ كونه في ضمانه لا يقتضي بمجرّده القطع، بل يوجب تحقّق محلّ المطالبة التي يكون تعقّب السرقة بها موجباً للقطع، و بعبارة اخرى كونه في ضمانه يوجب إمكان تحقّق شرط السرقة الموجبة للقطع، و التشبيه بما إذا لم يخرجه السارق من الحرز غير صحيح، بعد كون صورة عدم الإخراج ممّا لا ينطبق عليه عنوان السرقة؛ لاعتبار الإخراج من الحرز فيه و بالجملة: الموجب للقطع هو السرقة مع ثبوت الضمان الموجب لإمكان تحقّق المطالبة و الرجوع إلى الحاكم لأجله، فالظاهر حينئذٍ هو ثبوت القطع في هذه الصورة من دون اشكال.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل: 14/ 7، كتاب الوديعة ب (1) ذ ح 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 627

الداخل ذلك يقطع الخارج (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: ما لو اشترك جماعة في هتك الحرز بحيث كان الهتك مستنداً إلى جميعهم، و لكن كان

المخرج للمال من داخل الحرز إلى خارجه واحداً منهم فقط دون البقيّة. و الظاهر كما في المتن و غيره «1» ثبوت القطع على المخرج خاصّة، و عدم ثبوته على غيره و إن كان شريكاً معه في هتك الحرز؛ لما عرفت من أنّه يعتبر في السرقة الموجبة للقطع تحقّق الهتك و الإخراج معاً، و هذا المعنى موجود في خصوص المخرج في المقام، و دعوى أنّه لم يكن مستقلا في الهتك و منفرداً به، بل كان شريكاً مع غيره من أفراد الجماعة مدفوعة بعدم اعتبار الاستقلال في الهتك، و لذا لو اشترك جماعة في الهتك و الإخراج معاً كان القطع على جميعهم و أمّا عدم ثبوت القطع في المقام على غير المخرج فالوجه فيه واضح؛ لعدم تحقّق الإخراج منه أصلًا، و منه يظهر بطلان ما عن أبي حنيفة من توزيع السرقة عليهم، فإن أصاب كلّ منهم قدر النصاب قطعهم «2» الثاني: ما لو قرّبه أحدهم من الباب، و أخرجه الآخر من الحرز، و الحكم فيه ثبوت القطع على المخرج دون المقرّب؛ لعدم تحقّق الشرطين إلّا في الأوّل، و التقريب من الباب إنّما هو كالنقل في داخل الحرز من بيت إلى بيت آخر و من محلّ إلى آخر، خلافاً لما حكي عن أبي حنيفة أيضاً من أنّه لا قطع على واحد منهما؛ لعدم صدق الإخراج من الحرز على كلّ منهما «3»، و هو في غاية الفساد؛ لوضوح صدقه على

______________________________

(1) كشرائع الإسلام: 4/ 958، و قواعد الأحكام: 2/ 267، و جواهر الكلام: 41/ 555.

(2) الخلاف: 5/ 422 مسألة 9، شرح فتح القدير: 5/ 149.

(3) المبسوط للسرخسي: 9/ 147، المغني لابن قدامة: 10/ 298، الشرح الكبير: 10/ 257، شرح

فتح القدير: 5/ 148، الهداية المطبوع مع شرح فتح القدير: 5/ 148.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 628

..........

______________________________

المخرج كما هو المفروض في الفرع الثالث: ما لو وضعه الداخل في وسط النقب، و أخرجه الآخر الخارج، و استظهر في المتن أنّ القطع على الداخل، لكن في مقابله أقوال ثلاثة، بل يظهر من الحلّي في السرائر اختصاص الحكم في هذا الفرع بتلك الأقوال، و أنّ ما في المتن ممّا لم يقل به أحد، و لا بأس بنقل عبارة السرائر لتظهر تلك الأقوال و وجوهها قال: «قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه، و قلّده ابن البرّاج في جواهر فقهه: إذا نقبا معاً و دخل أحدهما، فوضع السرقة في بعض النقب، فأخذها الخارج، قال قوم: لا قطع على واحد منهما، و قال آخرون: عليهما القطع؛ لأنّهما اشتركا في النقب و الإخراج معاً، فكانا كالواحد المنفرد بذلك، بدليل أنّهما لو نقبا معاً و دخلا فأخرجا معاً كان عليهما الحدّ كالواحد، و لأنّا لو قلنا: لا قطع كان ذريعة إلى سقوط القطع بالسرقة؛ لأنّه لا يشاء شيئاً إلّا شارك غيره فسرقا هكذا فلا قطع و الأوّل أصح؛ لأنّ كلّ واحد منهما لم يخرجه من كمال الحرز، فهو كما لو وضعه الداخل في بعض النقب، و اجتاز مجتاز فأخذه من النقب، فإنّه لا قطع على واحد منهما «1»، هذا آخر كلام شيخنا في مبسوطه قال محمّد بن إدريس مصنّف هذا الكتاب: الذي يقتضيه أصول مذهبنا أنّ القطع على الآخذ الخارج؛ لأنّه نقب و هتك الحرز و أخرج المال منه، و لقوله تعالى وَ السّٰارِقُ وَ السّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا و هذا سارق، فمن أسقط القطع عنه فقد أسقط حدّا

من حدود اللّٰه بغير دليل، بل بالقياس و الاستحسان، و هذا من تخريجات المخالفين و قياساتهم على المجتاز.

______________________________

(1) المبسوط: 8/ 26 27، جواهر الفقه: 227 مسألة 784.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 629

..........

______________________________

و أيضاً فلو كنّا عاملين بالقياس ما ألزمنا هذا؛ لأنّ المجتاز ما هتك و لا نقب، فكيف يقاس الناقب عليه؟

و أيضاً فلا يخلو الداخل من أنّه أخرج المال من الحرز أو لم يخرجه، فإن كان أخرجه فيجب عليه القطع، و لا أحد يقول بذلك، فما بقي إلّا أنّه لم يخرجه من الحرز، و أخرجه الخارج من الحرز الهاتك له، فيجب عليه القطع؛ لأنّه نقب و أخرج المال من الحرز، و لا ينبغي أن تعطّل الحدود بحسن العبارات و تزويقاتها و نقلها و توريقاتها، و هو قولهم: ما أخرجه من كمال الحرز، أيّ شي ء هذه المغلطة؟ بل الحقّ أن يقال: أخرجه من الحرز أو من غير الحرز، لا عبارة عند التحقيق سوى ذلك، و ما لنا حاجة إلى المغالطات بعبارات كمال الحرز» «1» و يظهر من المحقّق في الشرائع الميل إلى ما اختاره في المبسوط «2»، كما أنّه يظهر من الجواهر حاكياً عن كشف اللثام «3» وجود القائل على طبق المتن «4»، و الظاهر أنّ مستنده كون النقب خارجاً عن الحرز و إن كان في تحته، فضلًا عمّا لو كان خارجاً عنه، فإذا فرض كون النقب خارجاً، فاللازم الحكم بثبوت القطع على الداخل؛ لصدق عنوان المخرج عليه خاصّة، و أمّا الخارج فقد أخرجه من خارج الحرز، و لا مجال لثبوت القطع عليه، فهو كما لو نقل المال المخرج من الحرز من مكان إلى مكان آخر و ممّا ذكرنا يظهر أنّ

الأمر الذي ينبغي أن يقع محلّ النزاع في هذا الفرع هو كون

______________________________

(1) السرائر: 3/ 497 498.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 958.

(3) كشف اللثام: 2/ 423 424.

(4) جواهر الكلام: 41/ 558.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 630

..........

______________________________

النقب داخلًا في الحرز، أو خارجاً عنه، أو يشكّ في خروجه و دخوله، فعلى الأوّل يكون القطع على الخارج دون الداخل. و على الثاني يكون بالعكس. و على الثالث لا قطع على واحد منهما، للشكّ في تحقّق الشرط بالنسبة إلى كليهما، و لا يبعد دعوى خروجه عن الحرز غالباً، و إن كان يمكن دخوله فيه أحياناً، و عليه فلا يبقى مجال للحكم بالنحو الكلّي، بل لا بدّ من الفرق بين الموارد و أمّا ما يوجد في كلمات بعض الأعلام من الفقهاء العظام من ابتناء المسألة على امتناع وقوع المقدور الواحد من القادرين و جوازه «1»، أو ما ربّما يقال في مقام الجواب عن ذلك: بأنّ الخروج من الحرز آنيّ و هو نهاية الحركة، فلا فرق بين صورتي الامتناع و الإمكان «2»، فالظاهر أنّ مثلهما ممّا لا يرتبط بمثل هذا البحث المبتني على تحقّق عنوان الحرز عرفاً و عدمه، كما لا يخفى الرابع: ما لو وضعه الداخل بين الباب الذي هو حرز للبيت، بأن اشتركا في هتك الحرز و فتح الباب، و لكن دخل أحدهما و وضعه في المكان المزبور، و فيه صورتان:

الاولى: ما لو لم يكن الموضوع بين الباب خارجاً عن الحرز بحسب نظر العرف و لا داخلًا فيه كذلك، و الحكم فيه أنّه لا قطع على واحدٍ منهما؛ لعدم إحراز صدق الإخراج من الحرز على عمل واحد منهما، كما هو المفروض، و دعوى أنّ الحكم

بعدم القطع في مثله طريق إلى انفتاح باب السرقة، كما عرفت في بعض الكلمات، مدفوعة بعدم انحصار حكم السرقة بالقطع، بل هي موضوعة للحكم التكليفي و الحكم الوضعي، و ليس شي ء منهما مشروطاً بشرائط السرقة المعتبرة في القطع،

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 9/ 232 مسألة 86.

(2) كشف اللثام: 2/ 424.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 631

[مسألة 6: لو أخرج النصاب دفعات متعدّدة]

مسألة 6: لو أخرج النصاب دفعات متعدّدة فإن عدّت سرقة واحدة، كما لو كان شيئاً ثقيلًا ذا أجزاء، فأخرجه جزءً فجزءً بلا فصل طويل يخرجه عن اسم الدفعة عرفاً يقطع، و أمّا لو سرق جزءاً منه في ليلة و جزءاً منه في ليلة أخرى فصار المجموع نصاباً فلا يقطع، و لو سرق نصف النصاب من حرز و نصفه من حرز آخر فالأحوط لو لم يكن الأقوىٰ عدم القطع (1).

______________________________

مضافاً إلى ثبوت التعزير مع انتفاء القطع الثانية: ما كان الموضوع بين الباب مختلفاً بحسب نظر العرف؛ بمعنى أنّه يرى العرف بعضه داخلًا في الحرز و بعضه خارجاً عنه، و الحكم فيه أنّه إن كان كلّ من البعضين بمقدار النصاب فالقطع عليهما معاً، غاية الأمر أنّ الداخل يقطع لإخراج البعض الخارج عن الحرز، و الخارج يقطع لإخراج البعض الداخل في الحرز، و إن كان البعض الخارج بمقدار النصاب فالقطع على الداخل؛ لأنّه أخرجه من الحرز، و إن كان البعض الداخل بمقدار النصاب فالقطع على الخارج لانحصار إخراج هذا البعض به، كما أنّه لو لم يكن شي ء من البعضين كذلك لا قطع على واحد منهما أصلًا و إن بلغ المجموع النصاب

(1) لا إشكال و لا خلاف في ثبوت القطع فيما لو أخرج النصاب دفعةً واحدةً كما مرّ «1»، و

لا ينبغي الإشكال في أنّه لو أخرج النصاب دفعات متعدّدة، و لكن عدّ المجموع سرقة واحدة، كما في المثال المذكور في المتن، يجب أن يقطع، و لا يلزم بلوغ كلّ واحدة من الدفعات حدّ النصاب، و إن حكي احتماله عن بعض «2».

______________________________

(1) في ص 517 518.

(2) السرائر: 3/ 495.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 632

..........

______________________________

إنّما الإشكال و الخلاف فيما لو لم يعدّ المجموع سرقةً واحدةً، بل كان كلّ دفعة سرقةً مستقلّةً في أنّه هل يعتبر في الحكم بالقطع بلوغ كلّ دفعة نصاباً، أو أنّه إذا بلغ المجموع النصاب يقطع و إن لم يبلغ النصاب شي ء من الدفعات مستقلّة؟ فيه وجهان بل قولان، و جعل المحقّق في الشرائع الثاني أصحّ «1»، وفاقاً للمحكيّ عن المبسوط «2» و السرائر «3» و جواهر ابن البرّاج «4»، و استدلّ عليه المحقّق بقوله: لأنّه أخرج نصاباً، و اشتراط المرّة في الإخراج غير معلوم و مرجع استدلاله إلى أنّه لم يقم في مقابل إطلاق آية السرقة إلّا دليل اعتبار النصاب الحاكم بأنّه إذا لم تبلغ السرقة ذلك المقدار لا يكون في مورده قطع، و أمّا كون النصاب معتبراً في كلّ مرّة خصوصاً مع قصر الزمان و عدم طوله فلم يقم عليه دليل، و اللازم حينئذٍ الأخذ بإطلاق مثل الآية و الحكم بثبوت القطع و الجواب عنه: أنّ دليل اعتبار النصاب إنّما يدلّ على اعتباره في ماهية السرقة الموجبة للقطع، و مقتضاه أنّ كلّ واحدٍ من أفراد السرقة و مصاديقها إذا بلغ ذلك المقدار يترتّب عليه حكم القطع، و من المعلوم أنّ كلّ واحد من السرقتين في مفروض المقام لا يبلغ ذلك المقدار، و مجموع السرقتين ليس من

مصاديق السرقة بحيث كان في البين ثلاث سرقات، فما هو فرد من تلك الماهية لا يكون واجداً للأمر المعتبر فيها بما أنّه موجبة للقطع، و ما يكون واجداً له و هو المجموع لا يكون من أفراد السرقة، و عليه فلا مجال للأخذ بإطلاق مثل الآية، للشكّ في التقييد

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 958.

(2) المبسوط: 8/ 29.

(3) السرائر: 3/ 498.

(4) جواهر الفقه: 228 مسألة 790.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 633

[مسألة 7: لو دخل الحرز فأخذ النصاب و قبل الإخراج منه أُخذ لم يقطع]

مسألة 7: لو دخل الحرز فأخذ النصاب و قبل الإخراج منه أُخذ لم يقطع، و لو أحدث في الشي ء الذي قدر النصاب داخل الحرز ما أخرجه عن النصاب ثمّ أخرجه لم يقطع، كما لو ذبح الشاة أو خرق الثوب داخل الحرز (1).

______________________________

بالمرّة و الدفعة، كما لا يخفى و يدلّ على ما ذكرنا وضوح أنّه مع تعدّد السارق و عدم بلوغ سرقة كلّ منهما حدّ النصاب، و بلوغ المجموع ذلك الحدّ، لا يكون هناك قطع، فمع تعدّد السرقة من سارق واحد أيضاً كذلك؛ لعدم الفرق، غاية الأمر أنّ الملاك في التعدّد هناك تعدّد السارق، و هنا تعدّد السرقة، و هذا لا يوجب الفرق ثمّ إنّه ممّا ذكرنا يظهر حكم الفرع الأخير المذكور في المتن، فإنّه مع التعدّد الناشئ من تعدّد الحرز لا وجه للقطع. نعم، لو كانا في حكم الواحد، كما إذا شملهما ثالث كما إذا سرق من بيتين في دار، أو سرق الدرهم من الصندوق و فرشاً من البيت مثلًا، فالظاهر أنّه سرقة واحدة بنظر العرف، بخلاف ما إذا لم يشملهما ثالث كما لا يخفى

(1) أمّا عدم القطع في الفرض الأوّل؛ فلأنّ المعتبر في السرقة الموجبة للقطع مضافاً إلى هتك

الحرز إخراج المال من الحرز، و نقله إلى خارجه بأيّ طريق و لو كان بنحو الرمي، لا مجرّد أخذ مقدار النصاب في الحرز و إن لم يتحقّق الإخراج، فعدم القطع إنّما هو مقتضى القاعدة من غير حاجة في الحكم به إلى دليل آخر، و يؤيّده روايتان:

إحداهما: رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) في السارق إذا أُخذ و قد أخذ المتاع و هو في البيت لم يخرج بعد، قال: ليس عليه القطع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 634

[مسألة 8: لو ابتلع النصاب داخل الحرز]

مسألة 8: لو ابتلع النصاب داخل الحرز فإن استهلك في الجوف كالطعام لم يقطع، و إن لم يستهلك لكن تعذّر إخراجه فلا قطع و لا سرقة، و لو لم يتعذّر إخراجه من الجوف و لو بالنظر إلىٰ عادته فخرج و هو في جوفه ففي القطع و عدمه وجهان: أشبههما القطع إذا كان البلع للسرقة بهذا النحو، و إلّا فلا قطع (1).

______________________________

حتّى يخرج به من الدار «1» ثانيتهما: رواية إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام)، أنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يقول: لا قطع على السارق حتّى يخرج بالسرقة من البيت، و يكون فيها ما يجب فيه القطع «2» و أمّا عدم القطع في الفرض الثاني؛ فلأنّه لم يخرج مقدار النصاب من داخل الحرز، و ثبوت الضمان له من جهة الخرق و الذبح الموجبة لنقصان القيمة كما هو المفروض أمر لا يرتبط بعنوان السرقة الذي يعتبر فيه إخراج مقدار النصاب، لا كون المال بهذا المقدار حين الأخذ و إن نقص عنه حين الإخراج نعم، لو كان نقصان القيمة بعد الإخراج، سواء كان قبل المرافعة

أو بعدها فلا ينبغي الإشكال في ثبوت القطع؛ لتحقّق الشرط، خلافاً لبعض أهل الخلاف في بعض الصور «3»

(1) لو دخل الحرز و ابتلع فيه ما قدره نصاب ففيه صور:

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 498، أبواب حدّ السرقة ب 8 ح 2.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 498، أبواب حدّ السرقة ب 8 ح 3.

(3) هو أبو حنيفة، حيث قال بعدم القطع إذا سرق ما قيمته نصابٌ فنقصت قيمته من النصاب قبل القطع للسوق، راجع الخلاف: 5/ 425 426 مسألة 16، شرح فتح القدير: 5/ 125، المغني لابن قدامة: 10/ 278.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 635

..........

______________________________

الاولى: ما إذا استهلك ما ابتلعه في الجوف، و لم يكن عند العرف باقياً بوجه، كالطعام الذي أكله داخل الحرز، و الحكم فيه أنّه لا يقطع؛ لعدم إخراج مقدار النصاب من الحرز بعد فرض الاستهلاك، بل عدم إخراج مال أصلًا على هذا الفرض، فلا وجه للحكم بالقطع الثانية: ما إذا لم يستهلك، كما إذا ابتلع لؤلؤةً أو ديناراً أو شبههما، و لكن تعذّر إخراجه عادةً و بالنظر إلى عادة هذا الشخص، فالحكم فيه أيضاً عدم القطع؛ لأنّ تعذّر الإخراج يصيّره بمنزلة التالف، فلم يتحقّق إخراج المال من الحرز الثالثة: الصورة الثانية، و لكن لم يتعذّر إخراجه و لو بالنظر إلى عادته، كما إذا كانت عادته في مثل هذه الموارد الإخراج بسبب الاستفراغ، أو الخروج من محلّ الغائط، أو أشباههما من طرق الإخراج، و قد حكم فيها في المتن بأنّه إذا كان الغرض من البلع و غايته تحقّق السرقة بهذا النحو يكون الأشبه فيه القطع، و وجهه تحقّق شرائط السرقة، و صدق الإخراج من الحرز مع عدم تعذّر الإخراج من

الجوف و لو بالنسبة إلى هذا الشخص، و إذا لم يكن الغرض ذلك فلا قطع، و الظاهر أنّه لا مجال للحكم بعدم القطع في هذا الفرض بنحو الإطلاق؛ لأنّه تارةً يكون غرضه السرقة بنحو آخر، و أُخرى لا يكون غرضه السرقة أصلًا، ففي الأوّل الحكم هو القطع؛ لأنّ غرضه قد تعلّق بسرقة اللؤلؤة، و الكيفيّات لا دخل لها في رفع حكم السرقة، و في الثاني يكون الحكم هو عدم القطع؛ لأنّ الإخراج من الحرز في هذا الفرض لا يكون اختياريّا بوجه، فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 637

[الفصل السادس: في حدّ المحارب]

اشارة

الفصل السادس:

في حدّ المحارب

[مسألة (1): المحارب هو كلّ من جرّد سلاحه أو جهّزه لإخافة الناس و إرادة الإفساد في الأرض]

مسألة (1): المحارب هو كلّ من جرّد سلاحه أو جهّزه لإخافة الناس و إرادة الإفساد في الأرض في برٍّ كان أو في بحر، في مصر أو غيره، ليلًا أو نهاراً، و لا يشترط كونه من أهل الريبة مع تحقّق ما ذكر، و يستوي فيه الذكر و الأنثىٰ، و في ثبوته للمجرّد سلاحه بالقصد المزبور مع كونه ضعيفاً لا يتحقّق من إخافته خوف لأحد إشكال، بل منع. نعم، لو كان ضعيفاً لكن لا بحدّ لا يتحقّق الخوف من إخافته، بل يتحقّق في بعض الأحيان و الأشخاص، فالظاهر كونه داخلًا فيه (1).

______________________________

(1) الظاهر أنّ عنوان المحارب في كلمات الفقهاء رضوان اللّٰه تعالى عليهم اقتباس من قول اللّٰه تبارك و تعالى:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 638

..........

______________________________

إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلٰافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيٰا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذٰابٌ عَظِيمٌ. إِلَّا الَّذِينَ تٰابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1» و الظاهر أنّ الأحكام الأربعة المذكورة في الآية الشريفة إنّما تترتّب على المحارب؛ لأجل كونه يسعى في الأرض فساداً، بمعنى: أنّ المحارب بما أنّه من مصاديق المفسد في الأرض و من أفراده يترتّب عليه هذه الأحكام، و عليه فيستفاد من الآية حكم المفسد في الأرض بما أنّه مفسد و دعوى أنّ ظاهر الآية ترتّب الأحكام المذكورة فيها على العنوانين و هما: عنوان المحارب و عنوان الساعي في الأرض فساداً، مدفوعة بأنّه على هذا التقدير كان اللازم تكرار كلمة «الذين»، لتدلّ على ثبوت

فرقتين و وجود عنوانين، كما أنّ دعوى أنّ ظاهر الآية ترتّب الأحكام على المحارب إذا كان متّصفاً بالإفساد، بحيث كان المحارب على قسمين: قسم متّصف بعنوان الإفساد، و قسم غير متّصف، فلا تدلّ الآية على ترتّب الأحكام على نفس عنوان المحارب مطلقاً. مدفوعة بأنّ قوله تعالى وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً بيان لنكتة تلك الأحكام و وجه لثبوتها، و مرجعه إلى أنّ المحارب لأجل كونه يسعى في الأرض فساداً يكون موضوعاً لها، و الشاهد لما ذكرنا أمران:

أحدهما: تقييد الإخافة الواقعة في تعريف المحاربة بما إذا كان على وجه يتحقّق به صدق إرادة الفساد في الأرض، كما في المتن و في الجواهر «2» فيظهر من ذلك أنّه لا يمكن التفكيك بين المحاربة و بين الإفساد من ناحية المحاربة دون الإفساد.

______________________________

(1) سورة المائدة 5: 33 و 34.

(2) جواهر الكلام: 41/ 564.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 639

..........

______________________________

ثانيهما: قوله تعالى قبل هذه الآية مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنٰا عَلىٰ بَنِي إِسْرٰائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسٰادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمٰا قَتَلَ النّٰاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْيٰاهٰا فَكَأَنَّمٰا أَحْيَا النّٰاسَ جَمِيعاً «1» إلى آخر الآية. لدلالته على أنّ القتل المشروع إنّما هو في مورد القصاص، و في مورد الفساد في الأرض، فيدلّ على عدم كون المحارب منفكّاً عن إرادة الفساد فيها، كما أنّه يستفاد منه أنّ العناوين الموجبة للقتل كالزنا المقرون بالإحصان و الزنا بالمحارم، و اللواط مع الإيقاب، بل العناوين التي يكون القتل فيها في المرتبة الثالثة أو الرابعة كلّها من مصاديق الفساد في الأرض؛ لحكمه بانحصار القتل المشروع في غير القصاص بما إذا كان منطبقاً عليه عنوان الفساد في الأرض، و الوجه

فيه واضح، فإنّه إذا كان مجرّد تجريد السلاح لإخافة الناس إفساداً، فلم لا يكون الزنا المذكور و اللواط و أمثالهما كذلك و ممّا ذكرنا يظهر أمران:

أحدهما: أنّ تعيّن القتل في الموارد المذكورة، و عدم تعيّنه في مورد الإفساد بناءً على دلالة الآية على كون تلك الأحكام الأربعة ينحو التخيير دون الترتيب كما سيأتي البحث عنه إن شاء اللّٰه تعالى إنّما هو لأجل كون تلك الموارد من المراتب الكاملة لعنوان الإفساد، و لا مانع من كون الحكم في المرتبة الكاملة خصوص واحد من تلك الأحكام، و هي المرتبة الشديدة منها كما لا يخفى ثانيهما: أنّ عدم تعرّض الفقهاء رضوان اللّٰه عليهم لعنوان الإفساد في الأرض في رديف العناوين الموجبة للحدّ الذي هو القتل إنّما هو لأجل كون تلك العناوين من مصاديق الإفساد، و لا وجه حينئذٍ لذكره بعنوان مستقلّ. هذا،

______________________________

(1) سورة المائدة 5: 32.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 640

..........

______________________________

مضافاً إلى أنّ البحث في عنوان المحارب إنّما هو في الحقيقة بحث عن عنوان الإفساد؛ لما عرفت من كون إرادة الإفساد مأخوذاً في معنى المحارب، و في الحقيقة يكون البحث في أحكام المحارب بحثاً عن أحكام المفسد، فتدبّر إذا عرفت ما ذكرنا فلنتكلّم في معنى المحارب، فنقول:

إنّ السلاح المأخوذ في التعريف هل هو مختصّ بالحديد كالسيف و نحوه من الآلات الحديديّة المعدّة للقتل المتنوّعة في زماننا هذا؟ بل الظاهر على هذا التقدير الشمول لمثل الرمح و السكّين كما في بعض الروايات «1» أو أنّ المراد به كلّ ما يقاتل به و إن لم يكن من حديد كالعصا و الحجر و غيرهما؟ بل في محكيّ الروضة الاكتفاء في المحاربة بالأخذ بالقوّة و إن لم

يكن عصاً أو حجراً «2»، حكى في كشف اللثام عن الأكثر الوجه الثاني، و عن أبي حنيفة اشتراط شهر السلاح من الحديد «3»، و قال يظهر احتماله من التحرير «4»، «5».

و يدلّ على العموم رواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السّلام) في رجل أقبل بنار، فأشعلها في دار قوم فاحترقت و احترق متاعهم، أنّه يغرم قيمة الدار و ما فيها ثمّ يقتل «6» بناءً على كون القتل إنّما هو لأجل كونه محارباً لا لعنوان آخر نعم، في رواية جابر، عن أبي جعفر (عليه السّلام) ما يمكن استفادة الخلاف منه، حيث قال (عليه السّلام): من أشار بحديدة في مصر قطعت يده، و من ضرب بها قتل «7» و لكن لا يستفاد

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 534، أبواب حدّ المحارب ب 2 ح 4.

(2) الروضة البهيّة: 9/ 292.

(3) المغني لابن قدامة: 10/ 304.

(4) تحرير الأحكام: 2/ 234، كشف اللثام: 2/ 431.

(5) تحرير الأحكام: 2/ 234، كشف اللثام: 2/ 431.

(6) وسائل الشيعة: 18/ 538، أبواب حدّ المحارب ب 3 ح 1 و 3.

(7) وسائل الشيعة: 18/ 538، أبواب حدّ المحارب ب 3 ح 1 و 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 641

..........

______________________________

منها الانحصار، و الظاهر هو الوجه الثاني و إن كان التعميم للأخذ بالقوّة محلّ إشكال.

ثمّ إنّ المراد من الناس الذي أضيفت إليه الإخافة [في المتن] هل هو جماعة منهم، أو يشمل الواحد أيضاً، فلو جرّد سلاحه و أخاف واحداً بقصد الإفساد في الأرض يكون محارباً؟ فيه وجهان، و الظاهر هو الوجه الثاني تبعاً لصاحب الجواهر (قدّس سرّه) «1»؛ لعدم الفرق بينه و بين الجماعة كما أنّ المراد من الناس، هل

هو خصوص المسلمين كما في محكيّ كشف اللثام «2»، أو كلّ من تحرم إخافته في الشريعة و لو كان من أهل الذمّة؟ الظاهر هو الوجه الثاني أيضاً؛ لعدم الدليل على الاختصاص بالمسلمين، خصوصاً بعد عدم التعرّض له في كلام غيره و أمّا الإخافة، فيعتبر فيها أمران:

أحدهما: كون الإخافة بمنظور الإفساد في الأرض، و إلّا فلو كانت الإخافة بسبب تجريد السلاح و تجهيزه لا لإرادة الإفساد في الأرض، بل لعداوة أو لغرض من الأغراض، كما إذا كانت بمنظور دفعهم عن الإيذاء و الإهانة، أو بمنظور آخر و لو لم يكن شرعيّاً، فالظاهر عدم تحقّق عنوان المحارب، و إن قال في الجواهر: لم أجد تنقيحاً لذلك في كلام الأصحاب «3» ثانيهما: تحقّق الخوف عقيب الإخافة، فهي إذا كانت مجرّدة عن الخوف و إن جرّد سلاحه بالقصد المزبور لا يتحقّق معه عنوان المحارب. نعم، لو كانت إخافته بحدٍّ يوجب في بعض الأحيان و الأشخاص، فالظاهر كونه داخلًا فيه كما في المتن،

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 564.

(2) كشف اللثام: 2/ 430.

(3) جواهر الكلام: 41/ 569.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 642

..........

______________________________

و أمّا ما في الجواهر من تحقّق عنوان المحارب و إن لم يحصل معه خوف أو أخذ مال «1» فالظاهر عدم تماميّته؛ لأنّ الإخافة غير المؤثّرة و لو بنحو الموجبة الجزئيّة لا تكون محرّمة ظاهراً؛ لأنّ حرمة الإخافة إنّما هي لأجل الخوف الحاصل عقيبها لا لنفسها، و إن لم يترتّب عليها أثر خارجاً أصلًا و أمّا التعميم للمصر، فيدلّ عليه مضافاً إلى عموم الآية المتقدّمة، و كون شأن نزولها قطَّاع الطريق كما عليه أكثر المفسّرين «2» لا يوجب اختصاص الحكم المذكور في الآية به كما هو

ظاهر روايات متعدّدة:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم المفصّلة، التي يأتي البحث فيها من جهة أُخرى في المسائل الآتية، حيث إنّها تشتمل على قوله (عليه السّلام): و من شهر السلاح في مصر من الأمصار، و ضرب و عقر و أخذ المال و لم يقتل فهو محارب، فجزاؤه جزاء المحارب «3».

و منها: رواية سورة بن كليب، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل يخرج من منزله يريد المسجد أو يريد الحاجة، فيلقاه رجل و يستعقبه فيضربه و يأخذ ثوبه؟ قال: أي شي ء يقول فيه من قِبَلكم؟ قلت: يقولون: هذه دغارة معلنة، و إنّما المحارب في قرى مشركة، فقال: أيّهما أعظم حرمةً؟ دار الإسلام، أو دار الشرك؟ قال: فقلت: دار الإسلام، فقال: هؤلاء من أهل هذه الآية إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ «4» إلى آخر الآية «5» و لكن ليس في مورد الرواية تجريد

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 567.

(2) تفسير القمّي: 1/ 167، مجمع البيان: 3/ 312، الكشّاف: 1/ 628، المنتخب من تفسير القرآن: 1/ 223.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 532، أبواب حدّ المحارب ب 1 ح 1.

(4) سورة المائدة 5: 33.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 537، أبواب حدّ المحارب ب 2 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 643

..........

______________________________

السلاح و لا وجود وسيلة اخرى و منها: غير ذلك من الروايات الظاهرة في التعميم و أمّا عدم اشتراط كونه من أهل الريبة ففيه خلاف، و الأكثر على عدم الاشتراط كما في المتن، و المحكيّ عن ظاهر النهاية «1» و القاضي «2» و الراوندي «3» بل عن صريح الدروس «4» هو الاشتراط، و مقتضى عموم الكتاب و جملة من الروايات العدم، و لكن صحيحة

ضريس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: من حمل السلاح بالليل فهو محارب، إلّا أن يكون رجلًا ليس من أهل الريبة «5» ربّما يستظهر منها الاشتراط و الظاهر أنّ الصحيحة إنّما هي في مقام الإثبات، و معناها أنّ مجرّد حمل السلاح إذا كان في الليل يوجب الحكم عليه بأنّه محارب، إلّا إذا لم يكن الرجل من أهل الريبة، و البحث إنّما هو في مقام الثبوت، و أنّه يعتبر فيه أن يكون من أهل الريبة واقعاً أم لا، فلا ترتبط الرواية بالمقام و هل يستوي فيه الذكر و الأنثى كما عند الأكثر «6» بل المشهور، بل في بعض الكتب الإشعار بالإجماع عليه «7» أم لا؟ كما هو المحكيّ عن الإسكافي، حيث اعتبر

______________________________

(1) النهاية: 720.

(2) المهذّب: 2/ 553.

(3) فقه القرآن: 2/ 387.

(4) الدروس الشرعيّة: 2/ 59.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 537، أبواب حدّ المحارب ب 2 ح 1.

(6) المبسوط: 8/ 56، الخلاف: 5/ 470 مسألة 15، شرائع الإسلام: 4/ 959، الجامع للشرائع: 241، قواعد الأحكام: 2/ 271، رياض المسائل: 10/ 205.

(7) كنز العرفان: 2/ 351، مختلف الشيعة: 9/ 260 مسألة 111.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 644

..........

______________________________

الذكورة «1» و قد استدلّ له في محكيّ السرائر جواباً عن الشيخ (قدّس سرّه) بأنّ الذي يقتضيه أُصول المذهب أن لا يقتلنّ إلّا بدليل قاطع، و التمسّك بالآية ضعيف؛ لأنّها خطاب للذكور دون الإناث، قال: و من قال تدخل النساء في خطاب الرجال على طريق التبع فذلك مجاز، و الكلام في الحقائق و المواضع التي دخلن في خطاب الرجال فبالإجماع دون غيره «2» و لكنّ الظاهر كما في المتن هو التعميم؛ لأنّه [يدلّ عليه] مضافاً إلى أنّ

العرف لا يفهم من تعبير الآية الاختصاص بوجه؛ لعدم الفرق بينها و بين سائر الآيات الواقع فيها عنوان «الذين» و كان الحكم فيها عامّاً قطعاً، خصوصاً مع ملاحظة كون الملاك هي إرادة الإفساد في الأرض، التي لا فرق فيها بين الرجل و المرأة أصلًا عموم التعبير الواقع في كثير من الروايات، مثل صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة، التي وقع التعبير فيها ب «من» العامّ للرجل و المرأة، و الآية على تقدير عدم الشمول للمرأة لا دلالة فيها على الاختصاص بوجه، كما لا يخفى و العجب أنّ ابن إدريس ذكر بعد ما يزيد على صفحة يسيراً: علىٰ ما حكاه صاحب الجواهر عن نسخة السرائر الحاضرة عنده: قد قلنا: إنّ أحكام المحاربين تتعلّق بالرجال و النساء سواء على ما تقدّم من العقوبات، لقوله تعالى إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ «3» الآية، و لم يفرّق بين الرجال و النساء، فوجب حملها على العموم «4».

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 9/ 259 مسألة 111.

(2) السرائر: 3/ 508.

(3) سورة المائدة 5: 33.

(4) السرائر: 3/ 510.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 645

[مسألة 2: لا يثبت الحكم للطليع]

مسألة 2: لا يثبت الحكم للطليع: و هو المراقب للقوافل و نحوها؛ ليخبر رفقاءه من قطَّاع الطريق، و لا للردء و هو المعيّن لضبط الأموال، و لا لمن شهر سيفه أو جهّز سلاحه لإخافة المحارب و لدفع فساده أو لدفع من يقصده بسوء و نحو ذلك ممّا هو قطع الفساد لا الإفساد، و لا للصغير و المجنون، و لا للملاعب (1).

______________________________

(1) بعد ما عرفت من تعريف المحارب في المسألة الأُولى، و الخصوصيّات المأخوذة في حقيقته، يظهر أنّ الطليع الذي هو المراقب للمارّة مثلًا ليخبر من يقطع الطريق عليهم لا يكون

من مصاديق المحارب؛ لعدم كون قصده الإخافة، و عدم كونه مجرِّداً للسلاح أو مجهّزاً له؛ لعدم افتقار شغله إلى ذلك؛ لأنّ وظيفته المجعولة له مجرّد الإخبار و الإطّلاع بعد المراقبة و النظارة، و التعبير بقوله: «لا يثبت الحكم للطليع»، و إن كان ربّما يوهم خروجه عن حكم المحارب دون موضوعه، إلّا أنّ المراد هو الخروج عن الموضوع، و يمكن أن يكون المراد بالحكم هو الحكم بكونه محارباً لا الحكم المترتّب على المحارب، و يؤيّده عدم التعرّض لحكم المحارب بعد، و قد وقع نظير هذا التعبير في الشرائع «1» و كيف كان، فالظاهر عدم كونه محارباً بوجه، و إن كان عمله محرّماً و من مصاديق الإفساد في الأرض و هكذا الردء بالكسر الذي يكون في اللغة بمعنى العون و الناصر، و هنا بمعنى المعين لضبط الأموال، فإنّ مجرّد الإعانة لمثل ذلك لا يوجب انطباق عنوان المحارب، المتقوّم بتجريد السلاح أو تجهيزه بقصد الإخافة و الإفساد، فإنّ المعين لا يفتقر إلى السلاح و تجريده، و لا يكون بصدد الإخافة، بل مصداقه هو قاطع

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 959.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 646

[مسألة 3: لو حمل على غيره من غير سلاح ليأخذ ماله أو يقتله جاز]

مسألة 3: لو حمل على غيره من غير سلاح ليأخذ ماله أو يقتله جاز، بل وجب الدفاع في الثاني و لو انجرّ إلىٰ قتله، لكن لا يثبت له حكم المحارب. و لو أخاف الناس بالسوط و العصا و الحجر ففي ثبوت الحكم إشكال، بل عدمه

______________________________

الطريق الذي هو شأن نزول الآية، كما عليه أكثر المفسّرين و هكذا عنوان المدافع، الذي شهر سيفه أو جهّز سلاحه، فإنّه و إن كان من قصده إخافة الناس، إلّا أنّه حيث يكون الناس الذي قصد

إخافته هو المحارب أو من يقصده بسوء، و كان غرضه قطع الفساد، لا ينطبق عليه عنوان المحارب، كالمحافظين و المراقبين للشخصيّات التي يكون حياتهم في معرض الخطر من ناحية المخالفين للحكومة الإسلامية في زماننا هذا، فإنّ قصدهم قطع الفساد و الدفاع لا إيجاد الفساد كما هو ظاهر و أمّا اعتبار البلوغ و العقل، فإنّه و إن لم يقع التعرّض له في الكلمات نوعاً، إلّا أنّ الوجه فيه هو الاتّكال على معلوميّة اعتبارهما، فلا ينبغي التمسّك بالإطلاق و أمّا اعتبار عدم كونه ملاعباً، فلأنّ إرادة الفساد في الأرض لا تتحقّق بدون الجدّ؛ لعدم اجتماع الملاعبة مع إرادة الفساد كما لا يخفى، مضافاً إلى ما رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن رجل شهر إلى صاحبه بالرمح و السكّين؟ فقال: إن كان يلعب فلا بأس «1» و التعرّض لصورة اللعب إنّما هو لأجل كون المفروض في السؤال هو كون الطرف صاحباً له، و الغلبة في مثله تقتضي اللعب كما هو ظاهر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 538، أبواب حدّ المحارب ب 2 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 647

أقرب في الأوّلين (1).

______________________________

(1) الكلام فيما لو حمل على غيره من غير سلاح ليأخذ ماله أو يقتله يقع في مقامين:

الأوّل: في جواز دفاع الغير بالمعنى الأعمّ من الوجوب، ظاهر المتن الجواز لا بنحو الوجوب فيما لو أراد المال فقط، و بنحو الوجوب فيما لو أراد القتل، و الوجه في الثاني واضح بعد لزوم حفظ النفس من الهلاك، و وجوب مراقبة بقائها المتحقّق في المقام بالدفاع، كما أنّ الوجه في الأوّل جواز التحفّظ على المال و إبقائها على يده، و

أمّا كيفيّة الدفاع، فمقتضى ظاهر العبارة و إن كان هو التفصيل بين المال و القتل، إلّا أنّ مقتضى ما صرّح به في المسألة الخامسة من مسائل الدفاع المذكورة في كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر جواز الدفاع في المال بأيّ وسيلة ممكنة و لو انجرّ إلى قتل المهاجم، حيث قال: «لو هجم على ماله أو مال عياله جاز له دفعه بأيّ وسيلة ممكنة، و لو انجرّ إلى قتل المهاجم» «1» و يمكن أن يكون هذا هو المراد من العبارة، و لكنّها قاصرة عن الدلالة على ذلك و كيف كان، فالظاهر أنّه لا فرق بين المال أو القتل من هذه الجهة. و تفصيل الكلام في ذلك موكول إلى كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الثاني: في عدم انطباق عنوان المحارب عليه، و الوجه فيه عدم وجود السلاح معه، و قد مرّ أنّ شهر السلاح أو تجهيزه مأخوذ في معنى المحارب، و ليس مجرّد القوّة المتحقّقة في الشخص من مصاديق السلاح بعد وضوح كون المراد منه هو الأمر الخارجي الذي يقاتل به، و إن قلنا بالتعميم لمثل السوط و العصا و الحجر،

______________________________

(1) تحرير الوسيلة: 1/ 447 مسألة 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 648

..........

______________________________

لكنّه لا يشمل القوّة بوجه، كما أنّ البحث في السوط و العصا و الحجر قد تقدّم في ذيل المسألة الاولى من مسائل المحارب و الذي ينبغي التنبيه عليه في هذا المقام أنّا قد ذكرنا في معنى الآية الواردة في المحارب: أنّ المستفاد منها أنّ المحارب إنّما يكون موضوعاً للأحكام الأربعة المذكورة في الآية؛ لأجل كونه من مصاديق الساعي في الأرض فساداً لا لأجل نفس عنوانه، و عليه يقع

الإشكال في الطليع و الردء و من حمل على غيره من غير سلاح، بأنّهم و إن لم يكونوا من مصاديق المحارب، لكنّه لا خفاء في كونهم من مصاديق الساعي في الأرض فساداً، فلا فرق من جهة ترتّب تلك الأحكام بين كونهم من مصاديق المحارب و عدم كونهم منها. و في الحقيقة لا تترتّب ثمرة على هذا البحث أصلًا لكنّ التحقيق أنّ الفتاوى لا تنطبق على ذلك، فإنّه لا يستفاد منها أنّ مجرّد انطباق عنوان المفسد موجب لترتّب تلك الأحكام؛ و لذا قال في الجواهر في ذيل الطليع و الردء و عدم ثبوت حكم المحارب عليهما: «نعم، لو كان المدار على مطلق مسمّى الإفساد اتّجه ذلك، أي الثبوت؛ لكن عرفت اتّفاق الفتاوى على اعتبار المحاربة على الوجه المزبور» «1» نعم، وقع تعميم المحارب بالإضافة إلى ما هو مقصوده من الإخافة من جهة أُخرى في كلمات الفقهاء، قال في كشف اللثام: «و إنّما يتحقّق لو قصدوا أخذ البلاد أو الحصون، أو أسر الناس و استعبادهم، أو سبي النساء و الذراري، أو القتل، أو أخذ المال قهراً مجاهرة» ثمّ قال: «و إن جرحوا و قتلوا حين اختطفوا، و على

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 571.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 649

[مسألة 4: تثبت المحاربة بالإقرار مرّة]

مسألة 4: تثبت المحاربة بالإقرار مرّة، و الأحوط مرّتين، و بشهادة عدلين، و لا تقبل شهادة النساء منفردات و لا منضمّات، و لا تقبل شهادة اللصوص و المحاربين بعضهم على بعض، و لا شهادة المأخوذ منهم بعضهم لبعض بأن قالوا جميعاً: «تعرّضوا لنا و أخذوا منّا» و أمّا لو شهد بعضهم لبعض و قال: «عرضوا لنا و أخذوا من هؤلاء لا منّا» قبل على

الأشبه (1).

______________________________

التقديرين لا قطع عليهم كما يقطع المحارب أو السارق؛ لأنّ شيئاً منهما لا يصدق عليهم «1» و الإنصاف اضطراب كلماتهم في هذا المقام كما لا يخفى

(1) لا إشكال في ثبوت المحاربة بالإقرار، و أمّا كفاية المرّة أو اعتبار التعدّد فظاهر الجواهر أنّه لم يجد هنا من اعتبر التعدّد بالخصوص «2»، لكن مقتضى ما تقدّم من المراسم «3» و المختلف «4» من أنّ كلّ حدّ يثبت بشهادة عدلين يعتبر فيه الإقرار مرّتين «5» اعتبار التعدّد في المقام أيضاً، و يؤيّده التعبير عن الإقرار بالشهادة، كما في بعض الروايات المتقدّمة الواردة في الزنا «6»، إلّا أنّ الظاهر أنّه لم يقم دليل على هذه الكليّة، و مقتضى العموم كفاية الإقرار الواحد، كما أنّ البحث في اعتبار شهادة

______________________________

(1) كشف اللثام: 2/ 431.

(2) جواهر الكلام: 41/ 571.

(3) المراسم: 261.

(4) مختلف الشيعة: 9/ 224 مسألة 80.

(5) تقدّم في ص 347.

(6) وسائل الشيعة: 18/ 377، أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 1، وص 446 أبواب حدّ القذف ب 13 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 650

..........

______________________________

عدلين «1» و كذا في عدم قبول شهادة النساء قد تقدّم «2» و مقتضى ما ذكرنا قبول شهادتهنّ في صورة الانضمام لا مطلقاً، بل أقلّ مراتب الانضمام و هو انضمام مرأتين لا أزيد و أمّا عدم قبول شهادة اللصوص و المحاربين؛ فلاستلزام المحاربة للفسق، و المعتبر في الشاهد العدالة و أمّا شهادة المأخوذ منهم بعضهم لبعض فيتصوّر فيه فروض أربعة:

الأوّل: ما إذا قالوا جميعاً: تعرّضوا لنا و أخذوا منّا، و الظاهر اتّفاقهم على عدم القبول في هذه الصورة، و منشأه وجود التهمة بالعداوة المانعة عن قبول الشهادة، و رواية

محمّد بن الصلت قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن رفقة كانوا في طريق، فقطع عليهم الطريق و أخذوا اللصوص، فشهد بعضهم لبعض، قال: لا تقبل شهادتهم إلّا بإقرار من اللصوص، أو شهادة من غيرهم عليهم «3» الثاني: ما إذا شهد بعضهم للبعض الآخر، و شهد المشهود له للشاهد بأن قال الشهود: عرضوا لنا و أخذوا من هؤلاء، و قال المشهود له أيضاً ذلك بالإضافة إلى الشهود، و يظهر من كشف اللثام أنّ فيه وجهين:

أحدهما: القبول، كما إذا شهد بعض المديونين لبعضهم و بالعكس ثانيهما: عدم القبول؛ لحصول التهمة و إطلاق الخبر. قال: بل الشهادتان حينئذٍ من القسم الأوّل نفسه، فإنّه لا شهادة إلّا مع الدعوى، فلا تسمع شهادة الأوّلين إلّا إذا كان الآخرون ادّعوا الأخذ، و لا شهادة الآخرين إلّا إذا ادّعى الأوّلون الأخذ،

______________________________

(1) تقدّم في ص 463 464.

(2) تقدّم في ص 115- 120.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 272، كتاب الشهادات ب 27 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 651

..........

______________________________

و هو كافٍ في حصول التهمة إن سلّمت، و لا مدخل فيها لخصوص الذكر في الشهادة، إلّا أن يدّعى أنّ التهمة حينئذٍ أظهر «1» و حكى صاحب الرياض عن الأشهر عدم القبول؛ لدلالة الرواية عليه، و ضعفها منجبر بعمل الأكثر بل الأشهر «2»، و لكنّ الظاهر عدم تماميّة النسبة؛ لأنّ مقتضى إطلاق كلام المحقّق «3» و بعض آخر «4» القبول، و عليه فانجبار الرواية غير ظاهر و كيف كان، فالظاهر بمقتضى القاعدة هو القبول كما في مثال المديونين المتقدّم، و إن كان مقتضى إطلاق الرواية العدم الثالث: ما إذا شهد بعضهم للبعض الآخر من غير أن يشهد المشهود له للشهود،

و من غير أن يتعرّضوا لأنفسهم أصلًا، و الظاهر فيه هو القبول بمقتضى القاعدة، كما أنّ الظاهر عدم شمول الرواية لهذا الفرض و لو فرض انجبارها؛ لظهورها في تحقّق الشهادة من الجميع، و لو بقرينة قوله (عليه السّلام) في الجواب: «لا تقبل شهادتهم» فتدبّر الرابع: الفرض الثالث مع إضافة التعرّض لأنفسهم بنفي الأخذ منهم، و هو المفروض في المتن في ذيل المسألة، و قد اعترف صاحب الرياض مع اختياره عدم القبول مطلقاً بخروج هذا الفرض عن مورد الفتوى و الرواية؛ لظهورها و لو بحكم التبادر في صورة كونه مأخوذاً، و لكنّه عبّر باحتمال القبول «5»، و استغربه صاحب

______________________________

(1) كشف اللثام: 2/ 431.

(2) رياض المسائل: 10/ 207 208.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 959.

(4) قواعد الأحكام: 2/ 272.

(5) رياض المسائل: 10/ 208.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 652

[مسألة 5: الأقوىٰ في الحدّ تخيير الحاكم بين القتل و الصلب و القطع مخالفاً و النفي]

مسألة 5: الأقوىٰ في الحدّ تخيير الحاكم بين القتل و الصلب و القطع مخالفاً و النفي، و لا يبعد أن يكون الأولىٰ أن يلاحظ الجناية و يختار ما يناسبها، فلو قتل اختار القتل أو الصلب، و لو أخذ المال اختار القطع، و لو شهر السيف و أخاف فقط اختار النفي، و قد اضطربت كلمات الفقهاء و الروايات، و الأولى ما ذكرنا (1).

______________________________

الجواهر، نظراً إلى أنّه ينبغي القطع به «1» و كيف كان، فالظاهر في هذا الفرض أيضاً القبول بطريق أولى، و لكن ربّما يستشعر من التعرّض لخصوص هذا الفرض في المتن و الحكم بالقبول فيه عدم القبول في الفرضين السابقين، و لعلّ الوجه فيه شمول الرواية لهما و الحكم باعتبارها، و قد مرّ الإشكال في الشمول بالإضافة إلى الفرض الثالث، و في الانجبار بالنسبة إلى

الفرض الثاني

(1) لا إشكال و لا خلاف في ثبوت هذه الحدود الأربعة للمحارب، و يدلّ عليه الكتاب و السنّة، و قد وقع الخلاف في مقامين:

الأوّل: في أنّه هل ثبوت هذه الأمور بنحو التخيير أو بنحو الترتيب؟ فالمحكيّ عن المفيد «2» و الصدوق «3» و الديلمي «4» و الحلّي «5» بل عن أكثر المتأخّرين «6» هو

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 573.

(2) المقنعة: 804.

(3) الهداية للصدوق: 296، المقنع: 450.

(4) المراسم: 253.

(5) السرائر: 3/ 505 و 507.

(6) شرائع الإسلام: 4/ 959 960، رياض المسائل: 10/ 208 و غيرهما.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 653

..........

______________________________

الأوّل. و عن الشيخ «1» و الإسكافي «2» و التقي «3» و ابن زهرة «4» و أتباع الشيخ «5» هو الثاني، بل في كشف اللثام نسبته إلى أكثر الكتب «6»، بل عن نكت الإرشاد أنّه ادّعي عليه الإجماع «7» و يدلّ على التخيير ظهور الآية الشريفة الواردة في المحارب فيه؛ للتعبير فيها بكلمة «أو» الظاهرة في التخيير، و استبعاد ذلك بملاحظة عدم كون هذه الأمور من جهة العقوبة واقعة في مرتبة واحدة؛ لعدم اتّحاد مرتبة القتل مع القطع، أو مع النفي، و كذا القطع مع النفي، و كذا بملاحظة اختلاف مراتب المحارب من جهة ارتكابه مجرّد الإخافة، أو هي مع أخذ المال، أو هما مع الجرح، أو الجميع مع القتل، و هكذا، ممّا لا ينبغي الاتّكال عليه بعد ظهور الآية في التخيير و يدلّ عليه أيضاً من الروايات صحيحة جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن قول اللّٰه عزّ و جل إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ

يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ «8» إلى آخر الآية أيّ شي ء عليه من هذه الحدود التي سمّى اللّٰه عزّ و جلّ؟ قال: ذلك إلى الإمام إن شاء قطع، و إن شاء نفى، و إن شاء صلب، و إن شاء قتل، قلت: النفي إلى أين؟ قال:

______________________________

(1) النهاية: 720، الخلاف: 5/ 458 مسألة 2، المبسوط: 8/ 47 48.

(2) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/ 257 مسألة 110.

(3) الكافي في الفقه: 252.

(4) غنية النزوع: 201 202.

(5) المهذّب: 2/ 553، الوسيلة: 206، الجامع للشرائع: 241 242، فقه القرآن: 2/ 387.

(6) كشف اللثام: 2/ 431.

(7) غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: 353 354.

(8) سورة المائدة 5: 33.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 654

..........

______________________________

من مصر إلى مصر آخر، و قال: إنّ عليّاً (عليه السّلام) نفى رجلين من الكوفة إلى البصرة «1» و رواية سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قول اللّٰه عز و جل إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ قال: الإمام في الحكم فيهم بالخيار، إن شاء قتل و إن شاء صلب، و إن شاء قطع، و إن شاء نفى من الأرض «2» و بعض الروايات الأُخر و أمّا ما يدلّ على الترتيب بنحو الإجمال فهي صحيحة بريد بن معاوية قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن قول اللّٰه عزّ و جلّ إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ؟ قال: ذلك إلى الإمام يفعل ما شاء، قلت: فمفوّض ذلك إليه؟ قال: لا، و لكن نحو الجناية «3» و رواها في الجواهر هكذا قال: «و لكن بحقّ الجناية» «4» ثمّ قال: بناءً على أنّ المراد من حقّها فيه ما تسمعه من النصوص

«5» و مراده النصوص الواردة في الترتيب و الظاهر وجود الاضطراب في هذه الرواية؛ لأنّ مقتضى الجواب عن السؤال الأوّل هو ثبوت التخيير للإمام، و أنّه يفعل ما يشاء، و كان من الممكن اقتصار السائل على السؤال الأوّل فقط و عدم التصدّي للسؤال الثاني بوجه، مع أنّه لم يكن في الجواب إبهام موجب للسؤال الثاني، مضافاً إلى أنّ مقتضى الجواب الثاني عدم ثبوت التخيير للإمام، و أنّه لا بدّ له من ملاحظة مقدار الجناية و مرتبتها، و عليه

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 533، أبواب حدّ المحارب ب 1 ح 3.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 536، أبواب حدّ المحارب ب 1 ح 9.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 533، أبواب حدّ المحارب ب 1 ح 2.

(4) و كذا في التهذيب: 10/ 133 ح 529.

(5) جواهر الكلام: 41/ 574.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 655

..........

______________________________

فيتعيّن عليه اختيار ما يناسب المرتبة الواقعة من مراتب المحاربة، و هذا لا يجتمع مع الجواب الأوّل بوجه نعم، لو لا هذا الاضطراب في الرواية؛ لكان مقتضى لزوم حمل الظاهر على النصّ حمل روايات التخيير و كذا الآية الظاهرة فيه على هذه الرواية؛ لصراحتها في عدم التخيير، و لزوم ملاحظة نحو الجناية و مقدارها، كما لا يخفى الثاني: في أنّه بعد ثبوت الترتيب ما كيفيّته، فعن النهاية «1» و المهذّب «2» و فقه الراوندي «3» و التلخيص «4» يقتل إن قتل قصاصاً، إن كان المقتول مكافئاً له و لم يعف الوليّ، و لو عفا وليّ الدم، أو كان غير مكافئ قتله الإمام حدّا، و لو قتل و أخذ المال استعيد منه عيناً أو بدلًا، و قطعت يده اليمنى و رجله اليسرى، ثمّ

قتل و صلب، و إن أخذ المال و لم يقتل قطع مخالفاً و نفي، و لو جرح و لم يأخذ المال اقتصّ منه أو أُخذ الدية أو الحكومة و نفي، و لو اقتصر على شهر السلاح نفي لا غير و عن المبسوط «5» و الخلاف «6» و التبيان «7»: إن قتل قتل، و إن قتل و أخذ المال قتل و صلب، و إن اقتصر على أخذ المال و لم يقتل قطعت يده و رجله من خلاف، و إن اقتصر على الإخافة فإنّما عليه النفي و عن الوسيلة: لم يخل إمّا جنى جناية أو لم يجن، فإذا جنى جناية لم يخل إمّا جنى

______________________________

(1) النهاية: 720.

(2) المهذّب: 2/ 553.

(3) فقه القرآن: 2/ 387 388.

(4) لم يطبع «التلخيص» للعلّامة، لكن حكى عنه في غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: 354.

(5) المبسوط: 8/ 48.

(6) الخلاف: 5/ 458 مسألة 2.

(7) التبيان: 3/ 502.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 656

..........

______________________________

في المحاربة أو في غيرها، فإن جنى في المحاربة لم يجز العفو عنه و لا الصلح على مال، و إن جنى في غير المحاربة جاز فيه ذلك، و إن لم يجن و أخاف نفي عن البلد، و على هذا حتّى يتوب، و إن جنى و جرح اقتصّ منه و نفي عن البلد، و إن أخذ المال قطع يده و رجله من خلاف و نفي، و إن قتل و غرضه في إظهار السلاح القتل كان وليّ الدم مخيّراً بين القود و العفو و الدية، و إن كان غرضه المال كان قتله حتماً و صلب بعد القتل، و إن قطع اليد و لم يأخذ المال قطع و نفي، و

إن جرح و قتل اقتصَّ منه ثمّ قتل و صلب، و إن جرح و قطع و أخذ المال جرح و قطع للقصاص أوّلًا إن كان قطع اليد اليسرى، ثمّ قطع يده اليمنى لأخذ المال و لم يوال بين القطعين، و إن كان قطع اليمنى قطعت يمناه قصاصاً و رجله اليسرى لأخذ المال «1» و المحكيّ عن الرياض أنّه قال: لم أجد حجّة على شي ء من هذه الكيفيّات من النصوص، و إن دلّ أكثرها على الترتيب في الجملة، لكن شي ء منها لا يوافق شيئاً منها، فهي شاذّة مع ضعف أسانيدها جملة «2» و هنا تفصيل آخر اختاره بعض المعاصرين، و هو أنّه «من شهر السلاح لإخافة الناس نفي من البلد، و من شهر فعقر اقتصّ منه ثمّ نفي من البلد، و من شهر و أخذ المال قطعت يده و رجله، و من شهر و أخذ المال و ضرب و عقر و لم يقتل فأمره إلى الإمام، إن شاء قتله و صلبه، و إن شاء قطع يده و رجله، و من حارب فقتل و لم يأخذ المال كان على الإمام أن يقتله، و من حارب و قتل و أخذ المال فعلى الإمام أن يقطع يده اليمنى بالسرقة، ثمّ يدفعه إلى أولياء المقتول فيتبعونه بالمال ثمّ يقتلونه،

______________________________

(1) الوسيلة: 206.

(2) رياض المسائل: 10/ 210.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 657

..........

______________________________

و إن عفا عنه أولياء المقتول كان على الإمام أن يقتله، و ليس لأولياء المقتول أن يأخذوا الدية منه فيتركوه» «1» و قد استدلّ لهذا التفصيل بأنّه مقتضى الجمع بين الصحيحتين الواردتين في كيفيّة الترتيب:

إحداهما: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: من

شهر السلاح في مصر من الأمصار فعقر اقتصّ منه و نفي من تلك البلد، و من شهر السلاح في مصر من الأمصار و ضرب و عقر و أخذ المال و لم يقتل فهو محارب، فجزاؤه جزاء المحارب، و أمره إلى الإمام إن شاء قتله و صلبه، و إن شاء قطع يده و رجله، قال: و إن ضرب و قتل و أخذ المال فعلى الإمام أن يقطع يده اليمنى بالسرقة، ثمّ يدفعه إلى أولياء المقتول فيتبعونه بالمال ثمّ يقتلونه قال: فقال له أبو عبيدة: أ رأيت إن عفا عنه أولياء المقتول؟ قال: فقال أبو جعفر (عليه السّلام): إن عفوا عنه كان على الإمام أن يقتله؛ لأنّه قد حارب و قتل و سرق قال: فقال أبو عبيدة: أ رأيت إن أراد أولياء المقتول أن يأخذوا منه الدية و يدعونه أ لهم ذلك؟ قال: لا، عليه القتل «2» ثانيتهما: صحيحة عليّ بن حسّان، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: من حارب اللّٰه و أخذ المال و قتل كان عليه أن يقتل أو يصلب، و من حارب فقتل و لم يأخذ المال كان عليه أن يقتل و لا يصلب، و من حارب و أخذ المال و لم يقتل كان عليه أن تقطع يده و رجله من خلاف، و من حارب و لم يأخذ المال و لم يقتل كان عليه أن ينفى، ثمّ

______________________________

(1) مباني تكملة المنهاج: 1/ 318 مسألة 260.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 532، أبواب حدّ المحارب ب 1 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 658

..........

______________________________

استثنى عزّ و جل إِلَّا الَّذِينَ تٰابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ «1» يعني: يتوبوا قبل أن يأخذهم الإمام

«2» و اشتراك عليّ بن حسّان بين الواسطي الذي هو ثقة، و الهاشمي الذي هو ضعيف لا يوجب خللًا في الرواية، بعد كون الراوي لها هو عليّ بن إبراهيم في تفسيره، الذي التزم فيه بأن لا يروي فيه إلّا عن الثقة، فهو قرينة على كون المراد هو الثقة «3» هذا، و لكن لا يخفى وجود الاضطراب الكامل في الصحيحة الاولى من جهات عديدة:

من جهة أنّ ظاهر الجملة الاولى عدم كون المورد المفروض فيها من مصاديق المحارب؛ لظهور الصحيحة في أنّ المفروض في الجملة الثانية محاربٌ و من مصاديقه، مع أنّه ينطبق على الأوّل أيضاً؛ لصدق تعريفه عليه و من جهة ظهور الجملة الثانية في أنّ جزاء المحارب المذكور في الآية الشريفة هو التخيير بين القتل و الصلب، و بين قطع اليد و الرجل، مع أنّ المذكور في الآية إضافة أمر رابع و هو النفي، مضافاً إلى عدم كون هذا التخيير موافقاً للآية بوجه، سواء كان المراد منها هو التخيير أو الترتيب؛ لأنّه على التقدير الأوّل يكون التخيير بين أربعة أُمور، و على التقدير الثاني وجود الترتيب بين هذه الأُمور لا التخيير بهذا النحو و من جهة ظهور الجملة الثالثة في لزوم قطع اليد اليمنى بالسرقة، مع أنّ المذكور

______________________________

(1) سورة المائدة 5: 34.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 536، أبواب حدّ المحارب ب 1 ح 11.

(3) مباني تكملة المنهاج: 1/ 318 320 مسألة 260.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 659

..........

______________________________

في الآية قطع اليد و الرجل معاً مخالفاً، مضافاً إلى أنّ ظاهرها تحقّق السرقة، مع أنّك عرفت في تعريفها اعتبار الخفاء، و لا يجتمع ذلك مع المحاربة، و إلى أنّه لا يعلم الفرق بين

هذا الفرض و بين الفرض الثاني مع اشتراكهما في أخذ المال و كون القطع باعتباره، كما لا يخفى و من غير هذه الجهات. و لعلّه لما ذكرنا قال المحقّق في الشرائع: و تلك الأحاديث يعني الأحاديث الدالّة على كيفيّة الترتيب لا تنفكّ من ضعف في إسناد، أو اضطراب في متن، أو قصور في دلالة «1» ثمّ إنّ الظاهر أنّه لا يمكن الجمع بين الصحيحتين بالنحو الذي ذكره المفصّل؛ لتعارضهما في بعض الموارد، و عدم إمكان الجمع فيه، مثل ما إذا حارب و أخذ المال و لم يقتل، فإنّ الثانية تدلّ على تعيّن قطع اليد و الرجل عليه، و الأولى تدلّ على أنّ أمره إلى الإمام، إن شاء قتله و صلبه، و إن شاء قطع يده و رجله، و مثل ما إذا حارب و أخذ المال و قتل، فإنّ الثانية تدلّ على ثبوت القتل أو الصلب عليه، و الأولى تدلّ على قطع اليد اليمنى و ثبوت القتل؛ و لذلك لا يمكن الجمع بينهما ثمّ إنّ سائر الروايات الواردة في الترتيب غير معتبرة من حيث السند، مثل:

رواية عبيد بن بشر الخثعمي، التي هي موافقة للتفصيل الأوّل في الجملة، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن قاطع الطريق و قلت: الناس يقولون: إنّ الإمام فيه مخيّر أيّ شي ء شاء صنع؟ قال: ليس أيّ شي ء شاء صنع، و لكنّه يصنع بهم على قدر جنايتهم، من قَطَع الطريق فقتل و أخذ المال قطعت يده و رجله و صلب، و من قطع الطريق فقتل و لم يأخذ المال قتل، و من قطع الطريق فأخذ المال و لم يقتل قطعت يده

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 959 960.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير

الوسيلة - الحدود، ص: 660

..........

______________________________

و رجله، و من قطع الطريق فلم يأخذ مالًا و لم يقتل نفي من الأرض «1» و هي مضافة إلى ضعف السند كما عرفت مضطربة من جهة الجمع بين القطع و الصلب في الفرض الأوّل، و الآية تنافيه كما مرّ و مثل رواية عبيد اللّٰه المدائني، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام)، التي هي موافقة للتفصيل الثاني في الجملة أيضاً، قال: سُئل عن قول اللّٰه عزّ و جلّ إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً «2» الآية، فما الذي إذا فعله استوجب واحدة من هذه الأربع؟ فقال: إذا حارب اللّٰه و رسوله و سعى في الأرض فساداً فقتل قتل به، و إن قتل و أخذ المال قتل و صلب، و إن أخذ المال و لم يقتل قطعت يده و رجله من خلاف، و إن شهر السيف و حارب اللّٰه و رسوله و سعى في الأرض فساداً و لم يقتل و لم يأخذ المال نفي من الأرض، الحديث «3» و هي مضافة إلى ما ذكرنا في الرواية السابقة من الضعف و الاضطراب معارضة معها أيضاً، لاختلافهما فيما إذا قتل و أخذ المال؛ لدلالة هذه على أنّ حدّه هو القتل و الصلب، و دلالة السابقة على أنّ حدّه هو القطع و الصلب و مثل سائر الروايات الواردة في الترتيب ثمّ إنّه ربّما يقال: بأنّ روايات الترتيب مجبورة باستناد المشهور إليها و عملهم بها، و الظاهر أنّ مراد القائل هو أصل الترتيب في مقابل التخيير و إلّا فكيفيّته محلّ اختلاف بينهم، كما عرفت في نقل الأقوال المختلفة الواردة في الكيفيّة و عليه بعد تسليم ثبوت الشهرة و عدم

المناقشة فيها بذهاب مثل المفيد

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 534، أبواب حدّ المحارب ب 1 ح 5.

(2) سورة المائدة 5: 33.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 534، أبواب حدّ المحارب ب 1 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 661

[مسألة 6: ما ذكرنا في المسألة السابقة حدّ المحارب]

مسألة 6: ما ذكرنا في المسألة السابقة حدّ المحارب، سواء قتل شخصاً أو لا، و سواء رفع وليّ الدم أمره إلىٰ الحاكم أو لا. نعم، مع الرفع يقتل قصاصاً مع كون المقتول كفواً، و مع عفوه فالحاكم مختار بين الأُمور الأربعة، سواء كان

______________________________

و الصدوق و غيرهما إلى التخيير، فاللازم ملاحظة أنّه بعد ثبوت الحجّة على التخيير، التي هي الآية الشريفة و بعض الروايات الصحيحة المتقدّمة، كصحيحة جميل بن درّاج معتضدةً ببعض الروايات الواردة في شأن نزول الآية و هو أنّه قدم على رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) قوم من بني ضبّة مرضى، فقال لهم رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): أقيموا عندي، فإذا برئتم بعثتكم في سريّة، فقالوا: أخرجنا من المدينة، فبعث بهم إلى إبل الصدقة يشربون من أبوالها و يأكلون من ألبانها، فلمّا برئوا و اشتدّوا قتلوا ثلاثة ممّن كان في الإبل، فبلغ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) الخبر، فبعث إليهم عليّاً (عليه السّلام) و هم في وادٍ قد تحيّروا ليس يقدرون أن يخرجوا منه قريباً من أرض اليمن فأسرهم و جاء بهم إلى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله)، فنزلت هذه الآية إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلٰافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ، فاختار رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه

و آله) القطع، فقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف «1» هل يكون في البين حجّة على الترتيب أقوى من حجّة التخيير بعد اختلاف الفتاوى و النصوص؟ الظاهر هو العدم نعم، لا مانع من الالتزام برجحان الترتيب و ملاحظة المناسبة بين الجناية و العقوبة كما في المتن، و إن كان يرد عليه الحكم بالتخيير في مورد القتل بين القتل و الصلب، فتدبّر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 535، أبواب حدّ المحارب ب 1 ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 662

قتله طلباً للمال أو لا، و كذا لو جرح و لم يقتل كان القصاص إلىٰ الوليّ، فلو اقتصّ كان الحاكم مختاراً بين الأُمور المتقدّمة حدّا، و كذا لو عفا عنه (1).

______________________________

(1) لا إشكال بناءً على التخيير الذي قوّاه الماتن دام ظلّه في ثبوته فيما إذا لم يتحقّق من المحارب القتل، و أمّا مع صدوره منه ففيه أقوال ثلاثة بين القائلين بالتخيير:

أحدها: ثبوت التخيير فيه أيضاً، و عدم تعيّن القتل على الحاكم، و هو ظاهر الجواهر «1» و صريح المتن ثانيها: تعيّن القتل عليه مطلقاً، سواء كان قتله طلباً للمال أو لا، كما هو ظاهر إطلاق المفيد في محكيّ المقنعة «2»، و حكاه في الروضة عن جماعة من الأصحاب، حيث قال بعد نقل القول بالتخيير: نعم، لو قتل المحارب تعيّن قتله و لم يكتف بغيره من الحدود، سواء قتل مكافئاً أم لا، و سواء عفا الوليّ أم لا، على ما ذكره جماعة من الأصحاب، و في بعض أفراده نظر «3» ثالثها: التفصيل بين ما إذا كان قتله طلباً للمال و بين ما إذا لم يكن كذلك، و اختاره المحقّق في الشرائع «4» و الظاهر أنّه

لا دليل على هذا الاستثناء بناءً على التخيير؛ لأنّ الدليل عليه هي صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة الصريحة في أنّه إن عفا عنه أولياء المقتول كان على الإمام أن يقتله، مع أنّه لو كانت الصحيحة مورداً للعمل لكان اللازم الالتزام بالترتيب في أصل المسألة، و المفروض الإعراض عنها و الحكم بخلافها، و مع ذلك

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 580.

(2) المقنعة: 805.

(3) الروضة البهيّة: 9/ 296.

(4) شرائع الإسلام: 4/ 960.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 663

[مسألة 7: لو تاب المحارب قبل القدرة عليه سقط الحدّ دون حقوق الناس]

مسألة 7: لو تاب المحارب قبل القدرة عليه سقط الحدّ دون حقوق الناس من القتل و الجرح و المال، و لو تاب بعد الظفر عليه لم يسقط الحدّ أيضاً (1).

______________________________

لا يبقى مجال للأخذ بها و لو في خصوص هذه الجهة و يرد على المحقّق زائداً على ذلك أنّه لو عملنا بالصحيحة، و قلنا بتعيّن القتل في هذه الصورة، فما الدليل على التفصيل بين الصورتين في القتل؟ و الحقّ أنّ إطلاق دليل التخيير بحاله من دون فرق بين فرض القتل و غيره، و ثبوت القصاص في الأوّل لا يرتبط بمسألة الحدّ التي هي مرتبطة بالإمام، و هكذا الكلام في الجرح، فإنّه لو كان جرحه بقطع اليد اليمنى و الرجل اليسرى مثلًا لا يتعيّن على الحاكم من جهة الحدّ اختيار قطع العضوين، بل يختار ما يشاء من الحدود الأربعة و إن عفا الوليّ عنه

(1) أمّا قبول التوبة قبل القدرة عليه؛ فلدلالة قوله تعالى عقيب آية المحاربة إِلَّا الَّذِينَ تٰابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1» و بعض الروايات مثل:

مرسلة داود الطائي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن المحارب و

قلت له: إنّ أصحابنا يقولون: إنّ الإمام مخيّر فيه إن شاء قطع، و إن شاء صلب، و إن شاء قتل، فقال: لا، إنّ هذه أشياء محدودة في كتاب اللّٰه عزّ و جلّ، فإذا ما هو قتل و أخذ قتل و صلب، و إذا قتل و لم يأخذ قتل، و إذا أخذ و لم يقتل قطع، و إن هو فرّ و لم يقدر عليه ثمّ أُخذ قطع إلّا أن يتوب، فإن تاب لم يقطع «2».

______________________________

(1) سورة المائدة 5: 34.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 535، أبواب حدّ المحارب ب (1) ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 664

[مسألة 8: اللص إذا صدق عليه عنوان المحارب كان حكمه ما تقدّم]

مسألة 8: اللص إذا صدق عليه عنوان المحارب كان حكمه ما تقدّم، و إلّا فله أحكام تقدّمت في ذيل كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (1).

______________________________

و القدر المتيقّن منها هي التوبة قبل الأخذ. و غير ذلك من الروايات ثمّ إنّ سقوط الحدّ لا يلازم سقوط حقّ الناس في القصاص بسبب القتل أو الجرح، و كذا سقوط حقّ استرداد المال عيناً أو بدلًا؛ لعدم الارتباط بين الأمرين، بل كما في الجواهر: لعلّ التوبة تتوقّف صحّتها على أداء ذلك «1»، و التحقيق في محلّه و أمّا عدم القبول بعد القدرة؛ فلدلالة التقييد في الآية عليه عرفاً، مضافاً إلى أنّه مقتضى الاستصحاب، و إلى أنّ القبول يستلزم تعطيل الحدّ نوعاً، كما لا يخفى. و توهّم الإطلاق في المرسلة المتقدّمة مندفع، مضافاً إلى ثبوت القدر المتيقّن أنّه على تقديره لا يكون حجّة بعد كون الرواية مرسلة

(1) قال في «أقرب الموارد» اللّص و يثلّث: السارق. جمع لصوص «2» و قال المحقّق (قدّس سرّه) في الشرائع: «اللّص محارب، فإذا دخل

داراً متغلِّباً كان لصاحبها محاربته، فإن أدّى الدفع إلى قتله كان دمه ضائعاً لا يضمنه الدافع» «3» و ظاهر صدره و إن كان هو الحكم بكون اللّص محارباً مطلقاً، إلّا أنّ توصيف الدخول بكونه على نحو التغلّب ظاهر بملاحظة التفريع في كون مراده من اللّص هو اللّص المتغلِّب، الذي لا ينبغي الإشكال في كونه محارباً، و عليه فالفرق بين عبارة الشرائع و بين المتن إنّما هو في أنّ الموضوع في المقام هو مطلق اللّص، و في العبارة هو

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 581.

(2) أقرب الموارد: 2/ 1142.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 960.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 665

..........

______________________________

اللص المتغلِّب و لكن قال الشهيد الثاني في الروضة في شرح قول المصنّف: و اللّص محارب «1»: بمعنى أنّه بحكم المحارب في أنّه يجوز دفعه و لو بالقتال، و لو لم يندفع إلّا بالقتل كان دمه هدراً، أمّا لو تمكّن الحاكم منه لم يحدّه حدّ المحارب مطلقاً، و إنّما أطلق عليه اسم المحارب تبعاً لإطلاق النصوص. نعم، لو تظاهر بذلك فهو محارب مطلقاً، و بذلك قيّده المصنّف في الدروس «2» و هو حسن «3» و الذي ينبغي ملاحظته في المقام أنّ التعرّض لمسألة اللّص في المقام هل هو بلحاظ الحدود الأربعة المترتّبة على المحارب تخييراً أو ترتيباً، أو بلحاظ أمر آخر؟ و هو جواز قتله ابتداءً، و المحاربة معه كذلك، من غير تقييد بمراعاة الأسهل فالأسهل و التدرّج في الدفع من الأدنى إلى الأعلى، كما في المهاجم المجرّد عن السلاح المريد لأخذ المال من الغير من دون أن يدخل في داره، حيث إنّه يلزم فتوًى أو احتياطاً مراعاة التدرّج المذكور، بخلاف المحارب، فإنّه يجوز قتله

ابتداءً و المحاربة معه في أوّل الأمر ظاهر كلمات الفقهاء هو الأوّل، كما عرفت في عبارة الشرائع و غيره، و ظاهر المتن هو الثاني؛ لأنّ الحكم المتقدّم في المحارب هو الحدود التي وقع البحث عنها سابقاً، و أمّا جواز قتل المحارب فلم يتقدّم منه في بحث المحارب كما أنّ ظاهر الروايات الواردة في اللّص موافق لكلمات الفقهاء، ففي رواية

______________________________

(1) اللمعة الدمشقيّة: 172.

(2) الدروس الشرعيّة: 2/ 59.

(3) الروضة البهيّة: 9/ 302 303.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 666

..........

______________________________

منصور، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: اللّص محارب للّٰه و لرسوله فاقتلوه، فما دخل عليك فعليّ «1» و رواية غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام) قال: إذا دخل عليك اللّص يريد أهلك و مالك فإن استطعت أن تبدره و تضربه فابدره و اضربه، و قال: اللّص محارب للّٰه و لرسوله فاقتله، فما منك منه فهو عليّ «2» فإنّ تفريع الحكم بالقتل على الحكم بكون اللّص محارباً ظاهر في أنّ الأثر المترتّب على هذا الحكم هو جواز القتل من دون تدرّج، لا ترتّب الحدود الأربعة عليه، و منه يظهر أنّه يحتمل قويّاً أن يكون المراد من اللّص في الروايتين هو مطلق اللّص، و الحكم بكونه محارباً إنّما هو على سبيل التعبّد، و مرجعه إلى تنزيل اللّص منزلة المحارب في جواز المحاربة معه ابتداءً و قتله كذلك؛ و ذلك إنّما هو لأجل خصوصيّة في اللّص غير موجودة في مطلق المهاجم، و ذلك لوروده في مثل الدار الذي هو محلّ الأمن و الطمأنينة لأكثر الناس، ففي الحقيقة صار اللّص سبباً لتزلزل هذه الجهة و ذهاب الطمأنينة، لهتكه حرمة الدار المتّصف بكونه كذلك

نعم، في مرسلة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): إذا دخل عليك اللّص المحارب فاقتله، فما أصابك فدمه في عنقي «3» و قد جعلها في الجواهر كالموثّق أو كالصحيح «4»، و الظاهر أنّه بلحاظ كونها من مراسيل ابن أبي عمير، التي يعامل معها معاملة المسانيد، و قد تقدّم منّا في بحث حدّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 543، أبواب حدّ المحارب ب 7 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 543، أبواب حدّ المحارب ب 7 ح 2.

(3) وسائل الشيعة: 11/ 92، أبواب جهاد العدوّ ب 46 ح 7.

(4) جواهر الكلام: 41/ 584.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 667

..........

______________________________

المسكر المناقشة في ذلك «1» و ظاهرها بلحاظ كون الأصل في القيود هي الاحترازية أنّ جواز القتل إنّما هو في اللّص المتّصف بكونه محارباً لا مطلق اللّص، و يؤيّده رواية أيّوب قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: من دخل على مؤمن داره محارباً له فدمه مباح في تلك الحال للمؤمن، و هو في عنقي «2» و الروايتان شاهدتان على عدم كون اللّص مطلقاً بحكم المحارب و لو في الحكم بجواز القتل، و عليه فالمراد من قوله (عليه السّلام) «اللّص محارب» كما في الروايتين الأوّلتين هو خصوص اللّص الذي يكون محارباً حقيقةً، فلا يرجع معنى الرواية إلى التعبّد و التنزيل كما عرفت، بل معناه هو كونه كذلك حقيقة، و الإطلاق مع كون معناه اللغوي غير مختصّ بالمحارب إمّا لأجل الانصراف إليه، أو لأجل كون المراد هو اللّص في الجملة، و كان الغرض دفع توهّم اختصاص عنوان المحارب بقاطع الطريق الذي هو شأن نزول آية المحاربة، بناءً على ما

قاله أكثر المفسّرين و الفقهاء على ما مرّ نعم، هنا بعض الروايات الدالّة على جواز محاربة مطلق اللّص، مثل:

ما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام) قال: إنّ اللّٰه ليمقت العبد يدخل عليه في بيته و لا يحارب، و رواه الشيخ بطريق آخر عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام)، إلّا أنّ فيه: «فلا يقاتل» بدل «و لا يحارب» «3» و قد جعله في الجواهر

______________________________

(1) في ص 448 452.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 543، أبواب حدّ المحارب ب 7 ح 3.

(3) وسائل الشيعة: 11/ 91، أبواب جهاد العدوّ ب 46 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 668

..........

______________________________

روايتين «1» مع أنّه ليس كذلك نعم، في هامش الوسائل حكى عن فروع الكافي نقل الرواية عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و إضافة «اللصّ» بعد قوله (عليه السّلام): «يدخل عليه» «2» و رواية الفتح بن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسن (عليه السّلام) في رجل دخل دار آخر للتلصّص أو الفجور فقتله صاحب الدار، أ يقتل به أم لا؟ فقال: اعلم أنّ من دخل دار غيره فقد أهدر دمه و لا يجب عليه شي ء «3» و رواية أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: لو دخل رجل على امرأة و هي حبلى، فوقع عليها فقتل ما في بطنها، فوثبت عليه فقتلته؟ قال: ذهب دم اللّص هدراً، و كان دية ولدها على المعقلة «4» بل المستفاد من رواية الفتح عدم الاختصاص باللّص، بل يجري الحكم في مطلق من دخل دار غيره، الظاهر و لو بحكم الانصراف في الدخول غير المشروع.

بل

هنا روايات متعدّدة ظاهرة في شمول الحكم لغير الداخل إذا أشرف على قوم أو نظر من خلل شي ء، و أنّه يجوز قتله أو فقأ عينه، مثل:

رواية العلاء بن الفضيل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إذا اطّلع رجل على قوم يشرف عليهم، أو ينظر من خلل شي ء لهم فرموه فأصابوه فقتلوه أو فقؤوا عينيه فليس عليهم غرم، و قال: إنّ رجلًا اطّلع من خلل حجرة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله)، فجاء

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 584.

(2) الكافي: 5/ 51 ح 2.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 51، أبواب القصاص في النفس ب 27 ح 2.

(4) وسائل الشيعة: 19/ 309، كتاب الديات، أبواب العاقلة ب 13 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 669

..........

______________________________

رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) بمشقص ليفقأ عينه فوجده قد انطلق، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله): أي خبيث، أما و اللّٰه لو ثبتَّ لي لفقأت عينك «1» هذا، و لكن قال صاحب الجواهر بعد نقل كثير من الروايات الواردة في هذا البحث ما ملخّصه: إنّي لم أجد مصرّحاً بالعمل بها على الوجه المزبور، بل الذي يظهر منهم أنّه لا فرق بين دفاع المحارب و اللّص و غيرهما من الظالمين و إن اختلفت الحدود، إلّا أنّ الجميع متّحدة في كيفيّة الدفاع الذي ذكروا فيه التدرّج، بل قدّ يقال بوجوب القصاص على من قتل المحارب بعد أن كفّ عنه، و إن كان هو مفسداً و من حدّه القتل «2» و لكن يرد عليه أنّ إطلاق المحارب على اللّص، و تفريع جواز المحاربة و المقاتلة معه كما في مثل عبارة الشرائع لا يلائم مع ما أفاده

صاحب الجواهر؛ لأنّه إذا فرض اتّحاد كيفيّة الدفاع في المحارب و اللّص و المهاجم و غيرهم من الظالمين، فلا مجال لطرح مسألة اللّص في بحث المحارب و الحكم عليه بأنّه محارب مطلقاً أو في الجملة؛ لعدم ترتّب ثمرة على هذا البحث من جهة ما هو المقصود لهم من جواز القتل؛ لأنّ المفروض لزوم رعاية التدرّج و الأسهل فالأسهل و دعوى أنّ ذلك إنّما هو لأجل التبعيّة للنصوص كما في آخر كلام صاحب الجواهر «3».

مدفوعة بأنّ التبعيّة لا تجتمع مع عدم الالتزام بتلك النصوص و عدم الفتوى على طبقها، فالإنصاف في هذا المجال أنّ ملاحظة الخصوصيّات و الجهات تقضي

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 49، أبواب القصاص في النفس ب 25 ح 6.

(2) جواهر الكلام: 41/ 587.

(3) جواهر الكلام: 41/ 588.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 670

[مسألة 9: يصلب المحارب حيّاً]

مسألة 9: يصلب المحارب حيّاً، و لا يجوز الإبقاء مصلوباً أكثر من ثلاثة أيّام، ثمّ ينزل، فإن كان ميّتاً يغسّل و يكفّن و يصلّى عليه و يدفن، و إن كان حيّاً قيل: يجهز عليه و هو مشكل. نعم، يمكن القول بجواز الصلب على نحو يموت به، و هو أيضاً لا يخلو من إشكال (1).

______________________________

بثبوت خصوصيّة للمحارب من هذه الجهة، و أنّه يجوز محاربته و مقاتلته في أوّل وهلة، و لا يجري فيه التدرّج، و إلّا فلا مجال لطرح مسألة اللّص بهذه الكيفيّة كما لا يخفى، و لكن لتحقيق المسألة زائداً على ما ذكر مجال آخر

(1) أمّا أنّه يصلب المحارب حيّاً فإنّما هو على القول بالتخيير بين الحدود الأربعة للمحارب؛ لأنّه على هذا القول يكون الصلب قسيماً للقتل، و أمّا على القول بالترتيب فظاهر أكثر الروايات

الواردة فيه الجمع بين الصلب و القتل، بمعنى أنّه يقتل ثمّ يصلب، و عليه فالصلب لا يترتّب عليه عنوان العقوبة، بل إنّما هو للإعلام و عبرة الناس، و إن كان فيه نوع إهانة و تخفيف، و لكن بعض الروايات الواردة في الترتيب قد جمع بينه و بين القطع، كرواية عبيد بن بشر المتقدّمة «1» و في صحيحة عليّ ابن حسّان المتقدّمة أيضاً التخيير بين القتل أو الصلب فيما لو أخذ المال و قتل «2»، و لكن يحتمل فيها قويّاً أن يكون «الواو» مكان «أو»، و الشاهد عليه الجملة الثانية فراجع ثمّ إنّه على كلا القولين لا إشكال في وجوب الإبقاء مصلوباً ثلاثة أيّام، كما أنّه لا إشكال في أنّه على تقدير الموت لا يجوز الإبقاء أكثر من الثلاثة، و لا خلاف فيه

______________________________

(1) في ص 659 660.

(2) في ص 657 658.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 671

..........

______________________________

بينهم، بل عن ظاهر المسالك الإجماع «1» كما عن الخلاف التصريح به «2»، و منشأه روايات متعدّدة واردة في هذا الباب، مثل:

رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) صلب رجلًا بالحيرة ثلاثة أيّام، ثمّ أنزله في اليوم الرابع فصلّى عليه و دفنه «3» و روايته الأُخرى عنه (عليه السّلام)، أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) قال: لا تدعوا المصلوب بعد ثلاثة أيّام حتّى ينزل فيدفن «4» و مرسلة الصدوق المعتبرة قال: قال الصادق (عليه السّلام): المصلوب ينزل عن الخشبة بعد ثلاثة أيّام و يُغسّل و يدفن، و لا يجوز صلبه أكثر من ثلاثة أيّام «5» و أمّا إذا لم يمت بالصلب في تلك المدّة، فعن المسالك «6»

و كشف اللثام «7»: أُجهز عليه بعدها، و عن الرياض: يصلب حيّاً إلى أن يموت «8» و يمكن الاستدلال له بأنّ المفروض في الروايات المتقدّمة الدالّة على حرمة الإبقاء أكثر من تلك المدّة ما إذا اتّصف المصلوب بالموت إمّا لعروضه عليه و إمّا لصلبه ميّتاً، بناءً على القول بالترتيب. و أمّا لو فرض عدم الاتّصاف فلا دلالة لها على حرمة الإبقاء.

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 15/ 17.

(2) الخلاف: 5/ 463 مسألة 5.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 541، أبواب حدّ المحارب ب 5 ح 1.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 541، أبواب حدّ المحارب ب 5 ح 2.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 541، أبواب حدّ المحارب ب 5 ح 3.

(6) مسالك الأفهام: 15/ 16.

(7) كشف اللثام: 2/ 432.

(8) رياض المسائل: 10/ 212.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 672

..........

______________________________

و لكن يرد عليه أنّه لا دليل على لزوم تحقّق الموت بالصلب بعد كونه قسيماً للقتل على القول بالتخيير، كما أنّه يرد عليه أنّ الحكم بلزوم تغسيله بعد نزوله كما في المرسلة شاهد على عدم لزوم إدامة الصلب إلى أن يموت، و إلّا كان اللازم تقديم غسله على الصلب، كما في نظائره من الحدود المنتهية إلى القتل، حيث إنّ اللازم فيها تقديم الغسل كما في الرجم و نحوه، فالحكم بلزوم التغسيل بعده في المرسلة شاهد على أنّ الصلب قد ينتهي إلى القتل و قد لا ينتهي إليه، و لأجله لا مجال للتقديم كما أنّه يرد على صاحبي المسالك و الكشف أنّه لا دليل على الإجهاز عليه بعد الصلب في تلك المدّة و نزوله حيّاً، خصوصاً مع ملاحظة كون الصلب قسيماً للقتل لا أنّه من أفراده؛ و لأجله استشكل في كلا القولين

في المتن، و إن كان يمكن أن يقال بأنّ مراده من القول الثاني الذي استشكل فيه أيضاً هو التصرّف في كيفيّة الصلب و جعله بنحو يموت به، كما هو المتداول في هذه الأزمنة، حيث تكون كيفيّة الصلب ملازمة لتحقّق الموت، بخلاف الصلب المتداول في تلك الأزمنة و في زمن نزول الآية الشريفة و وجه الإشكال فيه أنّه لا دليل على جواز هذا النحو من الصلب بعد عدم تحقّقه في زمان نزول الحكم، خصوصاً مع كونه قسيماً للقتل لا أنّه أحد أفراده ثمّ الظاهر أنّ المراد من ثلاثة أيّام المذكورة في الروايات هو ثلاثة أيّام بلياليها فتدخل الليلة الأخيرة أيضاً؛ لاستعمال كلمة «اليوم» في اليوم و اللّيلة كثيراً في الكتاب و السنّة، و الشاهد له في المقام الرواية الأُولى للسكوني المتقدّمة الدالّة على أنّه (عليه السّلام) أنزله في اليوم الرابع، مع أنّه في صورة التلفيق لا مجال للإشكال في الدخول و ممّا ذكرنا يظهر النظر فيما عن المسالك من أنّ المعتبر من الأيّام، النهار دون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 673

[مسألة 10: إذا نفي المحارب عن بلده إلىٰ بلد آخر]

مسألة 10: إذا نفي المحارب عن بلده إلىٰ بلد آخر، يكتب الوالي إلى كلّ بلد يأوي إليه بالمنع عن مؤاكلته و معاشرته و مبايعته و مناكحته و مشاورته، و الأحوط أن لا يكون أقلّ من سنة و إن تاب، و لو لم يتب استمرّ النفي إلىٰ أن يتوب، و لو أراد بلاد الشرك يمنع منها، قالوا: و إن مكّنوه من دخولها قوتلوا حتى يخرجوه (1).

______________________________

الليل. نعم، تدخل الليلتان المتوسّطتان تبعاً «1» كما أنّه لا خفاء في أنّ مبدأ الأيّام هو الصلب دون الموت، و لا وجه لتوهّم الخلاف؛ بناءً على

كون الصلب واقعاً في حال الحياة كما لا يخفى

(1) يقع الكلام في هذه المسألة من جهات:

الاولىٰ: في المراد من النفي من الأرض الواقع في الآية، و يظهر من الفقهاء في ذلك أقوال:

أحدها: ما ذكره الشيخ (قدّس سرّه) في المبسوط، قال في كتاب قطّاع الطريق بناءً على كون المراد بالمحارب في الآية هو قاطع الطريق: «و إن قتلوا و لم يأخذوا المال قتلوا، و القتل ينحتم عليهم، و لا يجوز العفو عنهم، و إنّما يكون منحتماً إذا كان قصده من القتل أخذ المال، و أمّا إن قتل رجلًا لغير هذا فالقود واجب غير منحتم، و إن قتل و أخذ المال قتل و صلب، و إن أخذ المال و لم يقتل قطعت يده و رجله من خلاف، فمتى ارتكبوا شيئاً من هذا نفوا من الأرض، و نفيهم أن يتبعهم أينما حلّوا كان في طلبهم، فإذا قدر عليهم أقام عليهم الحدود التي ذكرناها إلى أن قال بعد أسطر:-

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 15/ 17.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 674

..........

______________________________

و أمّا قوله تعالى أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ «1» معناه: إذا وقع منهم في المحاربة ما يوجب شيئاً من هذه العقوبات يتبعهم الإمام أبداً حتّى يجده، و لا يدعه يقرّ في مكان، هذا هو النفي من الأرض عندنا، و عند قوم: المنفيّ من قدر عليه بعد أن يشهر السلاح و قبل أن يعمل شيئاً، و النفي عنده الحبس، و الأوّل مذهبنا «2» و ظاهره أنّ المراد من النفي هو أن يتبع المحارب الوالي الحاكم حتّى يجده، و يجري عليه ما يستحقّه من العقوبات الثلاثة، و ليس هو عقوبة مستقلّة في رديف سائر العقوبات، و من الواضح

كونه خلاف ظاهر الآية، و أنّه لا يجتمع مع كلمة «أو» الواقعة في الآية، بل إنّما يلائم مع كلمة «الواو» ثانيها: ما يظهر من محكيّ الصدوق في الفقيه من أنّ المراد به هو الغرق في البحر، حيث قال: «ينبغي أن يكون نفياً شبيهاً بالصلب و القتل تثقل رجلاه و يرمى في البحر» «3» ثالثها: ما حكاه الشيخ في عبارته المتقدّمة عن قوم من أنّ المراد به الحبس رابعها: ما أشار إليه ابن سعيد في محكيّ الجامع، قال: نفي من الأرض بأن يغرق على قول، أو يحبس على آخر، أو ينفى من بلاد الإسلام سنةً حتّى يتوب، و كوتبوا أنّه منفيّ محارب فلا تئووه و لا تعاملوه، فإن آووه قوتلوا «4» و مرجعه إلى كون المراد هو النفي من بلاد الإسلام و إخراجه إلى بلاد الكفر خامسها: ما ذكره بعض الأعلام من أنّ المراد من النفي من الأرض أن لا يسمح

______________________________

(1) سورة المائدة 5: 33.

(2) المبسوط: 8/ 48.

(3) من لا يحضره الفقيه: 4/ 68.

(4) الجامع للشرائع: 241 242.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 675

..........

______________________________

للمحارب بالاستقرار في مكان، و لم يكن له مقرّ يستقرّ فيه، نظراً إلى إطلاق الأرض في الآية الشريفة و عدم التقييد بأرض الإسلام، مضافاً إلى أنّ بلاد المسلمين حين نزول الآية المباركة كانت قليلة جدّاً، و لا يمكن تقييد الأرض في الآية بها؛ لأنّه مستلزم لتخصيص الأكثر «1» سادسها: ما هو المشهور من أنّ المراد هو النفي من الأرض التي وقعت فيها المحاربة الموجبة للحدّ و إخراجه منها إلى غيرها، و لا يلزم أن يكون الغير مشخّصاً، و هذا هو الظاهر من الآية الشريفة مع قطع النظر عن

الروايات الواردة في الباب و أمّا الروايات، فاثنتان منها ظاهرتان في النفي من بلاد الإسلام كلّها، و هما:

موثّقة أبي بصير قال: سألته عن الإنفاء من الأرض كيف هو؟ قال: ينفى من بلاد الإسلام كلّها، فإن قدر عليه في شي ء من أرض الإسلام قتل، و لا أمان له حتّى يلحق بأرض الشرك «2» و موثّقة بكير بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) إذا نفى أحداً من أهل الإسلام نفاه إلى أقرب بلد من أهل الشرك إلى الإسلام، فنظر في ذلك فكانت الديلم أقرب أهل الشرك إلى الإسلام «3» و لكنّهما مضافاً إلى أنّه لا ظهور فيهما في كون المراد هو نفي المحارب، و يمكن أن يكون المراد نفي غيره، و إلى الإضمار في الأُولى لم يعمل بهما غير ابن سعيد فيما أشار إليه في عبارته المتقدّمة، فهما معرض عنهما لدى المشهور كما هو ظاهر و واحدة منها مشعرة بما ذكره الصدوق في الفقيه، و هي:

______________________________

(1) مباني تكملة المنهاج: 1/ 323.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 540، أبواب حدّ المحارب ب 4 ح 7.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 540، أبواب حدّ المحارب ب 4 ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 676

..........

______________________________

رواية عبد اللّٰه بن طلحة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً «1» الآية، هذا نفي المحاربة غير هذا النفي، قال: يحكم عليه الحاكم بقدر ما عمل و ينفى، و يحمل في البحر ثمّ يقذف به، لو كان النفي من بلد إلى بلد، كأن يكون إخراجه من بلد إلى بلد عدل

القتل و الصلب و القطع، و لكن يكون حدّا يوافق القطع و الصلب «2» و لا يخفى اضطراب متن الرواية جدّاً و روايات ظاهرة في أنّ المراد هو ما عليه المشهور، مثل:

رواية عبيد اللّٰه المدائني، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) في حديث المحارب، قال: قلت: كيف ينفى و ما حدّ نفيه؟ قال: ينفى من المصر الذي فعل فيه ما فعل إلى مصر غيره، و يكتب إلى أهل ذلك المصر أنّه منفيّ فلا تجالسوه و لا تبايعوه و لا تناكحوه و لا تؤاكلوه و لا تشاربوه، فيفعل ذلك به سنة، فإن خرج من ذلك المصر إلى غيره كتب إليهم بمثل ذلك حتّى تتمّ السنة، قلت: فإن توجّه إلى أرض الشرك ليدخلها؟ قال: إن توجّه إلى أرض الشرك ليدخلها قوتل أهلها «3» قال في الوسائل بعد نقل الرواية: و رواه أيضاً عن إسحاق المدائني، عن أبي الحسن (عليه السّلام) نحوه، إلّا أنّه قال: فقال له الرجل: فإن أتى أرض الشرك فدخلها؟ قال: يضرب عنقه إن أراد الدخول في أرض الشرك «4» و قال فيها أيضاً: و عنه، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن محمّد بن سليمان، عن عبيد اللّٰه بن إسحاق،

______________________________

(1) سورة المائدة: 5/ 33.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 540، أبواب حدّ المحارب ب 4 ح 5.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 539، أبواب حدّ المحارب ب 4 ح 2.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 539، أبواب حدّ المحارب ب 4 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 677

..........

______________________________

عن أبي الحسن (عليه السّلام) مثله، إلّا أنّه قال في آخره: يفعل ذلك به سنة، فإنّه سيتوب و هو صاغر، قلت: فإن أمّ أرض الشرك يدخلها؟ قال: يقتل

«1» و الظاهر اتّحاد هذه الروايات، و تردّد راويها بين كونه هو عبيد اللّٰه أو أباه الذي هو إسحاق، و لا تكون روايات متعدّدة و هنا روايتان أُخريان: إحداهما: صحيحة حنّان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ الآية، قال: لا يبايع و لا يؤوى و لا يطعم و لا يتصدّق عليه «2».

و ثانيتهما: رواية زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) في قوله إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ إلى قوله:- أَوْ يُصَلَّبُوا الآية، قال: لا يبايع و لا يؤتى بطعام و لا يتصدّق عليه «3» و الظاهر أنّه ليس المراد بالروايتين كون عدم المبايعة و ما في رديفه معنى النفي الواقع في الآية، بل الظاهر كونه من آثار النفي و مترتّباً عليه بعد تحقّقه، و عليه تكون الروايتان مؤيّدتين للروايات التي قبلهما، الدالّة على أنّ المراد هو النفي من بلد الجناية و وقوع المحاربة إلى بلد آخر، و يدلّ عليه أيضاً ذيل صحيحة جميل المتقدّمة في بحث التخيير و الترتيب «4»، و هو قوله: قلت: النفي إلى أين؟ قال: من مصر إلى مصر آخر. و قال: إنّ عليّاً (عليه السّلام) نفى رجلين من الكوفة إلى البصرة، فإنّ ظاهرها النفي من محلّ وقوع الجناية الذي كان هو الكوفة، و أمّا ما في الجواهر من

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 539، أبواب حدّ المحارب ب 4 ح 4.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 539، أبواب حدّ المحارب ب 4 ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 541، أبواب حدّ المحارب ب 4 ح 8.

(4) تقدّمت في ص 653 654.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 678

..........

______________________________

أنّه

لم يعمل بها إلّا الصدوق في المقنع «1»، «2» فلعلّه بلحاظ تعيين محلّ النفي، أو بلحاظ عدم التضييق عليه، فتدبّر و قد انقدح ممّا ذكرنا أنّه لا محيص عن القول بكون المراد من النفي ما ذكرنا، و عليه فيلزم التقييد في الآية؛ و دعوى كون مثله مستلزماً لتخصيص الأكثر مدفوعة، بأنّه لا يلاحظ في التقييد الأفراد من حيث القلّة و الكثرة، و ليس مثل التخصيص في هذه الجهة كما قرّر في محلّه، كما أنّ دعوى أنّ الروايتين الدالّتين على النفي من بلاد الإسلام مخالفتان لظاهر الكتاب غريبة جدّاً؛ لعدم كون التقييد موجباً لتحقّق المخالفة بوجه؛ و أغرب منه دعوى أنّه لا خلاف في كون المراد من النفي هو المعنى الخامس، مع أنّك عرفت ذهاب المشهور إلى المعنى الأخير الجهة الثانية: في أنّه بعد تحقّق النفي يكتب الوالي إلى كلّ بلد يأوي إليه بالمنع عن المبايعة و مثلها من الأُمور المذكورة في المتن، و الدليل عليه مضافاً إلى صحيحة حنّان الظاهرة في ذلك على ما ذكرنا في معناها رواية المدائني المتقدّمة بضميمة عمل المشهور بها من هذه الجهة الجهة الثالثة: في حدّ النفي، المشهور على عدم التقييد بمثل السنة، بل صرّح الشهيد الثاني في محكيّ الروضة «3» و المسالك «4» باستمرار النفي إلى أن يموت، و نسبه في الثاني إلى الأكثر، و ذهب ابن سعيد في عبارته المتقدّمة إلى التقييد بالسنة، و ظاهر المتن تبعاً للمحقّق في النافع «5» و الشهيد في الروضة الاستمرار إلى أن

______________________________

(1) المقنع: 450.

(2) جواهر الكلام: 41/ 593.

(3) الروضة البهيّة: 9/ 302.

(4) مسالك الأفهام: 15/ 18.

(5) المختصر النافع: 304.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 679

[مسألة 11: لا يعتبر في قطع المحارب السرقة فضلًا عن اعتبار النصاب أو الحرز]

مسألة 11:

لا يعتبر في قطع المحارب السرقة فضلًا عن اعتبار النصاب أو الحرز، بل الإمام (عليه السّلام) مخيّر بمجرّد صدق المحارب، و لو قطع فالأحوط البدأة بقطع اليد اليمنىٰ، ثمّ يقطع الرجل اليسرىٰ، و الأولى الصبر بعد قطع

______________________________

يتوب، و في الحقيقة يكون ذلك استثناءً من الاستمرار إلى الموت و تقييداً له بعدم التوبة و الدليل على عدم التقييد بالسنة إطلاق الآية الشريفة، و لا مجال للتمسّك في ذلك بإطلاق الروايتين الأخيرتين، فإنّهما لا يكونان في مقام البيان من هذه الجهة و أمّا التقييد بالسنة فيدلّ عليه رواية المدائني المتقدّمة، و لكنّها لا جابر لها من هذه الجهة بعد ضعف سندها، كما أنّ تأثير التوبة في زوال الحكم لم يقم عليه هنا دليل، و قوله (عليه السّلام) في بعض الروايات المتقدّمة: «فإنّه سيتوب و هو صاغر»، و إن كان فيه إشعار بذلك إلّا أنّه لا اعتبار له من حيث السند الجهة الرابعة: في أنّه لو قصد بلاد الشرك منع منه، و يدلّ عليه مضافاً إلى ما في بعض الروايات المتقدّمة أنّ ذلك منافٍ لما هو الغرض من نفيه، و ما هو المترتّب عليه من الممنوعيّة في المبايعة و مثلها، مضافاً إلى أنّ ذلك ربّما ينجرّ إلى المخالفة مع الإسلام و الحكومة الإسلاميّة، فأصل المنع ممّا لا ينبغي الارتياب فيه و أمّا لو فرض تمكينهم من دخولها و وروده فيها فقد قالوا: «قوتلوا حتّى يخرجوه» «1» و يشهد له بعض الروايات المتقدّمة، و لكنّه مضافاً إلى ضعف سنده ربّما يشكل بأنّهم إن كانوا أهل حرب فلا تتوقّف مقاتلتهم على ذلك، و إن كانوا أهل هدنة و ذمّة فلا ينافي مجرّد ذلك مع عهدهم إلّا مع الاشتراط فيه، كما

لا يخفى.

______________________________

(1) النهاية: 720، المهذّب: 2/ 553، السرائر: 3/ 505، شرائع الإسلام: 4/ 961، قواعد الأحكام: 2/ 272.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 680

اليمنىٰ حتى تحسم، و لو فقدت اليمنىٰ أو فقد العضوان يختار الإمام (عليه السّلام) غير القطع (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة أيضاً جهات:

الاولىٰ: أنّه لو قلنا في الحدود الأربعة الثابتة على المحارب بالتخيير، و أنّ الأمر بيد الحاكم يختار ما يشاء منها، فلا يعتبر في اختيار القطع شي ء آخر زائداً على عنوان المحارب؛ لأنّ كلّ محارب يمكن أن يختار فيه القطع، سواء كان آخذاً للمال أم لم يكن كذلك، و عليه فلا موقع للبحث في اعتبار النصاب أو الحرز؛ لأنّ أصل الأخذ غير معتبر فضلًا عن النصاب أو الحرز، فعلى هذا التقدير لا يبقى لهذا البحث مجال و أمّا لو قلنا فيها بالترتيب، فمقتضى أكثر الروايات المتقدّمة الواردة في الترتيب أنّ القطع إنّما هو فيما لو كان المحارب قد أخذ المال و لم يتحقّق منه القتل، و عليه فيصحّ البحث في اعتبار النصاب أو الحرز، فنقول:

حكي عن الخلاف للشيخ (قدّس سرّه) اعتبار النصاب؛ لقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله) فيما رواه العامّة: القطع في ربع دينار «1» و لأنّه مجمع عليه، و لا دليل فيما دونه «2»، و هو كما ترى، لانصراف ذلك القول على تقدير الإغماض عن السند إلى القطع المتعيّن الثابت في السرقة، و عدم شموله للقطع في باب المحاربة، و إطلاق الآية و الرواية دليل على العدم، كما أنّهما دليلان على عدم اعتبار الحرز ثمّ إنّه على تقدير تحقّق النصاب و الحرز خارجاً، الموجب لانطباق عنوان

______________________________

(1) سنن البيهقي: 8/ 254.

(2) الخلاف: 5/ 464 مسألة 7.

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 681

..........

______________________________

السارق أيضاً يجري فيه حدّ المحارب، من دون اعتبار الأُمور المعتبرة في إجراء حدّ السارق، كالمرافعة إلى الحاكم و نحوها؛ و ذلك لأنّ انطباق عنوان السارق لا ينفي عنوان المحارب بوجه، بل يترتّب عليه حكم القطع الذي فيه حدّ السارق أيضاً على تقدير تحقّق شرائطه، كما لا يخفى الثانية: أنّه هل الترتيب معتبر بين قطع اليد اليمنى و بين قطع الرجل اليسرى أم لا؟ ظاهر المتن اعتباره على نحو الاحتياط الوجوبي، و منشأه تقديم اليد على الرجل في الذكر في الآية و الروايات المتعدّدة المتقدّمة، و لا يوجد في الروايات خلافه، مضافاً إلى أنّ ثبوت الأوّل في المرتبة الاولى من السرقة و الثاني في الثانية ربّما يؤيّد أنّ الانتقال إلى الرجل بعد تحقّق قطع اليد، فتدبّر ثمّ إنّه ذكر المحقّق في الشرائع: أنّ كيفيّة قطعه أن تقطع يمناه ثمّ تحسم، ثمّ تقطع رجله اليسرى و تحسم، و لو لم تحسم في الموضعين جاز «1» و المراد بالحسم هو ما يمنع عن الإدماء، و عليه فلا يتحقّق الإمهال حتّى يقال بعدم جوازه فيما إذا كان الحدّ واحداً الثالثة: فيما إذا فقد العضوان أو أحدهما، ففي الصورة الاولى: إن قلنا في الحدود الأربعة بالتخيير، فاللازم أن يختار الحاكم غير القطع؛ لامتناع تحقّقه بانتفاء موضوعه، كما هو الشأن في جميع موارد التخيير إذا امتنع أحد طرفيه أو أطرافه و أمّا لو قلنا بالترتيب و تعيّن القطع في المحارب الآخذ للمال إذا لم يكن قاتلًا، فاحتمال سقوط الحدّ في غاية البعد، و إن جعلنا الأشبه بالقواعد في مثله الانتقال إلى التعزير، لكنّه فيما لم يكن بعده حدّ، و أمّا مع

ثبوت الحدّ في المرتبة الضعيفة كما

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 961.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 682

[مسألة 12: لو أخذ المال بغير محاربة لا يجري عليه حكمها]

مسألة 12: لو أخذ المال بغير محاربة لا يجري عليه حكمها، كما لو أخذ المال و هرب، أو أخذ قهراً من غير إشهار سلاح، أو احتال في أخذ الأموال بوسائل كتزوير الإسناد أو الرسائل و نحو ذلك، ففيها لا يجري حدّ المحارب و لا حدّ السارق، و لكن عليه التعزير حسب ما يراه الحاكم (1).

______________________________

في المقام لثبوت النفي في المرتبة التي دون هذه المرتبة، بناءً على هذا القول فاحتمال السقوط بعيد في الغاية، و عليه فيحتمل الانتقال إلى النفي، و يحتمل قطع اليد اليسرى مكان اليمنى، و الرجل اليمنى مكان اليسرى، فتدبّر و في الصورة الثانية، إن قلنا في الحدود المذكورة بالترتيب، فاللازم تعيّن العضو الموجود للقطع، و إن قلنا بالتخيير فاللازم اختيار غير القطع من سائر الأطراف؛ لامتناع تحقّق هذا الطرف و ممّا ذكرنا يظهر أنّ الجمع بين القول بالتخيير و بين الاقتصار على قطع الموجود كما في الشرائع «1» ممّا لا وجه له، و يظهر من صاحب الجواهر «2» ارتضاؤه حيث لم يستشكل على الشرائع

(1) الطرق و الوسائل إلى أخذ مال الغير بغير وجه شرعي كثيرة، و لكلّ واحد منها عنوان، و اللازم ملاحظة أحكام تلك العناوين، فنقول:

الأوّل و الثاني: عنوانا السرقة و المحارب، و قد تقدّم حكمهما، و الحدّ المترتّب عليهما، و الخصوصيّات المعتبرة في صدقهما الثالث: عنوان المستلب، و المنتهب، و المختطف، و هو الذي ينهب المال و يهرب

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 961.

(2) جواهر الكلام: 41/ 596.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 683

..........

______________________________

من دون

محاربة بتجريد سلاح و نحوه و من دون سرقة الرابع: عنوان المختلس، و الظاهر كما في الجواهر أنّ المراد منه أخذ المال من صاحبه عند صدور غفلة منه «1»، و إن وقع تفسيره في الصحاح «2» و بعض آخر من كتب اللغة «3» بالاستلاب الخامس: ما ينبغي أن يكون معنوناً بعنوان المهاجم، و إن لم يقع التصريح بهذا العنوان في مقابل العناوين الأُخر، و هو ما لو هجم على غيره لأخذ المال من دون محاربة السادس: المحتال، و هو الذي يحتال على الأموال بوسائل، كتزوير الأسناد و الرسائل، و إراءة نفسه وكيلًا للغير في أخذ المال عن آخر مع أنّه لا يكون كذلك السابع: المبنِّج و المرقِّد، و هو من أعطى البنج للغير أو أسقاه المرقد، ثمّ أخذ ماله بعد حصول النوم أو ذهاب العقل، و هنا عناوين أُخر، كعنواني الطرّار و الغلول و نحوهما كما يأتي في الروايات، و الظاهر أنّه لا دليل على ثبوت الحدّ في غير الأوّلين، بل الثابت هو التعزير بمقتضى القاعدة الكليّة الجارية في مثله، مضافاً إلى دلالة بعض الروايات على عدم ثبوت القطع في بعض هذه العناوين، مثل:

موثّقة أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سمعته يقول: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): لا أقطع في الدغارة المعلنة و هي: الخلسة و لكن أعزّره «4» و رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): أربعة لا قطع

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 597.

(2) صحاح اللّغة: (1)/ 733.

(3) القاموس المحيط: 2/ 218.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 502، أبواب حدّ السرقة ب 12 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 684

..........

______________________________

عليهم: المختلس، و الغلول،

و من سرق من الغنيمة، و سرقة الأجير فإنّها خيانة «1» و لا دلالة لها على حصر عدم القطع في الأربعة، كما لا يخفى و روايته الأُخرى أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) اتي برجل اختلس درّة من أُذن جارية، فقال: هذه الدغارة المعلنة، فضربه و حبسه «2» و صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: ليس على الذي يستلب قطع، و ليس على الذي يطرّ الدراهم من ثوب الرجل قطع «3». و قد تقدّم البحث في الطرّار و أنّ الحكم فيه التفصيل «4»، فراجع و صحيحة عيسى بن صبيح قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الطرّار و النبّاش و المختلس؟ قال: يقطع الطرّار و النبّاش، و لا يقطع المختلس «5» و غير ذلك من الروايات الدالّة على ذلك نعم، هنا رواية واحدة ظاهرة في ثبوت القطع في بعض هذه العناوين، و هي:

صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال في رجل استأجر أجيراً و أقعده على متاعه فسرقه، قال: هو مؤتمن، و قال في رجل أتى رجلًا و قال: أرسلني فلان إليك لترسل إليه بكذا و كذا، فأعطاه و صدّقه، فلقي صاحبه فقال له: إنّ رسولك أتاني فبعثت إليك معه بكذا و كذا، فقال: ما أرسلته إليك و ما أتاني بشي ء، فزعم الرسول أنّه قد أرسله و قد دفعه إليه، فقال: إن وجد عليه بيّنة أنّه لم يرسله قطع يده، و معنى ذلك أن يكون الرسول قد أقرّ مرّة أنّه لم يرسله، و إن لم يجد بيّنة فيمينه

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 502، أبواب حدّ السرقة ب 12 ح 3.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 503،

أبواب حدّ السرقة ب 12 ح 4.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 504، أبواب حدّ السرقة ب 13 ح 1.

(4) تقدّم في ص 500 501.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 512، أبواب حدّ السرقة، ب 19 ح 10

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 685

..........

______________________________

باللّٰه ما أرسلته، و يستوفى الآخر من الرسول المال، قلت: أ رأيت إن زعم أنّه إنّما حمله على ذلك الحاجة، فقال: يقطع؛ لأنّه سرق مال الرجل «1» هذا، و لكنّ الظاهر لزوم ردّ علم هذه الرواية إلى أهله؛ لأنّ التعليل للقطع بالسرقة مع وضوح عدم صدق عنوان السرقة على موردها كما تقدّم في تعريفها ممّا لا يستقيم، مضافاً إلى أنّ الجمع بين البيّنة و اليمين في شخص واحد مع أنّ البيّنة على المدّعى و اليمين على من أنكر ممّا لا يتمّ، كما أنّ الظاهر أنّ المدّعى هو الرسول، و اللازم عليه إقامة البيّنة على الرسالة، و على تقدير عدمها تصل النوبة إلى يمين الرجل الذي أنكر الرسالة، مع أنّ الجمع بين البيّنة على الإقرار لا على عدم الإرسال، و بين اليمين على عدم الإرسال غير ظاهر الوجه، فاللازم ما ذكر من ردّ علمه إلى أهله.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 507، أبواب حدّ السرقة ب 15 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 687

[خاتمة في سائر العقوبات]

اشارة

خاتمة في سائر العقوبات

[القول في الارتداد]

اشارة

القول في الارتداد

[مسألة 1: ذكرنا في الميراث المرتدّ بقسميه و بعض أحكامه]

مسألة 1: ذكرنا في الميراث المرتدّ بقسميه و بعض أحكامه، فالفطريّ لا يقبل إسلامه ظاهراً، و يقتل إن كان رجلًا، و لا تقتل المرأة المرتدّة و لو عن فطرة، بل تحبس دائماً و تضرب في أوقات الصلوات، و يضيّق عليها في المعيشة، و تقبل توبتها، فإن تابت أُخرجت عن الحبس، و المرتدّ الملّي يستتاب، فإن امتنع قتل، و الأحوط استتابته ثلاثة أيّام، و قتل في اليوم الرابع (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة جهات من البحث:

الأولىٰ: في تعريف الفطري و الملّي، و قد فسّرهما في المتن في كتاب الإرث: بأنّ الفطري من كان أحد أبويه مسلماً حال انعقاد نطفته، ثمّ أظهر الإسلام بعد بلوغه ثمّ خرج عنه. و الملّي: بأنّه من كان أبواه كافرين حال انعقاد نطفته، ثمّ أظهر الكفر بعد البلوغ فصار كافراً أصليّاً، ثمّ أسلم ثمّ عاد إلى الكفر، كنصرانيّ بالأصل أسلم ثمّ عاد إلى نصرانيّته مثلًا «1»، و الكلام في هذا التعريف يقع في أُمور:

______________________________

(1) تحرير الوسيلة: 2/ 329 مسألة 10 من كتاب المواريث.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 688

..........

______________________________

الأوّل: في أنّه هل الملاك حال انعقاد النطفة أو حال الولادة؟ ظاهر التعريف هو الأوّل، كما في ما حكي عن القواعد «1» و المسالك «2»، و لكن في الشرائع في تعريف الفطري أنّه «من ولد على الإسلام» «3» و قد أخذ ذلك من صحيحة الحسين بن سعيد قال: قرأت بخطّ رجل إلى أبي الحسن الرضا (عليه السّلام): رجل ولد على الإسلام ثمّ كفر و أشرك و خرج عن الإسلام، هل يستتاب؟ أو يقتل و لا يستتاب؟ فكتب (عليه السّلام): يقتل «4» و مرفوعة عثمان بن عيسى قال: كتب

عامل (غلام خ ل) أمير المؤمنين (عليه السّلام) إليه: إنّي أصبت قوماً من المسلمين زنادقة، و قوماً من النصارى زنادقة، فكتب إليه: أمّا من كان من المسلمين ولد على الفطرة ثمّ تزندق، فاضرب عنقه و لا تستتبه، و من لم يولد منهم على الفطرة فاستتبه، فإن تاب، و إلّا فاضرب عنقه، و أمّا النصارى فما هم عليه أعظم من الزندقة «5» و غيرهما من الروايات التي وقع فيها هذا التعبير و لكنّ الظاهر أنّه ليس المراد بالولادة في النصوص و بعض الفتاوى ما يقابل انعقاد النطفة، بل المراد منها أصل الخلقة، خصوصاً مع التعبير بالولادة على الفطرة التي هي في الأصل بمعنى الخلقة، مضافاً إلى أنّ الولادة التي هي الانتقال من عالم الرحم إلى عالم الدنيا لا أثر لها في ذلك، بل الملاك هو حال الانعقاد الذي يرتبط بالأبوين و يضاف إليهما، و عليه فلو انعقد منهما في حال الكفر ثمّ أسلم أبواه أو

______________________________

(1) قواعد الأحكام: 2/ 276.

(2) مسالك الأفهام: 15/ 23.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 961.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 545، أبواب حدّ المرتد ب 1 ح 6.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 552، أبواب حدّ المرتد ب 5 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 689

..........

______________________________

أحدهما حال الولادة لا يكون فطريّاً؛ لأنّه لا تكون فطرته عن الإسلام و يؤيّد ما ذكرنا أنّه لو فرض موت الأب المسلم حال الولادة و كانت الأمّ كافرة فإنّه لا إشكال كما سيأتي في الحكم بإسلام الولد، مع أنّ الموجود في حال الولادة لا تكون إلّا الأمّ التي فرض كفرها، كما لا يخفى الثاني: هل يعتبر في المرتدّ الفطري إظهار الإسلام بعد البلوغ أم لا؟ و بعبارة

اخرى هل يعتبر فيه أن يكون مسلماً بالأصالة، أو يكفي الإسلام الحكمي التبعي الثابت إلى زمان البلوغ، فلو انعقدت نطفته على الإسلام، و بلغ و اختار الكفر من دون سبق الإسلام لا يكون مرتدّاً فطرياً على الأوّل، و يكون على الثاني؟ ظاهر التعريف بل صريحه هو الأوّل؛ لما يستفاد من الروايات الواردة في الباب:

منها: موثّقة عمّار الساباطي قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام و جحد محمّداً (صلّى اللّٰه عليه و آله) نبوّته و كذّبه فإنّ دمه مباح لمن سمع ذلك منه، و امرأته بائنة منه يوم ارتدّ، و يقسّم ماله على ورثته، و تعتدّ امرأته عدّة المتوفّى عنها زوجها، و على الإمام أن يقتله و لا يستتيبه «1» فإنّ قوله (عليه السّلام) «كلّ مسلم» ظاهر في المسلم بالأصالة، و هو الذي اختار الإسلام بعد بلوغه، و لا يشمل المسلم بالتبع، و إلّا لكان اللازم أن يكون ارتداد الطفل موجباً لترتّب الآثار المذكورة في الرواية و بالجملة: لا خفاء في أنّ المراد هو الارتداد بعد البلوغ، و عليه فالمراد بالمسلم أيضاً هو المسلم بعده و منها: صحيحة الحسين بن سعيد المتقدّمة، فإنّ ظاهر التعبير بالرجل الذي

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 545، أبواب حدّ المرتد ب 1 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 690

..........

______________________________

لا يطلق على غير البالغ، ثمّ عطف الكفر و الشرك عليه أي على ولادة الرجل على الإسلام أنّ المراد هو البالغ الذي اختار الإسلام بعد بلوغه ثمّ ارتدّ و خرج عنه و منها: المرفوعة المتقدّمة، المشتملة على قوله (عليه السّلام): «أمّا من كان من المسلمين ولد على الفطرة ثمّ تزندق»

فإنّ ظاهرها تأخّر التزندق عن كونه مسلماً، و قد عرفت أنّ المراد به هو المسلم بالأصل، و إلّا يلزم ما ذكرنا في الموثّقة، و عليه فلا ينبغي الإشكال فيما ذكر. هذا في المرتد الفطري و أمّا المرتد الملّي، فقد اعتبر في تعريفه مضافاً إلى كون أبويه كافرين حال انعقاد النطفة أن يختار الكفر بعد البلوغ ثمّ أسلم ثمّ ارتدّ. و الوجه فيه ما في مثل صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن مسلم تنصّر؟ قال: يقتل و لا يستتاب. قلت: فنصرانيّ أسلم ثمّ ارتد؟ قال: يستتاب، فإن رجع، و إلّا قتل «1» فإنّ ظاهر النصرانيّ هو النصرانيّ بالأصل الذي هو عبارة عن اختياره له بالغاً، فالحكم في الرواية قد رتّب على الكافر الأصليّ الذي اختار الإسلام ثمّ ارتدّ و رجع، و دعوى أنّ ذلك لا ينافي ترتّبه أيضاً على غير هذا المورد، مثل ما إذا اختار الإسلام بعد البلوغ بلا فصل ثمّ ارتدّ، كما ربّما يستفاد من المرفوعة المتقدّمة، فإنّ قوله (عليه السّلام): من لم يولد منهم على الفطرة عامّ يشمل الفرض المذكور، مدفوعة بضعفها من حيث السند و عدم نهوضها لإثبات الحكم فيه أيضاً، فتأمّل الثالث: لا خفاء في الحكم بإسلام الولد فيما إذا كان أبواه مسلمين، و يدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع بل الضرورة مثل موثّقة عمّار المتقدّمة، المشتملة على قوله (عليه السّلام): كلّ مسلم بين مسلمين.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 545، أبواب حدّ المرتد ب 1 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 691

..........

______________________________

و أمّا إذا كان أحد أبويه مسلماً فربّما يستدلّ على ذلك مضافاً إلى الإجماع بأمرين:

أحدهما: ما دلّ على أنّ الرجل

المسلم إذا مات، و كانت زوجته أو أمته حاملًا يعزل ميراثه، فينتظر به حتّى يولد حيّاً، فإنّه يدلّ بإطلاقه على أنّ الحمل يرث إذا ولد حيّاً، و إن كانت الزوجة أو الأمة غير مسلمة، و بضميمة أنّ وارث المسلم يعتبر فيه الإسلام يثبت أنّه محكوم بالإسلام من أوّل ولادته، و كذلك إذا ماتت الأمّ المسلمة و تركت ولداً من كافر و لو لأجل الوطء بالشبهة، أو أسلمت الأمّ بعد الحمل و قبل الولادة، فإنّ الولد يرثها بمقتضى إطلاق الأدلّة، فيثبت إسلامه بالملازمة المذكورة و يرد عليه: أنّ ما دلّ على ثبوت الإرث للحمل و عزله حتّى يولد حيّاً لا إطلاق فيه من هذه الجهة؛ لعدم كونه إلّا في مقام بيان أنّ الحمل عند تحقّق موت الأب لا يمنع عن ثبوت الإرث، و لا يشترط في ثبوته كون الوارث متولّداً في حال الموت. و أمّا ثبوت الإرث له و لو كانت امّه كافرة فلا دلالة له عليه أصلًا، و لا تكون هذه الأدلّة في مقام بيانه بوجه كما أنّ التمسّك بإطلاق الأدلّة في الفرض الثاني مع ثبوت الملازمة و اشتراط كون وارث المسلم لا بدّ و أن يكون مسلماً، فيه ما لا يخفى، مضافاً إلى أنّ المثال الثاني منافٍ لما ذكرنا من أنّ الملاك حال الانعقاد لا حال الولادة ثانيهما: رواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الصبيّ يختار الشرك و هو بين أبويه، قال: لا يترك، و ذاك إذا كان أحد أبويه نصرانيّاً «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 546، أبواب حدّ المرتد ب 2 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 692

..........

______________________________

و صحيحة أبان على رواية الصدوق عن

أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الصبيّ إذا شبّ فاختار النصرانيّة و أحد أبويه نصرانيّ أو مسلمين، قال: لا يترك، و لكن يضرب على الإسلام «1» و هذه الرواية قرينة على أنّ المراد بقوله (عليه السّلام) في الرواية الأُولى: «إذا كان أحد أبويه نصرانيّاً» ليس إلّا ما يقابل كونهما نصرانيّين، لا ما يقابل كونهما مسلمين، و عليه فمفاد الروايتين أنّه مع إسلام الأبوين أو أحدهما حيث يكون الصبيّ محكوماً بالإسلام تبعاً، فإذا اختار في ذلك الحال أي قبل البلوغ النصرانيّة و الشرك فاللازم أن لا يترك، بل يضرب؛ لأجل كونه محكوماً بالإسلام، و ليس المراد بقوله: «إذا شبّ» البلوغ، و إلّا لا يجتمع مع التعبير بالصبي ثمّ إنّ قوله في الرواية الثانية: «أو مسلمين» لا ينطبق على قواعد العربيّة، و يحتمل قويّاً أنّه كان في الأصل أو كانا مسلمين، أو بين مسلمين، و مثلهما، و بالجملة، فهذا الدليل الثاني تامّ صالح للحكم بالتبعيّة في الإسلام إذا كان أحد الأبوين مسلماً الجهة الثانية: في حكم المرتدّ الفطري إذا كان رجلًا، فالمشهور أنّه لا تقبل توبته، بل يجب قتله، و عن الإسكافي أنّه يستتاب، فإن تاب و إلّا قتل «2» و حكي عن بعض التفصيل في قبول التوبة بين الباطن و الظاهر، فتقبل على الأوّل دون الثاني «3»، و في تفسير الباطن و الظاهر احتمالات:

أحدها: أن يكون المراد بالباطن العقاب في الآخرة بالإضافة إلى الكفر

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 546، أبواب حدّ المرتد ب 2 ح 2.

(2) لم نعثر عليه في المختلف، نعم حكي عنه في مسالك الأفهام: 15/ 24.

(3) الروضة البهيّة: 8/ 30 و ج 9/ 337.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 693

..........

______________________________

و الارتداد الذي صدر منه، و بالظاهر هو كلّ ما يرتبط به في الدنيا من النجاسة و بطلان العبادة و غيرهما، فالتوبة لا تأثير لها في رفع الحكم بالنجاسة الثابتة بسبب الارتداد و الكفر، و لا في الحكم بصحّة عباداته و ربّما يستشكل في ذلك بأنّه بعد التوبة إن قلنا بثبوت التكاليف العبادية بالإضافة إليه، فاللازم أن يكون مكلّفاً بما لا يكون قادراً عليه، و إن قلنا بسقوطه، فاللازم الالتزام بعدم كون البالغ العاقل مكلّفاً، و لا مجال للالتزام به أصلًا، مضافاً إلى أنّه أفتى غير واحد في بحث القضاء من الصلاة بأنّ المرتدّ يقضي زمان ردّته و إن كان عن فطرة «1»، بل حكي غير واحد الإجماع عليه «2»، بل في ناصريّات المرتضى إجماع المسلمين على ذلك «3»، و هو لا يتمّ إلّا على قبول توبته و إلى أنّ قوله تعالى وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كٰافِرٌ فَأُولٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ النّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ «4» ظاهرٌ في أنّ من لم يمت كذلك لا يكون له الجزاء المذكور فيه، و ظاهر أنّ الارتداد في الآية مطلق يشمل الفطري أيضاً و لكنّه أجاب صاحب الجواهر (قدّس سرّه) عن الإشكال بما يرجع إلى أنّه يمكن الالتزام بثبوت التكليف، و عدم القدرة لا يقدح بعد كونه بسوء الاختيار، خصوصاً بعد اطّلاعه عليه قبلًا، و يمكن الالتزام بسقوط التكليف باعتبار أنّ الشّارع نزّله منزلة

______________________________

(1) المبسوط: 1/ 126، السرائر: 1/ 277، المختصر النافع: 73، إصباح الشيعة: 100، اللمعة الدمشقيّة: 19، مسالك الأفهام: 1/ 301.

(2) غنية النزوع: 99، الخلاف: 1/ 443 مسألة 190.

(3) الناصريّات: 252.

(4) سورة البقرة 2: 217.

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 694

..........

______________________________

الميّت؛ و لذا حكم باعتداد زوجته عدّة الوفاة، و بأنّه تقسّم أمواله بين ورثته و أجاب عن التأييد الأوّل بأنّ الإجماع على قضاء زمان الردّة و لو عن فطرة إنّما هو في مقام بيان أنّ الكفر الارتدادي لا يسقط القضاء لو تعقّبه الإسلام، بخلاف الكفر الأصليّ، و يكفي في المثال للفطري المرأة التي تقبل توبتها و لو كانت عن فطرة و ذكر في أواخر كلامه: أنّ العمدة ترجيح ما جاء في خصوص الفطري من نفي التوبة في غير واحد من النصوص، و ما جاء من عموم التوبة و هو أي الترجيح إن لم يكن للأوّل للشهرة المحكيّة و غيرها، فلا أقلّ من الشكّ، و الأصل يقتضي عدم القبول «1» و يرد عليه أنّ الالتزام بسقوط التكليف مضافاً إلى أنّه بعيد عن مذاق الشرع و خارج عن طريق الفقه ممّا لم يدلّ عليه دليل، و الحكم باعتداد الزوجة و تقسيم أمواله لا دلالة له على تنزيله منزلة الميّت مطلقاً، بحيث لا يكون صالحاً للإرث بعد التوبة من الميّت المسلم، و لجواز المعاملة معه و غيرهما، فالظاهر ثبوت التكليف و الالتزام بعدم القدرة على الإطاعة، و إن كان منشؤه الارتداد الذي هو أمر اختياريّ له، لا يناسب ما هو المرتكز في أذهان المتشرّعة، كما لا يخفى و أمّا الحكم بقضاء زمان الردّة، فلو كان مختصّاً بالمرأة في المرتدّ الفطري؛ لكان اللازم التنبيه عليه و الإشارة به، و ليس في كلامهم من هذه الجهة عين و لا أثر، مع أنّه لم يتصدّ للجواب عن الآية الظاهرة في ترتّب الحبط المذكور فيها على الارتداد الباقي إلى الموت و لم يتعقّبه

توبة و أمّا ما أفاده أخيراً، فيرد عليه ظهور النصوص في كون عدم الاستتابة إنّما هو

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 606 608.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 695

..........

______________________________

بلحاظ القتل فقط، أو مع انضمام البينونة و الاعتداد و تقسيم الأموال، و يدلّ عليه وقوع التعبير بالاستتابة في أكثر النصوص، و ذكر القتل بعد النهي عنها، كما في صحيحة حسين بن سعيد المتقدّمة و مثلها، و ظاهره بعد إلغاء خصوصيّة الاستتابة و إسراء الحكم إلى التوبة و لو من دون استتابة، أنّ المراد عدم القبول بالإضافة إليه نعم، ذكر في رواية واحدة نفي التوبة له، و هي: صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن المرتدّ، فقال: من رغب عن الإسلام و كفر بما انزل على محمّد (صلّى اللّٰه عليه و آله) بعد إسلامه فلا توبة له و قد وجب قتله، و بانت منه امرأته، و يقسّم ما ترك على ولده «1» و ظاهرها و لو بقرينة سائر الروايات عدم القبول بالإضافة إلى الأحكام المذكورة فيها، لا بالنسبة إلى جميع الأحكام، و لو شكّ في ذلك فمقتضى لزوم الرجوع إلى المطلق فيما إذا شكّ في سعة دائرة التقييد و ضيقها الحكم بقبول التوبة، لا الرجوع إلى استصحاب العدم كما أفاده (قدّس سرّه) و على ما ذكرنا من قبول توبته يحكم بطهارة بدنه و صحّة عباداته و جواز التزويج بالمسلمة، و لو كانت هي امرأته بعد الاعتداد، بل في أثناء العدّة على احتمال كالمطلّقة بائناً، قد حكي التصريح به عن ثاني الشهيدين «2» و إن كان هو محلّ إشكال.

كما أنّه لا ينتقل إلى ورثته ما يملكه بعد التوبة، سواء كان بأسباب

اختياريّة أو قهرية، بل يمكن أن يقال بأنّه يملك، و لا ينتقل إلى ورثته ما يتعلّق به بعد الارتداد، فإذا اكتسب و اتّجر بعده و استفاد يصير مالكاً و لا ينتقل إلى الورثة؛ لأنّ ما تقدّم من

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 544، أبواب حدّ المرتد ب 1 ح 2.

(2) الروضة البهيّة: 9/ 338، مسالك الأفهام: 15/ 35.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 696

..........

______________________________

النصوص غاية مفاده انتقال الأموال التي هي ملك له في حال حدوث الارتداد، و أمّا ما يملكه في زمان الارتداد فلا دلالة للنصوص على انتقاله أيضاً، و قد عرفت في مقام الإشكال على صاحب الجواهر أنّه لا يستفاد من الروايات أنّ المرتدّ الفطري منزّل منزلة الميّت في جميع الأحكام و الآثار، بحيث لم يكن صالحاً للمالكيّة و لا للوارثيّة و لا لمثلهما ثمّ إنّ ظاهر المتن هنا عدم قبول توبة المرتدّ ظاهراً مطلقاً، مع أنّ المذكور في المتن في كتاب الإرث هذه العبارة: «نعم، تقبل توبته باطناً و ظاهراً أيضاً بالنسبة إلى بعض الأحكام، فيطهر بدنه، و تصحّ عباداته، و يملك الأموال الجديدة بأسبابه الاختياريّة كالتجارة و الحيازة، و القهريّة كالإرث، و يجوز له التزويج بالمسلمة، بل له تجديد العقد على زوجته السابقة» «1» و ظاهره المنافاة، إلّا أن يقال: بأنّ معنى عدم قبول التوبة ظاهراً هو عدم قبولها في خصوص الأحكام المذكورة في الروايات، كالقتل و البينونة و التقسيم، و معنى قبول التوبة واقعاً هو قبولها بالإضافة إلى سائر الأحكام التي أشرنا إلى كثير منها بضميمة رفع العقوبة الأُخروية المترتّبة على الارتداد، و عليه فيحصل الاحتمال الثاني في تفسير الباطن و الظاهر و احتمل صاحب الجواهر أن يكون

هذا هو المراد من التفصيل بين الظاهر و الباطن «2» لا الاحتمال الأوّل الذي ذكرناه، و لا الاحتمال الثالث، و هو أن يكون المراد به قبول التوبة بالنسبة إليه خاصّة دون من يباشره.

______________________________

(1) تحرير الوسيلة: 2/ 329 مسألة 10.

(2) جواهر الكلام: 41/ 605 606.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 697

..........

______________________________

و كيف كان، فقد انقدح أنّ مقتضى التحقيق هو قبول توبته بالإضافة إلى غير الأحكام المذكورة في الروايات الجهة الثالثة: في حكم المرتدّة مطلقاً، فطريّة كانت أو مليّة، و الظاهر اتّفاق النصّ و الفتوى على أنّها لا تقتل مطلقاً، بل تحبس دائماً، و تضرب أوقات الصلوات، و يضيّق عليها في المعيشة ففي صحيحة حمّاد، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في المرتدّة عن الإسلام، قال: لا تقتل و تستخدم خدمةً شديدة، و تمنع الطعام و الشراب إلّا ما يمسك نفسها، و تلبس خشن الثياب، و تضرب على الصلوات. و في رواية الصدوق: أخشن الثياب «1» و الظاهر إطلاق المرتدّة و شمولها لكلتي قسميها، و الجواب و إن لم يقع فيه التصريح بالحبس، إلّا أنّ ظاهره كونها في جميع الحالات تحت مراقبة الحاكم و نظارته، و هذا لا يكاد يتحقّق بدون الحبس، كما لا يخفى و في صحيحة حريز، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: لا يخلَّد في السجن إلّا ثلاثة: الذي يمسك على الموت، و المرأة ترتدّ عن الإسلام، و السارق بعد قطع اليد و الرجل «2» و المراد بقوله (عليه السّلام): «يمسك على الموت» كما في الوافي: أي يمسك إنساناً حتّى يقتله آخر بغير حقٍّ «3» نعم، هنا رواية ربّما يظهر منها الخلاف، و أنّها تقتل، و هي: صحيحة محمّد

بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام)، في وليدة كانت نصرانيّة فأسلمت و ولدت لسيّدها، ثمّ إنّ سيّدها مات و أوصى بها عتاقة السريّة على عهد

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 549، أبواب حدّ المرتد ب 4 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 550، أبواب حدّ المرتد ب 4 ح 3.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1422 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود؛ ص: 697

(3) الوافي: 15/ 493.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 698

..........

______________________________

عمر، فنكحت نصرانيّاً ديرانيّاً و تنصّرت، فولدت منه ولدين و حبلت بالثالث، فقضى فيها أن يعرض عليها الإسلام، فعرض عليها الإسلام، فأبت فقال: ما ولدت من ولد نصرانيّاً فهم عبيد لأخيهم الذي ولدت لسيّدها الأوّل، و أنا أحبسها حتّى تضع ولدها، فإذا ولدت قتلتها «1» و ذكر الشيخ بعد نقل الرواية أنّه مقصور على ما حكم به عليّ (عليه السّلام) و لا يتعدّى إلى غيرها، قال: و لعلّها تزوّجت بمسلم ثمّ ارتدّت و تزوّجت فاستحقّت القتل لذلك «2» و الوجه في ثبوت القتل في هذه الصورة هو التزويج بالكافر مع كونها في عدّة الطلاق بالنسبة إلى المسلم؛ لأجل ارتدادها و الدخول بعده الموجب لتحقّق الزنا المقرون بالإحصان و يرد على حمل الشيخ (قدّس سرّه) مضافاً إلى أنّه لا إشعار في الرواية فضلًا عن الدلالة في تحقّق التزويج بالمسلم بعد موت السيّد أنّ ظاهر الرواية أنّ العلّة للقتل هو الإباء عن قبول الإسلام بعد العرض عليها، و بعبارة اخرى هو عدم التوبة،

فلو كانت العلّة ما أفاده لم يكن فرق بين التوبة و عدمها أصلًا هذا، و لكن الصحيحة لأجل اشتمالها على الحكم بأنّ ولدها غير الولد الأوّل عبيد له، مع أنّه لا وجه ظاهراً للحكم برقيّتهم، خصوصاً مع عدم عود الأم إلى الرقّية كما هو ظاهر الرواية، و كذا اشتمالها على الحكم بقتل المرتدّة الملّية التي هي موردها مع اتّفاق النصّ و الفتوى على أنّها لا تقتل، لا بدّ من ردّ علمها إلى أهلها،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 550، أبواب حدّ المرتد ب 4 ح 5.

(2) التهذيب: 10/ 143 144.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 699

..........

______________________________

كما لا يخفى ثمّ إنّه لا إشكال في قبول توبة المرتدّة في الجملة، إنّما الإشكال في اختصاص القبول بالمرتدّة المليّة، أو عمومه للمرتدّة الفطرية أيضاً، و في هذا المجال روايتان:

إحداهما: صحيحة ابن محبوب، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) في المرتدّ يستتاب، فإن تاب و إلّا قتل، و المرأة إذا ارتدَّت عن الإسلام استتيبت، فإن تابت و إلّا خُلّدت في السجن و ضيّق عليها في حبسها «1» ثانيتهما: موثّقة عباد بن صهيب، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: المرتدّ يستتاب، فإن تاب و إلّا قتل، و المرأة تستتاب، فإن تابت و إلّا حبست في السجن و أُضرَّ بها «2» و في محكيّ المسالك: «ليس في هذه الأخبار أي مجموع روايات الباب ما يقتضي قبول توبتها في الحالين، و الخبر الأخير أي خبر عباد كما تضمّن قبول توبتها تضمّن قبول توبة المرتدّ الذكر، و حمله على المرتدّ الملّي يرد مثله فيها، فيمكن حمل الأخبار الدالّة على حبسها دائماً من غير

تفصيل على الفطريّة، بأن يجعل ذلك حدّها من غير أن تقبل توبتها، كما لا تقبل توبته، و في التحرير: لو تابت فالوجه قبول توبتها و سقوط ذلك عنها، و إن كانت عن فطرة «3»، و هو يشعر بخلافٍ في قبول توبتها إذا كانت فطريّة، و هو المناسب لحال هذه النصوص» «4» و في الجواهر بعد نقل هذه العبارة: و فيه أنّ الأنسب منه حملها على عدم التوبة بقرينة الخبرين المزبورين المجبورين بالعمل، و لا ينافي اشتمالهما على قبول توبة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 550، أبواب حدّ المرتد ب 4 ح 6.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 550، أبواب حدّ المرتد ب 4 ح 4.

(3) تحرير الأحكام: 2/ 235.

(4) مسالك الأفهام: 15/ 26.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 700

..........

______________________________

المرتدّ الذكر، المحمول على الملّي، كغيرهما من النصوص المعتضدة بالعمل أيضاً «1» أقول: لا يحتاج الخبران إلى الجبر بالعمل بعد كون الثاني موثّقاً، لتوثيق عباد و إن كان عاميّاً، و بعد عدم كون الأوّل مرسلًا، للفرق بين مثل قوله: بعض أصحابنا، و بين مثل قوله: غير واحد من أصحابنا، فتدبّر فالحقّ بمقتضى الروايتين قبول توبة المرتدّة مطلقاً و لو كانت عن فطرة نعم، هنا شي ء؛ و هو أنّ ظاهر المتن قبول توبة المرتدّة في أيّام حبسها مطلقاً، فإذا تابت بعد سنة مثلًا تقبل توبتها و أُخرجت عن الحبس، مع أنّ ظاهر الخبرين المزبورين الواردين في هذا الباب هو لزوم استتابتها كاستتابة المرتدّ الملّي، و ترتّب التوبة عليها بلا فصل، غاية الأمر أنّه يستفاد من ذلك أنّها لو سبقت إلى التوبة قبل الاستتابة تكون توبتها مقبولة؛ لأنّه لا موضوعيّة للاستتابة، و أمّا لو فرض تحقّق الاستتابة بعد

ارتدادها و الإباء عن قبولها، ثمّ بدا لها أن تتوب بعد سنة مثلًا، فهل يستفاد من الخبرين القبول في هذه الصورة أم لا؟ الظاهر هو العدم الجهة الرابعة: في حكم المرتدّ الملّي، و الظاهر أنّه لا إشكال كما أنّه لا خلاف في لزوم استتابته و ترتّب القتل على عدم التوبة عقيبها، و الدليل عليه الجمع بين الروايات المختلفة الواردة في بحث المرتدّ، و هي على طوائف ثلاث:

الاولى: ما دلّ على وجوب قتل المرتدّ مطلقاً، كصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة في الجهة الثانية، المشتملة على قوله (عليه السّلام) عقيب السؤال عن المرتدّ، الظاهر في مطلق المرتدّ: «من رغب عن الإسلام و كفر بما انزل على محمّد (صلّى اللّٰه عليه و آله) بعد إسلامه فلا توبة له و قد وجب قتله».

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 612.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 701

..........

______________________________

الثانية: ما دلّ على استتابة المرتدّ و قبول توبته مطلقاً، كالخبرين المتقدّمين آنفاً، و هما خبرا عباد و ابن محبوب؛ لاشتمالهما على قوله (عليه السّلام): «المرتدّ يستتاب، فإن تاب، و إلّا قتل» الثالثة: ما دلّ على التفصيل بين الفطري و الملّي، مثل صحيحة عليّ بن جعفر المتقدمة أيضاً، عن أخيه أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن مسلم تنصّر، قال: يقتل و لا يستتاب. قلت: فنصرانيّ أسلم ثمَّ ارتدَّ، قال: يستتاب، فإن رجع، و إلّا قتل «1» و تؤيّدها صحيحة الحسين بن سعيد المتقدّمة «2» و مقتضى الجمع جعل الطائفة الثالثة شاهدة على حمل الاولى على المرتدّ الفطري، و الثانية على المرتدّ الملّي، فيصير الحكم في الثاني لزوم قبول التوبة و عدم القتل و الظاهر بمقتضى النصّ أنّ الاستتابة واجبة على الحاكم؛ لإفادة

الجملة الخبريّة الواقعة في مقام الإنشاء للوجوب. نعم، قد مرّت الإشارة إلى أنّه لو سبق الحاكم بالتوبة تقبل توبتها، و لا حاجة معها إلى الاستتابة بوجه و أمّا مع تحقّق الاستتابة، فمقتضى الرواية لزوم التوبة فوراً في رفع حكم القتل؛ للتعبير بالفاء فيه، و لازمه أنّه مع تأخير التوبة لا يرتفع هذا الحكم لكن هنا رواية ظاهرة في أنّ الاستتابة ظرفها ثلاثة أيّام، و هو ما رواه الصدوق بإسناده عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): المرتدّ عن الإسلام تعزل عنه امرأته، و لا تؤكل

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 545، أبواب حدّ المرتد ب 1 ح 5.

(2) في ص 688.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 702

..........

______________________________

ذبيحته، و يستتاب ثلاثة أيّام، فإن تاب، و إلّا قتل اليوم الرابع إذا كان صحيح العقل «1» و الرواية بهذا السند معتبرة، و لا وجه لتضعيفها كما في الجواهر «2» و هل المراد بالاستتابة ثلاثة أيّام هو تحقّق الاستتابة متكرّراً بتكرّر الأيّام، أو أنّ المراد بها هو الاستتابة الواحدة و الإمهال ثلاثة أيّام؟ فيه وجهان، و لا يبعد الوجه الثاني. و كيف كان، فمقتضى الاحتياط في الدماء أيضاً ذلك، و عدم القتل بمجرّد عدم التوبة بعد الاستتابة ثمّ إنّه لو قال عقيب الاستتابة: حلّوا شبهتي. ففي محكيّ القواعد «احتمل الإنظار إلى أن تحلّ شبهته و إلزامه التوبة في الحال ثمّ يكشف له» «3» و قال في الجواهر بعد نقل العبارة: «و لعلّ الأوّل لوجوب حلّ الشبهة و كون التكليف بالإيمان معها من التكليف بما لا يُطاق، و الثاني لوجوب التوبة على الفور، و الكشف و إن وجب

كذلك، لكن يستدعي مهلة و ربّما طال زمانه، و يكفي في الحكم بإسلامه التوبة ظاهراً، و إن كانت الشبهة تأبى الاعتقاد، و أيضاً ربّما لا تأبى الاعتقاد تقليداً، ثمّ قال: و فيه أنّ ذلك كلّه منافٍ لإطلاق ما دلّ على قتله مع عدم التوبة نصّاً و فتوى، و لعلّه لعدم معذوريّته في الشبهة» «4» و في محكيّ كشف اللثام: «و قيل: إن اعتذر بالشبهة أوّل ما استتيب قبل انقضاء الثلاثة الأيّام أو الزمان الذي يمكنه فيه الرجوع أمهل إلى رفعها، و إن أخّر الاعتذار

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 548، أبواب حدّ المرتد ب 3 ح 5.

(2) جواهر الكلام: 41/ 613.

(3) قواعد الأحكام: 2/ 275.

(4) جواهر الكلام: 41/ 614.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 703

..........

______________________________

عن ذلك لم يمهل؛ لأدائه إلى طول الاستمرار على الكفر، و لمضيّ ما كان يمكنه فيه إبداء العذر و إزالته و لم يبديه فيه» «1» و في الجواهر بعد نقل العبارة: «و لم أجده أي هذا القول لأحد من أصحابنا، و لعلّه لبعض العامّة، و لا ريب في وضوح ضعفه ..» «2» أقول: الظاهر ما أفاده صاحب الجواهر من عدم كونه معذوراً في الشبهة التي هي أوجبت الارتداد، إذ الظاهر أنّه ليس المراد منها شبهة اخرى غير ما أوجبت الارتداد، و عليه لا ينبغي الإشكال في عدم المعذوريّة؛ لعدم كون المسلم معذوراً في الارتداد، و السرّ فيه: أنّ الإسلام حيث يكون مطابقاً للفطرة و المنطق، و ليس فيه أصلًا و فرعاً ما ينافي العقل السليم، و يخالف الفطرة غير المنحرفة، فالشبهة فيه إذا تحقّقت تكون ناشئة من عدم التحقيق الكامل، و القصور في الدقّة و التعميق، و عليه

فلا مانع من دلالة إطلاق النصّ على عدم الإمهال و لزوم التوبة عقيب الاستتابة بلا فصل، أو في الثلاثة المذكورة في الرواية و يؤيّد الإطلاق رواية أبي الطفيل: أنّ بني ناجية قوماً كانوا يسكنون الأسياف، و كانوا قوماً يدعون في قريش نسباً، و كانوا نصارىٰ، فأسلموا، ثمّ رجعوا عن الإسلام، فبعث أمير المؤمنين (عليه السّلام) معقل بن قيس التميمي، فخرجنا معه، فلمّا انتهينا إلى القوم جعل بيننا و بينه أمارة، فقال: إذا وضعت يدي على رأسي فضعوا فيهم السلاح، فأتاهم، فقال: ما أنتم عليه؟ فخرجت طائفة فقالوا: نحن نصارى فأسلمنا لا نعلم ديناً خيراً من ديننا، فنحن عليه، و قالت طائفة: نحن

______________________________

(1) كشف اللثام: 2/ 436.

(2) جواهر الكلام: 41/ 615.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 704

[مسألة 2: يعتبر في الحكم بالارتداد البلوغ و العقل و الاختيار و القصد]

مسألة 2: يعتبر في الحكم بالارتداد البلوغ و العقل و الاختيار و القصد، فلا عبرة بردّة الصبيّ و إن كان مراهقاً، و لا المجنون و إن كان أدوارياً دور جنونه، و لا المكره، و لا بما يقع بلا قصد كالهازل و الساهي و الغافل و المغمىٰ عليه، و لو صدر منه حال غضب غالب لا يملك معه نفسه لم يحكم بالارتداد (1).

______________________________

كنّا نصارى ثمّ أسلمنا، ثمّ عرفنا أنّه لا خير في الدّين الذي كنّا عليه، فرجعنا إليه، فدعاهم إلى الإسلام ثلاث مرّات فأبوا، فوضع يده على رأسه، قال: فقتل مقاتليهم و سبي ذراريهم. قال: فاتي بهم عليّاً (عليه السّلام) فاشتراهم مصقلة بن هبيرة بمائة ألف درهم، فأعتقهم و حمل إلى عليّ (عليه السّلام) خمسين ألفاً فأبى أن يقبلها، قال: فخرج بها فدفنها في داره و لحق بمعاوية، قال: فأخرب أمير المؤمنين (عليه السّلام) داره

و أجاز عتقهم «1»

(1) قد تقدّم الكلام في اعتبار هذه الأمور الأربعة في ترتّب الحدّ على موجبه «2»، و لا خلاف فيه ظاهراً إلّا من الشيخ في كتاب الخلاف، حيث اعتبر إسلام المراهق و ارتداده و الحكم بقتله إن لم يتب، للخبر: «الصبيّ إذا بلغ عشر سنين أقيمت عليه الحدود التامّة، و اقتصّ منه، و نفذت وصيّته و عتقه» «3» و لكن هذا الخبر على تقدير صحّته، و إن لم نعثر على مدركه يكون في الحدود معارضاً بالروايات الكثيرة المتقدّمة، النافية للحدّ على الصبي، و قد وقع في بعضها التصريح بأنّ غاية الحكم هو الإدراك و البلوغ، و الشهرة المحقّقة الفتوائيّة على طبق هذه الروايات،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 548، أبواب حدّ المرتد ب 3 ح 6.

(2) تقدّم في ص 81 83.

(3) الخلاف: 3/ 591 592 مسألة 20.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 705

..........

______________________________

و الحكم بنفوذ وصيّة البالغ عشر سنين كما عليه أكثر الفقهاء «1»، و يدلّ عليه الروايات المتعدّدة لا يلازم الحكم بإقامة الحدود عليه و قد ورد في الإكراه في المقام مضافاً إلى عموم مثل حديث الرفع، المشتمل على رفع ما استكرهوا عليه قوله تعالى إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «2» الوارد في قصّة عمّار و أبويه المعروفة، الدالَّ على استثناء الإكراه على الارتداد ثمّ إنّه لا حاجة للمكره على الارتداد إلى تجديد الإسلام؛ لعدم ارتفاع إسلامه بذلك بعد كون عمله كذلك كالعدم، بل و لو عرض عليه الإسلام لا يجب عليه إظهار القبول، و له الامتناع من تجديده كسائر المسلمين، حيث لا يجب عليهم الإظهار بعد العرض، و لكن في محكيّ القواعد: «دلّ ذلك على اختياره في

الردّة» «3» و فيه: مضافاً إلى عدم الدلالة يكون ذلك خلاف ما هو المفروض؛ لأنّ الفرض إنّما هو ما إذا أحرز كون ارتداده عن إكراه، و لا مجال للتجديد فيه بعد لغويّة الارتداد و عدم تحقّقه و الدليل على اعتبار القصد ظهور عنوان المرتدّ، و مثله في الروايات في وقوعه عن التفات و جدّ، فلا يقال للهازل: إنّه قد رغب عن الإسلام و كفر، و منه يظهر عدم ثبوت الارتداد مع الغضب الغالب، الذي لا يملك معه نفسه و يدلّ عليه مضافاً إلى ذلك صحيحة عليّ بن عطيّة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: كنت عنده و سأله رجل عن رجل يجي ء منه الشي ء على جهة غضب، يؤاخذه اللّٰه

______________________________

(1) النهاية: 611، المقنعة: 667، المهذّب: 2/ 119، المراسم: 206، الجامع للشرائع: 493، التنقيح الرائع: 2/ 366.

(2) سورة النحل 16: 106.

(3) قواعد الأحكام: 2/ 275.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 706

[مسألة 3: لو ظهر منه ما يوجب الارتداد فادّعىٰ الإكراه مع احتماله، أو عدم القصد و سبق اللسان مع احتماله]

مسألة 3: لو ظهر منه ما يوجب الارتداد فادّعىٰ الإكراه مع احتماله، أو عدم القصد و سبق اللسان مع احتماله قبل منه، و لو قامت البيّنة على صدور كلام منه موجب للارتداد فادّعىٰ ما ذكر قبل منه (1).

______________________________

به؟ فقال: اللّٰه أكرم من أن يستغلق عبده، و في نسخة: يستقلق عبده «1» و معناه على الأوّل أن يكلّفه و يجبره فيما لم يكن فيه اختيار. و في القاموس: استغلقني في بيعته: لم يجعل لي خياراً في ردّه «2»، و على الثاني الانزعاج و الاضطراب، و الأنسب هو الأوّل، و على كلا التقديرين يدلّ على الحكم في المقام، فتدبّر

(1) لو ظهر منه ما يوجب الارتداد فادّعى الإكراه، فإن كان هناك قرينة

و أمارة على وجود الإكراه فلا ينبغي الإشكال في قبول دعواه؛ لوجود الأمارة عليه، و إن لم يكن في البين قرينة بل كان هناك مجرّد الادّعاء فالظاهر أيضاً القبول؛ لما يدلّ على لزوم درء الحدّ بالشُّبهة «3»، و هو و إن كانت رواية مرسلة، إلّا أنّها من قبيل المرسلات المعتبرة كما أشرنا إليه مراراً و المناقشة في دلالتها، بأنّ المراد بالشّبهة إن كان هو الشُّبهة الواقعيّة فهي متحقّقة في أكثر موارد ثبوت الحدّ، و إن كان المراد بها الشبهة واقعاً و ظاهراً فهي غير متحقّقة في المقام؛ لتحقّق ما يوجب الارتداد وجداناً، و المانع و هو الإكراه مدفوع بالأصل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 464، أبواب حدّ القذف ب 28 ح 1.

(2) القاموس المحيط: 3/ 282 (غلق).

(3) وسائل الشيعة: 18/ 336، أبواب مقدّمات الحدود ب 24 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 707

[مسألة 4: ولد المرتدّ الملّي قبل ارتداده بحكم المسلم]

مسألة 4: ولد المرتدّ الملّي قبل ارتداده بحكم المسلم، فلو بلغ و اختار الكفر استتيب، فإن تاب و إلّا قتل، و كذا ولد المرتدّ الفطري قبل ارتداده بحكم المسلم، فإذا بلغ و اختار الكفر و كذا ولد المسلم إذا بلغ و اختار الكفر قبل إظهار الإسلام، فالظاهر عدم إجراء حكم المرتدّ فطريّاً عليهما، بل يستتابان، و إلّا فيقتلان (1).

______________________________

مدفوعة بأنّ المراد هو الثاني، و استصحاب عدم الإكراه لا يثبت اتّصاف الارتداد بكونه لا عن إكراهٍ، الذي هو الموضوع للحدّ فتدبّر و أمّا فرض قيام البيّنة، فتارةً تكون البيّنة قائمة على صدور كلام منه موجب للارتداد و هو يدّعي الإكراه، فالظاهر فيه القبول؛ لعدم رجوع دعواه إلى تكذيب البيّنة بوجه و أُخرى تكون البيّنة قائمة على ارتداده، و في هذه

الصورة يكون ادّعاء الإكراه تكذيباً للبيّنة؛ لأنّ مرجع دعواه إلى عدم حصول الارتداد الموجب للحدّ، و مقتضى البيّنة حصول ذلك، فادّعاؤه تكذيب لها، فلا وجه لقبوله بوجه، و لا يكون المورد من موارد الشُّبهة حينئذٍ، كما لا يخفى

(1) لا خفاء في أنّ ولد المرتدّ مطلقاً فطريّاً كان أو ملّياً قبل ارتداده أي في حال إسلامه لا مطلقاً حتّى يشمل حال الكفر في الملّي، بناءً على ما عرفت في تعريفه من اعتبار اختيار الكفر بعد البلوغ ثمّ الإسلام إنّما هو بحكم المسلم، و ارتداد الأب مثلًا لا يوجب تغيراً في الولد المحكوم بالإسلام؛ لانعقاد نطفته في حال إسلام أحد الأبوين أو كليهما؛ و لذا لو ماتت الأُمّ مرتدّةً و هي حامل به تدفن في مقابر المسلمين.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 708

..........

______________________________

و كيف كان، فكلّ ولد محكوم بالإسلام، سواء كان ولد المسلم أو المرتدّ قبل ارتداده إذا بلغ و اختار الكفر قبل إظهار الإسلام لا يكون مرتدّاً فطريّاً؛ لما عرفت في تعريفه من اعتبار اختيار الإسلام بعد البلوغ في تحقّق الارتداد الفطري، و لا ملّياً، لاعتبار عدم كونه محكوماً بالإسلام قبل البلوغ، بل يعتبر أن يكون انعقاد نطفته في حال كفر كلا الوالدين نعم، بناءً على ما عرفت سابقاً من المسالك من عدم اعتبار اختيار الإسلام بعد البلوغ في تحقّق الارتداد عن فطرة «1» يكون المقام من مصاديق المرتدّ الفطريّ، فيجري فيه حكمه؛ و لذا استشكل على المحقّق في الشرائع القائل بالاستتابة و القتل بعد عدم القبول «2»، بأنّ هذا لا يوافق القواعد المتقدّمة من أنّ المنعقد حال إسلام أحد أبويه يكون ارتداده عن فطرة و لا تقبل توبته، و ما

وقفت على ما أوجب العدول عن ذلك هنا «3» أقول: هذا القول من المحقّق في المقام شاهد على أنّه أيضاً يعتبر اختيار الإسلام بعد البلوغ في تحقّق الارتداد عن فطرة، فلا وجه للاستشكال عليه و بالجملة: فبناءً على ما ذكرنا لا يكون المقام من مصاديق المرتدّ، بل لا يوافق معنى الارتداد الذي هو الرجوع عن الإسلام، أي الإسلام الحقيقي لا الأعم منه و من الحكمي، و لكنّ الذي يظهر من الأصحاب إجراء حكم المرتدّ الملّي عليه، و هو الاستتابة و القتل بعد عدم التوبة، و بعبارة اخرى ظاهر الأصحاب أنّ أمر حكمه غير خارج عن حكم المرتدّ بكلا قسميه، فإذا فرض أنّ القائل بإجراء حكم المرتدّ

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 15/ 23 24.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 962.

(3) مسالك الأفهام: 15/ 28.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 709

[مسألة 5: إذا تكرّر الارتداد من الملّي قيل: يقتل في الثالثة، و قيل: يقتل في الرابعة]

مسألة 5: إذا تكرّر الارتداد من الملّي قيل: يقتل في الثالثة، و قيل: يقتل في الرابعة، و هو أحوط (1).

______________________________

الفطري إنّما يقول بذلك لأجل أنّه يرى أنّ المقام من مصاديق المرتدّ الفطري، و نحن لا نقول بذلك، فاللازم الالتزام بإجراء حكم المرتدّ الملّي عليه من جهة الاستتابة و القتل بعد عدم القبول و يدلّ عليه أيضاً مرسلة الصدوق المعتبرة، قال: قال عليّ (عليه السّلام): إذا أسلم الأب جرّ الولد إلى الإسلام، فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام، فإن أبى قتل، و إن أسلم الولد لم يجرّ أبويه و لم يكن بينهما ميراث «1» بناءً على عدم اختصاص قوله (عليه السّلام): «إذا أسلم الأب جرّ الولد إلى الإسلام» بما إذا كان إسلامه بعد وجود الولد و ولادته، بل يشمل ما إذا كان إسلامه في حال

انعقاد نطفته، فإنّه أيضاً يجرّ الولد إلى الإسلام، كما أنّ ظاهر قوله (عليه السّلام): «دعي إلى الإسلام» هو اختياره الكفر بعد البلوغ و الإدراك، و على ما ذكرنا فالرواية تنطبق على الفتاوى.

(1) المحكيّ عن الشيخ (قدّس سرّه) في الخلاف أنّه يقتل في الرابعة، مستدلّاً عليه بإجماع أصحابنا على أنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة «2»، و عن المبسوط روي عنهم (عليهم السّلام) أنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة «3» و عن الشيخ (قدّس سرّه) أيضاً أنّه قال: و روى أصحابنا يقتل في الثالثة أيضاً «4»، فإن كان

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 549، أبواب حدّ المرتد ب 3 ح 7.

(2) الخلاف: 5/ 504 505.

(3) المبسوط: 7/ 284.

(4) المبسوط: 8/ 74، الكافي: 7/ 256 ذ ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 710

..........

______________________________

مراده بذلك هي الرواية الصحيحة المتقدّمة مراراً، الدالّة على أنّ أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة «1»، فمن الظاهر عدم شمولها للارتداد؛ لأنّها مضافاً إلى انسباق خصوص الكبائر غير المنافية للإسلام و الاتّصاف به منها لا ما يعمّ الارتداد الموجب للخروج عن الإسلام يكون القتل في الثالثة فيها مشروطاً بسبق إقامة الحدّ مرّتين لا مطلق الارتكاب في الثالثة، و ليست الاستتابة بمجرّدها في المقام حدّا حتّى يتوهّم تحقّقها مرّتين؛ و لأجله لا مجال لدعوى الأولويّة، نظراً إلى أنّ اقتضاء سائر الكبائر للقتل في المرّة الثالثة يوجب ثبوته في الارتداد فيها بطريق أولى؛ و ذلك لأنّه حيث يكون المفروض في المقام عدم المسبوقيّة بالحد؛ لعدم كون الاستتابة حدّا، فاقتضاء المسبوق بالحدّ لذلك لا يوجب الثبوت في المقام كذلك، فالإنصاف أنّه لا دلالة للصحيحة على الحكم في المقام

أصلًا و إن كان مراده من الرواية ما رواه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن حديد، عن جميل بن درّاج و غيره، عن أحدهما (عليهما السّلام) في رجل رجع عن الإسلام، فقال: يستتاب، فإن تاب، و إلّا قتل، قيل لجميل: فما تقول إن تاب ثمّ رجع عن الإسلام؟ قال: يستتاب، قيل: فما تقول إن تاب ثمّ رجع؟ قال: لم أسمع في هذا شيئاً، و لكنّه عندي بمنزلة الزّاني الذي يقام عليه الحدّ مرّتين ثمّ يقتل بعد ذلك «2» فمن الواضح أنّه ليس من هذه الجهة رواية، بل هو اجتهاد من جميل، مضافاً إلى ضعف سند أصل الرواية بعليّ بن حديد.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 313، أبواب مقدّمات الحدود ب 5 ح 1.

(2) الكافي: 7/ 256 ح 5، التهذيب: 10/ 137 ح 544، الإستبصار: 4/ 253 ح 960، و صدرها في الوسائل: 18/ 547، أبواب حدّ المرتدّ ب 3 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 711

..........

______________________________

فانقدح أنّه لم يدلّ دليل على القتل في الثالثة في الارتداد لا بنحو العموم و لا ينحو الخصوص نعم، في المقام رواية رواها جابر، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: اتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) برجل من بني ثعلبة قد تنصّر بعد إسلامه، فشهدوا عليه، فقال له أمير المؤمنين (عليه السّلام): ما يقول هؤلاء الشهود؟ فقال: صدقوا و أنا أرجع إلى الإسلام، فقال: أما أنّك لو كذَّبت الشهود لضربت عنقك، و قد قبلت منك فلا تعد، فإنّك إن رجعت لم أقبل منك رجوعاً بعده «1» و ظاهرها بعد حملها على خصوص المرتدّ الملّي ثبوت القتل في المرّة الثانية و

لكنّها مضافاً إلى ضعف سندها مخدوشة من جهة الدلالة على ترتّب القتل على تكذيب الشهود، مع أنّه لا يعلم وجهه، فإنّ تكذيب الشهود غايته أنّه لا أثر له في نفي الحكم المترتّب على المشهود عليه، و أمّا استلزامه لثبوت القتل فلا وجه له أصلًا، و من جهة عدم الفتوى على طبقها؛ لدوران الأمر من جهة الفتاوى بين الثالثة و الرابعة، كما لا يخفى و قد ظهر من جميع ذلك أنّ ترتّب القتل على الرابعة لو لم يكن أقوى، فلا أقلّ من أن يكون أحوط وجوباً كما في المتن و يمكن أن يقال بعدم ثبوت القتل في المقام أصلًا؛ لعدم الدليل عليه. أمّا في الثالثة؛ فلما عرفت من أنّه لم يدلّ دليل على القتل فيها لا بنحو العموم و لا بنحو الخصوص. و أمّا في الرابعة فلأنّ مستنده فيها هو الإجماع المزبور الذي نقله الشيخ كما تقدّم، و هو ليس بحجّة كما قد قرّر في الأُصول.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 547، أبواب حدّ المرتد ب 3 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 712

[مسألة 6: لو جنّ المرتدّ الملّي بعد ردّته و قبل استتابته لم يقتل]

مسألة 6: لو جنّ المرتدّ الملّي بعد ردّته و قبل استتابته لم يقتل، و لو طرأ الجنون بعد استتابته و امتناعه المبيح لقتله يقتل، كما يقتل الفطري إذا عرضه الجنون بعد ردّته (1)

[مسألة 7: لو تاب المرتدّ عن ملّة فقتله من يعتقد بقاءه على الردّة قيل: عليه القود]

مسألة 7: لو تاب المرتدّ عن ملّة فقتله من يعتقد بقاءه على الردّة قيل: عليه القود، و الأقوى عدمه. نعم، عليه الدية في ماله (1).

______________________________

هذا، و لكنّ الظاهر تسالم الفقهاء على ثبوت القتل إمّا في الثالثة و إمّا في الرابعة، و الأحوط ما ذكرنا

(1) الوجه في إطلاق الحكم في المرتدّ الفطري و التفصيل في الملّي واضح؛ لثبوت الاستتابة في الثاني دون الأوّل، و ظاهرٌ أنّ الاستتابة و الامتناع مشروطان بسلامة العقل كأصل الارتداد، فإذا تحقّقا في هذا الحال ثمّ عرض الجنون يقتل كما يقتل المرتدّ الفطري بعد جنونه

(2) القائل بالقود هو الشيخ (قدّس سرّه) في محكيّ المبسوط «1» و الخلاف «2» و ابن شهرآشوب في محكيّ متشابه القرآن «3» نظراً إلى أنّه صدر منه قتل المسلم بغير حقّ، و الوجه في كونه مسلماً وضوح أنّه لا يصدق عليه المرتدّ بعد التوبة التي مرجعها إلى الرجوع إلى الإسلام حقيقةً لا بمعنى الاعتقاد القلبي، بل بمعنى كونه مسلماً واقعاً كأصل إسلامه السابق على ارتداده، و حينئذٍ فالقتل يضاف إلى المسلم مع

______________________________

(1) المبسوط: 8/ 72.

(2) الخلاف: 5/ 503 مسألة 3.

(3) متشابه القرآن: 2/ 221.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 713

[مسألة 8: لو قتل المرتدّ مسلماً عمداً فللوليّ قتله قوداً]

مسألة 8: لو قتل المرتدّ مسلماً عمداً فللوليّ قتله قوداً، و هو مقدّم على قتله بالردّة، و لو عفا الوليّ أو صالحه على مال قتل بالردّة (1).

______________________________

اتّصافه بكونه بغير حقّ، فعليه القود و لكنّ الظاهر أنّ موجب القصاص هو قتل المؤمن متعمّداً، و معناه تعلّق الإرادة بقتله بما أنّه مؤمن؛ أي مع العلم باتّصافه بكونه كذلك، أ لا ترى أنّ قوله تعالى وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً .. «1» معناه هو

قتله عن إرادة مع الاعتقاد بكونه كذلك و علمه به، و إلّا فمجرّد قتل المؤمن مع الاعتقاد بعدم كونه كذلك بل باستحقاقه للقتل لا يترتّب عليه الخلود في النّار، فلا مجال للقصاص في المقام و ربّما أيّد ذلك بأنّ جمعاً من الصحابة منهم أُسامة بن زيد وجدوا أعرابيّاً في غنيمات، فلمّا أرادوا قتله تشهَّد، فقالوا: ما تشهَّد إلّا خوفاً من أسيافنا، فقتلوه و استاقوا غنيماته، فنزل وَ لٰا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقىٰ إِلَيْكُمُ السَّلٰامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ .. «2» إلى آخرها، فغضب النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) و قال لأُسامة: هلّا شققت قلبه، و لكن لم يقتصّ منهم «3» فالظاهر بمقتضى ما ذكر عدم ثبوت القِوَد، و لكنّه ليس من قتل الخطأ أيضاً حتّى تكون الدية على العاقلة، بل من قبيل شبيه العمد فتكون الدية في ماله

(1) لا خلاف و لا إشكال في أنّه لو قتل المرتدّ مسلماً عمداً أي مع الإرادة و العلم بكونه مسلماً يثبت عليه القود؛ لتحقّق موجبه، من دون فرق بين أن يكون المرتدّ فطريّاً أو ملّياً، كما أنّه لا خلاف في تقدّم هذا الحقّ على حقّ الردّة؛ لأنّ الأوّل من

______________________________

(1) سورة النساء 4: 93 و 94.

(2) سورة النساء 4: 93 و 94.

(3) انظر تفسير القمّي: (1)/ 148 149 و تفسير الدرّ المنثور: 2/ 200، كشف اللثام: 2/ 436.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 714

[مسألة 9: يثبت الارتداد بشهادة عدلين و بالإقرار]

مسألة 9: يثبت الارتداد بشهادة عدلين و بالإقرار، و الأحوط إقراره مرّتين، و لا يثبت بشهادة النساء منفردات و لا منضمّات (2)

______________________________

حقوق الناس و الثاني من حقوق اللّٰه، و الظاهر منهم تقدّم الأوّل على الثاني. نعم، مع فرض عفو الوليّ

أو مصالحته معه على مال يقتل بالارتداد، هذا فيما إذا كان القتل عن عمد و أمّا مع كونه خطأً ففي المرتدّ الملّي يحتمل ثبوت الدية في ماله لا على عاقلته؛ نظراً إلى أنّه لا عاقلة للمرتدّ لا من المسلمين الذين لا يعقلون الكفّار، و لا من الكفّار؛ لعدم إرثهم منه، و يحتمل ثبوتها على العاقلة؛ نظراً إلى أنّه بعد فرض كون المسلمين وارثين له، و من كان الإرث له كان العقل عليه فلا محالة يتّصفون بذلك، و لكنّ التحقيق سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى في بحث العاقلة من كتاب الديات و أمّا المرتدّ الفطري فربّما يشكل ثبوت الدية في ماله؛ نظراً إلى أنّه لا مال له، و لكن ذكرنا في بحث الارتداد الفطري: أنّه لا دليل على عدم تملّكه بالأسباب المتحقّقة بعد الارتداد، فإنّ مقتضى الدليل انتقال أمواله في حال الارتداد إلى الورثة، و أمّا خروجه عن صلاحيّة الملكيّة بالكليّة فلم يدلّ دليل عليه أصلًا

(2) قد تقدّم البحث في مثل هذه المسألة مراراً، و ذكرنا وجه كون الاحتياط في الإقرار هو التعدّد «1»، كما أنّه ذكرنا اعتبار شهادة النساء منضمّات لا مطلقاً، بل القدر المتيقّن منه و هو قيام امرأتين مقام الرجل «2» لا أزيد، فراجع.

______________________________

(1) في ص 347 348 و 461.

(2) في ص 116 120.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 715

[القول في وطء البهيمة و الميّت]

اشارة

القول في وطء البهيمة و الميّت

[مسألة (1): في وطء البهيمة تعزير]

مسألة (1): في وطء البهيمة تعزير، و هو منوط بنظر الحاكم، و يشترط فيه البلوغ و العقل و الاختيار و عدم الشبهة مع إمكانها، فلا تعزير على الصبيّ، و إن كان مميّزاً يؤثّر فيه التأديب أدّبه الحاكم بما يراه، و لا على المجنون و لو أدواراً إذا فعل في دور جنونه، و لا على المكره، و لا على المشتبه مع إمكان الشبهة في حقّه حكماً أو موضوعاً (1).

______________________________

(1) أمّا ثبوت التعزير في وطء البهيمة إجمالًا، فيدلّ عليه مضافاً إلى فتوى المشهور به، بل دعوى نفي وجدان الخلاف فيه، بل تحصيل الإجماع عليه كما في الجواهر «1» روايات متعدّدة، مثل:

رواية العلاء بن الفضيل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل يقع على بهيمة، قال:

______________________________

(1) جواهر الكلام: 41/ 638.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 716

..........

______________________________

فقال: ليس عليه حدّ و لكن تعزير «1» و رواية الفضيل بن يسار و ربعي بن عبد اللّٰه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل يقع على البهيمة، قال: ليس عليه حدّ، و لكن يضرب تعزيراً «2» و الظاهر أنّه ليس المراد تعيّن الضرب للتعزير حتّى لا يجوز التعزير بغيره و لا الزائد على الضرب، بل المراد هو التعزير، و ذكر الضرب إنّما هو لأجل غلبة وقوع التعزير به و في سند هاتين الروايتين محمّد بن سنان و فيه كلام، و على تقدير الضعف منجبرتان بعمل المشهور عليهما، كما لا يخفى و رواية الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السّلام)، أنّه سئل عن راكب البهيمة؟ فقال: لا رجم عليه و لا حدّ، و لكن يعاقب عقوبة موجعة

«3» و مثل هذه الروايات ما تدلّ على أنّ حدّه ما دون الحدّ، كموثّقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يأتي بهيمة: شاة، أو ناقة، أو بقرة، قال: فقال: عليه أن يجلد حدّا غير الحدّ، ثمّ ينفى من بلاده إلى غيرها، و ذكروا أنّ لحم تلك البهيمة محرّم و لبنها «4» و موثّقة سدير، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في الرجل يأتي البهيمة، قال: يجلد دون الحدّ و يغرم قيمة البهيمة لصاحبها؛ لأنّه أفسدها عليه، و تذبح و تحرق إن كانت ممّا يؤكل لحمه، و إن كانت ممّا يركب ظهره غرم قيمتها و جلد دون الحدّ، و أخرجها من

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 571، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب (1) ح 3.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 571، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب (1) ح 5.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 573، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب (1) ح 11.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 571، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب (1) ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 717

..........

______________________________

المدينة التي فعل بها فيها إلى بلاد اخرى حيث لا تعرف، فيبيعها فيها كيلا يعير بها صاحبها «1» لكن في مقابلها طوائف أُخرى من الروايات:

إحداها: ما تدلّ على تعيّن خمسة و عشرين سوطاً ربع حدّ الزاني، و هي:

صحيحة عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام). و صحيحة الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام). و موثّقة إسحاق بن عمّار، عن أبي إبراهيم موسى (عليه السّلام) في الرجل يأتي البهيمة، فقالوا جميعاً: إن كانت البهيمة للفاعل ذبحت، فإذا ماتت أُحرقت بالنار و لم ينتفع بها، و

ضرب هو خمسة و عشرين سوطاً ربع حدّ الزّاني، و إن لم تكن البهيمة له قوّمت و أُخذ ثمنها منه و دفع إلى صاحبها و ذبحت و أُحرقت بالنار و لم ينتفع بها، و ضرب خمسة و عشرين سوطاً، فقلت: و ما ذنب البهيمة؟ فقال: لا ذنب لها، و لكن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) فعل هذا و أمر به لكيلا يجترئ الناس بالبهائم و ينقطع النسل «2» ثانيتها: ما تدلّ على أنّ حدّه حدّ الزاني، أو على أنّ عليه الحدّ الظاهر في كون المراد هو حدّ الزاني، مثل:

رواية أبي بصير، التي رواها الشيخ بسند صحيح، و الكليني بسند فيه سهل بن زياد و هو مورد اختلاف عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل أتى بهيمة فأولج، قال: عليه الحدّ. و في رواية الكليني قال: حدّ الزّاني «3» و رواية أبي فروة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: الذي يأتي بالفاحشة و الذي يأتي

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 571، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب (1) ح 4.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 570، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب (1) ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 572، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب (1) ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 718

..........

______________________________

البهيمة حدّه حدّ الزاني «1» ثالثتها: ما تدلّ على ترتّب القتل عليه، كصحيحة جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل أتى بهيمة، قال: يقتل «2» و رواية سليمان بن هلال قال: سأل بعض أصحابنا أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يأتي البهيمة، فقال: يقام قائماً، ثمّ يضرب ضربة بالسيف أخذ السيف منه ما أخذ.

قال: فقلت: هو القتل، قال: هو ذاك «3» إذا عرفت ذلك فالمحكيّ عن الشيخ (قدّس سرّه) أنّه قال: الوجه في هذه الأخبار أن تكون محمولة على أنّه إذا فعل دون الإيلاج فعليه التعزير، و إذا كان الإيلاج كان عليه حدّ الزاني كما تضمّنه خبر أبي بصير، أو محمولة على من تكرّر منه الفعل؛ لما تقدّم عن أبي الحسن (عليه السّلام) أنّ أصحاب الكبائر إذا أقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة، و يجوز الحمل على التقيّة؛ لأنّ ذلك مذهب العامّة «4» و قد حمل صاحب الوسائل ما ورد في القتل على أنّ المراد به هو الضرب الشديد «5» أقول: الظاهر أنّه لا مجال للجمع بين الروايات بنحو تخرج عن عنوان التعارض؛ لأنّ حمل ما دلّ على التعزير على كون مورده هو الفعل من دون إيلاج مع ظهور إتيان البهيمة في الإيلاج؛ و لذا رتّب عليه القتل فيما ورد فيه بعيد

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 572، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب (1) ح 9.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 572، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب (1) ح 6.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 572، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب (1) ح 7.

(4) تهذيب الأحكام: 10/ 62 ذ ح 227، الإستبصار: 4/ 224 225 ذ ح 10 و ح 11.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 572، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب 1 ذ ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 719

[مسألة 2: يثبت ذلك بشهادة عدلين، و لا يثبت بشهادة النساء]

مسألة 2: يثبت ذلك بشهادة عدلين، و لا يثبت بشهادة النساء لا منفردات و لا منضمّات، و بالإقرار إن كانت البهيمة له، و إلّا يثبت التعزير بإقراره،

______________________________

في الغاية، كما أنّ حمل ما ورد في

القتل على صورة التكرّر أيضاً كذلك، و أبعد منه دعوى إرادة الضرب الشديد من القتل، كما أنّه لا مجال للحمل على التقيّة بعد وجود بعض المرجّحات المتقدّمة عليه و الحقّ ثبوت التعارض و لزوم الرجوع إلى المرجّحات، و قد ذكرنا غير مرّة أنّ أوّل المرجّحات هي الشهرة الفتوائيّة، و هي موافقة في المقام مع روايات التعزير، فلا محيص عن الحكم به كما في المتن. نعم، يمكن حمل ما دلّ على تعيّن ربع حدّ الزاني على كونه بعنوان أحد مصاديق التعزير، و إن كان فيه بعد أيضاً ثمّ إنّه لا فرق في ثبوت التعزير في وطء البهيمة بين أن تكون مأكولة اللحم عادة و بين أن لا تكون كذلك، بل كان الأمر الأهمّ فيها ظهرها كالخيل و البغال و الحمير كما هو مقتضى إطلاق المتن، و إن كان بينهما فرق في بعض الأحكام، كما دلّت عليه موثّقة سدير المتقدّمة، مثل أنّه يجب أن تذبح الاولى و تحرق، بخلاف الثانية، فإنّها تنفى من بلد الوطء إلى بلاد اخرى فتباع فيها ثمّ إنّه يشترط في ثبوت التعزير في وطء البهيمة الأُمور الأربعة المذكورة في المتن، التي منها البلوغ، و الفرق بين تعزير البالغ و تأديب الصبيّ مضافاً إلى ما مرّ في بحث التأديب من التحديد و لو بالإضافة إلى ما زاد «1» أنّ تعزير البالغ إنّما هو لتحقّق الفعل المحرّم منه، بخلاف الصبيّ، فإنّه إنّما هو لشناعة العمل، فتدبّر.

______________________________

(1) مرّ في ص 424 427.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 720

و لا يجري على البهيمة سائر الأحكام إلّا أن يصدّقه المالك (1).

______________________________

(1) أمّا الثبوت بشهادة عدلين فقد ذكر في الجواهر: أنّه بلا خلاف محقّقٍ أجده

فيه للعموم، نعم في كشف اللثام: كلام المبسوط «1» يعطي اشتراط أربعة رجال أو ثلاثة مع امرأتين «2»، ثمّ قال: و على تقديره لا دليل له سوى القياس على الزناء الذي ليس من مذهبنا، لكن في الرياض جعله استقراءً، ثمّ قال: لا بأس به إن أفاد ظنّاً معتمداً «3»، و يحتمل مطلقاً، لإيراثه الشّبهة الدارئة لا أقلّ منها، فتأمّل، و لا يخفى عليك ما فيه «4» و الوجه في بطلان كلام الرياض أمّا في صورة إفادة الظنّ، فلأنّه لا دليل على اعتبار هذا الظنّ بوجه، و مقتضى الأصل المقرّر في الأُصول حرمة التعبّد بالظنّ مع عدم قيام الدليل على حجيّته، و أمّا في صورة عدم الإفادة، فلأنّه لا مجال للشبهة بعد كون مقتضى عموم دليل حجيّة البيّنة اعتبارها في المقام أيضاً، و في الحقيقة لا شبهة مع هذا العموم و الظاهر أنّ الوجه في كلام الشيخ ما تقدّم منه من الجمع بين روايات التعزير و رواية حدّ الزاني، بحمل الاولى على عدم الإيلاج، و الثانية على الإيلاج، و كان مراده في المقام هي الصورة الثانية التي يكون الحكم فيها هو حدّ الزنا، فإنّه حينئذٍ يمكن أن يقال بالاشتراط الذي ذكره لثبوت مثله في الزنا و لكن يرد عليه، مضافاً إلى ما ذكرنا من عدم تماميّة الجمع بهذا النحو أنّ مجرّد

______________________________

(1) المبسوط: 8/ 7.

(2) كشف اللثام: 2/ 411.

(3) رياض المسائل: 0 (1)/ 226.

(4) جواهر الكلام: 41/ 642 643.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 721

[مسألة 3: لو تكرّر منه الفعل]

مسألة 3: لو تكرّر منه الفعل، فإن لم يتخلّله التعزير فليس عليه إلّا التعزير، و لو تخلّله فالأحوط قتله في الرابعة (1).

______________________________

ثبوت حدّ الزنا في المقام لا

يلازم اعتبار الأمور المذكورة فيه هنا أيضاً و أمّا عدم الثبوت بشهادة النساء فقد تقدّم الكلام فيه، و مقتضى ما اخترناه الثبوت في مثل المقام مع الانضمام «1» و أمّا الإقرار، فإن كان بالنسبة إلى بهيمته، فمقتضى عموم دليل نفوذ الإقرار الثبوت به، و لا مجال لاحتياط التعدّد في المقام، الذي لا يكون فيه إلّا التعزير، و أمّا بالنسبة إلى بهيمة الغير فالإقرار يؤثّر في ثبوت التعزير فقط، لا في ترتّب سائر الأحكام؛ لأنّه إقرار بالإضافة إلى الغير، إلّا أن يصدّقه المالك

(1) الوجه في احتمال كون القتل في الثالثة بعد تخلّل تعزيرين ما تقدّم من الصحيحة الدالّة على أنّ أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة؛ نظراً إلى أنّ المراد من الحدّ فيها أعمّ من التعزير، و الشاهد كون الموضوع هو أصحاب الكبائر مع تأكيدها بكلمة «كلّ». و من الواضح أنّه لا يكون الحدّ ثابتاً في كثير منها، بل في أكثرها، فيصير ذلك قرينة على أنّ المراد بالحدّ هو المعنى الأعمّ و الوجه في كون القتل في الرابعة ما تقدّم من دعوى إجماع الأصحاب عليه في مطلق الكبائر، كما عن الشيخ في الخلاف «2» و الإسناد إلى الرواية عنهم (عليهم السّلام) كما عن المبسوط «3»، و هو و إن لم يكن بحجّة، إلّا أنّ إيجابه للاحتياط ممّا لا يكاد يخفى. ثمّ إنّ

______________________________

(1) تقدّم في ص 116 120.

(2) الخلاف: 5/ 505.

(3) المبسوط: 7/ 284.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 722

[مسألة 4: الحدّ في وطء المرأة الميّتة كالحدّ في الحيّة]

مسألة 4: الحدّ في وطء المرأة الميّتة كالحدّ في الحيّة رجماً مع الإحصان و حدّاً (جلداً ظ) مع عدمه بتفصيل مرّ في حدّ الزنا، و الإثم

و الجناية هنا أفحش و أعظم، و عليه تعزير زائداً على الحدّ بحسب نظر الحاكم على تأمّل فيه، و لو وطأ امرأته الميّتة فعليه التعزير دون الحدّ، و في اللواط بالميّت حدّ اللواط بالحيّ، و يعزّر تغليظاً على تأمّل (1).

______________________________

الحكم في بعض الروايات المتقدّمة بثبوت القتل في وطء البهيمة لا يؤيّد ثبوت القتل في المرتبة الثالثة بعد كون الرواية الدالّة عليه ساقطة عن الحجيّة، لأجل المرجوحيّة كما عرفت «1»

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: وطء المرأة الميّتة الأجنبيّة، و الدليل على ثبوت حدّ الزنا رجماً أو جلداً في وطء المرأة الميّتة مضافاً إلى نفي وجدان الخلاف فيه، بل إمكان تحصيل الإجماع فضلًا عن محكيّه كما في الجواهر «2»، و إلى نفي الشُّبهة عن ثبوت الإجماع عليه كما عن الإنتصار «3» و السرائر «4» الروايات الواردة في هذا الباب، مثل:

صحيحة إبراهيم بن هاشم قال: لمّا مات الرضا (عليه السّلام) حججنا فدخلنا على أبي جعفر (عليه السّلام)، و قد حضر خلق من الشيعة إلى أن قال: فقال أبو جعفر (عليه السّلام): سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها؟ فقال أبي: يقطع يمينه للنبش، و يضرب حدّ الزنا، فإنّ حرمة الميّتة كحرمة الحيّة، فقالوا: يا سيّدنا تأذن لنا أن نسألك؟ قال:

______________________________

(1) في ص 88 (1) 190.

(2) جواهر الكلام: 41/ 544.

(3) الإنتصار: 514، السرائر: 3/ 468.

(4) الإنتصار: 514، السرائر: 3/ 468.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 723

..........

______________________________

نعم، فسألوه في مجلس عن ثلاثين ألف مسألة، فأجابهم فيها و له تسع سنين «1» و رواية عبد اللّٰه بن محمّد الجعفي قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السّلام) و جاءه كتاب هشام بن عبد الملك في رجل نبش

امرأة فسلبها ثيابها ثمّ نكحها، فإنّ الناس قد اختلفوا علينا: طائفة قالوا: اقتلوه، و طائفة قالوا: أحرقوه، فكتب إليه أبو جعفر (عليه السّلام): إنّ حرمة الميّت كحرمة الحيّ، تقطع يده لنبشه و سلبه الثياب، و يقام عليه الحدّ في الزنا، إن أُحصن رجم، و إن لم يكن أُحصن جلد مائة «2» و في مقابلهما رواية أبي حنيفة (الذي اسمه سعيد بن بيان) قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل زنى بميّتة، قال: لا حدّ عليه «3» و ليس المراد بنفي الحدّ ما يعمّ نفي التعزير أيضاً بعد كون المراد من السؤال بملاحظة التعبير بالزنا هو خصوص الحدّ كما لا يخفى، و حكي عن الشيخ أنّه قال في توجيه الرواية: هذا يحتمل وجهين: أحدهما أنّه لا حدّ عليه موظّف لا يجوز غيره؛ لأنّه إن كان محصناً رجم و إلّا جلد، و الآخر أن يكون مخصوصاً بمن أتى زوجة نفسه بعد موتها، فإنّه يعزّر و لا حدّ عليه. و قال صاحب الوسائل بعد نقل كلام الشيخ: أقول: و يمكن الحمل على الإنكار، و على ما دون الإيلاج كالتفخيذ و نحوه لما مرّ «4» و الرواية مع ذلك ضعيفة من حيث السند، و على تقدير الإغماض عنه تكون

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 511، أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 6.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 510، أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 2.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 574، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب 2 ح 3.

(4) أي في باب 10 من أبواب حدّ الزنا و ح 2 و 6 من الباب 19 من أبواب حدّ السرقة، و في ح (1) و 2 من أبواب نكاح البهائم.

تفصيل الشريعة في

شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 724

..........

______________________________

مرجوحة، لمخالفتها للشهرة الفتوائيّة المحقّقة كما لا يخفى هذا بالإضافة إلى ثبوت الحدّ. و أمّا التعزير الزائد على الحدّ فربّما يستدلّ عليه بمرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الذي يأتي المرأة و هي ميّتة، فقال: وزره أعظم من ذلك الذي يأتيها و هي حيّة «1» و لكنّها مضافاً إلى كونها مرسلة، و قد مرّ أنّ مقتضى التحقيق عدم اعتبار مرسلات مثل ابن أبي عمير أيضاً، لا دلالة لها إلّا على كون وزره و إثمه أعظم، و لا ملازمة بين ذلك و بين ثبوت التعزير الزائد، و ثبوته في مثل شرب المسكر في شهر رمضان إنّما هو لتحقّق عنوان آخر زائد على أصل الفعل، و هو عنوان الهتك بالإضافة إلى شهر رمضان، و ليس في المقام عنوان آخر، بل مفاد الرواية مجرّد كون حرمة الميّت كحرمة الحيّ؛ و لأجل ذلك تأمّل في المتن في ثبوت التعزير الزائد الفرع الثاني: وطء زوجته الميّتة، و المحكيّ عن الأكثر القطع بأنّه يقتصر في التأديب فيه على التعزير «2»، بل نفى في الجواهر وجدان الخلاف فيه «3»، و الدليل على عدم ثبوت الحدّ في هذا الفرع بعد كون روايات الحدّ في الفرع السابق واردة في مورد الزنا بالأجنبيّة؛ لدلالتها على أنّ الميّتة تنزّل منزلة الحيّة عدم شمول أدلّة الزنا للمقام؛ لعدم كونه زناء لا بحسب اللغة و لا بنظر العرف، لبقاء علقة الزوجيّة؛ و لذا يجوز له النظر إليها و لمسها و أشباه ذلك و حرمة الوطء بعد الموت للإجماع عليها لا يلازم ثبوت الحدّ المتوقّف على تحقّق

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 574، كتاب الحدود،

أبواب نكاح البهائم ب 2 ح 2.

(2) النهاية: 708، المقنعة: 790، السرائر: 3/ 468، شرائع الإسلام: 4/ 966، قواعد الأحكام: 2/ 258، اللمعة الدمشقية: 172، و قال في رياض المسائل: 10/ 227: «كما قطع به الأكثر، بل لم أجد خلافاً فيه».

(3) جواهر الكلام: 41/ 645.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 725

[مسألة 5: يعتبر في ثبوت الحدّ في الوطء بالميّت ما يعتبر في الحيّ]

مسألة 5: يعتبر في ثبوت الحدّ في الوطء بالميّت ما يعتبر في الحيّ من البلوغ و العقل و الاختيار و عدم الشبهة (1)

[مسألة 6: يثبت الزنا بالميّتة و اللواط بالميّت بشهادة أربعة رجال]

اشارة

مسألة 6: يثبت الزنا بالميّتة و اللواط بالميّت بشهادة أربعة رجال، و قيل:

______________________________

عنوان الزنا، و قد عرفت احتمال الشيخ (قدّس سرّه) حمل رواية أبي حنيفة المتقدّمة على زوجته الميّتة، و إن كان يبعّده التعبير بالزنا في السؤال، مع أنّه لا زناء في المقام و بالجملة: لا دليل على أزيد من التعزير الثابت في خصوص المعاصي الكبيرة أو مطلقاً، على خلاف مرّ فيما سبق «1» الفرع الثالث: اللواط بالميّت، و يدلّ على ثبوت الحدّ فيه مضافاً إلى عموم دليل ثبوت الحدّ في اللواط للوطء بالميّت؛ لعدم الفرق في صدقه بين الحي و الميّت ما تقدّم في الروايات الواردة في الفرع الأوّل من أنّ «حرمة الميّت كحرمة الحيّ»، فإنّ ظاهرها ثبوت هذا الحكم بالنحو الكلّي و بعنوان الضابطة؛ لوروده مورد التعليل، أو وقوعه مقدّمة للحكم بثبوت حدّ الزنا في وطء الميّتة، فلا اختصاص له بالحكم المذكور فيها، و الكلام في ثبوت التعزير الزائد ما تقدّم في الفرع الأوّل

(1) أمّا اعتبار الأمور الأربعة فقد مرّ الكلام فيه مراراً «2»، و أمّا ما يعطيه الجمود على ظاهر المتن من كون هذه الأمور معتبرة في الحدّ الثابت في الفرعين من الفروع الثلاثة المتقدّمة فهو مخدوش؛ لاعتبار هذه الأمور في التعزير أيضاً، إلّا أن يراد بالحدّ في المتن أعمّ من التعزير، فيشمل جميع الفروع الثلاثة، و هو و إن كان متداولًا

______________________________

(1) في ص 417 424.

(2) في ص 81 83.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 726

يثبت بشهادة عدلين، و الأوّل أشبه، و لا

يثبت بشهادة النساء منفردات و لا منضمّات حتى ثلاثة رجال مع امرأتين على الأحوط في وطء الميّتة، و على الأقوىٰ في الميّت، و بالإقرار أربع مرّات (1).

______________________________

في ألسنة الروايات إلّا أنّ هذا النحو من الاستعمال في المتون الفقهيّة بعيد، فتدبّر

(1) أمّا الزنا بالميّتة الأجنبية فقد وقع الخلاف في عدد الحجّة على ثبوته، فالمحكيّ عن الشيخين «1» و ابني حمزة و سعيد «2» و العلّامة في المختلف «3» الثبوت بشاهدين و الأشهر بل قيل: إنّه المشهور، بل لعلّه لا خلاف فيه بين المتأخّرين عدم الثبوت إلّا بأربعة «4» كالزنا بالحيّة، و في المتن جعله أشبه أي بالقواعد و استدلّ للأوّل مضافاً إلى عموم دليل حجيّة البيّنة بما رواه إسماعيل بن أبي حنيفة، عن أبي حنيفة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): كيف صار القتل يجوز فيه شاهدان، و الزنا لا يجوز فيه إلّا أربعة شهود، و القتل أشدّ من الزنا؟ فقال: لأنّ القتل فعل واحد، و الزنا فعلان، فمن ثمّ لا يجوز إلّا أربعة شهود: على الرجل شاهدان، و على المرأة شاهدان «5» نظراً إلى أنّ المستفاد من التعليل الواقع فيها كفاية شاهدين في مثل القتل ممّا يكون فعلًا واحداً كالمقام، فإنّ الزنا بالميّتة لا يكون خارجاً عن هذا العنوان،

______________________________

(1) المقنعة: 790، النهاية: 708.

(2) الوسيلة: 415، الجامع للشرائع: 556.

(3) مختلف الشيعة: 9/ 200 مسألة 58.

(4) رياض المسائل: 10/ 227.

(5) وسائل الشيعة: 19/ 103، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب (1) ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 727

..........

______________________________

لوضوح كونه فعلًا واحداً و الجواب: أمّا عن الدليل الأوّل، فهو أنّ مفاد الأدلّة الواردة في المقام الدالّة على ثبوت حدّ الزنا أنّ

وطء الميّتة من مصاديق الزنا؛ و لأجله يترتّب عليه حدّه و هو كذلك لغة و عرفاً أيضاً، و عليه فأدلّة عدم ثبوت الزنا إلّا بأربعة تدلّ على أنّ وطء الميّتة أيضاً كذلك، فلا مجال حينئذٍ للتمسّك بعموم دليل حجيّة البيّنة و أمّا عن الرواية فمضافاً إلى ضعف السند بإسماعيل بن أبي حنيفة أنّه لا يمكن الالتزام بما هو ظاهرها من التعليل المذكور فيها؛ لوضوح أنّه قد يكون الزنا من طرف واحد فقط كالزنا بالنائمة، و الزنا مع كون الوطء من الطرف الآخر مقروناً بالشبهة المجوّزة، و مثلهما من الموارد، مع وضوح عدم الثبوت فيه أيضاً إلّا بأربعة، مضافاً إلى معلوميّة سماع شهادة عدلين على أزيد من واحد في غير الزنا، كما إذا شهدا بتحقّق شرب المسكر مثلًا من جماعة، و إلى أنّه قد جعل في بعض النصوص اختلاف القتل و الزنا في هذه الجهة دليلًا على بطلان القياس، و مرجعه إلى أنّ القتل مع كونه أشدّ لا يحتاج ثبوته إلى أزيد من شهادة عدلين، و عليه فتحمل الرواية على بيان الحكمة لا العلّة، و في هذه الصورة لا مجال للاستدلال بها كما لا يخفى و قد انقدح أنّ مقتضى القاعدة بلحاظ كون المقام من مصاديق الزنا عدم الثبوت إلّا بأربعة. نعم، هذا إنّما هو في الزنا بالميّتة، و أمّا وطء الزوجة الميّتة، فالظاهر ثبوته بشهادة عدلين؛ لعدم كونه من مصاديق الزنا، فيشمله عموم دليل حجيّة البيّنة، و لم يتعرّض له في المتن و إن كان ربّما يستفاد من التعبير بالزنا بالميّتة العموم، إلّا أنّه حيث لا يكون هنا زناء فالظاهر عدم دلالة المتن عليه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 728

[فرعٌ]

فرعٌ:

من استمنىٰ بيده أو بغيرها من أعضائه عزّر، و يقدّر بنظر الحاكم، و يثبت ذلك بشهادة عدلين و الإقرار، و لا يثبت بشهادة النساء منضمّات و لا منفردات.

و أمّا العقوبة دفاعاً، فقد ذكرنا مسائلها في ذيل كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (1).

______________________________

(1) لا إشكال في حرمة الاستمناء، بل كونه من المعاصي الكبيرة، و يدلّ على الحرمة قوله تعالى فَمَنِ ابْتَغىٰ وَرٰاءَ ذٰلِكَ فَأُولٰئِكَ هُمُ العٰادُونَ «1» و عليها مضافاً إلى كونه كبيرة روايات متعدّدة، مثل:

ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى في «نوادره» عن أبيه قال: سئل الصّادق (عليه السّلام) عن الخضخضة؟ فقال: إثمٌ عظيم قد نهى اللّٰه عنه في كتابه، و فاعله كناكح نفسه، و لو علمت بما (بمن خ ل) يفعله ما أكلت معه، فقال السّائل: فبيِّن لي يا ابن رسول اللّٰه من كتاب اللّٰه فيه، فقال: قول اللّٰه فَمَنِ ابْتَغىٰ وَرٰاءَ ذٰلِكَ فَأُولٰئِكَ هُمُ العٰادُونَ و هو ممّا وراء ذلك، فقال الرجل: أيّما أكبر، الزنا أو هي؟ فقال: هو ذنبٌ عظيم، الحديث «2» و الظاهر رجوع الضمير إلى الخضخضة و إن كان مذكّراً؛ لرجوع ضمير المذكّر إليها متعدّداً في الرواية و ما رواه العلاء بن رزين، عن رجل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الخضخضة؟ فقال: هي من الفواحش، و نكاح الأمة خير منه «3» و العجب أنّ صاحب الجواهر جعل الرواية صحيحة «4» مع أنّها مرسلة.

______________________________

(1) سورة المؤمنون 23: 7.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 575، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب 3 ح 4.

(3) وسائل الشيعة: 14/ 267، كتاب النكاح، أبواب النكاح المحرّم ب 28 ح 5.

(4) جواهر الكلام: 41/ 648.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الحدود، ص: 729

..........

______________________________

و رواية أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: ثلاثة لا يكلّمهم اللّٰه يوم القيامة و لا ينظر إليهم و لا يزكّيهم و لهم عذاب أليم: الناتف شيبه، و الناكح نفسه، و المنكوح في دبره «1» و موثّقة عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل ينكح بهيمة أو يدلك، فقال: كلّ ما أنزل به الرجل ماءه من هذا و شبهه فهو زنا «2» و في مقابلها رواية ثعلبة بن ميمون و حسين بن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل يعبث بيديه حتّى ينزل، قال: لا بأس به و لم يبلغ به ذاك شيئاً «3» و قد حمله الشيخ (قدّس سرّه) على أنّه ليس عليه شي ء موظّف لا يجوز خلافه، بل عليه التعزير بحسب ما يراه الإمام، و احتمل صاحب الوسائل حمله على التقية «4»، و صاحب الجواهر على السؤال عمّن يعبث بيديه مع زوجته أو أمته لا مع ذكره «5» و على تقدير عدم صحّة الحمل لا بدّ من الطرح؛ لموافقة الطائفة الأُولى للشهرة الفتوائيّة المحقّقة، بل الاتّفاق كما استظهر، فلا محيص عن الحكم بالحرمة و أمّا التعزير، فيدلّ عليه مضافاً إلى ما تقدّم من ثبوته في المعاصي الكبيرة مطلقاً «6» رواية أبي جميلة، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: إنّ عليّاً (عليه السّلام) اتي برجل عبث بذكره حتّى أنزل، فضرب يده حتّى احمرَّت، قال: و لا أعلمه إلّا قال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 14/ 268، كتاب النكاح، أبواب النكاح المحرّم ب 28 ح 7.

(2) وسائل الشيعة: 14/ 264، كتاب النكاح، أبواب النكاح المحرّم ب 26 ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 18/ 575،

كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب 3 ح 3.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 575، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب 3 ح 3.

(5) جواهر الكلام: 41/ 648.

(6) تقدّم في ص 417 419.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 730

..........

______________________________

و زوّجه من بيت مال المسلمين «1» و مثلها رواية طلحة بن زيد «2»، إلّا أنّها خالية عن ذكر الإنزال و الظاهر أنّه لا خصوصيّة للتعزير المذكور فيها بل هو أحد الأفراد، و عليه فالتقدير بنظر الحاكم، كما أنّ الظاهر أنّ التزويج من بيت المال ليس من اللوازم، بل هو كما قال المحقّق في الشرائع: تدبيرٌ استصلحه «3»، أي الإمام (عليه السّلام) في ذلك الحال، فلا يجب مطلقاً و أمّا الثبوت بشهادة عدلين و بالإقرار مرّة واحدة فهو مقتضى عموم دليل حجيّة البيّنة و دليل نفوذ الإقرار، و العجب من صاحب الجواهر، حيث قال عقيب قول المحقّق في الشرائع: و يثبت بشهادة عدلين «4»: كاللّواط، «5» مع أنّه من الواضح افتقار ثبوت اللواط إلى أربعة شهود، و الظاهر أنّه من سهو القلم لو لم يكن من غلط النسخة.

كما أنّه قد تقدّم منّا كفاية شهادة النساء منضمّات لا مطلقاً، بل القدر المتيقّن منه الذي لازمه في المقام كفاية شهادة عدل واحد مع امرأتين «6» و هنا ينتهي البحث في كتاب الحدود، و قد تعرّض في المتن بعدها لأحكام أهل الذمّة و شرائطها، و نحن نحيل البحث في ذلك إلىٰ الزمان الآتي، و قد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق في شهر ربيع الثاني من شهور سنة 1406 القمريّة، نسأل منه تعالىٰ التوفيق لإتمام بقيّة مباحث الكتاب إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 575، كتاب الحدود،

أبواب نكاح البهائم ب 3 ح 2.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 574، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب 3 ح 1.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 967.

(4) شرائع الإسلام: 4/ 967.

(5) جواهر الكلام 41/ 649.

(6) تقدم في ص 116- 120.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 731

مصادر التحقيق

1 القرآن الكريم 2 الإحكام في أصول الأحكام، لعليّ بن محمّد الآمدي (551- 631)، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1418 ه 3 أحكام القرآن، لأبي بكر أحمد بن عليّ الرازي الجصّاص (305- 370)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1412 ه 4 اختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشي، لأبي جعفر محمَّد بن الحسن بن عليّ الطوسي (385- 460)، جامعة مشهد، الطبعة الاولى، 1348 ش.

5 الإرشاد، لأبي عبد اللّٰه محمّد بن محمّد بن النعمان، المعروف بالشيخ المفيد (336 413)، دار المفيد، بيروت، الطبعة الثانية، 1414 ه 6 إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، للعلّامة أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (648- 726)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الأُولى، 1410 ه 7 الإستبصار فيما اختلف من الأخبار، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385- 460)، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الثالثة، 1390 ه 8 أسهل المدارك، لأبي بكر بن حسن الكشناوي، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الأُولى، 1416 ه 9 إصباح الشيعة، لقطب الدين محمّد بن الحسين البيهقي الكيدري (من أعلام القرن السادس)،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 732

مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السّلام)، قم، الطبعة الأُولى، 1416 ه 10 إفاضة القدير في أحكام العصير (المطبوع مع قاعدة لا ضرر)، للميرزا فتح اللّٰه بن محمّد جواد النمازي الشيرازي، الشهير بشيخ الشريعة الأصفهاني (1266)- 1312،

مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1406 ه 11 أقرب الموارد، لسعيد الشرتوني (1849- 1912) م، مكتبة لبنان، بيروت، الطبعة الثانية، 1992 م.

12 الام، لمحمّد بن إدريس الشافعي (150 204)، دار المعرفة، بيروت.

13 الإنتصار، للسيّد عليّ بن الحسين الموسوي، المعروف بالشريف المرتضى علم الهدى (355- 436)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الأُولى، 1415 ه 14 إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد، لفخر المحقّقين محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر (682- 771)، المطبعة العلمية، قم، الطبعة الأُولى، 1387 ه ب 15 بحار الأنوار، للعلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (1037 1111)، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1385 ه 16 بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لأبي بكر بن سعود الكاساني (م 587)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأُولى، 1417 ه 17) بداية المجتهد و نهاية المقتصد، لأبي الوليد محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي (520- 595)، منشورات الشريف الرضي، قم، 1406 ه 18 البرهان في تفسير القرآن، للسيّد هاشم بن السيّد سليمان البحراني التوبلي الكتكتاني (م 1107)، دار الكتب العلمية، قم.

ت 19 تبصرة المتعلِّمين، للعلّامة جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (648- 726)،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 733

وزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامي، الطبعة الأُولى، 1411 ه 20- التبيان في تفسير القرآن، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385- 460)، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت [بالاوفست عن طبعته في النجف الأشرف].

21 تحرير الأحكام، للعلّامة جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (648- 726)، مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، قم [بالاوفست عن طبعته الحجرية].

22 تحرير الوسيلة، للإمام السيّد روح اللّٰه الموسوي الخميني (1281- 1368 ش)، مؤسّسة النشر الإسلامي،

قم، الطبعة السادسة، 1417 ه 23 التحصين لأسرار ما زاد من أخبار كتاب اليقين، لرضيّ الدين عليّ بن موسى بن طاوس الحلّي (589- 664)، مؤسّسة دار الكتاب، قم، 1413 ه 24- تحف العقول عن آل الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله)، لأبي محمّد الحسن بن عليّ بن الحسين بن شعبة الحراني (من أعلام القرن الرابع)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1417 ه 25- تعليقات على منهج المقال، للعلّامة محمّد باقر بن محمّد أكمل، الملقّب بالوحيد البهبهاني (م 1206)، المطبوع في هامش منهج المقال، طهران، 1307 ه (الطبعة الحجرية).

26- تفسير العيّاشي، لأبي النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السمرقندي (من أعلام القرن الرابع)، المكتبة العلمية الإسلامية، طهران.

27- تفسير القمّي، لأبي الحسن عليّ بن إبراهيم القمّي (من أعلام قرني 3- 4)، مكتبة الهدى، مطبعة النجف، 1387 ه 28- تفسير نور الثقلين، للشيخ عبد عليّ بن جمعة الحويزي (م 1112)، مطبعة الحكمة، قم.

29- تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات و أحكامها، للشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، المطبعة العلمية، قم، الطبعة الأُولى، 1409 ه 30- تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء و الشهادات، للشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، مطبعة الاعتماد، قم، الطبعة الأُولى، 1420 ه 31- تلخيص الخلاف، للشيخ مفلح بن حسن الصيمري البحراني (من أعلام القرن التاسع)، مكتبة آية اللّٰه المرعشي النجفي، قم، الطبعة الأُولى، 1408 ه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 734

32- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع، لجمال الدين المقداد بن عبد اللّٰه السيوري الحلّي، المعروف بالفاضل المقداد (م 826)، مكتبة آية اللّٰه المرعشي النجفي، قم، الطبعة الأُولى، 1404 ه 33- التنقيح في شرح العروة الوثقى، لميرزا عليّ التبريزي

الغروي (1349- 1418)، مطبعة الآداب، النجف الأشرف.

34- تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385- 460)، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1401 ه- ث- 35- ثواب الأعمال، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، مكتبة الصدوق، طهران.

- ج- 36- جامع الرواة، للمولى محمّد بن عليّ الأردبيلي الغروي الحائري (من أعلام قرني 11) و 12)، مكتبة المصطفوي، قم.

37- الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد اللّٰه محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي (م 671)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405 ه 38- الجامع للشرائع، ليحيى بن سعيد الحلّي (601- 690)، مؤسّسة سيّد الشهداء العلمية، قم، 1405 ه 39- جامع المسانيد و السنن، لإسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي (700- 774)، دار الفكر، بيروت، 1415 ه 40- الجوامع الفقهيّة، لجماعة من العلماء، مكتبة آية اللّٰه المرعشي النجفي، قم، 1404 ه 41- جواهر الفقه، للقاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي (400- 481)، مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاولى، قم، 1411 ه 42- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، للشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة السابعة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 735

- ح- 43- حاشية ردّ المحتار على الدرّ المختار، لمحمّد أمين الشهير بابن عابدين (1198 1252)، دار الفكر، بيروت، 1412 ه 44- الحاوي الكبير، لأبي الحسن عليّ بن محمّد بن حبيب الماوردي (364- 450)، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأُولى، 1414 ه الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، للشيخ المحدِّث يوسف بن أحمد البحراني (1107 1186)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم [بالاوفست عن طبعة النجف الأشرف].

- خ- 45- خلاصة الأقوال

في معرفة الرجال، للعلّامة جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (648- 726)، مؤسّسة نشر الفقاهة، الطبعة الأُولى، 1417 ه 46- الخلاف، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385- 460)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الأُولى، 1418 ه- د- 47- الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمّد جلال الدين السيوطي (849- 911)، مكتبة آية اللّٰه المرعشي النجفي، قم، 1404 ه 48- الدرّة النجفية، للسيّد محمّد المهدي بحر العلوم (1155 1212)، دار الزهراء، بيروت، الطبعة الثانية، 1406 ه 49- الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة، لأبي عبد اللّٰه محمّد بن جمال الدين مكّي العاملي، المعروف بالشهيد الأوّل، (734- 786)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1417 ه 50- دعائم الإسلام، لأبي حنيفة النعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي (م 363)، دار المعارف، بيروت، 1383 ه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 736

- ذ- 51- ذكرى الشيعة، لأبي عبد اللّٰه محمّد بن جمال الدين مكّي العاملي، المعروف بالشهيد الأوّل، (734- 786)، مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام)، الطبعة الأُولى، 1419 ه- ر- 52- الرجال، لأبي العبّاس أحمد بن عليّ بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي (372- 450)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة السادسة، 1418 ه 53- الرجال، لأبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي (385- 460)، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1380 ه 54- الرجال، للسيّد محمّد المهدي بحر العلوم (1155- 1212)، مكتبة الصادق، طهران، الطبعة الاولى، 1363 ش.

55- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم و السبع المثاني، لشهاب الدين السيّد محمود بن عبد اللّٰه الحسيني الآلوسي البغدادي (1217-

1270)، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

56- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، لزين الدين بن عليّ العاملي، المعروف بالشهيد الثاني (911- 965)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1403 ه 57- روضة المتّقين، للمولى محمّد تقي المجلسي (1003- 1070) بنياد فرهنگ إسلامي، المطبعة العلمية، قم.

58- رياض المسائل في بيان الأحكام بالدلائل، للسيّد عليّ بن محمّد عليّ الطباطبائي (1161- 1231)، دار الهادي، بيروت، الطبعة الأُولى، 1412 ه- س- 59- السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، لأبي جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (543- 598)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1410 ه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 737

60- سنن ابن ماجة، لأبي عبد اللّٰه محمّد بن يزيد القزويني (207- 275)، دار إحياء التراث العربي، 1395 ه 61- سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (202- 275)، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأُولى، 1419 ه 62- سنن الدارمي، لأبي محمّد عبد اللّٰه بن بهرام الدارمي (181- 255)، دار الفكر، بيروت، 1414 ه 63- السنن الكبرى (سنن البيهقي)، لأبي بكر أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقي (384 458)، مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد، 1344 ه 64- سنن النسائي، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن عليّ بن بحر النسائي (215 303)، دار الجيل، بيروت.

65- السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون، لعليّ بن برهان الدين الحلبي (975 1044)، دار المعرفة، بيروت.

- ش- 66- شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام، للمحقّق الحلّي أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن سعيد الهذلي (602- 676)، انتشارات استقلال، طهران، ناصر خسرو.

67- شرح فتح القدير، لمحمّد بن عبد الواحد، المعروف بابن الهمام الحنفي (م

681)، دار الكتب العلميّة، بيروت.

68- الشرح الكبير (المطبوع في ذيل المغني)، لأبي الفرج عبد الرحمن بن محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي (م 682)، دار الكتب العلمية، بيروت.

- ص- 69- الصحاح (تاج اللغة و صحاح العربية)، لأبي نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري، (المتوفّى حدود 400)، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأُولى، 1418 ه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 738

70- صحيح البخاري، لأبي عبد اللّٰه محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاري الجعفي (194- 256)، دار الفكر، بيروت، 1419 ه 71- صحيح مسلم، لأبي الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري (206- 261)، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأُولى، 1416 ه- ط- 72- الطهارة، للشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري (1214- 1281) الطبعة الحجرية.

73- الطهارة، للإمام السيّد روح اللّٰه الموسوي الخميني (1281- 1368 ش)، مطبعة الآداب، النجف الأشرف، 1389 ه- ع- 74- عدّة الداعي و نجاح الساعي، لأحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (757- 841)، دار الكتاب الإسلامي، طهران، الطبعة الأُولى، 1407 ه 75- العُدّة في أُصول الفقه، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385- 460)، مطبعة ستارة، قم، الطبعة الأُولى، 1417 ه 76- علل الشرائع، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، المكتبة الحيدرية، النجف، 1385 ه 77- عوالي اللئالي، لمحمّد بن عليّ بن إبراهيم الأحسائي، المعروف بابن أبي جمهور (م 940)، مطبعة سيّد الشهداء (عليه السّلام)، قم، الطبعة الأُولى، 1403 ه- غ- 78- غاية المراد في شرح نكت الإرشاد، لأبي عبد اللّٰه محمّد بن جمال الدين مكّي العاملي، المعروف بالشهيد الأوّل (734- 786) مخطوط.

79- غاية المرام في شرح شرائع الإسلام،

لمفلح بن حسن بن رشيد بن صلاح الصيمري البحراني

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 739

(من أعلام القرن التاسع)، دار الهادي، بيروت، الطبعة الأُولى، 1420 ه 80- غنية النزوع إلى علمي الأُصول و الفروع، للسيّد حمزة بن عليّ بن زهرة الحلبي (511- 585)، مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السّلام)، قم، الطبعة الأُولى، 1417 ه- ف- 81- الفقه على المذاهب الأربعة، لعبد الرحمن الجزيري، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأُولى، 1411 ه 82- فقه القرآن، لقطب الدين أبي الحسين سعيد بن هبة اللّٰه الراوندي (م 573)، مكتبة آية اللّٰه النجفي المرعشي، قم، الطبعة الأُولى، 1405 ه 83- الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام)، مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام)، قم، الطبعة الأُولى، 1406 ه 84- الفقيه (من لا يحضره الفقيه)، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1404 ه 85- الفهرست، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي (385- 460)، مؤسّسة نشر الفقاهة، قم، الطبعة الأُولى، 1417 ه- ق- 86- قاموس الرجال، للشيخ محمّد تقي التستري (1320- 1415)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1410 ه 87- القاموس المحيط، لمجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (729- 817)، دار الجيل، بيروت.

88- قواعد الأحكام في معرفة الحلال و الحرام، للعلّامة جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (648- 726)، منشورات الرضي، قم، 1404 ه [بالاوفست عن طبعته الحجرية].

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 740

- ك- 89- الكافي، لثقة الإسلام أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني (م 329)، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الثالثة، 1388 ه

90- الكافي في الفقه، لأبي الصلاح تقيّ الدين بن نجم الحلبي (374- 447)، مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، أصفهان، الطبعة الأُولى، 1403 ه 91- كامل الزيارات، للشيخ أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي (م 368)، نشر الفقاهة، قم، 1417 ه 92- الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل، لمحمود بن عمر الزمخشري (م 528)، نشر أدب الحوزة، قم.

93- كشف اللثام، لبهاء الدين محمّد بن الحسن بن محمّد الأصفهاني، المعروف بالفاضل الهندي (1062 1137)، مكتبة آية اللّٰه المرعشي النجفي، قم، (الطبعة الحجرية) 1405 ه 94- كنز العرفان في فقه القرآن، لجمال الدين المقداد بن عبد اللّٰه السيوري الحلّي، المعروف بالفاضل المقداد (م 826)، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، طهران، 1384 ه 95- كنز العمّال في سنن الأقوال و الأفعال، لعلاء الدين عليّ المتّقي بن حسام الدين الهندي (888- 975)، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1409 ه- ل- 96- اللمعة الدمشقية في فقه الإمامية، لأبي عبد اللّٰه محمّد بن جمال الدين مكّي العاملي، المعروف بالشهيد الأوّل (734- 786)، مركز بحوث الحجّ و العمرة، طهران، الطبعة الأُولى، 1406 ه 97- لؤلؤة البحرين، للشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107- 1186) مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام)، قم.

- م- 98- مباني تكملة المنهاج، للسيّد أبي القاسم بن السيّد علي أكبر الموسوي الخوئي (1317- 1413)، مطبعة الآداب، النجف الأشرف.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 741

99- المبسوط، لأبي بكر شمس الدين محمّد بن أبي سهل السرخسي (م 490)، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأُولى، 1414 ه 100 المبسوط في فقه الإمامية، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385- 460)، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، طهران، 1351 ش.

101- متشابه

القرآن و مختلفه، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن شهرآشوب المازندراني (م 588)، انتشارات بيدار، قم.

102 مجمع البحرين و مطلع النيّرين، لفخر الدين بن محمّد الطريحي (979- 1085)، مؤسّسة البعثة، قم، الطبعة الأُولى، 1414 ه 103 مجمع البيان في تفسير القرآن، لأمين الإسلام أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (م 548)، دار الفكر، بيروت، 1414 ه 104 مجمع الرجال، للمولى عناية اللّٰه بن شرف الدين عليّ القهپائي (أوائل قرن 11، مؤسّسة إسماعيليان، قم.

105 المجموع شرح المهذّب، لأبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (631- 676)، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأُولى، 1417 ه 106 المحاسن، لأبي جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 280)، المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السّلام)، قم، الطبعة الثانية، 1416 ه 107 المحلّى بالآثار، لأبي محمّد عليّ بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (384- 456، دار الكتب العلمية، بيروت، 1408 ه 108- مختصر المزني (المطبوع مع الأُم)، لإسماعيل بن يحيى المزني (175- 264)، دار المعرفة، بيروت.

109- المختصر النافع في فقه الإمامية، لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلّي (602- 676)، المكتبة الأهلية، بغداد، 1383 ه 110- مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، للعلّامة الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (648- 726)، مركز الأبحاث و الدراسات الإسلامية، قم، الطبعة الأُولى، 1412 ه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 742

111- المدوّنة الكبرى، لمالك بن أنس (93- 179)، مطبعة السعادة، مصر.

112- مرآة العقول، للمولى محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (1037- 1111)، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الأُولى، 1404- 1411 ه 113- المراسم العلوية في الأحكام النبويّة، لأبي يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي، المعروف بسلّار (م 448)، دار

الحقّ، بيروت، 1414 ه 114- مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، لزين الدين بن عليّ العاملي، المعروف بالشهيد الثاني (911- 965)، مؤسّسة المعارف الإسلامية، قم، الطبعة الأُولى، 1413 1419 ه 115- مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، للميرزا حسين النوري الطبرسي (1254- 1320)، مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، قم، الطبعة الأُولى، 1408 ه 116- مستند تحرير الوسيلة، لأحمد المطهري، مطبعة الخيام، قم.

117- مستند الشيعة، للمولى أحمد بن محمّد مهدي النراقي (1185- 1245)، مكتبة آية اللّٰه المرعشي النجفي، قم، 1405 ه 118- المسند، لأحمد بن حنبل (164- 241)، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1414 ه 119- المصنّف، لأبي بكر عبد الرزّاق بن همام الصنعاني (126- 211)، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1403 ه 120- معالم العلماء، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن شهرآشوب المازندراني (م 588)، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف، 1380 ه 121- المعتبر في شرح المختصر، لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن سعيد، المحقّق الحلّي الهذلي (602- 676)، منشورات مؤسّسة سيّد الشهداء (عليه السّلام)، قم، 1364 ش.

122- معجم رجال الحديث، للسيّد أبي القاسم بن السيّد علي أكبر الموسوي الخوئي (1317- 1413)، مركز آثار الشيعة، قم، الطبعة الرابعة، 1410 ه 123- معجم مقاييس اللغة، لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (م 395)، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1404 ه 124- المغني، لموفّق الدين أبي محمّد عبد اللّٰه بن أحمد بن محمّد بن قدامة المقدسي الحنبلي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 743

(541- 620)، دار الكتب العلمية، بيروت.

مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، لمحمّد بن أحمد الشربيني الخطيب (م 977)، دار الفكر، بيروت.

125- المفردات في غريب القرآن، لأبي القاسم

الحسين بن محمّد بن المفضل، المعروف بالراغب الأصفهاني (م 502)، المكتبة المرتضوية، طهران.

126- المقتصر في شرح المختصر، لجمال الدين أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (757- 841)، مجمع البحوث الإسلاميّة، مشهد، الطبعة الأُولى، 1410 ه 127- المقنع، لأبي جعفر الصدوق محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (م 381)، مؤسّسة الإمام الهادي (عليه السّلام)، قم، 1415 ه 128- المقنعة، لأبي عبد اللّٰه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي، المعروف بالشيخ المفيد (336- 413)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1410 ه 129- ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار، للمولى محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (1037- 1111)، مكتبة آية اللّٰه المرعشي النجفي، قم، 1407 ه 130- المنتخب من تفسير القرآن و النكت المستخرجة من كتاب التبيان، لأبي عبد اللّٰه محمّد بن أحمد بن إدريس الحلّي (من أعلام القرن السادس)، مكتبة آية اللّٰه المرعشي النجفي، قم، الطبعة الأُولى، 1409 ه 131- المهذّب، للقاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي (400- 481)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الأُولى، 1406 ه 132- المهذّب البارع في شرح المختصر النافع، لجمال الدين أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (757- 841)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثالثة، 1414 ه 133- الموطّأ، لمالك بن أنس (95- 179)، دار الفكر، بيروت، 1419 ه- ن- 134- الناصريات (مسائل الناصريات)، للسيّد عليّ بن الحسين بن موسى الشريف المرتضى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، ص: 744

(355- 426)، مركز البحوث و الدراسات العلمية، طهران، 1417 ه 135- نكت النهاية، للمحقّق نجم الدين جعفر بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلّي (602- 676)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الأُولى، 1412

ه 136- النهاية في غريب الحديث و الأثر، لأبي السعادات مجد الدين المبارك بن محمّد الجزري، المعروف بابن الأثير (544- 606)، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1399 ه 137- النهاية في مجرّد الفقه و الفتاوى، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385- 460)، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأُولى، 1390 ه 138- نهج الحقّ و كشف الصدق، للعلّامة أبي منصور الحسن بن يوسف المطهّر الحلّي (648- 726)، دار الهجرة، قم، 1407 ه 139- نيل الأوطار من أحاديث سيّد الأخيار، لمحمّد بن عليّ بن محمّد الشوكاني (1172- 1250)، دار الكتب العلميّة، بيروت.

- ه- 140- الهداية، للشيخ أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، مؤسّسة الإمام الهادي (عليه السّلام)، الطبعة الأُولى، 1418 ه 141- الهداية شرح بداية المبتدي، لأبي الحسن عليّ بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني المرغيناني (م 593)، دار الكتب العلمية، بيروت.

- و- 142- الوافي، لمحمّد محسن، المشتهر بالفيض الكاشاني (1007- 1091)، مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، أصفهان، الطبعة الأُولى، 1412- 1416 ه 143- وسائل الشيعة (تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة)، للشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033- 1104)، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، 1376 ه 144- الوسيلة إلى نيل الفضيلة، لعماد الدين أبي جعفر محمّد بن عليّ الطوسي، المعروف بابن حمزة (من أعلام القرن السادس)، مكتبة آية اللّٰه المرعشي النجفي، قم، الطبعة الأُولى، 1408 ه

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحدود، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1422 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.